Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore كتيب روائع سترة (3)

كتيب روائع سترة (3)

Published by nebrasa006, 2023-05-03 18:47:38

Description: كتيب روائع سترة (3)

Search

Read the Text Version

‫هاناك العديد من الصافات التاي تقوي العلاقات وتجعل غصاونها مثامرة بالزهور‬ ‫والأمل‪ ،‬فالتاسامح من أجمل الصافات التي تازرع الماحبة من جاديد في قلاوب الناس‬ ‫وتاجعل الماودة تساري في عروقاهم‪.‬‬ ‫الحياة دونها مثل الجاسد بالا روح‪ ،‬ولا يمكن التخلاي عنها في أي وقات‪ ،‬لقد‬ ‫خلاق الله الإنساان لياخطئ ويتعالم من أخطائه؛ لذا لنتسامح ولنكن عند الله من‬ ‫المحسنين‪ ،‬لنكون ممن يحبهم الرحمن؛ إذ قال‪َ \" :‬فاعفّ َعنهمّ َواص َفّحّ إ ّن الل َهّ يح ُّّب‬ ‫المحسني َّن\" [المائدة‪.]13 :‬‬ ‫ولكن توجد فئة من النااس تعاتبر هذه الصفة ضعف وإهاناة؛ لأنهام لا يعرفاون‬ ‫قيماتها‪ ،‬ويشاعرون بالتعاساة والحازن في حياتاهم‪ ،‬فالحقد والضغيناة تضخ في‬ ‫شراييان قلوبهام الرمادية‪ ،‬بينما هاناك العاديد مان الاناس مان أصاحاب القلاوب‬ ‫الاوردية المالونة الاذين يتساماحون ويعاتبرون الاعاتذار إحادى أساسايات سمات‬ ‫الشخصية السوية‪ ،‬ولا تاكمل الشجاعة والامروءة إلا باه‪ ،‬إن هؤلاء ياعيشون أساعد‬ ‫لحاظات حاياتهم‪ ،‬يعايشون حيااة مالونة وماليئة بالاغصون الماثمرة التاي زّرعاوها‬ ‫فاي حاياتهم‪ .‬فالإنساان مهماا كاان قاسيّا لا بد من ومضة أمل وحب وعفو مختبئة‬ ‫بداخله‪ ،‬هي كنز ثميان‪ ،‬ويملكه الجميع‪ ،‬فلنظهره‪ ،‬والتفاخر به وبمرتبته العالية‬ ‫التي لا تعلوها صفاة أخرى‪ ،‬وعلى الإنسان أن يكون على يقين تام بأنه مهما أعطى‬ ‫من كنزه‪ ...‬يزياد‪ ،‬ولا ينقاص‪ .‬ولدنا على فطرة الإسلام‪ ،‬والإسلام دين سلام ومحبة‬ ‫وعفو وصفح‪.‬‬

‫ها أنا الآن بحبر قلمي الذي سال تعبا على الأوراق أقص لكم حكايتي‪ .‬في ذلك‬ ‫اليوم عندما غابت الشمس ظهرت عيناي الباكية راجية من أبي السماح لي بالذهاب‬ ‫مع ابنة خالتي‪ ،‬كنت جاثية على ركبتي‪ ،‬آسرة في قلبي غما‪ ،‬أحاول أن أقنع أبي‬ ‫لدرجة الصراخ‪ ،‬فجزيت بصفعة أحسست وكأن جناحي قد بتر متمزقا إربا إربا ‪ ،‬ركضت‬ ‫مسرعة إلي الغرفة‪ ،‬وجلست أفكر حتى دخلت في سبات عميق ‪ ،‬فدخلت إلى عالم‬ ‫غريب‪ ،‬في ذلك العالم رأيت أكوانا غريبة في السماء و نجوما‪ ،‬دخلت في حوار مع‬ ‫كوكب كان لديه شبه ملامح قد رأيتها من قبل‪،‬‬ ‫نظرت إليه قائلة ‪ :‬هل لي بأمنية ذابت روحي من أجلها؟‪ ،‬أجابني الكوكب‪ :‬أرى في‬ ‫عينيك أنهارا متلهفة‪ ،‬فنعم‪ ،‬ما هي أمنيتك ؟ أجبته‪ :‬جمع من القلوب وتصفية‬ ‫الأرواح بعد خلاف دام لمدة اثني عشر عاما‪ ،‬أما أنا وابنة خالتي كنا ضحية للظروف‪،‬‬ ‫لقد تعبنا لنبني هذين الجناحين ريشة بريشة‪ ،‬فانتهى بنا الأمر إلى فقدانهما‪ ،‬أجابني‬ ‫الكوكب‪ :‬يا الله من فعل هذا بجناحيك فأنت كالملاك؟ أجبته بصوتي المهتز‬ ‫الراجف‪ :‬لقد مزق جناحي بتلك الأيدي الشريفة‪ ،‬وبذلك الوجه المشرق‪ ،‬لقد كان أبي‪،‬‬ ‫الكوكب‪ :‬اعتذر‪ ،‬أنا‪ :‬دعني أخبرك كيف صفعت بأيدي أبي الحانية‪.‬‬

‫في الماضي قبل السبات‪ :‬الأب‪ :‬إنني أعلم أن هذا الحال لن يدوم إلى الأبد لكن!‪،‬‬ ‫أجبته قائلة‪ :‬لكن هذا يقتلني يا أبي من فضلك استمع إليّ ‪ ...‬وإذ باا(صفعة)‪ ،‬لقد‬ ‫شدني أبي من شعري قائلا لي‪ :‬عندما تفيض الأنهار وتتصافق الحروف لتذيب‬ ‫الكلمات‪ ،‬فيعجز الإنسان عن التعبير ويصبح الوصف عقيما‪ ،‬ففي هذه الحالة‬ ‫اصمتي؛ لأنني أعلم جيدا كيف يعاني المرء عندما يحارب قلبه‪ ،‬أجبت أبي ‪ :‬عندما‬ ‫كنت صغيرة كنت أرفض كل شيء بشدة بينما كنت أنت قبولي الوحيد‪ ،‬قاطعني‬ ‫الكوكب قائلا ‪ :‬هل أعيد كتابة النجوم لأغير حزنك المختلف؟ أجبته‪ :‬أنت مألوف‬ ‫لكنك غريب لتكون حقيقي‪ ،‬بينما كنت غارقة في دموعي صرخ الكوكب صرخة‬ ‫جعلتني أركض بعيدا‪ ،‬وكأنني أخرج من هذا العالم‪ ،‬استيقظت ودموعي تائهة على‬ ‫وسادتي الخرساء‪ ،‬لفت انتباهي ضحكات خالتي وابنة خالتي‪ ،‬ذهبت إلى الخارج فرأيت‬ ‫الأوراق النقدية المتشابكة عندما رأيت كل هذا كاد قلبي ينصهر فرحة وسعادّة حينها‬ ‫أحسست بحضن أبي من الخلف قائلا لي‪ :‬حلقي بجناحيك من جديد فأنت من جمع‬ ‫الأفئدة‪.‬‬

‫تعد الحياة العصرية مغرية‪ ،‬وفيها الكثير من المعاصي‪ ،‬وإن أغلب تفكير مجتمعنا‬ ‫قصر كبير وواسع به حديقة تغني فيها أصوات الماء المتداخلة بتغريد الطيور‪،‬‬ ‫وحشد من الخدم لتلبية أوامرهم‪ ،‬وأموال فائضة تصرف دون وعي‪ ،‬ذلك هو منظور‬ ‫البعض من الناس حول السعادة‪ ،‬يرون تاج السعادة في الأموال والماديات الفانية‪.‬‬ ‫عندما نتعمق في السعادة والأمان فلن نرى كل من ملك الأموال أصبح سعيدا‪،‬‬ ‫وليس السعيد من عاش في كنف الملوك والأثرياء‪ ،‬يغترف ما يشاء من الذهب‬ ‫والفضة والجواري‪ ،‬والخدم من حوله ينتظرون إشارة منه لتنفيذ ما يطلبه‪،‬‬ ‫فالسعادة كنز يزرع في قلب الإنسان فينبت وينمو حتى يثمر بسمةّ على وجهه‪ ،‬أما‬ ‫سعادة الأموال والثراء فهي زائلة وغانية‪ ،‬لها مدة زمنية قصيرة‪ .‬أما السعيد‬ ‫الحقيقي فهو التقي النقي الذي يبتغي رضى ربه وأهله‪ ،‬والذي لا يحمل كرهّا في‬ ‫قلبه‪ ،‬بل يحمل مشاعر جميلة ونقية تحمل الراية البيضاء وتنشر الورد‪ .‬ومن وجهة‬ ‫نظري إن السعادة تكمن في العيش البسيط الهادئ‪ ،‬فعيشي في البيت الصغير بين‬ ‫أحضان أم حنونة وأب كريم يتحول لجنة من جنان الخلد‪ ،‬وإن السعادة في العمل‬ ‫والكدح من أجل الحصول على ما أريد‪ ،‬وليس في فرض أوامري على غيري‪ ،‬وأيضاّ‬ ‫العمل يعود بالنفع لاقتصاد البلاد ورفعته‪ .‬وهناك أمثلة كثيرة في عصرنا الحالي‬ ‫والماضي‪ ،‬ولكن خير مثال على معنى السعادة الحقيقي هو نبينا الكريم ‪-‬صلى الله‬ ‫عليه وسلم‪ -‬وابنته الزهراء وزوجها ‪-‬رضي الله عنهما‪ ،-‬كانوا يعيشون في بيت‬ ‫بسيط جدا‪ ،‬وكانوا يساعدون بعضهم البعض‪،‬‬

‫فأمير المؤمنين علي ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬يساعد سيدتنا فاطمة ‪-‬رضي الله عنها‪ -‬في‬ ‫أعمالها‪ ،‬وكانت المشاعر والأحاسيس مستقرة بالفرح ونشر الأمل‪ ،‬ومن منا يستطيع‬ ‫أن ينكر السعادة التي كانا يعيشان بين أحضانها!‬ ‫وصح قول الأعرابية حين فضلت العيش البسيط وقالت‪ \":‬لبيت تخفق الأرواح‬ ‫فيه أحب إل ّي من قصر منيف‪ ،‬ولبس عباءة وتقر عيني أحب إليّ من لبس الشفوف\"‪.‬‬ ‫من يجري وراء مظاهر الحياة تبتعد عند مصادر السعادة والفرح‪ ،‬فالحياة فانية‪،‬‬ ‫والسنون تمضي‪ ،‬ويعود الإنسان لما كان عليه في السابق‪ ،‬ألا وهو التراب‪ .‬إذاّ‬ ‫الأموال والثراء الفاحش ليسا شرطاّ للسعادة‪ ،‬فكم من بيوت من النخل والحصير‬ ‫أسعدت عشرات ساكنيها وكم من قصورّ من فضة أبكت من فيها‪.‬‬

‫لم تكن الشمس قد اختفت بعد وراء الأفق حين ارتجلت من سيارتي وسرت متجهة‬ ‫نحو بوابة الدار بابتسامة عريضة مرتسمة على ثغري‪ ،‬أسير حاملة معي الورد ّوأكياس‬ ‫الهدايا كعادتي في بداية كل شهر‪ ،‬وما إن دخلت الدار حتى استقبلني مديره مع‬ ‫موظفيه خير استقبال‪ ،‬ثم توجهت مسرعة إلى القسم النسائي‪ ،‬فالشوق يكاد أن‬ ‫يفطر قلبي‪ ،‬ولكني توقفت لهنية مسترجعةّ ذاكرتي حول أحداث زيارتي الأّولى مع‬ ‫فريق التطوع حيث كنا ننتشر كانتشار النحل في بستان الزهور بينهن‪ ،‬نبادلهن‬ ‫الحديث ونستمع لقصصهن الشيقة وما يكمن في َجع َبتهن من أحاسيس ومشاعر‪،‬‬ ‫كانت تلك الرحلة بداية زياراتي على مدى السنين الماضية‪ ،‬فمن المستحيل أن أنسى‬ ‫تلك الفرحة التي غمرت بها حين رأيت ابتساماتهن العذبة ترتسم على محياهن‬ ‫بسببنا‪ ،‬ثم عاودت السير مجددا حتى وجدت نفسي في مقدمة القاعة الرئيسية‪،‬‬ ‫ألقيت عليهن التحية بصو ّت محب‪ ،‬فتعالت عبارات الترحيب والفرحة‪ ،‬استقبلوني‬ ‫كما يستقبل العطشان الملهوف لجرعة ماء‪ ،‬رأيت بهجة أرواحهن النقية تنعكس‬ ‫على سيماه وجوههن‪ ،‬وأخذن يرددن نشيدهن المعهود في كل مرة يرونني‪.‬‬ ‫رحتّأشكلّمنّمقاعدهنّدائرةّحتىّأتوسطها‪ّ،‬وأخذناّنتبادلّأطرافّالحديثّ‬ ‫لنطمئنّعلىّأحوالّبعضنا‪ّ،‬ولكنّ‪ ...‬شعرتّبرعشة‪ّ،‬خفتّأنّلاّأرىّأمينةّبينهنّ‪...‬‬ ‫إنهاّالأقربّلقلبي‪ّ،‬فهرعتّلأحدّموظفيّالدارّسائلةّعنها‪ّ،‬فردّقائلاّ‪\" :‬إنهاّفيّ‬ ‫الحديقةّالخلفية‪ّ،‬أخرجتهاّهناكّبعدّأنّطلبتّمنيّذلك\"‪ّ،‬فسكنّجأشيّواطمئنّ‬ ‫قلبي‪ .‬وقفتّعنّكثبّلأرنوّإليهاّوقلبيّيحملّشوقاّلها‪ّ،‬‬

‫كانت تستلقي تلك المرأة الحنونة تحت أيكة وافرة الظل‪ ،‬يتزين وجهها‬ ‫بالتجاعيد‪ ،‬ويكتهل خط الشيب رأسها‪ ،‬سرت نحوها بلهفةّ غريب ينشد الأوطان‪،‬‬ ‫وهتفت باسمها بصوت يرتجف كالأوتار الفضية طالبة منها أن تضمني إليها؛ فإن‬ ‫فؤادي متضرع شوقا لها‪ .‬ضمنتي كما تضم الأم ابنها بكل حب وحنان‪ ،‬ثم أخذت‬ ‫أمينة تحدثني عن أيامها بلهجة يسورها القنوط والحسرة‪ ،‬لمعت دموعها مثلما‬ ‫تلمع قطرات الندى على أطراف أوراق الريحان حين حدثتني عن مدى حبها لي‪،‬‬ ‫ورفعت يديها نحو السماء حامد ّة خالقها لأنه سبحانه سخرني لها؛ لأشاركها مراّرة‬ ‫أيامها وأزيل الهمّ عنها‪ ،‬وأعطتني سترة جميلة للغاية‪ ،‬قد قامت بحياكتها لأّجلي‪ ،‬ثم‬ ‫قالت‪\" :‬هيا بنا يا عزيزتي إلى الداخل‪ ،‬فمن المؤكد أن الجميع بانتظارك‪ ،‬إن الله أعلم‬ ‫بما تحمله قلوبنا لك\"‪.‬‬ ‫وفي دائرتنا جلسنا نتحدث عن أمورّ شتى‪ .‬ثم أجرينا بعض المسابقات المتعلقة‬ ‫بالشعراء والأدباء بينما كنا نتلذذ بألوان الطعام الشهية‪ ،‬وتعالت أصوات ضحكاتنا‬ ‫في أرجاء المكان حتى ح ّل المساء‪ ،‬وهنا يكمن حب التطوع ودوره في بلورة الإنسانية‬ ‫وإبهاج النفوس‪ ،‬حيث يجب أن نكون من السباقين إلى التطوع كلما سمحت لنا‬ ‫ظروفنا‪ ،‬لا أخفي عليكم سرا‪ ...‬كم لهذه اللحظات من تأثير عظيم على روحي‬ ‫ونفسي‪ ،‬كما أني فخورة من تمكني من تحويل طاقاتهن ومشاعرهن المكبوتة إلى‬ ‫طاقات منتجة‪ ،‬ونزع شعور النبذ والوحدة من نفوسهن‪ ،‬تفرحني كثيرا فرحتهن‬ ‫بوجودي حولهن‪ ...‬الحمد لله‪.‬‬

‫أتذكّر أو َلّ ما تعلم َته في هذه الحياة؟ أول ما حرك َّت لسانك ناطقا به؟ قد يكون نداءّ‬ ‫لماما‪ ،‬أو رجاءّ لبابا كي يلب َّي رغب َتك‪،‬‬ ‫أن َتّ لا تذكر هذه اللحظة بالتأكيد‪ ،‬ولكن تخيل ‪ ...‬كيف كان استقبالهما لهذه‬ ‫الكلمة؟ وأ ُّّي أثرّ تر َكت فيهما رغم قصرها؟ هل تستطيعّ أن تدر َكّ قو َّة ولوجها إلى‬ ‫قلبيهما؟ منذ تل َكّ الكلمة التي نطقناها جميعا‪ ،‬وكلماتنا بحار‪ ،‬قد تكون عكرّة أحيانا‬ ‫فتزيد الظمآن ظمأ‪،‬‬ ‫وأحيانا أخرى يصبح ماؤها أنقى من ك ّل الأنهاّر والآبار! قد يصيبها الجزّر تارةّ‪...‬فتغدو‬ ‫أضعف من أن تحم َّل فوق سطحها سفنا ومراكب‪ ،‬ولكن حينما يجيء الم ّد ‪ ...‬فحتى‬ ‫سع ّة الكون تتضاءل أما َمّ سعتها‪.‬‬ ‫في حادث َتي المدّ والجزر‪ ...‬تعتمّد مياهّ البحار على جاذبيةّ القمر‪ ،‬ولكنّ مدّ الكلما ّت‬ ‫وجز َرها‪ ،‬يعتمدان على جاذبيتك أنت‪ ،‬أن َّت الذي يقال عنك‪\" :‬إن شئ َتّ ح ّول َّت الخري َ ّف‬ ‫إلى ربيع\"‪ .‬فكم من قلبّ صحراؤه قاحلة‪ ،‬أرسل الله له كلم ّة على لسانّ أحد خلقه‪،‬‬ ‫فظللته وسقته كغيمة! وكم من قلبّ تلبسه الخوف‪ ،‬وطمأنته كلمة! وكم سماءّ‬ ‫تصعد بنا الكلم ّة إن جاءت ترياقا لأرواحنا! وعلى العكس‪ ،‬كم للكلم ّة من قو ّة حتى‬ ‫تدفننا أحياء! جاذبيت َّك! كلماتك! هي نقطةّ ارتكاّز كون َكّ الفسيح‪ ،‬هي ما تحر ّك‬ ‫الأشخاص نحوك‪ ،‬أو بعيدا عنك‪.‬‬ ‫فلتخترها بعنايةّ ورفق‪ ،‬ولتحسن القول‪ ،‬فمن ذا الذي يلقي بنفسه في جوفّ البئر‬ ‫وهولا يضمن قدوم سيارةّ تلتقطه وترفعه إلى السطح من جديد؟‬

‫بي َنّ أرجاءّ الحيا ّة المزدحمة‪ ،‬قد يكو ّن من الصع ّب إيجاد وقتّ كافّ للعمل‬ ‫التطوعي‪ ،‬ولكن من الناحيةّ الأخرى يمكن أن تكون فوائد التطوع مثيرّة وهائلة‪،‬‬ ‫إن العمل التطوعي يعد عملاّ مقدسّا لمساعدة المحتاجين‪ ،‬وأيضّا إن نظرنا من‬ ‫اتجاهّ آخر فسنرى فوائ َدّ عدة يمكن أن تكون كبيرةّ بالنسبة لنا كمتطوعين‪ ،‬وعلى‬ ‫سبيل المثال يمكننا من خلالّ العم ّل التطوعي الحصول على أصدقا ّء جدّد هذا ما‬ ‫يسهل عملي َةّ التواص ّل مع المجتمع‪ ،‬وتعلم مهاراتّ جديدة‪ ،‬كما أنهّ يساعدّ على‬ ‫التطويّر في حيات َّك المهني ّة والعملية‪.‬‬ ‫يمكنّ أنّ يساعد َّك العم ّل التطوعي في تكوي ّن صداقا ّت وتعل َّم مهاراتّ جديدةّ‬ ‫وتطويّر حيات َكّ المهنيةّ وحتى الشعورّ بالسعاد ّة والصحة‪.‬‬ ‫من أكثر فوائد العمل التطوعي شهرّة هو تأثيرّه على المجتمع والأفراد ّوالتواصل‬ ‫مع مجتمعك وجعلهّ أفضل‪ ،‬إ َنّ المساعدة في أصغرّ المهامّ يمكن أ ّن تحد َثّ فرقا‬ ‫حقيقيا في حياةّ الأشخاصّ والحيواناتّ والمنظماتّ المحتاجة‪ ،‬كما يساعد َكّ‬ ‫تخصي ّص وقت َّك كمتطو ّع على تكوينّ صداقا ّت جديدةّ وتوسي ّع شبكت َّك وتعزيزّ‬ ‫مهارات َّك الاجتماعية‪.‬‬ ‫إ َّن تكوين صداقاتّ جديد ّة والالتزا ّم بنشا ّط مشتركّ معا في العمل التطوعي هو‬ ‫وسيلة وفرصة رائعة للقاء أشخاصّ ذوي اهتماماتّ مشتركة‪.‬‬

‫بعض الناس منفتحو َنّ بشكلّ طبيعي‪ ،‬ولك َّن البع َضّ الآخر خجول ويواج ّه صعوب ّة‬ ‫في مقابل ّة أشخا ّص جدد‪ .‬يمنح َّك التطوعّ فرص ّة لممارس ّة مهارات َكّ الاجتماعي ّة‬ ‫وتطويرها‪ ،‬لأن َّك تجتم ّع مع مجموعةّ من الأشخا ّص الغرباء الذين لديهم اهتماماتّ‬ ‫مشترك ّة معك‪ .‬كما يساعدّ العم ّل التطوعي في مواجه ّة آثار التوتّر والغضب والقلق‪،‬‬ ‫ومحاربةّ الاكتئابّ وتحسينّ الحال ّة المزاجية عند التواصل الهادف بأشخاصّ‬ ‫محتاجين للمساعدة‪ ،‬أو العمل في منظما ّت تطوعي ّة تخت ّص بالعناي ّة بالحيواناتّ أو‬ ‫البيئ ّة وغيرها‪.‬‬ ‫إ ّن العمل التطوعي يجعل َّك أكث َرّ سعادةّ ويزيدّ من ثقت َكّ بنفسك‪ ،‬خصوصاّ عندما‬ ‫تصلّ إلى أهداف َكّ في ذل َكّ العمل‪ ،‬ويكسب َكّ الخبر َّة اللازم َةّ في مجالات‪ ،‬عديد ّة سواء‬ ‫كان ذلك في مجا ّل عملك أو في مجالاتّ أخرى‪ .‬هو عملّ مجان ّي ولا يوجد له مردود‬ ‫مادي‪ ،‬وقد ينتهي بك الأمر لإنفاق بعض المال وتعّد هذه الأسباب نتيجةّ لعزوف‬ ‫الكثيرين عن العمل التطوعي‪ ،‬لك َنّ الأج َّر والثوا َّب المترتبين على العمل التطوعي‬ ‫كبيرّ جدّا حيث يقول الله تعالى‪\" :‬فمن تطو َّع خيراّ فهو خيرّ لهّ\" [البقرة‪.]184 :‬‬ ‫لذلك إذا كان لديك بالفعل جدو ّل زمنيّ منظ ّم لعملك وحياتك‪ ،‬فابحث عن فر ّص‬ ‫التطوعّ التي لا تتطلبّ سوى بض ّع ساعا ّت من وقتك‪ ،‬أيضاّ يجب أن تتأكد من أنه‬ ‫يمكنك تغطي ّة نفقات َكّ المعيشيةّ قبل التخطيطّ للعم ّل التطوعي ّواختيار ما‬ ‫يناسبك‪.‬‬ ‫المنظماتّ الخيرية تعتمّد على متطوعين من جمي ّع مناحي الحياة لإنجاّز‬ ‫الأعمال‪ ،‬فسواءّ كن َّت متطوعا في منظمةّ صغيرّة أو جمعيةّ خيرية لا تّرهق نفس َكّ‬ ‫بالعم ّل ولا تنتقص من أهدافك كمتطوع‪ ،‬ليس من أجلك فقط ولكن من أج ّل‬ ‫الأشخاصّ الذي َّن تحاولّ مساعدتهم أيضاّ‪.‬‬

‫ح ُّّب الوط ّن هو هويتنا وفخرنا وسبيلنا إلى النهضة‪ ،‬ويرتبطّ بالروحّ والوجدان‪،‬‬ ‫فلا شيء يساويه في الدنيا أبدا‪ ،‬فما أحب َّك إلى قلبي يا وطني!‬ ‫يتجلى ح ُّبّ الوطنّ في كونه فطرّة مجبولاّ عليها كلّ إنسان‪ ،‬حي ّث تعدّ هذه‬ ‫الفطرةّ نب َ ّض قلبه‪ ،‬ودمه الذي يجري؛ فالوطنّ هو مكا ّن النشأةّ والولادةّ‪ .‬ح ُّّب‬ ‫الوط ّن هو شعوّر نابعّ عن إخلاصّ الأشخا ّص لبلادهم‪ ،‬وهو شعوّر يرتب ّط ارتباطا‬ ‫وثيقا بالوطنية‪ ،‬وح ُّّب الوط ّن يدفعّ أصحا َبه ومن يشعرون به إلى الّتغني به‬ ‫وبإنجازاته‪ ،‬حيث يبني المواطنون أوطا َنهم بالسلوكّ والأفعا ّل السليم ّة والإيجابية‪،‬‬ ‫وبالأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكّر‪ .‬الوطنّ رو ّح تسكنّ فينا ونسك ّن فيها‪ ،‬ح ُّبه‬ ‫فطرّة ألقاها اللهّ في قلوبنا‪ ،‬وواجبنا اتجاهه يكون بالمحافظة على أرضّه ومائه‬ ‫وهوائه من التلوثّ وممتلكاته العامةّ ومؤسساته من التخريب‪ ،‬وأن نق َفّ وقف َةّ عزّ‬ ‫وشمو ّخ لرايته العظيمة‪ ،‬فهذه اللحظةّ لحظةّ فخرّ واعتزاّز ومسؤولي ّة اتجا َهّ ترابه‬ ‫الطاهرّ‪.‬‬ ‫زرعّ حبّ البحري ّن في نفوسّ الأبناء تعبيرّ عمل ٌّّي عن حبّ الوط ّن‪ ،‬وتحفيزّ الأبنا ّء‬ ‫على العطاءّ وخدم ّة هذه المملكةّ تعبيّر عمل ٌّّي عن ح ّب الوطن‪ ،‬يع ُّدّ ح ُّبّ الوطنّ من‬ ‫الأموّر التي يول ّد بها الإنسان؛ إذ إنه ح ٌّبّ ناب ّع من قلبّ الإنسانّ يعبّر عنه ك ّل يو ّم‬ ‫خلا َلّ أدائه لعمله‪ ،‬كما يعبر عنه في المواقفّ الصعبةّ التي يواجهّها الوط ّن ‪.‬ويتحق ّق‬ ‫ح ُّبّ الوط ّن عندما يكو ّن أفرادّ الوطنّ كالجسدّ الواحّد الذي إذا اشتكى منه عض ّو‬ ‫تداعى له سائّر الجس ّد بالسهّر والحمى‪،‬‬

‫فعندما يكونّ ح ُّبّ الوطنّ ح ًّبا واعيا ومسؤولاّ فذلك يعني محافظ ّة الناسّ على‬ ‫منجزاتّ الوطنّ ومكتسباته‪.‬‬ ‫إ ّن التآز َّر والتكات َفّ الاجتماعيّ بي َنّ أبنا ّء الوط ّن هو التجسيدّ الحقيقيّ للح ّب‬ ‫والوفا ّء والإخلاصّ والولاءّ لسمعةّ الوطنّ وأمجاده ومنجزاته التي تح ّققت‪ .‬وما أجم َلّ‬ ‫الإنسا َنّ عندما يجع ّل من نفسه جنديا وفيا لوطنه‪ ،‬بفكره ومواهبه وإبداعاته‬ ‫وطاقاته المتفتقة بنورّ العلم‪ ،‬ويجعلّ من نهجه نهجا راسخا متأل ّقا في خدم ّة‬ ‫وتطويرّ الوطن؛ ليرتقي به إلى سماءّ المجدّ والعزةّ والكرامةّ‪.‬‬ ‫على الإنسان أن يقد َّم لوطنه كلّ ما يمكنّ تقديمه؛ ليساه َمّ في عمرانه وازدهاره‬ ‫وبنائه‪ .‬فكما أنّ الإنسا َّن لا يستطيعّ بمفرده بنا َّء بيته إلاّ بع َدّ إعداّد تصاميمه‬ ‫الهندسيةّ بأسسّ متينة‪ ،‬وخارط ّة مدروسة‪ ،‬وتأجير أيّد عامل ّة متقنةّ‪ ،‬كذلك هو‬ ‫الوطن؛ فهو البي ّت الكبيرّ الذي ينبغي على الجميع أن يتعاونوا في تنظيمه وازدهاره‬ ‫ورقيه‪ ،‬والاعتناءّ به‪.‬‬

‫في فصل الربيع‪ ،‬كانت هناك سيدة تدعى عبير‪ ،‬تعيش في منزل فخم فيه حب‬ ‫ووئام‪ ،‬وسط مدينة كبيرة‪ ،‬مكتظة بالسكان‪ .‬لديها ثلاثة أبناء‪ ،‬وأكبرهم (نسيم)‪.‬‬ ‫أثناء تناول وليمة العشاء‪ ،‬تناقشت الأم مع ابنتها نسيم عن الالتحاق معها في‬ ‫المدرسة؛ لتتعلم اللغة الإنجليزية‪ ،‬رفضت نسيم بشدة‪ ،‬وظنت في بادئ الأمر أن أمها‬ ‫تمازحها‪ ،‬ولكن في الصباح اتضح أن الأم جادة في حديثها‪ ،‬فذهبتا إلى المدرسة‬ ‫سوية‪ .‬عند دخولهما بدأ الاستغراب على الطالبات‪ ،‬ثم قالت المعلمة‪ :‬رحبن بالطالبة‬ ‫الجديدة‪ .‬فابتسمت عبير‪ ،‬ثم قالت إحدى الطالبات‪ :‬يا للعجب! إنها أم نسيم! فاحمر‬ ‫وجه نسيم‪ ،‬وبدأ الضحك والاستهزاء على وجوه الطالبات‪ ،‬وبدأن يتهامسن‪ .‬بدأ‬ ‫الدرس الأول‪ ،‬رفعت عبير يدها للمشاركة‪ ،‬ولكنها خفقت في الإجابات‪ ،‬فبدأت‬ ‫القهقهات تتردد في الصف‪ .‬عند رجوع نسيم ووالدتها إلى المنزل طلبت الأم أن تذاكر‬ ‫معها‪ ،‬ولكن نسيم رفضت قائل ّة‪ :‬عل ّي أن أذاكر جميع المواد‪ ،‬وليس مادة واحدة‪.‬‬ ‫كانت عبير تتعلم اللغة الإنجليزية بجدية‪ ،‬وتتعلم كل يوم خمس كلمات جديدة‪،‬‬ ‫فتحسنت وتطورت أكثر فأكثر‪ .‬بدأت الطالبات تقتربن من عبير في أوقات الفراغ‬ ‫شيئاّ فشيئا‪ ،‬أخذت تقرأ لهن قصصاّ هادفة تربوية‪ ،‬بدأت الدائرة تكبر رويدّا رويدا‪،‬‬ ‫حتى بدأت الغيرة على وجه نسيم وخاصة بعد أن حصلت والدتها على درجات كاملة‬ ‫بالمادة‪ ،‬كما أن أخلاء نسيم ومن ه ّن من أترابها يقتربن من أم نسيم‪ ،‬ويتعلقن بها‬ ‫كثيرّا‪.‬‬

‫ذات يوم من الأيام غابت عبير عن المدرسة‪ ،‬فبدأت الطالبات تسألن نسيم عن‬ ‫والدتها؛ لمعرفة سبب غيابها المفاجئ‪ ،‬فأجابت نسيم‪ :‬إن أمي مريضة جدا‪ّ ،‬ولا تقوى‬ ‫على الحراك‪ ،‬ولن تتمكن من الحضور للمدرسة‪ .‬فبدأ الحزن الشديد‪ ،‬والاستياء باّد على‬ ‫وجوههن‪ .‬وفي اليوم التالي حضرت الطالبات منزل نسيم؛ يتحمدن السلامة لوالدتها‬ ‫حاملات معهن الهدايا والورود ورسائل كثيرة تعبيرّا عن حبهن واشتياقهن لها‪ .‬ومن‬ ‫هذه البرهة بدأت نسيم تعجب بأمها‪ ،‬وتفتخر بها‪ .‬بدأت نسيم الدراسة المنزلية مع‬ ‫أمها؛ كي تشرح لها الدروس الفائتة‪ ،‬وكلها فخر واعتزاز بالأم المكافحة‪.‬‬ ‫وأدركت نسيم حينها أن العلم لا يتوقف على عمر معين‪ ،‬ولتكن قوة العزيمة‬ ‫والإرادة طريقّا لتحقيق أحلامنا وأهدافنا؛ لنعتلي سلم النجاح‪ ،‬ففي الغرفة يقول‬ ‫السقف بعلوه وارتفاعه‪\" :‬الطموح عالّ\"‪ ،‬وتقول النافذة بينما يسطع نور الشمس‬ ‫ونور القمر من خلالها كل يوم وليلة‪\" :‬تأمل الغد\"‪ ،‬وتقول الساعة بعقاربها التي لا‬ ‫تبرح تدق‪\" :‬الوقت ثمين\"‪ ،‬ويقول الباب الشامخ‪ :‬ادفع بقوة‪ ،‬وتقول المرآة الّتي‬ ‫تعكس الدنيا وما فيها‪\" :‬ابدأ من نفسك\"‪.‬‬

‫أستغرب من أمر البشر هذه الأيام؛ كم هم أناس سطحيون! دائمو التذمر من الحياة‬ ‫والعالم وأقرانهم البشر‪ .‬إن أغلبهم يتمثلون في تلك الشخصية السلبية التي ترتدي‬ ‫رداء التوتر والقلق والهموم‪ .‬يتناسون أن الخالق الذي أوجدهم لم يوجدهم عبثّا ولا‬ ‫كي يعذبهم! كنت في فترة من فترات حياتي أرتدي هذا الرداء‪ ،‬وكان مناسبا جدا‬ ‫يليق بي‪ ،‬كنت دائمة التذمر‪ ،‬لماذا الدراسة صعبة؟ والملل يعم الأجواء؟ ولا يوجد من‬ ‫أحادثه؟ ولماذا الجميع مشغولون لا يتحدثون معي؟ والكثير من هذا التذمر الذي لا‬ ‫نهاية له دون حمدّ للرحمن‪ .‬بعد قليلّ من التوجس إلى همسات الحياة خلعت ذلك‬ ‫الرداء بكل أريحية‪ .‬أصبحت العكس تماما أصبحت الشخصية المتزنة الإيجابية‪.‬‬ ‫ياّبنيّالبشرّلماذاّتبذلونّعناءّالتذمرّفيّساعاتّطوالّيمكنكمّخلالهاّإنجازّكلّ‬ ‫ماّتذمرتمّمنه؟ّلماذاّلاّتتفكرونّفيّأنّالرحمنّلاّيكلفّنفساّإلاّوسعها‪ّ،‬وهوّالذيّ‬ ‫يبتليكم؛ّلأنهّيعلمّأنكمّقادرون! إنّاللهّحليمّورؤوفّلمّيخلقكمّكيّتتذمروا‪ّ،‬‬ ‫ولكنّكيّتتعلموا‪ .‬ولمّنو َجدّفيّهذهّالحياةّالدنياّكيّنبكيّونولولّفيّكلّدقيقة‬ ‫وعلىّأتفهّالأسباب‪ .‬ابتسمواّوليب َقّالأملّفيّدروبّنجاحكم‪ .‬كونواّتلكّالذاتّ‬ ‫الإيجابيةّالتيّلاّتمدّللسلبيةّبصلة‪ .‬ولتكنّقناعتكمّالأولىّأنكمّقادرونّعلىّ‬ ‫تحقيقّالمستحيل‪ّ،‬وّاللهّوليكمّالأولّوالأخير‪.‬‬

‫جميعنا نعرف ما هو الغضب‪ ،‬وكلنا شعرنا به سابقا‪ ،‬سوا ّء كان ذلك مجرد شعور عابر‬ ‫بالانزعاج‪ ،‬أو موجة عارمة من الغيظ والحنق‪ .‬الغضب في الحقيقة شعور إنساني‬ ‫طبيعي‪ ،‬بل وصحي أيضا‪ .‬لكن حينما يخرج عن السيطرة ويتحول إلى مشاعر مدمرة‪،‬‬ ‫فقد يقود إلى مشاكل عديدة‪ ،‬سواءّ على الصعيد المهني أو على الصعيد الشخصي‪،‬‬ ‫وعليه فإنه قد يؤثر على جودة الحياة بشكل عام‪ ،‬مما يجعلك تح ّس أنك تحت رحمة‬ ‫مشاعر قوية لا يمكن التنبؤ بها‪.‬‬ ‫كما أن الغضب هو حالة عاطفية يمر بها الإنسان من انزعاج والغيرة والحسد‪،‬‬ ‫وكذلك قد تكون بسبب الهرمونات التي ينتجها جسم الإنسان‪.‬‬ ‫قد تظهر مشاعر الغضب بفعل عوامل داخلية أو خارجية؛ فقد تشعر بالغضب تجاه‬ ‫شخص معين (زميل في العمل أو صديق مثلاّ)‪ ،‬أو تجاه حدث ما (أزمة خانقة في‬ ‫الطريق أو إلغاء رحلة جوية)‪ ،‬كما قد يأتي الغضب نتيجة لعوامل داخلية كالقلق‬ ‫المستمر حول المشاكل الشخصية أو الذكريات المؤلمة أو صدمات الماضي‪.‬‬ ‫كما يؤدي الغضب إلى قول وعمل أشياء غير إرادية‪ ،‬مما يؤدي إلى الخصومة بين‬ ‫الناس والوقوع في المشاكل‪ ،‬ولتجنب الوقوع فيه يجب على الشخص تهدئة نفسه‬ ‫مثل النظر إلى السقف أو العد من الواحد إلى العشرة وعمل اليوغا‪.‬‬

‫ليس بالضرورة أن أودع قلباّ ليكون الوداع مؤلما‪ ،‬وليس بالضرورة أن أودع ذكريات‬ ‫ليكون الوداع سعيداّ بل أودع أشياء كثيرة قد تكون لا تعنيني في المجمل أو لم‬ ‫تكن ملكا لي منذ البداية‪ ،‬لكني أودع حلماّ قد أخطأت في رسم ملامحه‪ ،‬وأودع في‬ ‫هذه اللحظة طريقّا أصريت على عبوره‪ ،‬ولكن في نهاية هذا الطريق لم أجد شيئاّ‬ ‫يذكر‪ ،‬أو قد أودع عادة من لا أرغب في توديعه؛ لأنني لستّ مجبرة على تحمل أحد أو‬ ‫تحمل شعور فالذوق كالحرية‪ ..‬لا يتعدى على الآخرين ولا يعتدي عليك‪ .‬تعلمت أن‬ ‫كل انكسار يصنع منك شخصّا أفضل إن صبرت‪ ،‬وكل ألم ينبت لك قلبّا أخرا إن‬ ‫فهمت‪ ،‬وكل سعادة تقضم من وقتك بسرعة إن سهوت‪ ،‬وكل تجربة تخبئ لك فضلّا‬ ‫إن وثقت قليلا‪،‬‬ ‫والكثير من الحب قد يعني الكثير من الانكسار‪ ،‬كلاهما يعتمدان على الكثير من‬ ‫الحظ والكثير من العقل فلست وحدك من يتألم في هذه الحياة؛ فلا تستصغر آلام‬ ‫الناس‪ ،‬ولا تظننّ ولو لوهلة على أنك قادر على تجاوزها‪ ،‬فكلنا متجاوزون‪ ،‬ووّحده‬ ‫الحب من يصنع المعجزات‪ ،‬فلا تفقد الأمل ولو للحظه‪ ،‬تعلم أن الإحساس والمشاعر‬ ‫تأتي من القلب‪ ،‬ومعه يأتي الحب والاهتمام‪ ،‬ورعاية وهذه الأشياء مهمة على‬ ‫الإنسان قبل أن يقرر بأن يحصل على شريك أو صديق؛ فليس من السهل أن تأخذ قلبا‬ ‫وتكسر آخر بسهولة‪ ،‬فكسر القلب ألم لا يداويه إلا الصمت والكتمان‪ ،‬فسلاّم على‬ ‫قلبي حين يحن ويشتاق‪ ،‬فيصبح قلبي مؤلما حين يستمر في الاشتياق‪ ،‬رغم انتهاء‬ ‫القصة فالاشتياق من القلب حكاية لا يمكن شرحها في سطور قليلة‪.‬‬

‫غالبية الناس في هذا العالم يعتقدون بأن قيمة المرء تزداد كلما كثر ما يملكه‪،‬‬ ‫ولكن قيمة المرء الحقيقية لا تقدر بما يملك أو يحسب بأنه يملك‪ ،‬بل تزداد بما‬ ‫أنتجته قريحته أو صنعته يداه‪.‬‬ ‫إن المرء لا يقدر إلا إذا رأينا منه الأعمال الجيدة والتطور الملحوظ وتعبه الذّي‬ ‫بذله في سبيل تحقيق الشيء الذي يستحق التقدير بفضله‪ .‬كذلك يكون في العمل‬ ‫فإن بعض الأشخاص يذهبون إلى العمل دون فائدة؛ لأنهم لا يعملون ما يطلب منهم‬ ‫وكأنهم أتوا فقط لجني المال كجني الثمار الفاسدة التي تأتي من غير تعب ومشقة‪،‬‬ ‫وفي الأخير نراهم يريدون من الناس أن يقدروهم‪ ،‬ولكنهم لا يستحقون التقدير‪،‬‬ ‫بعكس الإنسان المخلص في عمله الذي يحصل على المال من عرق جبينه وكثرة‬ ‫إتقانه وإخلاصه في العمل‪ ،‬فهو من يستحق التقدير والاحترام والثناء على ما‬ ‫يقدمه‪ .‬وكذلك بين الفقير والغني‪ ،‬فالغني يقوم الناس بتقديره فقط لأنه يملك‬ ‫المال‪ ،‬مهما كانت أخلاقه‪ ،‬فإنهم لا يبالون‪ ،‬في منظورهم أن من يستحق تقدير‬ ‫قيمته هو فقط من يملك المال‪ .‬بعكس الفقير رغم أخلاقه الحسنة وصفاته بين‬ ‫المجتمع وعمله المتواضع‪ ،‬فإن الناس لا تقدر قيمته ولا تمنحه اهتمام؛ لأنه لا‬ ‫يملك مالاّ ليشتري تقدير لقيمته مثل الغني‪.‬‬

‫قال الله سبحانه وتعالى‪َ ﴿ :‬وق ّل ٱع َملواّ َف َس َي َرى ٱللهّ َع َملَكّم َو َرسولهۥّ َوٱلمؤمنو َنّ‬ ‫َو َست َر ُّدو َنّ إل ىىّ ىَعلمّ ٱل َغيبّ َوٱلش ىَه َد ّة َفينَبئّكم ب َما كنتم َتع َملو َنّ﴾‪.‬‬ ‫والاحترام والتقدير وجهان لعملة واحدة‪ ،‬حيث أن احترام الآخرين ومنحهم قدرهم‬ ‫المناسب‪ ،‬يساعد في بناء علاقات إنسانية سليمة وقوية‪.‬‬ ‫وفي الختام فإنه يجب على كل إنسان تقدير قيمة المرء الحقيقية مهما كانت‬ ‫صفاته وأخلاقه‪ ،‬سواء كان فقيرا أو غنيا‪ ،‬ولا يمكننا تقدير قيمة المرء الحقيقية‬ ‫بما يمل ّك الشخص أو يحسب أنه يملك‪ ،‬بل بما أنت َجته َقريحته أو صن َعته يداه‪.‬‬

‫ال َت َعاو ّن من الص َفاتّ ال َجميلة‪ ،‬التي ت َكونّ الأل َف َّة ّوال َم َو َد َةّ بين قلوبّ الناس وت َعززّ‬ ‫الشراك َّة َبينَهم‪ ،‬وهي م َنّ الصفا ّت التي َت َحلى بها َنب َينَّا م َح َمدّ ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬ ‫وكذلك َح َثنا الإسلا ّم عليها‪.‬‬ ‫إن التعاو َنّ هو من يكشفّ ل َكّ صد َّق العلاقةّ مع َصديقك‪ ،‬ومدى حّبهّ وإخلاص ّه لك‪،‬‬ ‫وليس فقط الصديق‪ ،‬بل َيكشفّ لك حقيق َّة الناس من حولك‪ ،‬كما أ ّن له فوائدّ‬ ‫َعدي َدةّ تساه ّم في رقيّ المجتمع وتطوره‪ ،‬غير أن لولا التعاو ّن لكانت حياتنا ينق َصها‬ ‫شيئا من النظامّ والترتيب‪ ،‬وسيقتصرّ العم ّل على َشخ ّص م َّع َي ّن‪ .‬ومن دونّ العملّ‬ ‫التعاوني لن تستطي َّع َتيسي َرّ أمورّ العمل‪ ،‬فطالما النَحلَ ّة الواح َدةّ لا تجني ال َع َسل‪،‬‬ ‫فال َيدّ الواحدةّ لا ت َصفق‪.‬‬ ‫وكانتّهذهّالصفةّمنّأساساتّالدينّالإسلاميّوركائزهّالتيّتساهمّعلىّ َع َد ّم‬ ‫الت َفككّ َبي َنّالناس‪ّ،‬و َغرسّمفاهيمّالتعاونّوالتكافل‪ّ،‬وهذاّلاّ َيكو ّنّإلاّعنّطريقّ‬ ‫التراحمّوالتعاطفّبينّالمسلمين‪ّ،‬وقدّجاءتّشواهدّكثيرةّم َنّالقرآنّالكريمّ‬ ‫والسنَةّالنبويةّت َبينّذلك‪،‬‬ ‫منهاّقولّاللهّتعالى‪َ { :‬و َت َعا َونواّ َعلَىّالبرّ َوالتق َو ىّى َو َلاّ َت َعا َّونواّ َعلَىّالإثمّ َوالعد َوانّ}‪ّّ،‬‬ ‫وقالّالنبيّصلىّاللهّعليهّوسلم‪َ \" :‬منّلاّ َير َحمّالنا َس‪ّ،‬لاّ َير َحمهّاللهّ\"‪ّ،‬للتعاونّأثرّ‬ ‫كبيرّعلىّحياتناّوّمجتمعنا‪ّ،‬وبهّنسمواّوّنرتقي‪ّ،‬‬

‫ولولا التعاو ّن لضاع المجتمع وضاع ديننا‪ ،‬فاجتما ّع السواعدّ يبني الوطن‪ ،‬واجتما ّع‬ ‫القلو ّب ي َخف ّف الم َحن ‪.‬وقال شاعرنا أحمد شوقي‪\" :‬إن التعاو َّن قو ّة علوي ّة‪ ،‬تبني‬ ‫الرجا َّل وتبدع الأشيا َءّ\"‪ .‬وكذلك قال لنا المهاتما غاندي‪\" :‬عدم التعاون مع الشر واجب‬ ‫لا يقلل أهمية التعاون مع الخير)‪.‬‬ ‫اشتهرت دلمون قديما بتعاون أهلها‪ ،‬وما زال التعاون موجودا‪ ،‬وأصل ّه التوحي ّد‪.‬‬ ‫فنصيح ّة مني كونوا متعاونين‪ ،‬وحافظوا على سماتّ وأخلاقّ َنبيّك ّم وعقيد ّة دينكم‪،‬‬ ‫ولا َتنسوا أن التعاو َنّ يعني تحقيق المزيد م َّن النَجاحّ في وق ّت أسرع‪ ،‬ول َيكنّ ش َعار َنا‪:‬‬ ‫\"يدا بيد نبني وطنا‪ ،‬نحيي أمة‪َ ،‬نز َرعّ أ َملا‪ ،‬نعلي همةّ\"‪.‬‬

‫استمرت نظراتها بالانفلات بعيداّ على محل الأنظار‪ ،‬تراقب حينها الهلال ونجوم‬ ‫السماء المتفرقة‪ ،‬لوهلة أحست بحطام بذلك القرص الأبيض الذي كان يوماّ يتوسط‬ ‫غشاء العتمة مهيمنا‪ ،‬تحط َّم فتناثرت لتمسي رقائق جليدية فقدت مج َمّعها لكن لم‬ ‫تفقد المعد َّن‪ .‬رفعت كفها للحظة كما لو كانت تلتمس من تلك النقاط البيضاء‬ ‫الضحلة نزيلّا يهوى ليستقر على راحة يدها‪ ،‬ابتسمت لبعض الثواني‪ ،‬كانت تعلم أنه‬ ‫لن يدرك مطلبا‪.‬‬ ‫أدارت عينيها نحو الفتيات قربها واللاتي اتخذن شكل دائرةّ مجوفة لمجلسهن‪،‬‬ ‫كانت إحداهن تتحدث بينما يتبع كلامها بقهقهاتّ صاخبة من الأخريات ‪ ...‬صاخبة‬ ‫تقاطع تأمل ستائر العتمة وحملها الأقدم‪ ،‬لكنها لم تسمعها ‪ ...‬لم تسمع الفتاة ولا‬ ‫الضحكات التي تتوافد بعد كلماتها‪ ،‬كانت جزءّا من تلك الدائرة‪ ،‬لكنها شعرت أنها‬ ‫كانت مستبعدةّ عنها‪ ،‬سألت نفسها أكان أحدهم ليشعر لو أنها هجرت هذا القرص كما‬ ‫هجرت النجوم موطنها؟ لربما لم تكن بقايا كسير‪ ،‬كانت فقط حالمة‪ ،‬ركنت حدقتيها‬ ‫نحو الأرض بتعابير مبهمة قبل أن تعيد مرساها لأروقة الفضاء‪.‬‬ ‫مرت الغيوم الجائرة مداهم ّة صفاء السماء وتلك النقط البيضاء‪ ،‬نظرت إليها‬ ‫طويلاّ كأنها تعاتب تلك السحب لعلها تملك حيا ّء فتعلن كما قدمت رحيلها‪ ،‬مهما‬ ‫فعلت تلك النجوم ‪ ...‬كانت فقط ضوءا نحيلاّ مهزوما‪ ،‬موطن قوتها لم يكن هنا ولن‬ ‫يكون‪.‬‬

‫عشت حياة طبيعية بين أمّ وأبّ حنونين‪ ،‬كنت طفلة مدللة‪ ،‬أحصل على ما أريد‬ ‫دون تعب أو عناء‪ ،‬فلا يرفض لي طلب أبدا‪ .‬عشت كما الأميرات‪ ،‬حياة يتمناها‬ ‫الكثيرون‪ ،‬فكنت محط أنظار الناس وموقع حسدهم‪ .‬ولكن حادثة ما قلبت الموازين‪،‬‬ ‫وصقلت شخصيتي وأعطتني الكثير من الثقة بنفسي والإيمان بالله‪.‬‬ ‫فتحت الباب بعد أن سمعت أنه يدق بشدة وكأن شيء حدث‪ ،‬ولكن لم أعر‬ ‫الموضوع أي اهتمام‪ ،‬ولكني استغربت من الطارق فقد كان شخصت يرتدي لباسا‬ ‫طبيا‪ ،‬ووراءه سيارة إسعاف‪ .‬بدأ قلبي يدق بسرعة وناديت أمي لنصعق بخبر وفاة‬ ‫والدي إثر حريق حدث في المبنى الذي يعمل فيه‪ .‬وقفت في صمت وعيناي تكادان‬ ‫أن تخرجا من مكانهما‪ ،‬والدموع تنهمر مرهفة من عيني‪ ،‬وأما أمي فغطت وجهها‬ ‫وأسرعت إلى الداخل تبكي وتنوح‪ .‬ثم أغلقت الباب ودخلت ورجلاي لا تكادان‬ ‫تحملاني‪ ،‬فيا ضيق صدري في تلك اللحظة ويا عجبي مما حدث بعد ذلك!‬ ‫بعد إقامة العزاء والانتهاء من مراسم الدفن فوجئت بخبر آخر يزيد الجرح عمقا‪،‬‬ ‫وهو دخول أمي المستشفى إثر ما رأت‪ ،‬فهي ذات قلب رقيق مرهف بالمشاعر ولا‬ ‫يحتمل الحزن‪ ،‬ولكن الحياة لا ترحم‪ ،‬فانطلقت إلى المستشفى وفي داخلي ألف سؤال‪،‬‬ ‫وما قطع تفكيري إلا منظر أمي وهي ملقاة على سرير في غيبوبة‪ ،‬ولا يعرف أحد إن‬ ‫كانت ستستيقظ أم لا‪.‬‬ ‫عدت إلى المنزل وحيدة وكأن الدنيا انغلقت في وجهي‪ ،‬ولم يبقّ لي أحد‪ .‬فأصبح‬ ‫المنزل باردا لا دفء فيه ولا مؤنس ولا رفيق‪ .‬وأما الآن فهناك مشكلة أخرى وهي‬

‫كيف أني ابنة الخامسة عشر ربيعا سأتحمل مسؤولية منزل بجميع مسؤولياته!‬ ‫ومصاريف أمي التي نقلت إلى المنزل بعد أن رفض الأطباء بقاءها في المشفى‬ ‫ونصحوا بإزالة أجهزة التنفس عنها! ولكني رفضت وبشدة فلم يمر شهر عن وفاة‬ ‫والدي ولست مستعدة لأن أخسر أمي‪ ،‬كما لن أقبل أن أكون السبب في موتها‪ ،‬أولا‬ ‫يكفي أني رأيت من ضيم الدنيا ما لا يناسب عمري! وتجرعت من كأس المرارة ما لا‬ ‫يتحمله من هم في عمري! كما وجب أن أحصل على عمل أعيل به نفسي وأمي‪.‬‬ ‫بحثت ولم أجد من يقبل توظيفي؛ فأنا في الخامسة عشر من عمري ولا خبرة‬ ‫لدي‪ ،‬فسألت أقاربي عن أي مكان يمكنني العمل به‪ ،‬ولكنهم اكتفوا بقول إنهم‬ ‫سيرسلون المال لي متى طلبت ذلك‪ ،‬شعرت بإحراج شديد؛ فغروري وكبريائي وعزة‬ ‫نفسي لم تسمح لي‪ ،‬رفضت عرضهم‪ ،‬وقررت بدء مشروعي الخاص في البرمجة؛‬ ‫فلطالما كنت شغوفة بذلك‪ ،‬ولربما يفتح لي أبواب رزق غير متوقعة‪ ،‬فلا شيء‬ ‫أخسره‪ ،‬فأموال والدي ستنفذ إن بقينا على هذا الحال‪.‬‬ ‫وبدأت في تقديم المساعدة إلى من يحتاجها‪ ،‬فكنت أؤدي الوظائف البسيطة‬ ‫ككتابة الخوارزميات وتنظيم الجداول والمساعدة في بعض المهام الأخرى‪ ،‬ولقد كان‬ ‫ذلك ممتعا‪ ،‬ولكن كان علي كسب المزيد من المال إن كنت أريد المحافظة على‬ ‫مكانتنا الاجتماعية وأسلوب حياتي القديم‪ ،‬لذا كان عل ّي تعلم المزيد من المهارات‪،‬‬ ‫بدأت التعلم وأصبحت محترفة في عملي‪ ،‬وجنيت الكثير من المال‪ .‬وأما أمي‬ ‫فاستيقظت وبدأت في تعلم المشي في مركز إعادة التأهيل‪.‬‬ ‫لم أظن يوما بأن حياتي ستصبح هكذا وأنني سأفتح لي عملي الخاص وأوظف‬ ‫من هم أكبر سنا مني‪ ،‬ولم أتوقع بأن رحيل والدي سيكون له هذا التأثير الكبير في‬ ‫حياتنا‪ ،‬ما زلنا لم نتخط هذه المرحلة‪ ،‬ولكننا نعمل على ذلك‪ ،‬فسبحان الله فعندما‬ ‫كنت في أسوء حالاتي أخذني إلى أماكن لم أتوقع أنني سأزورها يوما‪ ،‬فالشكر للرحمن‬ ‫الرحيم على فضله ورحمته ورزقه الذي أتاني من حيث لم أحتسب‪.‬‬

‫أبدع الله فيما خلق‪ ،‬حيث تتجلى مظاهر الجمال في أبسط الأشياء من حولنا‪ ،‬لهذا‬ ‫أمر الإنسان أن يتفكر ويتأمل في كل شيء؛ ليجد الخالق فيما خلق‪ ،‬ذهبت مرة في‬ ‫رحلة مع الأصدقاء‪ ،‬رأيت فيها الكون الفتان كما لم أره يوما من قبل‪.‬‬ ‫تسدل الشمس عن أستارها؛ لتلون السماء بمنظر فتان‪ ،‬ينعكس على مياه البحر‬ ‫الصافية لتتلون الأرض والسماء‪ ،‬وتودع الشمس‪ ،‬فترتدي السماء لباس الليل الذي‬ ‫يضفي الحزن لمن يراه‪ ،‬لكنه يروق لي؛ ففيه جمال خاص لا يفهمه الكثيرون‪ ،‬فهو لا‬ ‫يرى بالعين بل يحس بالقلب‪ ،‬فيكمن فيه الصمت وحكايات الشوق التي تنسج من‬ ‫خيوطه الشفق الملونة‪ ،‬وأما الليل فهو روضة الفكر وبحر عميق تسبح فيه الأفكار‬ ‫فيعانق القمر في عرس تحضره النجوم ويشهده الناس من بعد في منظر يخطف‬ ‫الأنظار‪ ،‬فيطغى السكون علينا ويغطينا بعتمته الحنونة فتزورني أفكار وّخيالات‪.‬‬ ‫أما البحر فهو من يشكو الإنسان له جفاء الدهر وخصام الزمن‪ ،‬ويقول له بأنه لم‬ ‫يعد يعرف في الحياة مكانا‪ ،‬فيفرغ من به كرب كربه ويغسل القلوب بماء يغسل الهم‬ ‫والحقد والحسد‪ ،‬ويرجع القلب نقيا طاهرا‪.‬‬ ‫ولا يكمل المنظر دون أصدقاء يتسامرون ويمرحون قرب الشاطئ فتسمع‪\" :‬أبدع‬ ‫الله فيما خلق\"‪ ،‬كما أنه لا يكتمل دون أصدقاء تشارك معهم مشاعرك و أحاسيسك‪،‬‬ ‫فتح َّت ذلك اللون الأسود يحلو السمر‪ ،‬ومع النجوم تبتسم الوجوه وتتأجج المشاعر‪.‬‬ ‫فيكتمل الكون بلباس تجلت به مظاهر الإبداع‪ ،‬على الإنسان أن يتفكر في خلق‬ ‫الخالق المصور؛ ليرى الله فيما خلق‪.‬‬

‫اللغة العربية أكثر اللغات شرفا وفخرا‪ ،‬وكيف لا وهي لغة تكفل الله بحفظها إلى‬ ‫يوم القيامة‪ .‬ولكن الشباب اليوم أصبحوا يخفون جمالها ولا يعطونها حقها في‬ ‫الكلام‪ ،‬وبرروا ذلك بقولهم إنها ليست لغة المثقفين ولا المتطورين‪ .‬وأصبحوا‬ ‫يتحدثون الإنجليزية ولغات أخرى‪.‬‬ ‫\"إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد\" عبارة تبين مكانة لغة‬ ‫العرب بين اللغات وكيف أنها عروس اللغات وسيدتها؛ فهي شريان الحضارة النابض‪.‬‬ ‫بليغة وفصيحة‪ ،‬كتب بها ميثاق الله وكتابه المحفوظ‪ ،‬فتجلى فيها جمال لغة‬ ‫الضاد وبلغ من الحكمة والبلاغة ما لم يصل إليه أحد قط‪ ،‬هي لغة المعجزات التي‬ ‫عجز الناس عن مضاهاتها‪ ،‬فكيف للغاتهم أن تضاهي ّك جمالا! فيها مفردات لكل حال‬ ‫وكل شعور‪ ،‬تستطيع التعبير عن نفسك بما شئت من كلماتها‪ ،‬ووصف ما رأيت‬ ‫وشاهدت بمفرداتها‪ ،‬فهي البهية الغنية التي لا تبخل عليك بكلماتها وقت ما عجز‬ ‫غيرها عن الوصول إلى مقامها‪ .‬لغة حباها الله حرفا خالدا فتوضعت عبقا على الأّكوان‬ ‫وتلألأت بالضاد تشمخ عزة وتسيل شهدا في فم الأزمان‪.‬‬ ‫حضارات القوم التي انقضت وبقت لغتهم تاريخ وحضارة محفوظة‪ ،‬فبعلمهم‬ ‫الذي ملأ الدنيا نورا‪ ،‬فتح آفاقا لغيرهم من الشعوب‪ ،‬فترجموا كتبها وعلومها و‬ ‫نسبوها إلى أنفسهم‪ ،‬فأول المستكشفين والباحثين والعلماء والفلاسفة والشعراء‬ ‫والأطباء هم من أبناء العرب‪،‬‬

‫فكتبوا علومهم وسطروها بفخرهم وشرفهم‪ ،‬لغتهم الباقية التي لن تفنى لما لها‬ ‫من أثر على باقي الحضارات والشعوب‪ ،‬فهي و بأبنائها أصبحت السراج المنير في‬ ‫غياهب ليل الجهل‪ ،‬حقيقة لا ب ّد من ذكرها ألا وهي أنّ الغرب تأدبوا على يد العرب‬ ‫والمسلمين‪ ،‬وردوا الجميل بالسيف وسرقة الكتب وانتحالها‪.‬‬ ‫على العربي أن يفخر بأصله وبلغته‪ ،‬وألا يفرط في لغة القرآن‪ ،‬فهي التي تغزل‬ ‫الشعراء بها وتغنوا وحفوا بمفاخرها‪ ،‬فليت الشباب يعلمون قوتها وأثرها‪ ،‬فكل‬ ‫لغات العالم تتأثر وتبقى العربية لغة أصيلة وعريقة‪.‬‬

‫يتوسط تلك الأحياء الفقيرة منزل رسم عليه الزمان تحفة فنية من الشقوق‪ ،‬يخال‬ ‫لمن يراه أنه مهجور إذا لم تسمع صوت تلك العجوز المبحوح التي اتخذت من ذلك‬ ‫الكوخ البسيط مسكنا لها‪ ،‬غريب أمرها‪...‬فلا بعل لها ولا أولاد! تركها الجميع تواجه‬ ‫عاصفة الزمان‪ .‬وها هي مذكراتها تحكي قصتها‪.‬‬ ‫تستيقظ قبل طلوع الشمس‪ ،‬تتوضأ فتصلى‪ ،‬وبحركاتها البطيئة تراها تتوجه‬ ‫نحو ذلك المنزل‪ ،‬فتزينه بتلك الزهور المقطوفة من حديقتها‪ ،‬ثم تقرأ من القرآن ما‬ ‫تيسر لها إلى شروق الشمس‪ .‬بخطواتها الهادئة تتوجه نحو ذلك الكوخ لتفتح‬ ‫الستائر معلنة عن يوم جديد‪ ،‬تصنع ما تيسر لها من الطعام وعادة ما يكون بيض‬ ‫أحد دجاجاتها الثلاث‪ ،‬ثم تتوجه لمشتلها تعتني بالأزهار والخضروات التي قد لا‬ ‫تكفي لقوت يومها حتى‪ ،‬فلا من معين يساعدها‪ ،‬يراها الجميع هادئة وبسيطة‪،‬‬ ‫ولكن ما يجول بها من ألم لا يعلمه إلا الله‪ ،‬فمع أنها تكتب على الورق أشجانها‬ ‫وأحزانها ولكن ما كان يجول بداخلها من ألم لا يوصف بالكلمات‪ ،‬فابتسامتها تغطي‬ ‫ما بداخلها من أسى‪ ،‬تبكي بين الدجى على ما آل إليه حالها‪ ،‬وحيدة بين ثنايا الغرف‬ ‫تنتحب بحرقة على فقدها لأولادها و زوجها‪ ،‬فمن كانوا يشاركونها وحدتها رحل ّوا‪،‬‬ ‫فبهتت الألوان وصارت تكتب بين السطور شعرا يؤلم الجماد قبل الأحياء حيث‬ ‫تقول‪\" :‬رحل أحبابي وما الدور بعدهم وإن شمخ البنيان إلا مقابر‪ ،‬لم يب َّق لي في الدنيا‬ ‫مؤنس؛ فصرت أواسى نفسي بذكراهم‪ ،‬فقد أخذت مني القبور أحبتي و أفردني من‬ ‫كنت فيهم أكاثر‪ ،‬فصرت أهذي و أقول لنفسي أنا بين الضفائر‪ ،‬هلا رأيت كيف‬ ‫الأنس والراحة إلا في الحفائر‪ .‬تتمنى رؤياهم‪ ،‬تنام بعد أن تتجرع من ألم حبهم‪ ،‬ثم‬ ‫تصبح بابتسامة وتقابل أهل القرية بالأحضان‪ ،‬وبالرغم من فقرها إلا وأنها كريمة‪.‬‬

‫انتشر القحط عندهم‪ ..‬وفقد الجميع أملهم في أنّ ترتوي أرضهم ماعدا (سجى)‪،‬‬ ‫فبأملها تعيش وبالتفاؤل تروي روحها‪ ،‬فحتى بعد فقدان الجميع أملهم في أنّ تزهر‬ ‫الأرض مرّة أخرى‪...‬هي مؤمنة إيمانا تاما بأن لحظات الانتظار ما هي إلا اختبار‪،‬‬ ‫والقادم ما هو إلا بها ّء سينسيهم كل ما عانوه‪.‬‬ ‫هي تعمل ليلاّ ونهارا بكل جهد واجتهاد‪ ،‬حرثت الأرض وبذرتها وظلت متفائلة بأن‬ ‫المطر لا بد أن يهطل قريبا‪ ،‬وأن يقينها لن يخيب‪ ،‬وأن الأرض ستتحول إلى رياضّ‪.‬‬ ‫وفي يوم‪ ..‬استيقظ أهل القرية على صوت الغيث الساحر‪ ،‬كانت مفاجئة لهم‪ ،‬سّقيت‬ ‫الأرض‪ ،‬واخضرت الفيحاء‪ ،‬وتزينت بأحلى الورود‪ ،‬ونبتت الثمار والأزهار مرّة أخرى‪،‬‬ ‫وأصبح المكان كروضة فاتنة‪ ،‬وأصبح للأرض روح وريحان‪.‬‬ ‫بصيرة سجى نابعة من إيمانها بالله سبحانه وتعالى ويقينها بأن على المرء أن‬ ‫يعمل ويخلص في عمله ويتكل على الخالق الذي لا يضيع عمل كل مخلص‪.‬‬

‫ارتدت الفيحاء حليتها الخضراء‪ ،‬واستيقظت الحيوانات من السبات‪ ،‬وتفتحت أزهار‬ ‫الرياض‪.‬‬ ‫حينها استيقظت (أمل) ببهجة وسرور‪ ،‬فبعد انتهاء الشتاء الطويل حان الوقت‬ ‫لحلول التجدد والعطاء‪ ،‬والقوة والنشاط‪ ،‬حان الوقت لتظهر فيه الشمس أشعتها‬ ‫على الميدان‪.‬‬ ‫بسرور خرجت (أمل) من منزلها‪ ،‬فأخيرا بعد طول انتظار جاء الربيعّ الونيس بعد شتاء‬ ‫عاب ّس طويل‪.‬‬ ‫وأخيرا عادت الطيور المهاجرة‪ ،‬وتفتحت الورود في الحديقة‪ ،‬ورفرفت الفراشات‬ ‫والنحل حول الأزهار‪.‬‬ ‫نزعت الجبال ثوبها الأبيض الباهت‪ ،‬ليغطيها ثو ّب مزهّر متعدد الألوان‪ ،‬الربيع ليس‬ ‫فصلّا عاديا لا(أمل) فهو بالنسبة لها سحّر‪...‬جما ّل‪...‬وبهاء‪.‬‬ ‫فكما تقول دائما‪ :‬إن الربيع فصل اللحظات الجميلة والتأمل‪ ،‬فدائما‪...‬في كل سنة‬ ‫بعد انتهاء فصل الشتاء وابتداء الربيع‪ ،‬أتعمق في إبداع الخالق في أرضنا‪ ،‬وأتعلم بأن‬ ‫مهما واجهتنا من صعوبات في حياتنا‪...‬ومهما اشتدت الصعاب‪ ،‬دائما أثق بأن ما‬ ‫بعد الصبر إلا الفرج الجميل الذي ينسينا كل ما عانيناه‪.‬‬

‫كل الكتب في كفةّ وكتاب الله في كفةّ أخرى تثقل‪ ،‬القرآن الكريم كان وما زال‬ ‫نورا لحياة كل إنسان‪ ،‬فبهّ لا شيء ينقصنا‪ ،‬ولا فرح ّة تسعنا‪ ،‬ولا يأ َ ّس يسكننا‪ ،‬ولا‬ ‫جبال تثقلنا‪.‬‬ ‫كتاب الفرقان‪...‬كتا ّب أمرنا الرحمن بقراءته وتدبره‪ ،‬فهو الشافع والهادي لصاحبه‬ ‫في يوم لا ينفع فيه مالّ ولا بنون‪ ،‬هذا الكتاب الشريف المنزل على خاتم الأنبياء‬ ‫والمرسلين‪ ،‬والذي فيه نورّ وشفاعةّ لكل العالمين فمن تدبره وقرأه وتمعن في آياته‬ ‫سيشعر بعظمة هذه المسؤولية تجاه هذا الكتاب وتجاه الرسول ‪-‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ -‬الذي كرس حياته في نشره بين الناس‪.‬‬ ‫قرآننا هو دليلنا ومنهجنا ومفتاح الهداية‪ ،‬أرسل نورا وهدى للبشر‪ ،‬وأنزل في ليلة‬ ‫مباركة والتي هي ليلة القدر‪ ،‬وكل الرجاء أن يكون نور القرآن في حياة المسلمين وأن‬ ‫يكون لهم هاديا يخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬ويجلب البركة‪ ،‬فتبقى عزتهم‬ ‫وقوتهم وكرامتهم دائما وأبدا‪.‬‬

‫ل َماضيها ال َتليد لَمسةّ لحاضرنا‪ ..‬فمن نح ّن دون ترا ّث يميزنا؟ تراث البلد أه ّم ما‬ ‫يميزه‪ ،‬فهو التاريخ والهوية التي تدل على انتمائنا إلى وطننا‪ ،‬ونعني‬ ‫بالتراث‪...‬الإرث الفكري والحضاري الذي خلفه الأسلاف من عادا ّت وتقاليد‪ ،‬هذا‬ ‫التراث يعكس صورة الأمة‪ ،‬فعندما نقرأ عن تاري ّخ أو تراثّ أمة‪...‬نسافّر إلى ذاك‬ ‫الزمان الجميل‪ ،‬فنستمع ونرى لما كان يجري‪ ،‬ونستشعر عظمة السلف‪ ،‬ونحاول أنّ‬ ‫نسير على خطاهم حتى َنصل إلى قمة الجبل‪.‬‬ ‫وقفتّ أقرأ كتابا عريقا‪ ،‬فلفت ناظري جمال هذه الأمة‪ ،‬لاحظ ّت طريقة التفكير‬ ‫الذي كانوا يتمتعون بها‪ ،‬أعجبتّ بكيف كانوا يعيشون حياتهم‪ ،‬وما هي العلوم التي‬ ‫كانوا يجيدونها‪ ،‬تعرفتّ على شخصياتّ كثر أبهروني بعمق معرفتهم واكتشافاتهم‪،‬‬ ‫فهنا اكتشفتّ إنّ التراث هو العي ّن الكاشفة عن مزايا وخبايا الأمم‪.‬‬ ‫في تاريخّ عتيقّ لا نعر ّف عنه شيئا جاء التراث ليعرفنا على كل ما حصل‪ ،‬وقد نقف‬ ‫على كتب التاريخ فنلاحظ أنها تقطر علما نافعا‪ ،‬وتحوي داخلها حضار ّة من ذهب‪.‬‬ ‫التراث هو الذاكرة التي لا تموت‪ ،‬هو الحضارة التي تعيش في ذاكرة الأحفاد‪ ،‬هو‬ ‫التاريخ الذي حمل معه حياة أجدادنا‪ ،‬والحفاظ عليه واجبّ حضاري‪ ،‬فالأمة التي لا‬ ‫تحافظ على تراثها هي أم ّة يتيمة بلا هوية تذكر‪ .‬إنه بمثابة مرآة عاكسة‪ ،‬ونسمة‬ ‫روحّ ظلت لترشدنا‪ ،‬ويدا حانية تربي أبناءنا وتعده لمستقبلنا‪.‬‬

‫منذّّال َسادسةّّمنّّعمريّّّّّّّ َح َملتّبّيديّسلاحاّوكتاب‬ ‫وّفيّّال َثامنةّّمنّّعمريّّّّّّّاع َتلىّ َرأسيّ َّمبدأّ َوّح َجا ّب‬ ‫كنتّّ َدائماّّ َعلىّّالتزاميّّّّّّّولَمّّ َأخ َضّعّّ َيوماّّللعقابّ‬ ‫كنتّولاّزلتّح ًّراّمس َتمراّّّّّّّّإلىّّّ ّحلميّ بالاقترابّ‬ ‫نصحيّلَ َك‪ّ،‬سرّعلىّال َنهجّّّّّّ الصحيحّّ َّول َكّ َخي َرّال َثوا ّب‬ ‫ياّّ َصاحّّلَس َتّّح ًّراّّّأبداّّّّّّّّ َماّّلَمّّ َت ّكنّّ َعلىّّ َصوا ّب‬ ‫دين َناّّدينّّ َحقّولاّيو َجدّّّّّّّأص َدقّّمنّّ َّهذ َاّ الجوا ّب‬ ‫َن َحنّّأح َرارّّوّ َم َضىّّ َزمنّّّّّّ العبوديةّّوّ َعّتقّّّالّر َقا ّب‬

‫النفس البشرية منجم الآمال‪ ،‬ومستودع الرغبات‪ ،‬والخزينة اللبيبة للمسائل‪،‬‬ ‫يعانقها الرجاء لرفعة‪ ،‬ويلهبها التمني‪ ،‬ويعاركها الزمن لتحقيق غاية وذيوع صيت‪.‬‬ ‫والمرء عوان نفسه‪ ،‬فتلج الطموح أسواره ما إن نجم عنها‪ ،‬ويعتريه اليأس متى ما‬ ‫اعترضتها المهارات والمنح‪ ،‬فيجثو على الدرب ويعارك المحال‪ ،‬والآخر يقف برهة‪ ،‬ثم‬ ‫يخيط الدرب بعزم‪ ،‬ويحاول ترقيعه ببصيص أمل‪ ،‬وهناك الفهيم من يدرس الدّرب‬ ‫قبل خوضه‪ ،‬ومنهما اثنين‪ ،‬هما الثاني والثالث أغلب شغفا من الأول‪.‬‬ ‫لربما النفس الشغوفة نفس يظهر عليها شرود البال‪ ،‬لا تهدأ حتى تطمئن بحقيقة‬ ‫المرام‪ ،‬لكن من يعرفها سيرى أنها بشرودها تلملم ما تشتت في الآفاق‪ .‬ومع ذلك‬ ‫يرتاد للمرء ما ينهكه في ذاك الدرب‪ ،‬يكاد يهن منها وهلة‪ ،‬هل سيصيب رمحي‬ ‫الهدف؟ أحلمي ينتظرني؟ وسيبلغ يوما مرامه؟ ومع التقليب بين بلا وكلّا تجده يصل‬ ‫إلى سؤال نفسه‪ :‬أأستسلم؟ أم لا؟ وإن كان لا‪ ،‬فمتى سأتوقف؟ والمتمعن في هذه‬ ‫التساؤلات سيجد أن الرد عليها عند (عالم الغيب فلا يظهر على غيبيه أحد)‪،‬‬

‫فما ينهكه في درب الحلم موكل إلى رب الأحلام‪ ،‬إذا لم الخوف من المجهول؟ وما بعد‬ ‫العسر إلاّ يسرا‪ ،‬والمدونات الجميلة في قائمة الانتظار لابد وأن تأتي ولو طال‬ ‫انتظارها‪ ،‬فطالما تحقق الإتيان بالأسباب‪ ،‬والسعي إلى كل حلم مع استقصاء وقته‬ ‫المناسب‪.‬‬ ‫إن المتأمل في سياقات العلوم المختلفة سيجد أن الدهاء في الكيمياء غير الطلوع‬ ‫في الفيزياء‪ ،‬والنجابة في الفلسفة غير النبوغ في الأدب‪ ،‬وغير العلو في القانون‬ ‫والتاريخ والفن‪ ،‬فتحديد المبتغى يرقق المسير بعد التوكل على العزيز الرحيم‪.‬‬ ‫وعلى غرار استقصاء الوقت المناسب لكل حلم تجد ساح ّة خصبة‪ ،‬تخاض بالأناة‪،‬‬ ‫وتقطع بالصبر‪ .‬تلك ميدان العلم والأدب‪ ،‬فقلما تجد عالما أو أديبا قد بلغ قبل أن‬ ‫يخطو الشيب رأسه‪ ،‬ادفع اليأس الذي فيه الراحة التي تقعدك عن مطلبك‪ ،‬ومنها‬ ‫يحين دور الصبر‪ ،‬يتلوه الصبر وثم الصبر‪ ،‬وإياك ثم إياك أن تأمن شر أولئك‬ ‫المحبطين‪ ،‬الذين يتربصون بك لفتك أحلامك خوفا من لمعان بريقك‪ .‬احذّرهم وثابر‬ ‫وواصل‪.‬‬

‫في زمن لم تعد للحياة فيها رونقا ومكانا‪ ،‬حاول بائسا أن يعيد للحياة ألوانها‬ ‫وبهجتها لكنه فشل‪ .‬الناس حولك كأنهم دمى بلا مشاعر‪ ،‬والوقت سجل بشري ّط يعاد‬ ‫يوميا حتى تحفظ تفاصيله عن ظهر قلب‪ .‬كم كانت الأيام خانقة‪ ،‬وكأن الوقت قد‬ ‫حط على صدري وسلب مني أنفاسي‪ ،‬أيامّ تجري ويجري معها عمري‪.‬‬ ‫إلى أن جاء ذاك اليوم حيث خرجت من عملي متوجهة إلى منزلي سيرا على الأقدام‬ ‫كالعادة ولكن هذه المرة مختلف‪ ،‬كان هناك صوت عذب أسمعه وكأن ّه النعيم الذي‬ ‫دعوت ربي مرارا لينعم به علي‪ ،‬ويحييني‪.‬‬ ‫رحت اتبع ذلك الصوت وكأني أصبحت أسيره‪ ،‬وكالمنو ّم بحثت عنه فلم تكن إلا‬ ‫بضع دقائق قضيتها وأنا أبحث وراء الصوت كالظمآن الذي وجد ينبوع ماء‪ ،‬وجدت‬ ‫مصدر هذا الصوت‪ ،‬كان نابعا من إحدى خزائن بيتنا القديمة وبداخلها فتاة خّيل إل ّي‬ ‫أنها ملاك لحسنها وبهائها‪ ،‬تتمايل على أنغا ّم عذبة‪ ،‬في داخل صندو ّق أسود‪.‬‬ ‫أغمضت عيني وشعرت بروحي قد سلبت مني‪ ،‬لا أعلم المدة التي قضيتها بجسّد‬ ‫وروحّ محلقة راقصةّ َفرحة تلك الفرحة التي ظننت أنها قد سلبت مني عندما توفى‬ ‫والدي‪ ،‬توقف ذلك الصوت وعادت الروح إلى البدن‪ ،‬بدأت بالاستيقاظ قليلا من‬ ‫سكرتي‪ ،‬وجدتّ بأن ملاكي ما هي سوى طي ّف خيل مرآه ليعلو بروحي لسمائه‪،‬‬ ‫يراقصها ثم يسقطها لواقعها البائس‪ ،‬لملمت جناح خيبتي وأنا أحبو ناحية ذلك‬ ‫الصندوق الموسيقى‪ ،‬حملتهّ معي ليرافقني بعدها أينما أذهب كظلي‪...‬إنه صندوق‬ ‫والدي‪.‬‬

‫تنزاح غيوم الدجى لتفصح عن أشعة الشمس التي تنير حياة إبتسام‪ ،‬الفتاة التي‬ ‫لا تتجاوز سنونها الإحدى عشر ربيعا‪.‬‬ ‫تأتي الأم لتفتح الستار؛ لتوقظ الطفلة‪ ،‬لتلحق بركب الأحلام المتشقق والمليء‬ ‫بالأحداث التي ترهق القلب ونبضه‪ ،‬وترهق الروح المرحة لهذه الطفلة الشغوفة‬ ‫بأحلام تود تحقيقها‪.‬‬ ‫تجهز إبتسام حقيبتها وهي تردد‪\" :‬اللهم إني أسأل فهم النبيين وحفظ المرسلين‪،‬‬ ‫اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك‪ ،‬وقلوبنا بخشيتك‪ ،‬إنك على كل شيء قدير وحسبنا‬ ‫الله ونعم الوكيل\"‪ .‬تردده مرارا وتكرارا وبداخلها أمل الوصول إلى تحقيق أحلاّمها‪.‬‬ ‫تودع والدتها بقبلة ملؤها الأمنيات وبرسالة وداع‪ ،‬تخطو إبتسام خطوات‬ ‫متقطعة لتركب حافلة المدرسة التي تستقلها كل صبا ّح كعادتها‪ ،‬ترسم على وجهها‬ ‫ابتسامة كلها إيجابية ولطف‪ ،‬كأن من ينظر لوجهها البريء يشعر بالسعادة‬ ‫والطمأنينة‪.‬‬ ‫بعد وصولها إلى المدرسة وتحيتها لمعلماتها تتجه نحو صفها؛ لتجلس على‬ ‫مقعدها المعتاد وطاولتها التي تحمل أحلامها معها‪ ،‬تخرج دفترها الذي ترمي به‬ ‫ثقل الأيام وتتناغم كلماتها بمزيج من المشاعر‪.‬‬

‫دقائق معدودة وإذ بصافرة الإنذار تصرخ ليدب الرعب داخل قلوب البراعم الصغيرة‪،‬‬ ‫تجري إبتسام هرعة حاملةّ دفترها معها‪ ،‬الدفتر الذي وضعت آمالها وأحلامها بين‬ ‫صفحاته‪ ،‬إن كل ما تريده في تلك اللحظة هو أن تنجو بحياتها وبالدفتر الصغير‪.‬‬ ‫ّولكن ‪...‬‬ ‫وفي لحظات‪ ،‬تتساقط الصغيرات أمام إبتسام‪ ،‬بسبب ما خلفه الرصاص ّوالقنابل‬ ‫الناسفة‪ ،‬فتصاب هي الأخرى برصاصة لتحتل جسدها الصغير‪.‬‬ ‫ذبلت الزهور‪ّ ،‬وارتفع الدخان‪ّ ،‬والصمت في كل مكان‪ ،‬لم يعد هناك سوى صدى‬ ‫صوت أ ّم تقول‪ :‬إبتسام‪ ،‬إبتسام‪ ،‬واحّر قلباه‪.‬‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook