أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
ما القصد بوظيفة الرعاية؟القرآن الكريم رمز إليها بـ{أطعمهم من جوع} .كما رمز إلى وظيفة الحماية بـ{آمنهم من خوف\"} .سنتجاوز الرمزين إلى حقيقتهما.والتجاوز يأتي من أننا تكلمنا على وظيفتي الدولة قبل ذلك بمفهومين هما التربية والحكم .ودلالة مفهوم التربية هو الناقل من الرمز إلى الحقيقة.فالتربية من الربو وهو بدني قبل أن يكون روحيا .ومن ثم فالتربية تتعلق بالربو البدني والنضوج الروحي الذين هما جوهر رعاية الجماعة للفرد الإنساني.والانثروبولوجيا تبين أن الطفل الإنسان أحوج الاطفال في عالم الأحياء للرعاية :يبقى تسعة أشهر يغتذي بتوسط أمه ولا يتكلم إلا بعد ضعفي هذه المدة.فيكون ربو البدن (ليغتذي بحصيلة العمل الإنساني) وربو الروح (ليتكلم ويعلم حصيلة النظر الإنساني) مشروطين بوجود جماعة تنظم هذه العملية بمؤسسات.لكن وجود الجماعة نفسها مؤسسة تسهم بكاملها فيها فيكون مفهوم التربية البدنية والروحية حاصلا في الجماعة نفسها وفي مؤسسات خاصة بها :نوعا التربية.التربية عملية معقدة تجري في المجتمع ككل وهي التربية اللانظامية أو بمجرد العيش في الجماعة ثم التربية النظام التي تقع في مؤسسات مختصة فيها.وهذه العملية البدنية والروحية التي تجري في المجتمع ككل (تربية لا نظامية) وفي المؤسسات المختفة (نظام المدارس) هي للتكوين وتحصيل خبرة البشرية. والتكوين وتحصيل خبرة البشرية بالتربية تحتاج إلى تموين بغذاءين: -أحدهما يتقدم فيه البدن (الاقتصاد) -والثاني تتقدم فيه الروح (الثقافة): 51
انتاجان.فالاقتصاد هو الانتاج المادي بضائع وخدمات لسد الحاجات المادية خاصة والثقافة هي الانتاج الرمزي بضائع وخدمات كذلك لسد الحاجات الروحية.فتكون العلاقة بين الانتاجين شديدة التعقيد تشبه علاقة البدن بالروح :فالاقتصاد مشروط بما تبدعه الثقافة من أدوات انتاج والخيارات الاستهلاكية.والثقافة مستحيلة من دون الثروة التي هي مردود الاقتصاد الممول للعمل الفكري الذي ينتج ادوات الانتاج بعلم الطبيعة والتاريخ (العلوم والفنون).والعلاقة بين الانتاجين الاقتصادي والثقافي متبادلة تبادل العلاقة بين التكوين والتموين :فالأجيال تكون لتكون الأجيال المنتجة لنوعي الغذاء.نوعا الغذاء للتموين أي ثمرة الانتاجين المادي والرمزي هما في آن ما به يكون الإنسان وما به يمون :فتكون أبعاد الرعاية أربعة فروع لأصل واحد.وهذا الأصل الواحد هو الجهاز العصبي للفروع الأربعة التكوينية والتموينية :إنه البحث العلمي والإعلام العلمي في الجماعة السيدة في رعاية نفسها.سأعود لتأصيل فروع الرعاية فرعا فرعا بعد أن أصل للحماية عامة كما أصلت للرعاية عامة وأعود إليها كذلك فرعا .فعلاقتهما ينبغي درسها من المنطلقين.فلا يمكن تخيل مجتمع إنساني قادر على تحقيق ما ذكرنا من وظائف الرعاية إذا لم يكن ذا نظام حكم يحقق شروط الأمن والسلم فيه لتحصل الرعاية.نحن إذن في علاقة دورية وسنكون أمام قضية مجانسة للبيضة والدجاجة لو كان المطلوب الترتيب الزماني بين الوظيفتين :هما متماهيتان دائما ومتناسبتان.فمن دون رعاية لا تستطيع الجماعة حماية نفسها ومن دون حماية نفسها لا تستطيع الجماعة رعاية نفسها :والأمم فاقدة السيادة هي المتسولة فيهما معا.وهذه حال كل الدول العربية والإسلامية حتى التي تبدو أغناها :فثراؤها ليس ثمرة إبداع نظري وعملي وهو لا يحقق لها الحماية بل يجعلها محميات. 52
والتناسب بين الرعاية والحماية المتصاحبتين ينتج عن إبداع الامة النظري والعملي لشروط الرعاية المادية والرمزية ومنها تستمد شروط الحمايتين.فإبداع الأمة النظري والعملي لشروط الرعاية لا يكون ممكنا بحق من دون حماية في الداخل بالقضاء والأمن وحماية في الخارج بالدبلوماسية والدفاع.فهذه العلاقة تنتسب إلى التاريخ المديد إذ كما رأينا فالرعاية تكوينا وتموينا تعني تربية أجيال وتغذيتها بثمرات الإبداعين.وهي كذلك علاقة دورية :كلما كان الغذاء المادي والروحي إبداعيا كانت الاجيال أقدر على الإبداع النظري والعملي المنتجين للغذاءين :التراث والثروة.وهذا لا يحصل بين عشية وضحاها وحتى إذا حصل لا شيء يضمن بقاؤه إذا لم تكن الامة قادرة على حمايته من النزاعات الداخلية والصراعات الخارجية.فالتناسب بين الرعاية والحماية يمكن أن يقدر بكلفة هذه على تلك وتضحية تلك من أجل هذه .ومعناه أن كلفة وظائف الحماية جزء من كلفة الانتاجين.وإذا كان الانتاجان تابعين للقطاع الخاص فإن كلفة الحماية ينبغي أن تحسب على القطاع العام عن طريق الجباية التي تخصم من أرباح الانتاجين.فالقضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع وأصلها بوصفه جهازها العصبي أي الاستعلام والإعلام السياسي في الدولة جزءا من قاعدة الانتاج الأساسية.والقاعدة الأساسية بعد هذا المستوى الشارط لسلمية العيش المشترك نجد شروط التواصل والاتصال واساسيات الحياة الأولى أي الماء والغذاء والدواء.فعناصر القاعدة الأساسية هذه هي شروط الانتاجين اللذين هما شروط التموين الذي هو شرط التكوين والذي هو شرط الشروط في تواصل حياة الجماعة السيدة.وما سميته الجهاز العصبي لوظائف الحماية-الاستعلام والإعلام السياسي -جزء لا يتجزأ من الجهاز العصبي لوظائف الرعاية أي البحث والإعلام العلميين.فالدولة ككيان حام وراع تشبه الذات الطبيعية رغم أنها ذات معنوية وينبغي أن يكون عملها على علم بأحوال الجماعة نزاعاتها الداخلية والخارجية. 53
عند احصاء أبعاد القاعدة الأساسية للوجود المشترك السلمي عددت اربعة فروع دون أصلها :ذكرت الحماية والتواصل والمواصلات وشروط الحياة الأولى. فما هو أصلها وجهازها العصبي؟إنه ما يجعل تلك الجماعة جماعة ذات وحدة جغرافية شرطا لثروتها وتاريخها شرطا لتراثها ومرجعية هووية شرطا لوحدتها.وهذا الجهاز العصبي هو إذن كيان الدولة الحية بدنا وروحا أي أحيازها أعني جغرافيتها وتاريخها وثروتها وتراثها التي توحدها مرجعية مشتركة.والمرجعية المشتركة ليست أفكارا في الأذهان دينية كانت أو فلسفية بل هي معالم فعلية قائمة في الأعيان توحد مكانها وزمانها وثروتها وتراثها.وهي معالم قائمة تتجسم فيها ثروة الأمة المادية (المنجزات الاقتصادية والثقافية) وتراثها الرمزي (العلمي والفني) ثمرة جغرفة المكان وأرخنة الزمان.فجعل المكان جغرافيا يشبه العمارة والزمان تاريخا يشبه الرواية وهما عملان فنيان يعبران عن رؤية الجماعة لوجودها وتحقيقها في مكانها وزمانها.المرجعية هي هذا العلاقة بالمكان المجغرف والزمان المؤرخن بعمل الجماعة ليس المتساوقة بل أيضا المتوالية لأنها هي عين إرث هؤلاء عن أولئك.أما معتقدات الأمم دينية أو فلسفية فصورة ذهنية سابقة أو لاحقة للمعالم الماثلة في الوجود العيني .وبهذا المعنى فكل الأمم نصية ومعلمية دون تمييز.ولنأخذ كمثال نص القرآن فنحن نؤمن بانه كلام الله لكنه أيضا عبارة نصية عن المعالم التي تحدد المكان والزمان والثروة والتراث والمعتقدات.وفي القرآن المكان هو كل العالم والزمان كل تاريخ الإنسانية والثروة هي الاستعمار في الأرض والتاريخ هو الاستخلاف فيها والعقيدة كونية عالمية.ولهذه العلة كان القرآن والإسلام مخيفين لمن يريد أن يستعمر الكون بإيديولوجيا عبادة العباد للعباد وليس كما يريد الإسلام عبادة رب العباد. 54
وهذه هي المعركة الحالية :فالفتح في الإسلام كان شعاره التحرير من عبادة العباد بعبادة رب العباد فيحافظ على الشعوب وعدد الطبيعة والثقافة.وسنرى أن كلامه على وظائف الدولة حماية ورعاية لا يقتصر على قطعة من المكان والزمان بل هو يطبق نفس الأخلاق والقانون في الداخل والخارج.لكن العلوم الزائفة التي قلب أصحابها فصلت 53وتجرأوا على آل عمران 7ألغت كل ذلك لأنها أعادت ما ألغاه القرآن ليؤسس الحريتين الروحية والسياسية.وكل ما شرعت في كتابته بعد الثورة أصبح لصيقا بمطلب الإصلاح الشامل بخلاف ما كتبته قبلها يبدو أبحاثا فلسفة نظرية بعيدة عن هذا الهم الملتزم.لم أعد أبالي بالشكليات الأكاديمية وفضلت اختيار التعبير بالطريقة التي تمكن من التواصل مع الشباب الباحث عن فهم ما فرطت فيه الأمة فتدنت وذلت.قد أفهم كل العجائب إلا عجيبة أن تفسد في المسلم معاني الإنسانية كما وصفها ابن خلدون :فالمسلم إن لم يكن عزيزا وسيدا يكون قد هجر أخلاق القرآن.أغلب المسلمين وخاصة العرب منهم هجروا أخلاق القرآن بسبب العلوم الزائفة والاعمال الزائفة التي نتجت عن قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران .7 55
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 12
Pages: