Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore بنية الدولة، المقومات والوظائف – أبو يعرب المرزوقي

بنية الدولة، المقومات والوظائف – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-08-28 12:35:36

Description: بنية الدولة، المقومات والوظائف – أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬‫‪11‬‬‫‪15‬‬‫‪20‬‬‫‪25‬‬

‫مرة اخرى أعود لإشكالية الدولة ومنزلتها في رؤية الإسلام للدين‪ .‬لكن هذه المرة لبيان‬ ‫علاقة نظريته في الدولة بما يسميه ابن خلدون بصورة العمران‪.‬‬‫وهذا الاسم عين أنه يتكلم في الدولة بمقتضى طبائع العمران دون وصف بكونه إسلاميا‬ ‫بل هو عنده بشري عامة‪ :‬علم العمران البشري والاجتماع الإنساني‪.‬‬‫وقد فضل نظرته عند تطبيقها على السياسة والدولة على الطريقتين السائدتين في‬ ‫عصره‪ :‬طريقة المدن الفاضلة (فلسفة)وطريقة الأحكام السلطانية(فقه)‪.‬‬‫لأن طريقة المدن الفاضلة تتكلم على ما ينبغي أن يكون وما يعتبره بعيد الاحتمال لأنه‬ ‫كما قال لو كان ممكنا لاستغنينا عن الدولة‪ :‬يتوبيا مثالية‪.‬‬‫أما طريقة الأحكام السلطانية فهي حسب رؤيته لا تطابق طبائع العمران بل هي أحكام‬ ‫فقهية تعكس فصلت ‪ 53‬فتحكم النصوص في وقائع السياسي بدل العكس‪.‬‬‫وما يحول دون فهم ثورته حول مقومات الدولة هو نظرته التكوينية أو النظرة التطورية‬ ‫والتاريخية لأعيان الدول وأساليب الحكم أكثر من البحث في البنية‪.‬‬‫لن أهتم بالتكوينية أو بمراحل تطور أسلوب الحكم وهو تطور شبيه المراحل بالتي حددها‬ ‫أفلاطون في مقالتي الجمهورية الأخيرتين وإن على أسس مختلفة‪.‬‬‫سأقتصر على استخراج العناصر البنيوية التي تتفق مع ما اعتبره نظرية الدولة كما‬ ‫حددها القرآن بمنطق السياسة الجامع بين القانونين الطبيعي والخلقي‪.‬‬‫وسأبدأ بقلب البنية أي أسلوب الحكم أو ما يسميه ابن خلدون بالعقد العقلي (بنوعيه)‬ ‫أو الديني بنوعيه أو الجامع بينها أربعتها على ارضية الطبيعي‪.‬‬‫وقبل هذا القلب الذي يشبه الدستور العرفي لأنه غير مكتوب بل ممارس مقومان وبعده‬ ‫مقومان‪ .‬فقبله عصبيات بغلبة إحداها والمرجعية المشتركة بينها‪.‬‬ ‫‪29 1‬‬

‫وبعده هيئة حاكمة ووظائف يؤديها الحكم والمجموع من القلب واثنان قبله واثنان بعده‬ ‫هو كيان الدولة المتعين وليس كبنية خالية ممن يملأ خاناتها البنيوية‪.‬‬ ‫عندنا‪:‬‬ ‫‪-1‬مرجعية مشتركة‬ ‫‪-2‬عصبيات أو قوى سياسية‬ ‫‪-3‬القلب أو ما يشبه الدستور المتعين عرفيا بالممارسة‬ ‫‪ - 4‬هيئة حاكمة‬ ‫‪-5‬وظائف خدمية (حماية ورعاية)‬‫تلك البنية الكلية للمقومات الثابتة في الدولة من حيث هي دولة مهما كانت بدائية أو‬ ‫صارت حداثية‪ .‬المتغير هو شكل العناصر ليزداد فاعلية وتحددا‪.‬‬ ‫ويمكن القول إن القلب يشبه جانوس‪ :‬فهو يتلفت إلى مقومين يسبقانه لتأسيسه‪:‬‬ ‫‪-1‬مرجعية مشتركة‬ ‫‪-2‬وقوى سياسية (الاحزاب حديثا والقبائل قديما)‪.‬‬‫وهو يلتفت إلى ما يليه ثمرة لدوره وأساس شرعيته التي تقدر بعلاقتها بالمرجعية وبالقوى‬ ‫السياسية‪:‬‬ ‫‪-4‬الهيئة الحاكمة‬ ‫‪-5‬والوظائف الحامية والراعية‬‫لكن التركيز في الكلام على الدولة يقف عند الهيئة الحاكمة وخاصة في فلسفة السياسة‬ ‫القديمة فمدارها الأسر الحاكمة وكأنها بلا جذور وبلا وظائف‬‫والقوى السياسية تتمايز بين التي تحكم والتي تتربص بها أو المعارضة سلما أو حربا بفهمها‬ ‫للمرجعية وبرؤيتها للوظائف شرطين للشرعية بالأصل والغاية‪.‬‬‫والسياسة في أي عصر وفي أي مرحلة من تاريخ الشعوب هي هذه اللعبة بين تأويلات‬ ‫المرجعية وتفضيلات الوظائف والتداول بين استعمال الشوكة والشرعية‪.‬‬ ‫‪29 2‬‬

‫وأهم إضافة خلدونية (رؤية سنية) اعتبار الشوكة مقوما للهيئة الحاكمة مثلها مثل‬ ‫الشرعية والدور بينهما متعاكس‪ :‬زيادة إحداهما دليل نقصان الأخرى‪.‬‬‫والفرق الجوهري بين الصوغ الخلدوني وصوغ الطريقتين اللتين رفضهما أي طريقة المدن‬ ‫الفاضلة والأحكام السلطانية عدم الفصل بين الشوكة والشرعية‪.‬‬‫ولهذا وضع نظرية العقد إما العقلي أو الديني بدرجتيهما على أرضية العلاقة الطبيعية‬ ‫بين العصبيات كقوى متصارعة تنتظم بهما وبشكل جامع لها‪.‬‬‫والأرضية الطبيعية هي مصدر الحاجة إلى الشوكة والعقود الأربعة والجمع بينها هو‬ ‫مصدر الشرعية بشرط أن يحققا الحماية والرعاية وظيفتي الدولة‪.‬‬‫فنشرح معنى العقدين العقليين المقتصرين على مصالح دنيوية‪ :‬فالعقلي يبدأ بخطة‬ ‫تحمي مصلحة الحاكم ثم ينتهي بخطة تحمي مصلحة الحاكم والمحكوم‪.‬‬‫فابن خلدون يقدم الدولة العقلية على الدولة الدينية‪ .‬لكنه كما سنرى لا يقول بالدولة‬ ‫الدينية بل بمزيج بين العقلية والدينية‪ .‬ولايقسم هذه مثل تلك‪.‬‬‫فالكلام على مصلحة دنيوية للحاكم ثم له والمحكوم يناظره نفس الشيء في المصلحة‬ ‫الأخروية ولم أفهم إغفال ذلك‪ :‬الدين ملازم للشكلين الأولين‪.‬‬‫فالحاكم الذي يراعي عقليا مصلحته دون مصلحة المحكوم يميز لا يميز نفسه سياسيا‬ ‫فحسب بل يؤسس تميزه وتفرده بمنزلة دينية أو اسطورية‪ :‬فرعون إله‪.‬‬‫ولما ينتقل الحكم العقلي إلى التوفيق بين المصلحتين ينتقل الدين مثله إلى الجمع بينهما‬ ‫فيكون الحكم الدين موازيا للحكم بالعقل فتكون أربعة أشكال‪.‬‬‫وكل ذلك يجري على الأرضية الطبيعية التي تعني الصراع المفضي للهرج بلغة ابن‬ ‫خلدون والذي يشبه الحالة الفرضية في نظريات العصر الكلاسيكي للدولة‪.‬‬‫لكن ابن خلدون لا يعتبرها فرضية تزول بمجرد بداية العقد بل هي ملازمة للدولة وهي‬ ‫تهدد العقد دائما وهي ارضية السياسة ودور الشوكة في كل حكم‪.‬‬‫ولذلك فالدولة عنده هي كل ذلك بوصها طرق وأدوات لنظام الجماعة ومن ثم فكل‬ ‫نظام هش بالجوهر ومع ذلك صامد بالجوهر نظام مزيج مؤلف من هذه العناصر‪.‬‬ ‫‪29 3‬‬

‫ولعل أبرز مثال لهذه الهشاشة والصمود في آن هو أن العقد العقلي أي حساب المصالح‬ ‫بين الحاكم والمحكوم متأرجح دائما فيصبح هذا مصدر شرعية ذاك ومخفيه‪.‬‬‫وما قلناه عن حساب المصالح الدنيوية يقال عن حساب المصالح الأخروية‪ :‬فبالتدريج‬ ‫يصبح الديني مصدر شرعية الدنيوي وغطاءه الذي يخفي دوافعه‪.‬‬‫فتكون خدمة المحكوم وحماية القيم لعبتين إيديولوجيتين تضفيان الشرعية على الحكم‬ ‫وتخفيان تحيله الذي يبقى دائما مقدما لخدمة الحاكم والدنيا ‪.‬‬‫فتكون السياسة من حيث هو تدبير دولة بهذا المعنى الذي بينا بنيته لعبة توازن بين‬ ‫الشوكة والشرعية حول رهانات خمسة تحتاج إلى الحماية والرعاية‪.‬‬‫وهذه الرهانات التي تحتاج إلى الحماية والرعاية وظيفتي الدولة تجري في مستويين‬ ‫رمزي خيالي وفعلي تاريخي‪ .‬والأول تمثله الرؤيا والثاني الحدث‪.‬‬‫وذلك هو مضمون سورة يوسف‪ :‬كل ما يحدث يحدث أولا كرؤيا ثم كحدث فيكون السعي‬ ‫التاريخي هو تحقيق الرؤيا بمعنى أن الإنسان تاريخه هو تحقيق أحلامه‪.‬‬‫وهذه الأحلام غايتها السلطان إلى حد التأله (رؤيا يوسف والسجود له) وثمراته الحب‬ ‫والعيش والعلم وما يحول دونها أربعتها ونسيان برهان الرب‪.‬‬‫ولذلك فسورة يوسف هي الوحيدة التي لا تتضمن إلا هذه الأغراض الخمسة وتتوجه‬ ‫إلى الرسول الخاتم لإخراجه من الغفلة بداية ومنعه من اليأس غاية‪.‬‬‫فكانت آيتها قبل الاخيرة‪{ :‬حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ‪...‬ولا يرد‬ ‫بأسنا عن القوم المجرمين} لبيان أن السياسة اجتهاد وجهاد قيمي‪.‬‬‫إنها اشرئبات للأسمى في الحب وفي العيش وفي العلم وفي الحكم وفي رؤية برهان الرب‬ ‫حتى يكون الحب والعيش والعلم والحكم محققة لمنزلة الخليفة‪.‬‬‫لذلك أجدني ملتزما بالثورة ومطالبها فهي سعي الشباب لتحقيق هذه المعاني ومساعدتي‬ ‫لهم بيان دلالة سورة يوسف‪ :‬تحقيق الأحلام بالاجتهاد والجهاد‪.‬‬ ‫‪29 4‬‬

‫لما تكلمت على بنية الدولة مقوماتها ووظائفها وميزت بين عرض ابن خلدون التكويني ‪-‬‬ ‫جوناز‪-‬وعرضي البنيوي كان القصد إبراز وحدة البنية وكونيتها‪.‬‬‫أما ابن خلدون فكان هدفه بيان تكوينيتها أو مراحل تشكل ما يسميه بصورة‬ ‫العمران(والاجتماع)‪ .‬والعرض التكويني يبرز مميزات كل مرحلة ويبين أهميتها‪.‬‬‫لكن أهم عنصر يشد الانتباه في التكوينية كما يعرضها ابن خلدون هو التلازم بين الشوكة‬ ‫والشرعية مقوما جوهريا لقيام الدولة ولبقائها‪ :‬تلازم الوزعين‪.‬‬‫والوزعان كما هو معلوم يسميهما ابن خلدون تسميتين واحدة \"فاليو فري\" محايدة عن‬ ‫القيمة تسمية موضعية لأن الأول يسميه الذاتي والثاني الاجنبي‪.‬‬‫ويسميهما ثانية تتضمن تقويما صريحا‪ :‬فالوزع الذاتي ينسبه إلى الضمير والروح وأثر‬ ‫الدين‪ .‬والثاني ينسبه إلى الأحكام السلطانية بمعنى الحكم لا العلم‪.‬‬‫ولا يوجد فقيه يفهم هذه المقابلة فالوزع الديني عندهم ليس وزع ضمير بل وزع سلطة‬ ‫خارجية فيصبح أفسد حتى من الوزع الخارجي لنسيانهم البقرة ‪.256‬‬‫ابن خلدون لما قابل بين الذاتي والخارجي وساوى بين هذه المقابلة والمقابلة بين الوزع‬ ‫الروحي والديني ووزع السلطة السياسية لم ينس البقرة ‪.256‬‬‫وقد جاء ذلك صراحة في شفاء السائل ناسبا إلى الفاروق التمييز بين الوزع الروحي‬ ‫النابع من الضمير (تبين الرشد) والوزع المادي النابع من الخوف‪.‬‬‫والآن سأتكلم على معضلة محيرة في كلام ابن خلدون على \"فساد معاني الإنسانية\"‪.‬‬ ‫أكثرت من الكلام على هذا المفهوم دون أن ألامس المعضلة الواردة فيها‪.‬‬‫وقبل تحديدها فلأذكر بأن عنوان المقدمة نفسه محير‪\" :‬علم العمران البشري والاجتماع‬ ‫الإنساني\"‪ .‬محير مرتين‪ :‬لأنه اسم مضاعف‪ .‬ولتأسسه على مقابلتين‪.‬‬ ‫فهل له موضوعان أولهما العمران البشري والثاني الاجتماع الإنساني؟‬ ‫‪29 5‬‬

‫وما علاقة الموضوعين إن كانا موضوعين وما طبيعة الوحدة إن كانا موضوعا واحدا؟‬ ‫ثم ما الفرق بين العمران والاجتماع وما الفرق بين البشري والإنساني؟‬ ‫وهل صحيح أن ابن خلدون وضع علما استقرائيا على وقائع مغربية كما يدعي بدوي؟‬‫هل ابن خلدون أطلق استقراء شديد النقص ليس على العالم فحسب بل خاصة على مصر‬ ‫كما يدعي بدوي فوصف موضوعه بالبشري والإنساني؟‬ ‫اسئلة عالجتها سابقا‪.‬‬‫ولم أذكر بها لأعيد علاجها بل لبيان الإشكال في الوصفين \"بشري\" و\"إنساني\" وهل هما‬ ‫مجرد دعوى أم يعبران بحق عن علم كوني في العمران والاجتماع عامة‪.‬‬ ‫اعتراض بدوي مضاعف‪:‬‬‫‪ -1‬يظن أن ابن خلدون لو عاش في مصر لراجع مقدمته لأن الأمر فيها متقدم على المغرب‬ ‫‪ -2‬جهل ابن خلدون بالفلسفة السياسية اليونانية‬‫أربأ بنفسي فلا أفسر موقفه بنوع من التنافس مشرقي مغربي‪ .‬والتنافس حميد إذا آل‬ ‫إلى التسابق في الخيرات‪ .‬اعتقد أنه يرد إلى ما عرف به المرحوم‪.‬‬ ‫العجلة داء كل عالم‪:‬‬ ‫‪-1‬فهو راجع أشياء كثيرة في مصر ولم يراجع نظريته في العمران والاجتماع‪.‬‬ ‫‪-2‬ابن خلدون رفض صراحة فلسفة السياسة اليونانية‬‫ورغم وجود دور للتجربة في المقدمة فإن بنيانها أكسيومي بمعنى أن ابن خلدون ينطلق‬ ‫من حدود بسيطة وجملة مبادئ ثم يستنتج مثل الرياضي نظرياته‪.‬‬‫ولهذه العلة فأنا لا أستطيع الخروج من مآزق نظرياته بالمقابلة بينها وبين الوقائع بل‬ ‫باستعراض الصلة المنطقية بين مقدماته ونتائجه مقدمه وتاليه‪.‬‬‫ولا يمكن لعلمه أن يتأسس استقرائيا ففي ذلك تناقض مطلق‪ :‬كيف يمكن أن يضع علما‬ ‫وظيفته النقد التاريخي إذا كان مستمدا من وقائع تاريخية؟ عجلة بدوي‪.‬‬‫وابن خلدون صريح في أنه يضع علما أكسيوميا فيعرف الحدود البسيطة وقواعد التأليف‬ ‫بينها ليستنتج منها نظرياته التي سينقد بها الخبر التاريخي‪.‬‬ ‫‪29 6‬‬

‫ولأمر الآن إلى المعضلة في \"فساد معاني الإنسانية\" التي لم أعالجها رغم أنها تعلل الطابع‬ ‫المضاعف لموضوع علمه وتحدد طبيعة العلاقة بينهما‪.‬‬‫وهي إذن عقدة المقدمة لأن المعضل فيها هو الذي يفسر المعضلتين في العنوان‪ :‬المقابلة‬ ‫بين عمران واجتماع والمقابلة بين بشري وإنساني‪ .‬تلك ثورته‪.‬‬‫ولأورد استطرادا ثانيا‪ .‬طلبت من ناشر الترجمة العربية لكتاب خاتمي في الفلسفة‬‫السياسية قدمت عرضا نقديا لكتابه وهو درسه في الماجيستر‪ .‬وكان عملا مفيدا لأني لاحظت‬‫أن الرجل وقف عند ويل للمصلين في عرضه للمقدمة‪ .‬سماها علم اجتماع الاستبداد‪.‬‬ ‫صحيح لكنه نصف الحقيقة لأنه مشروع إصلاح‪.‬‬‫ومعضلتنا تبين أن المقدمة مشروع إصلاح وليست مجرد علم اجتماع للاستبداد في مقابل‬ ‫من نسب إليه خاتمي دورا إيجابيا بدافع غير علمي غني عن البيان‪.‬‬‫لكني لم أستغن عن بيانه في عرض النقدي للكتاب لأني كما فعلت مع عبد الرحمن بدوي‬ ‫حاولت بقدر المستطاع إعادة الأمر إلى نصابه لا لصاحبه ولا عليه‪.‬‬‫وقبل هذين الخلافين مع بدوي وخاتمي كان لي حساب مع طه حسين‪ :‬فككل المنبهرين‬ ‫بالغرب تعجل فتوهم ان عدم تطبيق ابن خلدون لاكتشافه في تاريخه نقصا‪.‬‬ ‫وأستنتج أمرين‪:‬‬ ‫‪ -‬ابن خلدون لم يكن يقصد ما نفهم منه (لأنه مدير بحثه كان عالم اجتماع فرنسي)‬ ‫‪ -‬وبقي \"بدويا\" في تاريخه يقص خرافات وليست تاريخا‬‫طبعا مثل هذا الكلام من المفروض ألا يرد عليه‪ :‬فليس من ضرورات الإبداع النظري‬ ‫قابلية التطبيق المباشر وليس من خصائص المبدع القدرة على التطبيق‪.‬‬‫والإبداع النظري لا يكون قابلا للتطبيق من البداية لا بد أن يتطور ويتكثف ويقترب‬ ‫بالتدريج من مجال تطبيقه لأنه يبدأ خطاطة عامة تتخلق ككائن حي‪.‬‬‫وابن خلدون ختم المقدمة بما يفيد أنه أعلم بطبيعة الإبداع النظري والعلمي من طه‬ ‫حسين‪ :‬هل يعقل لفاهم أن يدعي تطبيق الشك الديكارتي في الآداب؟‬ ‫‪29 7‬‬

‫من يفاخر بتطبيق منهج ديكارت على التاريخ الأدبي يثبت سذاجته وعجلته‪ :‬ديكارت‬ ‫يشكك فيما يبدو غير قابل للشك‪ .‬أما تاريخ الأدب فيشك فيه حتى العامي‪.‬‬‫وشك ديكارت له غاية يقف عندها وهي \"الأنا أشك إذن أنا موجود\"‪ .‬يثبت حقيقة‬ ‫وجودية‪ .‬فما الحقيقة التي يمكن أن يقف عندها من يشك في رواية قصيد؟‬‫أليست بالضرورة الوثيقة الثابتة كأن يجد نص القصيد الأصلي أو الشهادة الأولى‬ ‫لوضعه؟ وكلاهما من الشاهد الحسي وهما بمعيار ديكارت أول شيء يشك فيه؟‬ ‫لا فائدة من مواصلة الكلام فلنعد إلى المعضلة‪ :‬كيف يقول ابن خلدون‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن \"معاني الإنسانية\" هي \"التي له (=للإنسان) من حيث الاجتماع والتمدن\"‬ ‫‪ -2‬وأن هذه المعاني \"هي الحمية والمدافعة\"‬‫وجمع ‪1‬و‪ 2‬هو فساد معاني الإنسانية أي فساد صفتي الاجتماع والتمدن بمعنى فقدان‬ ‫الحمية والمدافعة‪.‬‬‫معضلة كبيرة وعميقة لكن في حلها حل ثنائية الموضوع وغاية المقدمة الأولى‪ :‬مشروع‬ ‫الإصلاح الذي يستهدفه درس العمران البشري والاجتماع الإنساني‪.‬‬‫وأبدأ بأول سؤال‪ :‬لماذا الكلام اقتصر على فساد معاني الإنسانية أي القسم الثاني من‬ ‫اسم الكتاب دون الكلام فساد معاني البشرية أي القسم الأول؟‬‫السؤال الثاني‪ :‬لماذا يتعلق الفساد بالاجتماع والتمدن؟ وهل كان ما يتعلق به الفساد لو‬ ‫قال \"فساد معاني البشرية\" هو العمران والتعمر؟‬‫السؤال الثالث‪ :‬لماذا لم يقل \"فساد معاني البشرية\" ولم يتكمل على ما يترتب عليه أي‬ ‫فساد العمران والتعمر؟ ألا يفسدان؟ أم يفسدان بالفساد الأول‪.‬‬‫السؤال ‪ :4‬إذا كان فساد البشرية تاليا عن فساد الإنسانية أي فساد الاجتماع والتمدن‬ ‫أو فقدان الحمية والمدافعة فماذا يكون فساد العمران والتعمر؟‬‫والسؤال الأخير‪ :‬هل الحل هو العودة إلى الأرضية الأولى للعمران والاجتماع في آن أي‬ ‫الحالة الطبيعية التي يسيطر عليها الإنسان بالعقود الأربعة؟‬ ‫‪29 8‬‬

‫وقد عرف ابن خلدون هذه الحالة بمفهومات قرآنية هي \"الارتكاس\" و\"العودة أسفل‬ ‫سافلين\"‪ .‬وهو ما سميته بالنكوص إلى جاهلية البداوة وجاهلية الحداثة‪.‬‬‫فالحياة الاجتماعية التي هي غاية الحياة العمرانية (الموضوع الخلدوني) لا تكون سوية‬ ‫إلا بعقود أربعة تحدث اطمئنانا متبادلا هو الاجتماع والتمدن‪.‬‬‫فإذا فسدت معاني الإنسانية بمعنى فقدان خصائص الاجتماع والتمدن التي تفيد فقدان‬ ‫الحمية والمدافعة فمعناه أن العمران الذي يبقى هو عمران العبيد‪.‬‬‫وفيه وصف لأخلاق العبيد‪ :‬أي الصفات الخمس التي ذكرها في الفصل السابق خلقيا‬ ‫ونفسيا واجتماعيا فيزول الاطمئنان ويعوضه التوجس والتخادع والتغادر‪.‬‬‫ومجموع هذه الصفات أو أخلاق العبيد سماها ابن خلدون بـ\"الخرج\" الذي اعتبره حصيلة‬ ‫ما مربه اليهود من قهر وظلم وعسف‪ .‬وهذه حالنا كعرب لولا الثورة‪.‬‬‫ولا يمكن أن أطيل الكلام على بيان مطابقة وصف ابن خلدون لهذه الحال لما نحن عليه‬ ‫أو لما يمكن تسميته الأخلاق الموضوعية في المجتمعات العربية‪.‬‬‫لا أحد يطمئن لأحد‪ .‬وذلك لأنه لا أحد يقوم بعمله بما يقتضيه عمله من شروط بل هو‬ ‫يقوم به بحسب حساب الربح السريع والخداع الوضيع مع السكوت العام‪.‬‬‫وهذا الصمت العام هو الذي يصفه ابن خلدون بفقدان \"الحمية والمدافعة\" الكل مستسلم‬ ‫لمجاري الأحداث ومنتقم ممن فوقه على من دونه‪ :‬الكل يقهر الكل‪.‬‬ ‫وأداة القهر نوعان‪:‬‬ ‫‪ -‬أداة الاقوياء‬ ‫‪ -‬وأداة الضعفاء‪.‬‬‫والأقوياء قهرهم مادي بمبرر روحي هو كنسية رجال الدين‪ .‬وأداة الضعفاء هي الغش‬ ‫والتطفيف والكذب‪.‬‬‫وهذا يصح على النكوص إلى الجاهلية البدوية‪ .‬أما إلى الجاهلية الاستعمارية‬ ‫(الحديثة) فيعوض رجال الدين فيها المثقفون والإعلاميون لتمرير القهر‪.‬‬ ‫‪29 9‬‬

‫وقهر الضعفاء عدوانهم بعضهم على البعض واحتماء كبارهم بأصحاب القهر المادي لأنهم‬ ‫من أدواتهم في سلب ثروات الشعوب‪ :‬الاستبداد بحاجة للفساد‪.‬‬‫تلك هي حال الأمة‪ .‬وقد أجاد ابن خلدون في الوصف لبيان نتائج الاستبداد والفساد‪.‬‬ ‫فالغاية من المقدمة ليست علم اجتماع الفساد بل الإصلاح المحرر منه‪.‬‬‫وبعبارة رمزية فيها الكثير من التجوز‪ :‬ثورة الشباب في الواقع الفعلي تقدم عليها تأسيس‬ ‫نظري في الواقع الافتراضي لنظرية الثورة في مدرسة النقد‪.‬‬ ‫‪29 10‬‬

‫ما من عربي لا يدرك أنه لا يزال منذ ثمانين سنة ضحية لكاريكاتورين أحدهما يخلط‬ ‫قيم الإسلام بقيم الجاهلية العربية والثاني قيم الحداثة بقيم الاستعمار‪.‬‬‫ولا أحد من العرب يجهل أن الكاريكاتور الأول حالف الغرب والكاريكاتور الثاني حالف‬ ‫الشرق فصرنا تابعين لنوعي الاستبداد العالمي‪ :‬أمريكا والسوفيات‪.‬‬‫ولا زلنا كذلك لأن القطبين لا يختلفان على ضرورة استعباد المسلمين عامة وقلب دار‬ ‫الإسلام أي الوطن العربي خاصة بحكم ماضي العلاقة والمستقبل‪.‬‬‫فأما ماضي العلاقة فهو بداية بالعرب وغاية بالأتراك وأما المستقبل فيتعلق بما لا بد منه‬ ‫لمن يريد أن يستعد لنظام عالم لم يعد الغرب متفردا به‪.‬‬‫لكن النخب العربية بصنفيها التابعين لصنفي النظامين والكاريكاتورين لا يعلمون ما‬ ‫يجري لأن ذراعي الغرب في الإقليم استتبعاهم في أجندتيهما‪.‬‬‫وتلك مستويات الكاريكاتورين الحائلين دون الأمة عامة والعرب والأتراك خاصة‬ ‫والاستراتيجية التي تنطلق من خطة استتباعنا شرطا في السيادة على العالم‪.‬‬‫اتفاق القطبين والذراعين والنظامين والنخبتين وإشكالية دور دار الإسلام بموقعها وبما‬ ‫فيها في استراتيجية التنافس على سيادة نظام العالم المقبل‪.‬‬‫وهذا هو الهم الذي لم يغادرني منذ نعومة أظافري لأني كنت واثقا أن الغرب نفسه‬ ‫الذي بدأ يخسر التفرد بالعالم سيعود إلى منطق الاستعمار القديم‪.‬‬‫ذلك أن الاستعمار الحديث بوكالة الأنظمة العميلة لم يعد كافيا لمنع ثورات الشعوب وهو‬ ‫ما يقتضي إعادة القواعد والتدخل المباشر لحماية هذه الأنظمة‪.‬‬‫والأقطاب‪-‬الصين والهند‪-‬تنافس الغرب على العالم وعلينا‪-‬وتحتاج إلى أنظمة مشاغبة‬ ‫‪-‬كوريا الشمالية إيران وروسيا‪-‬لإلهائه فضلا عن انشغاله بنا‪.‬‬ ‫‪29 11‬‬

‫وإذن فالغرب نفسه غير مدرك أن معركته معنا خاسرة وأن ضررها به لا يقل عن ضررها‬ ‫بنا لأن استضعافنا لم يعد ممكنا ومن دوننا هو الذي سيستضعف‪.‬‬‫ولذلك كانت الاستراتيجية التي اقترحتها منذ أكثر من ثلاثة عقود هل مقاومة الغرب‬ ‫حتى يعترف بهذه الحقيقة مع ترك باب الصلح ممكنا في نظام العالم‪.‬‬‫فمهما جرى بيننا وبين الغرب يبقى ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا‪ :‬فمعينا حضارتينا واحدان‪.‬‬ ‫المعين الديني والفلسفي كلاهما إبداع ملتقى الشرق والغرب‪.‬‬‫فكلاهما ثمرة ملتقى القارات القديمة الثلاث‪ :‬آسيا وإفريقيا وأوروبا حول المتوسط حيث‬ ‫نشأت وتخاصبت الأديان والفلسفات وفكرهما في الحضارتين‪.‬‬‫والحروب بينهما متقدمة على اليهودية والمسيحية والإسلام لكن التبادل والتخاصب أيضا‬ ‫متقدم ومن ثم فالحضارتان ليستا عدوتين بالجوهر وخاصة الآن‪.‬‬‫فالغرب الذي بدأ يفقد الاستفراد بقوة العصر (العلوم النظرية والعملية وتطبيقاتها)‬ ‫لم يعد له الوزن الكافي ليكون قطبا معادلا للصين أو للهند‪.‬‬‫واليابان وألمانيا لن يبقيا بلا حد تابعين لأمريكا أمنيا وعسكريا لأن النظام العالمي‬ ‫الجديد سيعيد التسابق على تقاسم العالم لتزايد الحاجات‪.‬‬‫ولعل خروج بريطانيا من اوروبا من تباشير هذه العودة إلى ما سيحوجها إلى علاقة أمتن‬ ‫مع الكامنوالث لأنها من دونه لن تستعيد قوة وازنة في العالم‪.‬‬‫وفرنسا تحاول استرداد سلطانها على مستعمراتها الافريقية إذ لم يعد لها القدرة على‬ ‫منافسة ألمانيا من دون ذلك ولا قدرة لها على العودة إلى آسيا‪.‬‬‫ولما كان من العسير عليها أن تعود بنفس المنطق الذي حكم الاستعمار المباشر الأول‪ .‬فإذا‬ ‫لم تذهب في اتجاه ما اقترحته لن تستطيع منافسة الصين فيها‪.‬‬‫والغريب أن ما يحول دون هذه الاستراتيجية في الغرب كاريكاتوري اليمين واليسار‬ ‫وكاريكاتور الإسلام والحداثة عندنا‪ :‬حلفاء الكاريكاتورين الغربيين‪.‬‬ ‫ففيم يتمثل كاريكاتور الإسلام الناكص إلى جاهلة البداوة؟‬ ‫‪29 12‬‬

‫إنه ما به يحاول الغرب تشويه الإسلام اختاره سابقا من الأنظمة الحليفة ثم صنعه‬ ‫للتشويه‪.‬‬‫وفيم يتمثل كاريكاتور الحداثة إنه من حالفه السوفيات من تشويه الحداثة أو الفاشية‬ ‫العسكرية ثم صنعه ليصبح كاريكاتور الحداثة اليساري والقومي‪.‬‬‫إذن عندنا شكلان من كاريكاتور الإسلام الأنظمة تحكم باسم والأنظمة التي تدعي‬ ‫الثورة باسم الإسلام وشكلان من كاريكاتور الحداثة يناظران الأولين‪.‬‬‫فالأنظمة التي تحكم باسم اليسار والقومية والمعارضات باسميهما يمثلان كاريكاتور‬ ‫الحداثة‪ .‬والأولان الأنظمة القبلية وما أخذ منها لتشويه الإسلام‪.‬‬‫والثانيان هما الانظمة العسكرية وما أخذه الغرب منها لتشويه الحداثة‪ .‬علاقة داعش‬ ‫بالإسلام هي علاقة يسار العرب بالحداثة‪ .‬كلاهما كاريكاتور‪.‬‬‫وكل من درس ابن خلدون يعلم أنه لم ينتظر ما نراه الآن ليحكم بأن كل الذين يثورون‬ ‫باسم الدين من دون شروط الشوكة دراويش ولا يمكن أن يبنوا دولا‪.‬‬‫وقياسا على ذلك فكل الذين يريدون أن يبنوا دولا على ايديولوجية يسارية أثبتت‬ ‫التجارب في كل قارات العالم أن أصحابها مجانين الغراب المطلق‪.‬‬‫وإذن فخاصية الكاريكاتور في الحالتين هي نفس النتائج التي تحصل من النكوص إلى‬ ‫جاهلية بدوية أو حضرية‪ :‬نكوص إلى وحشية النخب وعبودية الشعوب‪.‬‬‫واجتماعهما هو \"فساد معاني الإنسانية\" الذي يقتضي أن يوجد طغاة جاهلين بمقومات‬ ‫الإنسانية والبشرية أي العمران والاجتماع فيحصل النكوص بمعنييه‪.‬‬‫مشكل الأمة هو التالي‪ :‬بقايا الانظمة القبلية وبقايا الانظمة العسكرية اللذين كانا‬ ‫تابعين للقطبين ثم ما تولد عنهما من كاريكاتورين يدعيان الثورة‪.‬‬‫والذراعان ‪-‬إيران وإسرائيل‪-‬هما بدورهما كاريكاتور القدامة (إيران والعودة إلى‬ ‫الثيوقراطيا) والحداثة (اسرائيل او العودة إلى العنصرقراطيا)‪.‬‬‫بعث الثيوقراطيا القروسطية والعنصرقراطية الاستعمارية هما أساس الذراعين اللذين‬ ‫يوظفهما ما بقي من القطبين (روسيا وأمريكا) مع الاشكال الاربعة‪.‬‬ ‫‪29 13‬‬

‫وضعية أريد فضحها يخرج الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي من هذا المأزق الذي‬ ‫سينتهي بهم وبنا إلى تبعية لأقطاب جديدة‪ :‬يراها ويفهمها كل ذي بصيرة‪.‬‬‫ما يجري في الإقليم العربي معركة بين الأشكال الأربعة على حكم المحميات ولا علاقة له‬ ‫بالسياسة بمعنها الذي يحقق مشروعات لشعوب حرة‪ .‬لكنها ثارت‪.‬‬‫ولما ثارت وبدأت تنجح تدخل الذراعان (إيران وإسرائيل) والحاميان (روسيا وأمريكا)‬ ‫فتكونت جبهة الثورة المضادة التي فشلت إلى حد الآن في وأد الثورة‪.‬‬‫وإذا كانت الثورة لم تنجح بعد فهي ما تزال صامدة‪ .‬وصمودها فيه فرصة لتدارك‬ ‫نقائصها وخاصة ما يتعلق منها بالاستراتيجيا والعمق النظري المؤسس‪.‬‬‫والعمق النظري المؤسس لا يمكن أن يكون تاليا على الثورة بل لا بد أن يكون من ذخيرة‬ ‫ذاكرتها الثقافية ومرجعياتها الروحية‪ :‬دور المدرسة النقدية‪.‬‬‫فهي من الذخيرة التراثية الفكرية الساعية للإصلاح بتشخيص فلسفي عميق وهي تؤسس‬ ‫تشخيصها على مرجعية الحضارة العربية الإسلامية للفاعلية الثورية‪.‬‬‫وما يجري في العالم هو من هذا الجنس‪ :‬فالغرب هو بدوره يعاني من بقايا الأنظمة‬ ‫المتقدمة على سقوط التقاطب وينكص إلى فكر محاك للاستعمار القديم‪.‬‬‫فالكلام على أمريكا أولا أو فرنسا أولا أو انجلترا أولا يعلم كل من يفهم ما يجري في‬ ‫العالم أن ذلك نكوص لأن ذلك لن يحل عموم سر القوة الحديثة‬‫فيصبح الصيني والياباني إلخ‪ ..‬له ما يستمد منه الغربي قوته وليس للغرب ما يستمد‬ ‫منه هو قوته‪ :‬الحجم الديموغرافي والانتشار الجغرافي وذهنية الجماعة‪.‬‬‫لذلك فالغرب مهدد مثلنا بحرب أهلية بين المربع الذي وصفنا لدينا وله نظيره لديه أو‬ ‫البحث في الاستراتيجية تمكنه مما ينقصه وتمكننا مما ينقصنا‪.‬‬‫فيتكون القطب المعدل لنظام العالم الجديد‪ :‬المسلمون (نحن خاصة) والغرب (أوروبا‬ ‫خاصة) يمكن أن يكونوا قطبا متجانس حضاريا وبشريا لتحقيق التوازن‪.‬‬ ‫‪29 14‬‬

‫تكلمت في الفصل الثالث على الكاريكاتورين كلاما مجملا لا يحدد بالتعيين الطابع‬ ‫الكاريكاتوري لدى أصحاب دعوى التأصيل ولدى أصحاب دعوى التحديث‪.‬‬‫لذلك فالفصل الرابع سيكون موضوعه الطابع الكاريكاتوري في دعوى التأصيل على‬ ‫التعيين بالاعتماد على ما سميته مقومات الدولة والسياسة حكما وتربية‪.‬‬‫فالطابع الكاريكاتوري هو صورة محرفة من بينة السياسة والحكم أو صورة العمران يعمل‬ ‫بها أصحاب دعوى التأصيل في نظام الحياتين الروحية والمادية‪.‬‬ ‫ونظام الحياتين يتعلق بـ‪:‬‬ ‫‪-1‬فهم المرجعية‬ ‫‪-2‬والقوى السياسية‬ ‫‪-3‬والأعراف الحاكمة‬ ‫‪-4‬الهيئة الحاكمة أو الحكومة‬ ‫‪-5‬ووظائف الدولة العشر حماية ورعاية‬‫كيف يشوه كاريكاتور التأصيل هذه المقومات التي تحيط بكل كيان الجماعة متجليا فيما‬ ‫يسميه ابن خلدون صورة العمران أو كيان الدولة المعنوي والمتعين؟‬‫فتشويه المرجعية هي تشويه فهم القرآن والسنة‪ ،‬وتشويه القوى السياسية كونها قبلية‬‫وأمراء حرب بالقوة‪ ،‬وتشويه العرف تحكم الشوكة وتشويه الحكومة تقاسم السلطة بين‬‫أمراء الحرب‪ ،‬وتشويه وظائف الدولة يعني فوضى الارتجال وانعدام التخطيط‬ ‫والاستراتيجيا في الشأن العام واحترام الحقوق والواجبات‪.‬‬‫واعجابي بالمدرسة النقدية‪-‬الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪-‬علته محاولتهم علاج هذا‬ ‫التشويه وقد نجحوا بقدر كبير في تحديد جوهر الإصلاح واستراتيجيته‪.‬‬ ‫‪29 15‬‬

‫ولما كان الغالب على فكرهم الوجه النقدي الذي هو في الغالب بيان السلبيات وكان الحل‬ ‫الغالب هو سد الذرائع كانت النتيجة هزيلة في الواقع الفعلي‪.‬‬‫وسأبدأ الآن في بيان التشويهات الخمسة التي حصلت وعلل اعتباري إياها كاريكاتور‬ ‫الإسلام والنكوص إلى الجاهلية البدوية في حالة دعاة التأصيل‪.‬‬‫والفصل الموالي والاخير سيكون موضوعه كاريكاتور التحديث وكيف عمل مع الحداثة‬ ‫نفس ما علمه كاريكاتور التأصيل مع الأصالة بل وأبشع وأكثر تهديما‪.‬‬‫وأبدأ بتشويه المرجعية أي القرآن والسنة‪ .‬وتشويهها يتجلى في استعمالها وما يستمد منها‬ ‫من نظر وعمل‪ :‬فكيف استعمل فكر التأصيليين المرجعية‪.‬‬ ‫وأهم أدوات تشويه المرجعية هو العلوم الزائفة الخمسة‪:‬‬ ‫‪ -‬تزييف الفقه واصوله‬ ‫‪ -‬والكلام واصوله‬ ‫‪ -‬والفلسفة واصولها‬ ‫‪ -‬والتصوف وأصوله‬ ‫‪ -‬والتفسير وأصوله‪.‬‬‫وسر التزييف هو قلب ما أوصت به فصلت ‪ :53‬بدلا من فهم حقيقة القرآن من آيات الله‬ ‫في الآفاق والأنفس ظنوا فهمها في شرح النصوص وتطبيقها المباشر‪.‬‬‫فحصرت أصول الفقه في لعبة تأويلية سطحية وصوغ منطقي بدلا من فلسفة الحقوق‬ ‫والبحث في التأسيس الخلقي القرآني للأحكام في شروط العمران السوي‪.‬‬‫وحصرت العقائد في معارك الديكة الكلامية وأصبح كل مذهب له عقيدة ففتت وحدة‬ ‫الأمة وأصبح الصراع العقدي حربا أهلية دائمة بدل فلسفة الدين القرآنية‪.‬‬‫وحصر التصوف فيما آل إليه الزهد الذي تحول إلى خطة باطنية لإعادة كنسية روحية‬ ‫تسيطر على الضمائر بالطرقية الشعبية وتحول الدين إلى أفيون‪.‬‬‫أما الفلسفة فأصبحت سلاحا باطنيا وظيفته تأسيس التعلمية كما بين ذلك الغزالي في‬ ‫فضائح الباطنية وفي المنقذ وحاكاها أحيانا في القسطاس‪.‬‬ ‫‪29 16‬‬

‫أما التفسير فهو متردد بين مأزق الاثر الذي عزته الاسرائيليات ومأزق التراث العلمي‬ ‫للعصر الهلنستي المتخلف بما يشبه خرافة الاعجاز العلمي‪.‬‬‫وهذه العلوم الزائفة كانت عديمة الفائدة فيما لأجله خلق العلم‪ :‬فهي لا تمكن من‬ ‫الاستعمار في الأرض ولا تمكن من الاستخلاف‪ :‬ثرثرة للحفظ والنزاع‪.‬‬‫وهي في الحقيقة أصل كل الحروب الأهلية بين المسلمين لأنها مبنية على نظرية المطابقة‪:‬‬ ‫الكل يدعي العلم المطلق وتفسيق خصومه بظنون ورجم بالغيب‪.‬‬‫وبهذه العلوم الزائفة يغلب على القوى السياسية الصراع المذهبي فتهمل دورها الراعي‬ ‫لشروط الاستعمار في الأرض بالتخريف حول ما بعده دون تحقيقه‪.‬‬‫ذلك أن العلوم الزائفة تحول دون العلوم التي تحقق شروطه والتي هي علوم الطبائع‬ ‫لسد حاجات الإنسان المادية وعلوم الشرائع لسد حاجاته الروحية‪.‬‬‫فتكون \"النظريات\" وما يقدم على أنه علوم شبه أكل \"للنخالة\"‪ :‬تخريف حول ما بعد‬ ‫الطبيعة وما بعد التاريخ (الله وصفاته) وجهل مطبق بالطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫وذلك هو معنى قلب فصلت ‪ .53‬حقيقة القرآن في آيات الله التي يرينها في الآفاق‬ ‫والانفس‪ .‬يهملون عالم الشهادة وينشغلون بعالم الغيب المجهول بالطبع‪.‬‬‫وفي غياب ما يحتكم اليه عقليا لم يبق لحسم الخلافات إلا القتال بعد فشل الجدال‪ :‬علة‬ ‫كل الحروب الأهلية التي فتتت الأمة فصارت قابلة للاستعمار‪.‬‬‫وفي هذه الحالة لن يكون القلب أو الاعراف (الدستور) التي تنتظم بها الحياة في القول‬ ‫والفعل أي ما يسمى بالأخلاق الموضوعية ذات انتظام ثابت‪.‬‬‫وهي جوهر النكوص إلى جاهلية البداوة‪ :‬إما عادات جامدة أو تحكم الأقوياء ولا سلطان‬ ‫لقانون خلقي أو سياسي يحتكم إليه الناس رمزا لإرادة الجماعة‪.‬‬‫لا وجود لـ\"دستور\" مصدره المرجعية وما تجمع عليه القوى السياسية بوصفه الحد الأساسي‬ ‫من المشترك مقوما لهوية الجماعة القيمية المنظمة لخلافاتها‪.‬‬‫فيجمع النظام بين نوعي اللاعقل‪ :‬جمود التقاليد أو دكتاتورية اللاوعي الجمعي وتحكم‬ ‫الأقوياء أو دكتاتورية النزوات السلطانية‪ :‬نكوص جاهلية البداوة‪.‬‬ ‫‪29 17‬‬

‫وعندئذ لن تكون الهيئة الحاكمة مؤلفة بمعايير أهلية الحكم والقدرة على أداء ما‬ ‫تقتضيه الوظائف السياسية من واجبات بل بمعايير الحرب على السلطة‪.‬‬‫وقد رأيت ذلك عمليا في تكوين حكومة الثورة الأولى‪ .‬توزيع السلطة في الوزارات لم‬ ‫يخضع لمعايير الأهلية فالجميع لم يسبق أن شارك فيما يعد لها‪.‬‬‫فكان المعيار إما الوزن في صراع السلطة أو القرابة أو آراء من لهم وزن في القوة السياسية‬ ‫التي انتخبت وغابت معايير الاهلية لعدم التأهل المتدرج‪.‬‬‫والتأهل المتدرج في حديث الدول يبدأ من أدنى سلم السلطة إلى أسماه أي الهيئة‬ ‫الحاكمة (السلطة التنفيذية) مع تكوين نظري وعملي دال على الكفاءة‪.‬‬‫والهيئة الحاكمة عديمة الأهلية أساسها صارع القوى في الحزب الحاكم والوساطات‬ ‫والقرابات تفسد وظائف الدولة‪ :‬الاستبداد يفسد \"معاني الإنسانية\"‪.‬‬‫وتفسد وظائف الرعاية أولا‪ :‬يفسد التكوين لأن من ليس أهلا للحكم لا يعنيه التكوين‬ ‫فتفسد التربية والمجتمع ولا تكون الاجيال المبدعة لشروط القيام‪.‬‬‫فإذا فسد التكوين استحال انتاج التموين أي التموين الرمزي (العلوم والفنون)‬ ‫والتموين المادي (الاقتصاد وشروط العيش)‪ :‬فتنهار وظيفة الرعاية‪.‬‬‫وعلامة انهيارها عدم وجود الجهاز العصبي للتكوين والتموين أي البحث العلمي في‬ ‫الجماعة التي وصلت مقومات صورتها الخمسة إلى ما وصفنا لحد الآن‪.‬‬‫وعندما تفسد الرعاية تستحيل الحماية فتفسد هي بدورها‪ :‬تفسد الحماية الداخلية أي‬ ‫القضاء والأمن ثم تفسد الحماية الخارجية أي الدبلوماسية والدفاع‪.‬‬‫وهنا أيضا يوجد جهاز عصبي للحماية مثل جهاز الرعاية العصبي‪ :‬فوظيفة البحث العلمي‬ ‫في هذه تناظرها وظيفة الاستعلام السياسي في تلك‪ :‬فساد المخابرات‪.‬‬‫وهكذا تنعدم الرعاية والحماية وتصبح الدولة أو صورة العمران \"ضيعة\" مافيا تحلب‬ ‫الشعب وتفقره وتنفصل عنه لأنها طبقة استعمارية يحميها الاستعمار‪.‬‬‫فتكون مخابراتها أو جهازها العصبي السياسي أداة استبداد على الجماعة وليست أداة‬ ‫حماية لها ويصبح بحثها العلمي علوما زائفة للتلهية الإيديولوجية‪.‬‬ ‫‪29 18‬‬

‫فيجمع على الأمة نوعا الطاغوت‪ :‬الروحي والسياسي‪ .‬وهذا هو النوع الأول من‬ ‫الكاريكاتور كاريكاتور الإسلام والتأصيل الذي حرف الدين والسياسة في آن‪.‬‬ ‫‪29 19‬‬

‫الفصل الخامس والأخير موضوعه كاريكاتور الحداثة‪ .‬وهو أكثر تعقيدا من كاريكاتور‬ ‫الأصالة‪ .‬لكن للكاريكاتورين نفس الخاصية النظرية‪ :‬العلوم الزائفة‪.‬‬‫ومن أراد أن يفهم العلاقة بين الكاريكاتورين فيكفيه أن يدرس النظام الإيراني فهو‬ ‫الجمع التام للكاريكاتورين‪ :‬دولة ذات وجهين شكلي وفعلي‪.‬‬‫الكاريكاتور الحداثي له شكل الدولة الحديثة ولا سلطان حديث له‪ .‬والكاريكاتور‬ ‫الأصولي له السلطان كدولة اسلامية ولا إسلام أصيل فيها بل جاهلية‪.‬‬‫والشكل الحداثي لا سلطان له لكن له أدوات الدولة الحديثة في خدمة الدولة الإسلامية‬‫الكاريكاتوريتين‪ :‬روحاني وخامنئي كاريكاتوران حديث وأصيل ويلتقيان في حرس الثورة‪:‬‬‫فهو رمز فاشية للقمع تعمل بأدوات دولة حديثة وتتدثر بدولة أصيلة للأدلجة‪ .‬وهو الجمع‬ ‫بين كاريكاتوري الحداثة والأصالة‪.‬‬‫والدول السنية تنقسم إلى قسمين في استعمال هذه الخطة الجامعة بين الكاريكاتورين‪:‬‬ ‫‪ -‬نموذج ابن علي في دولة لها كفاءات حديثة هي واجهة لا سلطان لها‬‫‪ -‬ونموذج ثان تغيب فيه الكفاءات الوطنية للواجهة فتستورد من الغرب أو من بلاد‬ ‫العرب ويكون السلطان الحقيقي مثل نموذج ابن علي‪ :‬مافيا محمية غربيا‪.‬‬ ‫حال المقومات الخمسة في بنية الدولة (صورة العمران) في الكاريكاتور الحداثي‪:‬‬ ‫‪ .1‬المرجعية‬ ‫‪ .2‬القوى السياسية‬ ‫‪ .3‬الهيئة الحاكمة‬ ‫‪ .4‬وظائف الرعاية‬ ‫‪ .5‬وظائف الحماية‬ ‫‪29 20‬‬

‫سأعود لتعين الجمع بين كاريكاتوري التأصيل والتحديث في نظام إيران فله شكل حديث‬ ‫كاريكاتوري هو الحكومة وشكل أصيل كاريكاتوري هو وصاية الملالي عليها‪.‬‬‫إن السنة تنقسم أنظمتها إلى وضعية تونس في عهد ابن علي وعرب الخليج قبل أن تبدأ‬ ‫في الاعتماد على كفاءاتها الوطنية كما تبين الأزمة الحالية‪.‬‬‫وقد يتهددها الاتجاه نحو حل ابن علي‪ :‬حكومة حديثة واجهة‪ ،‬وراءها حكومة فعلية لا‬ ‫تخضع لمعايير الدولة الحديثة ولا لمعايير الدولة الإسلامية‪.‬‬‫ذلك أنه ليس من اليسير التخلص من ثقل التاريخ والتراث وفهم العلاقة المتينة بين‬ ‫القيم القرآنية والقيم الحديثة إذا تحررتا من الكاريكاتورين‪.‬‬‫فإذا فهما المثالين ‪-‬نظام الملالي ونظام ابن علي‪-‬سنفهم الفصام الدائم فالمقومات الخمسة‬ ‫متأرجحة بين الكاريكاتورين وجامعة بينهما بالتلفيق‪.‬‬‫سأعود لنظام الملالي وعلي الآن أن احلل نوعي الجمع بين الكاريكاتورين في أنظمة السنة‬ ‫من خلال نموذج ابن علي وبقية الأنظمة القبلية العسكرية‪.‬‬‫نظام ابن علي له مرجعيتان وشكلا القوة السياسة ودستوران وحكومتان ونوعان من كل‬ ‫وظيفة من وظائف الدولة العشرة بحسب الازدواجات المتقدمة عليها‪.‬‬‫وما هو صريح عند ابن علي متفاوت الصراحة عند بقية الانظمة العربية‪ .‬والازدواج‬ ‫علته نوعي المخاطب‪:‬‬ ‫‪ -‬أساس الشوكة في الداخل‬ ‫‪ -‬وأساس الشرعية في الخارج‪.‬‬‫يحتاج الحاكم العربي لكاريكاتور الأصالة في الداخل ليخادع الشعب ويحمي الشوكة‬ ‫(طاعة ولي الأمر) ولكاريكاتور الحداثة في الخارج ليرضى عنه حاميه‪.‬‬‫فهي جميعا نسخة معدلة من نظام الملالي رغم أن السنة ليس فيها ما يؤسس لهذا النظام‪:‬‬ ‫والحل تواز بين حكومتين‪ :‬واحدة في القصر والثانية في القصبة‪.‬‬‫والسلطة الفعلية بيد الحكومة التي في القصر والواجهة الشكلية بيد الحكومة التي في‬ ‫القصبة‪ :‬مشكل تونس الحالي وعدم استقرارها مرده للتنافس بينهما‪.‬‬ ‫‪29 21‬‬

‫السبسي يسعى لإعادة نفس الآلية‪ :‬حربها مع الحبيب الصيد فكانت الأزمة الأولى ويجد‬ ‫نفسه الآن في نفس الوضعية مع يوسف الشاهد‪ .‬كلاهما خرج عن طوعه‪.‬‬‫وهذا ليس صحيا وهو ناتج عن عيب في الدستور نبهت اليه من تصور تونس بريطانيا فإن‬ ‫وجوده دليل على أن الثورة وضعت إصبعها على الدمل وعليها بطه‪.‬‬‫لكن الداء عام‪ :‬هو علني في إيران وقد كان علنيا في تونس وهو بمستويات مختلفة موجود‬ ‫في كل بلاد العرب‪ .‬والثورة ستحسمه بالتداول الديموقراطي‪.‬‬‫قدمنا الكلام على الازدواج بين الكاريكاتورين في المقومات الخمسة وعللنا الحاجة إليه‬ ‫وضربنا مثال إيران وتونس مع التعاكس في ظاهر السلطان‪.‬‬‫فظاهر السلطان الفعلي ديني في إيران وعلماني في تونس‪ .‬وذلك إيهام الحالتين‪.‬‬ ‫فالسلطان الفعلي هو بيد مافية الشوكة‪ :‬داخلية ابن علي وحرس الخميني‪.‬‬‫ورغم أن ذلك يبدو أقل ظهورا من دور الجيش في مصر وسوريا وليبيا والجزائر والعراق‬ ‫سابقا فإنه من نفس الجنس‪ :‬من بيده الشوكة هو الحاكم الفعلي‪.‬‬‫فيكون كاريكاتور التأصيل لظاهر الشرعية في الداخل وكاريكاتور الحداثة لظاهرها في‬ ‫الخارج‪ :‬لكن الحكم الفعلي في كل الحالات لا هو أصيل ولا هو حديث‪.‬‬‫إنه كاريكاتور دولة حكم محمية في وجهها الخارجي وحكم مافية في وجهها الداخلي‬ ‫والصفة الأولى بحاجة لظاهر الحداثة والصفة الثانية ظاهر الاصالة‪.‬‬‫وسأقصر كلامي اللاحق على بيان دقيق لكاريكاتور الحداثة في المرجعية والقوى السياسية‬ ‫وما يقوم مقام الدستور والهيئة الحكمة ووظائف الدولة العشر‪.‬‬ ‫فما مرجعية نظام ابن علي الذي اخترناه نموذجا لكاريكاتور التحديث؟‬ ‫اكتشف ابن علي ومن معه من اليساريين والقوميين الذين حاربوا ابن علي أمرين‪:‬‬ ‫‪ -‬جرأة بورقيبة على التقاليد‬ ‫‪ -‬وعدم ذهابه إلى العلمنة الصريحة‬ ‫فاختاروا حلا يجمع بين النفاق الديني والعلمنة الصريحة التي سموها تجفيف المنابع‪.‬‬ ‫‪29 22‬‬

‫وهو عين ما ينصح به العتيبي السعودية ما قبلت له عندما استجابت لأوامر ترومب‬ ‫بتكوين مركز الحرب على التطرف ومراجعة نظامها التربوي بإشرافهم‪.‬‬‫ولا حل إلا بما يجربونه حاليان في الإمارات‪ :‬إعادة دين الدراويش للنفاق الشعبي لأن‬‫الدين شعبيا كما في النظرية الشيعية هو الخرافة المنومة وهو الحل الباطني‪ .‬والمعلوم أن‬‫الخرافة والمشعوذين عادوا رغم الحرب على الإسلام مظاهره ودوره في الحياة العامة بقيادة‬ ‫اليسار خادم نظام ابن علي‪.‬‬‫وفي الحقيقة هذا هو السائد في كل الأنظمة العربية التي تدعي الحداثة‪ .‬ما يراد اليوم‬ ‫هو تعميم ذلك خاصة في السعودية لتجمع بين الكاريكاتورين‪.‬‬‫كانت تابعة لكاريكاتور التأصيل الذي يتهم بالإرهاب والآن يقترحون عليها كاريكاتور‬ ‫التحديث وهو موجود بعد عند من يسمون ليبراليين وهم متخلفون‪.‬‬‫هم من جنس يسار تونس والمغرب العربي عامة ومصر والانظمة العسكرية عامة‪:‬‬ ‫علمانيين شعاريا وبدو حقيقا لأنهم أكثر الناس عبادة للاستبداد والفساد‪.‬‬‫فينتج عن ذلك الحاجة إلى نوعين من القوى السياسية‪ :‬الكمبارس اليساري المعارض‬ ‫الذي \"يبيض\" وجه النظام والحزب الحاكم الذي يتألف من عملاء الداخلية‪.‬‬‫هؤلاء لمراقبة المواطنين وأولئك للفترينة‪ .‬أما الدستور فهو أكثر تقدمية من دستور أي‬ ‫دولة ديموقراطية لكن على الورق فحسب‪ .‬الواقع هو اللاقانون‪.‬‬‫الهيئة الحاكمة تكلمنا عليها‪ :‬حكومة في القصر هي الفاتقة الناطقة بأوامر ربها ابن علي‬ ‫وحكومة القصبة تدير الأمور حتى لا تنهار تحت ضربات المافية‪.‬‬‫أما الوظائف‪ :‬الاستعلام لقهر المواطن‪ .‬البحث العلمي أوراق خاوية للترقية في الطبل‬ ‫والزمر والوظائف الثمانية الباقية كلها أدوات فساد واستبداد‪.‬‬‫وعدت بالعودة إلى نظام الملالي‪ .‬لكن ذلك لن يكون في هذه المجموعة‪ .‬قد أخصه ببحث‬ ‫معمق في مقبل الأيام‪ .‬لكني قلت أهم شيء‪ :‬خلطة بين الكاريكاتورين‪.‬‬‫كاريكاتور الحداثة قشرة خارجية لم تؤثر في بدائية عميقة هي المحرك الفعلي لحداثيي‬ ‫العرب الذين هم أكثر تخلفا وجمودا من كاريكاتور الاصالة‪.‬‬ ‫‪29 23‬‬

‫ولعل أفضل دليل هو علاقة هذه الطائفة بالمرأة‪ :‬فهم أكثر بدائية في هذه العلاقة حتى‬ ‫من أكثر السلفيين تزمتا‪ .‬لذلك فجلهم في صراع دائم مطلاقون‪.‬‬‫والدليل الثاني هو أنهم حلفاء الاستبداد والفساد في صنفي الانظمة القبلية والعسكرية‬ ‫وجلهم \"بصاصون\" على من يخالفهم الرأي يحرضون عليهم الحكام‪.‬‬‫وأنوي تقديم محاضرة في ملتقى حول الليبرالية والإسلام بعنوان \"الذاتية والحداثة\" في‬ ‫اسطنبول أعرض فيه علل انتسابها إلى الكاريكاتورين لا غير‪.‬‬ ‫‪29 24‬‬

‫في كلامي على الكاريكاتورين من الإسلام (أدعياء التأصيل) ومن الحداثة (أدعياء‬ ‫التحديث) وصفت نظام الملالي بالتجسيد الفعلي للجمع بينهما‪.‬‬‫لكني بينت أن جميع الانظمة في الإقليم هي في الحقيقة من هذا الجنس لكنها بخلاف نظام‬ ‫الملالي تفعل بسبب كونها محميات ينافق حكامها الداخل والخارج‪.‬‬‫نظام الملالي لا يفعل لمنافقة الداخل والخارج بل لعلل عقدية في الظاهر وقومية في‬ ‫الباطن ومن ثم فالظاهرة قديمة بقدم توظيف التشيع منذ نشأته‪.‬‬‫فتبني الباطنية للفكر الفلسفي في الباطن وللفكر الشيعي في الظاهر كانت الطريقة التي‬ ‫تهدم الإسلام بالعقل والنقل في آن ويتحدان في مفهوم التعليمية‪.‬‬‫لذلك فلما وعدت بالعودة إلى نظام الملالي كان قصدي البحث في العلاقة بين هذا‬ ‫الاستراتيجية القديمة ومحاولة ابن خلدون تجاوزها بمفهوم عدم التأثيم‪.‬‬‫والكثير لا يعلم أن ابن خلدون لم يكن غافلا عن العلاقة بين هذه الخطة وطرق اختراق‬ ‫الإسلام اللطيفة (السلاح الرمزي) سأورد نصه حول تشييع التصوف‪.‬‬‫كما أن الغزالي بيّن في فضائح الباطنية كيف أن الفلسفة حرفت ووظفت لهذه الغاية أي‬ ‫لتأسيس مفهوم التعليمية أو الحق الإلهي في الحكم المعصوم‪.‬‬ ‫فما يراد تحريفه‪:‬‬ ‫‪-1‬نظرية الحكم (فضائح الباطنية)‬ ‫‪ -2‬ونظرية التربية (تحريف التصوف)‬ ‫لإعادة الحق الإلهي في الحكم والكنسية اللذين ألغاهما الإسلام‪.‬‬‫هذا هو التشيع بوصفه حربا على الإسلام بتحريفه ثم أضيف إليه الشكل الحديث من‬ ‫التحريف‪ :‬بما يترتب عليهما من إفساد للاجتهاد والجهاد في الإسلام‪.‬‬ ‫‪29 25‬‬

‫وأصابت العدوى الفكر السني الذي آل إلى نفس المنطق وإن بدا حربا عليه فأعاد‬ ‫الكنسية والحق الطبيعي في الحكم‪ :‬حلف بين السيف والقرآن أو الوهابية‪.‬‬‫التشيع والوهابية متلازمان رغم أن هذه ثورة على مفعوله التوثيني للعقائد الإسلامية‪:‬‬ ‫قراءة محرفة للإسلام بوثني رمزي (التشيع)ومادي (الوهابية)‪.‬‬‫فالكنسية الشيعية والوهابية تفسدان التربية الإسلامية والحق الإلهي‪ ،‬والحق الطبيعي‬ ‫لأولي الأمر يفسدان الحكم الإسلامي فيفسدان الاجتهاد والجهاد‪.‬‬‫فالإسلام يحقق بعدي الإنسان مستعمرا في الأرض ومستخلفا بالاجتهاد للعلم والجهاد‬ ‫للعمل فرض عين على جماعة حرة من الكنسية والحق الإلهي في الحكم‪.‬‬‫لا حاجة للكلام على التعليمية أو توظف الفلسفة لتحريف نظرية الحكم وفرض نظرية‬ ‫الإمام المعصوم‪ .‬سأكتفي بنص تشييع التصوف لتحريف نظرية التربية‪.‬‬‫نص ابن خلدون طويل بعض الشيء لكن إيراده ضروري لفهم ما يجري‪( :‬ثم إن هؤلاء‬‫المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس‪ ،‬توغلوا في ذلك‪ ،‬فذهب‬‫الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه‪ ،‬وملأوا الصحف منه‪ ،‬مثل الهروي‪ ،‬في‬‫كتاب المقامات له‪ ،‬وغيره‪ .‬وتبعهم ابن العربي وابن سبعين وتلميذهما ثم ابن العفيف وابن‬‫الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم‪ .‬وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من‬‫الرافضة الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة‪ ،‬مذهبًا لم يعرف لأولهم‪ ،‬فأشرب كل واحد‬‫من الفريقين مذهب الآخر‪ .‬واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم‪ .‬وظهر في كلام المتصوفة‬‫القول بالقطب‪ ،‬ومعناه رأس العارفين‪ .‬يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في‬‫المعرفة‪ ،‬حتى يقبضه الله‪ .‬ثم يورث مقامه الآخر من أهل العرفان‪ .‬وقد أشار إلى ذلك‬‫ابن سينا في كتاب الإشارات‪ ،‬في فصول التصوف منها‪ ،‬فقال‪ \" :‬جل جناب الحق أن يكون شرعة‬‫لكل وارد‪ ،‬أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد\"‪ .‬وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقلية‬‫ولا دليل شرعي‪ ،‬وإنما هو من أنواع الخطابة‪ ،‬وهو بعينه ما تقوله الرافضة في توارث‬‫الأئمة عندهم‪ .‬فانظر كيف سرقت طباع هؤلاء القوم هذا الرأي من الرافضة ودانوا به‪.‬‬‫ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال بعد هذا القطب‪ ،‬كما قاله الشيعة في النقباء‪ .‬حتى إنهم لما‬ ‫‪29 26‬‬

‫أسندوا لباس خرقة التصوف‪ ،‬ليجعلوه أصل ًا لطريقتهم ونحلتهم‪ ،‬رفعوه إلى علي رضي الله‬‫عنه‪ ،‬وهو من هذا المعنى أيضًا‪ .‬وإلا فعلي‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬لم يختص من بين الصحابة‬‫بنحلة ولا طريقة في لباس ولا حال‪ .‬بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما‪ ،‬أزهد الناس‬‫بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة‪ .‬ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء‬ ‫يؤثر عنه على الخصوص‪ ،‬بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة‪.‬‬‫تشهد بذلك سيرهم وأخبارهم‪ .‬نعم إن الشيعة يخيلون بما ينقلون من ذلك اختصاص‬‫علي بالفضائل دون من سواه من الصحابة ذهابًا مع عقائد التشيع المعروفة لهم‪ .‬والذي‬‫يظهر أن المتصوفة بالعراق‪ ،‬لما ظهرت الإسماعيلية من الشيعة‪ ،‬وظهر كلامهم في الإمامة وما‬‫يرجع إليها ما هو معروف‪ ،‬فاقتبسوا من ذلك الموازنة بين الظاهر والباطن وجعلوا الإمامة‬‫لسياسة الخلق في الانقياد إلى الشرع‪ ،‬وأفردوه بذلك ألا يقع اختلاف كما تقرر في الشرع‪.‬‬‫ثم جعلوا القطب لتعليم المعرفة بالله لأنه رأس العارفين‪ ،‬وأفردوه بذلك تشبيهًا بالإمام في‬‫الظاهر‪ ،‬وأن يكون على وزانه في الباطن وسموه قطبًا لمدار المعرفة عليه‪ ،‬وجعلوا الأبدال‬ ‫كالنقباء مبالغة في التشبيه‪ .‬فتأمل ذلك‪.‬‬‫يشهد بذلك كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي‪ ،‬وما شحنوا به كتبهم في ذلك‪ ،‬مما ليس‬‫لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات‪ ،‬وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة‬ ‫ومذاهبهم في كتبهم‪ .‬والله يهدي إلى الحق‪).‬‬ ‫(الباب السادس الفصل السابع عشر)‬‫وبجملة واحدة يمكن القول إن الأمر الذي حصل للتصوف وهو باق‪ ،‬تضاعف باختراق‬ ‫حركات الجهاد في عصرنا‪ :‬فقد اخترقتها طرق الحشاشين لتشويه الجهاد‪.‬‬‫وبذلك حصل الكلوناج في حركات الجهاد السنية ظاهرها وهابي وباطنها حشاشي كما‬ ‫حصل الكلوناج لحركات الزهد ظاهرها زهد سني وباطنها رافضة اسماعيلية‪.‬‬‫والانزلاق الذي ييسر الاختراق بين‪ :‬فالهروي من أيمة الحنبلية لكن كتاباته قابلة‬ ‫لقراءة حلولية كما يشرحها التلمساني رغم استدراكات ابن القيم‪.‬‬ ‫‪29 27‬‬

‫فتوظيف التصوف قديما وتوظيف الجهاد حديثا لاختراق السنة الباطني خطة شيطانية‬ ‫تهدمها بإفساد التربية والحكم نتيجتين لتحريف الاجتهاد والجهاد‪.‬‬‫وهذه الخطة نراها اليوم تجري في وضح النهار‪ :‬تباشرها دولة الملالي ومن يخدم ركابها‬ ‫من العرب المخترقين دولا ومليشيات ونخب بوعي أو بغير وعي‪.‬‬‫وبيان هذه الخطة هي معركتي الأولى منذ ما ينيف عن ثلاثة عقود‪ .‬لكن العرب لا‬‫يقرأون ولا يتعظون‪ .‬ودهاء الخطة الباطنية أنها تطبق منطق الجيدو‪ .‬فهي تستعمل قوة‬‫عدوه ضده‪ :‬فالسلفية القديمة (ابن حنبل) والمحدثة (ابن تيمية) ترفض توثين العقائد‬ ‫وتحرر الإسلام من الكنسية والحق الإلهي في الحكم‪.‬‬‫لكنها بحكم عموم الأمية الفلسفية بعد أن أهملت أعماق الإصلاح التيمي آلت إلى‬ ‫الوهابية التي هي عودة إلى فرعونية الأمراء وهامانية العلماء‪.‬‬‫لم ترد على الباطنية بالإسلام أي بإلغاء الكنسية والحق الإلهي بل بالعودة إلى شكلهما‬ ‫البدائي‪ :‬حلف يرفضه القرآن في آل عمران‪ :‬حلف المصحف والسيف‪.‬‬ ‫لماذا يرفضه القرآن؟‬ ‫أليس الاجتهاد والجهاد هما سلاحاه؟‬‫يرفضهما عندما لا يكون السيف شرعيا أي سيف جماعة تعتبر رعاية الشأن العام فرض‬ ‫عين‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن القرآن يحتاج إلى سيف شرعي يكون من يتولاه هو من عينته الأمة خادما‬ ‫لها وليس مستخدما ومن ثم فهو خاضع للشورى ‪ :38‬أمر الجماعة‪.‬‬‫أما إذا أصبح السيف خاضعا للحق الطبيعي أي سيف المتغلب وليس سيف إرادة الجماعة‬ ‫الحرة فهو من جنس الإمام المعصوم في التشيع سلطانه فوق القرآن‪.‬‬‫لذلك فلا فرق بين التشيع والوهابية‪ .‬والاخوان إذا جعلوا المرشد في منزلة الولي الفقيه‬ ‫فهم أقرب إلى التشيع من الوهابية‪ :‬العدوى أصابت السنة كلها‪.‬‬‫والعلة العلوم الزائفة وعدم الاستفادة من المدرسة النقدية التي مهدت الطريق لإصلاح‬ ‫علوم الأصول الخمسة‪ :‬الكلام والفلسفة والفقه والتصوف والتفسير‪.‬‬ ‫‪29 28‬‬

‫وأختم بالقول إن ذلك لا ينفي أن كاريكاتور التأصيل سنيا كان أو شيعيا له كذلك نفس‬ ‫هم كاريكاتور التحديث‪ :‬بمعنى أنهما لهما هم نموذج ابن علي‪.‬‬‫فعدم الشرعية التي يحددها القرآن في نظرية الدولة لعدم حيازتها شروط المناعة‬ ‫والحصانة يجعل هذه الدول محميات بحاجة لوجهين متقابلين كلاهما كاذب‪.‬‬‫لا بد من نفاق الأصالة للداخل لتمرير كل الشناعات باسم الخصوصية والإسلام ونفاق‬ ‫الحداثة للخارج لتمرير كل الشناعات باسم الكونية والحداثة‪.‬‬‫ولهذه العلة جمعت الأنظمة والنخب في دولنا بين عيوب التاريخ الذاتي وعيوب التاريخ‬ ‫الغربي‪ :‬أخذوا من الغرب ومن الماضي الذاتي أفسد ما فيهما‪.‬‬‫فاجتمع في فكرنا وممارستنا كأخلاق موضوعية ما وصفه ابن خلدون بفساد معاني‬ ‫الإنسانية وذلك هو المقصود بالكاريكاتوريين التأصيلي والتحديثي‪.‬‬ ‫‪29 29‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook