Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore سلطان العجل الذهبي العبودي - أبو يعرب المرزوقي

سلطان العجل الذهبي العبودي - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-09-21 18:48:18

Description: سلطان العجل الذهبي العبودي - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪8‬‬‫‪11‬‬

‫لما تكلمت على سلطان العجل الذهبي كان في ذهني أمر لا يتركني لحظة‪:‬‬ ‫ما الذي يجعل الصهيونية‪ ،‬حتى لو كان يهود العالم منها‪ ،‬بهذه القوة العجيبة؟‬ ‫لماذا يعتقد العرب والغرب أن بقاءهم في مراكزهم رهن رضاها عنهم؟‬ ‫لماذا كلما ضاق الأمر بأي منهم لجأ إليها؟‬‫ما كتبته عن دين العجل الذهبي ودور الرمزين وما كتبته عن شروط السيادة والأحياز‬ ‫يمهد للجواب عن هذين السؤالين‪ :‬ما علة قوة إسرائيل وضعف العرب؟‬‫أما ما يزعم لإيران من قوة فعندي أنه تابع لقوة إسرائيل وحماتها‪ :‬فهما كما أسلفت‬ ‫يحتاجان لجرافة من داخل حضارة الإسلام لتخريب مرجعياته الروحية‪.‬‬‫ونفس الأمر يقال عن العملاء من التأصيليين والتحديثيين من ملوك الطوائف بصنفيهم‬ ‫سواء كانوا في الحكم أو المعارضة‪ :‬هم للتجريف الداخلي‪.‬‬‫وجمع جرافات الحرب على الأساس الروحي وجرافات الحرب على الأساس المادي‬ ‫للحضارة الإسلامية من الداخل والحرب الجارية من الخارج منذ نشأتها دليل قوتها‪.‬‬‫بقاء الحضارة الإسلامية وتمددها رغم كل ذلك دليل على أن قوة الإسلام لا تقهر‪ .‬لكن‬ ‫نصر الله يوجب على المؤمنين وضع استراتيجية الانتقال إلى الفعل‪.‬‬ ‫واستراتيجية النقلة إلى الفعل تقتضي أمرين‪:‬‬ ‫فهم علل الوقوع في وضع رد الفعل أي استراتيجية فعل الأعداء‪.‬‬ ‫في ضوء استراتيجية مشروع الأمة الموجب‪.‬‬‫فالصمود قوة لكنه قوة مقاومة يغلب عليها رد الفعل‪ .‬وقد عرف تاريخ الإسلام دفعتين‬ ‫من قوة الفعل‪ .‬دفعة البداية كانت عربية ودفعة الغاية كانت تركية‪.‬‬ ‫والأولى أنهكتها الحروب الصليبية وأنهتها حروب مغول الشرق‪.‬‬ ‫والثانية أنهكتها حروب الاسترداد وأنهتها حروب مغول الغرب أو الاستعمار‪.‬‬ ‫‪12 1‬‬

‫ولا يزال الأمل في العرب والأتراك لاسترداد قوة الإسلام الموجبة التي تتجاوز صمود‬ ‫المقاومة إلى الفعل الموجب الذي يحقق مشروع الإسلام الكوني‪.‬‬‫ولست أدري لماذا لا شيء يشككني لحظة واحدة في حصول ذلك رغم أن دلائل العكس‬ ‫هي المسيطرة حاليا وخاصة عند ملوك الطوائف العربية حكما ومعارضة‪.‬‬‫ولولا إيماني بوعد الله بشهادة المسلمين على العالمين وفهمي إياه بأن للمسلمين كرة ثانية‬ ‫لما نذرت حياتي للبحث في هذه الاستراتيجية بحثا نسقيا‪.‬‬ ‫ويمكنني أن أبيح بسر‪ :‬كل محاولاتي بما فيها الأكاديمية غايتها الجواب عن الأسئلة‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما سر قوة الأمة؟‬ ‫‪ .2‬وما علل انحطاطها؟‬ ‫‪ .3‬وكيف تستأنف دورها؟‬ ‫ووسيطان أساسيان‪:‬‬ ‫‪ .4‬يصل بين الأول والثاني‪ :‬كيف تنقلب القوة إلى ضعف الانحطاط؟‬ ‫‪ .5‬ويصل بين الثاني والثالث‪ :‬كيف ينقلب الضعف إلى قوة الاستئناف؟‬‫تلك هي الأسئلة الخمسة التي أحاول الجواب عنها بإيجاز وهي في الحقيقة أسئلة عالجتها‬ ‫وأجبت عنها دون أن أجمعها بصورة نسقية كما في هذه المحاولة‪.‬‬‫وما يسّر الجواب كان انتقالي من البحث الفلسفي الأكاديمي المجرد عند تغربي في ماليزيا‬ ‫للتدريس فحاولت قراءة القرآن الكريم قراءة تدبر فلسفي‪.‬‬‫استنتجت تعريفا للقرآن الكريم أعلم أن قبوله ليس يسيرا في ثقافة دينية إسلامية قلبت‬ ‫معاني القرآن كلها فقرأته بعكس ما طلب‪ :‬فصلت ‪ 53‬وآل عمران ‪.7‬‬‫فالقرآن الكريم بوصفه رسالة خاتمة هو \"استراتيجية سياسية لتوحيد الإنسانية عمادها‬ ‫نظام تربوي ونظام سياسي لتعمير الأرض كلها بقيم الاستخلاف\"‪.‬‬ ‫‪12 2‬‬

‫للاستراتيجية وجهان‪:‬‬ ‫‪ .1‬تحريف الرسالة الواحدة هي الديني في كل دين‪.‬‬ ‫‪ .2‬جاهلية الإنسان الواحدة في كل حضارة‪.‬‬‫وكلا الداءين مولد للثاني ومحفز له‪ .‬فتحريف الرسالة يولد الجاهلية وجاهلية الإنسان‬ ‫تولد التحريف‪ .‬وهذا التفاعل رمزه عبودية \"دين العجل الذهبي\"‪.‬‬‫والتجربة السياسية المحمدية‪-‬تربية وحكما‪ -‬هي تحقيق عينة من هذه الرسالة الكونية‬ ‫التي ليس لها حدود في المكان ولا في الزمان بل هي تشمل الكون كله‪.‬‬‫ومن ثم فلا يمكن تصور العولمة الحالية قابلة لأن تبقى إذا لم تقض على الإسلام‪ .‬لكن‬ ‫الإسلام هو الذي سينتصر فالإنسان بدأ يدرك خطر العجل الذهبي‪.‬‬‫معركة الإسلام حاليا ليست بأدوات الحرب العنيفة بل بأدواتها اللطيفة‪ :‬كيف نبدأ‬ ‫بأنفسنا فنجعل البشرية تدرك ضرورة التحرر من \"العجل الذهبي\"‪.‬‬‫لذلك خصصت عدة فصول لمعنى سلطان العجل الذهبي وأدوات تسلطه على الإنسان‬ ‫بطريق السيطرة على الذوق والعلم بمستوييهما أداتي لاستعباد البشرية‪.‬‬‫فذلك سيكون يوم الفتح الثاني فيدخل الناس أفواجا في دين الله الذي هو العلاج الوحيد‬ ‫للإنسانية حتى تتحرر من عبودية العجل الذهبي‪ :‬سر الاستئناف‪.‬‬‫انطلاقا من حد القرآن هذا يمكن أن نجيب عن الاسئلة الخمسة‪ .‬ونبدأ بالأول‪ .‬ما سر‬ ‫قوة الأمة؟‬ ‫السر مضاعف فهو يتعلق بالقوتين المادية والروحية‪.‬‬ ‫من يقرأ القرآن بتدبر يكتشف السرين‪:‬‬ ‫‪12 3‬‬

‫‪ .1‬تجاوز ما يفرق البشر كبشر (النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.)13‬‬ ‫‪ .2‬تجاوز ما تفتيت المعمورة بينهم كمستعمرين في الأرض‪.‬‬‫بإيجاز السر المضاعف‪ :‬وحدة البشرية في عقيدة الإسلام ووحدة المعمورة في دولة‬ ‫الإسلام‪ .‬ولوجهي السر نتائج وتبعات هي التي تفهمنا تاريخ حضارتنا‪.‬‬‫فالوحدتان \"عولمة\" مبنية على عقيدة الأخوة البشرية التي يستمد منها البشر رزقهم‬ ‫الروحي وعلى وحدة التسخير الذي يستمد منه البشر رزقهم المادي‪.‬‬‫وانطلاقا من تحليل مقومات هذا الاستراتيجية سنحاول الجواب عن الأسئلة المحيرة لكل‬ ‫مسلم يقرأ تاريخ الأمة بعين التجرد والنقد الإصلاحي‪.‬‬ ‫ثورتان‪:‬‬ ‫‪ .1‬نظرية المرجعية مصدر الرزق الروحي وشرط تحرير البشرية من تحريفها‬ ‫‪ .2‬نظرية الأحياز مصدر الرزق المادي وشرط تحرير البشرية ومن تحريفها‬‫والثورة الأولى هي ثورة الحرية الروحية‪ :‬العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه وتحريفها‬ ‫هو الوساطة الكنسية التي تحول التربية إلى سلطة طاغوت روحي‪.‬‬‫والثانية هي ثورة الحرية السياسية‪ :‬الحكم ليس حقا إلهيا للحكام (الوصية) ولاحقا‬ ‫طبيعيا(الغلبة) بل أمر الجماعة‪ .‬الشورى ‪ 38‬تعني جمهورية ديموقراطية‪.‬‬ ‫ومدارها الرزقان‪:‬‬ ‫‪ -‬الروحي وبه تبدأ (الاستجابة للرب)‬ ‫‪ -‬والمادي وبه تنتهي (الانفاق من الرزق)‬ ‫ولما كانت البداية تتعلق بالرب وليس بالإلهية فهي كونية‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن الإسلام يقبل بالتعدد الديني شرطا في التسابق في الخيرات (المائدة ‪)48‬‬ ‫ويعتبر سياسة العالم كونية لأن البشرية يوحدها الرزقان‪.‬‬ ‫فيقضي بذلك على التحريف والجاهلية علتي الصراع بين البشر‪:‬‬ ‫‪ .1‬مصدر الصراع الديني والطائفي‬ ‫‪ .2‬ومصدر الصراع السياسي والطبقي‪:‬‬ ‫‪12 4‬‬

‫الصراع العرقي يجمعهما‪.‬‬‫وهذه الصراعات الثلاثة تنتج ضرورة عن دين العجل الذهبي‪ :‬أصله عقيدة عرقية‬ ‫للدين تستحوذ على الرزقين الروحي والمادي لاستعباد البشر بوصفهم جوهيم‪.‬‬‫والتحريف الروحي جعل الله رب جماعة تسمي نفسها شعب الله المختار والتحريف المادي‬ ‫هو اعتبار بقية البشر جوهيم‪ :‬والهدف سلطان كوني بمنطق العجل‪.‬‬‫وقد حللنا آليات هذا السلطان الكوني الذي يحرف أداتي الفاعلية الرمزية‪ :‬رمز الفعل‬ ‫أو العملة وسلطانه البنك وفعل الرمز أو الكلمة وسلطانه الإعلام‪.‬‬‫والسلطان الأول أصله التضليل الاقتصادي والسلطان الثاني أصله التضليل الثقافي‬ ‫للتحكم في الذوق والعلم أداتي السلطان على بدن الإنسان وروحه‪.‬‬ ‫‪12 5‬‬

‫نمر الآن إلى الفصل الثالث لنواصل الجواب عن الأسئلة‪.‬‬‫اكتشفنا أن سر قوة الإسلام تمثلت في اكتشافه سر قوة الأمة أي الحريتين الروحية‬ ‫والمادية‪.‬‬‫وذلك هو ثمرة الوجه النقدي من القرآن‪ :‬مراجعة التاريخ الروحي للإنسانية لبيان‬ ‫كذبة شعب الله المختار أساس استعباد بقية البشر باعتبارهم جوهيم‪.‬‬‫وتلك هي وظيفة الاستراتيجية التحريرية للإنسانية‪ :‬الكشف عن دين العجل الذهبي‬ ‫من أهم عناصر النقد الديني في القرآن‪ .‬ومن هنا أهمية رسالة موسى‪.‬‬‫ما رفضه أصحاب العجل هو التحرير من العبودية الفرعونية التي أعاد أصحاب العجل‬ ‫صوغها في شكل دين العجل الكوني بأداتي العبودية الروحية والمادية‪.‬‬‫ومن يتدبر القرآن هذا التدبر يدرك حتما أن ما يحدث حاليا أمر طبيعي جدا‪ :‬لا يمكن‬ ‫للعولمة بمنطق العجل أن تتعايش مع عولمة الكونية الاستخلافية‪.‬‬‫وانطلاقا من هذه الحقيقة يصبح بالوسع أن نكتشف استراتيجية حرب الأولى على‬ ‫الثانية والانتصار عليها بالسلاح اللطيف المحرر من عبوديتي العجل الذهبي‪.‬‬‫وهو ما سأحاوله رغم سخافات أبي قتادة الغارق في تخريف العلوم الزائفة التي لا يفهم‬ ‫علة زيفها فيحدد بمعاييرها منزلة عملي بالقياس إلى تخريفه‪.‬‬‫وحكمه لا يختلف عن حكم أي علماني على عملي بالقياس إلى تخريفه من منطلق اطلاعه‬ ‫السطحي على فضلات ما تجاوزه الفكر الغربي الذي يدعي الكلام باسمه‪.‬‬‫يعيشان في متردم الفلسفة والكلام الوسيطين بشعارات التأصيل (ابو قتادة) والتحديث‬ ‫(أي حداثي عربي) دون ما حققته المدرسة النقدية عندنا وفي الغرب‪.‬‬‫اشتراط أبي قتادة تجاوز الاجتهاد للحصول على مرتبة المفكر الإسلامي‪-‬وهي منزلة لم‬ ‫أدعها ولا أحتاج إليها ولا تشرفني ايضا‪ -‬من أغبى رأي سمعته‪.‬‬ ‫‪12 6‬‬

‫ذلك أنه ضرب مثال الشافعي وابن تيمية وابن قيم في كلامه على ما سماه \"من هو أبو‬ ‫يعرب المرزوقي\" في تخريفاته‪ .‬فاجتهادهم ليس من نفس الطبيعة‪.‬‬‫وما له علاقة بالفلسفة من اجتهادهم لا يفهمه أبو قتادة قطعا‪ .‬ولو كان مفهوما لما تخلفت‬ ‫الأمة فأنتجت أمثال ابي قتادة مفكرين يخرفون لغير عصرهم‪.‬‬‫أعتقد أن مثل هؤلاء ينبغي أن يوضعوا في المتاحف من آثار فكر عصر الانحطاط ولا‬ ‫علاقة لهم بعصر الاستئناف العصر الذي نحقق فيه شروط التحرر من الانحطاط‪.‬‬‫بلغت به الوقاحة إلى تحديد وظيفتي للرد على العلمانيين لكأن الفكر الفلسفي وظيفته‬ ‫رد الفعل على زيد أو عمرو ظنا أن البناء يحقق مرض المتكلمين‪.‬‬‫وهو يقصد أن الفكر المبدع من جنس تخريفه بمضغ محفوظات عصر الانحطاط التي‬ ‫يعتبرها فكرا وهي من سقط المتاع وعلل فقدان الأمة لشرود السيادة والريادة‪.‬‬‫وهذا التعليق لا يخص أبا قتادة بل كل من يفكر مثله ويعتبر علوم الملة التي ربي عليها‬ ‫ما تزال ذات فائدة عدا كونها من ميت التراث وليس من حيه‪.‬‬‫تكلمت على سلطان العجل الذهبي واستعماله للرمزين أداتين للسيطرة على الذوق‬ ‫والعلم مصدري حاجات الإنسان الذوقية والعلمية بمستوييهما كليهما‪.‬‬‫وهذا السلطان هو أصل العولمة التي لا يمكن تتعايش مع الإسلام لأنه يتأسس على‬ ‫الحريتين المحررتين من العبوديتين مصدر قوة دين العجل وسلطانه‪.‬‬‫ولهذا كانت استراتيجية القرآن النقدية بيان علة هذين العبوديتين‪ :‬التضليل‬ ‫الاقتصادي (عملة الربا) والتضليل الثقافي (كلمة الباطل)‪ :‬بداية التحرير‪.‬‬‫وعلى هذا الأساس وضع القرآن شرطي قوة الامة‪ :‬الحرية الروحية والحرية السياسية‬ ‫هي سر قوة الأمم ونفيهما هو سر ضعفها‪ .‬منطق العجل‪ :‬الاستضعاف‪.‬‬ ‫وبذلك نصل إلى فنيات الاستضعاف وهو المسألة الثانية‪ :‬علل الانحطاط‪.‬‬ ‫فالانحطاط هو الذي ينتج عن فنيات الاستضعاف من الداخل والخارج بالعبوديتين‪.‬‬‫لا تستضعف أمة حققت الحريتين الروحية والحرية السياسية ومن ثم فالاستضعاف أو‬ ‫علل الانحطاط ليست شيئا آخر غير نفي هذين الحريتين في الجماعة‪.‬‬ ‫‪12 7‬‬

‫ثلاثة أسئلة‪:‬‬ ‫‪ .1‬ما سر قوة الأمة؟‬ ‫‪ .2‬وما علل انحطاطها؟‬ ‫‪ .3‬وكيف تستأنف دورها؟‬ ‫ووصلتان‪:‬‬ ‫‪ .1‬كيف تنحط القوة؟‬ ‫‪ .2‬وكيف ينقلب الضعف إلى قوة فيتم الاستئناف؟‬‫بهذه الأسئلة الثلاثة بدأنا هذه المحاولة ولم نجب إلا في فصلها الثالث عن السؤال الأول‬ ‫أي عن سر القوة وبقي سؤالان والوصلة بين ‪1‬و‪ 2‬ثم بين ‪2‬و‪.3‬‬‫سنخصص الفصل الرابع للسؤال الثاني وما يصل بينه وبين السؤال الأول‪ .‬ونخصص‬‫الفصل الخامس يتعلق للسؤال الثالث وما يصل بينه وبين السؤال الثاني‪ .‬وفي الوصلتين سر‬ ‫الداء وسر العلاج‪.‬‬‫والوصلة بين ‪ 1‬و‪ 2‬هي ما يحل بمقومات الذات الإنسانية بسبب التربية والسياسة وهي‬ ‫سر الازدهار والانحطاط في آن ومن ثم نقل القوة إلى الضعف‪.‬‬‫والوصلة بين ‪ 2‬و‪ 3‬هي ما يحل بالأحياز الخمسة أو كيان الجماعة من مناسبة أو عدم‬ ‫مناسبة لشروط الحماية والرعاية أي الشروط الموضوعية للسيادة‪.‬‬‫وأصحاب السلطان الذي نسبناه للعجل الذهبي يفعل في الوصلتين أي في مقومات الذات‬ ‫الإنسانية لإفساد معاني الإنسانية وفي كيان الجماعة لتقزيمها‪.‬‬‫فيكون مدار المحاولة كلها السؤال الأول المتعلق بسر قوة الإنسان فردا وجماعة وكيفية‬ ‫جعل الحريتين عبوديتين بالفعل في مقومات الذات وكيان الجماعة‪.‬‬‫السؤال الثاني والانتقال إليه من الأول‪ :‬ما علل الانحطاط وكيف يبدأ بإفساد معاني‬ ‫الإنسانية أي بمقومات الذات الإنسانية الخمسة يجعلها عقيما؟‬ ‫‪12 8‬‬

‫من يتابع المحاولات يعلم أن مفهوم \"فساد معاني الإنسانية\" من وضع ابن خلدون‪ .‬ويعلله‬ ‫حصوله بعنف بعدي صورة العمران أي السياسة بما هي تربية وحكم‪.‬‬‫لكن ابن خلدون تكلم على آثار هذا الفساد على سلوك الإنسان دون الاعتماد على تحديد‬ ‫دقيق لمقومات الذات الإنسانية الفردية وفشوه في الجماعة‪.‬‬‫وذلك ما فرض تحديدها بدقة وتحديد على الفشو في الجماعة بالاستناد إلى التناظر بين‬ ‫مقومات الفرد ومقومات الجماعة بتوسط نخب الجماعة أي جماعة‪.‬‬‫فأما مقومات الذاتي فهي الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود‪ .‬فالنخب تتحدد بغلبة‬ ‫أحد هذه المقومات‪ :‬كل واحدة تجمع من تغلب عليهم واحدة منها‪.‬‬‫فالسياسية يغلب على المنتسبين إليها مقوم الإرادة‪ .‬والمعرفية مقوم العلم‪ .‬والاقتصادية‬ ‫مقوم القدرة‪ .‬والفنية مقوم الحياة‪ .‬والرؤيوية مقوم الوجود‪.‬‬‫وهذا هو التناظر الذي يفسر فشو فساد معاني الإنسانية وانتقالها من الخاصية الفردية‬ ‫إلى الخاصية الجماعية فتفسد معاني الإنسانية أو تصلح فيهما‪.‬‬ ‫وذلك هو سر الانتقال من قوة الجماعة إلى ضعفها أو الانحطاط‪.‬‬‫وعلينا إذن أن نجيب عن السؤال الثاني بالاعتماد على هذه الوصلة بين السؤالين ‪1‬و‪.2‬‬‫وقد وضعت هذه النظرية لفهم انتقال فساد معاني الإنسانية بالعدوى من الأفراد إلى‬ ‫الجماعات باستبداد بعدي السياسة (صورة العمران)‪ :‬التربية والحكم‪.‬‬‫وسنرى أن صورة العمران تصور مادته التي هي متمم التربية أو الرعاية ومتمم الحكم‬ ‫أو الحماية وهما مقوما القوة والسيادة في أي جماعة من الأحرار‪.‬‬‫وبينت فروع الرعاية التكوينية والتموينية وفروع الحماية الداخلية والخارجية‬ ‫ومجموعها عشرة مع ممثل وحدتهما‪ :‬ممثل ارادة الأمة كجماعة حرة وسيدة‪.‬‬ ‫السؤال كيف تنحط الامة هو عينه السؤال كيف تفسد هذه الوظائف‪.‬‬‫وكيف تفسد يعني كيف تصبح حائلة دون الحريتين الروحية والسياسية بسيطرة دين‬ ‫العجل‪.‬‬ ‫‪12 9‬‬

‫فيصبح السؤال‪ :‬كيف تنحط الامة هو كيف تفسد صورة العمران وهو عينه كيف تفسد‬ ‫معاني الإنسانية في الأفراد وفي الجماعة فتنقلب الحرية إلى عبودية؟‬ ‫‪12 10‬‬

‫السؤال الاخير كيف ينقلب الضعف إلى قوة أو الانحطاط إلى ازدهار؟‬ ‫سؤال جوابه هو عين استراتيجية القرآن في بناء الأمة الإسلامية ببعدي السياسة‪.‬‬‫والسياسة بالمعنى القرآني غير كاريكاتوري التأصيل والتحديث‪ :‬فهي تربية الإنسانية‬ ‫وحمايتها فردا وجماعة بصورة تجعله يعمر الارض بقيم الاستخلاف‪.‬‬‫لذلك فمفهوم الإسلام للسياسة بما هي تربية وحكم تشمل تتجاوز الداخل والخارج بمعنى‬ ‫أنها نظام أمة ونظام الإنسانية بمبدأي النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.13‬‬‫وبهذا المعنى فالدولة الإسلامية كونية بالجوهر في مستوى فلسفة التاريخ لأنها تعين‬ ‫الرسالة الكونية في مستوى فلسفة الدين ببعديه النقدي والبنائي‪.‬‬‫فيكون الاستئناف الإسلامي مثل النشأة الأولى رسالة لتحرير البشرية من تحريفات‬ ‫الديني في كل دين بمفعول دين العجل الذي يستعبد الإنسانية كلها‪.‬‬‫ولا يعني ذلك أن استئناف الإسلام رسالته التاريخية الكونية لا بد خوض حرب عالمية بل‬ ‫مجرد تطبيق الأمة لقيم الإسلام يجعلهم نموذجا جاذبا كونيا‪.‬‬ ‫فالنموذج الجاذب اليوم هو نموذج العجل الذهبي أو ما يسمى بالحلم الأمريكي‪.‬‬ ‫فجل سكان العالم لو استطاعوا لهاجروا إلى أمريكا والعلة سلطان العجل‪.‬‬‫وقوة الجاذبية هنا هي قوة التضليلين اللذين درسناهما تضليل رمز الفعل (العملة‬ ‫والاقتصاد) وتضليل فعل الرمز (الكلمة والثقافة)‪ :‬إظهار العبودية حرية‪.‬‬‫فمنطق العجل هو الإخلاد إلى الارض الذي وصفه القرآن بلهيث الكلب‪ :‬فالإنسان عبد‬ ‫لرهن حريته لسلطان البنك الاقتصادي ولكنيسة الإعلام الثقافي‪.‬‬‫وهو يتوهم أنه حر لكنه في الحقيقة مجرد قطعة في مكينة جهنمية لم تحرر العبيد بل‬ ‫عممت العبودية لتربية (الثقافة) وحكم (الاقتصاد) مجهول الاسم‪.‬‬‫ولا يمكن للإسلام أن يستأنف دوره إلى إذا فكك هذه الآليات كما فعل أول مرة عندما‬ ‫فكك عبودية التربية (الكنسية) والحكم (الحق الإلهي) بالحريتين‪.‬‬ ‫‪12 11‬‬

‫والحريتان هما المضمون الديني في كل دين عندما نخلصه مما فيه من تحريف وجاهلية‪:‬‬ ‫فالنقدي من القرآن يلغي العبوديتين والبنائي يؤسس الحريتين‪.‬‬ ‫وكون الاستئناف لن يكون إلى كونيا كما كانت النشأة الأولى هو علة ظاهرتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬حال الأمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬عالميتي حضارة العجل قبل النشأة وقبل الاستئناف‪.‬‬‫فقبل النشأة كان العالم المتحضر يحكمه قوتان فارسية وبيزنطية والإسلام حرر الإنسانية‬ ‫منهما‪\" :‬جئنا لنحرركم من عبادة العباد بعبادة رب العباد\"‪.‬‬‫واليوم في مرحلة الاستئناف‪ :‬فهم ممثلو حضارة العجل خطأ موقف نظيريهما في النشأة‬ ‫الأولى فلم يستخفوا بالإسلام كما في نشأته بل أعلنوا عليه الحرب‪.‬‬‫ما يجري اليوم هو أن شكلي دين العجل تعلما من التجربة الأولى التي استخف أصحابها‬ ‫من دعوة الإسلام فأزالتهما‪ .‬يريدون القضاء على استئناف دوره‪.‬‬‫ومن دلالات غباء ما يسمى بقيادات حركات الجهاد الحالية أنهم يدعون الاستئناف‬ ‫بمقاومة أخلاقها‪ ،‬أخلاق العجل الذهبي‪ :‬فهم أمراء حرب وليسوا ثوارا‪.‬‬‫فقولة رسول جيش الفتح \"جئنا لنحرركم من عبادة العباد بعبادة ربهم\" لا يمكن لأن منهم‬ ‫من يقولها لأنهم فاقدون لحريتي الإسلام‪ :‬الروحية والسياسية‪.‬‬‫فهم يتصورون قياداتهم الفكرية وقياداتهم العسكرية التي نكصت إلى العبوديتين من‬ ‫جنس صحابة رسول الله فاتحي العالم بأخلاق حريتي ثورة الإسلام‪.‬‬ ‫فتربيتهم وحكمهم بطاغوت العلماء والأمراء الزائفين‪.‬‬‫كل الداء في العلوم والاعمال الزائفة التي تجاهلت فصلت ‪ 53‬وتجرأت على آل عمران‬ ‫‪.7‬‬ ‫‪12 12‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬



‫فصارت كل \"دويلات\" المسلمين عامة والعرب خاصة محميات استعمارية ليس لها من الدولة‬ ‫غير الاسم لأنها فاقدة لشروط الرعاية والحماية مقومي السيادة‪.‬‬ ‫‪22 16‬‬

‫خصصنا الفصل السادس لكيفية توظيف أصحاب العجل للجغرافيا ليجعلوها عامل ضعف‬ ‫بالحيلولة دون شروط التنمية المادية‪ :‬التفتيت لمنع شروط الرعاية والحماية‪.‬‬‫فمنع شروط الثروة الكافية لتحقيق شروط الرعاية والحماية يقتضي بعد التفتيت‬ ‫الجغرافي التشتيت التاريخي للقضاء على التراث الكافي لوحدة الجماعة‪.‬‬‫وفي كلمة‪ :‬فنيات الغزو بالرمزين مدارها منع شروط التنمية المادية (الثروة) وشروط‬ ‫التنمية الروحية (التراث) بفاعلية الفيروس المتطفل على كيان الأمة‪.‬‬‫درسنا في الفصل السادس كيفية تفتيت الجغرافيا إلى دويلات متناحرة عاجزة عن‬ ‫الرعاية والحماية بسبب فقدان شروط التنمية المادية فتصبح محميات للمستعمر‪.‬‬‫والآن في الفصل السابع ندرس كيفية تفتيت التاريخ حتى يزول اللاحم الروحي الواصل‬ ‫بين هذه الدويلات وحتى تصبح النخب تعرف هوياتها بنفي هذا اللاحم‪.‬‬‫فجميع النخب التي بيدها الحل والربط في المحميات التابعة صارت تعرف ذاتها وما تسميه‬ ‫دولها الوطنية بما تقدم على الإسلام أو بما تأخر عنه في رأيهم‪.‬‬‫فليست الدويلات ذات الأنظمة التي تدعي القومية وحدها بل وكذلك الدويلات ذات‬ ‫الأنظمة التي تدعي الإسلام كلها أصبحت تبحث عن شرعية بنفي المشترك‪.‬‬‫إنه منهج الحرب على الرابط التراثي بين شعوب الأمة وقبائلها الذي أسميه تشتيت‬ ‫التاريخ نظير تفتيت الجغرافيا‪ .‬والأصل هو الفتنتان الكبرى والصغرى‪.‬‬‫والفتنة الكبرى معلومة للجميع‪ .‬ويمكن تحديد الفتنة الصغرى بنفس المعيار‪ :‬الكبرى‬ ‫فتتت اللاحم الروحي بموقف من علاقة الدين بالسياسة‪ .‬والصغرى مثلها‪.‬‬‫في الكبرى الفيروس مما تقدم على الإسلام‪ :‬استعادة الكنسية والحق الإلهي في الحكم‬ ‫وجعل الحكم جزءا من العقيدة‪ :‬تحريف فارسي بيزنطي لسياسة القرآن‪.‬‬‫وكان رد العرب الذين كانت الدولة بيدهم المحافظة على نظرية الإسلام في القول‬ ‫والعودة إلى القبلية العربية في الفعل أي حق القوة‪ :‬الدولة الأموية‪.‬‬ ‫‪22 17‬‬

‫أما الفتنة الصغرى فهي العلمانية‪ :‬مشكل علاقة الدين بالسياسة‪ :‬نفي كل علاقة بين‬ ‫الديني والسياسي بعد شرعية حل الوصية الشيعي وفصام الحل السني‪.‬‬‫الغزو بفيروسين متقدم على الإسلام ومتأخر على الإسلام‪ :‬ما قبل الإسلام أنتج فيروس‬ ‫الفتنة الكبرى وبعد انحطاطه واستعماره فيروس الفتنة الصغرى‪.‬‬‫وكلاهما يحارب فلسفة القرآن السياسية تربية وحكما‪ :‬فالكنسية الدينية والكنسية‬ ‫العلمانية والحق الإلهي والحق الطبيعي في الحكم هما الداء الحالي‪.‬‬‫فتشتيت التاريخ هو استراتيجية الحيلولة دون التنمية الروحية الثقافية وتفتيت‬ ‫الجغرافيا هو استراتيجية الحيلولة دون التنمية المادية الاقتصادية‪.‬‬‫وبهما يضعف الفيروس كيان الأمة فيتمكن من التطفل عليه بتغذية دوافع التفتيت‬ ‫الجغرافي والتشتيت التاريخي‪ :‬وتلك خدمة القومية والطائفية للاستعمار‪.‬‬‫وليس من الصدفة أن يكون هم أصحاب الفتنتين الأول الحط من مقومي مرجعية الإسلام‪:‬‬ ‫القرآن والسنة‪ .‬وحتى تكتمل صورة الحرب عليهما الموقف من الصحابة‪.‬‬‫والهم الواحد يجعل الشيعي والعلماني متحالفين وحليفين للصهيونية والاستعمار‬ ‫ويحاربان مرجعية الإسلام وأساس دولته‪ :‬سنة العرب بداية والاتراك غاية‪.‬‬‫والأنظمة العربية بصنفيها العسكري الذي يدعي القومية والقبلي الذي يدعي الإسلامية‬ ‫ونخبهما بسبب كونهم موظفين في المحميات عملاء لهؤلاء الأعداء‪.‬‬‫لذلك فهم مع الحلفاء من الأعداء وظيفتهم الأساسية الحرب على وحدة التراث التي هي‬ ‫سر اللواحم الروحية في الجماعة شرط الإبداعين الذوقي والعلمي‪.‬‬‫ولما كان الإبداعان الذوقي والعلمي يمثلان سر القدرة على سد الحاجات المادية والرحية‬ ‫شرط الرعاية وشرط الحماية فإن حرب التراث أخطر حرب الثروة‪.‬‬‫ذلك أننا رأينا أن الذوق بمستوييه يحدد الغايات والعلم بمستوييه يحدد الأدوات‪ .‬فإذا‬ ‫ضربت الأدوات لم يبق للغايات إلا الأماني وتزول الحقائق‪.‬‬‫ومن لم يبق له من شروط سد الحاجات إلا الأماني يصبح تابعا لمن يتحكم في سدها فيصبح‬ ‫عبدا له‪ :‬العبودية متعلقة بالرعاية وبالحماية‪ .‬وتلك حال العرب‪.‬‬ ‫‪22 18‬‬

‫فمن له بعض مال يمكن أن يستورد ما يسد به الحاجات الأولية ولا ينتج شيئا منها أما‬ ‫الروحية فهي مستحيلة لأن المستعبد يقلد ولا يبدع فسيده مثاله‪.‬‬‫فهو تابع في الرعاية وأكثر تبعية في الحماية‪ .‬هم توابع في الرعاية بالاستيراد وفي‬ ‫الحماية بدليل قواعد الحامي الاستعماري وسلطان إيران وإسرائيل‪.‬‬‫أما فقراء العرب فالتبعية في الرعاية مضاعفة لعجزهم عن الاستيراد وهم كذلك بحاجة‬ ‫للحماية لأن بقاءهم مجرد حراسة لمصالح من يرعاهم ويحمي مصالحه‪.‬‬‫وهذا النوع الثاني من التوابع بدأت نخبه قبل نخب النوع الأول الحرب على المرجعية‬ ‫بدافع الفتنة الصغرى والفتنة الكبرى والحاجة إلى الرعاية‪.‬‬‫والآن لحق بهم من كانوا يتوهمون أنهم أغنياء فأعلنوا الحرب على المرجعية بنفس‬ ‫الدوافع وما بقي لهم من وهم الثروة يستعملونه لمنع ثورة الأمة‪.‬‬‫وهنا يتدخل أصحاب العجل الذهبي بصورة علنية حماية للأنظمة بنوعيها العسكري‬ ‫والقبلي ولنخبهما العميلة ضد شعوبهم التي ثارت لاستئناف دور الأمة‪.‬‬‫وما أنا إلا صوت يحاول أن يعبر عن أعماق هذه الثورة وأن يفضح آليات الفيروسين‬ ‫اللذين يتطفلان على كيان الامة الجغرافي وثروتها والتاريخي وتراثها‪.‬‬ ‫‪22 19‬‬

‫الفصل الأخير للمرجعية أي للحيز الأصلي الذي يوحد الأحياز الفرعية الاربعة المكان‬ ‫والزمان وثمرتي تفاعلهما بعمل الذوق والعلم أي التراث والثورة‪.‬‬‫وسيكون الكلام على دور المرجعية عامة وحرب اصحاب العجل عليها بداية وغاية لتفتيت‬ ‫وحدة الجغرافيا لإضعاف الثروة وتشتيت التاريخ لإضعاف التراث‪.‬‬‫والكلام العام على دور المرجعية بذاتها وبصفتها أصلا لفروعها وفنيات الحرب عليها‬ ‫هدفه نظري عام والتطبيق يختار مثال المرجعية ودورها والحرب عليها‪.‬‬‫والأهم هو بيان استراتيجية القرآن التي تخصص القسم النقدي للتجربة الإنسانية‬ ‫الروحية والسياسية والقسم البنائي استراتيجيته البناءة بالحريتين‪.‬‬ ‫الفصل الثامن والأخير يعالج ثلاثة موضوعات‪:‬‬ ‫‪ .1‬نظرية دور المرجعية والحرب عليها عامة‬ ‫‪ .2‬تطبيقها على الحالة الإسلامية‬ ‫‪ .3‬استراتيجية القرآن النقدية والبنائية‬‫المرجعية في كل حضارة حددها ابن خلدون في الباب الأول من المقدمة‪ :‬الأصل توقع‬ ‫المستقبل أي أثر العلم في الذوق بمستواهما الأول أصلا لمستواهما الثاني‪.‬‬‫وتلك هي بداية الأديان الطبيعية والكهانة والعلوم الزائفة التي تتعلق بالمستقبل وفي‬ ‫نفس الوقت بعبادة قوى الطبيعة عرفانا واعتمادا واستمدادا‪.‬‬‫ولما كانت الطبيعة يتداول عليها السمان والعجاف من السنوات فإن هذه الأديان الطبيعية‬ ‫تتشكل بهذا التداول واستراتيجيات دور الذوق والعلم فيهما‪.‬‬‫فتبدأ ثمرات التفاعل بين الجغرافيا والتاريخ بمقتضى فعل الذوق والعلم لحل معضلات‬ ‫التراث والثروة شرطي البقاء الروحي والمادي في الجماعات كلها‪.‬‬‫وبذلك يتفرع دور الأحياز الأربعة المكان والزمان والتراث والثروة عن هذه الأديان‬ ‫الطبيعية الأولى التي ينتظم بها العمران بحسب الخصب والجدب‪.‬‬ ‫‪22 20‬‬

‫وبهذا يصنف تحريف الديني الخالص‪ :‬اثنان طبيعيان واثنان منزلان محرفان وأصل‬ ‫واحد للطبيعيين والتحريفين هو الشرك بعبادة قوى الطبيعة والتاريخ‪ :‬دين العجل‪.‬‬‫وهذا التصنيف (الحج ‪ )17‬هو الذي يفهمنا دور إبراهيم بداية وموسى غاية في‬ ‫صورتهما القرآنية‪ :‬ثار على عبادة الطبيعة والثاني على عبادة التاريخ‪.‬‬‫ورمز الطبيعة هو عبادة الأفلاك ورمز التاريخ هو عبادة الحكام وتأليههم‪ .‬فالصابئية‬ ‫والمجوسية عبادة الطبيعة وأصلهما شرك الفرعنة السياسية(تاريخ)‪.‬‬‫ما يعني أن عبادة الطبيعة هي بدورها ناتجة عن عبادة التاريخ أي إن الحكام بتحكمهم‬ ‫في الأرزاق يتألهون ويؤلهون مصدر الأرزاق مدعين عليها سلطانا‪.‬‬‫بداية التحرر دين إبراهيم للتحرر من عبادة الطبيعة بداية للتحرر من عبادة‬ ‫المسيطرين على البشر بها‪ :‬عبادة العجل وقد تبناها محرفوا دين موسى‪.‬‬‫وبذلك يكون الدين الخاتم الذي هو الديني في كل دين إصلاحا محمديا روحيا وسياسيا‬ ‫يحرر البشرية من تحريف ثورة إبراهيم بداية وثورة موسى غاية‪.‬‬‫وهو إصلاح بمنهج التصديق والهيمنة ورمزه تبني اصلاح عيسى الروحي (الوازع‬ ‫الذاتي) وإصلاح محمد الحكمي (الوازع الأجنبي)‪ :‬بعدا السياسة تربية وحكما‪.‬‬‫تلك هي أهم مقومات فلسفة الدين القرآنية‪ .‬ولذلك فالإسلام هو الإيمان بالحريتين‬ ‫الروحية والسياسة اللتين تمثلان الديني الخالص‪ :‬الدين عند الله‪.‬‬ ‫ولما كانت الحريتان قد ألغاهما التحريف والجاهلية كان القرآن ذا بعدين‪:‬‬ ‫‪ .1‬نقدي للتحريف والجاهلية‬ ‫‪ .2‬بنائي لبديل يحقق الحريتين الروحية والسياسية‬‫تلك هي المرجعية وتكوينيتها أصلا لوحدة الأحياز ودورا في قيام الإنسان ذوقا وعلما‬ ‫بمستوييهما كليهما والحرب عليها تبدأ بفروعها لأضعافها‪.‬‬‫تكلمنا في نظرية المرجعية الدينية صحيحها ومحرفها عندما كان المشكل تحرير الإنسان‬ ‫من عبادة الطبيعة وعبادة التاريخ وهذه أصل خفي لتلك‪.‬‬ ‫‪22 21‬‬

‫ولما اشترط القرآن الكريم تبين الرشد من الغي في الحرية الدينية جعل الإيمان مشروطا‬ ‫بالكفر بالطاغوت عبودية تاريخية ابتدعت العبودية الطبيعية‪.‬‬‫فالفرعنة هي الطاغوت وهي عبودية سياسية تحتاج لعبودية غيبية تحرف الدين القيم‬ ‫بأن تؤله قوى طبيعية تدعي السلطان عليها‪ :‬سلطان فرعون على النيل‪.‬‬‫وبوضوح فالقصد أن الحاكم المتأله يدعي أنه هو رب الأرزاق وبها يسيطر على البشر‬ ‫فتكون العبودية السياسية أصل العبودية الطبيعية‪ :‬الأنظمة العربية‪.‬‬‫فالأنظمة العربية بنوعيها تتحكم في أرزاقهم وتتأله حتى وإن يمنعهم النفاق من إظهار‬ ‫دعوى الفرعنة في الأقوال لكنهم يمارسونها باستبداد الأفعال‪.‬‬‫فيحكمون في الشعوب بأدوات العجل الذهبي التي يحكمهم بها سيدهم الحامي إما هو‬ ‫مباشرة (المستعمر) أو بواسطة ذراعيه في الإقليم (إيران وإسرائيل)‪.‬‬‫وهنا نحد ممثلي الفتنتين الكبرى (إيران) والصغرى (إسرائيل)‪ :‬فالأولى تدعي أن‬ ‫القرآن والسنة محرفان وأن الصحابة خونة‪ .‬وتخوينهم تشكيك في الرسول‪.‬‬‫فإذا كان لا يحسن اختيار صحابته وكان صحابته خونة فهو غر لا يعلم شيئا عما حوله‬ ‫فضلا عن دعواهم في أم المؤمنين عائشة مسا بعرضه بعد عقله‪.‬‬‫وإسرائيل تدعي أنها الدولة العلمانية والديموقراطية الوحيدة في الإقليم والكل يعلم‬ ‫أنها عكس ذلك تماما‪ :‬فهي دولة التحريف (العجل) والمافية‪.‬‬‫بوسعي الان أن اتوقف‪ :‬فقد أثبت ما حاولت إثباته‪ .‬وعذرا عن الاستدلال شديد‬ ‫التعقيد والطول والتشابك بين العوامل المؤثرة والبنى المتشاجنة‪.‬‬ ‫‪22 22‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook