Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ظاهرة الغلو في الدين أساسها وعلاجها

ظاهرة الغلو في الدين أساسها وعلاجها

Published by الدكتور محمد عبدالنور, 2021-12-03 09:45:52

Description: ظاهرة الغلو في الدين أساسها وعلاجها

Search

Read the Text Version

‫ظاهرة الغلو في الدين أساسها وعلاجها‬ ‫د‪ .‬محمد عبد النور‬ ‫‪2021/12/02‬‬ ‫لا شك أن للغلو أسباب نفسية تدفع الأفراد إلى اختزال الدين‬ ‫في العبادات‪ ،‬فهي في جوهر الأمر نزعة هروبية‪ ،‬ذلك أن تمرس‬ ‫الإنسان في الشؤون العبادية وانغماسه فيها لا يؤهله مباشرة‬ ‫لحسن معاملة الناس‪ ،‬إذ للمعاملات أهمية كبرى في الدين رغم‬ ‫أنها لا ترتبط بالعبادات بشكل مباشر‪ ،‬وفي هذا الشأن وردت‬ ‫الرواية الشهيرة عن النبي (ص)‪\" :‬الدين المعاملة\"‪ ،‬فحسن‬ ‫معاملة الناس هي مسألة أخلاقية صرفة‪ ،‬والتدرب على حسن‬ ‫المعاملة لا يكون إلا بمخالطة الناس في الحياة الفعلية بعيدا عن‬ ‫محراب التعبد المعزول‪.‬‬ ‫يقول النبي (ص)‪\" :‬إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم‬ ‫القائم\"‪ ،‬وفي هذا تقرير واضح لحقيقتين ‪.‬‬ ‫الحقيقة الأولى‪ :‬هو أنه ومن الناحية العملية لا علاقة مباشرة‬ ‫بين الشؤون العبادية والشؤون الخلقية‪ ،‬فالعبد قد يتميز بأحد‬ ‫الحسنيين دون الأخرى حسن العبادة أو حسن الخلق‪ ،‬فالعبادة‬ ‫علاقة عمودية بين العبد وربه‪ ،‬والأخلاق علاقة أفقية بين‬ ‫العباد‪ ،‬وأن العلاقة ليست متعدية بينهما‪ ،‬فحسن التعبد لا يؤدي‬

‫بالضرورة إلى تحسين الخلق‪ ،‬ولا حسن الخلق يؤدي بالضرورة‬ ‫إلى حسن التعبد‪.‬‬ ‫الحقيقة الثانية‪ :‬هي أن النجاة الأخروية للعبد قد تكفي بمجرد‬ ‫حسن المعاملة‪ ،‬مع حد أدنى من إتيان الفرائض العبادية‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني أن حسن الخلق خيار من خيارات النجاة الأخروية‪ .‬مع‬ ‫التأكيد على أن العبادة هي أيضا لا تكفي لوحدها‪ ،‬بل لحسن‬ ‫الخلق حد أدنى ضروري للنجاة الأخروية عند المتعبد‪.‬‬ ‫فإذا كان الإفراط في العناية بالتعبد قد يؤدي إلى الرهبنة‬ ‫المرفوضة في الدين‪ ،‬فإن الزيادة في تحسين الخُلُق مطلوب‬ ‫جدا في الدين‪ ،‬وتحسين الأخلاق يؤدي إلى تحسين حياة الخلق‪،‬‬ ‫وتحسين حياة الخلق مقصد لذاته‪ ،‬بينما تحسين التعبد لا يقصد‬ ‫لذاته‪ ،‬إنما القصد منه تحسين حال الإنسان ليعود إلى الدنيا في‬ ‫مزاج حسن‪ ،‬فالعبادة لا تستحسن إلا بقدر تليينها للشعور‬ ‫الإنساني‪ ،‬والزيادة منها على حساب المعاملة هو عكس لمنطق‬ ‫الأشياء؛ وعليه فإذا كان تحسين الحياة هو مقصد لذاته‪ ،‬فإن‬ ‫كلما أدى إلى تلك الغاية يندرج ضمن الأخلاق‪ ،‬وهو ما يجعل كل‬ ‫سلوك دنيوي خلقا في حد ذاته‪ ،‬سواء كان خلق تزكية إذا أدى‬ ‫إلى تحسين الحياة‪ ،‬أو خلق تدسية إذا أدى إلى إفسادها ‪.‬‬ ‫والشاهد في كل ذلك أن مقصد الدين الرئيس هو ترويض خلق‬ ‫الإنسان‪ ،‬ليعمل في صالح الناس‪ ،‬وأن العبادة في ذلك هي أداة‬ ‫من أدوات تحسين الخلق؛ وعليه فإن اختزال الدين في العبادات‪،‬‬ ‫وبالتالي تحويل الأداة فيه إلى مقصد لحد ذاته‪ ،‬إنما هو تحريف‬ ‫صريح للدين‪ ،‬وبذلك يتسع مفهوم الخلق من المعاملة الحسنة‬

‫للناس بشكل مباشر إلى دفع كل ما يسوؤهم من ظلم وفساد بما‬ ‫تتسع له الحياة كلها‪.‬‬ ‫وبه‪ ،‬فإن الخطابات الاختزالية التي لا ترى في الدين إلا حسابا‬ ‫أخرويا للفرد‪ ،‬خطابات محرّفة للدين‪ ،‬فغاية الدين هو إصلاح‬ ‫الواقع الاجتماعي للناس وتحسينه بدءا بحسن المعاملة مرورا‬ ‫بالسعي في سبيل رفع الظلم وانتهاء إلى العمل على تحسين معيشة‬ ‫الناس‪ ،‬وأن الحساب الأخروي سوف لن يكون إلا تحصيل حاصل‬ ‫لما حاول المرء تحقيقه من إصلاح دنيا الناس‪ ،‬وأن العبادات‬ ‫تهدي الإنسان للعمل الصالح والعلم النافع الدنيويين‪ ،‬وأن‬ ‫الحساب الأخروي يتعلق أساسا بالأعمال الدنيوية‪ ،‬فالعبادات‬ ‫ليست إلا وسيلة لصلاح وإصلاح الدنيا‪ ،‬وأن الحساب الأخروي‬ ‫عليها سيكون انطلاقا من فاعليتها في هداية الإنسان للعمل‬ ‫الدنيوي الصالح‪.‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook