أبو يعرب المرزوقي re nils frahm انتخاب النخب منطقه ودلالته على أحوال الأمم الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 8 - -الفصل الثالث 16 - -الفصل الرابع 23 - -الفصل الخامس 30 - -خاتمة 37 -
-- آن الآن أوان وضع السؤال الأساسي الذي يترتب على ما قدمناه في مسألة المعاني الكلية من حيث هي رموز وليست مقومات في رؤية ابن تيمية التي تحرر الفكر الإنسان من القول بالمطابقة في نظرية المعرفة ونظرية القيمة :كيف تؤدي هذه المعاني الكلية التي تؤدي دور الترميز لا التقويم دورها في انتخاب ممثلي النخب الخمس في كل جماعة: .1نخبة الإرادة أو الساسة. .2ونخبة المعرفة أو العلماء. .3ونخبة القدرة أو زاد الإنسان المادي (الاقتصاد) والرمزي (الثقافة). .4ونخبة الحياة أو نخبة الذوق أو الفنانون .5واخيرا نخبة الوجود أو الرؤى سواء كانت دينية أو فلسفية. فلا توجد أمة تخلو من هذه الأصناف الخمسة من النخب مهما كانت بدائية الحضارة أي في بداية تحقق التقسيم الوظيفي للعمل في الجماعة .والسؤال هو كيف تنتخب الأمم بوعي أو بغير وعي بنظام صريح أو بنظام ضمني رموز هذه النخب فتعتبرهم ممثلين لها .فيكونوا بلغة الغزالي معتبري الزمان أي أهل الحر والعقد باصطلاح فلسفة السياسة التي تشمل كل هذه الأبعاد في رؤية الإسلام. ووراء هذا السؤال سؤال ثان أهم هو :ما دلالة هذا نوع الانتخاب وحصيلته على كون الأمة التي تقوم به وترضى بحصيلته هي أمة أحرار حقا أم هي أمة عبيد لا تميز بين حقيقة هذه القيم وحقيقة تمثيلها وبين ظاهرها وظاهر ممثليه أي: • هل كل سياسي سياسي؟ • وهل كل عالم عالم؟ • وكل منتج للزادين منتج؟ • وكل مبدع للذوقي مبدع؟ • كل صاحب رؤية دينية أو فلسفية هو صاحبها؟ أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- نصل إلى سؤال أهم من السؤال الثالث: • من أين يأتينا هذا الميل إلى التمييز ما هو حق وما هو ظاهر في المعاني وفي ممثليها؟ ثم نصل إلى سؤال أهم من السؤال الرابع هو: • ما العالم الذي نستمد منه المعايير التي تفاضل بين الموجود والمنشود؟ وأخيرا وهذا هو السؤال الخامس وسؤال الغاية: • هل يعقل أن تكون الأسئلة الأربعة التي ذكرنا ملازمة لأي إنسان في حكمه الانتخابي له أو عليه إذا لم يكن عند الإنسان \"شيء ما\" يجعله لا يستطيع أن يعيش في الموجود دون الاشرئباب إلى منشود مختلف عن الموجود والسؤال هو ما هو المنشود وما علاقته بالموجود الذي يسميه الناس عادة \"الواقع\" بما فيه من عنف « هو ما هو ولا حيلة معه ». هذه خمسة أسئلة كل واحد منها أعمق من الذي سبقه وأعسر علاجا .ومع ذلك فلا يمكن أن نفهم ما نراه حولنا من \"ممثلين\" لهذه النخب ومن ثم للجماعة وهم في الغالب هم \"كمبارسوات\" لا ندري كيف اختيروا ليكونوا ممثلين للإرادة والإرادة السياسية وللمعرفة والعلم وللقدرة بنوعيها وللحياة وفنونها وللوجود ورؤاه في الجماعة .فلكأن وراء ما يجري نظاما سريا هو الذي يرتب سلم التراتب فيها. لو اعتبرنا سلم التراتب محكوما بمنطق الجدل أي بالصراع بين طرفين من جنس صراع السيد والعبد عند هيجل وماركس أو عند الإسلاميين القائلين بما يشبهه ويسمونه التدافع ما يعني أن الصراع متردد بين الصدفة كما في التاريخ الطبيعي أو بالغائية التي ليست يبدو تعليلها فلسفيا وهي في الحقيقة ديني متنكر وهو عند هيجل وماركس غاية التحرر .فنكون أمام موقفين كلاهما مضاعف: .1موقف الغائية ما يعني أن وراءها قوة فاعلة هي إما دينية أو ما يشبه نظرية المؤامرة من سلطان خفي مثل أن يكون للسوق وراءها قوة مخططة إلهية عند المؤمنين ومافياوية عند السياسيين وكلتاهما تشبه مفهوم اليد الخفية (وكنط يقول بها في فلسفة التاريخ مثلا). أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .2موقف يدعي أصحابه الاستغناء عن الغائية لقولهم بالصدفة .ويمكن كذلك أن تقول بها بإطلاق أو أن تعتبرها من المغالطات التي تخفي خطة جهنمية لعدو محتمل .فقد يكون إما ابليس بالمعنى الديني أو أن يكون إبليس انسي. ما يعني أن القول بـالصدفة لا يـختلف عن القول بـالغائية .فكلاهما ينسب إلى سلطة خفية إما سماوية أو أرضية ما لا يجد له تفسيرا بعلمه .فنظرية المؤامرة ليست سياسية فحسب بل هي ميتافيزيقية لأنها تبحث عن التعليل الخفي بسبب عدم كفاية التعليل الجلي. ولا يمكن لهذا الحل أن يرضينـي لأنه يتصور الأمر علاقة بين حدين متناقضين بدلا من بنية شديدة التعقيد لا تقبل الرد إلى صدام بين حدين متناقضين كما في الجدل الذي لا يدل على علم بما يجري بل على تبسيط هيجل وماركسي وإسلامي أي في ما يسميه الإسلاميون بالتدافع .فالمعاني الكلية الخمسة -الإرادة والمعرفة والقدرة والحياة والوجود-متضامنة أي إنها تعمل معا بمعنى أن انتخاب رموزها متبادل التأثير ومتحد البنية. عندما أنظر في أي بلد عربي فإني أجد أن نخبة الإرادة أو السياسة ونخبة المعرفة أو العلماء ونخبة القدرة أو المنتجون لزاد الإنسان المادي والروحي ونخبة الذوق أو الفنانون ونخبة الرؤى أو \"المفكرون اصحاب الرؤى\" كلها متجانسة لما بينها من تبادل التأثير إيجادا وإعداما .فتكون السلطة المؤثرة ذات فشو وانتشار بغير تحديد معين لأنها منتشرة في كل كيان الجماعة. وعبارة بـ\"غير تحديد معين\" لا يعني عدم التحديد بل تعني أنه تحديد بمعاني كلية رامزة أو منظومة علامات تمكن من الإحالة إلى شيء يعرف بتلك العلامات دون ان تكون تلك العلامات مقومة له بل هي دالة على فاعليته في الظاهرة التي يراد تفسيرها في حدود إدراكنا المؤقت لما يجري .وسأختار مثالين من القرآن فابدأ بالسلبي يليه الإيجابي. فالمثال السلبي الذي يعرف الظاهرة بعلامات آخذه من الإسراء وأبدأ به لأنه أوضح من المثال الإيجابيَ {:و ِإ َذا َأ َردْ َنا أَن نُّ ْه ِلكَ َقرْيَ ًة َأ َمرْ َنا مُ ْت َر ِفي َها فَفَ َس ُقوا فِي َها َف َحقَُّ عَ َليْهَا ا ْلقَوْلُ أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- َفدَ َُّمرْنَاهَا تَدْ ِمي ًرا} ( .)16ففي الآية خمس معان كلية وكونية وبينة المعالم لكنها متغيرة. والمثال الأوضح أن الترف عند الفقير أخطر منه عند الغني وعند الغني الجديد أخطر منه عند الغني القديم وهلم جرا: .1القرية. .2والترف. .3والفسق. .4وحق القول. .5والتدمير. وهذا قانون عام بمعان كلية يمكن اعتبارها تقديرات ذهنية لأن ما يوجد في الخارج متعدد الأشكال يقبل الوصف بها دون مطابقة .فهذه محاولة لتعيين محل مجرد لظاهرة لا يخلو منها عمران إنساني لكنها علامات أولها يحدد مكان الظاهرة والثاني نوع الأشخاص الذين سيفعلون والثالث صفة الفعلة والرابع لحظة العقاب والاخير نوع الحكم .وكلها عناصر تصف الظاهرة بتفاعل يحكيه نظام رمزي يشير إليها ويقال بنظام رمزي يعبر عنه. والظاهرة المرموز إليها ليست شيئا ذا قيام مادي في الخارج بل هي نظام علاقات بين أمور لم تحدد لها ماهيات مقومة بل اكتفينا بأسمائها التي تشير إليها وهي العناصر الخمسة. والبنية الواصلة بين العناصر تعطينا حكما وجزاء مع حضور قاض هو المتكلم على الظاهرة في شكل نطق بالحكم السرمدي لأنه ناتج عن صاحب العلم المحيط. وليس مهما إذا كان السامع يعتقد في القانون والحكم والعقاب والقاضي وعلمه المحيط المهم ويؤمن بها لأن المتكلم هو القرآن .فكل كلامه معاني كلية هي مقدرات ذهنية عملية أخلاقية إذا تسلمناها فرضا عند غير المؤمن بالإسلام أو عقدا عند المؤمن به يمكننا أن نطبقها على التاريخ كما يمكننا تطبيق المعاني الكلية الذهنية النظرية الرياضية على الطبيعة :المقدرات التي أضفتها. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- ومثلما أنه يستحيل أن تجد ظاهرة طبيعية تطابق المقدرات الذهنية النظرية الرياضية صوغا لها أولا وعبارة عن صوغها وهما درجات الترميز العلمي فكذلك يستحيل أن تجد ظاهرة تاريخية تطابق المقدرات الذهنية العملية الخلقية صوغا أولا وعبارة عن صوغها ثانيا وهما درجات الترميز القيمي :وتلك هي إضافتي التي قستها على مفهوم المقدرات الذهنية التيمي. لكنها ليست إضافة من ابداعي لأنها قيس على إبداع ابن تيمية .فهو اعتبر المقدرات الذهنية الرياضية وحدها قابلة لعلم كلي ومحظ وبرهاني وتطبيقها على الطبيعة لا يمكن أن يكون كليا ولا محضا ولا برهانيا بل هو دائما دون حقيقة الشيء اضطررت لوضع نظير في العمل يعطينا نفس الشيء في التاريخ بالاستناد إلى مقدرات ذهنية عملية هي الأخلاقيات التي هي شرط التاريخيات مثلما أن الرياضيات هي شرط الطبيعيات. والتقديرات الذهنية النظرية مثل التقديرات الرياضية هي لعلم للضرورة الشرطية والتقديرات الذهنية مثل التقديرات العملية الأخلاقية هي لعمل الحرية الشرطية. وأكثر من ذلك فلا يمكن فهم معنى ما بعد الطبيعة من دون الأولى ولا يمكن فهم ما بعد التاريخ من دون الثانية. ومثلما وضعت مفهوم التقديرات الذهنية العملية الأخلاقيات لفهم التاريخ وضعت مفهوم الحرية الشرطية لفهم دور الإنسان فيه أو ما يسمى في علم الكلام بأفعال العباد لتوضيح معنى الكسب الأشعري الذي أعتبره ألف مرة أدق من خرافة خلق الإنسان لأفعاله عند المعتزلة. والأهم من ذلك كله هو أن فهم التاريخ الإنساني في علاقته بما يتعالى عليه مستحيل من دون العلاقة بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية وتفاعلهما الذي هو التعمير والاستخلاف أو مهمتا الإنسان في القرآن اللتان جهز لهما الإنسان بالقدرة على إبداع المقدرات الذهنية النظرية وابداع المقدرات الذهنية العملية وعليهما يقيس الما بعدين. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- أمر الآن إلى المثال الإيجابي وسأورد فيه آيتان هما :الحج 40لحماية الحرية الدينية بحماية كل المعابد والبقرة 251لحماية الأرض من الفساد .ولنأخذ أيا منهما لأن المعنى واحد ويشبه المعنى الذي شرحناه في الوجه السالب من تمثيلنا .وسنرى أن الأمر كذلك فيه قاض وحكم وعقاب ومكان الجرم وعلته. وأختار الكلام على الآية الثانية{ :ف َهزَ ُمو ُهم ِبإِ ْذنِ اللَُّهِ وَ َقتَلَ َدا ُوو ُد َجالُوتَ وَآ َتاهُ اللَُّ ُه ا ْل ُم ْل َك وَا ْلحِ ْك َمةَ وَعَ َُّلمَ ُه مِ َُّما يَشَاءُ ۗ وَ َل ْو َلا دَفْعُ اللَُّ ِه النَُّاسَ َب ْعضَ ُهم ِببَ ْع ٍض ّلَُفَ َس َدتِ الْأَرْضُ َو ٰلَ ِك َُّن ال َلُّ َه ُذو فَضْ ٍل َع َلى الْعَالَ ِمي َن}( )251لأنها تتضمن الآية الأولى. فالعدوان على المعابد أحد أنواع الفساد في الأرض أو إحدى عللـه أو إحدى معلولاته وهي بالمعنيين من أكبريهما .والمثالان الموجبان هنا مثل المثال السالب هناك يتعلقان بالقضاء قضاء وتنفيذا مع اعتبار أحدهما قضاء في الجنائي الخاص والثاني قضاء جنائي عام أو سياسي لتعلقه بحسم حرب من أجل تحقيق نصر حربي لمن معه الحق .ما يعنيني هنا هو عمل القضاء: .1القاضي يصف \"الفعل\" الذي هو موضوع التحاكم بتحقيق المناط. .2وبتطبيق علامات يحددها النص القانوني على \"الفعل\". .3واستنادا إلى هذا التوصيف القانوني. .4يأتي النطق بالحكم الذي يجرم ويقدر العقوبة. .5والنطق بالحكم تعبير يترتب على التوصيف القانوني. وهذا يعني أن رؤية ابن تيمية علتها عمق فكره الفقهي .فلا يوجد قاض واحد في الإسلام يدعي أنه يحكم بغير الظاهر وأن الله هو الذي يتولى السرائر وأن الأحكام متغيرة بتغير تحقيق المناط وأن ذلك اجتهاد من القضاة وهو إضافي إلى تطور القضاء وعلم القاضي وأن ذلك لا يعني أن العملية فيها مطابقة علمية أو قيمية يدعي فيها القاضي علما محيطا أبدا. فإذا عدنا إلى مشكلنا كان الامر كله وكأن انتخاب النخب في الإرادة (الساسة) وفي العلم (العلماء) وفي القدرة (المنتجون اقتصاديا وثقافيا) وفي ذوق الحياة (الفنانون) وفي الوجود أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- (الفلاسفة وعلماء الدين) يكون بعملية يكون فيها الجميع قاضيا ومتقاضيا بمعنى أن كل واحد منا قاض ومتقاض فيها جميعا. وقد اعتبر ابن خلدون ذلك علة اللجوء إلى القوة التي تحسم هذا التقاضي المتبادل بين الناس :فبين الساسة والعلماء والمنتجين والفنانين والوجوديين خصومة دائمة كل واحد يدعي أنه هو الافضل إرادة أو علما أو قدرة أو ذوقا أو رؤية .والقاضي هو ما ترضى به الجماعة :وإذن فالجماعة هي المسؤولة عن التردي وتلك هي علة أن القرية كلها تدمر ولا يقتصر العقاب على المترفين فيها. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- الكلام على الديموقراطية وتمجيدها بالقياس إلى الأنظمة الأخرى في عصرنا يتعلق بانتخاب النخب في كل المجالات وليس في الحكم وحده-وهو عكس رؤية اليونان وما تلاهم من العصور إلى حدود نزول القرآن الذي تكلم على نظام الشورى (الشورى )38 \"ديموقراطية\" مباشرة وعامة وليس لها مثيل إلى الآن وهو حل صار ممكنا الآن بتقدم شروط الانتخاب عن بعد خاصة إذا كان على درجتين: • انتخاب محلي لأصحاب السلطة المباشرة والمشرعة ورئيس الدولة. • وهم يختارون من يحكم ويعارض باسم الشعب في السلطة التنفيذية. لكن الانتخاب بالمعنى الديموقراطي وخاصة السياسي منه -لكن البقية ليست محصنة ضده-جعل الانتخابات بسبب دور المال شاري الضمائر دور الإعلام الموجه مشوه الرأي غير معبر حقا عن القناعات بل عن المصالح التي يعلم صاحبها أنها منافية لما يعتبره ما ينبغي أن يكون لو حكم القيم ما يعني أن الانتخاب غير معبر بحق في أي من الحالات الخمس. وإذا أردت أن أحصر كلامي على الإشكالية في حضارة الإسلام -واعتقد أنها مثال كوني يصح على كل الحضارات -تبين أن القضية هي كما طرحا الغزالي وعالجها ابن خلدون : .1فالغزالي طرحها في شكل حوار خيالي بين سني وشيعي وعالجها بما سماه الاختيار أو الانتخاب من قبل \"معتبري الزمان\" أي من تتبعه الأغلبية .وعلل اتباع معتبري الزمان بما سماه المهابة التي تجمع بين بعدين لم يفصل بينهما هما الاحترام الخلقي والخوف المادي وهي كما عرفها ابن تيمية لاحقا جامعة بين الجمال والجلال. .2لكن ابن خلدون سماها العصبية التي تحقق الانتخاب بمقتضى فاعلية الوزن فيها وبمقتضى قوة مادية مقدمة على الخلقية .وبذلك مثلا علل تولية معاوية ابنه يزيد ولاية العهد-دون أن يكون ذلك رأيه حسب ابن خلدون -بمقتضى ما فرضته عليه العصبية فلم يحترم البيعة بحقها فحافظ على شكلها فحسب. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- لكن الشيعة حلت المشكل بالوصية التي هي جزء من العقيدة واعتبـرت الانتخاب في السياسة وفي العلم وفي القدرة وفي الجمال وفي الجلال كلها وراثية في آل البيت بمبدأ تواصل الوحي .وقد توصلت السنة إلى حل دستوري راق .لكنها لم تطبقه وهو حل \"لجنة\" الترشيح من صفوة أهل الحل والعقد ووضعت شروطا لاختيار المترشح ولجنة الانتخاب الذي لم يكن بالوسع أن يكون شاملا-اونيفارسال-أي أهل الحل والعقد الأوسع من لجنة الترشيح .ففي فقه الأحكام السلطانية تحدد نظام الانتخاب على مستويين: انتخاب أهل الحل والعقد اجتماعيا يعني هم من يبرز في مجالهم مثل العلماء والتجار وحتى القيادات العسكرية ورؤساء القبائل اي بلغتنا الحديثة القوى السياسية رغم أن هذا المفهوم لم يكن موجودا وهم من سماهم الغزالي معتبري الزمان أي المسموعين في الجماعة. وهم ينتخبون الحكام سياسيا .لكن كما هو قانون القوة فإن الأقوى هو المسموع أكثر والقوة تقبل الرد إلى نوعين كلاهما مضاعف :مادي وهو قوة المال وقوة السلاح وروحي وهو قوة الفكر ويتعلق بالإبداع عامة وقوة الوجدان ويتعلق بالأديان خاصة. والقصد بالانتخاب الاجتماعي هو شروط البروز في المجالات الخمسة أي في السياسة وفي العلم وفي القدرة اقتصادا وثقافة وفي الإبداع الفني وفي ابداع الرؤى .فمن المبرزين يبرز من يسميهم الغزالي \"معتبري الزمان\" أي من \"يميل الناس حيث مالوا\" .فإذا حقق ذلك الأغلبية كانوا هم من ينتخب الحكام .وإذن فالمفهوم يتضمن معنى خطير جدا :وهو أنه من دون حصول أغلبية تدخل الجماعة في حرب أهلية .فتكون السياسة هي بالجوهر تبريد علل الحرب الأهلية الكامنة في الجماعات بالقوة من اجل السلطة والثروة والمنزلة الحاصلة بفضلهما. وكل ذلك من حيث المبدأ لكنه بالتدريج اقتصر على بالقوتين المادية (الحامية) والاقتصادية (التجار) أي أصحاب المال والقوة العسكرية هم الذين يعينون رئاسة ا لدولة -الخليفة-للحفاظ الشرعية الدينية .لكن الشوكة السياسية هي قوة السلطان وليس رمز الخليفة .وهذا تقريبا ما يجري في كل المجتمعات حتى وإن تغير التعين الشكلي وأصبحت أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- الشوكة لأصحاب المال وصارت القوة العسكرية في البلاد المتحضرة مقصورة على دور الحماية التابعة لأصحاب الشوكة الفعلية أي من بيدهم قوة المال وقوة الرأي. بعد هذه الجولة في أنظمة الانتخاب في السياسة خاصة وهي كلها تفترض قبلها أنظمة الانتخاب في الأربعة الباقية أي إن الأنظمة الاجتماعية فيها هي التي تنتخب السياسي مثل البقية بالقوة لكن المرور إلى الفعل هو الذي يعتبر تحقيق السياسي بانتخاب من الدرجة الثانية ينقل من له المؤهلات للفعل. ومثل ذلك في العلم وفي القدرة وفي الحياة وفي الوجود .لكن ذلك يبقى بالفعل أو حيازة المؤهلات دون حصول الاعتراف بها في الجماعة .فليس كل من له المؤهلات في السياسة أو في العلم أو في القدرة أو في الفن أو في الرؤى يعترف به كسياسي أو كعالم أو كقادر أو كفنان أو كصاحب رؤية .وهذا هو الإشكال وعلامة ما يمكن أن يتردى إليه حال الأمم التي يكون الانتخاب فيها خاضعا لما لا يحقق فاعلية الوظائف الخمس أي الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .فتتردى حياة الأمم بتردي نظام الانتخاب. فمن بين ذوي المؤهلات من يستبعد .وليس الفاضل هو من ذويها دائما وغالبا ما يكون المفضول هو الغالب .وقد يكون من لا مؤهلات له أو من هو في أدنى درجاتها وخاصة في الأنظمة التي صارت فيها هذه المجالات الخمسة وراثية ككل المجتمعات المتخلفة. ها نحن الآن قد لامسنا الإشكال الحقيقي الذي يحدد أحوال الأمم صلاحا وفسادا :والامر يتعلق بما سميناه نظام ملء خانات الدولة في بنيتها المجردة والخالية من ممثلي الجماعة إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا بمن يكون قيما عليها لتصبح وكأنها كائن حي فعلا يفعل وينفعل بتوسطهم. وليس هذا ما يعنيني لأن بحثـي الآن لا يتعلق بأخلاقيات الانتخاب بل مداره بنية المعاني الكلية المقدرة ذهنيا لمجرى عمل الجماعة رغم كونه من الاخلاقيات ومتعلقا بسنن التاريخ. ودرسي إياها ليس من حيث هي أحكام خلقية بل من حيث هي بنية شروط العمل تجعلها أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- شرط الكلام في الحرية الشرطية التي يحتاج إليها العمل حاجة النظر لبنية شروطه التي تجعلها شرط ا لكلام في الضرورة الشرطية. أعلم أن مطلوبي شديد التجريد وهو ما يغيب خاصة على أولئك الذين يخلطون بين الكلام في الأخلاق من حيث هي أحكام الإنسان الخلقية على الاشياء وليس من حيث هي جوهر الحرية الشرطية أو ما يجعل الأفعال ثمرة فكر وتدبر وليس مجرد أفعال آلية وكأنها ظاهرات طبيعية فحسب. والسؤال هو هل انتخاب ممثل ارادة الجماعة (سياسة) وعلم الجماعة (معرفة) وقدرة الجماعة (انتاج مادي ورمزي) وحياة الجماعة (ذوق فني) ووجود الجماعة (رؤية العالم الدينية والفلسفية) ظاهرة ذات بنية محددة للعمل الإنساني بصورة عامة وبصورة كونية أم لا وإذا كان الجواب بنعم فما هي هذه البنية؟ ولما كان جوابي بنعم وكان ذلك هو معنى الاخلاقيات المطبقة على التاريخيات أو سنن أفعال العباد أو الحرية التي اخترت لها حل الحرية الشرطية في مقابل الضرورة الشرطية للطبيعيات التي نعمل أنها بحاجة إلى الرياضيات المطبقة على قوانين افعال الطبائع أو الضرورة .والحضارة الإنسانية هي حصيلة التفاعل بين قوانين الطبيعة المعيرة بالرياضيات وسنن التاريخ المعيرة بالأخلاقيات ليس بمعنى التعيير الخلقي بل بمعنى التعيير المحقق شروط الإمكان من حيث إبداع المستويين من الترميز: .1الترميز المعرف للأشياء من جنس تحقيق المناط في القانون للتوصيف القانوني. .2الترمز المعبر عن التعريف وما يترتب عليه في القانون من جنس النطق بالحكم القانوني. وأهمية السؤال تتمثل خاصة في أن جواب ذلك إذا كان سلبيا فإن العلوم العملية أو العلوم الإنسانية تصبح أمرا مستحيلا لأن سننها تصبح عديمة النظام المجرد .فالعلوم النظرية والطبيعية لم تصبح ممكنة من دون هذا الشرط أي من دون وجود بنية للفاعلية الطبيعية هي نظام قوانينها المجرد الكوني وكان لا بد إذن من وضع نظرية تسد هذه الثغرة في أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- العلوم الإنسانية التي هي كلها تاريخيات وشرط إمكان معلوميتها الحرية الشرطية مثلما أن شرط إمكان معلومية الطبيعيات هو الضرورة الشرطية. فكل من يتكلم على العلوم الإنسانية من دون حسم هذه المسألة لا يدري فيم يتكلم وهو كمن يتكلم على العلوم الطبيعية من دون حسم بنية النظام القانوني للطبيعة عامة أي الرياضيات أو المقدرات الذهنية النظرية بلغة ابن تيمية .العلوم الإنسانية بحاجة إلى مقدرات ذهنية عملية وضعتها قياسا عليها. وهذا يحسم قضية عولجت علاجا غير جدي عندما حاول بعض منظري العلوم الإنسانية من الألمان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بمقابلة سطحية بين العلمي واللاعلمي مدعي أن العلمي الطبيعي تحرر من القيم والإنساني لكي يصبح علميا عليه أن يحاكيه ويعتبرون العسر هو في كيف يمكن لعلم القيم أن يتحرر من القيم .وهذا خطأ معرفي فظيع: .1أولا الطبيعة أيضا ذات قيم وليس صحيحا أنها وقائع دون قيم ومع ذلك فالاعتماد على المعاني الكلية الرياضية حرر علمها من العبارة القيمية. .2والتاريخ قابل مثلها أن يتحرر من العبارة القيمية إذا اكتشفنا ما يؤدي وظيفة في التاريخيات تشبه وظيفة الرياضيات في الطبيعيات. ذلك أن الطبيعيات والتاريخيات لا ندري ما هما في ذاتهما ونعلم أن علاقتهما بالإنسان لا يمكن أن تخلو من القيم بمعنى أن العلاقة نفسها قيمية لأن الطبيعيات هي التي تحدد شروط قيام الإنسان العضوي (الثروة) والتاريخيات هي التي تحدد قيامه الروحي (التراث). ومن يتجاهل ذلك يدعي أن الإنسان ينشغل بالمعرفة والقيم لوجه لله وليس لأن ذلك من شروط قيامه وبقاء النوع :هما وسيلتاه ليتنزل في العالم ويكون له سلطان على ما له سلطان على شروط وجوده وبقائه. صحيح أن علوم الطبيعة تحققت بالتدريج ولم تكتشف مباشرة المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية تمكن من أمرين: أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- .1الترميز القاعدي ويشبه تحقيق المناط في القانون أي توصيف الشيء بعلامات ترمز إليه دون أن تكون مقومة له .2الترميز القائل للحاصل في عملية التوصيف ليكون وكأنه عبارته أو معادلته. وهذا هو القصد من تعريفي العلم بكونه \"رمز رمز\" في الطبيعيات كما في القضاء .فالحكم رمز رمز أي إن القاضي يحكم على شيء بعد أن يكون هو الذي وضع توصيفة القانوني خلال تحديد المناط .فيكون هو صاحب الترمزين وصفا للشيء قانونيا وتعبيرا عن الوصف القانوني بالحكم القانوني .وهذا العمل الترميزي المضاعف يتكرر في كل معرفة إنسانية سواء كانت طبيعية أو تاريخية وعلينا تحقيقه في الإنسانيات. فإذا اعتبرنا المعاني الكلية التي هي تقديرات ذهنية عملية متعلقة بـالحرية الشرطية هي :معنى الإرادة ومعنى العلم ومعنى القدرة ومعنى الحياة ومعنى الوجود من حيث هي كليات مقدرة ذهنيا ومشروطة في كل عمل وكانت هذه معاني كلية مجردة تتعلق بالعمل وبسننه التي تناظر الضرورة الشرطية في النظر كانت الاخلاقيات مجانسة من حيث الوظيفة في العمل والتاريخ لوظيفة الرياضيات في النظر والطبيعة فإن المطلوب هو معرفة البنية التي تحصل بين هذه العناصر الخمسة لكي تكون محددة لما ترمز إليه. فعندما بدوت وكأني أوحد بين الإرادة والسياسة لأنها العلامة الدالة عليها والمعرفة والعلم لأنه العلامة الدالة عليها والقدرة والإنتاج الاقتصادي والثقافي لأنه العلامة الدالة عليه والحياة أو الذوق الجمالي والقانون لأنها العلامة الدالة عيها والوجود والرؤى الدينية والفلسفية لأنها العلامة الدالة عليه فإن أشرت إلى علامات دالة لكني لم أشر لأساس هذا التناظر بين \"الأشياء\" وعلاماتها في هذين المنظومتين من ا لمعاني الكلية في العمل الإنساني. فالعلامات الخمس -الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود-و\"الأشياء\" الخمسة التي تشير إليها العلامات -اي السياسة والعلم والإنتاج الاقتصادي والثقافي والذوق الجمالي أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- والرؤية الفلسفة والدينية -وضعت بينهما تناظر ولكن ليس بينهما مباشرة بل بين منظومتيهما :وتلك هي البنية التي تمثل أساس الحل هنا. فمنظومة العلامات الأولى تبدو صفات للفرد الإنسان من حيث كيانه الذاتي له إذ نقول فلان صاحب إرادة قوية أو ضعيفة وفلان له علم صحيح أو زائف وفلان له قدرة خيرة أو شريرة وفلان له ذوق راق أو منحط وفلان له رؤية صائبة أو خاطئة فنميز بينهم بما يعتبر صفة ذاتية لكل منهم مع تقويم وبمعنى الصفة الغالبة عليه وهي الرمز الذي اخترناه نحن لتمييزه لكنه لا يمكن أن يعتبر مقوما له حقا. ومنظومة العلامات الثانية تبدو ما اعتبرناه ضروريا للقيام بوظيفة اجتماعية هي السياسة للأول لأنها تعبير عن إرادة الجماعة تتطلب ذا الإرادة والعلم للثاني لأنه تعبير عن المستوى العلمي للجماعة وينبغي ان يكون ممثلا بذي العلم والإنتاج المادي أو الرمزي للثالث بنفس التعليل والإبداع الفني للرابع بنفس التعليل وصوغ الرؤى الوجودية أو رؤى العالم الفلسفية أو الدينية للأخير بنفس التعليل. فنكون قد وضعنا سلمين فنصنف الناس من حيث علامات دالة على صفات ونحدد أدوارهم في ما يقتضي تلك الصفات لأداء الدور كما ينبغي أن يكون .فيصبح الفعلان وكأن الأول خبري عن الفرد من حيث المؤهلات الطبيعية والثاني إنشائي من حيث الوظائف التي ينبغي أن يؤديها لأنه مؤهل لها .وهذا أيضا فعل ترميز مضاعف يشبه فعل القاضي إذ يحدد مناط حكمه بتوصيف الشيء ثم يحكم بما يستمده من منظومة الاحكام القانونية بتقدير واحد خبرا وإنشاء. فيبرز جوهر الإشكال الذي نريد له حلا :هل ذو الإرادة من حيث هو حائز عليها مثل السياسي الذي يستعملها؟ أي هل تكفي الإرادة للسياسي لينتقل من إرادة تعد صفة ذاتية له إلى تمثيل إرادة الجماعة لكأن الأولى شرط كاف أم هي ربما شرط ضروري على أقصى تقدير لكنها ليست كافية باي معنى من الكفاية؟ أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- ولذلك فقد نفيت خرافة حكم الفرد والدكتاتورية الفردية :ذلك أن السياسة ليست عملا يمكن أن يكون فرديا أصلا بل لا بد على الأقل ممن يقوم بهذه الوظائف الخمس: الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .ولا يمكن تصور أيا منها ممكنا من دون الأربعة الأخرى .وإذن فمفهوم الدكتاتورية الفردية مجرد عبارة لا تصف شيئا فعليا .وهو ما يؤكد أن المعنى الكلي -حكم الفرد أو الدكتاتورية الفردية-ليست الرمز المناسب للأمر الذي نتكلم عليه في السياسة. ومثله خرافة الحكم الديموقراطي لا يمكن أن يكون الحكم للجميع إلا بمعنى ما يكون منه فرض عين أما ما لا بد فيه من فرض الكفاية فهو لهذه النخب وحدها :لذا مشكل الانتخاب .وقد بينت غب محاولات سابقة ما تعتبره الرؤية الإسلامية من فرض العين - تعيين النخب ومراقبتها وعزلها إما اجتماعيا أو سياسيا-لكن دور النخب فرض كفاية ولا يمكن أن يكون للجماعة في أي مصر أو عصر. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- ولكن حتى على المستوى الفردي فذو الإرادة -أي من تغلب عليه خاصية الإرادة أو من ميزناه عن غيره بقوة الإرادة-هل يستطيع أن يحقق شيئا بها دون بقية الخصائص أي بدون علم وقدرة وحياة ووجود؟ وهل ما يحوزه منها يكفيه ليغنيه عمن هم أقدر منه في كل واحدة منها؟ أليس هو بحاجة إلى طبيب وإلى مهندس إلخ ..حتى في حياته الشخصية فضلا عنه في مهامه إن أراد أن يكون ممثلا للإرادة الجماعية -وهو معنى السياسة-؟ النتيجة أن الفاعلية تشترطها جميعا وبصورة أدق إلى نظام فعلها المشترك إذ إن سهم كل واحدة منها إضافي إلى غاية معينة وقسط معين من الفاعلية .ومعنى ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يكون ذا سلطان فردي حتى في ما هو فردي من وجوده .فالفاعلية هي إذن حصيلة بنية تتألف من عوامل فاعلة .وإذا كان الأمر كذلك فهو بالأحرى أكثر من ذلك في الجمعي. فيكون الشخص الذي نميزه بكونه ذو إرادة تؤهله ليمثل إرادة الجماعة فيكون سياسيا أحوج من ذي الإرادة الذي يقتصر على تسيير حياته الشخصية .فلا بد له من علم وقدرة وحياة ووجود في ذاته أولا ثم في معاونيه خاصة وهي بدورها لا تفعل إلا ضمن هذه البنية العامة بسهم لكل واحدة منها يعسر تحديده لأنه حصيلة سلطان فاش ومنتشر فيها جميعا فشوا وانتشارا يعسر أن نحدد سهم أي واحدة منها. وهذه هي البنية التي أريد تحديدها بدقة مناظرة لدقة الرياضيات عندما تستعمل للتغلب على عدم دقة الطبيعيات .ما أريده هو دقة الأخلاقيات عندما تستعمل للتغلب على عدم دقة التاريخيات ..ذلك أني بينت سابقا أن الاخلاقيات هي رياضيات التاريخيات من حيث وظيفة الصوغ النظري لأحداثها كما تعتبر الرياضيات في وظيفة الصوغ النظري للطبيعيات. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- قضية المقدرات الذهنية في القيميات هي كيف نصوغ المعاني الكلية التي هي تقديرات ذهنية عملية يكون لها في التاريخيات ما للرياضيات في الطبيعيات .وبهذه الطريقة سأنهي خرافة العلاقة الجدلية بين حدين متنافيين يفسران مجرى الأشياء في التاريخ سواء بفهمه المروحن عند هيجل أو الممدد عند ماركس أو بالصورة الحالة في الأشياء عند أرسطو أو بالمثال المتعالي عليها عند أفلاطون والذي تشارك فيه الأشياء مشاركة محاكاة سخ رمنها أرسطو واعتبرها من لغو الكلام الشعري ويقصد الخيالي. وبالمناسبة فالحل الذي أبحث عنه هو الذي يفهمنا لغز العلاقة بين \"التاريخ الصغير\" الذي يمثل في الرأي العام الشعبي التفسير المباشر للـ\"التاريخ الكبير\" والذي يبقي ما وراءه إلى \"مكر التاريخ الهيجلي أو إلى \"مكر الله الخير\" عند المؤمن .فبالتاريخ الصغير يمكن تفسير الكثير من أحداث التاريخ الكبير .ومثاله ألأبرز هو محاولات بيان التأثير الذي ينسب إلى النساء في الحكام ودورهن خاصة في مؤامرات المخابرات بحيث إن ما يظن في التاريخ الكبير بطولات قد لا يكون إلا في التاريخ الصغير إلا خيانات. وأحد الأمثلة الأخرى يمكن استنتاجها من كثرة الكلام على سيطرة السيدات في بعض المهن بدعوى أن ذلك من علامات تحررهن وتفوقهن وخاصة في المؤسسات العربية عامة وي الجامعات خاصة .لكن لما تبحث في \"التاريخ الصغير\" قد يصيبك الذهول من علة هذا التفوق الظاهر-دون نفي إمكان التفوق الفعلي عند المقارنة بين الأفراد. لكن السلطان الظاهر الذي للرجال في المؤسسات العربية عامة وفي الجامعات خاصة يجعل السلطان الباطن للنساء تابعا في الظاهر ومتبوعا في الباطن .ولست واثقا من الأمر خاص بالعرب .فلعله ظاهرة كونية نتأت خاصة منذ أن صارت النساء تمارسن كل الوظائف ولا تكتفين بالسلطان الذي كان لهن في البيوت. وينبغي أن يكون ما أبحث عنه حلا لنوعي التاريخ الصغير والكبير أي إنه يحل ما حصوله سوي وما حصوله غير سوي بمعايير تحصيله تماما كما يكون الطب في آن علم الصحة وعلم أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- المرض وعلم الدواء وعلم السم وكل علم إذا كان علما بحق فهو علم للموجب والسالب من موضوعه وإلا فالعلامات التي يستعملها قاصرة .ولنبدأ الآن في الوصل بين العناصر: فهل يمكن لذي الإرادة عند الانتقال منها رمزا له كفرد في شأنه الفردي الذي رأينا أنه ليس فرديا إلا في الظاهر إليه رمزا للجماعة وهو معنى السياسي هل يمكن له أن يكون من دون جمع بين رؤية جماعية (العنصر الخامس) وعلم جمعي (العنصر الثاني)؟ وهل يوجد هذان من دون الذوق الجمعي؟ لكن لماذا لا بد من هذه السلسلة بهذا الترتيب؟ أليس لتحصل القدرة على تحقيق الإرادة سواء كانت فردية أو جمعية؟ وهي في الحالتين جمعية ولكن بمستويين متفاضلين إذ إن الجمعي في الفردي مقصور على هموم الفرد والجمعي في الجمعي يشمل هموم الجماعة إذا كان السياسي سياسيا بحق فيميز بينهما؟ وما قلناه عن السياسي نقول مثله وبنفس الترتيب عن صاحب العلم وعن صاحب الرؤية وعن صاحب الذوق .وهنا نصل إلى بيت القصيد :فالقدرة سواء كانت في الإنتاج (المادي) الاقتصادي أو (الروحي) الثقافي لا بد فيها من شرطي الأداة وشرطي الغاية: .1فشطرا الأداة هما الإرادة والعلم. .2وشرطا الغاية هما الرؤية والذوق. وطبعا قد يتوهم الكثير أن قدرة الانتاج الاقتصادي تكتفي بشرطي الأداة أي الإرادة والعلم .وأن قدرة الانتاج الثقافي تكتفي بشرطي الغاية أي الرؤية والذوق .وهذا خطأ في فهم طبيعة الاقتصاد وطبيعة الثقافة .فلكتاهما تحتاج لشرطي الأداة ولشرطي الغاية. ذلك أن الاقتصاد يحكمه الذوق والرؤية لأن هدفه المستهلك وليس الانتاج للإنتاج .وفي كل الأحوال ليس للعرب اقتصاد بهذا المعنى لأنهم إما يبيعون مادة خاما أو يستوردون أو يسمسرون فيهما .وكذلك والثقافة يحكمها العلم والإرادة كذلك لأن أداتها العلم والإرادة أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وإلا كانت ثقافة عامية كحال الثقافة العربية وخاصة الفن المهيمن حاليا أي الرواية .فهو لا يتجاوز السير الذاتية وأحوال النفس البدائية عند أدباء اميين في الغالب. ها نحن إذن أمام \"رياضيات\" العمل أي المقدرات الذهنية التي تمكن من ترميز الظاهرات التاريخية -أي ما يضيفه الإنسان إلى الظاهرات الطبيعية-ليحصل التاريخ بوصفه تفاعل الطبيعي والثقافي في الاتجاهين إذ يتحول الثقافي إلى طبيعة ثانية ويتحول الطبيعي إلى ثقافة ثانية .والحصيلة هي حضارة الإنسان الكونية. رمزت إلى هذه البنية بنفس المربع الذي تكلمت عليه في المحاولات السابقة المتعلقة بالمعاني الكلية التي هي تقديرات ذهنية وبملتقى قطريه الذي يمثل قلب المربع وهو المعنى الكلي الذي يؤدي أي عنصر يشغله من العناصر الأربعة وظيفة مرآة التعاكس على الذات وعكس بقية العناصر :والابرز في هذا الدور عنصر القدرة التي هي العامل المسيطر على العمل أعني الإنتاجين الاقتصادي والثقافي. ولنعتبر القاعدة المربعة مؤلفة من الإرادة (السياسة) والعلم (المعرفة) والحياة (الفنون) والوجود (الرؤى) .ولنجعل نقطة تقاطع القطرين أي القدرة متحركة فترتفع فوق مستوى سطع المربع لتكون قمة هرم أو تنزل لتكون قمة هرم مقابل للأول بتلامس القاعدتين قاعدتي الهرم الأول والهرم الثاني .فنجد البنية العامة للمقدرات الذهنية النظرية والعملية التي سبق فحللناها. ويمكن رسم قطعة المستقيم الواصلة بين قمتي الهرمين وتمريرها بنقطتي مركز الهرمين فيقطع المستقيم سطحي قاعدتيهما ويكون محور كرة شبه تلاق بين هرمين وذات قطبين هما قمتاهما كأنها كرة ريجبي أو كرة قدم أمريكية وهي بنحو مثل الهندسة الإقليدية نطبقها على عالمنا بوصفه عالما قابلا للوصف بمقدراتنا الذهنية النظرية والعملية. ومثلما أن المعاني الكلية الذهنية النظرية وتطبيقاتها الطبيعية لا تتغير من حيث كونها نظام الضرورة الشرطية التي يتغير مضمونها دون نظامها المفتوح دائما على تطور الشروط أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- (الحدود البسيطة الأولية وقوانين التأليف وهي خانات خالية) فكذلك المعاني الكلية الذهنية العملية وتطبيقاتها التاريخية. ولما كانت مؤلفة من هذه الحوامل الخمس للقيم-الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود ونظائرها في العمل السياسي والبحث العلمي والإنتاج الاقتصادي والثقافي وفي الفنون وفي الرؤى-فهي إذن شبه \"عالم\" الأخلاقيات بالمعنى الأعم نظير عالم الرياضيات بالمعنى العام وكلاهما ليسا من العالم المحسوس .ولا ندري ما طبيعة عالمهما .لكنه من جنس عالم البداية والغاية قبل عالمنا الدنيوي وبعده لأنهما شرطا فهمه والتعامل معه المتغيرين بقدر غوصنا في ترميزه المضاعف لتحديده وللتعبير عن تحديدنا له .فيكون لدينا خمسة عوالم مختلفة تمام الاختلاف: .1اثنان منها للمقدرات الذهنية التي لا تستمد بالاستقراء من العالم المحسوس. .2واثنان منه يقاسان على عالمي المقدرات الذهنية دون مطابقة. .3والأخير غامض ولا ندري طبيعته ما هي وهو عالم الوجود بإطلاق. وهذا العالم الخامس لا يقبل الرد إلى أي منها لكنه هو أصلها جميعا .فنحن نشعر بأنها كلها صادرة عنه وأن ما يصلها به وصلا عير معلوم الطبيعة هو ما للإنسان من قدرة على الترميز المعرفي والقيمي .وهو ما يجعلها جميعا مجهولة «الكيف» القيامي أو ما يجعلها تكون على ما هي عليه: .1عالم المقدرات الذهنية النظرية. .2قست عليه عالم المقدرات الذهنية العملية. .3عالم الظاهرات الطبيعية. .4عالم الظاهرات التاريخية. .5الوجود المجهول الذي نتعامل معه بهذه العوالم الأربعة بوصفه العالم الولود لكل ما يجري في التقدير الذهني بنوعيه وفي تطبيقاتهما ورؤاهما الفلسفية والدينية. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- فلنترجم هذه العوامل بلغة يمكن فهمها بدقة .فعالم المقدرات الذهنية النظرية ومثاله الرياضيات هو الشرط الضروري غير الكافي لعلم عالم الطبيعة إذ لا بد من إضافة ما نفترضه للطبيعة من رموز تحاكي ما نظنه حقائقها وما نستوحيه من التجربة الحسية ونعبر عنها بالمعاني الكلية المقدرة ذهنيا :وذلك هو معنى العلم رمز لرمز. وعلم المقدرات الذهنية العملية ومثاله الأخلاقيات هو الشرط الضروري غير الكافي لعلم التاريخ إذ لا بد من إضافة ما نفترضه للتاريخ من رموز تحاكي ما نظنه حقائقه التي نستوحيها من التجربة ونعبر عنها بالمعاني الكلية المقدرة ذهينا :وذلك هو معنى العلم العملي رمز رمز. فصار لدينا أربعة أنواع من العلوم: .1علم أول يعتبره ابن تيمية كليا ومحضا وبرهانيا ومثاله الرياضيات وهو كذلك لأنه علم معاني كلية مقدرة ذهنية لا علم طبيعيات. .2وقياسا عليه وضعت علما ثانيا أعتبره كليا ومحضا وبرهانيا ومثاله الأخلاقيات وهو كذلك علم معاني كلية مقدرة ذهنيا لا علم تاريخيات. .3ثم يأتي علم الطبيعيات وهو تطبيق علم المقدرات الذهنية بالمعنى التيمي ولا يمكن أن يحقق التطابق مع الطبيعيات التي تضيف التجربة الحسية بأدوات الإدراك الحسي التي يصنعها العلم بل يبقى بينهما فرق معرفي ووجودي .فالمقدرات فاضلة على الطبيعيات معرفيا والطبيعيات فاضلة على المقدرات وجوديا .والفضلان لا نعلم سرهما عدى الغيب وجوديا وعدم الإحاطة معرفيا. .4وكل ما ذكرته عن علاقة المقدرات الذهنية النظرية بالطبيعيات يمكن قوله عن علاقة المقدرات الذهنية العملية بالتاريخيات .فالأخلاقيات تفضل التاريخيات قيميا والتاريخيات تفضل الأخلاقيات وجوديا ولا نعلم طبيعة الفضل عدا ما نرده منهما إلى الغيب وإلى عدم الاحاطة القيمية مثل عدمها المعرفية. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- .5والعلم الخامس هو ما سميته علم الوسميات التي تعتبر كل ذلك مردودا إلى القدرة الترميزية عند الإنسان والتي يشير إليها القرآن الكريم بمفهوم الآية من حيث هي ما يدركه الإنسان الذي له القدرة على التسمية الكونية والتي لأجلها كان الإنسان جديرا بالاستخلاف كما يبين مشهد الحوار القرآني بين الله والملائكة حول هذه الجدارة. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- قراءة ابن تيمية وقبله الغزالي وبعده ابن خلدون محاولة لبيان ما سعوا إليه لتحرير الفكر الإنساني-وليس الإسلامي وحده-من وهم الإحاطة والزعم بأن ما ندركه من الوجود مقوم له بدلا من كونه مجرد محاولات للترميز لما أدركناه منه في مرحلة من مراحل علاقتنا به لكان ذلك كافيا لبيان ثورة مدرسة النقد الفلسفي العربية وأكبر جزاء لاجتهادي. ولذلك فلا بد من التذكير بالجملة الرئيسية في نص ابن تيمية الذي وضع مفهوم المقدرات الذهنية النظرية وحصر \"العلمية الأولية الكلية والمحضة والبرهانية\" فيها دون سواها من المعرفة ونفى هذه الخصائص الأربع عن علوم الظاهرات الخارجية. وقد غامرت فوضعت قياسا على نظريته في المقدرات الذهنية النظرية المتصف علمها بفصات \"الأولية والكلية والمحضية والبرهانية\" لتأسيس علوم الطبيعيات عليها بالاحتكام إلى التجربة نظرية في المقدرات الذهنية العملية المتصف علمها بنفس الصفات الغرض من أجل تأسيس علوم التاريخيات عليها وعلى التجربة لأنها مثل الطبيعيات ليس فيها علم أولي وكلي ومحض وبرهاني. فكلام ابن تيمية كان عاما واكتفي بالمقابلة \"تقدير ذهني-ظاهرات خارجية\" دون تمييز بين الظاهرات الخارجية الطبيعية والظاهرات الخارجية التاريخية .وكان علي لبيان الفرق أن أورد المقابلة بين الضرورة الشرطية في الطبيعيات والحرية الشرطية في التاريخيات للفرق بين الفعل الطبيعي والفعل الإنساني .وأعتقد أن عدم تحقيق ذلك يجعل العلوم الإنسانية مستحيلة. وهذا نص ابن تيمية الذي يحدد طبيعة المعاني الكلية المقدرة ذهنيا وطبيعتها غير المقومة للأشياء لأنها مثل رموز تشير إليها: \"ولكن المعاني الكلية العامة المطلقة في الذهن كالألفاظ المطلقة العامة في اللسان وكالخط الدال على تلك الألفاظ .فالخط يطابق اللفظ .واللفظ يطابق المعنى .فكل من الثلاثة يتناول الأعيان الموجودة في الخارج ويشملها ويعمها لا أن فيه هذا وهذا .فإن هذا لا يقوله أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- من يتصور ما يقول وإنما يقوله من اشتبهت عليه الأمور الذهنية بالأمور الخارجية أو من قلد من قال ذلك من الغالطين فيه\"(درء التعارض). وهو يقصد أرسطو والمشائين وكذلك أفلاطون والأفلاطونيين لأن هذه الجملة هي النتيجة التي انتهى إليها في دحضهم جميعا سواء كانت الكليات مفارقة أفلاطونيا أو محايثة ارسطيا .ولا أخفي أني لما قرأت هذه الجملة أول مرة ذهلت. هل يعقل أن يزعم ابن تيمية ما من نتائجه إذا تم أثباته تهديم نسقي لكل الفلسفة السابقة التي كانت مسيطرة منذ أربعة قرون قبل الميلاد إلى القرن الرابع عشر بعده؟ كيف يقول إن المعاني الكلية ليس مقومة للأشياء الموصوفة بها وليست ثابتة كما كانت تزعم الفلسفة قبله بل هي كاللغة والكتابة ترمز لما بدا لنا منها وهي متغيرة؟ وكيف يزعم أن علم الأشياء الخارجية لا يمكن أن يكون \"أوليا ولا كليا ولا محضا ولا برهانيا\"؟ لو سمعه ابن رشد لنتف لحيته هو لا لحية ابن تيمية. وكيف أصل ذلك بنظريته اللسانية التي تنفي المقابلة \"حقيقة-مجاز\" بحيث إن كل نظريات علم الكلام تسقط في الماء ومثلها النظريات الأدبية والتواصلية بين البشر كذلك ما يعني أن اللغة كلها تفيد باستعمالها وليس لها دلالة على الحقيقة ولا على المجاز. والدلالة ليس فيها ما هو حقيقي ولا ما مجازي لأنها جميعا مجرد مواضعات استعمالية في جماعة المتواصلين بها ليس فيها من حقيقة ما ترمز إليه شيء ومن ثم فلا معنى للمقابلة بين الحقيقة والمجاز. وقد يكون من أكبر الأدلة الدلالة على الجنس في الأسماء .فهل جنس اللفظ بين التذكير والتأنيف في الأسماء يفيد حقيقة التذكير والتأنيف في المسميات .من له ذرة من عقل يقبل هذه الفكرة السخيفة بمجرد أن يقارن بين اللغات .وواضح أن المستهدف في النقد التيمي ليس المنطق كما يتوهم من يبالغون في الكلام على موقفه من المنطق الأرسطي فتسمع كل من هب ودب يخرف حول ذلك بل هو الميتافيزيقا التي تؤسس لاستعماله على الأشياء الخارجية أي شروط الانتقال من التحليلات الأوائل وهي البحث المنطقي أو حساب علاقات أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- المعاني البسيطة من حيث التراكب والتقاطع وعدمهما وما يترتب على ذلك في الانتقال من المقدم إلى التالي الانتقال إلى التحليلات الأواخر التي هي التأسيس الميتافيزيقي لتطبيقه على الوجود الخارجي دون هذا الاحتراز التيمي للظن بأن المعاني الكلية مقومة للأشياء وليست مجرد رموز تشير إليها. وإليك النص الكافي للدلالة على ذلك: \"ومن علم هذا (يعني مضمون الشاهد الأول) علم كثيرا مما دخل في المنطق من الخطأ في كلامهم في الكليات والجزئيات مثل الكليات الخمس الجنس والفصل والنوع والخاص والعرض العام وما ذكروه من الفرق بين الذاتيات واللوازم للماهية وما ادعوه من تركيب الأنواع من الذاتيات المشتركة المميز التي يسمونها الجنس والفصل وتسمية هذه الصفات أجزاء الماهية ودعواهم أن هذه الصفات التي يسمونها أجزاء تسبق الموصوف في الوجود الذهني والخارجي جميعا واثباتهم في الأعيان الموجودة في الخارج حقيقة عقلية مغايرة للشيء المعين الموجود\" (درء التعارض). ما هذا؟ كل المقولات التي يعتمد عليها تطبيق المنطق على الوجود الخارجي وادعاء ما يحصل من العملية المنطقية بها علما صارت في مهب الريح. لم يبق الرجل شيئا من الميتافيزيقا إلا واقتلعه من الجذور .كل هذه المعاني الكلية أصبحت لاغية ولم يبق لها أدنى شرعية تجعلها مقومة للأشياء بل هي إن قبلت فتقبل بوصفها رموزا قابلة للتغيير إذا لم يكن دورها في \"توصيف\" الأشياء الخارجية مساعدا على تحقيق غاية البحث العلمي :فيحكم بنهاية دورها والبحث عن بديل عنها يكون أكثر دقة في الإشارة إلى علامات أفضل. بالتونسي هذا يعني أن ابن تيمية \"فتح غار نمالة\" في الفكر الفلسفي والديني لا يقبل السد .إذا سقطت كل المقولات الميتافيزيقة التي وضعها أفلاطون وأرسطو فلكأن كل ما بني أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- في الفلسفة السابقة صار رميما وعلى الإنسانية أن تؤسس لمرحلة جديدة تحرر الإنسان من اعتبار نفسه مقياس كل شيء: .1في نظرية المعرفة. .2وفي نظرية القيمة. ما انتبه إليه ابن تيمية وقبله حاوله الغزالي وبعده جربه ابن خلدون هو بيان قول الفلسفة بنظرية المطابقة في المعرفة وفي القيمة-ومنها استمد الكلام والتصوف والفقه وأصلها جميعا أي التفسير نفس الموقف-هو تبن لرؤية الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه السوفسطائية دون الاحتراز السوفسطائي الذي يقصر قولهم على ما هو نسبي إلـى الإنسان مع لا أدرية في ما يمكن أن يوجد خارج ما هو نسبي إليه. وهذا القول بالمطابقتين من دون الاحتراز السوفسطائي غلو في السوفسطائية بخلاف ما يزعم أفلاطون وأرسطو اللذان يتهمان السوفسطائية بمعاداة الحقيقة .فهما قد انتهيا إلى غلو لم يقل به السوفسطائيون أي إلى ما سماه ابن خلدون وهم \"رد الوجود إلى الإدراك\" وهو ما اعتبره أصل كل المغالطات في الفلسفة والكلام والتصوف والفقه والتفسير. وهذا الحدث الجلل ما كان ليحصل لو لم يكن محاولة من المدرسة النقدية للبحث في تأسيس رؤية للمعرفة والقيمة يمكن أن تجعل قولة ابن تيمية تصبح فعلية :لا يمكن للعقل الصريح أن يتعارض مع النقل الصحيح .وفي هذه القولة نفي ضمني لوهمين: .1صحة النقل شرطها عقليته. .2صراحة العقل شرطها نقليته. وكلا الوهمين مضاعف .فـما كان يحول دون مبدأي ابن تيمية في نقاشه لرؤى الرازي - في الدرء-هو أساس مبدأي العقليين أي: .1مبدا قياس الغائب على الشاهد. .2ومبدأ رد المنقول الى المعقول بالتأويل عند التعارض. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- كما ن ما كان يحول دونهما هو مبدآ النقلانيين المعاكسين لمبدأ العقلانيين .وكلتا المدرستين تستند إلى تعليل خاطئ في فهم النقلي والعقلي في آن .وهنا يكمن عمق علاج ابن تيمية في رده. وأبدأ بمبدأي النقلانيين الذي كان مصدر كل تخريفهم حول تميز المعرفة النقلية عن المعرفة العقلية وكأنهم يزعمون لها إحاطة ليست ممكنة للبشر بمن فيهم الرسل: .1يتوهمون أن النقلي فيه علم الغيب ويعتبرون ذلك علة استحالة التطابق بينه وبين العقلي .وهو خطأ والقرآن في ذلك صريح :فالغيب محجوب ولا يمكن أن يوجد علمه في القرآن مثلا حتى وإن تضمن القرآن الاعلام بوجوده لأنهم نسوا أن أعلم به ونفى علمه حتى على الرسل ناهيك عن دعاوى النقليين .لكن لتوهمهم علة أخرى مصدرها العقلانيون: .2فـمن يزعمون العقلانية يخلطون بين الغيب والغائب .ذلك أن قيس الغائب على الشاهد قد يقبل إذا كان الغيب مما يقبل أن يصبح شاهدا في هذا العالم -أو إذا كان من التجربة الممكنة بلغة كنط-في حين أن الغيب لا يقبلها وهو معرف في القرآن الكريم بكون الإنسان لا يدركه إلا لما يصبح بصره حديدا أي في الآخرة. ولا يمكن لعاقل أن يقول في آن :القرآن رسالة للإنسان ثم يدعي أن فيه غيبا في حين أن معنى الرسالة هي أن تكون قابلة للفهم من المرسل إليها وفي حين أن هذه الرسالة تعلم المرسل إليه بوجود الغيب وتعلمه كذلك بأنه محجوب عنه. وبذلك يتبين أن العقلانيين المزعومين يخطئون ليس في الكلام على رد النقلي إلى العقلي بل وكذلك في توهم العقلي مدركا للغيب-بدليل قول ابن رشد في تفسير آل عمران 7بأن الرسوخ في العلم يمكن من تأويل المتشابه ومن ثم فواوها عطفية وليست استئنافية-وهذا هو المنطلق التيمي لتعريف العقل الصريح. وقبل هذا التعريف لا بد من فهم معنى خطأي كلتا المدرستين \"كلاهما مضاعف\" .فالنقل الصحيح لها دلالتان: أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- .1صحة المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية عملية في الدين وليست موجود في الخارج إذا قصدنا به الوجود المدرك بالحواس. .2وصحة المعرفة التي تطبقها على التاريخ الإنساني الذي هو في الخارج لكنها معرفة ليست أولية ولا كلية ولا محضة ولا برهانية. والعقلي الصريح له دلالتان تكلم عليهما ابن تيمية وقياسا عليهما ضاعفت النقلي: .1المقدرات الذهنية النظرية ومنها الرياضيات والمنطق وهما مما لا وجود له في الخارج إذا قصدنا المدرك حسيا. .2تطبيقاتها على الوجود الخارجي ومعرفته كذلك ليست أولية ولا كلية ولا محضة ولا برهانية. إذن فالمقدرات الذهنية بنوعيها التي تكلم عليها ابن تيمية والتي قستها عليها كلها علمها أولي وكلي ومحض وبرهاني .لكن تطبيقاتها على الوجود الخارجي المحسوس ليس لها أي من هذه الصفات الأربع من الصفتين لعدم التسليم بالمطابقة في الرؤية الجديدة التي يشترك فيها فلاسفة المدرسة النقدية الثلاثة للمعرفة والقيمة. فلو قارنا النوع الثاني من العقلي ومن النقلي أي تطبيق المعاني الكلية المقدرة ذهنيا في الحالتين لوجدنا أنهما كلاهما تطبيق لا يمكن أن يكون مطابقا للمعاني الكلية الرياضية في الطبيعة والخلقية في التاريخ ولاستحال في هذه الحالة اعتبار أحدهما أولى من الثاني بدور المعيار للآخر .والعلة بينة. فكلاهما له مضمون نقلي سواء كان طبيعيا أو تاريخيا وكلاهما عند فصله عن المضمون يكون من التقدير الذهني الذي هو أولي وكلي ومحض وبرهاني .خطأ الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمتصوفة والمفسرين هو عدم التمييز بين التقدير الذهني والعلم الذي له موضوع خارجي. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- والحصيلة العقلي إذا كان علما للخارج فهو ذو مضمون نقلي سواء كان من الطبيعة أو من التاريخ والنقلي إذا كان علما للخارج فهو ذو شكل عقلي سواء كان الشكل المنطقي الأرسطي المطبق أو أي منطق آخر إذ كونه علما يعني انتظامه بعقلانية ما. أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- وصلت إلى الغاية لكني قد أتهم بأمر لا يمكن أن يفهمه من يحمل القرآن ما لا يحتمل. فكل الذين يريدون أن يكون القرآن \"صندوق ماعون\" في صنعتهم يوظفونه في كل شيء قد يتهمون قولي إنه لا يتضمن علما بالغيب بالكفر .لأن مفاده أن ما فيه لا يتجاوز ما يعلمه العقل مع نفي أن يكون علمه وقيمه مطابقين في النظر والعمل لأن المطابقة تعني العلم المحيط أو رد الوجود إلى الإدراك. ولن أعجب من ذلك .فأربعة عشر قرنا لم تمكن علماء الملة الخمسة (المفسرون والمتكلمون والفلاسفة والفقهاء والمتصوفة) من التعامل مع القرآن بما أمر به بل تعاملوا معه بعكس أمره في فصلت 53ليجعلوه نيها وبعكس نهيه في آل عمران 7ليجعلوه أمرا .تركوا النظر في الآفاق والأنفس لتبين حقيقة القرآن وذلك هو عكس الأولى وانشغلوا بالمتشابه وذلك هو عكس الثانية .فكان التحريف النسقي للقرآن. وتلك هي علة التهمة الممكنة التي يمكن أن تلصق ب واعتباري قد خرجت عن الملة لأنهم يخلطون بين اجتهادهم وخرافة المعلوم من الدين بالضرورة .قد بينت أنه لا يوحد معلوم لا من الدين ولا من الدين يكون بالضرورة لأنه لو وحد لصار علما محيطا ونهائيا. والقرآن يعرف نفسه بكونه رسالة تذكير خاتمة .والتذكير يكون بعلم سابق لدى من جاءت الرسالة لتخرجه من النسيان بتذكيره بما نسي .فهل كان الإنسان يعلم الغيب لكي يذكره به القرآن؟ أم هل الرسالة تتوجه إلى مرسل إليه بما لا يمكن أن يفهمه أو يعمله فيكون إرساله إليه بلا معنى؟ ألا تتضمن الرسالة نفي علم الغيب على غير الله بالعلم المحيط وتكتفي بالإعلام بوجوده دون الافصاح عن مضمونه؟ وكل ما يقوله القرآن تذكير للإنسان بمقدرات ذهنية عملية-اخلاقيات في التاريخيات من جنس الرياضيات في الطبيعيات-حول خمس موضوعات لا غير: .1حول المرسل أو الله. .2حول المرسل إليه أو الإنسان عامة. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- .3حول الرسول والخاتم خاصة. .4حول طريقة التبليغ تربية وحكما. .5حول مهمتي التكليف أي التعمير والاستخلاف وما يمكن منهما. ورغم أن ابن تيمية لم يقل إنها مقدرات ذهنية مرسومة في ما فطر عليه الإنسان وأن وظيفة الرسل التذكير بها فحسب والاجتهاد في تطبيقها على التاريخ الإنساني السياسي والديني فهو أيضا قد قال إن الكليات على نوعين: .1الأول وصفه بالمعاني الكلية التي هي أولية وكلية ومحضة وبرهانية .وما يعلم بواسطتها من الوجود الخارجي ليس له هذه الصفات لأن فيه دائما بعدا تجريبيا استقرائيا. .2لكنه قال إن الأديان فيها كليات ولم يحدد طبيعتها وإذا سماها كليات فلا يمكن أن يقصد غير ما قصده في الأولى وإلا لأوضح ما تتميز به عنها ومن ثم فهو يعتبرها من نفس الجنس من حيث خصائص المعرفة لكنها علمية. وإذن فهي من جنس المعاني الأولية والكلية والمحضة والبرهانية وهي إذن مقدرات ذهنية مرسومة في ما فطر عليه الإنسان .فيكون الإنسان رياضيا وأخلاقيا بالطبع والمعاني التقديرية الأولية والكلية والمحضة والبرهانية هي عين فطرته وهي منفتحة إلى الأبد وليست معلومة دفعة واحدة رغم أن علمها أولي وكلي ومحض وبرهاني. ولهذا النوع الثاني من المعاني العملية أيضا مثل المعاني النظرية ما يعلم بواسطتها من الوجود الخارجي وهو التاريخيات التي هي مثل الطبيعيات ليست أولية ولا كلية ولا محضة ولا برهانية لما فيها من بعد تجريبي. وإذن فمثلما أن الطبيعيات تطبيق للرياضيات بالتفاضلين اللذين وصفت فكذلك التاريخيات تطبيق للأخلاقيات بالتفاضلين اللذين ذكرت :الخارجي يفضل وجوديا والذهني يفضل معرفة .ولا يوجد علم إنساني بالموجود الخارجي ليس اجتهاديا غير محيط .وحتى التقدير الذهني فهو غير محيط لكنه تابع لكيانه من حيث هو مستعمر ومستخلف وهما أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- تجهيزاه الممكنان من النجاح فيهما وهما متطوران بتطور الإبداع الذهني من منطق الفطرة المعرفية والفطرة القيمية مصدرين للإبداع الرياضي والخلقي لا ينضبان. وسأحاول بيان ذلك ببداية دليل يفهمه حتى من ليس له تكوين فلسفي عمقي .فالإنسان له كيان عضوي وهو أصل التقدير الذهني العلمي وكلنا يعلم أن البدن الإنسان هو أول مصادر القياس الكمي في مكانيا كان أو زمانيا :نقيس المكان بالشبر والذراع والباع والخطوة ونقيس الزمان بما نقيس به المكان عندما نرجم قطع المسافات إلى مدة قطعها والعسك. وله كيان يعود عليه ليعي منه ما يعيه ولنسمه روحه وهو أصل التقدير الذهني القيمي. فلا يمكن لأي إنسان أن يفهم العدل إلا بما يحصل عليه من ظلم فيكون شعوره بالظلم وشعوره بالعدل مقياسهما وعيه بما يعانيه منهما. ومن ثم فكيان الإنسان البدني وحدة قيس والوعي وحدة قيس وكلاهما بداية الصوغ الرياضي للحيزين اللذين بهما يتحقق كيان الإنسان في العالم وليس بالصدفة أن كانت بدايات الفلك مرتبطة بالزراعة وكلاهما مرتبط بسد الحاجات ومن ثم بالتعمير .والمكان والزمان من حيث صوغهما الكمي هما أصل في بداية كل علم رياضي وتطبيقاته .عضويا كيان الإنسان أصل لترييض المكان وروحيا كيانه أصل للترييض الزمان والإنسان بهذا المعنى هو وحدة القيس الأولى للمكان والزمان والوعي بالقيم أصل لكل بداية للأخلاقيات وشروط التبادل العادل والتعايش السلمي بين البشر. وقد سبق أن بينت أن كل الرموز التي نعبر بها عن الأشياء تعود إلى الرسم المكاني وإلى الإيقاع الزماني بما في ذلك اللغات الطبيعية .وهو ما أدى إلى اعتباري اللغة العربية مثلا لا تتألف من الثالوث المعتاد (اسم وفعل وحرف) بل قبل ذلك لا من الرسم في المكان ومن الإيقاع في الزمان .هما العلامتان الأوليان للتواصل الحي وفيهما يكون الكلام أداة رسم وتنغيم قبل أن تكون له دلالة الاسم والفعل والحرف. لكن النحاة سموا الظاهرتين بردهما إلى الاسم والفعل فسموا الأولى اسم الفعل والثانية اسم الصوت .فعندما أقول زقزق أو رفرف فأنا استعمل كلمة تسمي نفسها بصوتها وبها أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- اسمي الأشياء يكون اسمها من صوتها علامة عليها .وعندما أقول \"صه\" فأنا استعمل رسما بعبارة جسدية وضع الاصبع على الشفتين للإسكات. لكن قد لا يفهم هذا المعنى إلا بمثال أوضح هو الذي يبين المعنى العميق لما يسمى اسم الفعل لأنه سيغني عن المقابلة حقيقة مجاز .أقول \"يقدم رجلا ويؤخر أخرى\" أكون قد قلت جملة كاملة هي في الحقيقة رسم لفعل يفيد فعلا :فالفعل الأول هنا هو حركة التقدم والتأخر في المكان .والمفاد هو التردد. علامات التردد رسمت في المكان فصارت اسما لفعل التردد .وهو ما يعني قلبا تاما للعلاقة بين البلاغي والنحوي .فتزيد نظرية ابن تيمية قوة لقوله المعاني الكلية رموز مثل الألفاظ والكتابة ولا تفيد حقيقة ولا مجازا بل تفيد عادة بلاغية في لغة من اللغات أو عادة استعمالية في التواصل .والقرآن يعمل بها. ما يقوله القرآن عن موضوعاته الـخمسة أي المرسل (الله) والمرسل إليه (الإنسان) والرسول (الخاتم أو أي رسول آخر) والطريقة التبليغية (سياسة التربية والحكم) ومهمتي الإنسان (تعميرا واستخلافا) وتجهيزه لتحقيقيها (النظر والعقد والعمل والشرع) كل ذلك كذلك ليس فيه حقيقة ولا مجاز :عادات تواصل. وهذه المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية عملية متعلقة بالأخلاقيات تساعد في العبارة عن التاريخيات وما بعدها مثلما أن الرياضيات تساعد على العبارة عن الطبيعيات وما بعدها هي القرآن الذي يتكلم على عالم ليس من الشاهد بل من الغيب تماما كما تتكلم الرياضيات عن عالم ليس من العالم المادي. ولا أحد يمكن أن يقول ما طبيعة العالم الذي تتكلم عليه الرياضيات رغم أنها شرط الكلام على العالم الطبيعي بمنطق الضرورة الشرطية ولا أحد يمكن أن يقول ما طبيعة العالم الذي تتكلم عليه الأخلاقيات رغم أنها شرط الكلام على العالم التاريخي بمنطق الحرية الشرطية .ها قد وصلنا إلى معيار الانتخاب. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- فلنسأل أنفسنا :إذا لم يصدق صوغنا الرمزي لشيء من الطبيعة وعبارتنا عنه هل يمكن للشيء أن يكذب فيظهر لنا غير ما يبطن؟ من نلوم في حالة الخطأ البين؟ طبعا لا نلوم الشيء لأننا لا نستطيع أن ندعي أنه قد نافق وكذب علينا فأظهر عكس ما يبطن .نرجع المسؤولية لأنفسنا ونعيد النظر في ما تحديدنا. لماذا نفعل ذلك؟ أليس لأننا نعتقد أن الشيء الطبيعي ذو: • نظام • وأن هذا النظام خاضع للضرورة الشرطية؟ فإذا وجدنا الشرط وجدنا المشروط فيه لأنه لا يكذب ولا ينافق؟ لكن هل يمكن أن نطبق ذلك على الإنسان؟ هل يمكن أن نتجاوز ما يظهره الإنسان فنتأكد أن ما يظهره هو عين ما يبطنه؟ فما العلة؟ أليس لأننا نقيسه على أنفسنا ونعلم أننا يمكن أن نخادع غيرنا فـ\"نمثل\" دورا يجعل العلامات الخارجية تفيد عكس الحقيقة الباطنية في نويانا ومقاصدنا؟ وحينها فمن يظهر حرية الإرادة وصدق العلم وخيرية القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود ليس هو بالضرورة كذلك فقد يكون باطنه عكس ظاهرة .وهذا ينطبق خاصة على ما نستطيع فعله لو كان سلوكنا مثل سلوكه وهو امر في مستطاعنا وإرادته أو كراهته هي ما نعتبره علامة حريتنا الشرطية. هل يوجد منا من يصدق حقا أن السياسي العربي ذو إرادة حرة؟ وأن العالم العربي ذو علم صادق؟ وأن ذا القدرة العربي ذو قدرة خيرة؟ وأن الفنان العربي ذو ذوق جميل؟ وأن العربي ذا الرؤية دينية كانت أو فلسفية ذو رؤية حقيقية؟ فلو تصورنا سلطة تريد أن تنتخب بهذه المعايير فلا شيء يضمن عدم الخداع في كل حالة من هذه الحالات. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- لكن إذا كانت السلطة هي بدورها تفعل ذلك وبقصد حتى تخفي أنها هي بدورها مخادعة لشعبها وأنها بالعنتريات تدعي أنها \"سترمي إسرائيل في البحر\" أو أنها \"ستنقل المعركة إلى قلب إيران\" وهما نوعا العنتريات العربية التي لم تعد تنطلي على الشعوب هل يمكن أن نحلم بانتخاب معبر عن حقيقة الكفاءة الفنية والجدارة الخلقية المنتظرة من صاحب الإرادة أو العلم أو القدرة أو الحياة أو الوجود؟ ولذلك فالحكام لم يبق لهم لم يبق لهم إلا الأجرام واحاطة أنفسهم بمن يشاركونهم ذلك في العلم والقدرة والحياة والوجود .وفي الحقيقة فإن من يفرض الحكام هو من يفرض معاونيه منهم. قد لا يفهم ذلك من يتصور أني أتكلم على الحكام وحدهم أي على الإرادة وحدها .لكن ذلك صحيح على العلم في الجامعات وفي \"النجوميات\" العمومية مثل الصحافيين والمحللين و \"المثقفين \" .وعلى القدرة في الاقتصاديات وفي الثقافيات وعلى الذوق في الفنونيات وعلى الرؤى في الدينيات وفي الفلسفيات :كل هذه المجالات لم يبق فيها إلا خداع العملة الزائفة. وفي هذه الحالة تفهم لماذا لا يمكن لهذه النخب الخمسة السياسية والعلمية والانتاجية اقتصاديا وثقافيا والفنية والرؤيوية أن تكون توابع للتوابع .فالسياسة تابعة لمن يحميها ضد شعبها فتختار من يحتمي بها من شعبها حليفا ضد شعبها حتى تكون عند حاميها ممثلة لما ينتظره منها :استعمار غير مباشر. والأدهى أنه لم يعد كما كان متخفيا بظاهر من \"السيادة\" الشكلية بل صار علنيا بحضوره الفعلي في شكل قواعد عسكرية ومستشارين سياسيين وعلميين واقتصاديين وثقافييين وفنيين وخاصة رؤيويين ولم يبق في البلاد العربية إلا هؤلاء والشعب المضطهد إن لم يجد كيف يفر بجلده إلى حيث يمكن أن يثبت جدارته. صارت مؤسسات الانتخاب تعمل بعكس المطلوب .لا تنتخب من ينبغي أن يكون قادرا على تمثيل إرادة الجماعة وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها بل من يستطيع أن يوهم بأنه أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- كذلك وهو في الحقيقة يسعى لأن يوطد الغفراء الذين يسمون أمراء سواء كانوا من القبائل أو من العسكر لا يهم لأنهم جميعا أمراء حرب. للأمة اليوم أمراء حرب تتحكم في السياسة وفي الجامعة وفي الاقتصاد وفي الثقافة وفي الفن وفي الرؤى وأمراء حرب يتربصون بهم يسمون معارضين والنوعان أدوات بيد نفس المخرج الذي هو صاحب السيناريو الذي اردت وصفه آملا أن يكون الشباب قادرا على علاج هذا الداء وهو معنى الاستئناف الإسلامي والله والموفق. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- سأكتب خاتمة للبحث في \"انتخاب النخب منطقه ودلالته على حال الأمم\" بالتذكير بما كتبته في بحث المائدة والسرير وفنيهما وفي بحث دين العجل .فبهما يمكن فهم كل ما يحدث من فساد الانتخاب عامة في بعديه الجاري في المجتمع عامة (في كل نخبة على حدة) وفي المجتمع السياسي خاصة (في النخبة السياسية) .وأعتقد أن ابن خلدون قد فهم ذلك جيد الفهم عندما تكلم على دور النخب وعلل احاطة الحكام أنفسهم بأرذل النخب \"اللحاسة\". لكن ينبغي أن نفهم ذلك بعلل أعمق من عامل غير قابل للتحديد الدقيق بحصره بعلاقة النخب بالحكام وحدها .فكل هشاشة الإنسان ذات صلة بأمور أعمق وهي متعقلة مباشرة بالمائدة والسرير وفنيهما غاية وببعدي دين العجل وسيلة أو أداة .فدين العجل يمكن من الأداتين لتلكما الغايتين ليس في حالة اخلاد الإنسان إل الأرض بسبب الفسق فحسب (الإسراء )16فحسب -بل حتى عندما يكون الإنسان سويا في حالة غياب الحد الأدنى من أداتي المائدة والسرير أعني بعدي دين العجل :وهنا يتدخل الاقتصاد والثقافة أو نوعي الغذاء المحقق لقيام الإنسان المادي والروحي.. والخوف من فقدان الحد الأدنى يمكن اعتباره أهم محددات سلوك البشر وقد ترتب عليه الكثير من علاج الإنسان لشروط الحياة الجماعية .حتى إنه جعل النصاب شرطا في الزكاة بمعنى أن القيام بفرض الزكاة مشروط بالتخلص من هذا الخوف على فقدان شروط المائدة والسرير في حدها الأدنى وقد قدره الإسلام بما يقيم حياة الإنسان سنة كاملة. فشروط المائدة والسرير هما بعدا العجل أي رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) لتحصيلهما .وبهما ولأجلهما يقع الخداع .وهو ما جعلني أقول في بعض المحاولات إن الفروض الخمسة مشروطة بتعمير الأرض .فيكون هذا التعمير شرطا ضروريا في الاستخلاف على الأقل في مستوى العبادة المباشرة ناهيك عن العبادة غير المباشرة التي هي تعمير الأرض بقيم الاستخلاف وهي التي تجاهلها علماء الاسلام مقتصرين على الأولى. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- ولتبسيط التعليل فلأذكر الآلية المبسطة .فرمز الفعل أو العملة هو شرط سد حاجات المائدة وفنونها وهو شرط سد حاجة السرير وفنونه سدا فعليا .وفعل الرمز أو الكلمة هي شرط التعويض المؤقت بالوعود مثلا حول توفير رمز الفعل أو تجميل سدها .فرب البيت مثلا يسد حاجة أهله بالعملة وإذا لم تتوفر \"يصبرهم\" بالكلمة وإذا وجدت الوفرة يصبح الكلام للتجميل في أحاديث المائدة والسرير. والمعلوم أن الكلمة عند القادرين لا تستعمل للتصبير بل للتجميل خلال سد حاجة المائدة وحاجة السرير .وهكذا نكتشف الدور الذي يؤديه كيان الإنسان العضوي وكيانه الروحي .فالأول لا تسد حاجاته بالكلام بل لا بد من رمز الفعل أو العملة والثاني يمكن أن تسد حاجاته بالكلام لوقت معين ويمكن أن تجمل به. وبذلك وفي الحالتين ندرك بالعين المجردة أهمية دور المرأة في المائدة والسرير وفي فنيهما سواء كانت المرأة حرة أو خاصة جارية .واستعمل جارية ليس بالمعنى القديم بل بالمعنى الذي يجعل المرأة لا تعتبر الأسرة شيئا مقدسا وهي ظاهرة بدأت تعم حتى في مجتمعاتنا وخاصة في الأجيال المتأخرة .ففي هذه الحالة يكون دورها في المائدة والسرير وفنيهما لصيقا ببعدي العجل وخاصة ببعده الأول أي رمز الفعل أو العملة. ولن ينفع معها التصبير حتى لزمن قصير .طبيعي لأن العلاقة بينها وبين الرجل لا تكون من أجل شيء يتجاوز المائدة والسرير إذ لم يعد للأسرة والأبناء ما كان لهما من قدسية كما أن علاقة المودة بين الجنسين لم يعد لها معنى وما عوضها في الاجيال المتأخرة بتزايد مهوم هو علاقة لا تتجاوز ما يطلبه الحيوان من الحيوان. وهذا يصح على الجنسين بمعنى أنه لا يمكن أن توجد جارية من دون ما يناظرها مثيل من الجنس المقابل إما منفعلا أو فاعلا .أعلم أنه لا يوجد اسم مذكر من الجارية لكن الكثير من الرجال جواري رجالية عند النساء القادرات ماديا أو الثريات الباحثات عن المتعة. وهذه الظاهرة \"جارية ذكر\" بارزة في البلاد التي ينبني اقتصادها على السياحة .ففيها لا بد من الجواري الإناث والجواري الذكور لتلبية حاجات القادرين من الذكور والقادرات من أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- الإناث على كلفة المائدة والسرير وفنيهما برمز الفعل (العملة) وبفعل الرمز التجميلي (الكلمة) .والبلد السياحي مليء بالعاجزين دونهما من الجنسين ومن ثم فالظاهرة تتكاثر بسرعة البرق. لكن الأخطر هو أن المجتمعات العربية -وكل المجتمعات في الحقيقة رغم بروز الظاهرة عندنا أكثر وهي ما يعنيني-تنقسم حتى من دون سياحة إلى من هم مثل السواح لأن لهم القدرة على شراء كل شيء وإلى من هم عاجزون عن كل شيء فيضطرون للتجارة الأولى فيكون ممن يلبي حاجات مائدتهم وسريرهم وفنيهما بهما .فالأغنياء والحكام والنخب الخادمة لهم سواح في بلادهم وليسوا من أهلها .وسلوكهم أسوأ حتى من سلوك المستعمر. وسأذكر مثالا يبرز الظاهرة بصورة ناتئة دون أن يكون خاصا بل هو عام .فما جلست يوما في خان الخليلي أو خارجه بين الحسين والأزهر من دون أن يذوب قلبي من هذه الحقيقة المرة التي أراها في جل البلاد العربية الفقيرة والسياحية منها على وجه الخصوص من مستولين جلهم بلا أهل ولا هوية كائنات بشرية يستطع الحكم الذي هو استعماري يفعل بهم فيهم وفي غيرهم كل جرائمه. ولهذا قلت إن ابن خلدون فطن لهذه المسالة .ففي الفصل الذي خصصه لدور الترف في سقوط الأمم والحضارات جمع بين الوجهين :المسألة الاقتصادية والمسألة الخلقية وعلاقتهما بالمائدة والسرير وفنيهما .ولما كان قد خصص فصلا لدور \"اللحاسين\" من النخب في الأنظمة المستبدة يكون الرجل قد تكلم على آلية الانتخاب دون أن يسميها. فلا يكون لي من فضل إلا الجمع بين الفصلين حتى يصبح المشكل هو دور الاقتصاد (المائدة والسرير) والثقافة (فنيهما) في انتخاب الجماعات لنخبها التي من المفروض أن تعبر عن إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها في سلوك الأفراد وفي سلوك من يمثل الجماعة منهم وذلك هو سر الانحطاط الحضاري عندما يكون الانتخاب فاسدا أي يتطابق فيه الاسم والمسمى. أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- ترددت كثيرا قبل الاقدام على كتابة خاتمة للبحث في نظام انتخاب النخب وكدت أن ـأحجم عن كتابتها لأنها في الحقيقة تخرج كل الدنايا في الجماعات ما لا يطاق وهي العلة الأولى والأعقل في ما عليه الوضع في الحضارة الإسلامية عامة والعربية خاصة .وقد تنبه هيجل إلى ذلك .لكنه توهم أنه خاص بالمسلمين لتعصبه ضد الإسلام. فالمائدة والسرير وفناهما وأداتهما أي رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) مبادئ عامة .وهي من المعاني التي تنتسب إلى التقدير الذهني الكلي والذي يمكن من دون تحديد مضمون معين (حضارة معينة) أن نستخرج سننه .وهي سنن أخلاقيات الحرية الشرطية مثل الرياضيات التي هي قوانين الضرورة الشرطية. وابن خلدون أبعد غورا من فكر هيجل لأنه وصف الظاهرة واعتبرها كونية ولم يفسرها كما فعل هيجل بكون الإسلام دين شهواني يولي للجنس وملاذ الحياة الدنيا أهمية كبيرة- لكأنه يتكلم على ما عرف عن الأندلس وليس على ما في القرآن من كلام عليهما في الآخرة فحسب-بل بما حاولت وصفه بسنن كونية تحكمهما. لو توفر لابن خلدون الأدوات المفهومية التي اضطررت لوضعها حتى أفهم المدرسة النقدية في فلسفتنا وأفهم القرآن الكريم لاستطاع أن يقول ما أحاول بيانه بصورة كان يمكن أن تكون أوضح مما أفعل لأنـي ما زلت أبحث عن صياغة تيسر للقارئ الفهم غير العسير علما وأني اشك في \"يسر\" فهم ابن خلدون عند تجاوز قراءاته السطحية. وعلى ذكر ما يحصل لي في خان الخليلي وبين الأزهر والحسين فقد يعجب القارئ لو قلت إن نفس المشهد رغم كونه عكسه يؤلمني كذلك في البلاد التي تصورت أن يتصورها أصحابها ثرية فصار تبديدها ثروات شعبها من مفاخرهم وهم لا يدرون أنهم في وضع أسوا ممن وصفت في خان الخليلي :إنهم عبيد المائدة والسرير وبعدي العجل أكثر منهم. وما وصلت بين الصورتين اللتين تبدوان متناقضتين بالصدفة بل لأن الجمع بينهما هو شرح بليغ للإسراء .16فالعرب اليوم في وضع القرية التي انقسمت إلى أمراء فاسقين (سواء أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- كانوا من العسكر أو من القبائل) وشعوب جائعة مرتين غذائيا وجنسيا بمعنى الحرمان من الحد الأدنى في المائدة وفي السرير وأكاد أقول إن القول قد \"حق على قريتنا\". وعندما تكلمت على بروز الظاهرة في البلاد السياحية فقصدي ليس مقصورا على السواح الأجانب أي من غير العرب بل هو يقصدهم ويقصد خاصة السواح العرب الذي ما دخلوا بلدا إلا وجعلوه ماخورا .وطبعا لا أحمهلم وحدهم وزر ذلك لأن البلاد التي قبلت ذلك أكثر مسؤولية .وقد بدأ الظاهرة \"تمخور\" حتى الأرض الحرام. وهذا هو جوهر الفهم البدائي للحداثة :الغرب أفضل من العرب خلقيا لاستغنائه عن النفاق لأن الترف في البلاد المتحضرة يشبه العلاقة بالخمرة فيها :الخمرة عند المترفين منهم «كيف» .وهو البلاد المتخلفة يشبه الخمرة فيها :الخمرة عند المعدمين تذهب إلى الثمالة بحثا عن الهروب. إن استعمال المائدة والسرير في البلاد الأوربية ظاهرة فعلية .لكن فنيهما يهذبانهما فيها ويحطان منهما عند العرب حاليا لأن الذوق منحط .والعلة أن الغربي مسؤول ويتمتع في عطلته ويعمل في ما عداها .لكن \"المسؤول\" العربي معطل دائما فلا يعمل .ومن ثم فمتعته هي الترف أو الفساد النسقي في المائدة والسرير والتخدير. كيف يمكن أن تطمئن أن انتخاب ممثلي الإرادة أو ممثلي العلم أو ممثلي القدرة أو ممثلي الذوق أو ممثلي الرؤى ليس تابعا لما تفرضه المائدة والسرير غاية والعملة والكلمة أداة في مجتمعات لا حسيب فيها ولا رقيب على كل من بيده سلطان على ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من التاريخ الإسلامي؟ فعندما سمعت قائد السبسي يفاخر بأن أكثر من 60في المائة من الجامعيين نساء تساءلت عن نظام الانتخاب العلمي في الجامعات العربية .لا شك أنه توجد نساء عالمات وفاضلات. لكن كم نسبتهن في هذه الأكثر من 60في المائة؟ ونفس الشيء في الرجال عندما ينتقل القرار للجنس الثاني .فإذا جمعت بين المحددات الأربعة: أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- .1المائدة وفنها غائيا. .2السرير وفنه غائيا. .3رمز الفعل أو العملة أداتيا. .4فعل الرمز أو الكلمة أداتيا. .5في بلاد لا حسيب فيها ولا رقيب لقوانين الانتخاب التي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب هل تعجب مما تراه في بلاد العرب من تصاعد منحنى الانحطاط دون سواه من المؤشرات الحضارية؟ والآن يفهم القارئ علة ترددي في كتابة هذه الخاتمة .فهي فعلا خاتمة محزنة ومؤلمة أكثر مما شهدته في خان الخليلي وبين الأزهر والحسين وفي نظيره في السياحة عامة وفي سياحة العرب في بلاد العرب التي جعلوها مواخير ويسعون الآن لجعل الأرض الحرام نفسه ماخورا علنيا لأنها كانته في سر القصور. وفي حين تجد ملايين الشباب عاجزين عن الزواج فتعنس النساء تجد اغبياء الفقهاء يزعمون حماية \"مباديء الإسلام\" بمنطق ويل للمصلين فيدافعون عن تعدد الزوجات لمن؟ لهم ولمموليهم في حين أن الشباب العاطل يحتار في الحد الأدنى للمائدة والسرير فلم يبق أمامه إلى الغرق في البحر طمعا في جنة أوروبا. ففي تونس اليوم ـأكثر من نصف مليون شاب عاجزين عن سد الحاجات الدنيا في المائدة وفي السرير وهما مما لا بد منه لأي حياة سوية عضويا وروحيا .ومع ذلك تسمع الحمقى يتكلمون على تحرير المرأة التي أصبحت مخيرة بين العنوسة أو دور الجارية لعل ذلك يحل مشكلها الطبيعي فضلا عن طموح الحياة السوية. فهل يمكن في هذه الحالة حماية الشباب من أن يصبح \"بزناسا\" يلهث وراء عجائز السائحات وحتى السواح من أجل لقمة العيش اليومي فضلا عن ضربة الحظ التي يحلمون بها إذا ما نجحوا في اصطياد عجوز أو عجوزة للحصول على شرط الهجرة والحياة التي توفر الشروط الدنيا للحيوان في أوطان لا تحترم الإنسان. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- هل يمكن في مثل هذه الحالات أن تنتظر من الشباب أن يتعامل مع الأشياء والافعال بما تتحقق فيه كرامة الإنسان فلا يغش في الدراسة ولا يخادع ويكذب فتفسد كل معاني الإنسان كما بين ابن خلدون في كلامه على علاقة الترف والفقر في الحضارة المحتضرة كحال العرب الحاليين حيث صار التدين نفاقا محضا؟ لما حضر أحد دعاة مصر ولما حضرت داعية فيانا الدجال علمت ما أصاب الأمة .فالأول تبين رغم وسامته وبكائياته في خطبه أنه أنذل من عرفت الأرض بدليل تأييده السيسي والثاني في ليلة عشاءنا معا خلال أول لقاء معه ولم أكن اعرفه كان يفاخر بصداقته مع أحد أفسد أمراء السعودية الذي متعه بما فاخر به الحاضرين ولم أكن الشاهد الوحيد على «نزاهة» الداعية و\"نظافته\". أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 48
Pages: