أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 511152025
مرة اخرى أعود لإشكالية الدولة ومنزلتها في رؤية الإسلام للدين .لكن هذه المرة لبيان علاقة نظريته في الدولة بما يسميه ابن خلدون بصورة العمران.وهذا الاسم عين أنه يتكلم في الدولة بمقتضى طبائع العمران دون وصف بكونه إسلاميا بل هو عنده بشري عامة :علم العمران البشري والاجتماع الإنساني.وقد فضل نظرته عند تطبيقها على السياسة والدولة على الطريقتين السائدتين في عصره :طريقة المدن الفاضلة (فلسفة)وطريقة الأحكام السلطانية(فقه).لأن طريقة المدن الفاضلة تتكلم على ما ينبغي أن يكون وما يعتبره بعيد الاحتمال لأنه كما قال لو كان ممكنا لاستغنينا عن الدولة :يتوبيا مثالية.أما طريقة الأحكام السلطانية فهي حسب رؤيته لا تطابق طبائع العمران بل هي أحكام فقهية تعكس فصلت 53فتحكم النصوص في وقائع السياسي بدل العكس.وما يحول دون فهم ثورته حول مقومات الدولة هو نظرته التكوينية أو النظرة التطورية والتاريخية لأعيان الدول وأساليب الحكم أكثر من البحث في البنية.لن أهتم بالتكوينية أو بمراحل تطور أسلوب الحكم وهو تطور شبيه المراحل بالتي حددها أفلاطون في مقالتي الجمهورية الأخيرتين وإن على أسس مختلفة.سأقتصر على استخراج العناصر البنيوية التي تتفق مع ما اعتبره نظرية الدولة كما حددها القرآن بمنطق السياسة الجامع بين القانونين الطبيعي والخلقي.وسأبدأ بقلب البنية أي أسلوب الحكم أو ما يسميه ابن خلدون بالعقد العقلي (بنوعيه) أو الديني بنوعيه أو الجامع بينها أربعتها على ارضية الطبيعي.وقبل هذا القلب الذي يشبه الدستور العرفي لأنه غير مكتوب بل ممارس مقومان وبعده مقومان .فقبله عصبيات بغلبة إحداها والمرجعية المشتركة بينها. 29 1
وبعده هيئة حاكمة ووظائف يؤديها الحكم والمجموع من القلب واثنان قبله واثنان بعده هو كيان الدولة المتعين وليس كبنية خالية ممن يملأ خاناتها البنيوية. عندنا: -1مرجعية مشتركة -2عصبيات أو قوى سياسية -3القلب أو ما يشبه الدستور المتعين عرفيا بالممارسة - 4هيئة حاكمة -5وظائف خدمية (حماية ورعاية)تلك البنية الكلية للمقومات الثابتة في الدولة من حيث هي دولة مهما كانت بدائية أو صارت حداثية .المتغير هو شكل العناصر ليزداد فاعلية وتحددا. ويمكن القول إن القلب يشبه جانوس :فهو يتلفت إلى مقومين يسبقانه لتأسيسه: -1مرجعية مشتركة -2وقوى سياسية (الاحزاب حديثا والقبائل قديما).وهو يلتفت إلى ما يليه ثمرة لدوره وأساس شرعيته التي تقدر بعلاقتها بالمرجعية وبالقوى السياسية: -4الهيئة الحاكمة -5والوظائف الحامية والراعيةلكن التركيز في الكلام على الدولة يقف عند الهيئة الحاكمة وخاصة في فلسفة السياسة القديمة فمدارها الأسر الحاكمة وكأنها بلا جذور وبلا وظائفوالقوى السياسية تتمايز بين التي تحكم والتي تتربص بها أو المعارضة سلما أو حربا بفهمها للمرجعية وبرؤيتها للوظائف شرطين للشرعية بالأصل والغاية.والسياسة في أي عصر وفي أي مرحلة من تاريخ الشعوب هي هذه اللعبة بين تأويلات المرجعية وتفضيلات الوظائف والتداول بين استعمال الشوكة والشرعية. 29 2
وأهم إضافة خلدونية (رؤية سنية) اعتبار الشوكة مقوما للهيئة الحاكمة مثلها مثل الشرعية والدور بينهما متعاكس :زيادة إحداهما دليل نقصان الأخرى.والفرق الجوهري بين الصوغ الخلدوني وصوغ الطريقتين اللتين رفضهما أي طريقة المدن الفاضلة والأحكام السلطانية عدم الفصل بين الشوكة والشرعية.ولهذا وضع نظرية العقد إما العقلي أو الديني بدرجتيهما على أرضية العلاقة الطبيعية بين العصبيات كقوى متصارعة تنتظم بهما وبشكل جامع لها.والأرضية الطبيعية هي مصدر الحاجة إلى الشوكة والعقود الأربعة والجمع بينها هو مصدر الشرعية بشرط أن يحققا الحماية والرعاية وظيفتي الدولة.فنشرح معنى العقدين العقليين المقتصرين على مصالح دنيوية :فالعقلي يبدأ بخطة تحمي مصلحة الحاكم ثم ينتهي بخطة تحمي مصلحة الحاكم والمحكوم.فابن خلدون يقدم الدولة العقلية على الدولة الدينية .لكنه كما سنرى لا يقول بالدولة الدينية بل بمزيج بين العقلية والدينية .ولايقسم هذه مثل تلك.فالكلام على مصلحة دنيوية للحاكم ثم له والمحكوم يناظره نفس الشيء في المصلحة الأخروية ولم أفهم إغفال ذلك :الدين ملازم للشكلين الأولين.فالحاكم الذي يراعي عقليا مصلحته دون مصلحة المحكوم يميز لا يميز نفسه سياسيا فحسب بل يؤسس تميزه وتفرده بمنزلة دينية أو اسطورية :فرعون إله.ولما ينتقل الحكم العقلي إلى التوفيق بين المصلحتين ينتقل الدين مثله إلى الجمع بينهما فيكون الحكم الدين موازيا للحكم بالعقل فتكون أربعة أشكال.وكل ذلك يجري على الأرضية الطبيعية التي تعني الصراع المفضي للهرج بلغة ابن خلدون والذي يشبه الحالة الفرضية في نظريات العصر الكلاسيكي للدولة.لكن ابن خلدون لا يعتبرها فرضية تزول بمجرد بداية العقد بل هي ملازمة للدولة وهي تهدد العقد دائما وهي ارضية السياسة ودور الشوكة في كل حكم.ولذلك فالدولة عنده هي كل ذلك بوصها طرق وأدوات لنظام الجماعة ومن ثم فكل نظام هش بالجوهر ومع ذلك صامد بالجوهر نظام مزيج مؤلف من هذه العناصر. 29 3
ولعل أبرز مثال لهذه الهشاشة والصمود في آن هو أن العقد العقلي أي حساب المصالح بين الحاكم والمحكوم متأرجح دائما فيصبح هذا مصدر شرعية ذاك ومخفيه.وما قلناه عن حساب المصالح الدنيوية يقال عن حساب المصالح الأخروية :فبالتدريج يصبح الديني مصدر شرعية الدنيوي وغطاءه الذي يخفي دوافعه.فتكون خدمة المحكوم وحماية القيم لعبتين إيديولوجيتين تضفيان الشرعية على الحكم وتخفيان تحيله الذي يبقى دائما مقدما لخدمة الحاكم والدنيا .فتكون السياسة من حيث هو تدبير دولة بهذا المعنى الذي بينا بنيته لعبة توازن بين الشوكة والشرعية حول رهانات خمسة تحتاج إلى الحماية والرعاية.وهذه الرهانات التي تحتاج إلى الحماية والرعاية وظيفتي الدولة تجري في مستويين رمزي خيالي وفعلي تاريخي .والأول تمثله الرؤيا والثاني الحدث.وذلك هو مضمون سورة يوسف :كل ما يحدث يحدث أولا كرؤيا ثم كحدث فيكون السعي التاريخي هو تحقيق الرؤيا بمعنى أن الإنسان تاريخه هو تحقيق أحلامه.وهذه الأحلام غايتها السلطان إلى حد التأله (رؤيا يوسف والسجود له) وثمراته الحب والعيش والعلم وما يحول دونها أربعتها ونسيان برهان الرب.ولذلك فسورة يوسف هي الوحيدة التي لا تتضمن إلا هذه الأغراض الخمسة وتتوجه إلى الرسول الخاتم لإخراجه من الغفلة بداية ومنعه من اليأس غاية.فكانت آيتها قبل الاخيرة{ :حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ...ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} لبيان أن السياسة اجتهاد وجهاد قيمي.إنها اشرئبات للأسمى في الحب وفي العيش وفي العلم وفي الحكم وفي رؤية برهان الرب حتى يكون الحب والعيش والعلم والحكم محققة لمنزلة الخليفة.لذلك أجدني ملتزما بالثورة ومطالبها فهي سعي الشباب لتحقيق هذه المعاني ومساعدتي لهم بيان دلالة سورة يوسف :تحقيق الأحلام بالاجتهاد والجهاد. 29 4
لما تكلمت على بنية الدولة مقوماتها ووظائفها وميزت بين عرض ابن خلدون التكويني - جوناز-وعرضي البنيوي كان القصد إبراز وحدة البنية وكونيتها.أما ابن خلدون فكان هدفه بيان تكوينيتها أو مراحل تشكل ما يسميه بصورة العمران(والاجتماع) .والعرض التكويني يبرز مميزات كل مرحلة ويبين أهميتها.لكن أهم عنصر يشد الانتباه في التكوينية كما يعرضها ابن خلدون هو التلازم بين الشوكة والشرعية مقوما جوهريا لقيام الدولة ولبقائها :تلازم الوزعين.والوزعان كما هو معلوم يسميهما ابن خلدون تسميتين واحدة \"فاليو فري\" محايدة عن القيمة تسمية موضعية لأن الأول يسميه الذاتي والثاني الاجنبي.ويسميهما ثانية تتضمن تقويما صريحا :فالوزع الذاتي ينسبه إلى الضمير والروح وأثر الدين .والثاني ينسبه إلى الأحكام السلطانية بمعنى الحكم لا العلم.ولا يوجد فقيه يفهم هذه المقابلة فالوزع الديني عندهم ليس وزع ضمير بل وزع سلطة خارجية فيصبح أفسد حتى من الوزع الخارجي لنسيانهم البقرة .256ابن خلدون لما قابل بين الذاتي والخارجي وساوى بين هذه المقابلة والمقابلة بين الوزع الروحي والديني ووزع السلطة السياسية لم ينس البقرة .256وقد جاء ذلك صراحة في شفاء السائل ناسبا إلى الفاروق التمييز بين الوزع الروحي النابع من الضمير (تبين الرشد) والوزع المادي النابع من الخوف.والآن سأتكلم على معضلة محيرة في كلام ابن خلدون على \"فساد معاني الإنسانية\". أكثرت من الكلام على هذا المفهوم دون أن ألامس المعضلة الواردة فيها.وقبل تحديدها فلأذكر بأن عنوان المقدمة نفسه محير\" :علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" .محير مرتين :لأنه اسم مضاعف .ولتأسسه على مقابلتين. فهل له موضوعان أولهما العمران البشري والثاني الاجتماع الإنساني؟ 29 5
وما علاقة الموضوعين إن كانا موضوعين وما طبيعة الوحدة إن كانا موضوعا واحدا؟ ثم ما الفرق بين العمران والاجتماع وما الفرق بين البشري والإنساني؟ وهل صحيح أن ابن خلدون وضع علما استقرائيا على وقائع مغربية كما يدعي بدوي؟هل ابن خلدون أطلق استقراء شديد النقص ليس على العالم فحسب بل خاصة على مصر كما يدعي بدوي فوصف موضوعه بالبشري والإنساني؟ اسئلة عالجتها سابقا.ولم أذكر بها لأعيد علاجها بل لبيان الإشكال في الوصفين \"بشري\" و\"إنساني\" وهل هما مجرد دعوى أم يعبران بحق عن علم كوني في العمران والاجتماع عامة. اعتراض بدوي مضاعف: -1يظن أن ابن خلدون لو عاش في مصر لراجع مقدمته لأن الأمر فيها متقدم على المغرب -2جهل ابن خلدون بالفلسفة السياسية اليونانيةأربأ بنفسي فلا أفسر موقفه بنوع من التنافس مشرقي مغربي .والتنافس حميد إذا آل إلى التسابق في الخيرات .اعتقد أنه يرد إلى ما عرف به المرحوم. العجلة داء كل عالم: -1فهو راجع أشياء كثيرة في مصر ولم يراجع نظريته في العمران والاجتماع. -2ابن خلدون رفض صراحة فلسفة السياسة اليونانيةورغم وجود دور للتجربة في المقدمة فإن بنيانها أكسيومي بمعنى أن ابن خلدون ينطلق من حدود بسيطة وجملة مبادئ ثم يستنتج مثل الرياضي نظرياته.ولهذه العلة فأنا لا أستطيع الخروج من مآزق نظرياته بالمقابلة بينها وبين الوقائع بل باستعراض الصلة المنطقية بين مقدماته ونتائجه مقدمه وتاليه.ولا يمكن لعلمه أن يتأسس استقرائيا ففي ذلك تناقض مطلق :كيف يمكن أن يضع علما وظيفته النقد التاريخي إذا كان مستمدا من وقائع تاريخية؟ عجلة بدوي.وابن خلدون صريح في أنه يضع علما أكسيوميا فيعرف الحدود البسيطة وقواعد التأليف بينها ليستنتج منها نظرياته التي سينقد بها الخبر التاريخي. 29 6
ولأمر الآن إلى المعضلة في \"فساد معاني الإنسانية\" التي لم أعالجها رغم أنها تعلل الطابع المضاعف لموضوع علمه وتحدد طبيعة العلاقة بينهما.وهي إذن عقدة المقدمة لأن المعضل فيها هو الذي يفسر المعضلتين في العنوان :المقابلة بين عمران واجتماع والمقابلة بين بشري وإنساني .تلك ثورته.ولأورد استطرادا ثانيا .طلبت من ناشر الترجمة العربية لكتاب خاتمي في الفلسفةالسياسية قدمت عرضا نقديا لكتابه وهو درسه في الماجيستر .وكان عملا مفيدا لأني لاحظتأن الرجل وقف عند ويل للمصلين في عرضه للمقدمة .سماها علم اجتماع الاستبداد. صحيح لكنه نصف الحقيقة لأنه مشروع إصلاح.ومعضلتنا تبين أن المقدمة مشروع إصلاح وليست مجرد علم اجتماع للاستبداد في مقابل من نسب إليه خاتمي دورا إيجابيا بدافع غير علمي غني عن البيان.لكني لم أستغن عن بيانه في عرض النقدي للكتاب لأني كما فعلت مع عبد الرحمن بدوي حاولت بقدر المستطاع إعادة الأمر إلى نصابه لا لصاحبه ولا عليه.وقبل هذين الخلافين مع بدوي وخاتمي كان لي حساب مع طه حسين :فككل المنبهرين بالغرب تعجل فتوهم ان عدم تطبيق ابن خلدون لاكتشافه في تاريخه نقصا. وأستنتج أمرين: -ابن خلدون لم يكن يقصد ما نفهم منه (لأنه مدير بحثه كان عالم اجتماع فرنسي) -وبقي \"بدويا\" في تاريخه يقص خرافات وليست تاريخاطبعا مثل هذا الكلام من المفروض ألا يرد عليه :فليس من ضرورات الإبداع النظري قابلية التطبيق المباشر وليس من خصائص المبدع القدرة على التطبيق.والإبداع النظري لا يكون قابلا للتطبيق من البداية لا بد أن يتطور ويتكثف ويقترب بالتدريج من مجال تطبيقه لأنه يبدأ خطاطة عامة تتخلق ككائن حي.وابن خلدون ختم المقدمة بما يفيد أنه أعلم بطبيعة الإبداع النظري والعلمي من طه حسين :هل يعقل لفاهم أن يدعي تطبيق الشك الديكارتي في الآداب؟ 29 7
من يفاخر بتطبيق منهج ديكارت على التاريخ الأدبي يثبت سذاجته وعجلته :ديكارت يشكك فيما يبدو غير قابل للشك .أما تاريخ الأدب فيشك فيه حتى العامي.وشك ديكارت له غاية يقف عندها وهي \"الأنا أشك إذن أنا موجود\" .يثبت حقيقة وجودية .فما الحقيقة التي يمكن أن يقف عندها من يشك في رواية قصيد؟أليست بالضرورة الوثيقة الثابتة كأن يجد نص القصيد الأصلي أو الشهادة الأولى لوضعه؟ وكلاهما من الشاهد الحسي وهما بمعيار ديكارت أول شيء يشك فيه؟ لا فائدة من مواصلة الكلام فلنعد إلى المعضلة :كيف يقول ابن خلدون: -1إن \"معاني الإنسانية\" هي \"التي له (=للإنسان) من حيث الاجتماع والتمدن\" -2وأن هذه المعاني \"هي الحمية والمدافعة\"وجمع 1و 2هو فساد معاني الإنسانية أي فساد صفتي الاجتماع والتمدن بمعنى فقدان الحمية والمدافعة.معضلة كبيرة وعميقة لكن في حلها حل ثنائية الموضوع وغاية المقدمة الأولى :مشروع الإصلاح الذي يستهدفه درس العمران البشري والاجتماع الإنساني.وأبدأ بأول سؤال :لماذا الكلام اقتصر على فساد معاني الإنسانية أي القسم الثاني من اسم الكتاب دون الكلام فساد معاني البشرية أي القسم الأول؟السؤال الثاني :لماذا يتعلق الفساد بالاجتماع والتمدن؟ وهل كان ما يتعلق به الفساد لو قال \"فساد معاني البشرية\" هو العمران والتعمر؟السؤال الثالث :لماذا لم يقل \"فساد معاني البشرية\" ولم يتكمل على ما يترتب عليه أي فساد العمران والتعمر؟ ألا يفسدان؟ أم يفسدان بالفساد الأول.السؤال :4إذا كان فساد البشرية تاليا عن فساد الإنسانية أي فساد الاجتماع والتمدن أو فقدان الحمية والمدافعة فماذا يكون فساد العمران والتعمر؟والسؤال الأخير :هل الحل هو العودة إلى الأرضية الأولى للعمران والاجتماع في آن أي الحالة الطبيعية التي يسيطر عليها الإنسان بالعقود الأربعة؟ 29 8
وقد عرف ابن خلدون هذه الحالة بمفهومات قرآنية هي \"الارتكاس\" و\"العودة أسفل سافلين\" .وهو ما سميته بالنكوص إلى جاهلية البداوة وجاهلية الحداثة.فالحياة الاجتماعية التي هي غاية الحياة العمرانية (الموضوع الخلدوني) لا تكون سوية إلا بعقود أربعة تحدث اطمئنانا متبادلا هو الاجتماع والتمدن.فإذا فسدت معاني الإنسانية بمعنى فقدان خصائص الاجتماع والتمدن التي تفيد فقدان الحمية والمدافعة فمعناه أن العمران الذي يبقى هو عمران العبيد.وفيه وصف لأخلاق العبيد :أي الصفات الخمس التي ذكرها في الفصل السابق خلقيا ونفسيا واجتماعيا فيزول الاطمئنان ويعوضه التوجس والتخادع والتغادر.ومجموع هذه الصفات أو أخلاق العبيد سماها ابن خلدون بـ\"الخرج\" الذي اعتبره حصيلة ما مربه اليهود من قهر وظلم وعسف .وهذه حالنا كعرب لولا الثورة.ولا يمكن أن أطيل الكلام على بيان مطابقة وصف ابن خلدون لهذه الحال لما نحن عليه أو لما يمكن تسميته الأخلاق الموضوعية في المجتمعات العربية.لا أحد يطمئن لأحد .وذلك لأنه لا أحد يقوم بعمله بما يقتضيه عمله من شروط بل هو يقوم به بحسب حساب الربح السريع والخداع الوضيع مع السكوت العام.وهذا الصمت العام هو الذي يصفه ابن خلدون بفقدان \"الحمية والمدافعة\" الكل مستسلم لمجاري الأحداث ومنتقم ممن فوقه على من دونه :الكل يقهر الكل. وأداة القهر نوعان: -أداة الاقوياء -وأداة الضعفاء.والأقوياء قهرهم مادي بمبرر روحي هو كنسية رجال الدين .وأداة الضعفاء هي الغش والتطفيف والكذب.وهذا يصح على النكوص إلى الجاهلية البدوية .أما إلى الجاهلية الاستعمارية (الحديثة) فيعوض رجال الدين فيها المثقفون والإعلاميون لتمرير القهر. 29 9
وقهر الضعفاء عدوانهم بعضهم على البعض واحتماء كبارهم بأصحاب القهر المادي لأنهم من أدواتهم في سلب ثروات الشعوب :الاستبداد بحاجة للفساد.تلك هي حال الأمة .وقد أجاد ابن خلدون في الوصف لبيان نتائج الاستبداد والفساد. فالغاية من المقدمة ليست علم اجتماع الفساد بل الإصلاح المحرر منه.وبعبارة رمزية فيها الكثير من التجوز :ثورة الشباب في الواقع الفعلي تقدم عليها تأسيس نظري في الواقع الافتراضي لنظرية الثورة في مدرسة النقد. 29 10
ما من عربي لا يدرك أنه لا يزال منذ ثمانين سنة ضحية لكاريكاتورين أحدهما يخلط قيم الإسلام بقيم الجاهلية العربية والثاني قيم الحداثة بقيم الاستعمار.ولا أحد من العرب يجهل أن الكاريكاتور الأول حالف الغرب والكاريكاتور الثاني حالف الشرق فصرنا تابعين لنوعي الاستبداد العالمي :أمريكا والسوفيات.ولا زلنا كذلك لأن القطبين لا يختلفان على ضرورة استعباد المسلمين عامة وقلب دار الإسلام أي الوطن العربي خاصة بحكم ماضي العلاقة والمستقبل.فأما ماضي العلاقة فهو بداية بالعرب وغاية بالأتراك وأما المستقبل فيتعلق بما لا بد منه لمن يريد أن يستعد لنظام عالم لم يعد الغرب متفردا به.لكن النخب العربية بصنفيها التابعين لصنفي النظامين والكاريكاتورين لا يعلمون ما يجري لأن ذراعي الغرب في الإقليم استتبعاهم في أجندتيهما.وتلك مستويات الكاريكاتورين الحائلين دون الأمة عامة والعرب والأتراك خاصة والاستراتيجية التي تنطلق من خطة استتباعنا شرطا في السيادة على العالم.اتفاق القطبين والذراعين والنظامين والنخبتين وإشكالية دور دار الإسلام بموقعها وبما فيها في استراتيجية التنافس على سيادة نظام العالم المقبل.وهذا هو الهم الذي لم يغادرني منذ نعومة أظافري لأني كنت واثقا أن الغرب نفسه الذي بدأ يخسر التفرد بالعالم سيعود إلى منطق الاستعمار القديم.ذلك أن الاستعمار الحديث بوكالة الأنظمة العميلة لم يعد كافيا لمنع ثورات الشعوب وهو ما يقتضي إعادة القواعد والتدخل المباشر لحماية هذه الأنظمة.والأقطاب-الصين والهند-تنافس الغرب على العالم وعلينا-وتحتاج إلى أنظمة مشاغبة -كوريا الشمالية إيران وروسيا-لإلهائه فضلا عن انشغاله بنا. 29 11
وإذن فالغرب نفسه غير مدرك أن معركته معنا خاسرة وأن ضررها به لا يقل عن ضررها بنا لأن استضعافنا لم يعد ممكنا ومن دوننا هو الذي سيستضعف.ولذلك كانت الاستراتيجية التي اقترحتها منذ أكثر من ثلاثة عقود هل مقاومة الغرب حتى يعترف بهذه الحقيقة مع ترك باب الصلح ممكنا في نظام العالم.فمهما جرى بيننا وبين الغرب يبقى ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا :فمعينا حضارتينا واحدان. المعين الديني والفلسفي كلاهما إبداع ملتقى الشرق والغرب.فكلاهما ثمرة ملتقى القارات القديمة الثلاث :آسيا وإفريقيا وأوروبا حول المتوسط حيث نشأت وتخاصبت الأديان والفلسفات وفكرهما في الحضارتين.والحروب بينهما متقدمة على اليهودية والمسيحية والإسلام لكن التبادل والتخاصب أيضا متقدم ومن ثم فالحضارتان ليستا عدوتين بالجوهر وخاصة الآن.فالغرب الذي بدأ يفقد الاستفراد بقوة العصر (العلوم النظرية والعملية وتطبيقاتها) لم يعد له الوزن الكافي ليكون قطبا معادلا للصين أو للهند.واليابان وألمانيا لن يبقيا بلا حد تابعين لأمريكا أمنيا وعسكريا لأن النظام العالمي الجديد سيعيد التسابق على تقاسم العالم لتزايد الحاجات.ولعل خروج بريطانيا من اوروبا من تباشير هذه العودة إلى ما سيحوجها إلى علاقة أمتن مع الكامنوالث لأنها من دونه لن تستعيد قوة وازنة في العالم.وفرنسا تحاول استرداد سلطانها على مستعمراتها الافريقية إذ لم يعد لها القدرة على منافسة ألمانيا من دون ذلك ولا قدرة لها على العودة إلى آسيا.ولما كان من العسير عليها أن تعود بنفس المنطق الذي حكم الاستعمار المباشر الأول .فإذا لم تذهب في اتجاه ما اقترحته لن تستطيع منافسة الصين فيها.والغريب أن ما يحول دون هذه الاستراتيجية في الغرب كاريكاتوري اليمين واليسار وكاريكاتور الإسلام والحداثة عندنا :حلفاء الكاريكاتورين الغربيين. ففيم يتمثل كاريكاتور الإسلام الناكص إلى جاهلة البداوة؟ 29 12
إنه ما به يحاول الغرب تشويه الإسلام اختاره سابقا من الأنظمة الحليفة ثم صنعه للتشويه.وفيم يتمثل كاريكاتور الحداثة إنه من حالفه السوفيات من تشويه الحداثة أو الفاشية العسكرية ثم صنعه ليصبح كاريكاتور الحداثة اليساري والقومي.إذن عندنا شكلان من كاريكاتور الإسلام الأنظمة تحكم باسم والأنظمة التي تدعي الثورة باسم الإسلام وشكلان من كاريكاتور الحداثة يناظران الأولين.فالأنظمة التي تحكم باسم اليسار والقومية والمعارضات باسميهما يمثلان كاريكاتور الحداثة .والأولان الأنظمة القبلية وما أخذ منها لتشويه الإسلام.والثانيان هما الانظمة العسكرية وما أخذه الغرب منها لتشويه الحداثة .علاقة داعش بالإسلام هي علاقة يسار العرب بالحداثة .كلاهما كاريكاتور.وكل من درس ابن خلدون يعلم أنه لم ينتظر ما نراه الآن ليحكم بأن كل الذين يثورون باسم الدين من دون شروط الشوكة دراويش ولا يمكن أن يبنوا دولا.وقياسا على ذلك فكل الذين يريدون أن يبنوا دولا على ايديولوجية يسارية أثبتت التجارب في كل قارات العالم أن أصحابها مجانين الغراب المطلق.وإذن فخاصية الكاريكاتور في الحالتين هي نفس النتائج التي تحصل من النكوص إلى جاهلية بدوية أو حضرية :نكوص إلى وحشية النخب وعبودية الشعوب.واجتماعهما هو \"فساد معاني الإنسانية\" الذي يقتضي أن يوجد طغاة جاهلين بمقومات الإنسانية والبشرية أي العمران والاجتماع فيحصل النكوص بمعنييه.مشكل الأمة هو التالي :بقايا الانظمة القبلية وبقايا الانظمة العسكرية اللذين كانا تابعين للقطبين ثم ما تولد عنهما من كاريكاتورين يدعيان الثورة.والذراعان -إيران وإسرائيل-هما بدورهما كاريكاتور القدامة (إيران والعودة إلى الثيوقراطيا) والحداثة (اسرائيل او العودة إلى العنصرقراطيا).بعث الثيوقراطيا القروسطية والعنصرقراطية الاستعمارية هما أساس الذراعين اللذين يوظفهما ما بقي من القطبين (روسيا وأمريكا) مع الاشكال الاربعة. 29 13
وضعية أريد فضحها يخرج الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي من هذا المأزق الذي سينتهي بهم وبنا إلى تبعية لأقطاب جديدة :يراها ويفهمها كل ذي بصيرة.ما يجري في الإقليم العربي معركة بين الأشكال الأربعة على حكم المحميات ولا علاقة له بالسياسة بمعنها الذي يحقق مشروعات لشعوب حرة .لكنها ثارت.ولما ثارت وبدأت تنجح تدخل الذراعان (إيران وإسرائيل) والحاميان (روسيا وأمريكا) فتكونت جبهة الثورة المضادة التي فشلت إلى حد الآن في وأد الثورة.وإذا كانت الثورة لم تنجح بعد فهي ما تزال صامدة .وصمودها فيه فرصة لتدارك نقائصها وخاصة ما يتعلق منها بالاستراتيجيا والعمق النظري المؤسس.والعمق النظري المؤسس لا يمكن أن يكون تاليا على الثورة بل لا بد أن يكون من ذخيرة ذاكرتها الثقافية ومرجعياتها الروحية :دور المدرسة النقدية.فهي من الذخيرة التراثية الفكرية الساعية للإصلاح بتشخيص فلسفي عميق وهي تؤسس تشخيصها على مرجعية الحضارة العربية الإسلامية للفاعلية الثورية.وما يجري في العالم هو من هذا الجنس :فالغرب هو بدوره يعاني من بقايا الأنظمة المتقدمة على سقوط التقاطب وينكص إلى فكر محاك للاستعمار القديم.فالكلام على أمريكا أولا أو فرنسا أولا أو انجلترا أولا يعلم كل من يفهم ما يجري في العالم أن ذلك نكوص لأن ذلك لن يحل عموم سر القوة الحديثةفيصبح الصيني والياباني إلخ ..له ما يستمد منه الغربي قوته وليس للغرب ما يستمد منه هو قوته :الحجم الديموغرافي والانتشار الجغرافي وذهنية الجماعة.لذلك فالغرب مهدد مثلنا بحرب أهلية بين المربع الذي وصفنا لدينا وله نظيره لديه أو البحث في الاستراتيجية تمكنه مما ينقصه وتمكننا مما ينقصنا.فيتكون القطب المعدل لنظام العالم الجديد :المسلمون (نحن خاصة) والغرب (أوروبا خاصة) يمكن أن يكونوا قطبا متجانس حضاريا وبشريا لتحقيق التوازن. 29 14
تكلمت في الفصل الثالث على الكاريكاتورين كلاما مجملا لا يحدد بالتعيين الطابع الكاريكاتوري لدى أصحاب دعوى التأصيل ولدى أصحاب دعوى التحديث.لذلك فالفصل الرابع سيكون موضوعه الطابع الكاريكاتوري في دعوى التأصيل على التعيين بالاعتماد على ما سميته مقومات الدولة والسياسة حكما وتربية.فالطابع الكاريكاتوري هو صورة محرفة من بينة السياسة والحكم أو صورة العمران يعمل بها أصحاب دعوى التأصيل في نظام الحياتين الروحية والمادية. ونظام الحياتين يتعلق بـ: -1فهم المرجعية -2والقوى السياسية -3والأعراف الحاكمة -4الهيئة الحاكمة أو الحكومة -5ووظائف الدولة العشر حماية ورعايةكيف يشوه كاريكاتور التأصيل هذه المقومات التي تحيط بكل كيان الجماعة متجليا فيما يسميه ابن خلدون صورة العمران أو كيان الدولة المعنوي والمتعين؟فتشويه المرجعية هي تشويه فهم القرآن والسنة ،وتشويه القوى السياسية كونها قبليةوأمراء حرب بالقوة ،وتشويه العرف تحكم الشوكة وتشويه الحكومة تقاسم السلطة بينأمراء الحرب ،وتشويه وظائف الدولة يعني فوضى الارتجال وانعدام التخطيط والاستراتيجيا في الشأن العام واحترام الحقوق والواجبات.واعجابي بالمدرسة النقدية-الغزالي وابن تيمية وابن خلدون-علته محاولتهم علاج هذا التشويه وقد نجحوا بقدر كبير في تحديد جوهر الإصلاح واستراتيجيته. 29 15
ولما كان الغالب على فكرهم الوجه النقدي الذي هو في الغالب بيان السلبيات وكان الحل الغالب هو سد الذرائع كانت النتيجة هزيلة في الواقع الفعلي.وسأبدأ الآن في بيان التشويهات الخمسة التي حصلت وعلل اعتباري إياها كاريكاتور الإسلام والنكوص إلى الجاهلية البدوية في حالة دعاة التأصيل.والفصل الموالي والاخير سيكون موضوعه كاريكاتور التحديث وكيف عمل مع الحداثة نفس ما علمه كاريكاتور التأصيل مع الأصالة بل وأبشع وأكثر تهديما.وأبدأ بتشويه المرجعية أي القرآن والسنة .وتشويهها يتجلى في استعمالها وما يستمد منها من نظر وعمل :فكيف استعمل فكر التأصيليين المرجعية. وأهم أدوات تشويه المرجعية هو العلوم الزائفة الخمسة: -تزييف الفقه واصوله -والكلام واصوله -والفلسفة واصولها -والتصوف وأصوله -والتفسير وأصوله.وسر التزييف هو قلب ما أوصت به فصلت :53بدلا من فهم حقيقة القرآن من آيات الله في الآفاق والأنفس ظنوا فهمها في شرح النصوص وتطبيقها المباشر.فحصرت أصول الفقه في لعبة تأويلية سطحية وصوغ منطقي بدلا من فلسفة الحقوق والبحث في التأسيس الخلقي القرآني للأحكام في شروط العمران السوي.وحصرت العقائد في معارك الديكة الكلامية وأصبح كل مذهب له عقيدة ففتت وحدة الأمة وأصبح الصراع العقدي حربا أهلية دائمة بدل فلسفة الدين القرآنية.وحصر التصوف فيما آل إليه الزهد الذي تحول إلى خطة باطنية لإعادة كنسية روحية تسيطر على الضمائر بالطرقية الشعبية وتحول الدين إلى أفيون.أما الفلسفة فأصبحت سلاحا باطنيا وظيفته تأسيس التعلمية كما بين ذلك الغزالي في فضائح الباطنية وفي المنقذ وحاكاها أحيانا في القسطاس. 29 16
أما التفسير فهو متردد بين مأزق الاثر الذي عزته الاسرائيليات ومأزق التراث العلمي للعصر الهلنستي المتخلف بما يشبه خرافة الاعجاز العلمي.وهذه العلوم الزائفة كانت عديمة الفائدة فيما لأجله خلق العلم :فهي لا تمكن من الاستعمار في الأرض ولا تمكن من الاستخلاف :ثرثرة للحفظ والنزاع.وهي في الحقيقة أصل كل الحروب الأهلية بين المسلمين لأنها مبنية على نظرية المطابقة: الكل يدعي العلم المطلق وتفسيق خصومه بظنون ورجم بالغيب.وبهذه العلوم الزائفة يغلب على القوى السياسية الصراع المذهبي فتهمل دورها الراعي لشروط الاستعمار في الأرض بالتخريف حول ما بعده دون تحقيقه.ذلك أن العلوم الزائفة تحول دون العلوم التي تحقق شروطه والتي هي علوم الطبائع لسد حاجات الإنسان المادية وعلوم الشرائع لسد حاجاته الروحية.فتكون \"النظريات\" وما يقدم على أنه علوم شبه أكل \"للنخالة\" :تخريف حول ما بعد الطبيعة وما بعد التاريخ (الله وصفاته) وجهل مطبق بالطبيعة والتاريخ.وذلك هو معنى قلب فصلت .53حقيقة القرآن في آيات الله التي يرينها في الآفاق والانفس .يهملون عالم الشهادة وينشغلون بعالم الغيب المجهول بالطبع.وفي غياب ما يحتكم اليه عقليا لم يبق لحسم الخلافات إلا القتال بعد فشل الجدال :علة كل الحروب الأهلية التي فتتت الأمة فصارت قابلة للاستعمار.وفي هذه الحالة لن يكون القلب أو الاعراف (الدستور) التي تنتظم بها الحياة في القول والفعل أي ما يسمى بالأخلاق الموضوعية ذات انتظام ثابت.وهي جوهر النكوص إلى جاهلية البداوة :إما عادات جامدة أو تحكم الأقوياء ولا سلطان لقانون خلقي أو سياسي يحتكم إليه الناس رمزا لإرادة الجماعة.لا وجود لـ\"دستور\" مصدره المرجعية وما تجمع عليه القوى السياسية بوصفه الحد الأساسي من المشترك مقوما لهوية الجماعة القيمية المنظمة لخلافاتها.فيجمع النظام بين نوعي اللاعقل :جمود التقاليد أو دكتاتورية اللاوعي الجمعي وتحكم الأقوياء أو دكتاتورية النزوات السلطانية :نكوص جاهلية البداوة. 29 17
وعندئذ لن تكون الهيئة الحاكمة مؤلفة بمعايير أهلية الحكم والقدرة على أداء ما تقتضيه الوظائف السياسية من واجبات بل بمعايير الحرب على السلطة.وقد رأيت ذلك عمليا في تكوين حكومة الثورة الأولى .توزيع السلطة في الوزارات لم يخضع لمعايير الأهلية فالجميع لم يسبق أن شارك فيما يعد لها.فكان المعيار إما الوزن في صراع السلطة أو القرابة أو آراء من لهم وزن في القوة السياسية التي انتخبت وغابت معايير الاهلية لعدم التأهل المتدرج.والتأهل المتدرج في حديث الدول يبدأ من أدنى سلم السلطة إلى أسماه أي الهيئة الحاكمة (السلطة التنفيذية) مع تكوين نظري وعملي دال على الكفاءة.والهيئة الحاكمة عديمة الأهلية أساسها صارع القوى في الحزب الحاكم والوساطات والقرابات تفسد وظائف الدولة :الاستبداد يفسد \"معاني الإنسانية\".وتفسد وظائف الرعاية أولا :يفسد التكوين لأن من ليس أهلا للحكم لا يعنيه التكوين فتفسد التربية والمجتمع ولا تكون الاجيال المبدعة لشروط القيام.فإذا فسد التكوين استحال انتاج التموين أي التموين الرمزي (العلوم والفنون) والتموين المادي (الاقتصاد وشروط العيش) :فتنهار وظيفة الرعاية.وعلامة انهيارها عدم وجود الجهاز العصبي للتكوين والتموين أي البحث العلمي في الجماعة التي وصلت مقومات صورتها الخمسة إلى ما وصفنا لحد الآن.وعندما تفسد الرعاية تستحيل الحماية فتفسد هي بدورها :تفسد الحماية الداخلية أي القضاء والأمن ثم تفسد الحماية الخارجية أي الدبلوماسية والدفاع.وهنا أيضا يوجد جهاز عصبي للحماية مثل جهاز الرعاية العصبي :فوظيفة البحث العلمي في هذه تناظرها وظيفة الاستعلام السياسي في تلك :فساد المخابرات.وهكذا تنعدم الرعاية والحماية وتصبح الدولة أو صورة العمران \"ضيعة\" مافيا تحلب الشعب وتفقره وتنفصل عنه لأنها طبقة استعمارية يحميها الاستعمار.فتكون مخابراتها أو جهازها العصبي السياسي أداة استبداد على الجماعة وليست أداة حماية لها ويصبح بحثها العلمي علوما زائفة للتلهية الإيديولوجية. 29 18
فيجمع على الأمة نوعا الطاغوت :الروحي والسياسي .وهذا هو النوع الأول من الكاريكاتور كاريكاتور الإسلام والتأصيل الذي حرف الدين والسياسة في آن. 29 19
الفصل الخامس والأخير موضوعه كاريكاتور الحداثة .وهو أكثر تعقيدا من كاريكاتور الأصالة .لكن للكاريكاتورين نفس الخاصية النظرية :العلوم الزائفة.ومن أراد أن يفهم العلاقة بين الكاريكاتورين فيكفيه أن يدرس النظام الإيراني فهو الجمع التام للكاريكاتورين :دولة ذات وجهين شكلي وفعلي.الكاريكاتور الحداثي له شكل الدولة الحديثة ولا سلطان حديث له .والكاريكاتور الأصولي له السلطان كدولة اسلامية ولا إسلام أصيل فيها بل جاهلية.والشكل الحداثي لا سلطان له لكن له أدوات الدولة الحديثة في خدمة الدولة الإسلاميةالكاريكاتوريتين :روحاني وخامنئي كاريكاتوران حديث وأصيل ويلتقيان في حرس الثورة:فهو رمز فاشية للقمع تعمل بأدوات دولة حديثة وتتدثر بدولة أصيلة للأدلجة .وهو الجمع بين كاريكاتوري الحداثة والأصالة.والدول السنية تنقسم إلى قسمين في استعمال هذه الخطة الجامعة بين الكاريكاتورين: -نموذج ابن علي في دولة لها كفاءات حديثة هي واجهة لا سلطان لها -ونموذج ثان تغيب فيه الكفاءات الوطنية للواجهة فتستورد من الغرب أو من بلاد العرب ويكون السلطان الحقيقي مثل نموذج ابن علي :مافيا محمية غربيا. حال المقومات الخمسة في بنية الدولة (صورة العمران) في الكاريكاتور الحداثي: .1المرجعية .2القوى السياسية .3الهيئة الحاكمة .4وظائف الرعاية .5وظائف الحماية 29 20
سأعود لتعين الجمع بين كاريكاتوري التأصيل والتحديث في نظام إيران فله شكل حديث كاريكاتوري هو الحكومة وشكل أصيل كاريكاتوري هو وصاية الملالي عليها.إن السنة تنقسم أنظمتها إلى وضعية تونس في عهد ابن علي وعرب الخليج قبل أن تبدأ في الاعتماد على كفاءاتها الوطنية كما تبين الأزمة الحالية.وقد يتهددها الاتجاه نحو حل ابن علي :حكومة حديثة واجهة ،وراءها حكومة فعلية لا تخضع لمعايير الدولة الحديثة ولا لمعايير الدولة الإسلامية.ذلك أنه ليس من اليسير التخلص من ثقل التاريخ والتراث وفهم العلاقة المتينة بين القيم القرآنية والقيم الحديثة إذا تحررتا من الكاريكاتورين.فإذا فهما المثالين -نظام الملالي ونظام ابن علي-سنفهم الفصام الدائم فالمقومات الخمسة متأرجحة بين الكاريكاتورين وجامعة بينهما بالتلفيق.سأعود لنظام الملالي وعلي الآن أن احلل نوعي الجمع بين الكاريكاتورين في أنظمة السنة من خلال نموذج ابن علي وبقية الأنظمة القبلية العسكرية.نظام ابن علي له مرجعيتان وشكلا القوة السياسة ودستوران وحكومتان ونوعان من كل وظيفة من وظائف الدولة العشرة بحسب الازدواجات المتقدمة عليها.وما هو صريح عند ابن علي متفاوت الصراحة عند بقية الانظمة العربية .والازدواج علته نوعي المخاطب: -أساس الشوكة في الداخل -وأساس الشرعية في الخارج.يحتاج الحاكم العربي لكاريكاتور الأصالة في الداخل ليخادع الشعب ويحمي الشوكة (طاعة ولي الأمر) ولكاريكاتور الحداثة في الخارج ليرضى عنه حاميه.فهي جميعا نسخة معدلة من نظام الملالي رغم أن السنة ليس فيها ما يؤسس لهذا النظام: والحل تواز بين حكومتين :واحدة في القصر والثانية في القصبة.والسلطة الفعلية بيد الحكومة التي في القصر والواجهة الشكلية بيد الحكومة التي في القصبة :مشكل تونس الحالي وعدم استقرارها مرده للتنافس بينهما. 29 21
السبسي يسعى لإعادة نفس الآلية :حربها مع الحبيب الصيد فكانت الأزمة الأولى ويجد نفسه الآن في نفس الوضعية مع يوسف الشاهد .كلاهما خرج عن طوعه.وهذا ليس صحيا وهو ناتج عن عيب في الدستور نبهت اليه من تصور تونس بريطانيا فإن وجوده دليل على أن الثورة وضعت إصبعها على الدمل وعليها بطه.لكن الداء عام :هو علني في إيران وقد كان علنيا في تونس وهو بمستويات مختلفة موجود في كل بلاد العرب .والثورة ستحسمه بالتداول الديموقراطي.قدمنا الكلام على الازدواج بين الكاريكاتورين في المقومات الخمسة وعللنا الحاجة إليه وضربنا مثال إيران وتونس مع التعاكس في ظاهر السلطان.فظاهر السلطان الفعلي ديني في إيران وعلماني في تونس .وذلك إيهام الحالتين. فالسلطان الفعلي هو بيد مافية الشوكة :داخلية ابن علي وحرس الخميني.ورغم أن ذلك يبدو أقل ظهورا من دور الجيش في مصر وسوريا وليبيا والجزائر والعراق سابقا فإنه من نفس الجنس :من بيده الشوكة هو الحاكم الفعلي.فيكون كاريكاتور التأصيل لظاهر الشرعية في الداخل وكاريكاتور الحداثة لظاهرها في الخارج :لكن الحكم الفعلي في كل الحالات لا هو أصيل ولا هو حديث.إنه كاريكاتور دولة حكم محمية في وجهها الخارجي وحكم مافية في وجهها الداخلي والصفة الأولى بحاجة لظاهر الحداثة والصفة الثانية ظاهر الاصالة.وسأقصر كلامي اللاحق على بيان دقيق لكاريكاتور الحداثة في المرجعية والقوى السياسية وما يقوم مقام الدستور والهيئة الحكمة ووظائف الدولة العشر. فما مرجعية نظام ابن علي الذي اخترناه نموذجا لكاريكاتور التحديث؟ اكتشف ابن علي ومن معه من اليساريين والقوميين الذين حاربوا ابن علي أمرين: -جرأة بورقيبة على التقاليد -وعدم ذهابه إلى العلمنة الصريحة فاختاروا حلا يجمع بين النفاق الديني والعلمنة الصريحة التي سموها تجفيف المنابع. 29 22
وهو عين ما ينصح به العتيبي السعودية ما قبلت له عندما استجابت لأوامر ترومب بتكوين مركز الحرب على التطرف ومراجعة نظامها التربوي بإشرافهم.ولا حل إلا بما يجربونه حاليان في الإمارات :إعادة دين الدراويش للنفاق الشعبي لأنالدين شعبيا كما في النظرية الشيعية هو الخرافة المنومة وهو الحل الباطني .والمعلوم أنالخرافة والمشعوذين عادوا رغم الحرب على الإسلام مظاهره ودوره في الحياة العامة بقيادة اليسار خادم نظام ابن علي.وفي الحقيقة هذا هو السائد في كل الأنظمة العربية التي تدعي الحداثة .ما يراد اليوم هو تعميم ذلك خاصة في السعودية لتجمع بين الكاريكاتورين.كانت تابعة لكاريكاتور التأصيل الذي يتهم بالإرهاب والآن يقترحون عليها كاريكاتور التحديث وهو موجود بعد عند من يسمون ليبراليين وهم متخلفون.هم من جنس يسار تونس والمغرب العربي عامة ومصر والانظمة العسكرية عامة: علمانيين شعاريا وبدو حقيقا لأنهم أكثر الناس عبادة للاستبداد والفساد.فينتج عن ذلك الحاجة إلى نوعين من القوى السياسية :الكمبارس اليساري المعارض الذي \"يبيض\" وجه النظام والحزب الحاكم الذي يتألف من عملاء الداخلية.هؤلاء لمراقبة المواطنين وأولئك للفترينة .أما الدستور فهو أكثر تقدمية من دستور أي دولة ديموقراطية لكن على الورق فحسب .الواقع هو اللاقانون.الهيئة الحاكمة تكلمنا عليها :حكومة في القصر هي الفاتقة الناطقة بأوامر ربها ابن علي وحكومة القصبة تدير الأمور حتى لا تنهار تحت ضربات المافية.أما الوظائف :الاستعلام لقهر المواطن .البحث العلمي أوراق خاوية للترقية في الطبل والزمر والوظائف الثمانية الباقية كلها أدوات فساد واستبداد.وعدت بالعودة إلى نظام الملالي .لكن ذلك لن يكون في هذه المجموعة .قد أخصه ببحث معمق في مقبل الأيام .لكني قلت أهم شيء :خلطة بين الكاريكاتورين.كاريكاتور الحداثة قشرة خارجية لم تؤثر في بدائية عميقة هي المحرك الفعلي لحداثيي العرب الذين هم أكثر تخلفا وجمودا من كاريكاتور الاصالة. 29 23
ولعل أفضل دليل هو علاقة هذه الطائفة بالمرأة :فهم أكثر بدائية في هذه العلاقة حتى من أكثر السلفيين تزمتا .لذلك فجلهم في صراع دائم مطلاقون.والدليل الثاني هو أنهم حلفاء الاستبداد والفساد في صنفي الانظمة القبلية والعسكرية وجلهم \"بصاصون\" على من يخالفهم الرأي يحرضون عليهم الحكام.وأنوي تقديم محاضرة في ملتقى حول الليبرالية والإسلام بعنوان \"الذاتية والحداثة\" في اسطنبول أعرض فيه علل انتسابها إلى الكاريكاتورين لا غير. 29 24
في كلامي على الكاريكاتورين من الإسلام (أدعياء التأصيل) ومن الحداثة (أدعياء التحديث) وصفت نظام الملالي بالتجسيد الفعلي للجمع بينهما.لكني بينت أن جميع الانظمة في الإقليم هي في الحقيقة من هذا الجنس لكنها بخلاف نظام الملالي تفعل بسبب كونها محميات ينافق حكامها الداخل والخارج.نظام الملالي لا يفعل لمنافقة الداخل والخارج بل لعلل عقدية في الظاهر وقومية في الباطن ومن ثم فالظاهرة قديمة بقدم توظيف التشيع منذ نشأته.فتبني الباطنية للفكر الفلسفي في الباطن وللفكر الشيعي في الظاهر كانت الطريقة التي تهدم الإسلام بالعقل والنقل في آن ويتحدان في مفهوم التعليمية.لذلك فلما وعدت بالعودة إلى نظام الملالي كان قصدي البحث في العلاقة بين هذا الاستراتيجية القديمة ومحاولة ابن خلدون تجاوزها بمفهوم عدم التأثيم.والكثير لا يعلم أن ابن خلدون لم يكن غافلا عن العلاقة بين هذه الخطة وطرق اختراق الإسلام اللطيفة (السلاح الرمزي) سأورد نصه حول تشييع التصوف.كما أن الغزالي بيّن في فضائح الباطنية كيف أن الفلسفة حرفت ووظفت لهذه الغاية أي لتأسيس مفهوم التعليمية أو الحق الإلهي في الحكم المعصوم. فما يراد تحريفه: -1نظرية الحكم (فضائح الباطنية) -2ونظرية التربية (تحريف التصوف) لإعادة الحق الإلهي في الحكم والكنسية اللذين ألغاهما الإسلام.هذا هو التشيع بوصفه حربا على الإسلام بتحريفه ثم أضيف إليه الشكل الحديث من التحريف :بما يترتب عليهما من إفساد للاجتهاد والجهاد في الإسلام. 29 25
وأصابت العدوى الفكر السني الذي آل إلى نفس المنطق وإن بدا حربا عليه فأعاد الكنسية والحق الطبيعي في الحكم :حلف بين السيف والقرآن أو الوهابية.التشيع والوهابية متلازمان رغم أن هذه ثورة على مفعوله التوثيني للعقائد الإسلامية: قراءة محرفة للإسلام بوثني رمزي (التشيع)ومادي (الوهابية).فالكنسية الشيعية والوهابية تفسدان التربية الإسلامية والحق الإلهي ،والحق الطبيعي لأولي الأمر يفسدان الحكم الإسلامي فيفسدان الاجتهاد والجهاد.فالإسلام يحقق بعدي الإنسان مستعمرا في الأرض ومستخلفا بالاجتهاد للعلم والجهاد للعمل فرض عين على جماعة حرة من الكنسية والحق الإلهي في الحكم.لا حاجة للكلام على التعليمية أو توظف الفلسفة لتحريف نظرية الحكم وفرض نظرية الإمام المعصوم .سأكتفي بنص تشييع التصوف لتحريف نظرية التربية.نص ابن خلدون طويل بعض الشيء لكن إيراده ضروري لفهم ما يجري( :ثم إن هؤلاءالمتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس ،توغلوا في ذلك ،فذهبالكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه ،وملأوا الصحف منه ،مثل الهروي ،فيكتاب المقامات له ،وغيره .وتبعهم ابن العربي وابن سبعين وتلميذهما ثم ابن العفيف وابنالفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم .وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين منالرافضة الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة ،مذهبًا لم يعرف لأولهم ،فأشرب كل واحدمن الفريقين مذهب الآخر .واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم .وظهر في كلام المتصوفةالقول بالقطب ،ومعناه رأس العارفين .يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه فيالمعرفة ،حتى يقبضه الله .ثم يورث مقامه الآخر من أهل العرفان .وقد أشار إلى ذلكابن سينا في كتاب الإشارات ،في فصول التصوف منها ،فقال \" :جل جناب الحق أن يكون شرعةلكل وارد ،أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد\" .وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقليةولا دليل شرعي ،وإنما هو من أنواع الخطابة ،وهو بعينه ما تقوله الرافضة في توارثالأئمة عندهم .فانظر كيف سرقت طباع هؤلاء القوم هذا الرأي من الرافضة ودانوا به.ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب ،كما قاله الشيعة في النقباء .حتى إنهم لما 29 26
أسندوا لباس خرقة التصوف ،ليجعلوه أصل ًا لطريقتهم ونحلتهم ،رفعوه إلى علي رضي اللهعنه ،وهو من هذا المعنى أيضًا .وإلا فعلي ،رضي الله عنه ،لم يختص من بين الصحابةبنحلة ولا طريقة في لباس ولا حال .بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ،أزهد الناسبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة .ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه على الخصوص ،بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة.تشهد بذلك سيرهم وأخبارهم .نعم إن الشيعة يخيلون بما ينقلون من ذلك اختصاصعلي بالفضائل دون من سواه من الصحابة ذهابًا مع عقائد التشيع المعروفة لهم .والذييظهر أن المتصوفة بالعراق ،لما ظهرت الإسماعيلية من الشيعة ،وظهر كلامهم في الإمامة ومايرجع إليها ما هو معروف ،فاقتبسوا من ذلك الموازنة بين الظاهر والباطن وجعلوا الإمامةلسياسة الخلق في الانقياد إلى الشرع ،وأفردوه بذلك ألا يقع اختلاف كما تقرر في الشرع.ثم جعلوا القطب لتعليم المعرفة بالله لأنه رأس العارفين ،وأفردوه بذلك تشبيهًا بالإمام فيالظاهر ،وأن يكون على وزانه في الباطن وسموه قطبًا لمدار المعرفة عليه ،وجعلوا الأبدال كالنقباء مبالغة في التشبيه .فتأمل ذلك.يشهد بذلك كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي ،وما شحنوا به كتبهم في ذلك ،مما ليسلسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات ،وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم .والله يهدي إلى الحق). (الباب السادس الفصل السابع عشر)وبجملة واحدة يمكن القول إن الأمر الذي حصل للتصوف وهو باق ،تضاعف باختراق حركات الجهاد في عصرنا :فقد اخترقتها طرق الحشاشين لتشويه الجهاد.وبذلك حصل الكلوناج في حركات الجهاد السنية ظاهرها وهابي وباطنها حشاشي كما حصل الكلوناج لحركات الزهد ظاهرها زهد سني وباطنها رافضة اسماعيلية.والانزلاق الذي ييسر الاختراق بين :فالهروي من أيمة الحنبلية لكن كتاباته قابلة لقراءة حلولية كما يشرحها التلمساني رغم استدراكات ابن القيم. 29 27
فتوظيف التصوف قديما وتوظيف الجهاد حديثا لاختراق السنة الباطني خطة شيطانية تهدمها بإفساد التربية والحكم نتيجتين لتحريف الاجتهاد والجهاد.وهذه الخطة نراها اليوم تجري في وضح النهار :تباشرها دولة الملالي ومن يخدم ركابها من العرب المخترقين دولا ومليشيات ونخب بوعي أو بغير وعي.وبيان هذه الخطة هي معركتي الأولى منذ ما ينيف عن ثلاثة عقود .لكن العرب لايقرأون ولا يتعظون .ودهاء الخطة الباطنية أنها تطبق منطق الجيدو .فهي تستعمل قوةعدوه ضده :فالسلفية القديمة (ابن حنبل) والمحدثة (ابن تيمية) ترفض توثين العقائد وتحرر الإسلام من الكنسية والحق الإلهي في الحكم.لكنها بحكم عموم الأمية الفلسفية بعد أن أهملت أعماق الإصلاح التيمي آلت إلى الوهابية التي هي عودة إلى فرعونية الأمراء وهامانية العلماء.لم ترد على الباطنية بالإسلام أي بإلغاء الكنسية والحق الإلهي بل بالعودة إلى شكلهما البدائي :حلف يرفضه القرآن في آل عمران :حلف المصحف والسيف. لماذا يرفضه القرآن؟ أليس الاجتهاد والجهاد هما سلاحاه؟يرفضهما عندما لا يكون السيف شرعيا أي سيف جماعة تعتبر رعاية الشأن العام فرض عين.ومعنى ذلك أن القرآن يحتاج إلى سيف شرعي يكون من يتولاه هو من عينته الأمة خادما لها وليس مستخدما ومن ثم فهو خاضع للشورى :38أمر الجماعة.أما إذا أصبح السيف خاضعا للحق الطبيعي أي سيف المتغلب وليس سيف إرادة الجماعة الحرة فهو من جنس الإمام المعصوم في التشيع سلطانه فوق القرآن.لذلك فلا فرق بين التشيع والوهابية .والاخوان إذا جعلوا المرشد في منزلة الولي الفقيه فهم أقرب إلى التشيع من الوهابية :العدوى أصابت السنة كلها.والعلة العلوم الزائفة وعدم الاستفادة من المدرسة النقدية التي مهدت الطريق لإصلاح علوم الأصول الخمسة :الكلام والفلسفة والفقه والتصوف والتفسير. 29 28
وأختم بالقول إن ذلك لا ينفي أن كاريكاتور التأصيل سنيا كان أو شيعيا له كذلك نفس هم كاريكاتور التحديث :بمعنى أنهما لهما هم نموذج ابن علي.فعدم الشرعية التي يحددها القرآن في نظرية الدولة لعدم حيازتها شروط المناعة والحصانة يجعل هذه الدول محميات بحاجة لوجهين متقابلين كلاهما كاذب.لا بد من نفاق الأصالة للداخل لتمرير كل الشناعات باسم الخصوصية والإسلام ونفاق الحداثة للخارج لتمرير كل الشناعات باسم الكونية والحداثة.ولهذه العلة جمعت الأنظمة والنخب في دولنا بين عيوب التاريخ الذاتي وعيوب التاريخ الغربي :أخذوا من الغرب ومن الماضي الذاتي أفسد ما فيهما.فاجتمع في فكرنا وممارستنا كأخلاق موضوعية ما وصفه ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية وذلك هو المقصود بالكاريكاتوريين التأصيلي والتحديثي. 29 29
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 36
Pages: