Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كتاب دكتور منذر الشاوي

كتاب دكتور منذر الشاوي

Published by info, 2020-08-31 07:04:18

Description: كتاب دكتور منذر الشاوي

Search

Read the Text Version

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫انه‪\" :‬اول عمل اقوم به ‪ ....‬لح�سم ال�شكوك التي تلاحقني واعادة نظر نقديه‬ ‫لفل�سفه هيغل القانونيه\"‪ .‬ومن وقتها ف إ�ن رد الفعل �ضد الت�أثير الهيغلي �سيلعب‬ ‫دور ًُا حا�سم ًا في تطور تفكيره‪ ،‬تطور وجد ت أ�ثيره في كتابه ‪\" :‬الاقت�صاد ال�سيا�سي‬ ‫والفل�سفه\"(‪ )1844‬الذي تناول فيه العلاقة بين الاقت�صاد ال�سيا�سي والدولة‬ ‫والقانون والاخلاق والحياة البورجوازية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ُ 1845‬ارغم على مغادرة باري�س‪ ،‬بناء على طلب الحكومة البرو�سية‬ ‫‪،‬فا�ستقر في بروك�سل وا�س�س‪ ،‬مع انكلز‪ ،‬عام ‪، 1846‬لجان الترا�سل ال�شيوعي‬ ‫التي هي فرع من\"رابطه العادلون\"وهي جمعيه �سريه م�ؤلفة من العمال الالمان‬ ‫ومقرها لندن ‪.‬ثم كانت قطيعته مع\"بردون\"التي تج�سدت في كتابه\"ب ؤ��س‬ ‫الفل�سفه\"(‪ )1847‬رد ًا على كتاب الفيل�سوف الفرن�سي ‪\"،‬فل�سفه الب ؤ��س\"وت�أكيد ًا‬ ‫لاتجاهه الجديد في الحياة‪.‬‬ ‫وفي العام ‪ 1847‬تحولت\"رابطه العادلون\"الى\"رابطه ال�شيوعيين \"وكتب مارك�س‬ ‫وانكلز بيان هذه الرابطه الذي ُعرف فيما بعد با�سم \"البيان ال�شيوعي\" و�صدر‬ ‫في ‪� 24‬شباط ‪ 1848‬والذي ا�صبح راية الاحزاب الثورية ال�شيوعية في كل‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫وفي العام ‪ 1849‬ا�ستقر مارك�س نهائي ًا في انكلترا يحوط به العوز المادي الذي‬ ‫تلافاه بف�ضل م�ساعده والدته و�صديقه انكلز‪ ،‬الا ان ذلك لم يمنعه مطلق ًُا من‬ ‫نتاجات علمية هائله على ر�أ�سها كتابه ال�شهير \"ر�أ�س المال\" الذي �صدر الجزء‬ ‫الاول منه عام ‪ .1867‬وبعد وفاته في ‪ 14‬اذار ‪ 1883‬في لندن‪ ،‬ن�شر انكلز الجزء‬ ‫الثاني والثالث من ر أ��س المال (‪. )1‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر ‪:‬بريمو‪ ،‬الاتجاهات الكبرى لفل�سفة القانون والدولة‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪،‬‬ ‫�ص ‪.219-217‬‬ ‫‪51‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ثانيا – المنهج المارك�سي‬ ‫ )أ ( مارك�س �ضد هيغل‬ ‫�إن المنهج المارك�سي في �إدراك الظواهر الب�شرية يتميز ب�إنه منهج �سو�سيولوجي‪ ،‬رغم‬ ‫أ�ن الإ�ستاذ لفيفر يقول‪ :‬إ�ن \"مارك�س لي�س �سو�سيولوجيا بيد أ�ن هناك �سو�سيولوجية‬ ‫في المارك�سية\"(‪ .)1‬على كل حال‪ ،‬ف إ�ن مارك�س بدرا�سته فل�سفة القانون لهيغل‪ ،‬إ�كت�شف‬ ‫ما في \"المثالية الهيغلية\"(‪ )2‬من عيب ا�سا�س وفي كل �آيديولوجية‪ ،‬وهو القطيعة التي‬ ‫تقيمها الفل�سفات بين \"الخا�ص\" و \"العام\" اي بين الحياة الخا�صة والحياة العامة‪.‬‬ ‫وهذا ا إلنف�صام بين العام والخا�ص عند ا إلن�سان‪ ،‬أ�راد هيغل حله عن طريق إ�خ�ضاع‬ ‫الم�صالح الخا�صة إ�لى الم�صالح العامة بوا�سطة الدولة‪ .‬إ�لا أ�ن هذا الت�صور للعلاقات‬ ‫الب�شرية لي�س �إلا تعمية تقود �إلى الإنف�صام الم أ��ساوي بين الإن�سان الملمو�س العامل‪،‬‬ ‫ال�صانع الحقيقي للت�أريخ‪ ،‬الذي يعي�ش حياة خا�صة تهيمن عليها الم�شاكل المادية‬ ‫وبين\"المواطن\"في دولة ي�ؤلهها هيغل والتي فيها يتحقق إ��ستلاب حقوق الإن�سان‬ ‫ال�سيا�سية الأ�سا�سية (‪. )3‬‬ ‫ـالـبـ�ـشـ‪.‬ـر‪7‬ـيـ‪،1‬ـ‪.‬ـبـا‪p‬ـل‪,‬ـن ـ�‪6‬سـ‪6‬بـ ـة‪9‬ل‪1‬ه‪.‬ي‪F‬غ‪.‬ل‪.U،‬م‪P‬ح ‪,‬كو‪is‬م‪r‬بت‪pa‬طو‪,‬ر ا‪x‬ل‪r‬ف‪a‬كر‪m‬الا‪e‬ن�‪d‬سا‪e‬ن‪i‬ي‪o\"l.g‬ف‪i‬ت‪c‬ط‪o‬و‪s‬ر‪:‬ا‪e‬ل‪r‬عق‪b‬ل‪v‬ا‪e‬ل‪f‬ان‪�e‬س‪L‬ا‪.‬ني‪H‬‬ ‫ــــــــ‬ ‫ـــــــــــــ‬ ‫)‪(1‬‬ ‫اتل‪�n‬جص‪o‬ود‪i‬ري‪t‬د‪a‬اللا‪n‬لنم‪é‬ت‪i‬ق‪l‬جاتلم‪A‬ع\"�إياللقىوذل�يش�أ�كسوال�رصتمرىخبتلحهيفعنق\"لوي�هفسقمادأ�منياليل�تتسبيننوطظهير\"ةم‪.‬‬ ‫والروح‬ ‫الجن�س‬ ‫(‪ )2‬ان تطور‬ ‫مجتمعهم ومهاي أ�ة‬ ‫الان�سانية هي التي تمكن الافراد من‬ ‫على م�صيره‪ ،‬على‬ ‫ا(ل‪3‬ظ)روويفكوالمنااديلإةن�لساحيناتفهيم وحافلقةا\"لال�نستملواذجب‬ ‫يبوحيعليقرا‪.‬وتف‪.‬هل‪.‬هااإ�نغلعالخطرالوىا�د�إصقناةيهاو‪:‬م\"عنن�إلتاتنىعجامعنيإل�ما�لشساهتت‪،‬لطواو�آه�إيوبنديي�أعوهتفلوبوكارهجرهيهذااالمتما�تتإلستتزخكقدلرووبةانهجع\"م‪.‬بفناي إ��شنا�رإلسةنان�مسياتنهنقوابلللاذهي�إينطا�لطسلهبااققفا أ�علمنهن\"خل(�اضقنررظورمرا‪:‬وزتامنو�أذو�رضمعال�ؤه��شوسا�وطسابيق‪،‬تتةنوولظمعرييمعلهدة‬ ‫ال�سيادة‪ ،‬من�شورات العدالة‪ ،‬بغداد‪� ،2003 ،،‬ص ‪ 144‬هام�ش ‪.) 2‬‬ ‫‪52‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ومثل محاوله هيغل التي تكر�س‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬الف�صل بين الفرد الخا�ص والمواطن‪،‬‬ ‫كمثل الليبرالية حين عالجت العلاقات بين الحياة الخا�صة والحياةالعامة عن‬ ‫طريق\"الحقوق الطبيعية المو�ضوعية\"‪ ،‬التي أ�دت إ�لى وجود عالم منف�صم عن‬ ‫المجتمع‪\" .‬فدين الحقوق الطبيعية هو التعبير عن ف�صل الان�سان عن جوهره‬ ‫الجماعي وعن ذاته وعن ا ألفراد ا آلخرين (‪. )1‬‬ ‫(ب) عيب المنهج الفل�سفي‬ ‫�إن المنهج المارك�سي يعيب على المذاهب الفل�سفية ب أ�نها ت�ستند على منهج معيب‪:‬‬ ‫إ�نها تنطلق من منهج إ��ستنباطي بدلا من �أن يكون �إ�ستقرائيا �أ�سا�سه ملاحظة‬ ‫الطبيعة الان�سانية والعلاقات الإجتماعية ‪.‬فالمنهج ال�سو�سيولوجي المارك�سي‪ ،‬ينطلق‬ ‫من ملاحظة الوقائع ليقر ان الان�سان كائن إ�جتماعي لايمكن إ�دراكه خارج العلاقة‬ ‫الثلاثية‪ :‬الطبيعة‪ ،‬الان�سان‪ ،‬المجتمع‪ .‬والعلاقة بين الان�سان والطبيعة وثيقة و منف�صلة‬ ‫في ذات الوقت‪ :‬فالإن�سان يطمن جزءا من حاجاته بوا�سطة الطبيعة‪ ،‬والطبيعة‬ ‫تكت�سب �صفتها الإن�سانية بتدخل ا إلن�سان‪� .‬إلا �أن ال�صلة بين الإن�سان والطبيعة تتم‬ ‫عن طريق العمل‪ .‬وهذا العمل ينجب علاقة جديدة بين ا ألفراد‪ .‬فبالعمل يختلف‬ ‫الان�سان عن الحيوان وب إ�نتاجه ا أل�شياء يحتل الإن�سان مكانا إ��ستثنائيا في الإبداع‬ ‫وبالعمل ُيخلق ت�أريخ ا إلن�سان‪ .‬وهكذا ين�ش�أ وعي إ�ن�ساني يخ�ضع لظروف العمل وطرق‬ ‫ا ألنتاج‪\" .‬فلي�س وعي الب�شر هو الذي يحدد وجودهم‪ ،‬يقول مارك�س‪ ،‬بل ‪ ...‬وجودهم‬ ‫هو الذي يحدد وعيهم\"‪ .‬بنا ًء عليه ف إ�ن كل تحليل �سو�سيولوجي يجب أ�ن ين�صب على‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬بريمو‪ :‬المرجع ال�سالف الذكر ‪�،‬ص ‪. 220‬‬ ‫‪53‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫درا�سة طرق الإنتاج وهي البناء التحتي للمجتمع‪ ،‬ولي�س على\"المعتقدات\"‪ ،‬الأخلاق‪،‬‬ ‫الم ؤ��س�سات‪ ،‬المفاهيم القانونية‪ ،‬التي تكون كلها البناء الفوقي للمجتمع‪.‬‬ ‫�إلا �إنه لي�س بكاف للمنهج المارك�سي �أن ي ؤ�كد ب أ�نه منهج\"مادي\"لإدراك تطور ت أ�ريخ‬ ‫الإن�سان‪ ،‬بل يتوجب �أن ي�ستعين بالمنهج الديالكتيكي أ�ي�ضا‪ .‬فقد �أو�ضح هيغل ب أ�ن‬ ‫المنطق التقليدي لا ي�ستطيع �إدراك تطور العالم‪ ،‬ولذلك ف�إن هيغل لج أ� إ�لى منطق‬ ‫الحركة‪ :‬الديالكتيك‪.‬‬ ‫وبموجب هذا المنطق الديالكتيكي ف إ�ن العنا�صر المتناق�ضة في كل حقيقة وال�صراع‬ ‫بينها ي ؤ�دي �إلى حقيقة جديدة‪ .‬وقد طبق مارك�س هذا المنطق الديالكتيكي على‬ ‫الحقائق �أو المعطيات المادية (‪.)1‬‬ ‫�إلا �أن المارك�سية لي�ست منهجا فح�سب‪ ،‬بل هي مفهوم ور�ؤية �شاملة للعالم وا إلن�سان‪،‬‬ ‫وبهذا المعنى ف�إنها \"فل�سفة\" اعتمدت عددا من المعطيات أ�و الم�سلمات يتوجب‬ ‫الوقوف عندها ا آلن ‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بريمو‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪. 221 – 219‬‬ ‫‪54‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ثالثا – الفل�سفة المارك�سية‬ ‫( أ� ) معنى المارك�سية‬ ‫من الخط أ� الإعتقاد �أن المارك�سية هي مذهب إ�قت�صادي فح�سب‪ ،‬إ�نها فل�سفة أ�و‪،‬‬ ‫كما يقول ا أللمان ‪� ،weltanschauung‬أي مفهوما كاملا للعالم وا إلن�سان‪ .‬وربما‬ ‫�أن العادة في �إعتبار المارك�سية مذهبا �إقت�صاديا فقط‪ ،‬يرجع �إلى الدور المهم الذي‬ ‫تعطيه المارك�سية للعوامل ا إلقت�صادية في مفهومها للعالم‪.‬‬ ‫وهذا المفهوم للعالم فر�ضته مرحلة أ�و هو التعبير عنها‪ .‬فالمارك�سية ظهرت ت أ�ريخيا‬ ‫في مرحلة ظهور ال�صناعات الكبرى الحديثة حيث برز �صراع الإن�سان مع\"الطبيعة\"‪.‬‬ ‫كما �أن حقيقة إ�جتماعية جديدة‪ ،‬وهي البروليتاريا‪ ،‬الطبقة العاملة‪ ،‬التي تتلخ�ص‬ ‫فيها تناق�ضات المجتمع الجديد‪ ،‬أ�ثرت أ�ي�ضا في �صياغة المذهب المارك�سي‪ .‬وهكذا‬ ‫ف�إن المارك�سية ظهرت مع المجتمع\"الحديث\"حيث ال�صناعات الكبرى والبروليتاريا‬ ‫ال�صناعية‪ ،‬فكانت إ�دراكا لعالم يعبر عن هذا المجتمع‪ ،‬بتناق�ضاته وبم�شاكله‪،‬‬ ‫ومحاولة لحل عقلاني لهذه الم�شاكل‪.‬‬ ‫والمارك�سية هي المادية الديالكتيكية(‪ ،)1‬ألنها توحد المادية الفل�سفية ونظرية‬ ‫التناق�ضات (الديالكتيكية) عند الفيل�سوف ا أللماني \"هيغل ‪–1779(\"Hegel‬‬ ‫‪ .)1831‬وعليه ف إ�ن ما يميز المارك�سية هي �إنها \"مادية\"‪ .‬ولا يراد بالمادية فل�سفة‬ ‫لاخلاق م�صلحية أ�و إ��شباع لم�صالح مادية‪ .‬فالمق�صود بالمادية هو �أن المادة هي‬ ‫الحقيقة ا أل�سا�سية و إ�ن ا إلدراك والفكر ينحدران من الظواهر المادية ونتيجة لها‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪(1) CF.H.Lefebvre: le marxisme ,\"Que sais – je\"no , 300,P.U.F.1958 p. 21-22‬‬ ‫‪55‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫فالعالم المادي الذي ندركه بالحوا�س هو الحقيقة الوحيدة‪ .‬إ�لا �أن هذه \"المادية\"‬ ‫هي لي�ست‪ ،‬مع هذا‪ ،‬المادية التي عرفتها الفل�سفة ا إلنكليزية – الفرن�سية‪ ،‬مادية‬ ‫هوبز والمو�سوعيين الفرن�سيين‪ :‬فهذه المادية هي مادية \"ميكانيكية\" مح�ضة لا‬ ‫ترى في الإن�سان �إلا آ�لة‪ .‬لذلك فهي مادية �ضيقة و�سطحية غير قادرة على إ�دراك‬ ‫م�سيرة العالم وبالتالي لا ت�ستطيع الو�صول إ�لى تحديد ا أل�سباب المتحكمة في ت�أريخ‬ ‫المجتمعات‪� .‬أما\"المادية\"التي تق�صدها المارك�سية فهي المادية\"الديالكتيكية\"‪ ،‬حيث‬ ‫يدر�س المنهج الديالكتيكي الأ�شياء بعتبارها حقائق في حركة وفي �صيرورة دائمة‪.‬‬ ‫فهذا المنهج يختلف إ�ذن عن المنهج التقليدي في المعرفة الذي يدر�س ا أل�شياء‬ ‫ب�إعتبارها مادة ثابتة أ�بديا ‪.‬‬ ‫والمنهج الديالكتيكي يت�ضمن فكرتي الحركة والتناق�ض الممكن تجاوزه ‪.‬فهو ينطلق‬ ‫من\"ا ألطروحة ‪ \"la thèse‬أ�و الت�أكيد‪ ،‬ثم\"الأطروحة الم�ضادة \"�أو النفي لي�صل‬ ‫�إلى التركيبة ‪ \"la synthèse‬والتي وفقا لها يتطور الواقع بف�ضل التناق�ضات التي‬ ‫يفرزها‪ .‬فالعالم لا يتطور بتغير معطية ثابتة‪ ،‬بل هناك ولادة جديدة‪ .‬فوجود المعطية‬ ‫ي ؤ�دي إ�لى ت�أكيد نقي�ضها ومن ال�صراع بينهما لا يتحطم المتناق�ضان‪ ،‬بل ينجم عن‬ ‫ذلك تركيبة جديدة (‪. )1‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬وقد طبق هيغل المنهج الديالكتيكي على \"الفكرة\" المطلقة التي تكون ا أل�شياء الحقيقة �إنعكا�سا لها ‪ .‬إ�لا �أن‬ ‫مارك�س يرى أ�ن\"الفكرة\"لي�ست إ�لا �إنعكا�سا لل�شيء المادي وبالتالي ف�إن الديالكتيك �سيكون علم القوانين العامة‬ ‫لحركة العالم الخارجي‪ .‬وبهذا المعنى قيل �أن مارك�س أ�وقف الديالكتيكية الهيغلية على �أقدامها بعد �أن كانت‬ ‫ت�سير على ر�أ�سها ‪.‬‬ ‫(انظر‪� :‬شفاليه‪ ،‬الم�ؤلفات ال�سيا�سية الكبرى‪� ،‬ص ‪) 265- 264‬‬ ‫فبعك�س هيغل‪ ،‬الذي يجعل التقدم الديالكتيكي �صفة لعالم \"ا ألفكار\"‪ ،‬ف�إن مارك�س يجعل منه �صفة للمادة‪.‬‬ ‫لذلك ف�إن كل الظواهر‪ ،‬وخا�صة الظواهر الإن�سانية وا إلجتماعية تتطور وفق المنطق الديالكتيكي‬ ‫‪56‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫(ب ) المادية الت�أريخية‬ ‫وحيث �أن ت أ�ريخ الب�شرية هو تاريخ الحياة الإجتماعية عبر الع�صور‪ ،‬ف�إن النتيجة‬ ‫المنطقية للمادية الديالكتيكية‪ ،‬على ال�صعيد الإجتماعي والإن�ساني‪� ،‬ستكون \"المادية‬ ‫الت أ�ريخية\"‪ .‬فم�سيرة الت أ�ريخ الب�شري تجد محركها في الأو�ضاع المادية أ�و في عالم‬ ‫المادة‪ .‬ويترتب على ذلك بالن�سبة �إلى مارك�س‪ ،‬أ�ن العلاقات القانونية وال�سيا�سية‬ ‫والمعتقدات الآيديولوجية والفل�سفية وال�صيغ الفنية تجد �أ�سا�سها و إ�دراكها في‬ ‫العلاقات المادية للحياة‪� ،‬أي في الظروف الحياتية المادية ‪.‬‬ ‫وفي هذه العلاقات المادية تحتل العلاقات الإقت�صادية دورا مهما و�أ�سا�سيا‪ .‬فمن‬ ‫بين كل الظروف المادية ف إ�ن العامل الحا�سم هو\"تكنيك الإنتاج\"والعلاقات‬ ‫التي يولدها بين الأفراد‪ .‬وعليه ف أ�ن تكنيك إ�نتاج معين ي�ؤدي إ�لى نوع معين من‬ ‫المجتمعات ‪\".‬فالطاحونة اليدوية أ�عطتنا مجتمع ال�سيد ا إلقطاعي‪ ،‬والطاحونة‬ ‫البخارية أ�عطتنا مجتمع الر�أ�سمالية ال�صناعية\"‪ .‬وباناءا عليه ف إ�ن علاقات‬ ‫ا إلنتاج هي الأ�سا�س الحقيقي في المجتمع‪ ،‬إ�نها \"البناء التحتي\" للمجتمع‬ ‫وعليه يقوم \"بناء فوقي\" قانوني‪� ،‬سيا�سي‪ ،‬فكري أ�و \"�آيديولوجي\"‪ .‬لذلك ف إ�ن‬ ‫طريقة إ�نتاج الحياة المادية تحدد ب�صورة عامة الم�سيرة الإجتماعية‪ ،‬ال�سيا�سية‬ ‫والفكرية للحياة‪ .‬فطريقة معينة ل إلنتاج (الطاحونة اليدوية ) تحدد بال�ضرورة‬ ‫بنا ًء إ�جتماعيا معينا‪ ،‬وبالتالي وجود تنظيم �سيا�سي‪ ،‬قاتوني ووعي معين‪ .‬وهذه‬ ‫المادية التاريخية �أي م�سيرة العلاقات الب�شرية تحكمها �إذن‪ ،‬العلاقات المادية‪،‬‬ ‫ا إلقت�صادية‪ .‬ف�إذا تغيرت طريقة الإنتاج التي تنجب تمييزا �إجتماعيا معينا‪،‬‬ ‫ف�إن التمييز الطبقي يتغير هو ا آلخر بال�ضرورة‪ .‬وهذا التغير الطبقي يحكمه‬ ‫‪57‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫المنطق أ�و المنهج الديالكتيكي‪ ،‬الذي يقوم على التناق�ضات‪ ،‬التي تت�ضمنها كل‬ ‫حقيقة �إجتماعية‪ ،‬والتي يعبر عنها في ال�صراع الطبقي (‪.)1‬‬ ‫(ج ) ال�صراع الطبقي‬ ‫فال�صراع الطبقي وجد دائما‪ ،‬لأن تكنيك الإنتاج ي�ضع وجها لوجه‪ ،‬في أ�ي مجتمع‪،‬‬ ‫طبقة مهيمنة وطبقة م�ستغلة‪ .‬وكل الت�أريخ أ�ي ت�أريخ المجتمعات الب�شرية‪ ،‬كان ت�أريخ‬ ‫والطبقات الم�س َتغلة‪ ،‬بين الطبقات المحكومة‬ ‫الم�ست ِغله‬ ‫ال�صراع الطبقي بين الطبقات‬ ‫الديالكتيكي‪ ،‬ف إ�ن\"ا ألطروحة\"هي هيمنة‬ ‫للمنهج‬ ‫والطبقات الحاكمة‪ .‬ووفقا‬ ‫الطبقة المالكة و\"الأطروحة الم�ضادة\"هي مقاومة الم�ست�ضعفين و\"التركيبة\"هي‬ ‫إ�قامة مجتمع جديد‪ .‬وعليه ف�إن التطور الت�أريخي يحكمه‪ ،‬بهذا المعنى‪ ،‬ال�صراع‬ ‫الطبقي‪ ،‬بحيث �أن كل طبقة تحل محل الطبقة ا ألخرى وفي كل مرحلة هناك ولادة‬ ‫لمرحلة إ�جتماعية جديدة‪ .‬وهكذا ف�إن ال�صراع الطبقي هو عن�صر �أ�سا�س في ت أ�ريخ‬ ‫الب�شرية‪ .‬فمنذ زوال الملكية الم�شاعة للأر�ض في الجماعات البدائية‪ ،‬ظهر �إ�ستغلال‬ ‫الإن�سان ل إلن�سان‪ ،‬ب إ�عتباره ثمرة إلنق�سام المجتمع �إلى طبقات تبعا للنظام الجديد‬ ‫للملكية‪ .‬والت أ�ريخ اللاحق على هذا الإنق�سام‪ ،‬يقدم لنا �صورة قاتمة للقمع وال�صراع‬ ‫الذي يتبعه بين الطبقات الم�س َتغلة والطبقات الم�ست ِغلة‪ ،‬بين الطبقات المحكومة‬ ‫عا ‪ ،1883‬ف إ�ن الطبقة الم�س َتغلة والمقهورة‬ ‫وهالي\"طابلقباروتلايتلاحراياك\"موةا‪.‬ل وطابليقوةما‪،‬لتييقوت�لستإ�نغلكلهاز‬ ‫وتقهرها هي‪ :‬البورجوازية‪ .‬ومن مميزات‬ ‫مرحلة البرجوازية‪� ،‬إنها ب�سطت التعار�ض الطبقي‪ ،‬فالمجتمع ب أ�كمله ينق�سم‪ ،‬أ�كثر‬ ‫ف�أكثر‪� ،‬إلى مع�سكرين كبيرين ومت�ضادين‪� ،‬إلى طبقتين كبيرتين متعار�ضتين‪:‬‬ ‫البورجوازية والبروليتاريا (‪. )2‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪� :‬شفاليه‪ ،‬الم�ؤلفات ال�سيا�سية الكبرى‪� ،‬ص ‪.266‬‬ ‫(‪ )2‬والبورجوازية تعني‪ ،‬في التعبير المارك�سي‪ ،‬المرادف للقاب�ض على ر أ��س المال‪ ،‬الر أ��سمالي‪ ،‬ال�صناعي‬ ‫الكبير‪ ،‬الذي بف�ضل تملكه لر�أ�س مال كبير ي�ستخدم عدد ًا مهما من الإجراء ‪.‬‬ ‫‪58‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫وهذه \"البورجوازية\" أ�ي الطبقة الر�أ�سمالية‪ ،‬نجمت ديالكتيكيا‪ ،‬عن تف�سخ المجتمع‬ ‫الإقطاعي‪ ،‬رهين تناق�ضاته‪ .‬فبعد ا إلكت�شافات الكبرى وظهور الأ�سواق الجديدة‬ ‫وزيادة الب�ضائع وو�سائل التبادل‪ ،‬حدث تناق�ض متنام بين تو�سع الحاجات والطريقة‬ ‫البالية ل إلنتاج‪ .‬لذا فقد حل محل الم�شغل التعاوني‪ ،‬الم�صنع الذي أ�دى إ�لى تق�سيم‬ ‫العمل وظهور طبقة متو�سطة �صناعية‪� .‬إلا �أن الم�صنع �أ�صبح بدوره غير كاف �أمام‬ ‫التو�سع الم�ستمر للأ�سواق والحاجات‪ ،‬لذا حلت ال�صناعات الكبرى والع�صرية‪،‬‬ ‫بنت الماكنة البخارية‪ ،‬محل الم�صنع وحلت البورجوازية الع�صرية محل الطبقة‬ ‫المتو�سطةال�صناعية (‪. )1‬‬ ‫(د) الثورة و الدولة‬ ‫وبذات المنطق الديالكتيكي‪ ،‬حيث ادانت قوى الانتاج المجتمع الاقطاعي بالزوال‬ ‫لم�صلحة المجتمع البورجوازي الذي نمى بين دفتيه‪ ،‬تق�ضي ال�ضرورة الديالكتيكيه‬ ‫بزوال البورجوازيه لم�صلحة البرولتياريا(‪. )2‬‬ ‫واذا كان كل التاريخ هو ت�أريخ الا�ستغلال‪ ،‬القهر وال�صراع الطبقي‪ ،‬ف�أن هذا‬ ‫ال�صراع قد و�صل الى مرحله لا يمكن للطبقه الم�ستغله والمقهوره (البروليتاريا) ان‬ ‫تتحرر من الطبقه التي ت�ستغلها وتقهرها (البورجوازيه) دون ان تحرر‪ ،‬في ذات‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪� :‬شفاليه‪ ،‬الم ؤ�لفات ال�سيا�سية الكبرى‪� ،‬ص ‪.268-267‬‬ ‫(‪ )2‬والبروليتاريا هي طبقه العمال التي \"لاتعي�ش الا اذ وجدت عمل ًا \"والتي لاتجد العمل\" الا اذا كان عملها‬ ‫يزيد من ر�أ�س المال\"‪ .‬وهذا النمو لر أ��س المال هو نمو غير م�ستحق ‪�،‬سرقة حقيقيه‪ ،‬يقوم بها الر أ��سمالي من‬ ‫الاجير ا�ستناد ًا الى \"قانون اقت�صادي �ضروري\" هو \"فائ�ض القيمه\" الذي ي�ستقطعه‪ ،‬وفق ًا لمارك�س ‪ ،‬الر�أ�سمالي‬ ‫من العامل الذي ي�ستغله‪ .‬وه�ؤلاء العمال \"المرغمين على ان يبيعوا انف�سهم\" لي�سوا الاب�ضاعه تخ�ضع لمتغيرات‬ ‫المناف�سه وتقلبات ال�سوق‪.‬‬ ‫‪59‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الوقت والى الابد‪ ،‬كل المجتمع من الا�ستغلال والقهر وال�صراعات الطبقيه ‪.‬‬ ‫بنا ًء عليه ف أ�ن هذه الثوره �ست�ؤدي الى الق�ضاء على كل تمييز اجتماعي ومجىء‬ ‫المجتمع اللاطبقي في النهايه‪ .‬فتكوين طبقه البروليتاريا كطبقه حاكمه م�سلحه‬ ‫بال�سلطه ال�سيا�سيه‪ ،‬لي�ست �إلا المرحله الاولى من الثورة‪ .‬فالبروليتاريا تحتاج لل�سلطه‬ ‫ال�سيا�سيه لكي تنتزع �شيئ ًا ف�شيئ ًا من البورجوازيه كل ر�أ�س المال ولتركز بين ايدي‬ ‫الدوله (�أي البروليتاريا منظمه كطبقه حاكمه ) كل و�سائل الانتاج‪ .‬الاان ا�ستبداد‬ ‫البروليتاريا (دكتاتوريه البروليتاريا‪ ،‬كما �سيقول مارك�س في عام ‪ ،)1852‬لي�ست‬ ‫الا�ضرورة مرحلية‪ .‬فكما ان البورجوازيه (اطروحه) انجبت ديالكتيكي ًا نقي�ضها‬ ‫(الاطروحه الم�ضادة) البروليتاريا‪ ،‬فلذات ال�سبب ف�أن البروليتاريا‪ ،‬بعد ان ا�صبحت‬ ‫طبقه قاهره ومهيمنه‪� ،‬ستنجب ديالكتيكي ًا (التركيبه)‪ :‬المجتمع اللاطبقي‪.‬‬ ‫والمجتمع بدون طبقات هو مجتمع بدون تناق�ضات اجتماعية‪ ،‬بدون �سلطه �سيا�سيه‬ ‫‪،‬بدون دولة‪ ،‬لان الدولة لي�ست إ�لا ترجمة لتناق�ض الطبقات‪ .‬وعليه ف�إن الانتقال‬ ‫من المجتمع الر�أ�سمالي الى\"المجتمع الا�شتراكي\"(ال�شيوعي )‪� ،‬سيمر بمراحل بعد‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫والمرحلة الاولى هي مرحلة\"دكتاتورية البروليتاريا\"التي هي مرحلة انتقال بين‬ ‫المجتمع الر�أ�سمالي والمجتمع الا�شتراكي ‪.‬‬ ‫وال�سلطة في هذه المرحلة تعود ح�صر ًا الى البروليتاريا حيث تمار�سها لوحدها‪.‬‬ ‫وبعد مرحلة دكتاتورية البروليتاريا تاتي\"المرحلة الدنيا للا�شتراكية (ال�شيوعية)\"‬ ‫التي هي الم�ؤدى ال�ضروري لدكتاتورية البروليتاريا‪ .‬وفي هذه المرحلة لم يعد هناك‬ ‫ا�ستغلال للان�سان من الان�سان‪ ،‬ب�سبب الغاء الملكية الخا�صة لو�سائل الانتاج‪ .‬إ�لا ان‬ ‫الهدف البعيد للا�شتراكية‪ ،‬المتمثل في مبد أ�ها الا�سا�س وهو الم�ساواة لم يتحقق بعد‬ ‫في هذه المرحلة‪ ،‬لان هذا المجتمع مازال يحمل\"�آثار المجتمع القديم الذي منه ولد\"‪.‬‬ ‫لذلك يتوجب الأخذ بنظر الاعتبار بع�ض بقايا الر أ��سمالية بحيث �سيكون توزيع‬ ‫الانتاج وفق ًأ� لعمل وقابلية كل فرد‪ ،‬الأمر الذي ي ؤ�دي الى عدم الم�ساواة في الأجور‪،‬‬ ‫‪60‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫وبحدود معينه الى عدم الم�ساواة في ظروف المعي�شه‪ .‬لكن لا ا�ستغلال بعد اليوم‪ ،‬لالغاء‬ ‫الطبقات‪ .‬اما الدولة‪ ،‬وهي بعد الآن ‪،‬دوله البروليتاريا‪ ،‬دولة الاكثرية ال�ساحقة‪،‬‬ ‫ف أ�نها �ستبقى في هذة المرحلة لان �ضرورات تنظيم الانتاج وعدم الم�ساواة في الاجور‬ ‫تلزم ببقاء نوع من الارغام‪ ،‬والدولة هي لي�ست‪ ،‬في الفل�سفة المارك�سية‪� ،‬إلا اداة‬ ‫ارغام‪ .‬اما المرحلة الثالثة فهي ما ا�صطلح على ت�سميتها\"المرحلة العليا للا�شتراكية‬ ‫(ال�شيوعيه)\"‪ .‬وفي هذه المرحلة ي�صل الانتاج الى درجه هائلة من التطور ي�صاحبه‬ ‫تطور في عقلية الافراد بحيث ان م�س�ألة التوزيع لاتطرح بعد الان وبالتالي لم تعد‬ ‫هناك حاجة ألي نوع من الارغام في هذا ال�صدد‪ .‬وعندها �سيحل مبد أ�\"لكل ح�سب‬ ‫حاجاته\"محل مبد أ�\"لكل ح�سب كفاءته\"‪ .‬وفي مثل هذه الظروف ونتيجة لها ف إ�ن‬ ‫الدولة لم يعد لها موجب للبقاء‪ .‬انها في الحقيقة‪ ،‬بد�أت تتوارى في المرحلة الدنيا‬ ‫للا�شتراكية نتيجة للتغير الم�ستمر في عقليات وعادات الافراد في مجتمع خال من‬ ‫ال�صراع الطبقي ومن الا�ستغلال وت�سوده‪،‬او يتجه الى‪ ،‬وفرة الانتاج‪ .‬فالدولة بد أ�ت‬ ‫بالذبول‪ ،‬وذبول الدولة هذا ي�ؤدي الى الغائها (‪. )1‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فدل‪ ،‬القانون الد�ستوري‪ ،‬باري�س‪�،1949،‬ص‪.209-208‬‬ ‫في الحقيقة ان هذه المرحلة\"النهائية\"تبقى غام�ضه ومحل ت�سا ؤ�ل لقلة ما كتب عنها المارك�سيون‪ .‬كما انها‬ ‫تفتر�ضتغير ًاكامل ًافيطبيعهالان�سان‪.‬ويمكنانن�س�أل‪:‬هلتكونهذهالمرحلةهيالمرحلة\"النهائية\"بحيث‬ ‫ت�ضع حد ًا للتطور الديالكتيكي للعالم والان�سانية ؟ وفي مجتمع خال من ال�صراعات او التناق�ضات التي هي‬ ‫محرك التطور الب�شري‪ ،‬وفق المنظور المارك�سي‪ ،‬ماهي عندها التحولات الممكنه بالن�سبة للان�سان ؟ ا�سئلة‬ ‫طرحت وتطرح ويبقى الجواب محل ت�سا�ؤل‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الف�صل الثاني‬ ‫الدولة والقانون في المذهب المارك�سي‬ ‫اول ًا ‪ -‬المفهوم المارك�سي للدولة‬ ‫(�أ) أ��صل الدولة‬ ‫ان الفكرة التي �سادت عند العديد من الم ؤ�رخين وعلماء الاجتماع‪ ،‬منذ الازمنة‬ ‫القديمة الى وقتنا الحا�ضر‪ ،‬هي ان ا�صل الدولة يعود الى نزاع بين فئات‬ ‫اجتماعية بدائية‪ ،‬ففي ا أل�صل كانت الفئات الاجتماعية تعي�ش بدون ان يوجد‬ ‫فيها اي تمييز ‪،‬فالفرد م�ستغرق بكامله من قبل الفئه‪ .‬وفي مرحلة من مراحل‬ ‫الت�أريخ فر�ضت فئة نف�سها على اخرى باعتبارها\"طبقة مهيمنه\"‪ .‬وهذه الطبقه‬ ‫الم�ستولية المهيمنه والفئة الخا�ضعة ا�ستقرتا على اقليم معين حدوده تعين مدى‬ ‫امتداد\"�سيادة\"الاقلية الحاكمة‪ ،‬فكانت الدولة (‪.)1‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬ويرى ان�صار نظرية النزاع ان حق الملكية هو نتيجة إل�ستيلاء فئة‪ ،‬فكان هذا\"الحق\"ل�صالحها وت�أكيدا‬ ‫لهيمنتها و أ�عطى‪ ،‬من ناحية أ�خرى‪ ،‬العمل الذي �أجبر عليه الأفراد المغلوبين‪ ،‬معناه الإقت�صادي ب�إعتباره‬ ‫عاملا في ا إلعتماد المتبادل ا إلجتماعي‪ .‬وعلى أ�ي حال ف إ�ن تحليل وتقدير الظروف التي تم فيها التمييز‬ ‫بين الغالب والمغلوب‪ ،‬ونقول بين الحكام والمحكومين‪ ،‬هما محل �إختلاف بين المفكرين‪ .‬ويقول ا أل�ستاذ‬ ‫بردو أ�ن من أ�وائل الكتاب الذين منهجوا فكرة أ��صل الدولة ب�إعتبارها نزاع بين الفئات هو\"الفيل�سوف و‬ ‫الم�ؤرخ العربي الكبير‪ ،‬في القرن الرابع ع�شر‪ ،‬إ�بن خلدون‪ ،‬مف�سرا في مقدمته أ�ن تكوين الإمبراطوريات‬ ‫كان عن طريق الإ�ستيلاء على �شعوب خانعة في �أمن المدن‪ ،‬من قبل فئات رحل غازية\"‪.‬‬ ‫(بردو ‪ ،‬المطول في علم ال�سيا�سة‪ ،‬ط‪ ،2‬باري�س‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ ،11‬هام�ش ‪) 8‬‬ ‫‪62‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ومن التف�سيرات التي �أعطيت لهذا التمييز بين الإقوياء وال�ضعفاء‪ ،‬الذي يبرر‬ ‫�أ�صل الدولة‪ ،‬ب�إعتباره نزاعا‪ ،‬التف�سير المارك�سي الذي يرى في الدولة نتيجة‬ ‫ل�صراع طبقي‪ .‬فالدولة �ستكون الم�ؤدي الطبيعي لم�سيرة إ�نطلقت من ال�صراع‬ ‫الطبقي‪ .‬فقد هيمنت في البداية طبقة بف�ضل و�ضعها ا إلقت�صادي‪ ،‬ولكي ت�ضمن‬ ‫�إ�ستمرار �سيطرتها على الطبقة الأخرى‪ ،‬فقد �أ�صبحت قوة قهر‪ ،‬وذلك عن‬ ‫طريق جهاز الدولة الذي ت�سيطر عليه وبهذا المعنى ومن هذا المنطلق أ��صبحت‬ ‫الدولة �أداة قهر‪.‬‬ ‫إ�لا �أن الدولة لي�س هذا فقط بالن�سبة إ�لى مارك�س‪ .‬فالدولة �أو ال�سلطة بحاجة‬ ‫�إلى تنظيم وتحديد وظائف لها‪ .‬وكل مجتمع لا يمكن �أن ي�ستمر �إلا بف�ضل نوع‬ ‫من الإنتقاء الطبيعي‪ ،‬بمعنى �أن أ�فرادا كفوئين يقومون ب إ�دارة المجتمع‪� ،‬أي ب أ�داء‬ ‫وظائف معينة لإدارة المجتمع‪ .‬ولا �إعترا�ض على �أن هذا التدرج الذي تفر�ضه‬ ‫ال�ضرورة العملية لتنظيم الفئة يقوم على الكفاءة و إ�ن هناك دائما كفاءات‬ ‫�صاعدة تريدها وربما تفر�ضها �ضروريات حياة المجتمع‪ .‬إ�لا �أن الذي يحدث‬ ‫والذي حدث في مرحلة معينة من الت�أريخ هو أ�ن هذه الوظائف \"الإدارية\"‬ ‫إ�نف�صلت عن المعطيات �أو ال�ضرورات التي بررت وجودها وتثبتت ب�شكل منعزل‬ ‫خارج وفوق المجتمع‪ ،‬وبالتالي أ��صبحت وظائف �سيا�سية (‪.)1‬‬ ‫كما �إن تق�سيم العمل وظهور الملكية الخا�صة والف�صل بين العمل اليدوي والفكري‬ ‫أ�دى �إلى ولادة الطبقات ا إلجتماعية‪ ،‬و�إن\"الوظائف الموجهة\"�أ�صبحت إ�حتكارا‬ ‫لل�شرائح المهيمنة‪ .‬لذلك ف إ�ن \"الدولة البورجوازية\" حملت دائما هذه ال�صفة‬ ‫رغم ما �إدعته ب�أنها المعبر عن المجتمع ب�أ�سره و إ�ن\"حكامها\"ي�ضعون أ�نف�سهم‬ ‫فوق القوى الإقت�صادية لكبح جماحها‪ ،‬فبقيت في واقعها دولة التناق�ضات‬ ‫الطبقية‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪63‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫(ب ) واقع الدولة‬ ‫ولهذا ف إ�ن الفكرة الأ�سا�سية للمارك�سية حول\"واقع الدولة\"هي �إنها النتاج‬ ‫والتعبير عن تناق�ض الطبقات‪ .‬فالدولة تظهر في الزمن والحالة التي لا يمكن‬ ‫مو�ضوعيا التوفيق بين الطبقات‪� .‬إن \"الدولة‪ ،‬يقول �إنكلز‪ ،‬لا تمثل مطلقا قوة‬ ‫مفرو�ضة من الخارج على المجتمع وهي لي�ست \"حقيقة الفكرة الأخلاقية\"‬ ‫و\"�صورة حقيقة العقل\" كما يدعي هيغل‪ .‬فالدولة هي نتاج المجتمع في مرحلة‬ ‫معينة من تطوره‪� .‬إنها الإعتراف ب�أن هذا المجتمع قد تورط في تناق�ض مع ذاته‬ ‫لا حل له‪ ،‬و إ�نه �شطر بتناق�ض لا رجاء في ر أ�ب �صد�أه وغير قادر على التخل�ص‬ ‫منه‪ .‬ولكي لا تفتر�س هذه التناق�ضات‪ ،‬هذه الطبقات التي لها م�صالح متناق�ضة‬ ‫بع�ضها البع�ض ا آلخر‪ ،‬ولا تفتر�س المجتمع في �صراع عقيم‪ ،‬لذلك ف�إن قوة‬ ‫�أ�صبحت �ضرورية لت�ضع نف�سها ظاهريا فوق المجتمع لتهد أ� النزاع وتبقيه في‬ ‫حدود\"النظام\"‪( .‬و) هذه القوة التي تنبع من المجتمع لكن ت�ضع نف�سها فوقه‬ ‫‪ ...‬هي الدولة\"(‪.)1‬‬ ‫ومن قول �إنكلز هذا‪ ،‬يظهر �أن الدولة يمكن أ�ن تكون‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬عامل توازن‬ ‫وربما حكما بين القوى المت�صارعة في المجتمع‪ .‬لكن الطبقة المهيمنة وحدها لها‬ ‫م�صلحة في هذا الإعتدال‪ ،‬بمعنى �أن أ��صحاب الإمتيازات فقط لهم م�صلحة في‬ ‫�إبقاء النظام الإجتماعي‪ .‬وحتى في هذا الو�ضع الذي نحوا إلعتدال ف�إن الدولة‬ ‫تبقى �أداة هيمنة بيد الطبقة البورجوازية‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪)1(F.Engels: Lo' rigine de la famille , de la propriété et‬‬ ‫‪de lE' tat paris, coste .1931, p 177-178 .citè par lènine ;L΄tat et la Révol -‬‬ ‫‪tion , éd.sociales,paris,1947, p.12.‬‬ ‫‪64‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫«‪ ...‬فكما أ�ن الدولة‪ ،‬يقول �إنكلز‪ ،‬ولدت من �ضرورة لجم التناق�ضات بين الطبقات‪،‬‬ ‫كما إ�نها ‪ ...‬ولدت من النزاع بين الطبقات‪ ،‬فهي ب�صورة عامة‪ ،‬دولة الطبقة‬ ‫الأكثر قوة‪ ،‬الطبقة الأكثر هيمنة �إقت�صاديا‪ ،‬التي بم�ساعدة الدولة‪ ،‬ت�صبح أ�ي�ضا‬ ‫الطبقة المهيمنة �سيا�سيا‪ ،‬وبالتالي تكت�سب و�سائل جديدة لقمع و إ��ستغلال الطبقة‬ ‫الم�ضطهدة\"(‪. )1‬‬ ‫وعليه ف إ�ن واقع الدولة في المجتمع البورجوازي هو ظاهرة هيمنة‪ .‬فالدولة في‬ ‫المنظور المارك�سي‪ ،‬لي�ست تجريدا تعرف ب�سيادتها و�شخ�صيتها المعنوية‪ ،‬كما يرى‬ ‫القانونيون‪� ،‬إنما هي �إنعكا�س م ؤ��س�سي لو�ضع إ�جتماعي ت أ�ريخي �صنعته �إنق�سام‬ ‫الطبقات و�صراعها‪ \" .‬إ�نها الجهاز الذي بوا�سطته تمار�س طبقة �إرغامها على طبقة‬ ‫�أخرى‪ ،‬و هذا في جوهره‪ ،‬ظاهرة قوة\"‪.‬‬ ‫بنا ًء عليه ف�إن المارك�سيون يرون أ�ن كل النظريات التي تعتبر الدولة المنظم للخير‬ ‫العام ‪ ،‬المدافع عن الم�صلحة العامة‪ ،‬هي في الواقع و�سائل ت�ستخدمها الطبقة المهيمنة‬ ‫لتغطية هيمنتها و إ�قناع الطبقة الم�ستغلة بقبولها‪ .‬فالدولة‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬ظاهرة قوة‪،‬‬ ‫إ�نها مجموعة و�سائل إ�رغام في خدمة الطبقة المهيمنة‪.‬‬ ‫الدولة‪ ،‬يقول لنين‪ ،‬هي \"ماكنة �صنعت لإبقاء هيمنة طبقة على �أخرى\"‪ .‬وهذه‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وهذا الواقع‪ ،‬للدولة ي�صح بالن�سبة للدولة الديموقراطية الليبرالية‪ ،‬كما‬ ‫ي�صح كذلك بالن�سبة للدول التي �سبقتها‪ ،‬وكل ما في ا ألمر أ�ن القوة هي أ�كثر ت�سترا‪،‬‬ ‫أ�كثر نفاقا في ديمقراطيات اليوم‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انكلز‪ :‬أ��صل العائلة‪� ،‬ص ‪ ،222‬ذكره‪ ،‬لينين‪ ،‬الدولة والثورة‪� ،‬ص ‪ ،17‬ومع هذا ف�إن لنين ي�سلم ب أ�ن‬ ‫الدولة في بع�ض الظروف التاريخية يمكن �أن تلعب دور الحكم‪ .‬وهذا يحدث حين تكون هناك طبقة في طريقها‬ ‫إ�لى الزوال‪ ،‬ومع هذا تحتفظ ببع�ض القوة‪ ،‬و�إن هناك طبقة �صاعدة لي�س لها القوة الكافية لإق�صاء الطبقة‬ ‫المناف�سة‪ .‬فالدولة في هذه الفترة‪ ،‬يمكن أ�ن تحقق التوازن بينهما‪ ،‬وهكذا كان الحال في الملكيات المطلقة في‬ ‫القرن ال�سابع ع�شر والثامن ع�شر‪ ،‬وكذلك بالن�سبة للبونابارتيه الفرن�سية في ظل الإمبراطورية ا ألولى والثانية‪،‬‬ ‫وبالن�سبة لب�سمارك في المانيا ولكرين�سكي في رو�سيا عام ‪. 1917‬‬ ‫(انظر‪ :‬لينين‪ ،‬الدولة والثورة‪� ،‬ص ‪). 17‬‬ ‫‪65‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫« أ�ن تقرر‪ ،‬يقول لنين ‪ ،‬مرة واحدة كل عدة �سنوات‪ ،‬من هو الع�ضو في الطبقة المهيمنة‬ ‫الذي �سيقمع‪� ،‬سي�سحق ال�شعب في البرلمان‪ ،‬ذلك هو الم�ضمون الحقيقي للبرلمانية‬ ‫البورجوازية\"‪.‬‬ ‫فالديموقراطية الليبرالية هي\"تعمية\"‪ .‬فالبورجوازية �ضمنت أ�ولا الهيمنة داخل‬ ‫البرلمانات بف�ضل �سيطرتها على ا إلنتخابات عن طريق‪ :‬تملك ال�صحافة‪ ،‬و�سائل‬ ‫الدعاية‪ ،‬المال‪ .‬وقد �ضمنت ‪ ،‬ثانيا‪ ،‬ال�سيطرة على الجهاز البيروقراطي وهو �أ�سا�س‬ ‫عمل كل حكومة‪.‬‬ ‫و�أخيرا‪ ،‬ف إ�ن البورجوازية �سعت �إلى تفتيت تنظيم الطبقة العاملة الذي يمكن أ�ن‬ ‫يكون م�صدر تهديد لهيمنتها وذلك بوا�سطة ا ألحزاب ا إل�شتراكية ا إل�صلاحية التي‬ ‫يمكن �أن تكون خ�صما للبروليتاريا(‪ .)1‬في الحقيقة أ�ن الدولة في المنظور المارك�سي‪،‬‬ ‫لي�ست إ�لا بنا ًء فوقي ًا يخفي واقعا �إجتماعيا يتحكم فيه بناء تحتي معين للمجتمع‪.‬‬ ‫فالدولة القديمة كانت �أداة �إ�ستغلال للعبيد‪� ،‬أما الدولة الع�صرية ف�إنها �أداة إ��ستغلال‬ ‫للبروليتاريا من قبل الر أ��سماليين‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬في �إطار هذا الت�صور‪ ،‬ما حكم العلاقة بين الدولة والقانون‪ ،‬أ�و بعبارة أ�خرى‪،‬‬ ‫ما هو المفهوم المارك�سي للقانون ؟‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪)1( CF.M,Duverger,Institutions politiques et droit constitutionnel , Paris‬‬ ‫‪.P.U.F.1968,p.337.‬‬ ‫‪66‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ثانيا – المفهوم المارك�سي للقانون‬ ‫( أ� ) ظاهرة القانون‬ ‫القانون لي�س له ت�أريخ خا�ص به‪ ،‬يقول مارك�س (‪ .)1‬إ�ن القانون لا يتطور وفقا‬ ‫لمنطق خا�ص به‪ ،‬كما يقول الفقهاء البورجوازيين‪ .‬فالقانون لي�س بظاهرة‬ ‫م�ستقلة جديرة بدرا�سة متخ�ص�صة‪� :‬إنه ظاهرة تحكمها ظروف‪ .‬فتطور‬ ‫القانون‪ ،‬كتطور الدولة‪ ،‬يحكمه تطور طرق الإنتاج‪ ،‬ولذلك فهو لي�س �إلا �إنعكا�سا‬ ‫للبناء التحتي للمجتمع بمعنى إ�نه التعبير عن العلاقات ا إلجتماعية للإنتاج‪.‬‬ ‫�إن \"العلاقات القانونية‪ ،‬يقول مارك�س‪ ... ،‬لايمكن أ�ن تدرك في ذاتها ولا بما‬ ‫يدعى التطور العام للنف�س الب�شرية ‪ .‬إ�نها تجد جذورها ‪ ...‬في ظروف الوجود‬ ‫المادي\"(‪ .)2‬وتطور المجتمعات الب�شرية إ�لى مجتمعات متنوعة وكذلك الإنف�صام‬ ‫بين الفرد والمجتمع إ�رتبطت كلها بظهور حق الملكية الخا�صة‪ .‬ويرى إ�نكلز (في‬ ‫كتابه \" أ��صل العائلة\") �إن المجتمعات البدائية التي تقوم على الم�ساواة في ظروف‬ ‫العي�ش �ضمنت ب�شكل تلقائي تطابق الم�صلحة الفردية والم�صلحة ا إلجتماعية‪.‬‬ ‫إ�لا أ�ن ظهور الملكية الفردية‪ ،‬نتيجة لتغير طرق الإنتاج �أدت إ�لى التملك و�إلى‬ ‫ا إل�ستلاب وتق�سيم العمل والمجتمع المتعدد غير المندمج‪.‬‬ ‫و�إنق�سام الطبقات ظهر في ذات الوقت الذي ظهرت فيه الملكية الخا�صة والتمييز‬ ‫بين القانون الخا�ص والقانون العام‪� ،‬أي قانون الدولة (‪. )3‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬كارل مارك�س‪ :‬ا آليديولوجية الألمانية‪ ،‬ذكره بريمو ‪،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪. 224‬‬ ‫(‪ )2‬كارل مارك�س‪ :‬ا�سهام في الدرا�سة النقدية للإقت�صاد ال�سيا�سي‪ ،‬ذكره بريمو‪ :‬المرجع ال�سالف‬ ‫الذكر‪� ،‬ص ‪.225 – 224‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬بريمو‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪.225‬‬ ‫‪67‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ولما كانت الدولة‪ ،‬في النظرية المارك�سية لي�ست �إلا أ�داة قمع وو�سيلة إل�ستغلال‬ ‫العمال من قبل الر�أ�سماليين‪ ،‬ف إ�ن القواعد القانونية �ستكون التعبير عن آ�يديولوجية‬ ‫وم�صالح الطبقة المهيمنة ولي�س التعبير عن الم�صلحة أ�و ا إلرادة العامة لكل أ�ع�ضاء‬ ‫الفئة الإجتماعية (‪. )1‬‬ ‫ولما كانت القاعدة القانونية لايمكن ف�صلها عن الدولة ف�سيكون لها‪ ،‬كالدولة‪،‬‬ ‫�صفة الإرغام‪ .‬و�صفة الإرغام هذه لا تتطابق‪ ،‬بالن�سبة لمارك�س‪ ،‬مع العنف \"عدا‬ ‫حالات الأزمة ا إلجتماعية\"‪� ،‬إنها تنجم عن مجموع جهاز الدولة وعن ظاهرة القهر‬ ‫الملازمة لطبيعة الدولة البورجوازية (‪.)2‬‬ ‫(ب ) طبيعة القانون‬ ‫والقانون بطبيعته لا يمكن �أن يعلو على الدولة والمجتمع‪ ،‬في المذهب المارك�سي‪،‬‬ ‫بعك�س ماهو �سائد في ا ألنظمة الليبرالية (البورجوازية ) حيث يعتقد �أن القانون‬ ‫\"‪ \"le Droit‬هو مجموعة قواعد ت�سود وتعلو على \"ال�سلطة\"‪ :‬ولعلنا نجد في‬ ‫نظرية\"الحقوق الفردية\"خير مثال على ذلك‪ .‬وقد تتعدد الأ�ساليب لو�ضع هذا المبد أ�‬ ‫مو�ضع التنفيذ إ�لا �إنه يبقى واحدا في جوهره‪ :‬القانون فوق المجتمع وال�سلطة‪.‬‬ ‫�أما في المفهوم المارك�سي‪ ،‬ف�إن القانون �سيكون ملازما‪ ،‬للمجتمع بمعنى للت�أريخ لأنه‬ ‫محكوم بالبنية ا إلقت�صادية ا إلجتماعية ‪.‬‬ ‫فالمباديء والاجراءات لا ت�ستطيع أ�ن تحقق في المجتمع الر�أ�سمالي أ�و مجتمع‬ ‫الطبقات غير قانون يكون و�سيله لهيمنة الطبقة الأكثر قوة‪ .‬والحقيقة هي أ�ن‬ ‫القانون في حمايته للإن�سان‪ ،‬يعتمد على الو�سط‪ ،‬ا إلقت�صادي – الإجتماعي الذي‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،2‬ص ‪.21‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بريمو‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪225‬‬ ‫‪68‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫هو فيه‪ .‬ففي مجتمع\"�شيوعي\"يعك�س القانون ب�صدق في مبادئه و إ�جراءاته العداله‬ ‫والم�ساواة‪ ،‬التي هي\"روح مثل هذا المجتمع\"‪ ،‬والتي هي بعيدة كل البعد عن العدالة‬ ‫المثالية التي تعلو على الوقائع الإقت�صادية (‪.)1‬‬ ‫ويترتب على ذلك ان المارك�سية لا تعطي أ�ية علوية للقانون‪ ،‬و إل�ستبعادها لمثل هذا‬ ‫القانون الذي لا يكترث بالمتغيرات‪ ،‬ف�إنها ترف�ض فكرة القانون الطبيعي‪ ،‬أ�و أ�ي‬ ‫مجموعة من القواعد تعلو على الحكام والمحكومين‪ .‬بنا ًء عليه ف�إن القانون‪ ،‬في‬ ‫الت�صور المارك�سي‪ ،‬ملازم للمجتمع وناجم عنه‪ .‬فجوهر أ�و طبيعة القانون تتوقف �إذن‬ ‫على طبيعة الو�سط ا إلقت�صادي وا إلجتماعي وبالتالي فهو ملازم للفئة ا إلجتماعية‬ ‫التي يخدمها‪ .‬ففي مجتمع طبقي‪ ،‬كالمجتمع الر أ��سمالي‪ ،‬يكون القانون �أداة هيمنة‬ ‫للطبقة الأكثر قوة‪ ،‬فلا وجود �إذن لقانون خالد (‪.)2‬‬ ‫ثالثا – الدولة والقانون بعد الثورة الإ�شتراكية‬ ‫الدولة والقانون و�سيلتان بيد الطبقة المهيمنة لقمع الطبقة الم�س َتغلة‪ ،‬بمعنى إ�نهما‬ ‫نتاج للتناق�ض المطلق بين الطبقات‪ .‬وتحرر الطبقة الم�س َتغلة لا يمكن أ�ن يتم دون‬ ‫ثورة من نتائجها و�ضع حد لجهاز القمع المتمثل بالدولة والقانون‪ .‬لذلك ف إ�ن هذه‬ ‫الثورة �ستفتح �صفحة جديدة في �سجل تاريخ الدولة والقانون والمجتمع الإن�ساني‬ ‫�أي�ضا‪ .‬فوجود ال�سلطة (الدولة) وبالتالي ظاهرة ا ألمر والطاعة يرتبط إ�رتباطا‬ ‫وثيقا بوجود المجتمعات\"البورجوازية\"(الر أ��سمالية) التي تقوم �أ�سا�سا على ال�صراع‬ ‫الطبقي‪ .‬وما تريده المارك�سية هو زوال كل �إرغام وكل �إ�ستلاب – وخا�صة الإ�ستلاب‬ ‫ال�سيا�سي – وذلك ب�إقامة مجتمع يدير فيه ا ألفراد �ش ؤ�ونهم ب أ�نف�سهم بدون و�سيط‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬فدل‪ ،‬القانون الد�ستوري‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص‪. 237 ،‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،4‬ص ‪. 314- 313‬‬ ‫‪69‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫وهذا يعني ت�صفية علاقات الأمر والطاعة �أي نهاية ال�سلطة وتبعا لذلك القانون‪� .‬إلا‬ ‫�أن ذلك لا يتحقق �إلا عن طريق الثورة البروليتارية التي تفر�ضها م�سيرة الت�أريخ‪.‬‬ ‫وهذا يتطلب في البدء إ�قامة دكتاتورية البروليتاريا وهي مرحلة �إنتقال �سيا�سي‬ ‫تكون الدولة فيها\"الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا\"‪.‬‬ ‫و\"دكتاتورية البروليتاريا\"ت�سير نحو إ�نهاء التناق�ض الطبقي و�إقامة المجتمع‬ ‫اللاطبقي المن�سجم حيث ينتفي فيه التمييز بين الحكام والمحكومين وينتفي في ذات‬ ‫الوقت �سبب وجود الدولة والقانون‪ .‬غير أ�ن هذه\"الدولة\"و إ�ن بقيت‪ ،‬ب�شكل �أو ب�آخر‪،‬‬ ‫في مرحلة الديموقراطية الثورية �أو\"مرحلة دكتاتورية البروليتاريا\"‪ ،‬ف إ�نها لم تعد‬ ‫دولة القمع بالمعنى الدقيق‪ ،‬بل هي\"دولة �إنتقالية\"مقرر لها\"الذبول\"‪ .‬ولكل ذلك‬ ‫ف�إن الدولة لم تعد م�صدر القواعد المنظمة لعلاقات ا ألفراد‪� ،‬أي القواعد القانونية‪.‬‬ ‫وعليه ف إ�ن الإنتقال من المجتمع الر أ��سمالي إ�لى\"المجتمع ا إل�شتراكي\"�سيمر بمراحل‬ ‫بعد الثورة الإ�شتراكية ‪.‬‬ ‫والرحلة ا ألولى هي مرحلة\"دكتاتورية البروليتاريا\"التي هي مرحلة �إنتقال بين‬ ‫المجتمع الر�أ�سمالي والمجتمع ا إل�شتراكي‪ .‬وبعد مرحلة دكتاتورية البروليتاريا‬ ‫ت�أتي\"المرحلة الدنيا للإ�شتراكية\"التي هي الم�ؤدى ال�ضروري للدكتاتورية البروليتاريا‪.‬‬ ‫وفي هذه المرحلة لم يعد هناك إ��ستغلال ل إلن�سان من الإن�سان‪ ،‬إللغاء الملكية الخا�صة‬ ‫لو�سائل ا إلنتاج‪� .‬إلا �أن الهدف البعيد للإ�شتراكية في مبد�أها ا أل�سا�س وهو الم�ساواة‪،‬‬ ‫لم يتحقق بعد في هذه المرحلة‪ ،‬ألن هذا المجتمع مازال يحمل\"�آثار المجتمع القديم‬ ‫الذي منه ولد\"‪.‬‬ ‫�أما المرحلة الثالثة فهي ما ا�صطلح على ت�سميتها \"المرحلة‬ ‫العليا ل إل�شتراكية (ال�شيوعية)\"‪ ،‬وفي هذه المرحلة ي�صل‬ ‫الإنتاج إ�لى درجة هائلة من التطور وي�صاحبه تطور في عقلية ا ألفراد‪ .‬وفي مثل‬ ‫هذه الظروف ونتيجة لها‪ ،‬ف إ�ن الدولة (والقانون ) لم يعد لها موجب للبقاء‪ :‬إ�نها‪،‬‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬بد�أت تتوارى في المرحلة الدنيا ل إل�شتراكية نتيجة للتغير الم�ستمر في‬ ‫‪70‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫عقليات وعادات الأفراد في مجتمع خال من ال�صراع الطبقي ومن الإ�ستغلال‪،‬‬ ‫وت�سوده‪ ،‬أ�و يتجه‪ ،‬إ�لى وفرة الإنتاج‪ .‬فالدولة بد�أت بالذبول‪ ،‬وذبول الدولة هذا ي�ؤدي‬ ‫�إلى ذبول القانون‪.‬‬ ‫ومما تقدم ف إ�ن\"م�صير\"الدولة والقانون بعد الثورة الإ�شتراكية‪ ،‬يوجب الوقوف‬ ‫أ�ولا عند دكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬ومن بعدها عند ذبول الدولة والقانون في المجتمع‬ ‫الإ�شتراكي‪ ،‬و أ�خيرا إ�لغاء الدولة والقانون في المجتمع ال�شيوعي ‪.‬‬ ‫( أ� ) دكتاتورية البروليتاريا‬ ‫�إن وجود ال�سلطة أ�و الدولة يرتبط إ�رتباطا وثيقا بوجود المجتمعات\"البورجوازية\"‬ ‫الر�أ�سمالية) التي تقوم �أ�سا�سا على ال�صراع الطبقي‪ .‬ففي مجتمع متجان�س خال‬ ‫من ال�صراع الطبقي ومن �صراع الم�صالح يجد ا إلن�سان كامل ذاته والفرد كامل‬ ‫وحدته‪ .‬لذلك ف إ�ن\"الطبقة الكادحة‪ ،‬يقول مارك�س‪� ،‬ستحل خلال م�سيرة تطورها‬ ‫محل المجتمع المدني القديم‪ ،‬إ�تحادا �سي�ستبعد الطبقات و�صراعاتها ولن يكون هناك‬ ‫�سلطة �سيا�سية بالمعنى الدقيق‪ ،‬لأن ال�سلطة ال�سيا�سية هي بالتحديد الح�صيلة‬ ‫الر�سمية للتناق�ض في المجتمع المدني (‪.)1‬‬ ‫بنا ًء عليه ف إ�ن المارك�سية تبغى التحرر الكامل للفرد من كل �إ�ستلاب و�إ�ستغلال‬ ‫وبالتالي إ�قامة مجتمع يدير فيه ا ألفراد �ش ؤ�ونهم ب أ�نف�سهم بدون و�سيط‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫نهاية ال�سلطة �أي دولة‪ .‬إ�لا أ�ن ذلك لا يتحقق �إلا عن طريق الثورة البروليتارية التي‬ ‫تفر�ضهام�سيرةالتاريخ‪.‬لكنبخلاف\"الثورات\"البورجوازيةالتيهيلي�ست إ�لاتبادل‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬مارك�س‪ :‬ب ؤ��س الفل�سفة‪ ،‬ذكره‪ ،‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،7‬ص ‪. 226‬‬ ‫‪71‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫�أدوار �ضمن إ�طار تبقى فيه التناق�ضات ا إلجتماعية‪ ،‬ف�إن الثورة البروليتارية �ست�ؤدي‬ ‫�إلى ت�صفية هذه التناق�ضات‪ .‬وهذا يتطلب في البدء �إقامة دكتاتورية البروليتاريا‬ ‫وهي مرحلة �إنتقال �سيا�سي تكون الدولة فيها\"الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا\"‪.‬‬ ‫وفي هذه المرحلة تكون البروليتاريا هي الطبقة ال�سائدة أ�ي القاب�ضة على ال�سلطة‬ ‫لت�صفية الطبقة البورجوازية‪.‬‬ ‫وعليه ف إ�ن دكتاتورية البروليتاريا في هذا الت�صور لي�ست هدفا في ذاته‪ .‬فالبروليتاريا‬ ‫ظهرت على الم�سرح ال�سيا�سي و�أعلنت دكتاتوريتها لي�س ألجل �أن ت�ستمر في �سيا�سة‬ ‫الم�ضطهدين والم�ست ِغلين التي دامت لقرون‪ ،‬بل لتحقيق تحرر جماهير ال�شعب وبالتالي‬ ‫�إعداد الطريق إ�لى مجتمع الم�ستقبل حيث ت�سود الحرية الحقيقة‪ ،‬الم�ساواة والأخوة‪.‬‬ ‫�إلا أ�ن\"دكتاتورية البروليتاريا‪ ،‬يقول لنين‪ ... ،‬لايمكن �أن تقت�صر على مجرد‬ ‫تو�سيع الديموقراطية‪ .‬ففي نف�س الوقت التي تكون فيه تو�سيعا كبيرا للديموقراطية‬ ‫التي �أ�صبحت للمرة الأولى ديموقراطية للفقراء وديمقراطية لل�شعب ولي�س‬ ‫ديموقراطية للأغنياء‪ ،‬تجري �سل�سلة من التقييدات لحرية الم�ضط ِهدين‪ ،‬الم�ستغلين‬ ‫الر�أ�سماليين\"(‪. )1‬‬ ‫إ�لا �أن هذه المرحلة التي ت�أخذ البروليتاريا فيها ت�صريف الأمور الأجتماعية وت�سيير‬ ‫جهاز الدولة والقانون ل�صالح الأغلبية �ضد ا ألقلية البورجوازية‪ ،‬لي�ست �إلا مرحلة‬ ‫�إنتقالية‪.‬‬ ‫ويقول مارك�س و�إنكلز‪� :‬إنه\"من اللحظة التي تقمع ‪ ...‬أ�غلبية ال�شعب م�ضطهديها‪،‬‬ ‫فلا داعي مطلقا ل�شكل معين للقمع‪ .‬وبهذا المعنى ف إ�ن الدولة تبد أ� بالزوال‪ .‬فبدلا من‬ ‫م ؤ��س�سة خا�صة ألقلية ذات �إمتياز‪ ،‬ف إ�ن ا ألغلبية نف�سها يمكن أ�ن تقوم مبا�شرة بهذا‬ ‫العمل‪ .‬وكلما كانت وظائف ‪ ...‬الدولة تمار�س من قبل مجموع ال�شعب‪ ،‬ف إ�ن ال�سلطة‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬لنين‪ :‬الدولة والثورة‪� ،‬ص ‪.82‬‬ ‫‪72‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ت�صبح أ�قل �ضرورة (‪. )1‬‬ ‫(ب) ذبول الدولة والقانون في المجتمع ا إل�شتراكي‬ ‫في البداية يجب أ�ن ن�شير �إلى �أن تحقيق المجتمع ا إل�شتراكي لايتم بمجرد تملك‬ ‫المجتمع لو�سائل ا إلنتاج‪ .‬فبعد ع�شرين قرنا من العادات\"ال�سيئة\"‪ ،‬لا يمكن تخلي�ص‬ ‫الان�سانية منها بمجرد ثورة ولو كانت �شاملة‪ .‬فت�أميم‪ ،‬إ�ن �صح التعبير‪ ،‬و�سائل‬ ‫الإنتاج أ�ي عودتها �إلى الجماهير ال�شعبية يجب �أن ي�صاحبه �إلغاء متدرج للدولة‬ ‫والقانون‪ .‬وفي (مثل ) هذا المجتمع الجديد المنبثق عن الثورة الا�شتراكية‪ ،‬ت�صبح‬ ‫الدولة والقانون بدون مبرر‪.‬‬ ‫يقول�إنكلز\"في�أولعملت�ؤكدالدولةبهحقيقة إ�نهاممثلةللمجتمعب أ�كمله‪،‬بالإ�ستيلاء‬ ‫على و�سائل ا إلنتاج ب إ��سم المجتمع هو في ذات الوقت �آخر عمل للدولة‪ ...‬وتدخل �سلطة‬ ‫الدولة في العلاقات الاجتماعية ي�صبح لا قيمة له في قطاع بعد الآخر‪ ،‬ويت�ضائل بعد‬ ‫ذلك ذاتيا‪ ،‬فبدل حكومة الا�شخا�ص تحل �إدارة الا�شياء ‪ ،...‬فالدولة لم تلغ‪ ،‬إ�نها‬ ‫بد�أت تنحل(‪ .)2‬وعليه ف إ�ن الدولة البورجوازية لا تلغي مبا�شرة بعد الثورة ا إل�شتراكية‬ ‫كما يريد الفو�ضويون (باكونين )‪ ،‬بل يجب أ�ن تحطم بعد الثورة و�أن ت�ستبدل بدولة‬ ‫أ�خرى من نوع جديد‪� .‬إلا أ�ن هذه الدولة\"الجديدة\"وقانونها �سيكتب لها الذبول في‬ ‫المجتمع الجديد‪ .‬وعليه ف�إن\"ال�سير\" إ�لى �أمام\"لتحقيق المجتمع الإ�شتراكي‪ ،‬مجتمع‬ ‫الديموقراطية الكاملة‪ ،‬مجتمع تطابق الحكام والمحكومين‪ ،‬لا تحققه غير الثورة‬ ‫ا إل�شتراكيةلأنهات�سيرنحو إ�نهاءالتناق�ضالطبقيو إ�قامةالمجتمعاللاطبقيالمن�سجم‬ ‫حيث ينتفي فيه التمييز بين الحكام والمحكومين وينتفي في ذات الوقت �سبب وجود‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬ذكره‪ ،‬بريمو‪ :‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪.229‬‬ ‫(‪ )2‬انكلز‪� :‬ضد دهرنك‪ ،‬ذكره‪ ،‬بريمو‪ :‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪. 228‬‬ ‫‪73‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الدولة وقانونها‪ .‬غير �إن هذه \"الدولة\" و إ�ن بقيت ب�شكل أ�و ب�آخر‪ ،‬في هذه المرحلة‬ ‫التاريخيةمنالبناءا إل�شتراكي‪،‬فهيلمتعدم�صدرالقواعدالمنظمةلعلاقاتا ألفراد‬ ‫(القانون)‪ .‬ففي المجتمع اللاطبقي يبد أ� ا ألفراد بالإعتياد على مراعاة القواعد‬ ‫المنظمة لحياتهم الجماعية دون حاجة إ�لى �أوامر‪ ،‬إ�ذ لا �إ�ستغلال في مثل هذا‬ ‫المجتمع وبالتالي لا قمع الذي يتطلب وجود الدولة والقانون‪ .‬بنا ًء عليه ف إ�ن الدولة‬ ‫بعد الثورة ت�صبح حقيقة دولة ال�شعب‪ ،‬وكونها دولة ال�شعب‪ ،‬دولة الديمقراطية‪،‬‬ ‫ف�إن ذلك لي�س بف�ضل تنظيمها القانوني‪ ،‬بل لأنها تقوم على �أر�ضية إ�جتماعية‬ ‫و إ�قت�صادية خالية من التناق�ضات‪ .‬وبدل قواعد ال�سلوك (القانونية) المفرو�ضة على‬ ‫الأفراد يحل �شعور داخلي وا�ضح با إلن�سجام ا إلجتماعي‪ ،‬حيث ت�شد الأفراد نف�س‬ ‫الم�صالح وبالتالي ف إ�ن م�ساواتهم في ا إل�سهام في\"ال�سلطة\" إ�ن �صح التعبير‪ ،‬هي‬ ‫نتيجة لم�ساواتهم الحقيقة‪.‬‬ ‫لذا ف إ�ن \"ا ألوامر\" لن تكون قرارات تحكمية للبع�ض بقدر ماهي التعبير عن �إرادة‬ ‫الكل‪ .‬فالأمر والطاعة �سيكونان وجهان لموقف واحد(‪ .)1‬فالفرد و\"ال�سلطة\"لم يعودا‬ ‫في تناق�ض وك�أنهما عدوان‪ ،‬فهما �شيء واحد في وجهين‪ :‬الفردي وا إلجتماعي‪.‬‬ ‫وطالما لم يعد هناك تناق�ض بين الان�سان – الفرد والان�سان – ا إلجتماعي‪ ،‬ف�إن‬ ‫تنظيم\"ال�سلطة\"يمكن أ�ن يدرك ب�شكل �آخر �أو لم يعد‪ ،‬في الحقيقة م�شكلة �أ�سا�سية‪.‬‬ ‫(ج ) إ�لغاء الدولة والقانون في المجتمع ال�شيوعي‬ ‫وعندما يتخل�ص الافراد من عبودية الر أ��سمالية و�أهوال ووح�شية الإ�ستغلال‬ ‫الر�أ�سمالي‪ ،‬ف�إنهم �سيعتادون بالتدريج على ملاحظة القواعد الأولية للحياة في‬ ‫المجتمع‪ ،‬قواعد عرفت منذ قرون وتكررت عبر الآف ال�سنين و إ�تبعت دون عنف ولا‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪)1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،7‬ص ‪.245‬‬ ‫‪74‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫إ�رغام ولا خ�ضوع \"وبدون هذا الجهاز الخا�ص ل إلرغام الذي �إ�سمه‪ :‬الدولة\" كما‬ ‫يقول لينين (‪. )1‬‬ ‫وعليه ف�إن\"ال�شيوعية وحدها‪ ،‬يقول لنين‪ ،‬هي التي تجعل الدولة تماما بدون فائدة‪،‬‬ ‫إ�ذ لا يوجد بعد ا آلن أ�ي �شخ�ص ‪ ...‬بمعنى أ�ي طبقة يمكن قمعها أ�و �صراع �ضد جزء‬ ‫معين من ال�شعب ‪.‬‬ ‫(لكن) نحن ل�سنا بطوبائيين‪ ،‬لذلك ف�إننا لايمكن أ�ن ننكر أ�ن تجاوزات فردية يمكن‬ ‫أ�ن تحدث �أو لا يمكن تجنبها‪ .‬كما إ�ننا لا ننكر �إنه من ال�ضروري قمع هذه التجاوزات‬ ‫‪ ...‬ولكن ألجل ذلك ل�سنا بحاجة �إلى ماكنة خا�صة‪� ،‬إلى جهاز خا�ص للقمع‪ ،‬فال�شعب‬ ‫الم�سلح يتكلف بنف�سه بمثل هذا العمل بذات الب�ساطة وال�سهولة التي يقوم بها أ�ي‬ ‫جمهور متح�ضر‪ ،‬حتى في المجتمع الحالي‪ ،‬حين يف�صل بين أ��شخا�ص يتخا�صمون �أو لا‬ ‫ي�سمح ب�إهانة إ�مر�أة ‪ ...‬ونحن نعرف ال�سبب ا إلجتماعي العميق لمثل هذه التجاوزات‬ ‫التي تكون خرقا لقواعد الحياة في المجتمع‪� ،‬إنه إ��ستغلال الجماهير‪ ،‬وحاجاتها‬ ‫وب�ؤ�سها‪ .‬و إ�ذا �إ�ستبعد هذا ال�سبب الرئي�س‪ ،‬ف�إن التجاوزات تبد أ� با ألفول\"(‪.)2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬لينين‪ :‬الدولة والثورة‪� ،‬ص ‪.82‬‬ ‫(‪ )2‬لنين‪ :‬الدولة والثورة‪� ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪75‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الف�صل الثالث‬ ‫ت�أملات نقدية‬ ‫قد ُيعتقد حين نقف عند تقدير المارك�سية من القانون‪� ،‬إنه موقف ب�سيط‪ ،‬لا إ�غناء‬ ‫فيه ولا أ�بعاد‪ .‬فالدولة‪ ،‬بالن�سبة للمارك�سية‪ ،‬هي ظاهرة قوة‪ :‬حكام يقب�ضون على‬ ‫ال�سلطة للحفاظ على امتيازاتهم و�سيطرتهم الطبقية‪ .‬والحكام يلج أ�ن إ�لى القوة‬ ‫(ا إلرغام ) لتنفيذ مايريدون من م�صالح و إ�متيازات والحفاظ عليها‪ .‬وخير و�سيلة‬ ‫لتحقيق ذلك هو القانون‪ .‬بناء عليه ف�إن القانون �سيقفد �سبب وجوده‪ ،‬بل طبيعته‪،‬‬ ‫ك أ�داة قمع‪ ،‬في مجتمع خال من الطبقات‪ .‬وحين ت�ضع الثورة الإ�شتراكية حدا‬ ‫لل�صراع الطبقي وتقيم المجتمع اللاطبقي‪ ،‬فلا حاجة عندها �إلى القانون ولا �إلى‬ ‫الدولة‪ .‬فبدلا من\"الإدارة\"(حكم )الا�شخا�ص �ستكون هناك ادارة ا أل�شياء‪ :‬ولكل‬ ‫وفق حاجته ومن كل وفق طاقته ‪.‬فموقف المارك�سية من القانون‪� ،‬إذن‪ ،‬هو موقف‬ ‫�سلبي‪ ،‬موقف نفي للقانون‪ :‬نحن ل�سنا بحاجة �إلى قانون‪ ،‬فر�ضه ال�صراع الطبقي‪.‬‬ ‫وعندما يتحقق المجتمع اللاطبقي مجتمع تطابق الحكام والمحكومين‪ ،‬فعند ذاك‪:‬‬ ‫لا �سلطة‪ ،‬ومن ثم لا قانون ‪.‬‬ ‫هذا الطرح‪ ،‬ولا نقول هذا التب�سيط ل ألمور‪ ،‬وجد �صداه‪ ،‬بل ت�أييده‪ ،‬عند العديد من‬ ‫القانونيين الفلا�سفة‪.‬‬ ‫فهذا الأ�ستاذ فردمان يقول‪ ...\":‬كل فكرة للقانون إ�رتبطت بالدولة وتمثل بهذه‬ ‫ال�صفة إ�جراء بف�ضله يحتفظ اولئك الذين لهم و�سائل الإنتاج ب�سيطرتهم على‬ ‫ا أل�شخا�ص الذين إ�نتزعوها منهم ومع إ�نتقال ملكية و�سائل ا إلنتاج �إلى المجتمع‪ ،‬ف إ�ن‬ ‫الفرد �سيتحرر‪ ،‬والدولة كالقانون اللتان يبرر هما فقط �ضرورة ا إلرغام‪ ،‬ي�ضمران‬ ‫‪76‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ويختفيان\"(‪ .)1‬وهذا التوجه لاي�ؤيده ا أل�ستاذ بريمو‪ ،‬بل ي�ضعه في �صيغة\"معادلة‬ ‫منطقية\"‪ ،‬فهو يقول‪ :‬إ�ن\"المذهب المارك�سي للدولة والقانون ‪ ...‬الذي يدعي إ�نه يقوم‬ ‫على الوقائع الإجتماعية المح�ضة يرجع في الواقع‪ ،‬فيما يتعلق بالقانون والدولة إ�لى‬ ‫مجرد ‪ ...‬معادلة منطقية ‪.‬‬ ‫القانون والدولة هما نتاج إ�نق�سام المجتمع �إلى طبقات‪ ،‬لنلغي هذا ا إلنق�سام‬ ‫(وعندها) ف إ�ننا �سنعجل غير مجدية ظاهرة الدولة والقانون‪)2( .‬‬ ‫�صحيح أ�ن مارك�س وانكلز لم يكن لهما الوقت الكافي إلقامة نظرية قانونية إ��شتراكية‪.‬‬ ‫�إلا أ�ن موقف المارك�سية من القانون‪ ،‬رغم �إقت�ضابه الغني‪� ،‬إن �صح التعبير‪ ،‬يثير‬ ‫العديد من الم�سائل والمواقف تتعلق ب�صميم فكرة الدولة والقانون‪ :‬من حيث الطبيعة‬ ‫ومن حيث الوجود‪ .‬ثم �أن موقفها من هاتين\"الظاهرتين\"‪ ،‬تثير م�س�ألة في غاية‬ ‫ا ألهمية‪ ،‬وت�ستدعي الكثير الكثير من الت�أمل والتفكير فيما يتعلق بالإن�سان و�صيرورته‬ ‫وم�صيره‪ .‬وكل هذا ي�س�ستحق موقف وتحليل مو�ضوعي وعميق لم�س�ألة ثلاثية العلاقة‬ ‫بين ال�سلطة والقانون وا إلن�سان التي �أثارتها المارك�سية‪.‬‬ ‫أ�ولا – في الدولة‬ ‫تقييم فكرة الدولة في المذهب المارك�سي يتطلب في بادىء ا ألمر الوقوف عند\"حقيقة\"‬ ‫ثابتة وهي التمييز بين الحكام والمحكومين‪ ،‬ثم الوقوف‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬عند محاولة‬ ‫التطابق بين الحكام والمحكومين‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬فردمان‪ :‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬ط ‪ ،4‬باري�س‪� ،1965 ،‬ص‪.330 – 329‬‬ ‫(‪ )2‬بريمو‪ :‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪. 239‬‬ ‫‪77‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫( أ� ) التمييز بين الحكام والمحكومين‬ ‫ن�ستطيع القول‪ ،‬بعد العميد دكي‪ ،‬ب أ�ننا نقر في كل فئة إ�جتماعية‪� ،‬صغيرة �أو كبيرة‪،‬‬ ‫بدائية أ�و متطورة‪ ،‬وجود أ�فراد قل عددهم �أو زاد‪ ،‬يفر�ضون �إرادتهم‪ ،‬وبا إلرغام‬ ‫عند ا إلقت�ضاء‪ ،‬على الآخرين من أ�ع�ضاء الفئة ا إلجتماعية‪ .‬وهذا يعني أ�ن ه ؤ�لاء‬ ‫الأفراد يوجهون اوامر إ�لى باقي اع�ضاء الفئة الإحتماعية وي�ستطيعون تنفيذها‬ ‫با إلرغام المادي‪� ،‬أي بالق�سر �إذا إ�قت�ضى الأمر‪ .‬وه�ؤلاء ا ألفراد الذين يوجهون اوامر‬ ‫إ�لى ا آلخرين وبالتالي يفر�ضون إ�رادتهم هم الحكام‪ ،‬أ�ما ا آلخرون من �أع�ضاء الفئة‬ ‫ا إلجتماعية الذين يخ�ضعون ألوامر الحكام فهم المحكومون‪ .‬وعليه ف إ�ننا نقر في كل‬ ‫فئة �إجتماعية وجود تمييز بين الحكام والمحكومون وهو من الظوهر الأ�سا�سية في كل‬ ‫المجتمعات عبر الزمان والمكان‪.‬‬ ‫كما يمكن أ�ن نقر أ�ي�ضا �أن من أ�هم ا أل�سباب التي تمكن عددا من ا ألفراد‪ ،‬قل أ�و‬ ‫كثر �أن ي�صبحوا حكاما هي القوة ا إلقت�صادية‪ .‬والعلاقة الأكيدة بين تملك القوة‬ ‫ا إلقت�صاديةوتملكال�سلطة‪،‬امرلاينكرهالتاريخمطلقابحيث أ�نتملكو�سائلالإنتاج‬ ‫من أ�فراد أ�و طبقة تمكنهم من ال�سيطرة على ال�سلطة أ�ي�ضا(‪ .)1‬ومهما قيل ويقال ف�إن‬ ‫التمييز بين الحكام والمحكومين يبقى واقعة �أ�سا�سية ودائمة وبدونها لا يمكن �إدراك‬ ‫الجوانب المختلفة والمعقدة للحياة ال�سيا�سية‪ .‬لكن هل هذا التمييز هو مجرد علاقة‬ ‫مادية بين الحكام والمحكومين‪� ،‬أي مجرد علاقة خالية من\"التوا�صل\"بين الأقوياء‬ ‫وال�ضعفاء ؟�إن ملاحظة الوقائع تنبئ �أن ا إلن�سان بحاجة دائما ألن يبرر خ�ضوعه‬ ‫و إ�ن من ي أ�مر يبرر �أوامره‪ .‬فحتى في المجتمعات البدائية التي يخيل لأول مرة أ�ن‬ ‫مثل هذا التبرير مفقود فيها‪ ،‬ف إ�ن \"ا�سباب\"التمييز تحوي في الحقيقة بذرة مثل‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬حول ا�سباب التمييز بين الحكام والمحكومين‪ ،‬انظر‪ :‬منذر ال�شاوي‪ ،‬القانون الد�ستوري‪ ،‬ج ‪( 1‬نظرية‬ ‫الدولة)‪ ،‬ط ‪� ،1981 2‬ص ‪.62 – 55‬‬ ‫‪78‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫هذا التبرير والتوا�صل بين الحكام والمحكومين‪ .‬فا إلن�سان بحاجة دائما �إلى �أن يبرر‬ ‫خ�ضوعه و�سلطته‪ .‬وعليه ف�إن العلاقة بين الحكام والمحكومين لي�ست‪ ،‬بهذا المعنى‪،‬‬ ‫علاقة قوة وذلك لوجود �ضرورة تبرير \"�إمتيازات\" الحكام والتزامات المحكومين‬ ‫بالطاعة لأوامرهم(‪.)1‬‬ ‫لذلك‪ ،‬ف إ�ن النقد المارك�سي للدولة (التي هي في الواقع تمييز بين حكام ومحكومين)‬ ‫يقوم في الحقيقه على الطريقه التي ت�ستعمل بها ال�سلطة‪� .‬إلا ان ال�سلطة او الدولة لا‬ ‫يمكن ان تكون دائم ًا كذلك ‪.‬‬ ‫ان المفهوم المارك�سي للدولة يبالغ حين يجعل كل الحياة ال�سيا�سية �صراع ًا من اجل‬ ‫ال�سلطة‪ \".‬إ�لا ان ا�ستمرار هذا ال�صراع‪ ،‬يقول الا�ستاذ بردو‪ ،‬يجب ان لاين�سينا ب أ�ن‬ ‫الن�شاط ال�سيا�سي يت�ضمن اي�ض ًا ممار�سة ال�سلطة‪ .‬واذا ر ُجعت الى مجرد ن�ضال من‬ ‫اجل الابقاء على القمع‪ ،‬عندها يجب الت�سليم بان هذا القمع حلو المذاق ‪،‬لأن تدخل‬ ‫الدولة يطالب به الملايين من المحكوميين لتح�سين او�ضاعهم\"(‪.)2‬‬ ‫في الحقيقه ان المفهوم مارك�س وانكلز للدولة يقوم على ادانة لل�سلطة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫فالهدف من نقد هيغل (في \"ا�صل العائلة\") كان بالا�سا�س ال�سلطة لا الدولة بحد‬ ‫ذاتها‪ ،‬ومع هذا قيل بعدم وجود نظرية مارك�سية للدولة (‪. )3‬‬ ‫فقد ت أ�ثر مارك�س وانكلز بما يعانيه المجتمع ال�صناعي من لا ان�سانيه في الزمن الذي‬ ‫عا�شا فيه‪ ،‬ومن عدم اكتراث الحكام من فر�ض القاب�ضين على القوة الاقت�صادية‬ ‫قانونهم على ال�ضعفاء‪ .‬فالثورة �ضد هذة ال�سلطه كانت الو�سيلة الوحيده الممكنة عند‬ ‫الم�ضطهدين وكانت ادانتها الفكرية الحكم الوحيد الذي ي�ستطيع تقديمه المنظرون‪،‬‬ ‫على حد تعبير الا�ستاذ بردو‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،5‬ص ‪.23‬‬ ‫(‪ )2‬بردو‪:‬المطول ‪،‬ج‪� ،2‬ص‪. 22‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول ‪،‬ج‪�،2‬ص‪. 25‬‬ ‫‪79‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫«وفي هذا ال�صدد‪ ،‬ومهما ظهر ذلك انفراقي ًا‪،‬ف إ�ن مارك�س لايختلف عن ان�صار‬ ‫الليبراليه الفردية الذين تكون ال�سلطة بالن�سبة لهم �شر اي�ض ًا ‪( ...‬و) وفي هذا‬ ‫المناخ العدائي لل�سلطه ال�سيا�سيه‪ ،‬ف إ�نه من المنا�سب ‪ ...‬ان ن�ضع موقف مارك�س‪ .‬فما‬ ‫يبحث عنه هو تحرير الفرد‪ .‬إ�لا ان الليبرالية الفردية ترى هذا التحرير في ت�صفية‬ ‫هيمنه الدولة الذي يتعار�ض مع الم�سيرة التلقائية للقوى الاجتماعية‪ ،‬بينما يدركه‬ ‫التركيبه‬ ‫في‬ ‫لكاللتغاااءلالحا�لسلتيطنةفا إ�لنذ ايله�سديكفونهوجالزماءج ًتلملعو ا�ضلعحرغ\"ي(ر‪)1‬الم‪.‬ت�ساوي‬ ‫مارك�س كنتيجه‬ ‫الاجتماعية وفي‬ ‫فموقف مارك�س والليبراليون من ال�سلطة هو موقف يمليه‪ ،‬في الحقيقه‪ ،‬مبد�أ‬ ‫�سا ٍم وهو تحقيق الديموقراطيه‪.‬فالديموقراطية لا تتحقق إ�لا اذا حكم ال�شعب‬ ‫نف�سه بنف�سة ‪،‬بمعنى �إلا اذا تحقق تطابق الحكام والمحكومين‪ .‬فالفكره الا�سا�سيه‬ ‫في الديموقراطية‪ ،‬بل روح الديموقراطية‪ ،‬هو ان يكون الفرد حاكم ومحكوم في‬ ‫ذات الوقت‪ .‬فجوهر م�س أ�لة الديموقراطية هي ال�سلطه وا�سا�س الديموقراطيه هو‬ ‫الحريه‪ ،‬فكل مايعيقها هو �شر ‪،‬لأنه لايحقق الديموقراطية بكل ابعادها‪.‬‬ ‫واذا كانت الديموقراطيه هي\"حكومه ال�شعب بوا�سطه ال�شعب\"‪ ،‬ف�إن الديموقراطيه‬ ‫الليبرالية يمكن ان ت�سعى‪ ،‬كالديموقراطية المارك�سيه‪ ،‬الى تحقيق تطابق الحكام‬ ‫والمحكومين‪ ،‬ومحور ذلك هو ال�سلطة والموقف منها‪.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬بردو‪ :‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،2‬ص ‪.26‬‬ ‫‪80‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫ )ب ( التطابق بين الحكام والمحكومين‬ ‫يرى مارك�س‪ :‬ان\"التحرر الان�ساني لايمكن ان يتحقق الاحين ي�ستغرق الفرد‬ ‫الحقيقي المواطن المجرد‪ ،‬الاعندما ي�صبح الان�سان الفرد في حياته الواقعيه‪ ،‬في‬ ‫عمله وفي علاقاته الفرديه‪ ،‬كائن ًا ان�ساني ًا نوعي ًا‪ ،‬وهكذا �سيعترف بقواه الذاتية‬ ‫كقوى اجتماعية ينظمها هو نف�سه ‪ ...‬الا عندما لايف�صل بالتالي عن ذاته القوه‬ ‫الاجتماعيه التي ت�أخذ �شكل ال�سلطة ال�سيا�سية\"(‪. )1‬‬ ‫وتحرر الان�سان الكامل معناه تحرره ‪ ،...‬بالاخ�ص‪ ،‬من الخ�ضوع للأوامر‪ ،‬وهذا‬ ‫الخ�ضوع لايمكن أ�ن ينتهي �إلا ب�إنتهاء التمزق في الان�سان نتيجة للتناق�ض بين‬ ‫م�صلحته الفردية وم�صلحته الإجتماعية‪.‬‬ ‫والمجتمع اللاطبقي ي�ستبعد كل �صراع بين الإتجاهات المختلقة بحيث بلغي كل مكنة‬ ‫تعار�ض بين مايريده كل واحد وما هو ملائم بالن�سبة للكل‪ .‬وهذا يعني أ�ن كل ا ألفراد‬ ‫�سي�شتركون في �إرادة واحدة التي تتج�سد فيها وحدة كينونتهم وهذه\"الوحدة\"هي‬ ‫التي يحققها المجتمع اللاطبقي‪ .‬ففي مثل هذا المجتمع لا وجود بعد ا آلن للرعاية‬ ‫بالمعنى الدقيق‪� ،‬إذ لا �شيء عند ا إلن�سان بعد الآن يجيز القول ب أ�نه لم يرد القاعدة‬ ‫المرعية‪ .‬وفي مثل هذا المجتمع لا يوجد بعد الآن �إلا محكومين هم في ذات الوقت‬ ‫حكام‪ .‬فالأوامر ت�صدر في الحقيقة عن الكل إ�لى الكل بحيث أ�ن كل فرد في هذا‬ ‫المجتمع‪ ،‬حاكم ومحكوم وبالتالي ينتفي وجود الخ�ضوع‪.‬‬ ‫فالمجتمع الذي ي�سوده ا إلن�سجام نتيجة إلنتفاء ال�صراع الطبقي ي ؤ�دي‪ ،‬في الحقيقة‪،‬‬ ‫إ�لى الوحدة ال�سيا�سية‪ ،‬لأن �إرادة الجماهير الحاكمة تتطابق مع �إراة الجماهير‬ ‫المحكومة‪.‬‬ ‫‪)1( Marx LaQuestion Juive.‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫ذكره ‪،‬بردو‪ ،‬المطول ‪،‬ج‪�، 5‬ص ‪ ،48‬هام�ش ‪.51‬‬ ‫‪81‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫وعليه ف إ�ن ظاهرة الخ�ضوع تنتفي في العلاقة ال�سيا�سية وبالتالي لم تعد �سببا‬ ‫للتناق�ض بين الحرية الفردية وال�ضبط الإجتماعي‪ .‬ففي مجتمع لا �صراع فيه‪ ،‬فلا‬ ‫تناق�ض فيه‪ ،‬و إ�ذا إ�نتفى التناق�ض فلا خ�ضوع ولا �أمر في مثل هذا المجتمع وبالتالي‬ ‫فلا تمييز بين حكام ومحكومين بل تطابق بينهم(‪.)1‬‬ ‫بنا ًءعليهف�إنهلايمكنالو�صول إ�لىتطابقالحكاموالمحكومينفيالمجتمعالبورجوازي‪،‬‬ ‫في الديموقراطية البورجوازية القائمة على الطبقات و�صراعاتها‪ .‬ف�إمكانية وم�سيرة‬ ‫وحدة الحكام والمحكومين لا تجد منفذا لها في دولة الطبقات والتناحر الطبقي‪.‬‬ ‫فتطابق الحكام والمحكومين يفتر�ض‪� ،‬إذن في هذا الت�صور‪� ،‬إنتفاء ال�صراع الطبقي‪،‬‬ ‫�أي ما دامت هناك دولة (بورجوازية) ف إ�ن م�س�ألة تحقيق تطابق الحكام والمحكومين‬ ‫تكون م�س�ألة م�ستحيلة �أو غير قابلة ا إلدراك في المنظور المارك�سي‪.‬‬ ‫والديمقراطية الليبرالية تعجز عن تحقيق تطابق الحكام والمحكومين لتجعل من‬ ‫الفرد حاكما ومحكوما في ذات الوقت‪ ،‬ألنها ولدت في الإن�سان �إزدواجية بين \"الكائن‬ ‫المثالي\" الذي ي�سهم في الحياة ال�سيا�سية وبين \"الكائن الحقيقي\" الذي بقي في‬ ‫حياته اليومية‪ .‬و إ�ذا كان ا إلن�سان‪ ،‬بنا ًء عليه‪ ،‬منق�سما على ذاته‪ ،‬في الديموقراطية‬ ‫الليبرالية‪ ،‬ف إ�ن أ�ي محاولة لتحقيق تطابق الحكام والمحكومين ت�صبح عبثا أ�و �صعبة‬ ‫التحقيق‪ .‬وعليه ف�إن منطق تطابق الحكام والمحكومين الذي تن�شده المارك�سية يتطلب‬ ‫الغاء ال�سلطة او الدولة‪ .‬فنهاية الدولة فقط هو الذي ي�ضع حدا لعلاقات الخ�ضوع‬ ‫لل�سلطة مهما كان في هذه العلاقات من بدع النظريات الديموقراطية البورجوازية‪،‬‬ ‫فلا وجود فيها للحرية‪ .‬وعليه ف إ�ن نهاية الدولة تمثل بالن�سبة للمارك�سية مجيء‬ ‫مجتمع جديد تماما‪ .‬وكما يقول إ�نكلز إ�نها‪\" :‬طفرة النوع ا إلن�ساني من نظام‬ ‫ال�ضرورة �إلى الحرية ‪� .‬إنه العبور من عالم إ�لى �آخر\"(‪. )2‬‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،5‬ص ‪.49 -48‬‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،3‬ص ‪.24‬‬ ‫‪82‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫لكن فكرة‪ ،‬ونقول حقيقة‪ ،‬التمييز بين الحكام والمحكومين يمكن أ�ن تكون الحجة‬ ‫الحا�سمة �ضد \"ذبول\" والغاء الدولة كما ي�صوره �أو يريده المذهب المارك�سي‪.‬‬ ‫فحتى بعد �إ�ستيلاء الدولة على كافة و�سائل ا إلنتاج‪ ،‬حتى بعد �أن تحل\"�إدارة‬ ‫ا أل�شياء\"محل\"حكومة ا أل�شخا�ص\"‪ ،‬فالدولة‪� ،‬أو بتعبير أ�دق‪ ،‬التمييز بين الحكام‬ ‫والمحكومين باقية في جوهرها ‪.‬‬ ‫ف أ�دارة الا�شياء وادارة �سير الإنتاج تفتر�ض وجود جماعة تفر�ض إ�رادتها ك\"�إداري\"‪.‬‬ ‫لكن هذه ا إلرادة لا توجه إ�لى �أ�شياء بل إ�لى �أ�شخا�ص‪� .‬إذن هي إ�رادة ت�صدر من‬ ‫أ��شخا�ص لتفر�ض على ا�شخا�ص‪ :‬هذا هو التمييز ال�سيا�سي بين الحكام والمحكومين‬ ‫وتلك هي الدولة‪ .‬وعليه ف�سلطان الدولة يزداد كلما زادت \"الا�شياء\" التي تديرها‪.‬‬ ‫في الواقع إ�ن كل نظام �إقت�صادي و إ�جتماعي ي�ستوجب وجود �سلطة �سيا�سية تحميه‬ ‫وت�سنده‪ :‬أ�ي وجود دولة‪ .‬وا إلقت�صاد الموجه �أو المخطط يفتر�ض دائم ًا �سلطة مخططة‬ ‫أ�و موجهة‪� ،‬سلطة تفر�ض �إرادتها على ا آلخرين‪ :‬فهي \"تحكم\"‪ .‬فحقيقة ال�سلطة‬ ‫موجودة‪ ،‬أ�زلية ب�صرف النظر عن الميدان الذي تدخل فيه‪� :‬إقت�صاديا كان �أم لا‪.‬‬ ‫ومن الجائز أ�ن لا نكون بحاجة إ�لى جهاز خا�ص لقمع\"التجاوزات الفردية\"التي‬ ‫يتكلم عنها لنين‪� ،‬إذ يكفي أ�ن يقوم ال�شعب الم�سلح بهذه المهمة‪ .‬لكن هذا\"ال�شعب‬ ‫الم�سلح\"عند قيامه بعملية القمع نحو الآخرين‪ ،‬الا يفر�ض �إرادته عليهم ؟ لا يهم‬ ‫عدد هذا ال�شعب – �أكان الأغلبية ناق�صا واحدا �أم لا – ولا يهم �إنه يقمع �أعمالا‬ ‫هي مخالفة ل�سير الحياة في المجتمع‪ ،‬لكن يكفي �أن يتدخل فار�ضا �إرادته ليكون‬ ‫هناك – مرة �أخرى – تمييز بين �أ�شخا�ص يملكون قوة يفر�ضون بها �إرادتهم على‬ ‫الباقين مهما كان عددهم‪ .‬بكلمة‪ :‬هناك تمييز بين حكام ومحكومين �أي دولة‪ .‬وحتى‬ ‫أ�ذا زالت هذه التجاوزات بزوال الا�سباب التي �أوجدتها حين ينتهي عهد �إ�ستغلال‬ ‫الان�سان ليحل محله �إ�ستغلال �أو إ�دارة ا أل�شياء‪ ،‬فلابد عندها من إ�داريين يفر�ضون‬ ‫�إرادتهم على الآخرين‪� ،‬إرادة لا توجه إ�لى الأ�شياء‪ ،‬بل �إلى الأ�شخا�ص‪ .‬ومرة �أخرى‬ ‫ن�صطدم بالحقيقة الأزلية‪ :‬التمييز بين أ�فراد يفر�ضون �إرادتهم على آ�خرين مهما‬ ‫‪83‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫كان �سبب هذا الفر�ض ومهما كانت علته‪ .‬هناك دائما �أبدا دولة مهما كان تطور‬ ‫الان�سان ومهما حطمنا من �أ�س�س إ�جتماعية و أ�قمنا أ�خرى جديدة بدلها ‪.‬‬ ‫ثانيا – في القانون‬ ‫ )أ ( أ��سا�س القانون‬ ‫�سبق أ�ن ر أ�ينا �إن مارك�س حين در�س \"فل�سفة القانون\" لهيغل �أدرك الإنف�صام بين‬ ‫الان�سان الملمو�س العامل وبين المواطن‪ ،‬هذا ا إلنف�صام الذي �أراد حله �أو تجاوزه‬ ‫هيغل عن طريق الدولة التي أ�عطاها �صفة الت أ�ليه وبالتالي جعل منها م�صدر القانون‬ ‫المقترن بالجزاء الذي توقعه الدولة ‪.‬‬ ‫و�إذا كان للمارك�سية موقف �سلبي ًا �أو راف�ضا من الدولة ب إ�عتبارها و�سيلة لهيمنة‬ ‫الطبقة الم�ست ِغلة‪ ،‬فمن باب أ�ولى أ�ن يكون موقف المارك�سية كذلك من القانون‪.‬‬ ‫فموقف مارك�س من مفهوم هيغل‪ ،‬من القانون‪ ،‬حدد إ�ذن ب�شكل أ�و ب�آخر موقف‬ ‫المارك�سية منه‪.‬‬ ‫ولكي ندرك هذا الواقع أ�و هذه\"الحقيقة\"‪ ،‬علينا أ�ن نعر�ض ب�إخت�صار موقف هيغل‬ ‫من القانون لنبين على الأقل �صحة أ�و خط أ� موقف المارك�سية منه ‪.‬‬ ‫يرى الفيل�سوف الالماني هيغل أ�ن الفردية لا تزدهر إ�لا في الدولة في ذات الوقت الذي‬ ‫تموع وت�ستغرق فيها‪ .‬فالمجتمع بدون الدولة �سوف لايكون �إلا �ساحة ل�صراع الم�صالح‬ ‫الفردية والخا�صة‪ ،‬وحرب الكل �ضد الكل‪ .‬لذلك ف إ�ن الدولة ب�إرادتها الم�ست ِغرقة‬ ‫والخلاقة ترفع هذا المجتمع إ�لى م�ستوى عالم منظم‪ .‬وهكذا ف إ�ن ا ألفراد �سيجدون‬ ‫في الدولة وبوا�سطة الدولة الإعتراف بحقوقهم‪ .‬فالدولة هي الكيان الذي فيه تمتزج‬ ‫ا إلرادات الفردية لتكون بمزيد نف�سها‪ .‬فالفرد �سوف لا يكون حرا �إلا في الدولة‪،‬‬ ‫‪84‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫وبالتالي ف�إنه من العبث طرح م�س أ�لة تعار�ض القانون والدولة‪ ،‬لأن القانون هو أ��صلا‬ ‫من عمل الدولة التي تعلن عن ما هو في م�صلحتها وفائدتها ‪.‬‬ ‫وترجمة هذه الأفكار \"الفل�سفية\" على ال�صعيد القانوني‪ ،‬ت�ؤدي‪ ،‬وقد أ�دت لدى‬ ‫العديد من الفقهاء الالمان‪ ،‬إ�لى القول ب أ�ن الدولة هي أ�على �شخ�صية قانونية‪ ،‬وتتمتع‬ ‫ب�أكبر قوة‪ ،‬وهي �سلطة ا ألمر‪.‬‬ ‫�أما القانون ف�سوف لايكون غير مجموعة القواعد المرغمة التي تطبق في الدولة‪ ،‬لأن‬ ‫لا قواعد قانونية غير تلك التي تمنحها الدولة هذه ال�صفة‪ .‬فالدولة هي الأ�سا�س‬ ‫الوحيد للقانون‪� ،‬أما الأفراد فلا حقوق لهم إ�لا بمقت�ضى النظام القانوني الذي‬ ‫تقيمه الدولة‪ ،‬ولا ت�صبح م�صالحهم حقوقا ما لم تكن محمية من قبل الدولة‪ .‬ومن‬ ‫هنا جاء تعريف أ�هرنك ال�شهير ب�أن \"الحقوق هي الم�صالح المحمية قانونا\"(‪.)1‬‬ ‫وعليه ف إ�ن هيغل لا يجد تناق�ضا بين القانون والقوة‪ ،‬فالقانون هو ماتريده الدولة �أو‬ ‫قوة الدولة‪ ،‬هو مايريده الاقوياء المهيمنين على الدولة وعلى الطبقات ال�شعبية فيها‪،‬‬ ‫فلا خلا�ص �إذن من هذا التناق�ض وبناء المجتمع المن�سجم �إلا ب إ�لغاء القانون‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يفتكره مارك�س والمارك�سيون ‪.‬‬ ‫إ�لا �إن في هذه النظرة خط أ� �أو عدم دقة مرده الأ�سا�س الذي يقوم عليه القانون عند‬ ‫هيغل ومن تبعه من الفقهاء الالمان‪ ،‬وما بناه عليه مارك�س في نظرته إ�لى القانون‪.‬‬ ‫وقد ت�صدينا في �أكثر من منا�سبة ‪ ،‬إ�لى الربط (الذي تقيمه عادة الو�ضعية القانونية)‬ ‫بين القانون والجزاء‪ ،‬وقلنا أ�ن لا علاقة بينهما‪ ،‬بمعنى أ�ن و�ضعية القاعدة القانونية‬ ‫لا تتوقف على الجزاء‪ ،‬أ�ي أ�ن الجزاء لي�س ركنا في القاعدة القانونية‪.‬‬ ‫هذا يعني ان الجزاء لي�س بمعيار للقانون أ�و للقاعدة القانونية‪ .‬وعليه ف إ�ن الجزاء‬ ‫الذي ي�صاحب ( أ�و قد لا ي�صاحب) في الغالب القاعدة القانونية لا ي�ؤثر على ال�صفة‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬انظر‪ :‬روبيه‪ ،‬النظريةالعامة للقانون‪� ،‬ص ‪52‬‬ ‫‪85‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الآمرة للقاعدة القانونية‪ ،‬أ�ي لا ي ؤ�ثر على الأمر المطلق الذي يت�ضمنه حكم القاعدة‬ ‫القانونية فالقاعدة القانونية تكون كاملة و�آمرة من دون جزاء‪ .‬فالقانون الخالي من‬ ‫الجزاء يبقى مع هذا قانونا وبهذه ال�صفة يجب �أن يحترم ‪.‬‬ ‫وعليه ف�إن إ�عتقاد مارك�س‪ ،‬والمارك�سية من بعده‪ ،‬ب�أن كل قانون هو �أداة إ�رغام‬ ‫أ�و قمع‪ ،‬جاء نتيجة لت�أثره بفكرة القانون التي طرحها هيغل‪ ،‬والتي كانت‬ ‫ا أل�سا�س\"الفل�سفي\"للو�ضعية القانونية وهي �أن‪ :‬القانون تقيمه الدولة ويجب أ�ن‬ ‫يقترن بالإرغام‪ .‬لذلك ف�إن نقد مارك�س للقانون هو‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬نقد لمفهوم هيغل‬ ‫للقانون الذي يتعر�ض ألكثر من ملاحظة‪.‬‬ ‫ولذلك فلي�س من المقبول منهجيا أ�ن نبني نظرية إ�نطلاقا من حالة خا�صة ومن‬ ‫ت�صور محدود فر�ضته ظروف تاريخية معينة �أدت �أو كانت �سببا إ�لى فكر �أو �أفكار‬ ‫معينة‪ .‬فالموقف \"المعادي\" �إن �صح التعبير‪ ،‬من هيغل\"وفل�سفته القانونية\"لايمكن �أن‬ ‫يحدد موقفا علميا من القانون وطبيعته‪.‬‬ ‫فطبيعة القانون تحدد في �صحتها‪ .‬فالقاعدة توجد وتكون قانونية لمجرد إ�نها‬ ‫�صحيحة‪ .‬و�صحة القاعدة القانونية تعني �إقامتها ب�شكل �صحيح من قبل الجهة‬ ‫�أو الهيئة المخت�صة في الدولة وذلك ب�صرف النظر عن طاعتها أ�و عدم طاعتها �أو‬ ‫طاعتها لحد ما‪ .‬فطاعة القاعدة القانونية بت أ�ثير الجزاء أ�و الإرغام‪ ،‬بمعنى نجاعة‬ ‫القاعدة القانونية‪ ،‬لا ت�أثير له على �صحة القاعدة القانونية وبالتالي على وجودها‪.‬‬ ‫وبنا ًء عليه يتهي أ� لنا‪� ،‬إن مارك�س و(المارك�سية) يخلط بين \"�صحة\" و\"نجاعة\"‬ ‫القانون‪ ،‬معتبرا �أن النجاعة (المقترنة بالإرغام ومن ثم بالتطبيق ) هي �أ�سا�س‬ ‫القانون‪ ،‬وهذا ما لا يمكن الت�سليم به واقعا وفكرا‪ .‬فالقاعدة القانونية تكون �صحيحة‬ ‫وملزمة لمجرد �إنها تت�ضمن أ�مرا ولكن لي�س بال�ضرورة أ�ن تقترن بالجزاء أ�و ا إلرغام‪.‬‬ ‫بتعبير �آخر �إن ال�صحة و�إن ت�ضمنت أ�مرا‪ ،‬إ�لا �أنها لا ت�شترط النجاعة (الطاعة‬ ‫عن طريق الجزاء أ�و الإرغام) لكي تكون قاعدة قانونية‪ .‬ورغم �أن مارك�س لم يكن‬ ‫بعيدا‪� ،‬إلى حد ما‪ ،‬عن أ�جواء القانون‪ ،‬فهو يبقى فيل�سوفا وبالتالي بعيدا عن القانون‬ ‫‪86‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫و\"فل�سفته\"التي تقول بديمومة القانون‪.‬‬ ‫ )ب ( ديمومة القانون‬ ‫�إن ظاهرة القانون إ�رتبطت‪ ،‬في المذهب المارك�سي‪ ،‬بظاهرة الدولة‪ ،‬بحيث يمكن‬ ‫القول إ�ن �أيا منهما معلق على الآخر �أو م�صير أ�حدهما مرتبط بم�صير ا آلخر‪،‬‬ ‫والدولة بعد هذا ظاهرة قوة بالن�سبة للمارك�سية فهي‪ :‬حكام يقب�ضون على ال�سلطة‬ ‫للحفاظ على �إمتيازاتهم و�سيطرتهم الطبقية‪ .‬والحكام يلج�أون إ�لى القوة وا إلرغام‬ ‫لتنفيذ مايريدون من م�صالح و إ�متيازات‪ ،‬وخير و�سيلة لتحقيق ذلك هو القانون‪.‬‬ ‫بنا ًء عليه ف�إن القانون �سيفقد �سبب وجوده بل طبيعته في مجتمع خال من الطبقات‪،‬‬ ‫في مجتمع لا طبقي‪ ،‬فبدلا من حكم (�إدارة ) الأ�شخا�ص �ستكون هناك �إدارة الأ�شياء‪.‬‬ ‫�إلا أ�ن القانون و إ�ن ت�ضمن \"�أمرا\" فلا يعني هذا �إنه يت�ضمن �إرغام ًا‪ ،‬فهذا\"الأمر\"ذو‬ ‫بعد تنظيمي تفر�ضه الحياة الإجتماعية حتى ولو كانت خالية من الطبقات‪.‬‬ ‫فا إلن�سان مهما بلغ من �سمو ومهما تحرر من �إ�ستلابات المجتمع الطبقي فهو بحاجة‬ ‫إ�لى العديد من القواعد لتنظيم الحياة الجماعية مهما اختلفت الت�سميات التي‬ ‫تطلق على هذه\"القواعد\"‪ .‬فالقانون‪� ،‬إن �صح التعبير‪� ،‬سيوجد �إذن ولو بت�سمية‬ ‫أ�خرى حتى في المجتمع اللاطبقي‪ .‬لكن لن�سلم بطروحات المارك�سية ب�إعتبار القانون‬ ‫مجرد\"بناء فوقي\"لواقع في جوهره إ�قت�صادي وبالتالي ف إ�ن القانون هو نتاج �صراع‬ ‫طبقي‪ .‬ولن�سلم أ�ي�ضا ب أ�ن القانون �سيختفي ب�إنتهاء ال�صراع الطبقي وتحقيق مجتمع‬ ‫الوفرة‪ ،‬ومع كل هذا ف�إن حياة جماعية جديدة �ستن�ش�أ‪ ،‬وعندها لا يمكن أ�ن ننكر‬ ‫منطقا ومنهجا إ�ن هذه الحياة الجماعية تحتاج �إلى قواعد معينة‪ ،‬قد لا تكون‪ ،‬ولا‬ ‫تكون‪ ،‬القواعد القانونية التي عرفها المجتمع البورجوازي‪ :‬مجتمع الطبقات وال�صراع‬ ‫الطبقي‪ .‬وهذا ما دعى مارك�س لأن يقول أ�ن هذه القواعد\"الجديدة\"�ستكون لها‬ ‫�صفة \"فنية\"ولي�س قانونية‪ ،‬ألنه في المجتمع ال�شيوعي لا حاجة إ�لى إ�رغام لفر�ض‬ ‫‪87‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫إ�حترام مثل هذه القواعد‪ .‬فكل فرد �سيكيف �سلوكه تلقائيا‪ ،‬ألن إ�نهاء ال�صراع بين‬ ‫الطبقات �أدى إ�لى وحدة الم�صالح وبالتالي �إلى وحدة ا ألهداف التي �أنجبت هذه‬ ‫\"القواعد الفنية\" التي يقبلها الكل‪.‬‬ ‫�إلا أ�ن م�س أ�لة خرق هذه القواعد الجديدة‪ ،‬في المجتمع الجديد‪ ،‬تبقى ممكنة‬ ‫ومطروحة‪ .‬وقد يجاب ب أ�ن هذا الخرق �سيكون �إ�ستثنائيا ونادرالحدوث في مجتمع‬ ‫من�سجم وخالي من ا إل�ستغلال‪ ،‬كما أ�ن الدفاع الذاتي للهيئة الإجتماعية يتكلف بو�ضع‬ ‫حد لمثل هذا الخرق‪ .‬لكن ال�س ؤ�ال الذي يفر�ض نف�سه عندها هو‪ :‬هل تكفي\"فنية\"هذه‬ ‫القواعد (بالمعنى المارك�سي ) وندرة خرقها من أ�ن تغير الظاهرة القانونية ؟ الجواب‬ ‫بالنفي يفر�ض نف�سه‪ ،‬لأن \"فنية\" القواعد الجديدة وماهية الدفاع الذاتي للهيئة‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬لي�ست ببعيدة عن \"طبيعة\" القانون و�ضرورة وجوده‪ ،‬مهما �إختلفت‬ ‫الت�سميات ومهما كان تبرير ت�صرفات ا ألفراد الجماعية‪.‬‬ ‫فديمومة القانون تفر�ضها \"طبيعة الأ�شياء\"‪ ،‬وتلازم المجتمع و\"القانون\" مهما‬ ‫كانت ت�سميته ومهما كانت طبيعة المجتمع الجديد‪.‬‬ ‫لكن من الحق القول �أن المارك�سية في موقفها‪ ،‬ولا نريد �أن نقول في عدائها‪ ،‬للدولة‬ ‫وللقانون كانت تريد إ�يجاد إ�ن�سان جديد‪ ،‬يجد �إن�سانيته في ذاته وفي ذات ا آلخرين‪.‬‬ ‫وربما يكون الوقوف عند هذه الم�س أ�لة أ�هم محطة في تقدير المارك�سية‬ ‫ثالثا – في الإن�سان‬ ‫(�أ ) مفهوم الإن�سان‬ ‫يمكن القول أ�ن ل إلن�سان و�صيرورته مفهومان‪� ،‬أي مفهومان لإدراك الطبيعة‬ ‫الب�شرية‪ .‬والمفهوم الأول هوالمفهوم الميتافيزيقي للإن�سان الذي يعتبره ذو طبيعة‬ ‫‪88‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫�سامية لايمكن الم�سا�س بها والذي تبنته الفل�سفة الليبرالية‪ .‬وقد ترتب على ذلك‬ ‫�أن للإن�سان حقوقا طبيعية ملازمة ل�شخ�صه لايمكن أ�ن تم�سها أ�يه �إرادة ب�شرية‪.‬‬ ‫فللإن�سان حقوق لايمكن التنازل عنها وهي مقد�سة ومن ثم ف�إن أ�ي �إرادة – حتى‬ ‫إ�ذا كانت ا إلرادة العامة‪ ،‬إ�رادة الجماهير‪� ،‬أو �إرادة ال�سلطة – لايمكن أ�ن تم�س هذه‬ ‫الحقوق ألنها إ�ن فعلت ذلك ف�إنها تم�س الطبيعة \"المقد�سة\" ل إلن�سان‪ .‬ومن هذا‬ ‫المنطلق تبد أ� فل�سفة حقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫وفي مقابل هذه الفل�سفة الميتافيزيقية تقف الفل�سفة المارك�سية التي لا تعتبر الطبيعة‬ ‫الب�شرية معطية �ستاتيكية‪ .‬فا إلن�سان فعل وحركة وهو ينجب ذاته ب�إ�ستمرار كلما‬ ‫وعي الظروف المو�ضوعية المادية التي هو جزء منها‪ .‬فبين طبيعة الإن�سان و إ�رادة‬ ‫ا إلن�سان‪ ،‬تعطي الفل�سفة الليبرالية الأولوية لل�صفة الدائمة العليا للطبيعة الب�شرية‪.‬‬ ‫أ�ما الفل�سفة المارك�سية فت�ؤمن ب إ�ن�سان الغد‪� ،‬إن�سان الم�ستقبل بعد تحرره بفعل إ�رادته‬ ‫من كل إ��ستلاب‪ .‬وعلى هذين المفهومين يترتب عدد من النتائج تتعلق بحرية الإن�سان‬ ‫وعلاقته بال�سلطة‪ .‬لذلك ف إ�ن حل م�شكلة ثنائية الإن�سان‪ ،‬رعية – مواطن‪ ،‬لا يتم إ�لا‬ ‫بف�ضل فكرة تطايق الحكام والمحكومين التي تتطلب �إيجاد \"�إن�سان جديد\" ذي طبيعة‬ ‫خا�صة �إن �صح التعبير‪ .‬فالتناق�ض بين المواطن ‪ -‬الرعية لايتم تجاوزه‪ ،‬في الحقيقة‪،‬‬ ‫إ�لا بف�ضل تغيير طبيعة الإن�سان‪ .‬لذلك ف إ�ن المارك�سية لا ت�ستطيع حل م�شكلة العلاقة‬ ‫بين ا إلن�سان وال�سلطة بتغيير ال�سلطة و إ�نما بتغيير الإن�سان‪ ،‬كما يقول ا أل�ستاذ بردو‪.‬‬ ‫فلم يعد الان�سان‪ ،‬في هذا الت�صور‪ ،‬ي�شعر بال�سلطة‪ ،‬بالمعنى ال�سيكولوجي ولا يتح�س�س‬ ‫بالتالي ال�شعور بالخ�ضوع ‪ .،‬فحين تجعل المارك�سية الفرد إ�جتماعيا بكامله ف�إنها‬ ‫تنت�شله من حالة خ�ضوع الرعية لكنها تنتزع منه‪ ،‬في ذات الوقت‪ ،‬كل \" إ��ستقلال‬ ‫ذاتي\"‪ .‬وعليه يمكن القول �أن المارك�سية تخلق نموذجا إلن�سان غير قادر ب�سلوكه‬ ‫النف�سي وبعلاقاته ا إلجتماعية �أن تكون له �إرادة خا�صة متميزة عن الإرادة التي‬ ‫�إكت�سبها ب�صفته حاكما‪.‬‬ ‫‪89‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫(ب) الرهان على ا إلن�سان‬ ‫وهذاالم�سعى الذ يتطلب تغيير طبيعة ا إلن�سان لم يغب عن بال رو�سو الذي أ�ح�س‬ ‫ب�ضرورته‪\" .‬فمن يريد �أن ي�ؤ�س�س �شعبا‪ ،‬يقول رو�سو‪ ،‬عليه أ�ن يدرك ب أ�نه في حالة من‬ ‫يغير طبيعة الإن�سان (و) يحول كل فرد الذي هو بذاته كل كامل ومنعزل‪ ،‬إ�لى جزء‬ ‫من كل أ�كبر والذي منه ي�ستمد هذا الفرد ب�شكل أ�و ب�آخر حياته وكينونته\"(‪.)1‬‬ ‫�إلا �أن رو�سو و إ�ن قال بتغيير الطبيعة الب�شرية‪ ،‬ف إ�نه لم يعتبر ذلك حتميا و�إكتفى‬ ‫بطرح الخيار‪\":‬يجب الخيار بين �صنع إ�ن�سان �أو �صنع مواطن‪ ،‬لأنه لايمكن �أن ت�صنع‬ ‫في ذات الوقت هذا وذاك\"‪ .‬وي�ضيف قوله حول هذا الخيار أ�ن\"�سبب الب�ؤ�س الإن�ساني‬ ‫هو التناق�ض الموجود ‪ ...‬بين الإن�سان والمواطن‪( .‬ف�أما) أ�ن نعطيه كله �إلى الدولة �أو‬ ‫ندعه كله �إلى ذاته\"(‪. )2‬‬ ‫وقد اختارت المارك�سيه ال�سير في هذا الطريق وتبنت منطق العلاقه الميكانيكيه بين‬ ‫\"الو�سيله\" و\"الغايه\"‪ ،‬بعيدا عن القوانين ال�سيكولوجيه التي تحكم الطبيعه الب�شريه‬ ‫‪.‬فدكتاتوريه البروليتاريا و�سيله لبلوغ غايه هي الديموقراطيه الكامله‪ .‬وتقويه الدوله‬ ‫هي و�سيله لبلوغ غايه هي ذبول الدوله‪ .‬وتدرج الاو�ضاع الاجتماعيه والمعا�شيه هي‬ ‫و�سيله لبلوغ غايه هي مجتمع الم�ساواة واللاطبقيه‪ .‬و\"منطق\"هذه العلاقات بين‬ ‫الغايه والو�سيله يمكن الت�سليم به من الناحيه النظريه‪ .‬فهذه لي�ست اول مرة يعتقد‬ ‫النا�س فيها‪ ،‬يقول العميد فدل‪ ،‬انه بالت�صفيه الج�سديه يمكن الو�صول الى الاخوة‬ ‫وبالاوتوقراطيه ن�صل الى الحريه وبالحرب ن�صل الى ال�سلام لكن الان�سان‪ ،‬من‬ ‫الناحيه الواقعيه‪ ،‬لي�س اداة �سلبيه خاليه من الذاكره و العادات ‪.‬ففي العنف وفي‬ ‫الحرب وفي الدكتاتوريه ‪،‬تنمو غرائز العدوان والهيمنه‪ .‬ولنفر�ض انه جاء اليوم‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬رو�سو‪ :‬العقد الاجتماعي‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬الباب ال�سابع‪.‬‬ ‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بردو‪ ،‬المطول‪ ،‬ج ‪� ،5‬ص ‪.50-49‬‬ ‫‪90‬‬

‫نظرية القانون في المذاهب ال�شمولية‬ ‫الذي تتحقق فيه بالطرق التي ا�شرنا اليها‪ ،‬الظروف \"المو�ضوعيه\" للمجتمع‬ ‫المن�سجم‪ ،‬فعندها �سيكون من �شبه الاكيد ان الظروف\"الذاتيه\"اي ال�شعور بالحريه‬ ‫والم�ساواه والاخوه تكون قد اختفت تماما‪.‬‬ ‫في الحقيقة أ�ن الم�شكلة الأ�سا�س هي م�شكلة الان�سان وم�شكلة الرهان على الان�سان ‪.‬‬ ‫فهو ذات إ�جتماعية كجزء من كل‪ ،‬وهو كيان قائم بذاته له م�صالحه وله طموحاته‬ ‫وفيه نزعات الخير وال�شر‪ .‬فكيف يتعامل ا إلن�سان‪ ،‬إ�ذن مع الغير‪ ،‬وكيف يتعامل‬ ‫�أي�ضا مع الذات ؟ كيف يفكر من أ�جل الغير وكيف يفكر من أ�جل الذات ؟ تناق�ض مع‬ ‫الذات وتناق�ض مع الغير و�إن�سجام مع الذات وان�سجام مع الغير‪ ،‬تلك هي م�شكلة‬ ‫الان�سان وتلك هي م�شكلة الرهان على الان�سان‪.‬‬ ‫رهان على حا�ضره ورهان على م�ستقبله‪ .‬فهل نبقى في الحا�ضر ونن�سى الم�ستقبل �أم‬ ‫نبقى في الم�ستقبل ونن�سى الحا�ضر ؟ الان�سان اليوم والان�سان في الغد‪� :‬س ؤ�ال ي�ستحق‬ ‫ان يطرح ألن في طرحه مواجهة لم�شكلة الإن�سان في حا�ضره وفي �صيرورته ‪.‬‬ ‫«فا إلن�سان لي�س عليه أ�ن ي�صارع فقط �ضد المجتمع الذي يعي�ش فيه‪ ،‬لكن �أي�ضا‬ ‫�ضد �سلوكه بقدر ما �سي�صبح ويميل إ�لى �أن ي�صبح غير ما هو عليه‪ .‬إ�ن ديالكتيكية‬ ‫ت أ�ريخ الإن�سان لا تتوقف مع الدولة ا إل�شتراكية‪ ،‬فهذه لي�ست �إلا مرحلة من تاريخ‬ ‫المجتمعات\"(‪.)1‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫(‪ )1‬بريمو‪ :‬الاتجاهات الكبرى لفل�سفة القانون والدولة‪ ،‬المرجع ال�سالف الذكر‪� ،‬ص ‪. 242‬‬ ‫‪91‬‬

92

‫فهر�س‬ ‫توطئة ‪5............................................................................‬‬ ‫الق�سم ا ألول‬ ‫القانون في المذهب القومي الا�شتراكي‬ ‫الف�صل الأول ‪ -‬معطيات المذهب القومي الا�شتراكي ‪12....................‬‬ ‫أ�ول ًا ‪ -‬ال�شعب جماعة قومية ‪12.....................................................‬‬ ‫( أ�) مفهوم ال�شعب ‪12...........................................................‬‬ ‫(ب) فكرة الجماعة القومية ‪14................................................‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬القيادة ‪15..................................................................‬‬ ‫( أ�) فكرة القيادة ‪15............................................................‬‬ ‫(ب) مفهوم القائد ‪16..........................................................‬‬ ‫الف�صل الثاني ‪� -‬أ�سا�س القانون في المذهب القومي الا�شتراكي ‪19.........‬‬ ‫أ�ول ًا ‪ -‬المفهوم القومي ‪ -‬الا�شتراكي للقانون ‪19...................................‬‬ ‫( أ�) ا�ستبعاد المفاهيم التقليدية للقانون ‪19.....................................‬‬ ‫(ب) القانون تعبير عن النظام الحياتي لل�شعب ‪21.............................‬‬ ‫(ج) م�صدر القانون‪ :‬من المدر�سة الت أ�ريخية ا أللمانية‬ ‫�إلى المذهب القومي ‪ -‬الا�شتراكي ‪22............................................‬‬ ‫(د) القائد و�صياغة القانون الو�ضعي ‪28........................................‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬نتائج المفهوم القومي‪ -‬الا�شتراكي للقانون ‪29............................‬‬ ‫(�أ) عمومية وت�شريع القانون الو�ضعي ‪29.......................................‬‬ ‫‪93‬‬

‫(ب) الجمود الد�ستوري ‪31.....................................................‬‬ ‫(ج) أ��سا�س القانون الدولي ‪33..................................................‬‬ ‫(د) دولة الم�شروعية ودولة القانون ‪35..........................................‬‬ ‫الف�صل الثالث ‪ -‬ت أ�ملات نقدية ‪39............................................‬‬ ‫�أول ًا ‪ -‬الفردية والقانون ‪39........................................................‬‬ ‫ثانياً ‪� -‬سلطوية الفهرر ‪43........................................................‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬الأ�ساطير النازية ‪47.......................................................‬‬ ‫الق�سم الثاني‬ ‫المارك�سية والقانون‬ ‫الف�صل ا ألول ‪ -‬فكرة المارك�سية ‪50............................................‬‬ ‫�أول ًا ‪ -‬مارك�س والمارك�سية ‪50.......................................................‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬المنهج المارك�سي ‪52.........................................................‬‬ ‫( أ�) مارك�س �ضد هيغل ‪52.......................................................‬‬ ‫(ب) عيوب المنهج الفل�سف�سي ‪53...............................................‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬الفل�سفة المارك�سية ‪55........................................................‬‬ ‫(�أ) معنى المارك�سية ‪55.........................................................‬‬ ‫(ب) المادية الت أ�ريخية ‪57.......................................................‬‬ ‫(ج) ال�صراع الطبقي ‪58........................................................‬‬ ‫(د) الثورة والدولة ‪59..........................................................‬‬ ‫الف�صل الثاني ‪ -‬الدولة والقانون في المذهب المارك�سي ‪62..................‬‬ ‫أ�ول ًا ‪ -‬المفهوم المارك�سي للدولة ‪62.................................................‬‬ ‫‪94‬‬

‫( أ�) �أ�صل الدولة ‪62.............................................................‬‬ ‫(ب) واقع الدولة ‪64............................................................‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬المفهوم المارك�سي للقانون ‪67...............................................‬‬ ‫( أ�) ظاهرة القانون ‪67..........................................................‬‬ ‫(ب) طبيعة القانون ‪68.........................................................‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬الدولة والقانون بعد الثورة الا�شتراكية ‪69...............................‬‬ ‫( أ�) دكتاتورية البروليتاريا ‪71...................................................‬‬ ‫(ب) ذبول الدولة والقانون في المجتمع الا�شتراكي ‪73...........................‬‬ ‫(ج) إ�لغاء الدولة والقانون في المجتمع ال�شيوعي ‪74.............................‬‬ ‫الف�صل الثالث ‪ -‬ت�أملات نقدية ‪76............................................‬‬ ‫�أول ًا ‪ -‬في الدولة ‪77...................................................................‬‬ ‫( أ�) التمييز بين الحكام والمحكومين ‪78.........................................‬‬ ‫(ب) التطابق بين الحكام والمحكومين ‪81.......................................‬‬ ‫ثانياً ‪ -‬في القانون ‪84..............................................................‬‬ ‫(�أ) أ��سا�س القانون ‪84..........................................................‬‬ ‫(ب) ديمومة القانون ‪87.......................................................‬‬ ‫ثالثاً ‪ -‬في الإن�سان ‪88..............................................................‬‬ ‫(�أ) مفهوم الإن�سان ‪88..........................................................‬‬ ‫(ب) الرهان على الإن�سان ‪90...................................................‬‬ ‫‪95‬‬

96

97

98


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook