أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 151 هدف .وهنا كيف يمكن للطرفين أن يكتشفا أ َّن طرف ًا ما لا يحمل هدف ًا من هذا التعارف؟ ـ د .عمر أبو زكريا« :عرفتم مراحل نظامنا (فيقة ،ميقة ،صيغة ،مع الضرورة، ثم زواج دائم) فهذه عناوين واضحة لمفهوم التد ّرج وتوسيع هامش الخيارات، ودائم ًا نحن نفترض أ َّن الذين يدخلون في هذه المراحل (شبان ًا أو فتيات) هم على درجة من الوعي وي ّتصفون بال ُخ ُلق ،والغالب عليهم الخصال الحميدة والع ّفة وال ُّن ُبل.. هذا أ ّول ًا ،وثاني ًا إذا ما ا ّتبع الشاب بد ّقة المراحل والتد ّرج في نظامنا فلن يكون مضط ّر ًا إلى التمثيل ،والفتيات بالعشرات أمامه في العمل والجامعة والمجتمع، وسهولة التع ّرف متوافرة ،فما الحاجة إلى التمثيل؟ التمثيل يكون سيد الموقف إذا كان طر ٌف ما ليس مؤ ّهل ًا ولا يمتلك الكفاءة التي تجعله على قدم المساواة مع الآخر ،أو على الأقل لا تتوافر فيه إمكان ّية أن يكون مناسب ًا لهذا الآخر .ولذا ،نحن مع إطالة أمد ك ّل مرحلة (الفيقة والميقة) بهدف أن يعرفا بعضهما ،لأ ّنه ك ّلما طالت الم ّدة في المراحل الأولى ،كان الاكتشاف أكثر وضوح ًا. نعود لنقول :إ َّن نظامنا يكتشف التمثيل ولو بنسبة مع ّينة ،فالفتاة عندما تعقد (فيقة) تكون قد دخلت في مرحلة التعارف الأولية وفي (الميقة) صارت تكتشف الشاب إذا لم تكن قد كشفت حقيقته بالكامل ،فمع الزمن وتد ّرج المراحل رويد ًا رويد ًا ،تدخل الفتاة ويدخل الشاب عالم بعضهما ،ويستطيعان بوعيهما اكتشاف شخص ّيتهما ،هل هي شخصية حقيقية ،أم مل ّونة تغ ّير شكلها حسب الحاجة؟ وبعد ذلك يكون القرار بأيديهما».
الفصل الخامس 152 الدافع الجنسي والدافع الأبو ّي طال ٌب من آخر القاعة يرفع يده ويخاطب المحاضرين: * حسن ًا إذا أراد الشاب أن يتز ّوج ولكن تحت ضغط الأحوال الاقتصادية ُيحجم عن ذلك ،فقد يذهب إلى العقد المؤ ّقت (الصيغة) انطلاق ًا من دافع جنس ّي بحت لا من دافع أبو ّي أو أسر ّي ،ف ُيلغي مشروع الزواج الدائم وبذلك يع ّطل دافع ًا من دوافع الزواج الأساس ّية ،وهو التناسل ،ما ر ّدكم على ذلك؟ ـ الس ّيد محمد« :في البداية وكما قلنا سابق ًا نحن نح ّدد ماهية اللباس ،ولكن لا نف ّصل قياس ًا واحد ًا لجميع الأحجام ..علم ًا بأ َّن هناك عنوان ًا رئيس ًا للنظام تتف ّرع عنه تفاصيل ،وهذه التفاصيل مرتبطة وبشكل شرعي بالعنوان الرئيس .يختار منها الإنسان ما يتلاءم مع وضعه وأحواله وواقعه. أ ّما في ما يخت ُّص بالسؤال وبأ ّن البعض يختار مرحلة (الصيغة) لدوا ٍع وأسباب مع ّينة تجعل الفترة الزمنية طويلة في هذه المرحلة ،وهذا ما يص ّد عن الزواج الدائم ،ويع ّطل ـ كما قال السائل الكريم ـ ُس ّنة الحياة واستمرار ّيتها في تكاثر النسل وما شاكل ،نجيب ،بأ َّن هذه الحالات حالا ٌت خاصة تناسب شريحة اجتماعية مع ّينة لها أوضاعها الخاصة بها. وما العيب أن يكون تلاقي الرجل والمرأة وتحت سقف الشرع في مرحلة (الصيغة) بداف ٍع جنسي بعيد عن الحرام؟ وعلى هذا ،فالرجل عندما يعقد عقد ًا شرعي ًا فهو لا يعقده مع جماد ،بل مع إنسانة تطابقت رغباتها مع رغباته ،وما دام أ َّن الفراش ـ في العقد المؤقت ـ ليس من ح ِّقه ك ّلما طلبها إليه ،ولكن إذا ل ّبت له هذه الرغبة ،فهي تكون منسجمة مع نفسها ،لأ َّن رغبتها كما قلنا تقاربت مع رغبته.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 153 ول ّما كانت هذه الغريزة موجود ًة في الإنسان تشابه غرائز أخرى غرسها الله في عمق كيانه ،وهو إذا لم يل ِّب نداءها ضمن النظام الإلهي ،فإ ّنه سيسقط أمام صرخاتها منهزم ًا لا يلوي على شيء ،لأ ّنه كما يقول الدكتور صبري الق ّباني« :من العسير أن يشعر المرء بالهناءة والهدوء ،وأن يحتفظ بعقل رصين ،ونفس مطمئ ّنة، وهو في حالة كبت مستم ّرة ،أو إخفاق في الاستجابة إلى نداء الجنس.. إ َّن الاندفاع لإرواء الغريزة الجنسية ق ّوة لا تقهر ،وإ َّن ك ّل شخص عاقل مدر ٍك مراهق ينطوي على واز ٍع جنس ّي حبيس وشهو ٍة قوية ف ّعالة»(((. فالجنس غريزة لها أثرها الجميل ،إن ُل ّبيت بالصيغة أو بالزواج الدائم. تص ّوروا مدى احترام الشريعة لهذه الغريزة حيث الإنسان عندما يمارس الجنس بالطريقة الشرعية ،فإ ّنه يجب عليه أن يغتسل غسل ًا واجب ًا ُيس ّمى في أبواب الفقه بغسل الجنابة ،وهو إذا أدرك وقت الصلاة فله أن يقابل ر ّبه بعد الغسل من دون وضوء ،وكأ ّن الله يدخله إلى رحاب رحمته من دون أن يطرق الباب. هذا في ما يخت ّص بموضوع الجنس ،وأ ّما بالنسبة إلى مسألة التناسل ،وبمعنى آخر مسألة الأب ّوة والأمومة .فقد نجد من لا يرغب أن يكون أب ًا أو أن تكون أم ًا، وليس إنكار ًا لغريزة الأب ّوة والأمومة بل لأحوال خاصة بهما ،اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية ،وقد يعيشان هذا الإحساس لم ّدة طويلة قد يزول مع زوال الأسباب وقد لا يزول. وأباحت الشريعة عدم التناسل حتى للمتز ّوج بعقد دائم ،فقد ورد في الأحاديث« :ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء»((( وهو ما ُعرف في أبواب الفقه (بالعزل) وفي التعبير الحديث الشائع بـ (تحديد النسل) .وقد جاء في كتاب (المو ّطأ) للإمام مالك بن أنس ع ّدة روايات تبيح ذلك ،ففي رواية« :هو حر ُثك (( ( حياتنا الجنسية ،د .صبري القباني ،ص.22-21 ((( الوسائل ،الباب ،75من مق ّدمات النكاح حديث .1
الفصل الخامس 154 إن شئت سقيته وإن شئت أعطشته» وفي رواية أخرىُ « :سئل ابن عباس عن العزل ،فدعا جاري ًة له ،فقال :أخبريهم فكأ ّنها استحيت ،فقال :هو ذلك ،أما أنا؛ فأفعله ،يعني أ ّنه يعزل»(((. وأعود إلى السؤال بأ ّن الأحوال الاقتصادية تحول دون الزواج الدائم؛ فيلجأ الشاب إلى العقد المؤ ّقت (الصيغة) .إذا رفضنا له ذلك ،فماذا يفعل؟ لا يستطيع أن يفتح منزل ًا ،ماذا يعمل؟ هل نخنق فيه غريزته؟ فالشاب عندما ُيقدم على خطوة كهذه وإن كانت غايته الجنس وحسب فلكي لا يقع في الحرام ،والمرأة تشاركه الإحساس نفسه ،بل وأكثر من ذلك فهي على ب ّينة من أمرها ،هناك مهر وم ّدة، إضافة إلى تو ّفر الحاجات والظروف المشتركة نفسها التي جمعت بين الإثنين، وليس في ذلك عي ٌب أو خطأ. نحن نقول :لك ِّل إنسان ح ُّق العيش ،وخصوص ًا إذا كانت طريقة العيش مصان ًة بإطار شرع ّي ،وعلى المجتمع أن يحترم إرادة الآخرين وح ّريتهم .فإن ك ّنا نح ُّب نحن الأولاد فلننجب ما شئنا منهم إذا ك ّنا نمتلك المقدرة على تربيتهم وتنشئتهم، ولنترك الآخرين وح ّريتهم». الطالب نفسه يقول: * نفهم من ذلك أ ّنكم تدعون إلى تعطيل فكرة الأب ّوة والأمومة؟ ـ الس ّيد مح ّمد« :نحن لا نع ّطل ذلك ولا نخرق قوانين وثوابت تناسب البعض في المجتمع ..إ َّن سؤالك السابق دار على عدم قدرته على فتح منزل ،فيلجأ إلى إشباع غريزته من خلال (الصيغة) ..تف ّضل وق ّدم له منزل ًا ووظيف ًة أو لتقم الحكومات بمسؤول ّياتها والجمع ّيات الأهلية بدورها ،ص ّدقني سيذهب مباشرة إلى الزواج الدائم وينجب ماشاء الله من الأولاد .ويعيش مع زوجته فكرة الأب ّوة ((( الوسائل ،الباب ،75من مق ّدمات النكاح ،حديث .1
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 155 والأمومة وليس في ذلك مان ٌع على الإطلاق». أحد الحضور من الكبار في الس ّن يقول: * أليس من أساس ّيات الزواج إنجاب الأولاد؟ ـ الس ّيد محمد« :لو افترضنا ص ّحة هذا الأمر ،وبأ ّن التناسل ـ كما يقول بعض العلماء ـ هو أساس ٌّي في النكاح ،فإ ّننا نبقى متم ّسكين بنظامنا الذي يرسم بشك ٍل جل ّي كيف ّية اختيار المرأة التي يرغب الرجل أن تنجب له أولاد ًا ،وكيف ّية اختيار الرجل المؤ ّهل لإنجاب الأولاد ،وعلى أ ِّي حال هذا طرح نظر ّي استحباب ّي وليس إلزامي ًا ..ولنترك الحرية للمتز ّوجين لأ ّن غريزة الإنجاب ستفرض نفسها يوم ًا وإن عمل المتز ّوجون على إخماد جذوتها في بداية الزواج ،لذا ،ننصح بمراعاة أوضاع من يريد تأخير الإنجاب إلى حين تو ّفر الظروف التي تساعد الإنسان على أن يتخ ّطى أمور ًا مع ّينة كإكمال التعليم ،وتحسين ظروف المعيشة وما إلى هنالك. حضرات السادة ،الأعزاء الطلاب ،نحن نرسم خيارات ونبحث ع ّمن يناسبنا، فإذا أحرزنا رضى الله وك ّنا سعداء ،فمن له الح ّق في مصادرة ح ّريتنا؟ أرجو في موضوعنا هذا أن ننظر إلى الصورة من جميع جوانبها ،لا أن ننظر إليها من جانب واحد ،لأ ّن أحكامنا لن تكون دقيقة». النظام وتقليل نسبة الطلاق ويعود ذاك الطالب الذي أعتقد أ َّن النظام يع ّطل فكرة الأب ّوة والأمومة ليتد ّخل في الحوار مو ّجه ًا سؤاله لناصر: * أستاذ ناصر هل تعتقدون أ َّن نظامكم يق ّلل من نسبة الطلاق؟ ـ ناصر« :الحاصل اليوم أ َّن هناك تس ّرع ًا في عملية الدخول في الزواج الدائم،
الفصل الخامس 156 ولهذا ،فإ ّننا نرى ال ِّنسب العالية للطلاق ،أو على الأقل نشاهد حالات عدم الثبات والاستقرار والاحتكام إلى الانفعال والتو ّتر بين الأزواج ..ولذا ،فإ َّن نظامنا يساهم إلى ح ِّد كبير في تأخير الدخول في الزواج الدائم.. الهدف الأساس من هذا التأخير يدفع بالشبان والفتيات إلى أن يأخذوا وقتهم الكافي بالتفكير في مستقبلهم والتخطيط لبناء حياتهم المشتركة ،وإ َّن الم ّدة الزمن ّية الفاصلة بين مرحلة ومرحلة (بين الفيقة والميقة) تساهم في تنمية شخصية ك ِّل طرف ،وتساعد على التركيز في ا ّتخاذ القرار من دون عجلة أو إيحاءات خارجية.. ونحن نلاحظ أ َّن بعض الذي يدخلون تس ّرع ًا في الزواج الدائم إشباع ًا لغرائزهم الجنسية والعاطفية أو تحقيق ًا لرغباتهم النفسية في الأمومة والأب ّوة نجد أ َّن هذا التس ّرع يؤ ّدي إلى عدم التوافق بين الزوجين ،بسبب اختلاف الأمزجة ويؤدي ذلك إلى الطلاق .والطلاق كما نعلم تغيير كامل لمجرى حياة إنسان، فالمرأة قبل الزواج تبقى الخيارات الكثيرة متو ّفرة أمامها ،ولك ّنها بعد الزواج تق ّل الخيارات كثير ًا ،فإذا ما ُط ّلقت وكانت قد أنجبت 2أو 3أو 4أو 5أطفال وتق ّدمت في العمر نسبي ًا ،وكانت لا تتو ّفر عندها الإمكانات العلم ّية ولا تمتلك خبرة في مجال العمل ،فسيكون الطلاق بالنسبة إليها مشكلة كبرى. فوجود نظام الفيقة والميقة يؤ ّخر الانتقال إلى الزواج الدائم لم ّدة تؤ ّهل الزوجين لمسؤوليات الزواج ،لأ ّن هذا التأخير المبني على دراسة ،والمستند إلى معطيات جوهر ّية تجعل أطراف الزواج على ب ّينة من أمرهم في ما ُيقدمون عليه ،خصوص ًا أ ّنهم باتوا يعرفون حقيقة بعضهم في النفسية والتو ّجه والعقلية والطموحات وما إلى ذلك».
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 157 التر ّوي باتخاذ القرار إحدى النسوة من الضيوف تسأل: * ألا ترون أ ّن هذا التأخير في الإقدام على الزواج الدائم ينتج عنه التق ّدم في العمر الذي قد لا يكون في صالح الطرفين؟ ـ د .عفاف تقول« :العجلة أم ٌر غير محمود النتائج ،حيث يبقى التأ ّني القضية الأسلم في ما يخ ّطط له الإنسان من مشاريع وأوضاع خاصة به.. ولذا ،فنظام الفيقة والميقة إلى جانب أه ّميته في التعارف لاختيار الإنسان المناسب ،يختزن أه ّمية أخرى تتل ّخص في أ ّن الطرفين يعيشان شبابهما أكثر، ويخ ّططان بهدوء أكثر ويأخذان من الحياة في حلالها وما أباحه الله تعالى لهما ما تشتهي نفساهما ،لأ ّن الأيام القادمة وتحت ضغط المعيشة والواجبات تجاه العائلة ستحمل الكثير من المه ّمات الصعبة التي قد لا تترك للإنسان فسحة من راحة أو مساحة من هدوء واسعة ،فالطرفان إذا غرقا مبكر ًا في بحر المسؤولية وأنجبا أولاد ًا فلن يجدا إل ّا نداءات الواجب ُتتلى عليهما صباح ًا ومساء. وما الضير أن نكبر ولم ندخل في عالم الزواج الدائم بعد ،إذا كانت السنوات ستكون بالنسبة إلينا مرحلة التأهيل والنضوج لعمر ُنح ُّس فيه بالأمان ،بدل أن يكون عمر ًا قلق ًا خائف ًا ومتو ّتر ًا.. وأخير ًا نقول :إ َّن ك ّل ما نطلبه هو مبدأ التأخير ،ولا نقول عشر سنوات ،مع العلم أ َّن لك ِّل حالة ظروفها وأسبابها ،ولكن لو استطعنا تأخير الزواج سنتين أو ثلاث ًا أو حتى خمس سنوات للظروف والأسباب التي ُذكرت ،فلن يؤ ّثر ذلك على تربية الأولاد ،نعم لو أ ّخرنا الزواج إلى سنوات طويلة عندها يكون هذا الكلام صحيح ًا ،وحينها تهرم المرأة ويشيخ الرجل».
الفصل الخامس 158 الأعمار المناسبة وهنا يتو ّجه أحد الحضور للدكتور أبو زكريا بالسؤال: * إ ّنكم تح ّددون عمر ًا مع ّينا للدخول في الفيقة والميقة وهو ما يقارب الـ 18سنة ،ولكن هل تضمنون من هم دون الس ّن ،أل ّا ُيق ِدموا على إجراء العقود المؤقتة؟ ـ فيقول د .أبو زكريا ر ّد ًا عن هذا التساؤل: «لك ِّل قاعدة استثناء ،ونحن لا ننكر أ َّن بعض ًا من الفتيات أو الفتيان قد ُيقدمون على ذلك من دون إذن أولياء أمورهم ومن منطلق شرع ّي لأ ّنهم وإن كانوا صغار ًا في الس ّن فإ َّن المسألة الشرع ّية تعنيهم كثير ًا بحيث لا يرغبون بإقامة علاقات مح ّرمة ..طبع ًا نحن لا نش ّجع وكما تعلمون الفتيان الذين تكون أعمارهم صغيرة نسبي ًا على إجراء عقود مؤقتة ،لأ ّننا نخشى وبغياب رقابة الأهل من حدوث سلب ّيات مع ّينة قد لا تكون في مصلحتهم ،وإن ك ّنا لا نجيز لأنفسنا أن نح ّرم هذه العلاقات المحكومة للإطار الشرعي.. ونحن لو نظرنا إلى القانون الذي تضعه بعض الحكومات والذي لا تسمح فيه بقيادة السيارة إلا لمن بلغ الثامنة عشرة من العمر ،فإ ّننا نرى ومع التش ّدد في تطبيق هذا القانون أ ّن ق ّلة َمن هم بسن الـ 16أو 17يقودون السيارات ويخرقون القانون ،ولكن رقابة الأهل وعنصر التربية الذي ُيغرس في نفس الفتاة أو الفتى، والذي ُيوضح له مخاطر القيادة في هذه الس ّن أو عدم سماح القانون بذلك قبل بلوغ الـ 18مع تهيئته نفسي ًا وتربو ّي ًا واحترام رغباته وتط ّلعاته وأ َّن يوم ًا ما وبعد أن يبلغ هذه الس ّن سيقود السيارة ولن يعترض عليه أحد ،فإ ّنه بهذه التوجيهات قد يتق ّبل الأمر ،ولن يضط ّر أن يسرق مفاتيح السيارة ،لأ ّنه سيح ّقق أمله ولو بعد حين».
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 159 * وهل تحديدكم لعمر الـ 18خاض ٌع لقانون شرع ّي أم اجتماع ّي؟ ـ ير ُّد الدكتور عمر أبو زكريا قائل ًا« :مسألة الـ 18سنة غير خاضعة للتحديد الشرعي ،وإ ّنما لاعتبار اجتماع ّي بحت ،وهذا ما تسالم عليه المجتمع حيث يعتبر أ ّن بدايات الرشد تبدأ في هذا الس ّن وإن ك ّنا نرى أحيان ًا أ ّن الفتاة تدخل في مرحلة الرشد في السادسة عشرة من عمرها .فهذا الأمر يعود لوعي الفتاة وثقافتها وتربيتها .بعيد ًا عن تحديد عمر مع ّين .أ ّما لو فرضنا أ ّن فتا ًة عقدت على شاب قبل هذا الس ّن فلا إثم عليها ،لأ َّن هناك آراء شرعية ترى جواز العقد عند البلوغ والنضج الجنسي. ولذا ،نحن لا نذهب إلى عدم شرعية العلاقة قبل بلوغ هذه الس ّن وهذا ما أ ّكدنا عليه ،وإ ّنما نرى ضرورة أخذ إذن الأهل في أعمار الـ 16والـ ،17وأ ّما بعد هذا الس ّن فلا ضرورة لإذن الأهل وموافقتهم ومباركتهم. علينا أن نضع في أذهاننا دائم ًا أ َّن نظامنا مرتب ٌط بالتربية الأخلاقية التي يقود شأنها الأهل ،ومرتب ٌط قبل أ ِّي شأن آخر بالوازع الديني الذي يرى أ َّن عين الله لا تنام ،فتراقب وتو ّجه وتصوغ الإنسان صياغة دينية ،تف ّكر برضى الله قبل رضى النفس ،وبغياب هذه الروحية وهذه التربية لن يط ّبق نظامنا وسيكون محكوم ًا بالفشل كما الزواج الدائم نفسه إذا لم يرا ِع حكم الله في ك ّل صغيرة وكبيرة». توضيح مفهوم العقد أحد الطلاب المتح ّمسين يقوم فيطلب الإذن بالكلام ويكون له ذلك فيقول: * من خلال ك ِّل ما طرح في هذه الجلسات أدركنا أ َّن ك ّل التسميات التي وردت في سياق الحديث عن نظامكم من فيقة وميقة وصيغة تندرج في عنوان واحد هو «المتعة» أو العقد المؤ ّقت أو الزواج المؤقت ،ألا ترون أ ّن هذا المفهوم لا ب ّد له من توضيح من وجهة نظر شرع ّية؟
الفصل الخامس 160 ـ الس ّيد مح ّمد« :شكر ًا للطالب السائل الذي أتاح لنا فرص َة تبيان هذا المفهوم، لأ ّننا ك ّنا ننتظر هذه الفرصة ،وها هي قد حانت.. بداي ًة ينبغي لي أن أذكر أ َّن تشريع المتعة مسأل ٌة خلاف ّية بين فقهاء المسلمين، فمنهم َمن يرى أ ّنها ُش ّرعت في عهد الرسول ثم ُح ِّرمت على اختلاف في عدد الم ّرات التي ُأبيحت فيها وح ّرمت ،ومنهم من يذهب إلى بقاء تشريعها أ ّيام النبي والخليفة أبي بكر وصد ٍر من عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. (وفي هذه اللحظة يفتح السيد محمد كتاب ًا كان موجود ًا أمامه ،فيقرأ منه النص التالي)« :معنى نكاح المتعة أن يتز ّوج المرأة م ّدة مثل أن يقول ز ّوجتك ابنتي شهر ًا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه ،سوا ًء كانت الم ّدة معلومة أو مجهولة ،فهذا نكا ٌح باطل ن َّص عليه أحمد ،فقال :نكاح المتعة حرام. وقال ابو بكر ـ وهو من كبار علماء ال ُّسنة ـ فيها رواية أخرى أ ّنها مكروهة غير حرام» وك ُّل مكروه جائز ولمن أراد التث ّبت بأ ّنها جائزة حتى عند بعض علماء أهل ال ُّس ّنة ،فليراجع النص الذي تلو ُته عليكم من كتاب (المغني)(((. وفي هذا الصدد يقول أحد علماء ال ُّسنة وهو الدكتور الشيخ مصطفى الرافعي: «ودليلهم ـ أي الشيعة ـ على إباحتها ـ الكتاب وال ُّسنة ،فمن الكتاب قول الله تعالى في سورة النساءَ ﴿ :ف َما ا ْس َت ْم َت ْع ُتم بِ ِه ِم ْن ُه َّن َفآ ُتو ُه َّن ُأ ُجو َر ُه َّن َف ِري َض ًة﴾ [النساء: ]24حيث فهموا من قوله (استمتعتم) إباحة زواج المتعة ،وإلا لو كانت عبارة (استمتعتم) تعني الزواج الدائم لقال سبحانه( :تزوجتم أو نكحتم) مثل ًا .كما دعموا اعتقادهم بتلك الإباحة بما ورد عقب ذلك في قوله سبحانهَ ﴿ :فآ ُتو ُه َّن ُأ ُجو َر ُه َّن﴾ والأجر في العادة لا يكون إلا لقاء منفعة مؤ ّقتة ،فضل ًا عن أ ّن بعض الصحابة الأجلاء مثل :عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأب ّي بن كعب (( ( المغني ،ابن ُقدامة ،ج ،6ص ،644دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،وراجع المستند رقم ( ،)١٥ص .٢١٨
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 161 ثبت أ ّنهم أق ّروا هذه الآيةَ ﴿ :ف َما ا ْس َت ْم َت ْع ُتم بِ ِه ِم ْن ُه َّن ـ إلى أجل مس ّمى ـ َفآ ُتو ُه َّن ُأ ُجو َر ُه َّن َف ِري َض ًة﴾ وقد ذكر هذا الطبري والرازي في تفسيريهما. كذلك روى الطـبري في تفسـيره عن شعبـة أ ّنه سـأل الحكم بن ُعتيبة عن آية ﴿ َف َما ا ْس َت ْم َت ْع ُتم﴾ إلخ ..أهي منسوخة؟ قال :قال الحكم :قال عل ّي« :لولا أ َّن عمر نهى عن المتعة ما زنى إل ّا شقي». ويتابع الشيخ الرافعي« :أ ّما مشروعية زواج المتعة في السنة النبوية ،فإ ّن الشيعة الإمامية ترى أ ّن الأحاديث التي رواها أئ ّمة الحديث في صحاحهم كالبخاري ومسلم والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم ،الدالة على أ ّن رسول الله أ ِذن بالمتعة وأ ّنها وقعت في عهده وعهد الشيخين (أبي بكر وعمر) وإ َّن إباحتها مطلقة ،وإ ّنه لم ُين ّزل الله آية تنسخها ،وإ َّن رسول الله لم ين َه عنها طيلة حياته ،هذه الأحاديث مستفيض ٌة بل ومتواترة .فمن الأحاديث الدالة على إذن النب ّي بها ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا« :ك ّنا في جيش فأتانا رسول الله ،فقال« :قد أذنت لكم أن تستمتعوا» يعني متعة النساء .وفي صحيح مسلم عنهما أيض ًا أ ّنهما قالا« :إ ّن رسول الله أتانا فأذن لنا في المتعة»(((، أ ّما كون زواج المتعة حصل في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر وصدر من إمرة عمر ،فدليلهم عليه ما جاء في صحيح مسلم بسنده عن عطاء قالَ :ق ِدم جابر بن عبد الله (الأنصاري) معتمر ًا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فأجابهم جابر قائل ًا« :استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر. ومن الأدلة على إباحة زواج المتعة عند الشيعة الإمامية وأ ّنه لم ُينسخ في عهد النب ّي ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عمران بن حصين قال« :نزلت آية المتعة في كتاب الله ،وعملنا بها مع رسول الله ،فلم تنزل آية تنسخها ولم ين َه عنها ((( صحيح مسلم بشرح النووي ،مج ،5ص ،179دار الكتاب العربي ،أنظر المستند رقم ( ،)١٦ص ٢١٨ ـ .٢١٩
الفصل الخامس 162 النب ّي حتى مات» هذا إلى جانب روايات أخرى متقاربة و ُيفهم منها أ ّن مشروعية زواج المتعة عند الشيعة الإمامية لم يثبت نسخها»(((. ثم يستعرض الدكتور الرافعي آراء أهل ال ُّسنة بخصوص نسخ آية المتعة، وعلى هذا فالذي يريد الا ّطلاع على ذلك ومعرفة آراء أهل ال ُّس ّنة والشيعة في هذا الموضوع ،فباستطاعته أن يعود إلى مصادر الفريقين ويقف بالتفصيل على الاستدلالات والآراء الواردة في المجال». الاختلافات الفقهية والنظام طال ٌب آخر يقول: * إذا كان نظامكم لعموم المسلمين وت ّدعون أ ّنه يخدم أيض ًا المسيحيين، ولك ّن فقهاء يمنعون وفقهاء يجيزون ،فكيف يمكن للجميع العمل بهذا النظام؟ ـ ويبقى الحديث للسيد محمد الذي يقول« :المسألة برأينا ولجهة التع ّبد بأحكام الله تعالى وبعيد ًا عن التع ّصب لرأي فقهي يعارض رأي ًا فقهي ًا آخر ،فإ ّن المسلم يستطيع أن يعود إلى الرأي الفقهي الذي يجد الاطمئنان فيه وعلى قاعدة أ َّن اختلاف الفقهاء في ما بينهم ناشيء من اختلاف تفسيرهم الن ّص ،فبعض ال ُّسنة ومع رفضهم زوا َج المتعة الناشيء من إبطالهم التوقيت ،فإ ّنهم يجيزون التوقيت عن طريق زوا ٍج آخر ،وهو الزواج بن ّية الطلاق ،وإن كان في الزواج الأول تكون ن ّية الزوج معلن ًة وواضحة ،وفي الثاني مخف ّية ومب ّطنة». ومن هنا ،وكما يقول الشيخ الرافعي« :إ ّنه لا ينبغي لأحد بحال التشنيع على الشيعة الإمامية بسبب قولهم بزواج المتعة استناد ًا إلى ما تق ّدم من الأد ّلة التي ((( إسلامنا في التوفيق بين ال ُّس ّنة والشيعة ،الدكتور الشيخ مصطفى الرافعي ،ص 147وما يليها.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 163 استندوا إليها خصوص ًا بعد أن ا ّتفق الجميع على أ َّن المتعة كانت موجودة زمن النبي ،وبعد أن روى بعض كبار علماء ال ُّسنة أ ّن آية المتعة الواردة في القرآن الكريم غير منسوخة كالزمخشري الذي ذكر في (تفسيره) الكشاف نقل ًا عن ابن عباس أ َّن آية المتعة من المحكمات .علاو ًة على أ ّن القائلين بنسخ آية المتعة هذه لم ي ّتفقوا على المصدر الذي صار به النسخ :أهو الكتاب أم ال ُّسنة أم الإجماع؟ كما لم ي ّتفقوا على الزمان الذي صار فيه النسخ أيض ًا :أهو في غزوة «أوطاس» أو في غزوة «حنين» أم في غزوة «خيبر» أم في غزوة «تبوك» أم في فتح «مكة» أم في «حجة الوداع» أم في أ ِّي وقت آخر على سبيل القطع وبإجماع القائلين بالنسخ ،علم ًا بأ ّنه لا ُيستساغ القول بأ َّن آية ﴿ َف َما ا ْس َت ْم َت ْع ُتم به منه ّن ﴾...منسوخ ٌة بالحديث ،لأ َّن الن َّص القرآني يقين ّي ،ون ّص الحديث ظ ّني ،واليقين لا يزول بالش ّك»(((. إذ ًا ،إ ّن كلام هذا العالم السن ّي الجليل يوضح أ ّن للمسلمين الشيعة أد ّلتهم واستدلالاتهم القطع ّية بمشروع ّية العقد المؤ ّقت وهم معذورون عند الله بما رأوه صحيح ًا ،ولا يجوز لمن يعارضهم الرأي أن ي ّتهمهم بأ ّنهم يأخذون فقههم من غير المصادر الشرع ّية وفي ق ّمتها القرآن الكريم(((. أستا ٌذ جال ٌس في الصف الأمامي يسأل: * قلتم :إ ّن للمسلم أن يأخذ بالرأي الفقه ّي الذي يحرز فيه الاطمئنان ،فهل من علماء ال ُّسنة َمن يجيز الأخذ بالآراء الفقهية الشيع ّية؟ ـ الدكتور أبو زكريا« :بالطبع هناك علماء كثيرون لا َي َر ْو َن َح َرج ًا في جواز التع ّبد بالمذهب الشيعي الإمام ّي ،وعلى سبيل المثال سأقرأ عليكم نص فتوى تاريخ ّية صادرة عن شيخ الأزهر في زمانه وهو الإمام الأكبر الشيخ محمود ((( ـ إسلامنا في التوفيق بين ال ُّسنة والشيعة ،الدكتور الشيخ مصطفى صادق الرافعي ،ص ،153وما يليها. (( ( ـ انظر المستند رقم ( )١٧ص .٢٢٠
الفصل الخامس 164 شلتوت حيث «قيل لفضيلته :إ َّن بعض ال ّناس يرى أ ّنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يق ّلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا مذهب الشيعة الزيد ّية ،فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي ،فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثل ًا؟ فأجاب فضيلته: ١ـ إ َّن الإسلام لا يوجب على أح ٍد من أتباعه ،ا ّتباع مذهب مع ّين بل نقول إ َّن لك ِّل مسلم الح ّق في أن يق ّلد بادىء ذي بدء أ َّي مذه ٍب من المذاهب المنقوله نقل ًا صحيح ًا ،والمد ّونة أحكامها في كتبها الخاصة ،ولك ّل من ق ّلد مذهب ًا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا َح َرج عليه في شي ٍء من ذلك. ٢ـ إ َّن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمام ّية (الإثني عشرية) مذه ٌب يجوز التع ّبد به شرع ًا كسائر مذاهب أهل ال ُّسنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك ،وأن يتخ ّلصوا من العصب ّية بغير الح ّق لمذاهب مع ّينة ،فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابع ٍة لمذهب أو مقصورة على مذهب ،فالك ّل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ،يجوز لمن ليس أهل ًا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يق ّررونه في فقههم ،ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات»(((. ث ّم أردف الدكتور أبو زكريا قائل ًا« :عند ا ّطلاعي على آراء أهل ال ُّس ّنة فيما يخت ُّص بتشريع المتعة وجد ُت أن تشريع المتعة كان في عهد الرسول ،ورأيت أ ّن ((( الوحدة الإسلامية أو التقريب بين المذاهب السبعة ،ص ،22جمع وترتيب عبد الكريم الشيرازي، منشورات مؤ ّسسة الأعلمي للمطبوعات ،انظر المستند رقم ( ،)١٨ص .٢٢١
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 165 تحريم تشريعها كان في زمن لاحق ،وعندما رأيت في بعض كتب علماء ال ُّس ّنة أ ّنها جائزة ،وقرأت عند بعضهم أ َّن الشيعة معذورون في القبول بح ّليتها ،وأ َّن مذهبهم يجوز التع ّبد به ،جعلني أقفز القفزة التي ذكرتها سابق ًا ،ومن هنا ،فالس ّني إذا أراد الاقتناع بح ّلية زواج المتعة فهذه المصادر والآراء والكتب الس ّنية بين يديه ،وباستطاعته أن يعود إليها ،أ ّما إذا أص ّر على موقفه بعدم الاقتناع مع ك ّل ما أثبتناه وما أوردناه ،فعليه أن ينتقل من تقليد فقيه إلى تقليد فقيه آخر من داخل مذهبه السني ،وهذا الانتقال يق ّرب إليه المسافة في مسألة قبول الآليات المتبعة في تشريع المتعة ،حيث إ َّن عقد المتعة ليس بحاجة إلى ول ّي أو شهود أو إشهار، وهذا ما نراه في مباحث الحديث عن الزواج الدائم ،فنرى أ َّن بعض الفقهاء ُيجيزون عقد الزواج الدائم من غير إذن الول ّي كما ذهب إلى ذلك الأحناف ،أو من دون ضرورة للشهود كما يرى ذلك فقهاء المالك ّية ،وعلى هذا فله أن يرتبط بزواج دائم من دون هذه الآليات .وتبقى مسألة ،وهي أ ّنه كيف سيقبل السني بالتوقيت، وهذه هي المسألة الخلاف ّية بيننا وبين الشيعة ،ولح ِّل هذه الإشكالية ،فنحن نجيز الزواج بن ّية الطلاق ،وهذه الن ّية مرتبطة بالتوقيت ،فالزوج يح ّدد وقت ًا عندما يرتبط بزوجته ،وعندما يق ّرر أ َّن الوقت قد حان ليط ّلقها فإ ّنه يفاجئها بالطلاق من دون مق ّدمات ،وعلى ذلك فالخلاف بين ال ُّس ّنة والشيعة في مسألة التوقيت ينحصر في الإعلان عن الوقت وهذا ما يرى الشيعة جوازه ،أو في عدم الإفصاح عنه وهذا ما يح ّرمه الس ّنة ،وبهذا فإ َّن ال ُّس ّنة يجيزون التوقيت كما الشيعة ،ولكن الخلاف يبقى في إظهار التوقيت أو إخفاء هذا التوقيت .ومن هنا فإ َّن الس ّني إذا لم يقتنع بك ِّل ما قلناه ،فله أن يقبل بمذهب الشيعة في التوقيت بنا ًء على ما أفتى به شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ حيث يرى جواز التع ّبد بالمذهب الشيعي، وبذلك يو ّفر على نفسه الكثير من التعقيدات».
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 167 بينهما وللنفقة عليها مع عدم نشوزها ،حتى لو اش ُترط عدمهما ،لأ ّن شرط ذلك باط ٌل لمخالفته مقتضى العقد الدائم المقتضي الإنفاق والتوارث ولأ ّنه مخال ٌف للكتاب وال ُّس ّنة. أ ّما الأولاد الحاصلون من نكاح المتعة فهم أولاد شرعيون ،تتر ّتب عليهم جميع الأحكام الشرع ّية المتر ّتبة على الأولاد الحاصلين من النكاح الدائم ،من التحريم بالنسب والرضاع والمصاهرة ،ومن التوارث ومن النفقة من آبائهم عليهم ومنهم على آبائهم». طال ٌب آخر بدا في أمارات وجهه أ ّنه يريد الاستزادة ،فسأل: * ما هي الأحكام المشتركة بين المتعة والدائم؟ ـ السيد محمد« :يشترك نكاح المتعة مع النكاح الدائم في جمل ٍة من الأحكام، أه ّمها: . 1إ ّنهما لا يكونان إلا بعقد من إيجاب وقبول لفظ ّيين ،فلا يكفي التراضي. .2العقد فيهما لا يكون إلا بلفظ الزواج والنكاح أو المتعة .كلفظ ز ّوجتك أو أنكحتك أو م ّتعتك. .3كلاهما ينشر الحرمة بالنسب والمصاهرة والرضاع. .4الولد من المتعة كالولد من الدائم تتر ّتب عليه جميع الحقوق والواجبات والآثار من الإرث ومن النفقة عليه ومن نفقة الولد على والديه وغير ذلك. . 5وجوب الع ّدة على المتم ّتع بها بعد انتهاء م ّدتها كوجوبها على الدائم بعد طلاقها إن كان مدخول ًا بها. .6لا ع ّدة على غير المدخول بها. .7لا يجوز أن ُيدخل (الزوج) على الع ّمة أو الخالة المتم ّتع بها ابنة أخيها أو ابنة أختها إلا بإذنها ورضاها كالدائم.
الفصل الخامس 168 . 8لا يجوز مقاربة (الدخول بها) المتم ّتع بها في حال حيضها أو نفاسها كالدائم. .9الزوجة المتم َّتع بها فراش (على قاعدة الولد للفراش) مع الدخول وهو موج ٌب لإلحاق الولد بالزوج. .10يجوز في نكاح المتعة ونكاح الدائم اشتراط ك ِّل أمر سائغ غير مخال ٍف الكتاب أو ال ُّسنة ولم يكن ُم َح ِّرم ًا لحلال أو مح ِّلل ًا لحرام. .11عقد المتعة بعد وقوعه بشروط لاز ٌم كالدائم. .12إذا تب ّين فساد عقد المتعة لسبب من الأسباب ب ُطل ،فإ ْن كان لم يدخل بها فلا مهر لها ،وإن كان قد دخل مع عدم علمها سابق ًا بالفساد فلها المهر، وإن كانت حين العقد عالم ًة بالفساد وم ّكنت نفسها منه ،فهي بغ ّي لا مهر لها كالدائم تمام ًا. .13ويتساويان في وجوب ع ّدة المتو ّفى عنها زوجها في أ ّنها أربعة أشهر وعشرة أيام. .14يشتركان في أ َّن الخلوة وإقفال الأبواب وإرخاء الستور لا أثر له في إثبات المهر والع ّدة. .15عدم جواز الجمع بين الأختين». الطالب: * ح ّبذا لو ن ّطلع على الأحكام المختصة بالمتعة؟ ـ الس ّيد محمد« :يخت ّص نكاح المتعة بجملة من الأحكام ،أه ّمها: لا طلاق في المتعة حيث تنفصل المرأة عن الرجل المتم َّتع بها بمج ّرد انتهاء م ّدتها بخلاف الدائم ،فإ ّنه لا ب ّد من الطلاق.
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 169 لا نفقة للمتم َّتع بها إلا مع الشرط ،أما الدائم فلها النفقة حتى لو اشترط عدمها، لأ ّنه ليس له أو لها إلغاء النفقة كمبدأ وتشريع ،نعم لو تع ّلقت النفقة في ذمته لم ّدة شهور مع ّينة فلها أن تسامحه بذلك أو تق ّلل من مقدار النفقة وقيمتها. لا رجعة لها (أي لا تعود إليه إلا بعد عقد جديد) بخلاف الزوجة الدائمة المط ّلقة رجع ّي ًا. وجوب ذكر الم ّدة كما تق ّدم. وجوب ذكر المهر كما تق ّدم. لا يقع بعقد نكاح المتعة المح ِّلل للطلاق الثالث ،بل هو مخت ّص بالنكاح الدائم مع الدخول بها إجماع ًا. إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء الم ّدة ولم يدخل بها استح ّقت المهر كامل ًا. تستح ّق المتم ّتع بها المهر كامل ًا إذا انتهت الم ّدة ولم يدخل بها. يجوز في المتم ّتع بها أن يعقد عليها إلى م ّدة وبعد انتهاء م ّدتها يعود م ّرة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا بعقد جديد في ك ّل مرة ولا يحتاج فيها المح ّلل»(((. أحد الحاضرين وكان م ّمن حرص على حضور جميع جلسات الحوار وقف وقال: * ما نعرفه أ ّن المرأة تنفصل عن زوجها بالطلاق ،والمعروف عن الزواج أ ّنه لا ب ّد من التوارث بين الزوجة والزوج ،ولكنكم في أطروحتكم لا تعيرون اهتمام ًا للطلاق ولا للتوارث بين الزوجين ،ما ر ّدكم على هذا القول؟ ـ الس ّيد محمد« :تصحيح ًا لمعلومات السائل الكريم ،فإ ّن هناك حالات تنفصل فيها الزوجة أو الزوج من دون طلاق ،ومنها: (( ( المتعة ومشروعيتها في الإسلام ،ص ،129وما يليها.
الفصل الخامس 170 1.1ال َأ َمة المتز ّوجة إذا اشتراها زوجها فإ ّنها تنفصل منه بغير طلاق. 2.2الزوجة الملاعنة تبين ـ تنفصل ـ بغير طلاق. 3.3الزوجة المرت ّدة. 4.4الزوج المرت ّد تبين منه زوجته. 5.5الزوجة الصغيرة التي أرضعنها أم الزوج تبين من زوجها لأ ّنها بهذا الرضاع أصبحت أخت ًا له. 6.6الزوجة الصغيرة التي أرضعتها الزوجة الكبيرة تبين من زوجها بغير طلاق. 7.7زوجة المجنون إذا فسخت عقد زواجها منه تبين بغير طلاق. هذا عند الشيعة ،وأ ّما ما عند ال ُّس ّنة ،فإ َّن هنا حالات مشابهة أيض ًا و ُتفسخ العلاقة بين الرجل والمرأة من دون طلاق ومنها: 1.1إذا ت ّم العقد وتب ّين أ ّن الزوجة التي عقد عليها أخته من الرضاعُ ،فسخ العقد. 2.2إذا ارت ّد أح ُد الزوجين عن الإسلام ولم يعد إليهُ ،فسخ العقد(((. وهناك حالات من الزواج الدائم لا توارث فيه كالأمثلة الآتية: .١الأ َمة إذا كانت زوجة. . ٢الزوجة القاتلة. . ٣الزوج القاتل. . ٤الزوجة الذم ّية. .٥الزوجة المعقود عليها في المرض الذي توفي فيه زوجها ولم يدخل بها. (( ( راجع فقه ال ُسنة ،ج ،2ص ،212وراجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ،ج ،4ص .375
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 171 وهذا ما يذهب إليه أيض ًا علماء ال ُّسنة((( .ولو أردنا أن نشرح فلسفة عدم ح ّق المرأة في الأرث في الزواج المؤقت في حالة عدم اشتراط المرأة على الرجل بذلك ،فإ َّن الأمر واضح وجل ّي ،لأ َّن نظام الفيقة والميقة قائ ٌم بهدف التعارف على أمل الزواج الدائم إذا حدث وأ َّن الطرفين وجدا أ ّنهما يصلحان لبعضهما كزوجين ،وليس هذا النظام يهدف إلى قيام علاقة جنسية بالمعنى الخاص للعملية ،فبأ ّي ح ّق ترث هذه المرأة وهي لم ُتعطه ح ّق الاستمتاع الجنسي الكامل ولم ُتنجب منه أطفال ًا ،وليس لها أي حقوق عليه كما هي حقوق المرأة على زوجها في الزواج الدائم ،فإذا حدث بينهما عقد شرع ّي مؤقت لم ّدة شهر أو شهرين أو لمدة سنة كاملة ،وكان الهدف من الم ّدة دراسة إمكانية قدرتهما على الانسجام مع بعضهما من دون ـ كما قلنا ـ تر ّتب أ ّية واجبات أو حقو ٍق ُتفرض على الطرفين باستثناء ما ورد في العقد وخصوص ًا المهر الذي هو ح ّق وحيد في هذا العقد دون غيره ،فبأ ّي منطق ترثه الفتاة في حال وفاته ،وخصوص ًا أ ّن الاحتمال وارد بوفاته بعد يوم أو أسبوع أو شهر من العقد؟ فمن رحمة الله بعباده أل ّا يكون هذا الأمر قائم ًا ،وبالمقابل بأي وجه ح ّق يرث الشاب الفتاة في حال وفاتها وهو لم يق ّدم لها شيئ ًا ولم ُيلزمها بأ ٍّي من الواجبات وهي في الأساس لم تقم بأ ِّي واجب نحوه؛ هي مرحلة تعارف ،وليست مرحلة زواج دائم استم ّرت لعشرات السنين ق ّدم فيها الزوج أو الزوجة الكثير من التضحيات ،وقاما بالكثير من الواجبات تجاه بعضهما وأولادهما وبيتهما الأسري ،وهذا ينطبق أيض ًا على عدم النفقة ،فعندما يكون العقد قائم ًا لفترة وجيزة ليتع ّرفا على بعضهما ،فلماذا ُيلزم بالإنفاق عليها إذا مرضت واستوجب ذلك الدخول إلى المستشفى أو أصيبت سيارتها بحاد ٍث وتض ّررت وبلغت تكاليفها أموال ًا طائلة أو إذا اضطرت لدفع قسطها الجامعي أو المدرسي أو شراء ملابس جديدة وحاجيات أخرى.. (( ( الميراث المقارن ،بدران أبو العينين ،ص ،31وما يليها.
الفصل الخامس 172 يجب أن نكون منطقيين ـ حضرات ال ّسادة الحضور ـ أعود وأؤكد أ َّن من رحمة الله أ ْن خلق لنا أنظمة متع ّددة لمسار حياتنا نأخذ منها ما لا يربكنا وما لا يض ّيع علينا فرص ًا كثيرة ،فالشاب عندما لا يكون متأ ّكد ًا أ ّن هذه الفتاة تصلح له كزوجة، أو يصلح لها زوج ًا فما الموجب أن نفرض عليه النفقة على الفتاة التي ما زال في طور التع ّرف عليها؟ بعضنا للأسف يطلب أشياء ليست من ح ّقه وليست من صالح الطرف الآخر ،هذه مسألة ،ومسألة أخرى نعرف أ ّن الله وفي العقود وضع نظامين ،ولك َّن بعضنا يريد نظام ًا واحد ًا وكأ ّننا نفرض على الله ما نريد لا ما يريده هو الذي أعلم بمصالحنا ،ولكن مع ذلك نقول ،إذا أردت الإرث والنفقة أ ّيها الإنسان فاذهب إلى الزواج الدائم ،وإذا أردت أن يكون هدفك دراسة إمكانية الوصول مع الطرف الآخر إلى نتيجة نهائية فأنت ح ٌّر في أن تنفق أو لا ُتنفق أو أن تقبل بشرط الإرث أو لا تقبل ،فأنت بالخيار». العقد المؤقت والتحصين طالب يسأل: * ولكن سماحة الس ّيد ،يقول بعض العلماء إ َّن العقد المؤ ّقت لا يح ّصن الرجل كما في الزواج الدائم ،فماذا تقولون؟ ـ يجيب الس ّيد« :أول ًا لا ب ّد من توضيح مفهوم الإحصان باختصار ،فهو عندما ُيستعمل في ُعرف الفقهاء فإ ّنهم يريدون منه ما يوجب معاقبة الرجل المتز ّوج أو المرأة المتز ّوجة إذا أقدما على فعل الزنا بالعقاب الشرعي ،وب ّينوا أ ّن الذي يستح ُّق العقاب هو الذي يملك ف ْرج ًا يستطيع وطئه ك ّلما أراد ذلك ،لأ ّنه يستطيع أن يعصم نفسه عن الوقوع في الزنا من خلال هذا الفرج ،أ ّما الرجل الذي ارتبط بفتاة بعقد شرع ّي مؤ ّقت ،فإ ّنه لا يملك ح ّق الفرج والفراش ،فإذا كان واجب ًا على الزوجة الدائمة مساكنة الزوج وتلبية رغبته الجنسية متى شاء إل ّا في حالات
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 173 خاصة كالحيض والنفاس ،فإ ّنه في العقد المؤقت لا يجب عليها ذلك ،فليس للرجل في هذا العقد الح ّق في أن يطلبها إلى الفراش وليس عليها أن تل ّبي ،ومن هنا نقول :صحيح أ َّن العقد المؤ ّقت لا يح ّصن الرجل ،بل العقد الدائم هو الذي يح ّصن لأ ّن الرجل يملك فيه ح ّق الفراش ،وهذه إيجاب ّيات نظامنا وليست سلب ّية ُتحسب عليه». اجتناب المح ّرمات أحد الأساتذة يسأل: * فهمنا من حديثكم عن المتعة أ ّنه ينبغي للإنسان أن يختار العفيفة ،ولكن ما قولكم بالتم ّتع بالعاهرة ،وكثير ًا ما نسمع عن البعض الذين يذهبون إلى البلاد الغربية يتم ّتعون ببائعات الهوى من دون أن يراعوا الشروط الشرعية لزواج المتعة ،فهل هذا ُيبقي على حرمة المتعة كتشريع قرآني ،وسؤالي هذا أو ّجهه للأستاذ ناصر؟ ـ ناصر« :أشكر الأستاذ الكريم على طرحه هذا ،لأ ّنه أفسح لنا المجال للحديث عن مفردة لطالما ك ّنا في جلساتنا نحن اللجنة بحثنا هذا الموضوع مع جملة من الموضوعات الأخرى لأ ّنها من اهتمامات نظامنا .ولو س ّلمنا جدل ًا أ َّن البعض كما يقول السائل الكريم يو ّظف حل ّية زواج المتعة في غير الاتجاه الصحيح ،فإ ّن هذا ُيظهر تناقض ًا عند هذا البعض في ما ُيس ّمى الاختلاف بين النظرية والتطبيق ،فأحيان ًا تكون النظرية في أسمى المواقع ،ولكن تأتي التطبيقات بشك ٍل مغاير لسم ّو هذه المواقع ،وبمعنى آخر ،قد ُتط ّبق شرائع الله تطبيق ًا خاطئ ًا، أو تستغ ّل بطريقة بعيدة عن روح هذه الشرائع ،ولك َّن هذا التطبيق وهذا الاستغلال لا يلغيان أهم ّية هذا التشريع ..وكما ينطبق هذا الأمر على الشريعة ،فإ ّنه ينطبق حتى على التجارة بين الناس ،حيث هناك َمن يتعاطى التجارة ولكن بأساليب فيها
الفصل الخامس 174 الكثير من الغش والكذب ،وهذا ليس مب ّرر ًا أن نصدر حكم ًا بتحريم التجارة ،لأ َّن هناك أفراد ًا أو مؤ ّسسات أو جماعات مع ّينة خالفت أخلاقية أو قوانين التجارة.. وحتى في الزواج الدائم ،كثير ًا ما نصادف أفراد ًا يستغ ّلون هذا الزواج لأغراض شخصية ..ولكن لا نجرؤ على القول إ ّن الزواج الدائم تشريع خاطىء. ولذا ،أرى ضرورة أن نتو ّقف عند هذا الإشكال إبدا ًء لوجهة نظرنا وفي محاولة للمعالجة ..أ ّول ًا ينبغي لنا تحديد المصطلح والتفريق بين العاهرة والزانية ،فليست ك ّل زانية عاهرة ،أو بائعة هوى ،لأ َّن العاهرة تبيع نفسها في أ ّي وقت ،أ ّما الزانية فقد تكون وقعت في الإثم في لحظة ضعف نتيجة علاقة غرامية بشخص آخر أو ما إلى هنالك ،ولم تقم بهذا الفعل من مبدأ التجارة بجسدها، ولذا لا نعطي أنفسنا الح ّق بأن نصف ك ّل واحدة أقامت علاقة جنسية كما وصفنا آنف ًا بأ ّنها بائعة هوى ،لأ َّن بائعة الهوى عرضت جسدها في الشارع وهي لا تر ّد طالب ًا ،وفي ك ِّل ساعة تكون مع شخص مع ّين ..وإ ّنما نقول هذا حتى لا نطلق صفة بائعة الهوى جزاف ًا على أ ّية امرأة أقامت علاقة جنسية مح ّرمة قد تكون الأولى والأخيرة في حياتها. وفي ما ُيقدم عليه بعض المسلمين في الدول الغرب ّية نجيب عن هذه المسألة من ناحية أخلاقية ودين ّية ،فمن الناحية الأخلاقية ،هم يقيمون علاقة بامرأة تمتهن التجارة بالجسد ،تقف على الطريق شبه عارية ،أو تنتظر ا ّتصال ًا هاتفي ًا مل ّبية رغبة َمن يريد ،فالعلاقة بهذا النوع من النساء علاقة غير مش ّرفة ..ومن الناحية الشرعية ينبغي لنا أن نعي أمر ًا شرع ّي ًا ،وهو أ ّنه لا يمكن أن يعقد الإنسان على امرأة وهي ما زالت في ع ّدتها ،فأين هو الاطمئنان في ذلك؟ وكيف لرجل أن يطمئ ّن إلى امرأة من هذا النوع وإلى أ ّنها لم تنم مع غير شخص قبل ساعة أو يوم أو يومين وكيف سيطمئن بأ ّنها ستعتد؟ وع ّدة المؤ ّقتة كما هو الشرع تحتاج إلى حيضتين؟» ير ّد الأستاذ قائل ًا:
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 175 * ولكن ماذا لو ا ّدعى البعض بأ َّن المرأة مص ّدقة على فرجها؟ ـ ناصر« :نعم ،هناك من يذهب إلى ذلك ويقول إ ّن المرأة مسؤولة عن فرجها،وليس من مسؤوليتنا أن ند ّقق فيما فعلته سابق ًا وما ستفعله لاحق ًا ،فهي إن كانت في ع ّدتها أو لم تعت ّد ،فهذا راج ٌع إليها وهي تتح ّمل المسؤولية الشرعية في ذلك ..هذا الكلام فيه خدا ٌع للنفس ولا ُيطلقه إنسان وهبه الله عقل ًا سو ّي ًا،لأ ّن هذا الكلام لو ص ّح ،فإ ّنه ينطبق على المرأة العفيفة ،أ ّما المرأة التي ُيطلق عليها (بائعة هوى) فأين هي من الشرع وحدود الشرع؟» * ولكن هناك بعض الفتاوى التي تجيز الزواج بالمشهورة بالزنا؟ ـ يعود نـاصر ليقـول« :هذا الأمر صحيح ،ولكن اشترط العلماء ضرورة نصحها وإرشادها إلى الطريق الصحيح في محاولة لانتشالها من بؤرة الفساد والانحراف إلى واقع نظيف ،والذي يستطيع إخراج هذه الإنسانة من هذا المستنقع يكون ثوابه وأجره عند الله عظيم ًا ..ولا ينحصر الأمر في أن يتز ّوجها الإنسان بعقد دائم إذا ما عقد الن ّية في ذلك ،بل يتع ّدى ذلك حتى إلى زواج المتعة، ولكن ليس لم ّدة يوم أو يومين ،لأ َّن هذا الوقت لا يسمح بإخراجها من وضعها ومأزقها النفسي والأخلاقي الس ّيء ،بل يحتاج إلى م ّدة أطول ،وعليه أن يض ّحي بالكثير من راحته ووقته وحتى من أمواله ،لأ َّن بائعة الهوى هذه ومن جملة ما دفعها إلى أن تسير في هذا الطريق هو الحاجة المادية ،أو القلق النفسي أو الضياع الاجتماعي ،فكم يحتاج من وقت ومثابرة لإنقاذها من هذا الواقع؟ ومن هنا ،على الشباب أل ّا يقرأوا بعض الفتاوى على طريقة ولا تقربوا الصلاة ..وعليهم عندما ُيقدمون على ارتباط دائم أو مؤ ّقت بالمرأة وكما قلنا في إجابات سابقة أن يضعوا الآية القرآنية نصب أعينهم ﴿نساؤكم حرث لكم﴾ [البقرة ]223 :فينبغي لهم التركيز على اختيار الأرض ،هل هي صالحة للزراعة
الفصل الخامس 176 أم لا؟ وهل ثمارها ستكون ط ّيبة أم ُم ّرة؟ وإ ّنما هذه التساؤلات تحدث في الفكر قبل أن نتم ّلك الأرض ونضع أيدينا عليها.. ومن هنا تظهر أه ّمية نظامنا ،فلو أ َّن المجتمع ير ّسخ المعايير الشرع ّية في علاقة الرجل بالمرأة ويعمل على تطبيق الفيقة والميقة وحتى الصيغة في هذه العلاقة، أ ّي أ ّنه لو يتق ّبل فكرة الزواج المؤ ّقت ،أعتقد أ ّننا لن نجد رجال ًا سيرتبطون ببائعات الهوى إشباع ًا لل ّذة عابرة وفيها من الإشكالات الشرعية ما فيها». الزواج الثاني إحدى الطالبات تقول: * إلى أ ّي مد ًى ترون أ َّن نظام الفيقة والميقة يخ ّفف من نسبة الزواج الثاني، الذي مع حل ّيته وتشريعه الإلهي نجد أ ّنه سب ٌب رئيس في تفاقم المشاكل، أو ّجه سؤالي للدكتور عمر أبو زكريا وأرجو أن يجيبني عليه؟ ـ الدكتور عمر« :إ ّننا نعتقد أ َّن تطبيق نظام الفيقة والميقة سيخ ّفف في السنوات القادمة إن شاء الله ،ليس من الطلاق والزنا فحسب ،بل من الزواج الثاني ،لأ ّننا لن نرى الآثار الإيجابية سريع ًا في أمر تطبيق النظام ،بل سيكون ذلك في المسقبل.. فالش ّبان عندما يتأخرون في الزواج إلى أعمار الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين أو أكثر بقليل ،مع وجود المتن ّفس العاطفي والجنس ّي المحكوم بعقد شرع ّي مؤ ّقت ،فهذا يعطيهم وقت ًا كافي ًا كي لا يتس ّرعوا في الإقدام على الزواج الدائم بمن يرون (ذكور ًا وإناث ًا) أ َّن اختيارهم لم يكن على مستوى الطموح، فيكون اللجوء عندها إلى الطلاق أو إلى الزواج الثاني (وهذا خيار الرجال).. فالشاب أو الفتاة كما ذكرنا في م ّرات كثيرة في هذه الجلسات أ ّنهما من خلال نظامنا والتد ّرج سيجدان الصالح أو الصالحة لبناء حياة زوجية مشتركة ،تكون فيها نسبة المشاكل غير عالية ،فالرجل في ذلك ليس مضطر ًا إلى البحث عن
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 177 زوجة أخرى ،والزوجة تعيش في مأمن بعيد ًا عن سلاح الطلاق». وهنا يتد ّخل أحد الأساتذة الجامع ّيين قائل ًا: * إذا كان الطلاق مع حل ّيته أمر ًا مبغوض ًا بنظر الشرع والمجتمع ،أ ّما الزواج الثاني فأم ٌر ح ّث عليه الشرع مع وجود الحاجة ومن دون الحاجة ،فكيف تستنكرون على الرجل الإقدام على الزواج الثاني؟ فيتناول السيد محمد مه ّمة الإجابة: ـ «ليس لأ ّي إنسان أن يمنع الزواج الثاني ،ما دام المش ّرع وهو الله سبحانه وتعالى أباح ذلك ،ونحن كلجنة نعتقد أ ّن َمن ُيقدم على الزواج الثانيُ ،يقدم نتيجة حالات خاصة وأحيان ًا ضاغطة ،وإن كان البعض لا يراها أساسية ومه ّمة ،ولك ّنها في نظر َمن يرغب بتع ّدد الزوجات هي ضرورية ورغب ٌة تندرج في خانة الحاجة. إذ ًا ،ليس لنا أن نستنكر ذلك ،وهذه مسألة محسومة بالنسبة إلينا ،ولكن عندما نذهب إلى ما طرحه السؤال في أ َّن نظامنا يخ ّفف من نسبة الإقدام على الزواج الثاني ،فلأ ّن هناك مشكلة جعلها العرف والناس والتقاليد أبدية بين الرجل والمرأة ،وتتل ّخص في أ َّن المرأة لن تقبل بامرأة أخرى تشاركها العلاقة مع زوجها ...ونحن في اللجنة رجا ٌل ومعنا أخ ٌت كريمة وفاضلة ،وهي الدكتورة عفاف ،ودار النقاش حول هذا الموضوع أكثر من مرة في لقاءاتنا الخاصة ،وما زلنا مختلفين ،فالأخت الدكتورة ترى أن ليس للرجل أن يتزوج ثانية ،وطبع ًا ليس من باب الاعتراض على الحكم الشرعي ،إلا لضرورة فوق العادة ،فإن كان يريد الجنس ،فزوجته بين يديه ،وإن كان يحرص على العدل بين الزوجات ،فهذا ليس بمقدوره ،وعليه فلا ب ّد بنظر الدكتورة من وجود ظروف قاهرة وضاغطة تسمح للرجل بالزواج الثاني ،ولك ّننا نحن الرجال في اللجنة لا نتب ّنى هذا الرأي».
الفصل الخامس 178 استحالة البغاء أحد الطلاب يقف ليسأل: * بعيد ًا عن مفهوم الفيقة والميقة الذي يهدف إلى الزواج الدائم ،ولكن يرى البعض في امتهان بعض النسوة المتعة ،أ ّنه يح ّول المتعة إلى مهنة تد ُّر المال عليه ّن ،ما رأيكم بهذا القول سماحة الس ّيد؟ ـ الس ّيد مح ّمد« :ك ّل كتب المذهب الجعفري وخاصة الفقهية منها تفتي بوجوب أن تعت ّد المرأة الع ّدة الشرعية بعد خروجها من زواج المتعة ،ومع ذلك ُيو ّجه الا ّتهام إلى القائلين بحل ّية المتعة أ ّن بناته ّن ينتقلن في ك ِّل يوم من حضن رجل إلى حضن رجل آخر ،هذا ليس افتراء على زواج المتعة وحسب ،بل هو كذ ٌب صريح لا ي ّتصل بالحقيقة ولو بخيط رفيع ..فأ ّية علاقة جنسية شرع ّية في الزواج الدائم أو المؤ ّقت تقتضي وجود ع ّدة للمرأة ،ففي الدائم مح ّددة بثلاث حيضات ،وفي المؤ ّقت بحيضتين. ونعود إلى الإشكال ،فلو أ َّن امرأة أقدمت على الزواج المؤ ّقت بشخ ٍص ما وكان هناك دخول ،ولنفرض أ ّن الم ّدة كانت لساعة واحدة ،وانتهت ،فهي لا تستطيع وبأي وج ٍه من الوجوه أن تعقد عقد ًا ثاني ًا مع شخ ٍص آخر إلا بعد مرور حيضتين ،ولنفرض أ ّن م ّدة الحيضتين تمت ّد إلى خمسة وأربعين يوم ًا أو شهرين كاملين ،بعد ذلك تستطيع الدخول في علاقة أخرى مباشرة ،ولكن من ناحية نفسية وعملية حتى تجد المرأة إنسان ًا يطمئن قلبها إليه فقد تمت ّد الفترة إلى س ّتة أشهر، فهذه المرأة في السنة الواحدة لن تعقد إلا على شخصين أو أكثر ،وكم سيكون المهر عالي ًا حتى يد ّر عليها الزواج المؤ ّقت ثرو ًة كبيرة؟ ومع ذلك ،فلنفرض أ َّن المرأة ليست لها مشاعر وأحاسيس صادقة ،فهي تقبل بالزواج المؤقت بأ ّي شخص مهما كانت مواصفاته ،فبعد أن تعقد على الأول لم ّدة ساعة ،على سبيل
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 179 الافتراض وتنتهي الم ّدة ،تستطيع بعد خمسة وأربعين يوم ًا أن تعقد على الثاني ولم ّدة ساعة ،وبعدها يجب أن تعت ّد خمسة وأربعين يوم ًا ،فلو جرت هذه العملية غير المنطقية ،نرى أ ّنها لا تستطيع أن تعقد أكثر من خمس م ّرات أو س ّت مرات في السنة. ولو أخذنا المسألة على مستوى المهر بمبالغة عالية ،وفرضنا أ ّن المرأة ستطلب مهر ًا ولم ّدة ساعة واحدة ألف دولار ولنتص ّور هنا ،كم من الرجال يعطون مهر ًا لم ّدة ساعة واحدة ألف دولار؟ وأ ّنها ستعقد وأيض ًا بمبالغة عالية، عقود ًا مؤ ّقتة لم ّدة خمس م ّرات في السنة ،فيكون الحاصل الما ّدي لهذه العقود هي خمسة آلاف دولار وبعد أن ُنخرج مصروفها السنوي ،فقد تحصل على وفر قدره أل ٌف أو ألف وخمسمائة دولار ،وهنا أين الثروة الكبيرة التي َج َنتها من عقودها المؤ ّقتة؟ أرجو أن نكون منطق ّيين في أ ِّي إشكال ُيطرح بشأن نظامنا ،فالمرأة ـ أ ُّيها الحضور الكريم ـ لا تستطيع أن تمتهن المتعة إذا ط ّبقتها بحدودها الشرعية، لأ َّن الع ّدة التي فرضها الله على المرأة ليست فقط لنظافة الرحم وإثبات الحمل، فهناك فلسفة ها ّمة في هذا المجال ،وهي أ َّن المرأة حتى تح ّب رجل ًا وتعاشره تحتاج إلى وقت ،فكم هي أوقاتها فسيحة حتى تح ّب ك َّل فترة رجل ًا فتعقد عليه ثم تعت ّد ،وتحصل على ثروة كبيرة؟» أستاذ آخر يسأل: * المعروف أ َّن ع ّدة المرأة في الزواج الدائم ثلاث حيضات ،وفي المؤ ّقت حيضتان ،فلماذا؟ ـ يجيب الس ّيد مح ّمد« :تعرفون أ َّن الطلاق بين الزوجين يقع عاد ًة بعد حصول المشاكل والخلافات ،وهناك احتمال كبير بوجود أولاد لهذين الزوجين ،فالله
الفصل الخامس 180 سبحانه برحمته أعطى للزوجين من خلال التشريع فترة ثلاث حيضات وخصوص ًا في الطلاق الرجعي لمراجعة حساباتهما ،فلع ّلهما يحل ّان مشاكلهما ،فيحفظان الأولاد ويعود للبيت استقراره ،وأ ّما لماذا تستوجب الع ّدة ثلاث حيضات ،فليس لنظافة الرحم كما يرى البعض ،لأ َّن حيضة واحدة كافية والثانية تؤكد ذلك، فالمسألة هي مسألة زمن واسع نسب ّي ًا ليف ّكر فيه الزوجان بهدوء وليدرسا احتمال عودتهما إلى منزلهما الأسري ،وعندما نأتي إلى الع ّدة في المؤقت وتحديدها بحيضتين ،علينا أن نلحظ أ ّن الانفصال ليس ناشئ ًا عن طلاق بسبب المشاكل ونحوها ،بل عن انتهاء للم ّدة الم ّتفق عليها بين الرجل والمرأة بوئام ورض ًى من الطرفين ،والع ّدة إن كانت في الدائم مح ّددة بثلاث حيضات للسبب الذي ذكرناه آنف ًا ،فإ ّنها في المؤقت مق ّدرة بحيضتين ،وهذا أيض ًا من رحمة الله بعباده ،حتى لا تبقى المرأة مرهونة لفترة طويلة من دون الارتباط بعقد جديد ،دائم ًا كان أو مؤ ّقت ًا مع رجل يناسبها وي ّتفق مع تط ّلعاتها وآمالها». الحب والنظام وتأخذ إحدى الطالبات الحوار با ّتجاه آخر وتقول: * من الباحثين من يرى أ َّن الح ّب هو الذي ُيوجد الانسجام بين الطرفين وينتقلان إلى الزواج الدائم بوئام ووفاق ،وعلى هذا القول ،فما الضرورة إلى نظام الفيقة والميقة فلتكن الصداقة بريئة والح ّب قد يكون هو الخيار؟ ـ الدكتورة عفاف« :ما هو م ّتفق عليه أ ّن هناك الح ّب السطح ّي الناتج من ضغوطات المصالح الذاتية والشخص ّية المنطلق من النظرة السريعة المسحورة بجمال ومال الرجل وموقعه الاجتماعي ،أو بجمال المرأة وأموالها ونسبها وموقعها الاجتماعي ،وهذا ما يح ّقق للطرفين ـ على سبيل الاحتمال ـ وانطلاق ًا من ن ّية المصلحة المتن ّوعة أهداف ًا يكون الزواج وسيلة من وسائلها ،وليس هو
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 181 هدف ًا بح ّد ذاته ..ولذا ،فإ ّننا نستطيع أن نعطي هذا الح ّب صفة ،وهي الح ّب السريع ،الذي يأتي بسرعة ويتلاشى بسرعة نتيجة تغيير الأحوال والأسباب التي أوجدت هذا الح ّب على السطح دون العمق ،فالجمال سيذبل يوم ًا ،والمال قد ينفد ،أو أ َّن أحد الطرفين لم يستفد من هذا المال كما كان متو ّقع ًا ،وعلى هذا فلم تتح ّقق الأهداف ،ونحن لسنا ض ّد هذا الح ّب ،فالناس أحرا ٌر في ما يعتقدون في هذا المجال ،ولكن نورد ذلك انطلاق ًا من حقيقة جوهرية ،وهي أ َّن هذا الح ّب لم ير ّسخ الزواج على قواعد متينة وصلبة.. ولذا ،نحن مع الح ّب الذي يح ّقق الانسجام والتوافق ويجد المساحة الواسعة للسعادة ،ولكن حتى يصبح ذلك واقع ًا ،لا ب ّد من التعارف الشرعي الذي يضع الطرفين أمام واقع وحقيقة ك ّل منهما ،وهذا ما يضمنه نظام الفيقة والميقة الخاضع لعامل الوقت ،والكفيل بتبيان الواقع والحقيقة لك ّل منهما ،فانسجامهما وتوافقهما يزيدان في درجة الح ّب بينهما وينتقلان إلى الحياة الزوجية وهما يحملان رصيد ًا من الطمأنينة والسعادة اللتين هما نتاج الحب المرتبط بعقد شرعي يقي الطرفين من الوقوع في ما نهى الله تعالى عنه.. فك ّلما زادت مدة التعارف ومعرفة الشخص بالطرف الآخر زاد هذا الح ّب، وق ّلت نسبة الخلافات في الحياة الزوجية ،ولكن ليس بالح ّب وحده ،بل بالتفاهم والتوافق ومراعاة ك ّل طرف أحوال الطرف الآخر ،وهذا ما قد يكون نوع ًا من الح ّب .ويجب أن نشير هنا إلى أ ّن الح ّب يح ّقق الاستقرار ،وأ ّن التفاهم يح ّقق السعادة .وأ ّما فما الضرورة إلى نظام الفيقة والميقة إذا ما كانت الصداقة بريئة، وما هي حدوده وضوابطه؟ لا نحسب أ َّن أحد ًا وضع نظام ًا للصداقة بين الشاب والفتاة سوى بعض الأخلاق ّيات العامة والمواعظ والإرشادات من دون أن يكون هناك قواعد وأسس تعطي للصداقة صفة النظام ،وإ َّن َر ْف َض نظامنا لشكل هذه الصداقة هو دعو ٌة لعدم تقليد الغرب ،لأ ّن علاقات الصداقة هناك غير محكومة
الفصل الخامس 182 لنظام ،وهنا أعود لأشير إلى فلسفة نظام (الآيزو) التي تعني فيما تعنيه ،بأ َّن أ ّي نظام لكي يتش ّكل ويأخذ صفة النظام ،ويكون نظام ًا بك ِّل ما للكلمة من معنى ،لا ب ّد أن تتو ّفر فيه المواصفات الج ّيدة والضوابط والحدود وتكون الأهداف والمنطلقات واضحة تمام الوضوح ،فلولا وجود هذه المواصفات لا يكون هذا النظام نظام ًا، ولذلك ،فإ َّن طريقة التعارف الموجودة في الغرب والقائمة على الصداقة ليس لها نظا ٌم وحدو ٌد مع ّينة ،فنراها تختلف ضوابطها وحدودها من دولة إلى دولة ومن مجتمع إلى مجتمع ،ومن زما ٍن إلى زمان ،فالذي كان غير مسموح به في الصداقة والتعارف قبل 50سنة ،صار مسموح ًا به الآن ،وهذا إثبا ٌت على أ َّن الصداقة في الغرب ليست نظام ًا ،لأ ّن النظام الج ّيد هو الذي يضع حدود ًا ثابت ًة تتلاءم مع ك ّل الأزمنة ،ويضع حدود ًا متح ّركة من داخل النظام ولكن من دون الم ّس بالثوابت. ومن هنا ،فإ ّن الثابت في الإسلام ثابت لك ِّل زمان ومكان وهكذا المتح ّرك». تقوم طالب ٌة أخرى وتسأل: * ولكن ألا ترين حضرة الدكتورة أ ّن الح ّب الذي أسميته بالح ّب السطح ّي أو المصلح ّي وبنظام الفيقة والميقة يمكن مع طول م ّدة التعارف أن يتب ّدل إلى ح ّب أعمق وأرسخ؟ ـ د .عفاف« :أشكر الطالبة العزيزة على سؤالها ،لأ ّنني أدركت أ ّنها تقرأ أفكاري وهذا ما كنت أو ُّد التعليق عليه .فنظامنا وحتى في الحب المصلحي قد يفيد على اعتبار أ ّن م ّدة التعارف قد تدفع الرجل أو المرأة اللذين أح ّبا بعضهما لغاية في نفسيهما إلى أن يب ّدلا في نظرتهما إلى بعضهما ،حيث من خلال هذه الم ّدة يكتشفان خصال ًا وأخلاق ًا وطباع ًا لم تكن ملحوظة من قبل ،لأ ّن الطمع بالمال أو الجمال أو النسب أو المركز الاجتماعي المرموق أعمى العين والعقل عن الطيبة والأخلاق والوعي في الآخر ،ففي لحظة الوعي التي تش ّكلت لاحق ًا
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 183 تح ّول هذا الح ّب العابر إلى ح ٍّب عميق.. وفي المقابل أيض ًا قد يكتشف الشخص المخدوع أو الطامع بالمال والجمال خصال ًا س ّيئة في الشخص الآخر تجعله يف ّضل الهروب على العيش معه تحت سقف واحد ،فالمال والجمال لا يساويان شيئ ًا مقارنة بجحيم حياة زوجية لا تطاق. وأخير ًا ،أقول :نحن مع الح ّب ،ولك ّننا نعتقد أ َّن نظام الفيقة والميقة الذي يرسم الطريق إلى الح ّب الواعي ،وعلى أساسه وبتجربة التعارف يتأكد هذا الحب ويقوى ،أو إ َّن هذه التجربة توضح أ َّن ما تو ّهمناه حب ًا في الطرف الآخر لم يكن إل ّا وهم ًا وسراب ًا». النظام والمتز ّوجون ويتو ّجه أحد الطلاب بسؤاله إلى ناصر: * عرفنا أ ّن نظامكم هو للتعارف الشرع ّي بين الش ّبان والفتيات ليدخلوا في الزواج الدائم على وضوح وب ّينة من أمرهم ،ولإيجاد التفاهم والانسجام بينهم ،برأيك أين المتز ّوجون من هذا النظام يا أستاذ ناصر؟ ـ «ر ّد ًا عن السؤال ،باختصار ،أقول :صحي ٌح أ ّن نظامنا هو للش ّبان والراغبين في الزواج ،ولكن يمكن أن يستفيد منه المتز ّوجون أو َمن كانوا متز ّوجين وحكمت مسار حياتهم أحوال وأوضاع خاصة تعنيهم في الصميم ،فمن المتز ّوجين َمن يريد الزواج ثانية بسبب من مسألة خاصة ،كأن تكون امرأته مثل ًا عاقر ًا ،أو أ ّنه غير مو ّفق في زواجه ولا يريد الانفصال عن زوجته وأولاده ،أو َمن يريد منهم الدخول في مرحلة الصيغة لأ ّنه غير قادر على أن يؤ ّسس عائلة جديدة وبيت ًا جديد ًا ،لأ ّن أوضاعه لا تسمح له بذلك ،أو كان مط ّلق ًا ويريد الزواج من جديد ..فإ ّننا ننصح ك َّل هؤلاء الدخول في مرحلة الفيقة والميقة للأسباب التي ذكرناها سابق ًا في جلساتنا.
الفصل الخامس 184 فالنظام عام ،فوائده لا تقتصر على فئة دون فئة ،لأ َّنه في الأساس تشري ٌع إله ّي وضعه الله سبحانه لخدمة الجميع». وهنا يطلب الكلام الأستاذ الجامعي نفسه الذي كانت له مداخلة قبل قليل فيأذن له مدير الندوة .فيو ّجه سؤاله للس ّيد محمد. * نعرف أ َّن ما يتر ّتب على الزواج الدائم يتر ّتب على الزواج المؤ ّقت في مسالة المحارم ،فالشاب عندما يعقد على فتاة تحرم أ ّمها عليه ،وهي تحرم على أبيه ،وفي نظامكم تش ّجعون على التع ّدد في التعارف الإسلامي بهدف اختيار الشريك ،وبهذا تكثر المحارم ،فماذا لو عقد شا ٌب على فتاة، ثم بعد م ّدة عقد على أ ّمها ،وحصل زواج دائم أثمر أطفال ًا وعائلة ،ألا ترون أ ّن الأنساب ستختلط نتيجة ذلك؟ ـ السيد محمد« :احتمال حدوث ذلك نادر ،لأ َّن الشاب يعقد عاد ًة على فتاة تقاربه في العمر ،وبالتالي فإ َّن أ ّمها سوف تكون كبيرة ،وهذا ما يجعل احتمال أن يعقد الشاب الصغير في العمر ،وبهدف الزواج الدائم ،على الأم لاحق ًا احتمال ًا ضعيف ًا كونها كبيرة ولا تناسبه كزوجة دائمة ،ولكن مع احتمال ص ّحة الفرض ّية، أقول :إذا كانت العلاقات التعارف ّية الإسلام ّية تجري س ّري ًا ودون معرفة الأهل وعلمهم بذلك ،يمكن لهذا التساؤل أن يحمل نسبة من الص ّحة. ومن هنا ،فإ َّن الخوف من خلط الأنسابُ ،يزال بأهون الطرق ،إذا ما تق ّبل المجتمع نظام الفيقة والميقة ،وصارت العقود تجري أمام أعين المجتمع والناس بعيد ًا عن الخوف والس ّرية ،وإ َّن قبول المجتمع بهذا النظام الإسلامي يو ّفر علينا الكثير من الإشكالات التي قد تحدث. إذ ًا ،إذا تق ّبلنا المسألة واقتنعنا بشرع ّيتها ،فك ُّل العلاقات التعارف ّية لن تكون س ّرية ،وبالتالي ستسقط ك ُّل المخاوف والمحاذير»..
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 185 ثم يعود ليقول من جديد: * ولكن إ َّن تع ّدد العلاقات الشرعية سيزيد في عدد المحارم؟ ـ السيد مح ّمد« :ما الضير في ذلك؟ ولننظر دائم ًا كما ك ّنا نر ّدد في الإجابات السابقة إلى فلسفة نصف الكوب المليء بالماء ..فالإيجاب ّية من زيادة عدد المحارم أ ّنها س ُتنتج علاقات اجتماعية حميم ّية ،فما أجمل من أن يكون للشاب ع ّمات (زوجة عم) بعدد ما عقد عقد ًا شرع ّي ًا مؤ ّقت ًا على فتيات ،وعليه أن يزوره ّن ويسأل عن أحواله ّن ويتف ّقده ّن ،أو يكون للفتاة أعما ٌم بعدد ما ارتبطت مع شباب بعق ٍد شرع ّي ،يكونون لها أعوان ًا في أمورها وأحوالها ،فتح ّبهم ح ّب البنت لوالدها ،ويح ّبونها ح ّب الوالد لابنته ،حتى وإن لم يحدث زوا ٌج دائ ٌم بسبب أ َّن الشاب غير مؤ ّهل للزواج من هذه الفتاة بالذات ،أو أ َّن هذه الفتاة ليست م ّمن ي ّتفق في الذهنية والعقلية والأفكار مع هذا الشاب. لننظردائم ًا إلى الإيجاب ّيةفيأ ِّيأمرمن الأمور،لننظر إلىنصف الكوب المليء، فتع ّدد المحارم مسألة صحية للمجتمع ،تق ّوي الروابط وتم ّتن العلاقات ،وتعطي ثقل ًا وج ّدية لنظام الفيقة والميقة ،و ُتخرجه إلى العلن خصوص ًا إذا ما احترمنا الشرع وتركنا للناس أن يعيشوه بك ِّل رحابته خارج إطار التعقيدات أو الخضوع لبعض الأعراف التي أوجدتها ذهنية غ ّلبت رضى الناس على رضى الله». يقوم أحد الطلاب ليطرح مسألة دقيقة كان لا ب ّد من أن ترد في سياق الندوة: * تقولون :ينبغي الاتفاق على العناوين الأساسية بين الشاب والفتاة قبل الإقدام على الزواج. هل تتص ّورون أ َّن الشباب والفتيات جميعهم على مستوى واحد من الوعي للحياة الزوجية بحيث يضعون الاتفاقات قبل الزواج؟ هذا أ ّول ًا ،وثاني ًا ،ألا ترون أ َّن الزواج هو ا ّتفاق على تنازلات مشتركة ،كما هو حقو ٌق وواجبات؟
الفصل الخامس 186 الس ّيد مح ّمد «نحن نريد من الحديث عن الاتفاقات المسبقة ،التأكيد على مسألة أساس ّية ُمفادها ،أ َّن الطرفين عندما يختلفان في الأمور الكبيرة ،عليهما أن يعودا إلى ما ا ّتفقا عليه ،حتى يخرجا من المشكلة دون أن يس ّجل فري ٌق على آخر نقطة انتصار تكون لصالحه ،ونقطة هزيمة تكون للفريق الآخر بمثابة جرح عميق ،يؤلمه ويؤ ّرق عليه عيشه وكرامته». ثم يقوم طال ٌب آخر ليسأل: * ما هي الأمور الكبيرة برأيكم؟ وهنا يلاحظ مصطفى أ ّن الدكتور أبو زكريا يريد الإجابة ،فيح ّول السؤال إليه. ـ د .أبو زكريا« :هي المسائل التي سيكون الح ُّل فيها جاهز ًا عند الاختلاف، وهي تنحصر في الطلاق وما ينتج من مؤ ّخر ونفقة ورعاية أولاد ،فحتى لا تنشب المنازعات ،ينبغي تحديد آلية محكومة لاتفاقيات ولأخلاقيات إنسان ّية ،فمثل ًا، وقبل الزواج عندما تشترط المرأة مؤ ّخر ًا عالي ًا ،ورض َي الزوج بذلك .هنا على الزوج أن يكون رضاه مستند ًا على عقلية واعية وذهنية تقبل الشروط ولكن مع دراسة القدرة على التنفيذ. ونأتي إلى الأولاد بعد الطلاق ،وليس المطلوب الاتفاق على َمن يرضعهم، الأم هي التي ُترضع ،ولكن لا ب ّد من الاتفاق على مقدار نفقة الطفل بعد الطلاق، فقبل الذهاب إلى المحاكم تكون هناك اتفاقات مسبقة تتع ّلق بمستقبل الطفل ومسؤولية تربيته ،والمدرسة التي سيلتحق بها ،زيارة الأب للولد إذا كان في حضانة الأم ،أو بالعكس ،والج ّو الذي سيتو ّفر له بعد الطلاق ،والنفس ّية التي س ُتزرع في داخله عندما يبدأ بالتع ّرف على الحياة من حوله. إ ّن حرصنا على الاتفاقات ناب ٌع من أل ّا يستعمل الزوج مثل ًا أوراق ًا رابح ًة ،لم يكن للزوجة القدرة على امتلاك أوراق رابحة مشابهة لها بسبب أوضاع مع ّينة،
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 187 كأن يرمي بها وبأطفالها خارج البيت بعد الطلاق ،حيث لا بيت يأويها ،ولا أهل قادرون على تح ّمل مسؤول ّيتها ومسؤول ّية أطفالها ..هذا الأمر ُيتفق عليه قبل الزواج ،هل البيت للزوج أم للزوجة؟ هل على الزوج أن يؤ ّمن للزوجة مسكن ًا لائق ًا بعد الطلاق أو أن تشاركه المنزل ،لأ ّن المنزل قد يكون مشترك ًا في الملكية بين الاثنين .هذه المسائل ـ أ ّيها السادة الحضور ـ لا ُيوليها أح ٌد م ّنا أدنى اهتمام، في الوقت الذي يجب أن تكون على رأس اهتماماتنا». وهنا تطلب الإذن للتعقيب على كلام الدكتور عمر الدكتورة عفاف ،فتقول: «من حيث انتهى الدكتور أبو زكريا أجيب عن بقية السؤال حول نسبة الوعي عند الش ّبان والفتيات لهذه الأمور ،فأقول: نحن نعتقد أ ّن الش ّبان والفتيات ليسوا جميع ًا على مستوى واحد في وعي هذه المسائل ،ومن هنا يبرز دور الأهل والمجتمع والمحاكم في توضيح القضايا الزوجية وما فيها من مشاكل وما يطرأ عليها .وفي الوقت الذي يكون فيه الطرفان قد دخلا في مرحلة التعارف الشرعي ،يكون أهل الخبرة بجانبهما ُيوضحون لهما ما خف َي عنهما ،وما ينبغي أن يعرفاه ،لأ ّنهم قد خبروا أتعاب الحياة أكثر ،فيشيرون عليهما ،وهما في الفيقة والميقة ،أي في مرحلتي الفرح والتع ّرف عن قرب على بعضهما ،بالتخطيط لمستقبلهما ووضع الاتفاقات التي تكون حل ًا واقعي ًا وعملي ًا لما قد يقعان فيه من مشاكل واختلاف. فالمسؤولية في ذلك ،مسؤولية جماعية تح ّتم علينا أن نرعى أبناءنا الذين ما زال عودهم طر ّي ًا ولم يخبروا الحياة عميق ًا ،لنضمن لهم عيش ًا نعتقد أ ّننا بإرشادهم إلى الطريق الأصوب نخ ّفف من مشاكلهم .والقاضي نفسه وأثناء عقد الزواج، ينبغي أن يسألهم عن الاتفاق إذا ما حدث الخلاف. علينا وعلى الش ّبان والفتيات أنفسهم أن يعرفوا أ َّن ك ّل ثلاث حالات زواج أو
الفصل الخامس 188 أربع حالات أو أكثر أو أق ّل ،هناك حالة طلاق ستقع ،فما المانع أن تكون ابنتي أو ابنك أو أنا أو أنت ،هو واحد ًا أو واحدة من المط ّلقين؟ نحن نقوم بالتأمين على الحياة ،فلماذا لا نقوم بالتأمين على الزواج؟ وهذا لا يكون إلا بالا ّتفاق». ويرى ناصر الفرصة سانحة ليدلو بدلوه فيقول: إ َّن وضع الشروط ليس شرط ًا أساس ّي ًا لمنع الخلافات بين الزوجين ،ولكن من المؤ ّكد أ ّنه يخ ّفف المشاكل التي غالب ًا ما تطرأ بعد انفصالهما ،وإضافة إلى ما تف ّضل به الدكتور عمر والدكتورة عفاف ،فإ َّن هناك ثلاث نقاط أساس ّية لا ب ّد من الإشارة إليها في موضوع الاتفاقات والشروط ،النقطة الأولى ،لا يخفى عليكم أ ّنه إذا ت ّم الاتفاق على الشروط قبل الزواج ،فإ َّن تنفيذها غالب ًا ما يكون عادل ًا ومنطقي ًا للطرفين إذا ما رعيا تنفيذ هذه الاتفاقات ،لأ ّن هناك شخصين يح ّبان بعضهما ،أ ّما بعد الطلاق فإ ّن نفس ّيتهما تحكمها العدائية. فحتى لا يكون هناك غالب ومغلوب ،فإ َّن وضع الشروط ناب ٌع من الخوف من أن يتع ّسف طر ٌف على الطرف الآخر بعد الطلاق .والنقطة الثانية ،هي أل ّا تكون بواعث الاندفاع نحو الطلاق ناشئة من أمور تافهة وسخيفة فتكون الاتفاقات حاجز ًا من وقوع الطلاق خصوص ًا إذا ما أدركنا ما سيتح ّمله أحد الأطراف بعد الطلاق ،وأ ّما النقطة الثالثة ،فإ ّنه إذا حدث الطلاق ،وكانت الشروط والاتفاقات موجودة ،وكان الدين والأخلاق والإنسانية صفات عملية ي ّتصف بها الطرفان، فإ ّنهما باستطاعتهما أن يحل ّا مشاكلهما وجه ًا لوجه ومن دون أ ّية تعقيدات أو مشاكل فوق العادة. تقوم إحدى الطالبات وتقول: * يقول البعض إ ّن الزواج «قسمة ونصيب» فما دخل الاختيار فيه؟
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 189 فيتد ّخل ناصر على عجل. ـ ناصر« :أنا شخصي ًا لا أؤمن بالنصيب ،لأ ّن الزواج قضية حقائق وتخطيط وظروف مع ّينة ،تجعلنا ُنقدم على الزواج أو لا ُنقدم ،وأما أن يكون اختيارنا صحيح ًا أو خاطئ ًا ،فنحن بإرادتنا نح ّقق ذلك. فقبل الزواج لا ينطلق أح ٌد على أساس هذه القاعدة ،فمع هامش الاختيار ض ّيق ًا كان أو واسع ًا ،نرى أ ّن البنت تح ّدد من تختاره ،وهكذا الشاب ،فليس من أحد يطرق باب أحد على أساس القسمة والنصيب. وتبقى مسألة القسمة والنصيب فرصة الإنسان الإيجاب ّية وهي ما نس ّميها بالح ّظ ،وهي في الأساس اختيا ٌر بحت إذا ما أحسن الإنسان توظيف فرصة الح ّظ هذه في الاتجاه الإيجابي ..ودعوني أقل :إ َّن إنسان ًا إذا كان غن ّي ًا ،فإ ّن غناه ليس مفصول ًا عن الأسباب التي و ّظفها لتغيير أوضاعه من الفقر إلى الغنى ،ولذا ،فإ ّنه إذا لم يستخدم الأسباب ،ومنها الجهد والمثابرة والتعب والعمل والمشاق فإ ّنه يبقى فقير ًا ولا يعرف إلى الغنى طريق ًا.. وسأذهب مع السائلة الكريمة إلى الآخر ،حتى مع الإيمان بالقسمة والنصيب، تبقى للإنسان حرية الاختيار ،فهو يج ّرب ،فإذا وجد الطرف الآخر ليس مؤ ّهل ًا للزواج ،ولنفرض أ َّن الطرف الأول هو المرأة ،فباستطاعتها إذا ما اكتشتفت ذلك سريع ًا أن تؤ ّخر إنجاب الأولاد ،وقد تضمن بذلك حر ّيتها والقدرة على الخروج من العلاقة الزوجية بالطلاق بأق ّل خسارة .من الخطأ أن نعتبر أ ّن «القسمة والنصيب» هي قدرنا الذي لا نستطيع أن نخرج منه ،فالله تعالى يقول﴿ :إِ َّن ال ّل َه ل َا ُي َغ ِّي ُر َما بِ َق ْو ٍم َح َّتى ُي َغ ِّي ُرو ْا َما بِ َأ ْن ُف ِس ِه ْم﴾ [الرعد ]11 :معنى ذلك غ ّير نفسك أ ّيها الإنسان ،فإ ّنك تغ ّير ك َّل واقعك».
الفصل الخامس 190 الح ّب والشك وتتد ّخل إحدى الطالبات مو ّجهة سؤالها للدكتورة عفاف كونه يتض ّمن ش ّق ًا نفسي ًا ،وهي تلتمس أن تجد عندها الجواب ،فتقول: * إ ّنكم تح ّذرون الفتاة بأ ّن الشاب قد لا يكون صادق ًا في ح ّبه لها ،وأ ّن اهتمامه بها أحيان ًا لا يعدو كونه ش ّك ًا وليس ح ّب ًا ،فهو ُيظهر الغيرة عليها والمح ّبة لها ،ولك ّنه ش ّكاك في نفسه ،كيف للفتاة أن تكتشف ذلك؟ ـ الدكتورة عفاف« :نحن عندما طرحنا هذه المسألة ،فإ ّننا لا نقصد أ َّن ك ّل الشباب تح ّركهم ذهنية الش ّك ،وأ ّما التمييز بين الحب وبين الش ّك ،فهذا من شأن الفتاة نفسها ،فهي وحدها القادرة على الحكم في ذلك ،ويكفي أن نن ّبهها نحن إلى هذه المسألة ،فهي بوعيها وقدراتها تعرف «حرص» الشاب عليها ،هل هو ناب ٌع من شغف وح ّب أم من ش ٍّك؟ ونحن كلجنة لا ن ّدعي ك َّل العلم في مثل هذه القضايا وتفصيلاتها الدقيقة، فالعلم موجو ٌد عندكم ،أنتم وحدكم القادرون على التمييز بين الحب وبين الش ّك، وما تحذيرنا من هذه المسألة إلا لهدف ،وهو أ ّن الش ّك إذا دخل في مرحلة الفيقة، فكيف ستكون حال العلاقة في مرحلة الميقة؟ حيث يأتيها الشاب ليق ّيد عليها ح ّريتها من خلال إظهار الشك في تص ّرفاتها ،فكيف ستكون حالها في المستقبل عندما يكون الشاب شريك حياتها؟» التدرج والتع ّدد يقف أحد الضيوف ،فيقول: * خلال أحاديثكم السابقة عن التد ّرج في علاقة الشاب بالفتاة (فيقة، ميقة) ...نكتشف أ َّن هناك أيض ًا تع ّددية ،فكيف تف ّسرون هذه التع ّددية؟
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 191 ـ د .عمر أبو زكريا« :هذا صحيح ،فنحن مع إيماننا من خلال نظامنا بالتد ّرج، نؤمن أيض ًا بالتع ّدد ..ففي التد ّرج قد يكتشف الشاب أو تكتشف الفتاة شيئ ًا من المواصفات في الطرف الآخر ،وتعرف شيئ ًا عن السلب ّيات وشيئ ًا عن الإيجابيات، ولكن هناك بعض الصعوبة في تحديد الخيار ،لأ َّن الاكتشاف قد لا يكون كامل ًا، وفيه بعض الثغرات .لذلك نرى ضرورة التع ّدد مع التد ّرج ،أن يع ّدد الشاب تعارفه على أكثر من فتاة ،وأن تع ّدد هي بدورها تعارفها على أكثر من شاب ،ويقترن ذلك مع الدراسة والتحليل والمقارنة بين شخص وآخر ليأتي الخيار يحمل الشيء الكثير من الواقعية والوضوح. ففي التد ّرج قد يتع ّرف طر ٌف على آخر ويجد مواصفات يح ُّبها فيه ولك ّنها قد تكون ثانو ّية وليست أساس ّية. وعلى هذا ،فإ ّننا نميل إلى حرية الاختيار والتد ّرج ،وح ّرية التع ّدد ،ويبقى الأهم أ ّننا نؤمن بضرورة الدخول في المراحل بتد ّرج حتى وإن لم يكن هناك تع ّدد في العلاقات. وهناك مسألة لا ب ّد من توضيحها ،وهي أ ّننا عندما نؤمن بتع ّددية العلاقة ،فليس معناه تع ّدد العلاقة الجنسية ،بل تع ّددية التعارف في الإطار الشرعي والأخلاقي، ولا يمكن بناء علاقة جديدة ،إلا بعد الخروج من العلاقة الأولى ،وهذه النقطة ينبغي أن ُتفهم ،حتى لا يظ ّن البعض أ َّن الفتاة خصوص ًا يمكن لها أن تتع ّرف وفي الإطار الشرعي على أكثر من شاب وفي وقت واحد. نرجع ونقول :هناك حاجات وأساس ّيات سنكتشفها بعد الزواج ،فما يمنعنا أن نتع ّرف على هذه الحاجات قبل الإقدام على الزواج ،وخصوص ًا إذا آمن المجتمع بأ ّن لنا الحرية في التعارف والتد ّرج والتن ّوع والتع ّدد ،ولذلك ننصحكم بالتع ّدد إن كان في مرحلة الاختلاط الشرعي ،أو في مرحلة الفيقة والميقة ،وعندها
الفصل الخامس 192 ستكتشفون ميزات وخصال ًا قد غابت عن أنظاركم فيما لو حصرتم التعارف في شخص واحد دون غيره. وهناك ملاحظة ينبغي أن نشير إليها ولتكون موضع اهتمام بالغ ،وهي أ َّن التع ّدد في العلاقات ،والانتقال من علاقة إلى علاقة أخرى ،لا يعني أبد ًا ،إنهاء العلاقة الأولى أو الثانية والتي كانت بهدف الزواج ،بل إ ّن الشاب يبقى أخ ًا للفتاة ،وتبقى الفتاة أخت ًا له وإن لم يكونا مناسبين للزواج ،وينبغي المحافظة على الروابط الإنسان ّية والأواصر الجامعة على المح ّبة والاحترام والتقدير». طالب يسأل: * إ ّن التد ّرج والتع ّددية يسمحان للفتاة المرور بع ّدة تجارب بهدف الزواج قبل أن يستق ّر رأيها على شخص واحد ،ولكن من الملاحظ أ َّن الش ّبان يرفضون الزواج من فتاة كانت لها تجارب سابقة مع ش ّبان آخرين؟ ـ ناصر« :لا شـ ّك أ ّننا في مجتمع شرق ّي وأ َّن كثير ًا م ّما يرفضه أو يقبله لا يخضع لمعايير دينية ثابتة ،وإ ّنما لجملة من التقاليد والأعراف أوجدتها الذهنية الشرق ّية. ومن هنا ،فإ َّن كثير ًا من الأعراف والتقاليد تحتاج إلى وقت حتى ت ّتضح للأجيال أ َّنها لا تم ّثل شيئ ًا على مستوى الدين ،وإ َّن ص ّحة قولنا هذا ناشئة من أ َّن الأجيال وفي كثير من المراحل استطاعت بفضل دينها ووعيها أن ترفض ما ليس من الحقيقة أو من الثابت الديني القاطع .ولذا ،فنحن عندما نؤ ّكد على أفكارنا، فإ ّننا نراهن على جيل الشباب والمث ّقفين والواعين الذين سيستطيعون من خلال دينهم وثقافتهم أن يغ ّيروا الواقع إلى ما هو الأفضل والأحسن. ولو أردنا أن نجاري العقل ّية التي يطرحها السؤال ،لقلنا أيض ًا إ ّن المرأة المط ّلقة ولو لم تنجب أطفال ًا فإ ّنها غير مرغوب بها من الرجال ،فكيف بمن أنجبت أربعة
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 193 أو خمسة من الأطفال؟ فهل المط ّلقة يلحقها عي ٌب شرع ٌّي بسبب الطلاق؟ بالطبع لا ،وهل ُيق ُّر الإسلام أن نرفض الزواج من المرأة الأرملة في حين تز ّوج رسول الله Pوالصحابة والأئمة من الأرامل والمط ّلقات ولم يكن في ذلك عي ٌب على الإطلاق ،ورسول الله فوق العيب وفوق النقص. وأعود إلى السؤال ،ص ّدقني أ ّيها الطالب العزيز ،إ َّن البنت التي م ّرت بتجارب شرع ّية ومارست عاطفة سابقة مع غيرك ،ستعطيك أنت عاطفة أقوى وأوعى من البنت التي لم تمارس العاطفة ..وخذها قاعدة ،وهي أ َّن الذي يج ّرب الح ّب يعرف الح ّب ،وبالتالي فإ َّن الذي يج ّرب الإكرام ،يعرف ماهية وطبيعة الإكرام.. وهناك طبيع ٌة راسخة عند النساء وهي أ ّن الواحدة منه ّن لا تعطي الح ّب إلا لزوجها .ولذا ،فإ َّن الشرقي أحيان ًا يتز ّوج الغرب ّية ،التي م ّرت بتجارب ـ مع رفضنا المطلق لتجاربها غير الشرعية ـ لأ ّنها تعرف أن تعطي الح ّب وتعطي الجنس، وهما ما ُيرضيان رغبات الرجل. فما المانع إذ ًا ،إذا بحثت الفتاة بنفسها عن شريك حياتها ،متم ّسكة بدينها وبالتربية وبالأخلاق الكريمة؟ لتنظر نساؤنا إلى السيدة خديجة (عليها السلام) ولتأخ ْذنها مثال ًا ،وهي التي بحثت عن أشرف مخلوق على وجه الأرض ،وهو رسول الله؟ دعونا أ ّيها الحضور الكريم نخرج من النفاق الاجتماعي ،فلماذا يقبل الشاب لنفسه ذلك ويرفضه لأخته؟ الجميع في ميزان الله واحد ،فليس حساب المرأة غير حساب الرجل، وليست مسؤوليات المرأة أمام الله غير مسؤوليات الرجل ،فإذا كان بعضنا ير ّدد بأ ّن المجتمع هو مجتمع الرجال ،فهذه نظرية ساقطة ،المجتمع هو بك ّل ناسه، رجال ًا ونسا ًء وإن اختلفت الوظائف وتع ّددت ،وقام ك ُّل فرد (رجل أو امرأة)
الفصل الخامس 194 بوظيفته التي تتلاءم مع تكوينه في الحياة. ونحن في هذا المجال نراهن على شبابنا وفتياتنا وعلى الأجيال القادمة التي بدأت عقولها تستلهم الإسلام كنظام للحياة والإنسان ..علينا أن نزرع البذرة الطيبة في الأرض ،وستسمو يوم ًا متط ّلعة نحو السماء تستم ّد منها العون ..انظروا إلى المرأة المسلمة فيما مضى من الأزمنة ،وانظروا إليها الآن ،إ ّنها اليوم تخرج إلى الحياة بك ِّل رحابتها لتستلم إلى جانب الرجل أه ّم المواقع العلمية والثقافية والاجتماعية». النظام في مواجهة العادات والتقاليد أستاذة جامع ّية تسأل: * إ ّن المرء وهو يتابع مفردات النظام الذي تطرحونه يدرك أ َّن هناك إلحاح ًا قو ّي ًا ورغبة جامحة في تغيير ما ارتكز في الذهنية من ثوابت على صعيد العلاقة بين الرجل والمرأة ،ويقوم هذا الإلحاح وتلك الرغبة على قواعد شرع ّية واضحة ،ولا يخفى عليكم أ َّن ما اعتادته المجتمعات من مفاهيم وعادات وتقاليد لا يستطيع أ ُّي فكر جديد أن يغ ّير وبسرعة ما هو ثابت وراس ٌخ في الأذهان ،فكيف تواجهون هذه الإشكالية؟ ـ يجيب ناصر: «ليست المسألة ما اعتادت عليه المجتمعات في ما تؤمن به من أفكار ومفاهيم أو لم تعتد عليه ،لأ ّننا نحن نؤمن أ ّن الفكر الأصيل ومهما حاولنا أن نضعه في القمقم أو نح ّجر عليه ،فإ ّنه يوم ًا ما سيبزغ فجره وينتشر ولن يستطيع أح ٌد أن يوقف مسيرته ،ولك ّن المسألة هي مسألة التغيير عند الإنسان ،فالإنسان بطبعه وإذا ما اعتاد على نم ٍط اجتماع ّي أو فكر ّي مع ّين ،فإ ّن العادة تستولي عليه أو يته ّيب الخروج من عادته وكسر المنظومات الاجتماعية والتربوية التي صارت
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 195 جزء ًا من كيانه وشخص ّيته ،فك ُّل ما هو جديد ومغاي ٌر لما رسخ في عقل ّيته فإ ّنه يواجهه بالرفض مباشرة .وهذا مصداق لما يقوله الإمام علي بن أبي طالب « :Qالإنسان عد ّو ما يجهل» .فطبيعة الإنسان لا تح ّب التغيير ،لأ ّن التغيير يعني له الخوف ،والخوف ناب ٌع من جهل الإنسان بنتائج هذا التغيير ،ولذا فإ ّن التغيير نحو الأفضل في الحياة ،أم ٌر محمود ومشكور ،وهذا ما ينطبق تمام ًا على موضوع الفيقة والميقة والصور الشرع ّية فيها والتي هي في مضمونها ليست جديدة على الإطلاق لأ ّنها نابع ٌة من الشرع نفسه ،ولك َّن الجديد فيها هي طريقة المنهج في رسم العلاقة الشرع ّية بين الرجل والمرأة. وإ ّننا عندما نواجه هذا الك ّم الكبير من الأسئلة حول نظامنا ،فنحن نتف ّهم الموقف الطبيعي عند السائلين. طبع ًا نحن لا ندعو لقبول أ ّي أم ٍر جديد من دون التع ّمق فيه دراسة وتحليل ًا ونقد ًا ،أو نقبل به من غير تو ّقع نتائجه ،بل بالعكس ،فإ ّن دراسة الخطوات ووضع الاستراتيجيات ،وتو ّقع الاحتمالات أم ٌر مطلوب بق ّوة ،وهو يد ُّل على ذهنية واعية متف ّتحة تدرس خطواتها بد ّقة ولا ُتقدم على قبول فكرة ما بطريقة ضباب ّية غائمة لا تعرف فيها مصلحتها فيما يعود عليها بالنفع والفائدة ..فالدخول في أ ِّي مضمار جديد دون تخطيط أم ٌر غير منطقي ،وقد لا يقبل به الله سبحانه وتعالى.. ولو اعترض معترض وقال بأ ّن المجتمع لا يتق ّبل فكرة النظام خوف ًا من التطبيق الخاطىء من قبل البعض ،لقلنا :بعد أن اكتشفنا أ ّن النظام ج ّيد ،وهو يو ّفر فرصة كبيرة للشبان والفتيات في أن يدخلوا إلى الزواج الدائم على ب ّينة وبصير ٍة من أمرهم ،ومع ذلك هناك بعض النفوس الس ّيئة والمنحرفة وبسبب ممارساتها الخاطئة وخداعها للفتاة تسيء إلى هذا النظام وتؤ ّخر قبول المجتمع به ،فهنا لنا أن نع ّلق ،هل وجود بعض الس ّيئين في المجتمع يدفعنا إلى رفض الأفكار الج ّيدة والن ِّيرة؟ وهل أ َّن الإساءات في تطبيق النظام تعني أن نلغي النظام؟ هذا ما لا
الفصل الخامس 196 يقبله العقل ولا يرضى به المنطق .ولا أظ ُّن أ َّن أحد ًا منكم يوافق على ذلك، لأ َّن ال َأ ْولى أن ُنلغي دور الأشخاص المسيئين في المجتمع ،و ُنبقي على الفكرة الج ّيدة والن ّيرة ونعمل على ترسيخها. أكثر من ذلك تعالوا لنستمع إلى ما يقوله المولى تبارك وتعالىَ ﴿ :و ُكن ُت ْم َع َل َى َش َفا ُح ْف َر ٍة ِّم َن ال َّنا ِر َف َأن َق َذ ُكم ِّم ْن َها﴾ [آل عمران ]103 :بماذا أنقذهم؟ أنقذهم برسول الله وبرسالة الإسلام ،هم س ّيئون ،ضا ّلون منحرفون ،فأرسل لهم الرسالة ليسيروا على جا ّدة الحق والصواب ،فلم ينتظر المولى سبحانه حتى يصبحوا ج ّيدين ليرسل لهم رسالة الإسلام ،لأ ّنه لو أ ّخر ذلك لم يبقوا على حافة النار، بل لوقعوا فيها. وعلى هذا ،نحن نعتقد أ َّن خروج نظامنا إلى النور تأ ّخر كثير ًا ،وإ ّن تأخير خروجه إلى الواقع أفسح المجال للنفوس الس ّيئة بأن تعيش الانحراف أكثر في الزنا والخطيئة ،ولذا على المجتمع بأن يحارب السلبيات فيه ليتق ّبل هذه الفكرة وليعيش فوائدها وإيجاب ّياتها». أحد الحضور يسأل: * إذ ًا أنتم تق ّرون أ َّن في نظامكم سلب ّيات؟ ـ يجيب ناصر« :ليست السلبيات في أسس النظام ،ولكن قد لا يعيش البعض معالم هذا النظام ولا يدرك أبعاده الشرع ّية وأصوله وأسسه ومنطلقاته ،فيقع في سوء التطبيق ،وليس ذنب النظام ،بل ذنب من يط ّبق خط ًأ نصوص هذا النظام، وهو وحده يتح ّمل المسؤولية أمام الله والمجتمع.. ونأمل من ك ِّل العلماء والباحثين والأهل عندما يط ّبق هذا النظام ويصادف أن تحدث بعض السلب ّيات ألا يو ّفروا جهدهم في طرح أفكارهم وآرائهم لمواجهة هذه السلبيات التي ستنحصر في النواحي المتح ّركة وليس في النواحي الثابتة،
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 197 كالعقد وما هو حلال وما هو حرام ،فالسلب ّيات ستكون على مستوى الأخلاق ّيات وهذا لن يؤ ّثر على ثوابت الفيقة والميقة». * فلماذا َط ْر ُح هذا النظام من الأساس ،لو نبحث عن نظام آخر؟ ناصر« :ابحث ولكن يجب أن يكون البحث مستند ًا إلى الواقع الشرع ّي، ومست َم ّد ًا من القرآن الكريم وال ُّسنة النبوية الشريفة ،وليس من خلال منطق علماني أو منطق يتعارض مع الإسلام ولا يقبله الواقع الإسلامي .إ ّننا بحثنا كثير ًا في الأنظمة الاجتماعية ،المادية والعلمانية ،فلم نجد أفضل من نظام الإسلام وهذا ليس تح ّيز ًا للإسلام مع إ ّنه يش ّرفنا أن نكون مسلمين ولك ّنه الواقع». فائدة غير المسلم من النظام يقوم طالب كان خلال المناقشات جميعها صامت ًا لا يع ّلق على أ ِّي شيء، ولك ّنه كان على الدوام مواظب ًا على الحضور ،وقال: * أنا مسيح ّي أحترم ما طرحتموه في نظامكم الاجتماع ّي المستم ّد من خلال الشريعة الإسلامية ،وكن ُت خلال النقاشات التي لم أغب عنها أصغي باهتمام لشروحاتكم وتعليقاتكم والذي لفت نظري قولكم خلال الجلسة الأولى إ ّن مشروعكم يستفيد منه غير المسلمين ،والمسيحيون تحديد ًا، وكن ُت أنتظر بفارغ الصبر الحديث عن هذه الاستفادة ،ولكن لح ِّد الآن لم أسمع شيئ ًا ع ّما وعدتم به ،ولذا ،أرجو أن أسمع منكم شيئ ًا حول هذا الموضوع؟ وهنا يعطي مصطفى الإذن لناصر بالكلام الذي قال« :أ ّول ًا ،أق ّدم اعتذاري نياب ًة عن اللجنة بتأخير الإجابة إلى هذا الوقت ،وهذا الأمر وإن لم يسأل عنه الطالب الكريم ،فإ ّنه لم يكن غائب ًا عن بالنا حيث ك ّنا ننتظر الفرصة المناسبة للحديث عنه ،أما وقد حانت ،فأقول :لا ش ّك أ ّن معالم نظامنا مستم ّدة من
الفصل الخامس 198 الإسلام ،ومن مفاهيم أخلاق ّية وتربو ّية وإنسان ّية عا ّمة لا تتعارض مع الإسلام، والمسلم باعتقاده الديني هو الذي يستفيد من هذا النظام ،ولكن لا يمنع غيره من أتباع الديانات الأخرى أن يستفيد منه أيض ًا ،فأنت تعرف أ ّيها الطالب العزيز كونك واظبت على الحضور أ َّن نظامنا ر ّكز على مفاهيم ته ّم المسلم والمسيحي مع ًا ،وهي مفاهيم التعارف والتد ّرج والضوابط والحدود في العلاقات والأخلاق بين الناس والأهم هو توقيت مراحل هذه العلاقات حيث شرحنا سابق ًا فلسفة هذا الأمر .وفائدة هذه المفاهيم تع ُّم المسلمين والمسيحيين وك ّل َمن يط ّبقها من الأديان الأخرى .فالمسيحي حين يريد الإقدام على الزواج له الح ّرية بأن يستلهم معالم دينه في هذا المجال ،ويتلاقى مع المسلم في التد ّرج في العلاقة العاطفية والاجتماعية وهو بذلك يح ّدد خياراته .وهكذا في الشروط ،فالمسيحي يضع من الشروط في العلاقة مع الآخر ما يتلاءم مع معتقده الديني ،وكذلك في مسألة الضوابط والأخلاقيات فهي مبادىء عامة يعود فيها المسيحي إلى مسيح ّيته والمسلم إلى إسلامه ،فالوفاء بالعهود ،وعدم المس بكرامة الآخر ،وأن يحب الإنسان لنفسه ما يح ّبه لأخيه الإنسان هي مبادىء تق ُّرها جميع الديانات. ونضيف أيض ًا أ ّنه كما في الشريعة الإسلامية عق ٌد وح ّق استمتاع جنسي وإرث ونفقة ومتو ّجبات زواجية ،فإ ّنها كذلك مثبت ٌة عند المسيحية ،ولكن يبقى أن يح ّدد أتباع المسيحية نظام ًا للتد ّرج في العلاقة قبل الإقدام على الزواج ،واستعمال الصيغ الكلامية (الفيقة والميقة) ولكن حسب معتقداتهم في تحديد العلاقة، وهذا أفضل لهم من نظام التعارف الحالي غير المستند إلى ثوابت دينية».
أسئلة حائرة وأجوبة واعدة 199 المصطلحات البديلة طالبة تسأل: * في نظامكم مصطلحـات (الفيقـة ،الميقـة ،الصيغـة) ما المصطلحات البديلة برأيكم للذين يقبلون هذا النظام من الملل والأديان الأخرى غير المسلمين؟ ـ يجب ناصر من جديد: «ما نراه مناسب ًا لأ ِّي مجتمع يرى فائد ًة في النظام المطروح ،ويو ُّد الأخذ بمنهجه أن يستعمل الألفاظ نفسها ،لأ ّنها سهلة اللفظ على ك ِّل الألسن الموجودة في العالم ،فالألماني أو غيره يستطيع كالعربي أن يتل ّفظ بكلمة فيقة أو ميقة أو صيغة ،وعندما نؤ ّكد على ذلك ،فإ ّن استعمال تعابير أخرى كالصداقة الشرعية مثل ًا أو التعارف الشرع ّي فإ ّنها تخ ُّص المسلم وحده». صيغة العقد تسأل إحدى الطالبات ،وتقول: * ما هي ألفاظ العقد ،أو بالأحرى ما هي صيغة العقد؟ ـ يجيب الس ّيد محمد بالقول« :إ ّن عقد الزواج دائم ًا كان أو مؤ ّقت ًا يخضع لألفاظ مع ّينة من الطرفين ،وبمج ّرد التل ّفظ بصيغة العقد تصبح العلاقة شرعية بينهما ،وفي العقد الدائم تقول المرأة للرجل :ز ّوجتك نفسي على مهر ومقداره كذا ،لأقرب الأجلين ،ويقول الرجل :قبلت .وفي العقد المؤ ّقت تقول المرأة: ز ّوجتك نفسي ولكن بشرط الفيقة أو الميقة على مهر ومقداره كذا ،وعلى م ّدة مقدارها كذا ،ويقول الرجل :قبلت».
الفصل الخامس 200 العقد والمسؤوليات يقف أحد الطلاب وقد استغرب سهولة العقد الذي يت ّم بهذه الألفاظ البسيطة فقال: * حسب شروحاتكم السابقة رأينا أ ّن العقد يستتبع مسؤوليات ج ّمة ،فهل بهاتين الكلمتين في العقد المؤقت يصبح الأمر شرع ّي ًا ومقبول ًا من الله؟ ـ يعود السيد للإجابة« :هاتان الكلمتان تجعلان الزواج الدائم أيض ًا شرعي ًا ومقبول ًا عند الله سبحانه وتعالى ،وكما أ ّن الدخول إلى الزواج الدائم يت ُّم بك ّل بساطة هذه الألفاظ ،والتي تستتبع مسؤوليات كبيرة و ُتبتنى عليها حقو ٌق وواجبات كثيرة ،فكذلك يكون الدخول إلى العقد المؤ ّقت سهل ًا ،ولك ّن مسؤولياته كبيرة ج ّد ًا». ينطلق صوت أحد الطلاب وبح ّدة يسأل: * وهل تتح ّملون مسؤولية ذلك أمام الله عندما تبيحون للشباب القيام بذلك؟ ـ ير ُّد الدكتور أبو زكريا قائل ًا« :أو ُّد أن أسأل الأخ السائل :بعد أن يعقد القاضي في المحكمة للزوجين عقد زواجهما ،هل يكون لاحق ًا مسؤول ًا عن ظلم الرجل لزوجته ،أو خيانة المرأة لزوجها ،أو يكون مسؤول ًا عن عدم تربيتهما لأولادهما أو قيامهما بواجباتهما الأسر ّية بشك ٍل عام؟ سأو ّفر على الطالب العزيز وأجيب :نعم نحن نتح ّمل المسؤولية كامل ًة أمام الله ،لأ ّننا لا نأتي إلا بما جاء صريح ًا وواضح ًا في شرع الله ،وأ ّما أن نكون مسؤولين عن عدم التزام الطرفين بحدود العقد والمحافظة على عهودهما ووعودهما ،وما أح َّل الله وما ح َّرم ،فهذا شيء يتح ّمل مسؤوليته الطرفان وليس أح ٌد آخر على الإطلاق.
Search
Read the Text Version
- 1
- 2
- 3
- 4
- 5
- 6
- 7
- 8
- 9
- 10
- 11
- 12
- 13
- 14
- 15
- 16
- 17
- 18
- 19
- 20
- 21
- 22
- 23
- 24
- 25
- 26
- 27
- 28
- 29
- 30
- 31
- 32
- 33
- 34
- 35
- 36
- 37
- 38
- 39
- 40
- 41
- 42
- 43
- 44
- 45
- 46
- 47
- 48
- 49
- 50
- 51
- 52
- 53
- 54
- 55
- 56
- 57
- 58
- 59
- 60
- 61
- 62
- 63
- 64
- 65
- 66
- 67
- 68
- 69
- 70
- 71
- 72
- 73
- 74
- 75
- 76
- 77
- 78
- 79
- 80
- 81
- 82
- 83
- 84
- 85
- 86
- 87
- 88
- 89
- 90
- 91
- 92
- 93
- 94
- 95
- 96
- 97
- 98
- 99
- 100
- 101
- 102
- 103
- 104
- 105
- 106
- 107
- 108
- 109
- 110
- 111
- 112
- 113
- 114
- 115
- 116
- 117
- 118
- 119
- 120
- 121
- 122
- 123
- 124
- 125
- 126
- 127
- 128
- 129
- 130
- 131
- 132
- 133
- 134
- 135
- 136
- 137
- 138
- 139
- 140
- 141
- 142
- 143
- 144
- 145
- 146
- 147
- 148
- 149
- 150
- 151
- 152
- 153
- 154
- 155
- 156
- 157
- 158
- 159
- 160
- 161
- 162
- 163
- 164
- 165
- 166
- 167
- 168
- 169
- 170
- 171
- 172
- 173
- 174
- 175
- 176
- 177
- 178
- 179
- 180
- 181
- 182
- 183
- 184
- 185
- 186
- 187
- 188
- 189
- 190
- 191
- 192
- 193
- 194
- 195
- 196
- 197
- 198
- 199
- 200
- 201
- 202
- 203
- 204
- 205
- 206
- 207
- 208
- 209
- 210
- 211
- 212
- 213
- 214
- 215
- 216
- 217
- 218
- 219
- 220
- 221
- 222
- 223
- 224
- 225
- 226
- 227
- 228
- 229
- 230
- 231
- 232
- 233
- 234
- 235
- 236
- 237
- 238