أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
لما عرفت الدولة بأنها في كل العصور ذات الجماعة المتعينة لرعاية ذاتها وحمايتها لم أكن أجهل أن القرآن عرفها في من سورة قريش بما يرمز للوظيفتين.لكن رمز الوظيفتين القرآني -أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف-ليس كافيا بل لا بد من اكتشاف ما يكمن وراءه حتى يكون ذلك رعاية وحماية داخلية وخارجية.كان لا بد من تحديد طبيعة الرعاية الحماية في الداخل والخارج متعينة في أدوات ومؤسسات تضبطها نصوص قانونية أو عرف له نفس الوظيفة كعادات وتقاليد.وكان لابد من بيان أن ذلك بنية ثاتبة لمنظومة الوظائف رغم تغير الأعضاء التي تؤديها لأن هذه متطورة نحو المزيد من الفاعلية كما في الدولة الحديثة.وينبغي الكلام على تعين الجماعة ذات إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود (الأفعال الخمسة) لتؤدي هاتين الوظيفتين في الداخل والخارج :ذات معنوية.والذات المعنوية رغم أنها عديمة الكيان المادي من حيث هي ذات كالذات الطبيعية فهي \"روح\" كنفس الذات الطبيعية الممسكة بجسدها :الدولة فكرة.وغالبا ما تكون في آن رامزة لوعي الجماعة بكونها تلك الجماعة بعينها ومن ثم فلها صلة متينة بالهوية الجمعية وممثلة لعصارة تاريخ الجماعة ومجدها.وللتمثيل أذكر بما يقوم به اعداء الأمة لقتل فكرة \"الخلافة\" بعملية سحرية لقتل الروح بعد النجاح في العملية المادية لقتل البدن في الحرب الأولى.والعملية السحرية المعلومة هي إنشاء دمية من الفكرة -خلافة داعش -ثم غرزها بالدبابيس كما يفعل السحرة لقتل العدو رمزيا :داعش دمية للقتل الرمزي.وفي الحقيقة لم يلجا الأعداء لهذه العملية السحرية إلا لأن محاولات قتل الرمز بعد سقوط الخلافة العثمانية فشلت فشلا ذريعا :فشل المحميات القطرية. 41
بعد قرن من محاولات إضفاء الشرعية على الدويلات القطرية بقيت محميات ولم تنجح في بناء شرعيتها على تاريخ متقدم على الإسلام :عدم الاعتراف بها.وحتى عندما حاولوا تعويضها بما هو أوسع من الدول القطرية في الحركات التي تدعي القومية فإنها لم تنطل على أحد :كل مدع يردها لزعامة قطره.فكل بعثية أو ناصرية أو جدافية وهي في كل الحالات مجرد شعار للدعاية لزعامة لا تؤمن حتى بكرامة سكان قطرها لأنها قبلية أو طائفية متخفية.ويكفي أن تقرأ فلسفة \"الثورة\" الناصرية ذلك الكتاب الهزيل الذي جعل العرب والمسلمين مجالا حيويا لمصر حكاية لفاشية أوروبا ما بين الحربين.وباختصار فالرمز بقي هو المؤثر الأول في أذهان الأمة .والفضل للثقافة الدينية خاصة: فالقرآن استراتيجية دولة لدين كوني يحرر الإنسان روحيا وسياسيا.فوجب في كتابة الجلي في التفسير أن أطلب شروط هذا الكيان المعنوي الذي يمثل ذات الجماعة من حيث واعية وفاعلة إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا.ولم يكن الهدف من قراءة القرآن فلسفيا إضافة نوع جديد بل مراجعة الأنواع القديمة التي حسب رأيي عكست نصيحة فصلت 53فبحثت عن حقيقته في لغته.فصلت 53تقول إن المؤمنين ينبغي أن يطلبوا حقيقة القرآن ليس في نصه بل فيما أحال عليه نصه أي آيات الله في الآفاق والانفس بالبحث العلمي.ولما كانت الآفاق إما طبيعية أو تاريخية فإن البحث في قوانين الطبيعة وسنن التاريخ لا توجد في نص القرآن كما يتوهم دجالو الإعجاز العلمي.فالقرآن يحث المؤمنين على دراسة الطبيعة التي حدد طبيعة قوانينها (رياضية) والتاريخ الذي حدد طبيعة سننه (اقتصادية وسياسية :التربية والحكم).لكنه لم يعين هذه القوانين والسنن بل جعلها بذاتها تبرز هذه القوانين والسنن من خلال انتظامها أعني أدلة القرآن على فضل الله على العالمين.وعرف حقيقة القرآن المتجلية في آيات الآفاق والأنفس بأنها استراتيجية سياسية (أي تربية وحكم) لإعداد الإنسان لوظيفتيه :تعمير الأرض بقيم الاستخلاف. 42
وهذه مهمة الدولة بوصفها ذات الجماعة الواعية بشروط إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها لتحمي نفسها وترعاها في العالم داخليا وخارجيا.ومن ثم فلا يمكن تصور الإسلام من دون دولة .والدولة التي يعتبرها الإسلام شرطا في تحقيق استراتيجيته السياسية (تربية وحكم) حددتها الشورى .38وحتى يفصلها عن اختلاف الأديان بعدد صور الرب (الآلهة) وصلها مباشرة بالرب في الشورى 38كما وصل وحدة الرحم الإنساني بالربوبية في النساء .1فتكلمت الشورى 38على الذين استجابوا لربهم -يصح على جميع الاديان -ونسبت إليهم الامر محددة طبيعة السياسة تربية وحكما وانتهت بالإنفاق من الرزق.نسبة الأمر للجماعة يحدد مفهوم \"الروح\" الذي قلنا إنه فكرة الدولة :الروح هي الأمر. فحددت بذلك طبيعة النظام السياسي :أمر الجماعة =راسبوبليكا.ثم حددت أسلوب الحكم :شورى بين الجماعة .أي إنه شورى بينهم= ديموقراطية .فيكون روح الأمر وروح فعله=جمهورية ديموقراطية مشدود بين قطبين.القطب الأسمى هو ما يجعل الإنسان خليفة (الذين استجابوا ربهم) والقطب الأدنى هو ما يمكنه من تعمير الدنيا (الرزق والإنفاق بقيم الاستخلاف).وهذا هو ما تجمع الأنظمة المستبدة والفاسدة سواء كانت قبلية أو عسكرية في بلاد المسلمين مع الاستعمار وذراعيه وميليشياتهم المحاربة للإسلام.وتلك هي علة إقدامي على قراءة القرآن قراءة فلسفية لأن القرآن بخلاف أوهام من يعادون الفلسفة هو بالجوهر فلسفة دين وفلسفة تاريخ لا مثيل لهما.وهو فلسفة دين لأنه يميز بين الديني في الأديان التاريخية ويعتبره مقوما فطريا في كيان الإنسان أما الأديان التاريخية فيغلب عليها خسر التوظيف.والديني في كل دين هو جوهر الفطرة وهو الدين عند الله وهو الإسلام وهو شروط الاستثناء من الخسر أي مضمون سورة العصر الشروط الخمسة البينة.فالوعي بالخسر الذي ينتج عن توظيف الدين وتحريفه ينتج عنه القيام بما ينبغي للاستثناء منه وتلك هي الأعمال الأربعة المتفرعة عن الوعي في العصر. 43
فكل فرد أدرك مفعول الخسر يستثني نفسه منه بالإيمان والعمل الصالح .وكل جماعة أدركت مفعوله تتحرر منه بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.والترجمة السياسية (تربية وحكما) لهذه الأفعال الأربعة تكون أساس الدولة التي تنبني على الاجتهاد (التواصي بالحق) والجهاد (التواصي بالصبر).والاجتهاد ليس العملية السمجة التي حصر فيها أي اجتهاد الفقهاء لاستخراج الأحكام من النصوص بل هو كل اجتهاد علمي يبدع شروط تعمير الأرض :الرعاية.والجهاد ليس فزات بدائية لرد الفعل المتأخر بل هو مضمون الأنفال 60أعني شروط الحماية المغنية عن الحرب إلى عند الضرورة :إبداع شروط الحماية.فنكتشف المعاني المستهدفة من الحرب على الإسلام بوصفه روح الدولة التي تحقق الرعاية والحماية بالتربية والحكم اجتهادا وجهادا حرين ومبدعين.تلك هي غاية الغوص في استراتيجية القرآن لتحقيق شروط حرية الإنسان الروحية وحريته السياسية بتخليصه من الوسطاء فيهما معا لأن الأمر أمره.الحرب على الإرهاب هي لعبة الدمية والعلاج السحري :ولا بأس إن مكنهم ذلك في آن من تهديم معالم الحضارة الإسلامية ذات الرمز في الرعاية والحماية.فتهديم مساجد السنة ومدنهم التي ترمز مثلا لمقاومة الصليبية والباطنية ذو دلالة بينة لكل ذي بصيرة .فللموصل علاقة بتحرير القدس وهزيمة الصليبين.وللرقة نصيب هارون الرشيد دلالة على عظمة دولة الإسلام واحتلال القدس والاعداد لاحتلال الحرمين بـ\"سيسي\" او \"حفتر\" حاكما لسعودية نفس الدلالة.ومع ذلك فإن الرمز الذي أرادوا قتله ازداد عنفوانا .ذلك أنهم بينوا أن العرب لن تقوم لهم قائمة ما ظلوا محكومين بعملاء في أقطار هي محميات. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: