أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 12 - -الفصل الرابع 17 - -الفصل الخامس 22 -
--سأقص ما أقض مضجعي من علاقتي بالقرآن الكريم منذ نعومة أظافري :عدم قدرتيعلى الإمساك بالخيط الناظم فيه فكان يبدو لي اقيانوسا متلاطم الامواج لا أستطيع الطفوبل كلما حاولت الفهم أغرق في تداخل موضوعاته وتكرار أقاصيصه دون أن أتبين طبيعة ما بينها من صلات قابلة للإدراك المنتظم.كنت أتخيل فيه مسارب وشعاب متداخلة متقاطعة ومتضاربة متنافية وفي الجملة كنت أشعربضياع حقيقي مع ربيت عليه من تقديس وإيمان بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل.فكان همي الأول والاخير هو كيف يمكن الجمع بين هذا الإيمان الذي لم أشك فيه يوما والارتسام الذي لم أستطع التخلص إلا منذ قريب.والداعي إلى القص مضاعف :أولا هي تجربة قد تفيد الكثير ممن عاشوها مثلي وخاصةفي طفولتهم عندما حفظنا ما تيسر من القرآن المجيد ثم وهذا هو الاهم خاصة لإدراكالحجج الواهية التي يمكن أن يعتمدها أدعياء نقد النصوص في محاولة التشكيك في القرآن الذي هو بذاته نص معجز بحق.والمعلوم أني أنفي خرافة الأعجاز العلمي في القرآن .فلو صحت لكان القرآن معجزا بغيرذاته كأمر موجود بل بمضمونه كأمر يخبر عن موجود .لكنه عندي معجز بذاته كما يكونالعمل الفني معجزا بذاته وبدلالته على صانعه وليس بما يخبر به عن غيره .فتوقع المستقبل مثلا ممكن للعلم ولا دلالة له على الإعجاز.وهو معجز بالذات بهذا الدوار الوجودي الذي يعيشه من يغوص فيه ولا يطفو من تلاطمامواجه إلا وهو قد أدرك من حقائق الوجود ودلالة الدوار الذي عاشه إلا وقد تحرر منالفاني ومن الوسطاء والأوصياء فأصبح حرا روحيا وسياسيا وأدرك معنى كونه إنسانا يمكن أن يراسله الله ويخاطبه بهذا النص المعجز.يفهم الإنسان أن شعوره بكونه إنسانا أهلا لأن يخاطبه الله في القرآن الموجه إلى أيإنسان سمت همته لسماع التذكير بما في ذاته من معاني الإنسانية التي لا يمكن أن يجدأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--مثلها إلا في أعماق نفسه بعد خروجه من غفلة النسيان خروجا هو الهدف الأول والأخير من التذكير القرآني بالإنساني في الإنساني.وأول خطوة خطوتها في الإمساك بخيط ناظم أول هو التمييز بين مقومات الرسالة :فلابد فيها من مرسل ومرسل إليه ومضمون الرسالة وطريقة الإرسال ومنهج التبليغ .وهذهالعناصر الخمسة حددتها آيتان من الإسراء هما 105و 106ولذلك جعلتهما شعار محاولتي قراءة القرآن فلسفيا.َو ِبالْ َحقِّ َأنزَلْنَا ُه َو ِبا ْل َح ّقِ نَ َزلَ ۗ وَ َما َأ ْر َس ْل َناكَ ِإلَِّا ُم َبشِّرًا َونَ ِذي ًرا ( )105وَ ُقرْآ ًنا َف َر ْقنَاهُلِتَ ْق َر َأ ُه َع َلى ال ّنَِا ِس َعلَ ٰى مُ ْكثٍ َو َن َِّزلْنَا ُه َتنزِيلًا ( )106فالآيتان تحددان المرسل والمرسل إليه ومضمون الرسالة وطريقة الإرسال ومنهج التبليغ.لكن هذا الخيط الناظم يصح على كل رسالة حتى لو كانت بين إنسان وإنسان ومن ثم فهولا يمثل الخيط الناظم الذي يتفرد به القرآن الكريم بل هو دون المطلوب وكان لا بد منخطوة ثانية تجعل الرسالة فريدة النوع لأن مضمونها هو عين هذه العناصر أي إنها لا تتكلم إلا على هذه العناصر الخمسة.القرآن رسالة بين مرسل (الله) ومرسل إليه (الإنسان) وطريقة الإرسال (الوحيلرسول) ومضمون الرسالة الذي هو الرسالة نفسها بوصفها تذكير المرسل للمرسل إليه بماينساه مما هو مرسوم في كيانه ومنهج التبليغ (التربية والحكم النبويين) .وإذن فالراسلة لا يفهم إلا بما في الآفاق والأنفس من آيات الله.وكونها تذكيرا بما هو مرسوم في كيان الإنسان يجعلها محددة لمنهج فك شفرتها لأنهامشفرة حتى لا تكون دلالاتها مقصورة على مستوى لغتها الأول بل لها لغة تخصها تكون فيهاالعربية والمشاهد \"المسرحية\" لعرض ما تتكلم عليه يقرآ بآيات الله في الآفاق والانفس أي في الطبيعة والتاريخ وليس في ألفاظها.ما كنت أعيشه من دوار وجودي مما بدا لي وكأنه فوضى في النص هو في الحقيقة فاعليةالجاذبية الخفية التي توقظ في النفس الإنسانية هذه العودة إلى الذات لترى في ذاتها ماأبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--في القرآن من أسرار والغاز لا يمكن تبين حقيقتها إلا بفصلت :53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق.القرآن معجزة بأثره الموقظ وليس بمضمون يغنينا عن البحث العلمي والذوقي والخلقيالذي ندركه عندما نستيقظ بفضل فاعلية الإيقاظ القرآنية .فهو إذن خطاب إيقاظيوليس نصا علميا يمكن أن تستمد منه العلوم من دون الاجتهاد النظري والعقدي والأعمال من دون الجهاد العملي والشرعي الذي يوقظهما فينا.هو استراتيجية وجود توقظ في الإنسان ما جهز به لإنجازها وليس بديلا من عمل هذاالتجهيز الإنساني لإنجاز مهمتيه اللتين يعرفه بهما القرآن :الأولى هي تعمير الأرضوالثانية هي الخيار الحرب بين تعميرها بقيم الاستخلاف أو بدونها .والرسول مبشر للمعمر بقيم الاستخلاف ومنذر للمعمر من دونها.ولا يمكن لقيم الاستخلاف أن تتحقق من دون تعمير والتعمير من دونها تعمير زائف لأنهيتبين في الغاية تدميرا للأرض وليس تعميرا .وأولى قيم الاستخلاف هو ما تحدده النساء( 1البشر اخوة من نفس واحدة فإذا نسوا ذلك صاروا أعداء فيصبح التعمير تدميرا) ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى (الحجرات .)13وهذا هو معنى كونية الرسالة :فهي من الرب الواحد للإنسان الواحد بلا تمييز بين البشربالعنصر أو بالطبقة أو بالجنس .لكنها تعترف بالتعدد الديني بوصفه أمرا واقعا ناتجا عناجتهادات بشرية وهي مشروطة في التسابق في الخيرات (المائدة )48والفصل بينها مرجأ إلى يوم الدين منعا للصراع بين أصحابها.والصراع المسموح به هو الدفاع عن الحرية الدينيةَ { :ولَ ْولَا دَفْ ُع ال َِّل ِه ال ِنَّا َس بَ ْع َضهُمِب َب ْع ٍض َّلِهُ ِّدمَ ْت صَوَا ِم ُع وَ ِب َي ٌع وَصَلَ َواتٌ َومَ َساجِدُ يُذْكَ ُر فِي َها ا ْسمُ ال َِّلهِ كَثِيرًا ۗ وَ َليَنصُ َرنَِّ اللَِّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ ِإنَِّ اللَِّهَ لَقَوِيٌِّ عَزِي ٌز} ()40وبين من الآية أن الحرية الدينية هنا تتعلق بكل الأديان ولم يذكر ما هو خاص بالإسلامإلى في آخر ذكر الأديان الاخرى برموزها :الصوامع للمسيحية والبيع لليهودية والصلواتأبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--لكل دين فلا يخلو منها أي دين بمعنى الدعاء ويأتي أخيرا ذكر رمز الإسلام المساجد ليختم بمعنى الديني :ذكر اسم الله.وإذا كان ذلك كذلك وكان القرآن تذكير بما في فطرة الإنسان مرسوما في كيانه منالمعاني التي يوقظها في نفسه فإن القرآن ينبغي أن يتضمن معادلة هذا \"الأمر\" الواحد فيالإنسان من حيث هو انسان وحددته آيتا الأعراف 173-172بوصفه ميثاقا بين الله وابناء آدم رسم فيهم من بدء الخليقة.شهادة حرة واعتراف بالغفلة ودلالة على التذكير َوإِ ْذ أَخَ َذ َر ّبُِ َك مِن َبنِي آدَمَ ِمن ُظ ُهورِ ِهمُْذ ِرّ َّيِ َت ُه ْم َوأَشْهَ َد ُهمْ َع َل ٰى َأن ُف ِس ِه ْم َأ َلسْ ُت ِبرَ ِّب ُكمْ ۗ قَالُوا َبلَىٰ ۗ َش ِه ْد َنا ۗ َأن تَ ُقو ُلوا َي ْومَ ا ْلقِيَا َم ِة إِ ِنَّا كُ ِّنَا عَنْ هَٰذَا َغافِ ِلي َن ()172ثم إن الشهادة الحرة مشفوعة بالتنبيه إلى الاعتذار الذي يحتج به الإنسان لتتنصل منالمسؤولية عن غفلته عن الميثاق المرسوم في كيانهم\" أَ ْو تَقُولُوا إِ ِّنَمَا َأشْ َر َك آ َبا ُؤنَا ِمن قَبْ ُل َوكُنَِّا ذُرِّ َِّي ًة ِّمن بَ ْع ِد ِه ْم ۗ َأ َف ُت ْه ِلكُ َنا ِب َما َف َع َل الْ ُمبْ ِطلُونَ\" (.)173وهنا وصلت إلى الخيط الناظم الذي هو في آن بينة القرآن وبينة كيان الإنسان وبينةعالم الوجود الدنيوي المشروط في قيام الإنسان من حيث هو هذا الشاهد بالميثاق :وهو ماسميته بالمعالة الوجودية :علاقة مباشرة بين الله والإنسان (مستخلف وخليفة) ثم علاقة غير مباشرة بينهما لا تفهم من دونها.وهذه العلاقة غير المباشرة التي لا تفهم من دون المباشرة هي التوسط بين الله والإنسانبما يقيم الوجود الإنساني أي ما سمته فصلت 53بآيات الله في الآفاق والأنفس .فالآفاقهي الطبيعة والتاريخ المحددين لآفاق وجود الإنسان والأنفس هي كيان الإنسان الذي هو طبيعي وتاريخي أو عضوي وروحي. ويمكن أن نكتب المعادلة على النحو التالي: .1الله .2الطبيعة ( .5العلاقة المباشرة بين الله-الإنسان)أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- .3التاريخ .4الإنسان.فيكون الله والإنسان قلب المعادلة وحديها وذلك هو مضمون الميثاق ومضمون القرآن ومضمون كيان الإنسان ووعيه بكيانه.فيكون القرآن الذي بدا لي عديم النظام ومحيرا ومتلاطم الامواج التي ضللت في شعابهافلم أكتشف طريق الخروج من الغرق في الدوار الوجودي إلا بعد أن أدركت هذه المعادلةالتي لا يمكن ألا يجدها إنسان في نفسه ولا يجد نفسها فيها :إنها معادلة القرآن ومعادلة العالم ومعادلة علاقة الإنسان بربه.أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--كيف أمكن استخراج هذه البنية المعادلة؟ ما ساعد في ذلك هو البحث في المسائل التالية: .1المرسل .2المرسل إليه .3مضمون الرسالة .4طريقة الإرسال أو الرسول صفاته ودوره .5منهج التبليغ.وهذه المسائل هي التي إذ ميزناها وحللناها أمكن التحرر من الغرق في ما يبدو فوضى عارمة في نص القرآن.ذلك أنها كلها ترد مرتين وفي كل مرة ترد جميعها بما بينها من علاقات لا تقبل الفصللأن منظومتها هي ما تتكلم فيها الرسالة بوصفها تذكيرا بها باعتبارها مرسومة في كيانالإنسان وهي لا تأتي بأمر جديد يخصها بل تكتفي بالتذكير بها أو بتحرير الإنسان من النسيان والغفلة بسبب أخلاده إلى الارض.فالمرة الأولى هي المرة النقدية أو نقد تحريفات الديني في الأديان التي عرفتها البشريةفي تاريخها ويذكر منها القرآن خمسة معتبرا الإسلام أصلا لها جميعا وهي تحريفاته .فيذكرمنها اثنين منزلين (اليهودية والمسيحية) واثنين طبيعيين (الصابئية والمجوسية) وأصل كل تحريف (الشرك)في سورة الحج .17والمرة الثانية هي الكلام في الرسالة الواحدة التي تتعدد إما بمقتضى تطور الإنسان إلىبلوغه نضوجا يمكنه من تلقي الرسالة الخاتمة أو بمقتضى التحريفات التي تضاف إلىالديني في الأديان أو الإسلام الفطري لتفسده بعلتين متلازمتين الوساطة نفيا للحرية الروحية والوصاية نفيا للحرية السياسية.وكل مرة ينبغي أن تصرف في خمس ورودات :ترد لنقد تحريف مفهوم الله المرسل ومفهومالإنسان المرسل إليه ومفهوم الوحي طريقة الإرسال ومعه الرسول صفات وأدوار ومفهومأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--مضمون الرسالة ومفهوم منهج التربية والحكم لتحقيق عينة من الرسالة قد تنجح وقد تفشل وغالبا ما تفشل بسبب التحريف.ومن هنا يتأتى ما يبدو تكرارا وهو في الحقيقة مناظير العلاج أو مداخله من منطلق هذهالمفهومات إما للنقد أو للبناء على ما يخلصه النقد مما شابه بسبب التحريف فتكون الورودات 2في 5مع .2أي 12مدخل أو منظور ومن هنا تتشابك المداخل والمناظير فيتشعث النص ويبدو فوضويا لمن لم يغص في أعماقه.والمداخل هذه 2للنقد والبناء و 5لكل منهما هي الحد الأدنى من المداخل .ذلك أن كلمدخل هو بدوره شبه لا متناهي المناظير .فالكلام على الله والكلام على الإنسان والكلامعلى الوحي والرسول والكلام على مضمون الرسالة والكلام على منه التبليغ تربية وحكما وعلى العينة كلها شبه لامتناهية.ففيه ترجمة الله الذاتية وسيرة الرسول وطريقة الإرسال وبنية الرسالة وسيرة الإنسانومنهج التبليغ تربية وحكما وهي أمور من لم يغص فيها لن يفهم معنى الالوهية والرسوليةوالرسالة والإنسانية والتبليغ تربية وحكما والعينة التي تمثلها دولة الرسالة الخاتمة نموذجا لوحدة الإنسانية في النقد والبناء.فلا غرابة إذا جمعت كل هذه المداخل أن يصيبك الذهول أمام التداخل والتوالجوالتشاجن بين هذه المستويات 12في وجوه لا متعددة من كل عنصر منها فتكون 12قوةعدد الوجوه التي لكل مدخل منها وذلك هو أصل الدوار الوجودي الذي يعيشه من يقرأ القرآن في طفولته دون أن يكون له دليل ناظم لشبكة علاجاته. نظام المداخل: .1ثيولوجي .2وانثروبولوجي .3وكوسمولوجي .4وبورفيتولوجيأبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- .5وابستمولوجي لشروط فهم الطبيعة وفهم التاريخ .6واكسيولوجي لقيم الحياة الفردية والجماعية .7وبيداغوجي لتربية الإنسان .8وسياسي لتنظيم حياة الجماعية فيكون شبه خارطة لشروط حياة الإنسان .9المادية .10والروحية.لكنه لا يعطيك الحلول بل يقترح عليك سبل اكتشافها ويترك لك الخيار لتكون ثمرةلفعلك النظري والعقدي في معرفة شروط فهمها وفعلك العملي والشرعي في معرفة شروطتحقيقها .وهو إذن ليس مدونة لحلول جاهزة بل هو دليل حكمة البحث في ما وراء مسؤولية الإنسان الحر والمكلف علمه وتصوره وعمله وانجازه.فلنحاول فهم كلام القرآن على هذه المسائل العشر كلاما ليس فيه ما يدعيه أصحابخرافة الإعجازالعلمي بل هو حكمة عامة للتعاطي معها بأخلاق القرآن تحقيقا لعمارةالارض بقيم الاستخلاف وعواقب السعي المنافي للتعمير بها .وهذه العواقب الوخيمة اجتمعت في التهديم بدل التعمير في عولمة مافيات العالم.ونبدأ بالمرسل (الله) كيف يترجم لذاته؟ فهو يتكلم بشخصيات مختلفة :اميز فيها المتكلمبكلامه والراوي لكلام غيره إما عليه أو على كل ما يتكلم عليه بما في ذلك كلامه على ذاته.فهناك فرق بين الله يأمر وينهى وبين الله يروي ما تقول ملكة سبأ .لابد من التمييز بين الأمرين لعلم ما يقوله عن ذاته.فالله متكلم أصالة عن ذاته ومتكلم رواية عن غيره .وهذان وجهان من القرآن مختلفانتماما .الأول هو كلام الله والثاني هو رواية كلام لغير الله .هو يروي تصورات الإنسانعن الله إما خلال نقدها أو خلال قبول ما يقبل منها .فيكون لكلامه وجه ثالث وهو وجه الفرز بين المقبول والمرفوض مما يرويه.أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--ويوجد وجه رابع هو وجه المحاور للإنسان وللأنبياء وحتى للشيطان وهو غير المتكلم عنذاته والراوي والفارز .وأخيرا نجد الله المستدل لأثبات ما يصف به ذاته من كمالاتودحض ما يصفه به غيره من نقائص وتبريرات لما يقترفونه بالاعتماد على الشبهات في كل ما صار موضوع علم الكلام لاحقا.ولذلك كان السلف يمقت الكلام والمتكلمين لأنهم يستعيدون هذه الشبهات ليقدموا لها مايتوهمونه حلولا وهي أكثير استعجاما وشبهات مما دحضه القرآن الكريم وبين فيه وجهالصواب دون أن يتجاوز الإشارة بما يمثل للغيب بالشاهد ليس قيسا له عليه بل العكس تماما نفيا لهذا القيس بليس كمثله شيء.والقصد أن الله يتكلم على ذاته بما يمكن للإنسان إدراكه فلا يكون ما يقول عن ذاتههو ما تتصف به ذاته لأن ذلك من الغيب بل ما يتصوره به الإنسان بشرط ألا يعتقد أنهيوجد ما يماثل الله في تصوراته وبهذا الشرط يسمح له بأن يتصوره بأي من أسمائه الأعراف ( )180والإسراء (.)110فعندما يدعو الإنسان ربه باسم من أسمائه فهو يدعوه بما يتصوره فيه من صفة تستجيبلدعوته دون أن يلحد في الله فلا يعتبر تلك الصفة مماثله له بل هي مماثلة لما ينتظره منهفي دعوته .وهذا يلغي التشبيه ونفيه في آن .فلا يكون وضع المشكل الكلامي حول الذات والصفات إلا إلحادا أثباتا أو تعطيلا.علم الكلام وخاصة جليله لا علمية فيه لأنه مناف لأمر فصلت 53ولآل عمران .7فهومشروط بقلب دلالتهما وجعل امر الأولى نهيا ونهي الثانية أمرا .ذلك أن دقيق الكلامثرثرة حول الاجرام بـ\"ماذا لو\" ولا صلة له بعلم الطبيعة وجليله إلحادا بمعنى الاعراف 180فيؤول المتشابه ويرجم بالغيب. فلا يبقى من ترجمة الله لذاته إلا خمسة مسائل: اثبات وجوده .1واثبات وحدانيتهأبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- .2واثبات علاقته بالعالم .3واثبات علاقته بالإنسان ومنزلته لديه .4وإثبات فطرية ذلك كله في كيان الإنسان أو حقيقة المعادلة الوجودية التي تكلمت عليها في الفصل الاول من هذه المحاولة.وهو يثبتها ليس بالكلام في الغيب لأنه لا يعقل أن يرسل رسالة يكون مضمونها متعلقا بماتؤكد نفس الرسالة باستحالة عمله على الإنسان .الرسالة تتضمن ما يعلمه الإنسان لا غير.ومن ثم فكل الادلة المستعملة في هذه المسائل الخمس مثل علوم الطبيعة وعلم التاريخ منهما في ذاتهما في كيان الإنسان.ومعنى ذلك أننا نعلم وجود الله ووحدانيته وعلاقته بالعالم وعلاقته بالإنسان ومنزلتهوبكونها كلها فطرية مرسومة في كيان الإنسان بنفس الطريقة التي نعلم بها قوانين الطبيعةوسننن التاريخ في ذاتهما وفي ما منهما في كيان الإنسان باعتباره طبيعيا وتاريخا من حيث كيانه العضوي والروحي.ما يقوله علم الكلام من تأويل والتصوف من كشف لدني كل ذلك رجم بالغيب لا شيءيثبت صحته وهو من لغو كلام .العلم الوحيد الذي حددته فصلت 53أمرا مصدره ما يرينهالله من آيات في الآفاق وفي الأنفس حتى نتبين أنه الحق أما ما نهت عنه آل عمران 7فهو لغو الكلام والتصوف :زيغ قلب وابتغاء فتنة.علم الآفاق والأنفس يعني علوم الطبيعة وعلوم الإنسان وهما مشروطان بما ورائهماالإيماني :فلو لم نكن مؤمنين ولو فرضيا بأن الطبيعة والتاريخ لهما نظام قانوني يحكمتجلياتهما لاستحال أن نعلمهما .ولو لم يكن في الانفس ما يمكن الإنسان من علمهما لما علمهما .هما إذن عقد يؤسس لعلمهما.لذلك قضيت بأن القرآن يتألف من خمس فلسفات أو حكمات :الحكمة الاصلية هي ماوراءكل العلوم والأعمال الانسانية أو الحكمة الإلهية التي هي تفسير القرآن الكريم .ولها أربعة فروع:أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- .1تؤسس لعلم الطبيعة بوصفه علم رياضيات تجريبية (كل شيء خلقناه بقدر) .2تؤسس علم التاريخ بوصفه علم سنن سياسية خلقية .3ثم تؤسس لعمل النظر والعقد تجهيزا عقليا للقدرة التصورية شرطا في الفعل الإنساني. .4وتؤسس للعمل والشرع تجهيزا خلقيا للقدرة الإنجازية شرطا في الفعل الانساني.وهتان القدرتان هما ما جهز به الإنسان ليعمر الارض شرطا في قيامه العضوي بقيم الاستخلاف شرطا في قيامه الروحي.وبهذا المعنى فنحن نعتمد ترجمة الله لذاته بذاته وكل لغو الكلام لدى المتكلمينوالكشف لدى المتصوفة ليس هو إلا رجما بالغيب ينهى عنه القرآن صراحة في آل عمران7ويأمر بما هو ممكن للإنسان شرطين لعلمه وعمله في فصلت 53تحديدا لمجال تبين حقيقة القرآن :آيات الله في الآفاق والانفس الشاهدين.أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--ترجمة الله الذاتية لا تتجاوز ما ذكرناه من أبعادها الخمسة وكل كلام يتجاوزها رجمبالغيب منهي عنه .لكن ترجمة القرآن للإنسان ومحددات سيرته الفكرية والخلقية يعسرألا يسلم بها إنسان صادق مع نفسه ولا يباكت في ما هو شبه وصف موضوعي لما يمكن اعتباره \"المشترك\" من صفات الذوات كذوات بشرية.وإذا كانت صفات الله هي ما تسميه أسماؤه الحسنى التي يقبل الله في القرآن يدعى بهاوينهى عن الالحاد فيها بمعنى ظنها حقيقة صفاته وعدم فهم أنه ليس كمثله شيء فلا يحقالاثبات ولا النفي فيها فإن صفات الإنسان في القرآن حقائق نعلمها لأنها من عالم الشهادة ولأن كلا منا يدركها مباشرة في ذاته.وعدة صفات الإنسان التي تقبل أن تكون اسماء صفاته تقارب الثلاثين صفة بعضهاموجب وبعضها سالب ويمكن أن تقارب من حيث العدد نصف اسماء الله إذا اعتبرنا أسماءالله قابلة لأن تعتبر مسمياتها صفات على الاقل في تصور الإنسان للرب بأسماء صفات تطابق ما يدعوه بها لأنها ما ينتظرها منه رغبة ورهبة.وتنقسم هذه الصفات إلى ما هو مقوم لوجود الإنسان وما هو واصف لسلوكه الناتج عمافي مقوماته من نقص كمالات التقويم .فله الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود التيهي عين الكمال في صفات الله لكنها عين ما به يدرك الإنسان نقصه ويعلم أن عيوب سلوكه مرده لإطلاقها لغفلته عن نقصها الفعلي.فكل العيوب التي يتصف بها الإنسان كما وردت في القرآن مردها إلى توهمه أن إرادتهوعلمه وقدرته وحياته ووجوده لها ما لصفات الله من الإطلاق فيتأله بالمعني الخلدونيويطغى ولما يتبين له مآل هذا الطغيان يصبح يؤوسا بسبب كونه عجولا وهذه العلاقة السلبية تترتب على الغفلة عن حدود مقوماته.فكل صفاته الموجبة تنقلب إلى عكسها بسبب هذه الغفلة عن حدودها :فالعقل يتعطلبسبب كونه يقتصر على البصر دون البصير وعلى السمع دون السميعة وعلى الشم دونأبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--الشميمة وعلى الذوق دون الذويقة وعلى اللمس دون اللميسة أي إنه لا يرى ما وراء ما تدركه الحواس الظاهرة من معان محددة لمنزلته الوجودية.وذلك هو معنى صم بكم عمي فهم لا يعقلون .فهذه العبارة لا تعني أن الإنسان فاقدللحواس بل تعني أنه لا يعقل لأنه يتوقف عند الحواس فلا يرى ما وراءها بالبصيرة ولايسمع بالسميعة ولا يشم بالشميمة ولا يذوق بالذويقة ولا يلمس باللميسة (قياسا على العلاقة بين البصر والبصيرة وتعميلا لدلالتها).وما لا يفقده الإنسان في هذه الحالة هو ما بيه استأهل منزلة الخلافة التي تجعله يتجاوزالشاهد الذي لا يعلمه حقا إلا بتجاوزه إلى ما بعده دون أن يكون هذا المابعد معلوما لأنهمن الغيب :ونحن ندركه بما يتبين لنا من حدود إدراكنا فنرى أن إرادتنا وعلمنا وقدرتنا وحياتنا ووجودنا كلها محدودة.فيكون وعي الإنسان بذاته وبمحدودية صفاتها عين الدليل الاساسي على وجود اللهوعلى وحدانيته لأنه لا يمكن أن يشاركه أحد في الكمالات التي بالقياس إليها يكون الإنسانواعيا بمحدوديته وبمحدودية كل المخلوقات فيكون الإيمان المطلق بوحدانية الله على أساس مبدأ \"ليس كمثله شيء\" وهو عين الشهادة.فعندما أشهد \"لا إله إلا الله\" كأني قلت لا يوجد من يماثل الله في الاتصاف بمقوماتالألوهية التي أدركها بمجرد إدراكي لحدود مقوماتي أي إرادتي وعلمي وقدرتي وحياتيووجودي .فتكون الشهادة وكأنها اعتراف بإلاهيتي لمألوه لا يضاهيه غيره ولمربوبيتي لرب لا مثيل لربوبيته :صدق وعيي بذاتي شهادة.وبمجرد حصول هذا الوعي الصادق يصبح تصديق الرسول امرا مفروغا منه لأن ما بلغنيإياه هو عين ما يوجد في ذاتي وكنت ناسيه فهو يذكرني بما أجده في ذاتي بمجرد وعييالصادق به .فتكون الشهادة الاولى اساسا للشهادة الثانية وتلك هي معجزة القرآن :لم يكن الخاتم بحاجة لمعجزة اخرى.أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--معجزته هي كون القرآن ليس شيئا آخر غير عرض هذه المعجزة :وعي الإنسان الصادقمع نفسه والمدرك لمقومات وجوده تحديد بين لمنزلته الوجودية ومن ثم فهو يدرك أولا أنهمربوب فيأله الله الواحد ويصدق من يذكره بذلك ولا يدعي له لنفسه سلطان وساطة أو وصاية عليه بل يكتفي بتذكيره بما في كيانه.وهذه هي الدلالة الأولى لمعنى الاستخلاف :فالإنسان خليفة بمعنى أن منزلته الوجوديةهي الدليل على وجود الله ووحدانيته الواعي بكونه دليلا لتأتي دلالته من منزلتهالوجودية التي هي الموجود ذي الوعي المحدود بالوجود اللامحدود .وما بين المحدود واللامحدود في الموجود هي أساس شهادة الوجود.والدلالة الثانية هي عموم الاستخلاف بمعنى أن الإنسان خليفة حتى عندما لا يشهد بلينكر .فناكر الحقيقة أيضا دليل عليها بل هو أقوى دليل عند الإنسان لأنه يدعو إلىطلبها .فما من إنسان مهما عميت بصيرته لا يدرك في الإنكار بداية دليل على ضرورة البحث عن علته ودوافع صاحبه فضلا عن مآله.فالحقيقة هي دليل ذاتها وعكسها يكون دليلها ايضا حتى عند الناكر لها :فهو ينكرهابلسانه ولا يستطيع نكرانها بوجدانه لأنه هي عين وجدانه لكونها جوهر كيانه .فمهماتجبر الإنسان وطغا ادعى الالوهية (التأله بالمعنى الخلدوني) فإنه لا يعدم التجارب التي تبين له مدى ضعفه الذي لا يستطيع لها دفعا.فهو يمرض ويفقد من يعز عليه بالموت ويعلم أنه مائت وأنه لا يضاهي الجبال طولا ومهمااستغني يمكن أن يفقر ومهما عظم جاهه يمكن أن يأفل ومهما توسع علمه يعلم أنه ما يجهلهأكثر مما يعلمه فلا إرادته ولا علمه ولا قدرته ولا حياته ولا وجوده الأمور الثابتة والدائمة بل كلها ناقصة وفانية وبالية.وهبه فسر ذلك كله بكونه من أفاعيل الطبيعة وإنها لكذلك لكن كونها فاعلة وكونهيفسر بفعلها ما ينفعل به لا يرضيه مهما توهم لأنه استسلام في كل الاحوال لما هو دونهأبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--قدرة إذ إن الطبيعة ليست واعية بحالها وبفاعليتها وليست كافية لإرضاء عقل الإنسان الذي يشعر بأنه أسمى من كل شيء طبيعي.ولا يوجد عالم عاقل يمكن أن يرضيه الموقف الطبعاني حتى وإن ألحد ولم يؤمن بوجودالله لأنه مضطر في هذه الحالة أن يسقط على الطبيعة ما به يتميز عنها أعني أنها ينبغيان تكون عاقلة ولا تعمل بالضرورة العمياء لأن ما يحصل حتى فيها فضلا عما فينا ذو نظام أو انتظام متعال على أحداثها.فإذا نسب نظامها إليها جعلها علة ذاتها -كاوزا سوي-فألهها ويكون إلحاده دينا طبيعياوليس كفرا بالأديان .فالقصد بالديني-على الأقل في الإسلام -هو ما يستدل به القرآنعلى وجود الله ووحدته أي نظام الطبيعة ونظام التاريخ وقدرة الإنسان على علم الأولى رياضيا تجريبا والثاني خلقيا سياسيا.وبهذا المعنى فكل الفلسفات أديان طبيعية سواء ألحد صاحبها أو لم يلحد .فمن يزعمأن قوانين الطبيعة الرياضية التجريبية وسنن التاريخ الخلقية السياسية موجودة بالفعلوهي بالضرورة غير الطبيعة وغير التاريخ بل هي ما بعدهما الذي يجعلهما يكونان على ما هما عليه يؤمن بما بعد ما.وهذا \"المابعدما\" يسميه الفلاسفة ما بعد الطبيعة من آمن منهم ومن ألحد بحسب ما يعللبه الحاجة إلى \"مابعد ما\" .ولا يهم إن كان هذا المابعد محايثا أو مفارقا .فاعتبار قوانينالطبيعة وسنن التاريخ محاثين لا يغير من الأمر فالقرآن لا يولي أهمية لهذه المقابلة :فالله اقرب إلينا من حبل الوريد.والله لا يتحيز والمقابلة بين المفارقة والمحايثة تحييز في المكان .ولا أنفي ذلك عن اللهبكلام في الغيب فالقوانين الرياضية والسنن التاريخية معان لا تتحيز هي بدورها حتى وإنكانت قوانين وسنن لظاهرات مادية لها قيام مادي متعين في المكان والزمان .فلا أستطيع إثبات أيا منهما للمعاني أو نفيه.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--وقد يزعم البعض أن المعاني متحيزة في ذهن الإنسان بمعنى أنها مرسومة في جهازهالدماغي .ولا أنفي أن ذلك يمكن أن يكون كذلك .لكن ما المتعين في الأذهان :هل هي أثرالمعاني أم المعاني ذاتها من حيث هي وعي بالنسب بين الأمور التي تصل بينها المعاني وهو معنى قانون الطبيعة وسنة التاريخ؟فأن يكون جهاز دماغي العصبي أداة للإدراك ليس في ذلك شك .لكن الإدراك غيرأدواته .فأنا الآن أكتب هذه المعاني الذي أدركها بذهني وغير سيدركها بذهنه وما بينذهني وذهنه هو ما أمليه على الكاتب في هذه التغريدات فأين تكون المعاني وهي لا في ذهني ولا في ذهنه بل هي في رسوم الكتابة :ألها ذهن؟أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--تكلمنا إلى حد الآن على المرسل والمرسل إليه أي قطبي الرسالة ورأينا أن العلاقةالمباشرة بينهما ترجمت في كتاب هو الرسالة التي جاءت من المرسل إلى المرسل إليه .وبيناأن الرسالة مضمونها هو ذاتها أي إنها لا تتكلم إلا في طرفي التراسل وما بينهما من ميثاق أولهما مستخلِف والثاني مستخلَف.وهذه الرسالة هي القرآن وقد أصبحت ذات قيام مستقل عن المرسل والمرسل إليه وعنكل وساطة تربوية ووصاية حكمية وإذن فلا وجود مؤسسة كنسية ذات سلطان روحي ولامؤسسة سياسية ذات سلطان مادي ينوبان ما بين الله والإنسان في علاقتهما المباشرة بالقرآن وعلاقتهما غير المباشرة بالطبيعة والتاريخ.تكلمنا على المرسل وتكلمنا على المرسل إليه وحان الآن أوان الكلام على ما بينهما منعلاقة مباشرة هي الميثاق بين المستخلف والمستخلف وعلاقة غير مباشرة هي الطبيعة وماوراءها والتاريخ وما ورائه في ذاتهما وفي كيان الإنسان عينا وذهنا والعلاقة الثانية مضمونها :تعمير الارض بقيم الاستخلاف.وإذن فلنتكلم على العلاقتين :المباشرة وما يترتب عليها والعلاقة الثانية وما يترتب عليهاثم نسأل هل هذا هو مضمون الرسالة بعد كلاهما على المرسل والمرسل إليه أم لا .فإذا كانذلك كذلك صح فهمنا لما في الرسالة من مضمون وإلا فعلينا أن نعيد النظر في قراءتنا الفلسفية للقرآن ميثاقا كونيا.في العلاقة المباشرة التي حددتها آيتا الميثاق (الأعراف )173-172لا نجد التزاماتمتبادلة بل هي الصريح هو التزام من طرف واحد من أبناء آدم الذين شهدوا وحذروا منالاحتجاج يوم الحساب بتأثير آبائهم إن أخلوا بالالتزام .لكن الله في القرآن يتكلم على التزام متبادل بدليل الرضا المتبادل.والالتزام المتبادل الذي يعبر عنه الرضا المتبادل (رضي الله عنهم ورضوا عنه) يشملالدنيا والآخرة بمعنى أن لله لا يخلف ما يعد به للإنسان الذي لا يخلف ما تعهد به لما قبلأبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--الأمانة أي بأن يعمر الارض بقيم الاستخلاف اختبارا لأهليته للاستخلاف وهو معنى الرهان عليه في النظر إلى يوم الدين.هذا هو مضمون العلاقة المباشرة التي لا وساطة فيها ولا وصاية والتي تجعل الأنسان حراروحيا وحرا سياسيا حتى يكون مسؤولا على أفعاله التي هي موضوع اختبار أهليتهللاستخلاف بفضل العلاقة غير المباشرة التي هي تعمير الارض بقيم الاستخلاف عملا فيكون له أو عليه أهلية أو عدم أهلية للاستخلاف.والرسالة تذكر بأن الأنسان قد جهز بما يمكنه مما سيمتحن فيه (مثال البلد )10-8ومن ثم فالكلام لا يقتصر على مهمتي الإنسان بل وكذلك على ما جهز به ليكون قادراعليهما :ومن يأتي التجهيز للقدرة النظرية (النظر والعقد) وللقدرة العملية (العمل والشرع) شرطين للتعمير لقيم الاستخلاف.ومثال البلد يجمع بين البعدين\" :أَ َلمْ َنجْعَ ْل َلهُ َع ْي َنيْ ِن ( )8وَ ِل َسانًا َوشَ َف َت ْينِ (َ )9و َه َديْ َنا ُهالنَِّجْ َديْ ِن (\")10فالإشارة إلى العينين ذات علاقة بالنظر والعقد والإشارة إلى النجدينذات علاقة بالعمل والشرع .والإشارة إلى اللسان والشفتين ذات علاقة بالوصل بين الامرين :النطق.فالنطق ورمزه اللسان والشفتين ذو علاقة بالنظر والعقد بوصفهما شرطي التبادل بينالإنسان والطبيعة (العلاقة العمودية) وذو علاقة بالعمل والشرع بوصفهما شرطيالتواصل بين الإنسان والإنسان (العلاقة الافقية) .والأولى تحقق شروط التعمير المادي والثانية شروط الاستخلاف الروحي. فنجد الحكم الخمس أو الفلسفات الخمس: .1الأصل أو القرآن أو الحكمة الإلهية ثم فروعها الاربعة: .2العلاقة بالطبيعة .3وعلمها (النظر والعقد) .4والعلاقة بالتاريخأبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- .5وعلمه (العمل والشرع).مضمون الميثاق بين(الله) (الإنسان) :الله يفي بتجهيز المكلف الذي يتحمل مسؤولية الإنجاز أو عدمه.ولما كانت المهمة بفرعيها (التعمير وقيم الاستخلاف) شاقة فإن المطلوب ليس النتيجة بلالسعي إليها بصدق فيكون النظر والعقد اجتهاديا وليس علما مطلقا ويكون العمل والشرعجهاديا وليس عملا مطلقا .فالله لا يحاسب الإنسان على النتيجة بل على السعي الصادق والنية الحسنة والنتيجة على الله.ولذلك فلا يمكن أن نحكم بالنتائج وحدها على عمل الإنسان فقد ينجح ويعاقب مع ذلكإذا كان ذلك بغير قيم الاستخلاف والله وحده يعلم سريرته لأن البشر يحكمون على النظروالعقد وعلى العمل والشرع بالنتائج الظاهرة ولا يشقون على قلوب الآخرين لمعرفة النوايا والسرائر .وهذا من شروط السلم المدنية.لكن مفهوم الاجتهاد ومفهوم الجهاد كلاهما حرف .فما في الاول من تواضع الناظريناعترافا بأن علم الإنسان ليس مطلقا وما في الثاني من تواضع العاملين اعترافا بأن عملالإنسان ليس مطلقا أفسده القول بنظرية المعرفة المطابقة التي هي في الحقيقة نفي للغيب بادعاء المطابقة النظرية والعملية.فالقول بالمطابقة في النظر هو الذي يؤدي إلى التعصب في العقد .والقول بالمطابقة فيالعمل هو الذي يؤدي إلى التعصب في الشرع .والتعصبان ينفيهما القرآن بمجرد أن سمىالنظر اجتهادا وسمى العمل جهادا وكلاهما في سبيل الله بمعنى أن القصد هو السعي الصادق بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.ولا يكون ذلك إلا بالإيمان والعمل الصالح في طلب الحقيقة التي لا تحصل من دون تواصبالحق وتحقيقها الذي لا يحصل من دون تواص بالصبر .فالتواصي بالحق يعني أن الجميعيشارك بقدر الاستطاعة في طلب الحقيقة دون إطلاق والتواصي بالصبر يعني أن الجميع يشارك بقدر الاستطاعة في تحقيقها دون إطلاق.أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--ولأن الأمر في علوم الملة كان نقيض ذلك اعتبرتها كلها محرفة وبحثت عن علة التحريففوجدتها في قلب فصلت 53وآل عمران .7تركوا ما أمرت به الآية الاولى وانشغلوا بمانهت عنه الآية الثانية فكان تجاهل البحث العلمي في عالم الشهادة والخوص الوهمي في عالم الغيب.وهذا هو ما أعنيه بتحريف دستور التربية القرآنية التي أصحبت ساعية لتأسيس سلطانالوسطاء وليس للتربية القرآنية التي تلغي هذا السلطان لتؤسس للحرية الروحية .وهيتحرفها لأنها كوساطة مطلوبة من الأوصياء في دستور الحكم حتى تدعم سلطانه بحجج لها ظاهر الدين وهي نفي له.والقرآن الكريم يفسر كل تحريف بهذا الحلف بين الوسطاء في التربية والأوصياء فيالحكم من أجل أهداف دنيوية خالصة تحيلنا إلى ما سميته بالنظام التربوي والسياسيالمستند إلى دين العجل :فمعدنه هم المال الذي من أجله يتحالفان وخواره هو التحريف الذي يحول الدين إلى إيديولوجيا تلغي الحريتين.وهذا الحلف وتعليله ببعدي دين العجل وغاية ما يصل إليه هو تأليه عيسى وجعل العبادتعبد العباد كما نجد ذلك صراحة في آل عمران ( 79وما بعدها) والله يبرئ عيسى عليهالسلام من هذا التوظيف الكنسي الذي يؤسس للوساطة في التربية لخدمة الوصاية في الحكم.ولسوء الحظ فإن الفتنة الكبرى أسست للعودة الصريحة للوساطة والوصاية عند الشيعةولما يناظرهما ولكن ليس على أساس عقدي بل كأمر واقع عند السنة التي بقي تنفي ذلكفي الأقوال وتعمل بما يقرب منه في الافعال لأن تبرير شرعية الوصي في الحكم وشرعية الوسيط في التربية مخالف للقرآن مخالفة صريحة.وهو مخالف مرتين :أولا لأن الفصل بين الاقوال والأفعال هو أشد مقتا عند الله وثانيالأن تبرير الوسيط المربي (الفقيه) لشرعية الوصي الحاكم (المتغلب) بالضرورة التي تبيحأبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--المحظور رغم شرعية الحجة ينبغي إن صحت الضرورة أن يكون مقصورا على وجودها كأن يكون في الحرب مثلا.أما أن يصبح ذلك أمرا دائما فمعناه أن الفقهاء خوفا من الفوضى جعلها أساس الحكم فيالإسلام :فإذا المتغلب يصبح شرعيا بالتغلب فمعنى ذلك أن التداول على الحكم سيكون دائمابالتغلب فيصبح الحاكم حريضا على بقائه متغلبا ويصبح المعارض ساعيا للتغلب عليه فتكون الشوكة مبدأ الحكم وليس الشرعية.هذان هما التحريفان اللذان سيطرا على التربية بالوسطاء والحكم بالأوصياء عقدياوبنيويا عند الشيعة وظرفيا عند السنة لكنه الظرفي أصبح بنيويا لكونه لم يربط بالضرورةالتي أباحته ظرفيا .لذلك فالأمة منذ الفتنة الكبرى تعيش على حالة طوارئ منافية لقيم الإسلام طيلة 14قرنا.ثم ولتها منذ أكثر من قرنين الفتنة الصغرى أو العلمانية .الأولى علتها كذبة الحكم باسمالله (الثيوقراطيا) والثانية علتها كذبة الحكم باسم الإنسان (الانثروبوقراطيا).والكذبتان يفرضهما الإسلام لانهما في الحقيقة حكم باسم العجل معدنه وخواره (أبيسيوقراطيا) .ذلك ما بيناه في محاولات سابقة.فرغنا من مسائل ثلاث هي المرسل والمرسل إليه ومضمون الرسالة كعلاقة بينهما أو كميثاقبين الله المستخلف والإنسان المستخلف وبقي علينا أن ندرس المسألتين الأخيرتين :طريقة الإرسال (الوحي والرسول) ومنهج التبليغ (التربية بلا وساطة والحكم بلا وصاية).أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--الكلام في المسألتين الاخيرتين سيقتصر على الرسول لأن التربية بلا وساطة والحكم بلاوصاية خصصنا لهما محاولة مطولة قبل هذه .والوحي كذلك تلكمنا فيه وخصصنا له محاولةسابقة .لم يبق إذن إلا الكلام في الرسول .القرآن كخطاب مباشر للإنسان وغير مباشر جعله المبلغ الخاتم وترجم له بدقة فائقة.ولعل سورة الضحى أكثر الترجمات وضوحا لحياة الرسول ولطبيعة الهم الأول للرسالةالخاتمة أعني البعد التضامني بين البشر ورعاية ذوي الحاجات الخاصة مثل الايتاموالسائلين وهو ما يذكر بالبقرة 177التي تقدم المعاملات على العبادات أو هي تضعهما في نفس المستوى في التدين الإسلامي.فهي تضعه مباشرة بعد العقيدة قبل العبادات المشعرية وهو ما يؤكد أن البعد التضامنيمن الرسالة هو أسمى العبادات رغم أنه من المعاملات وهو المفهوم الأساسي في الديني بمعناهالقرآني بوصفه متمما لمكارم الأخلاق حتى إن أهم وصف للرسول هو شهادة الله فيه\" :وإنك لعلى خلق عظيم\"(القلم .)4وترجمة الرسول أو سيرته التي وردت في الرسالة والتي ذكر فيها الرسول الخاتم بالاسم ( 4مرات محمد ومرة أحمد) منذ طفولته إلى وفاته في وظائفه الخمس: .1رسول .2مربي .3حاكم .4نموذج خلقي .5الإنسان الكامل بصفات الإنسان السوي في حياته العاطفية والفكرية والاجتماعية والسياسية سلما وحربافسيرته قبل الرسالة ومنذ الرسالة بأقواله وأفعاله جزء لا يتجزأ من الرسالة الإسلاميةحتى وإن بقي القرآن هو الاصل والسيرة هي الفرع بقولها فعلها .وكل من يعتبر الحديثأبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--نافلا يغفل منزلة الرسول في ترجمة القرآن لحياته بوصفها نموذج الإنسان خلقيا ومعرفيا وعاطفيا وسياسيا في السلم وفي الحرب.وكل المخرفين حول الحديث ممن يعتبرون العناية به من تحريف الامة أو من يدعي أنفي السنة من يقدمه على القرآن كاذب وخاصة عندما يزعمون أن ذلك من عمل المتأخرينبعد تدوين الحديث .فلا يوجد حتى في الأعمال البشرية العادية من يترك المبرزين فيها ويدعي الاتصال بها مباشرة دون سماعهم.فلا يمكن لمن يتعلم الرياضيات أن يغفل علم مؤسسيها الكبار خلال مراحل تطورها ولامن يتعلم أي فن أن يفعل بكبار مبدعيه نظريا كان الفن أو عمليا .فكيف حينئذ يعاب علىمن يتعلم فهم القرآن من مبلغه ومعلمه بنص القرآن (الإسراء .)106وحاجة الفقيه للحديث من جنس حاجة القاضي للقانون والسوابق.فلا يوجد إنسان عاقل يقبل أن يقضي في نازلته قاض يعتمد على رأيه واجتهادهالشخصي مغفلا النصوص القانونية وسوابق أحكام كبار القضاة ممن يعتد بعلمهموكفاءتهم .فكيف إذا كان المرجوع إليه رسولا وصفه الله بما نتكلم فيه هنا .فلا يمكن أن يكون أمينا وعادلا و\"على خلق عظيم\" ولا يعتمد عليه في القضاء.كل من يحاول التشكيك في الحاجة إلى السيرة حديثا وأفعالا ينقصه \"البون سنس\" أوالعقل السليم .ولا يوجد دين حتى لو كان من الأديان الطبيعية ولا فلسفة حتى لو كانتمن الأكثر علمانية تخلو من سيرة مؤسسها أو مبلغها في الأديان المنزلة .أدعياء التفلسف والحداثة يجادلون في أهمية السيرة دون عقل سليم.لكني لا أعتبر السنة قولا وفعلا وحيا ثانيا بل هما اجتهاد الرسول وجهاده وهو منزه عنالخطأ دون أن يكون معصوما في ما يتجاوز تبليغ الوحي .ذلك أن اعتبار السنة قولا وفعلاوحيا يجعلها مثل القرآن ولا شيء يماثله لأن أي تعليم لأي علم أو عمل لا يمكن أن يكون مثيلا لذلك العلم أو لذلك العمل.أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--ولما كان الله قد أمره بـ\"شاورهم في الأمر\" فقد جعل السنة قولا وفعلا من اجتهاد الرسولوجهاده ليس من الوحي وإذن فالوحي الوحيد هو القرآن .والدليل الأمتن هو ما في القرآنمن تعديل لبعض تصرفاته حتى لو اعتبرناها بقصد التنبيه لمثلها من بعده .فهي كذلك تنبيه للتمييز بين ما يتلقاه واجتهاده.وهذا لا يقلل من قيمة السنة بل هو يبقي على رتبتها التي لا يسمو عليها إلا القرآن.ومن ثم فاجتهاد الرسول وجهاده يمثلان أفضل الممكن للإنسان في ما اجتهد فيه وجاهدالرسول .وهذا وحده كاف وكل جدال في منزلة علم الرسول وعمله من عدم الذوق والعلم عند من يشككون في كل شيء عدا تشكيكهم.بعد كلمة سريعة على حياته الخاصة سأكتفي بالكلام في وظائفه الخمس كلاما وجيزا أختم به هذه المحاولة المكملة لتشريح القرآن (محاولة سابقة): .1رسول .2مربي .3حاكم .4نموذج خلقي .5الإنسان الكامل بصفات الإنسان السوي في حياته العاطفية والفكرية والاجتماعية والسياسية سلما وحربالم يقل القرآن على حياته الخاصة المتقدمة على الرسالة إلا القليل اعدادا للوظيفة في الضحى: .1ألم يجدك يتيما فآوى .2ووجدك ضالا فهدى .3ووجدك عائلا فأغنى. وفي الشرح: .4أَلَ ْم َن ْش َر ْح لَ َك َص ْدرَ َكأبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- َ .5ووَ َضعْنَا عَنْكَ ِوزْ َر َك .6ا ِلَّ ِذي أَ ْن َقضَ َظهْرَكَ َ .7و َرفَ ْعنَا َلكَ ِذكْرَ َك.وشرح الصدر ووضع الوزر الذي أنقض ظهر النبي هو ما مر به الرسول من البحثوالتشوف وقد يكون ذلك مدلول اخراجه من حالة الضلال الوارد ذكره في الضحى وسطابين اليتم والعالة وهما همان دنيويان فكان شرح الصدر ووضع الوزر تحقيق ما كان الرسول يستعد إليه في تحنفه فأرسل ورفع ذكره.ورفع الذكر المشار إليه هو ما خص به من رسالة خاتمة هي الديني في كل دين والكليالقيمي الذي يتوجه إلى الإنسانية كلها وهو رفع الذكر المطلق في التاريخ الإنساني الروحيوالمادي الذي يستعرضه القرآن الكريم لتفحصه ونقده وتطبيق مبدأ التصديق والهيمنة على كل التجارب التربوية والسياسية.فكانت ثورتا الإسلام :الاولى أنهت الوساطة الروحية بين الله والإنسان\" :فبلغ إنما أنتمبلغ\" (ضمير إنما أنت مبلغ هو نفي أن تكون وسيطا روحيا) .والثانية عللت الثورتين \"لستعليهم بمسيطر\"(والضمير أنت ليس وصيا على المؤمنين الذين تبلغ لهم الرسالة) :ثورة النظام التربوي وثورة النظام السياسي. وهكذا نصل إلى وظائف الرسول الخاتم الخمس: .1رسول خاتم .2مرب بلا وساطة .3حاكم بلا وصاية .4نموذج خلقي للإنسانية عامة .5مثال الانسان السوي بإطلاق في حياته العاطفية والفكرية والاجتماعية والسياسية سلما وحربا .ومن ثم فالكلام على رسوليته مضاعف :الثورتان والنموذجان.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--فأما الثورتان فقد خصصت لهما عديد المحاولات :الإسلام قطع مع ما يجعل الثيوقراطياوالأنثروبوقراطيا تخفيان طبيعتهما الأبسيوقراطية :أي إنهما تخفيان سلطان المال (الربا)وسلكان التحريف (الخوار) على الكيان الإنسان العضوي بالاستغلال الربوي وكيانه الروحي بالتخدير الإيديولوجي.وإذن ففيه نقد للفتنة الكبرى بالعودة إلى الثيوقراطيا الصريحة في التشيع والخفية فيالتسنن على الأقل في الافعال لأن الأقوال لا تقبل بالثيوقراطيا ونقد الفتنة الصغرى أوالعلمانية التي هي هي انثروبوقراطيا صريحة في الغرب الحدث وخفية في توابعه من الأنظمة العربية والإسلامية فعلا لا قولا.وقد عوضت \"فذكر إنما أنت مذكر\" في الآية بـ\"فبلغ إنما أنت مبلغ\" بقصد بعد أن بنيتأن مبلغ وليس وسيط لأن المذكر هو المرسل والنبي مبلغ للتذكير .وهذا من أساليب القرآنفي الإيجاز .إنه أمر الله للنبي بأن يبلغ تذكيره للإنسان بالميثاق الذي شرحناه في فصول البحث السابقة :النبي مرب وليس وسيطا.ولو كان هو المذكر فعلا لكان وسيطا وذا سلطان فيكون عليهم مسيطرا والله هو المسيطرالوحيد لأنه يذكر خلفاءه بما التزموا به وشهدوا على أنفسهم لما قبلوا الأمانة الثقيلة.التذكير هو القرآن نفسه رسالة الله .وأمانته في التبليغ دون أن يكون وسيطا هي سر كونه نموذجا الخلق العظيم والسوي القويم.فأما دور النموذج الخلقي فيستمده من كونه مربيا لا وسيطا وحاكما لا وصيا وما كان اللهليصطفيه لهذه المهمة بهذين الصفتين المعتبرتين عن تأسيس النظامين المعتمدين علىمضمون سورة العصر والاستثناء من الخصر لو لم يكن نموذج الخلق التام كما وصفه القرآن مؤكدا \"وإنك لعلى على خلق عظيم\".أما نموذج كمال الإنسانية أو الاستقامة فتحدده الآية 42من الشورى وبها نختم هذهالمحاولة\" :فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله منأبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
--كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكن أعمالكم لا حجة بينا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير\".فالاستقامة هي مطلق النزاهة وهي معاملة الغير بما نقبل أن نعامل به فتجمع بينالنزاهة والعدل والاحتكام إلى حاكم الحاكمين للفصل بين البشر في المسائل التي هي علةحروبهم ونسيان الأخوة البشرية (النساء )1والمساواة بين البشر (الحجرات .)13ذلك هو الرسول الخاتم والإنسان الكامل.أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 32
Pages: