Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ما وراء العلاقة بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية - أبو يعرب المرزوقي

ما وراء العلاقة بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-08-13 18:06:00

Description: ما وراء العلاقة بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫ما وراء العلاقة‬ ‫بين الضرورة الشرطية والحر ية‬ ‫الشرطية‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪8 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪14 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪20 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪27 -‬‬ ‫‪ -‬خاتمة ‪34 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫في محاولة فهم نظرية المعرفة والقيمة التي ترفض القول بالمطابقة فتتخلص من ثم من‬ ‫سذاجة النظرية التي عاش عليها الفكران الفلسفي والكلامي في النظر والصوفي والفقهي‬ ‫في العمل وأصلها جميعا أي تفسير القرآن في حضارتنا وتفسير ما يناظره في أي حضارة‬ ‫أعني المرجعية المتعالية أرجعتها إلى علاقة مفهومين‪:‬‬ ‫‪ .1‬المفهوم الأول وضعه أرسطو وهو مفهوم الضرورة الشرطية مبدأ يفسر به الظاهرات‬ ‫الطبيعية وعليه تتأسس ميتافيزيقاه أساس القول بالمطابقة في نظرية المعرفة ونظرية‬ ‫القيمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬والمفهوم الثاني افترضت أن تجاوز ابن تيمية للقول بالمطابقة فيهما يقتضيه وهو مفهوم‬ ‫\"الحرية الشرطية\" بمعنى يحتاج إلى شرح وبيان أنه الصيغة الامثل لمفهوم الكسب الأشعري‬ ‫المحير‪.‬‬ ‫فإذا كان مفهوم \"الضرورة الشرطية\" أساسا لفهم الطبيعة فإن مفهوم \"الحرية الشرطية\"‬ ‫أساس لفهم التاريخ الإنساني‪ .‬ومعنى ذلك أن الضرورة الشرطية وحدها لا تكفي لفهمه‬ ‫لأنه لا يكتفي بالطبائع بل فيه الشرائع التي هي من وضع الإنسان وليست بالضرورة‬ ‫خاضعة للضرورة بل فيها خيارات غالبا ما تعارضها‪.‬‬ ‫وإذا نسبنا الضرورة الشرطية إلى الخلق الإلهي فطبعا لا يمكن ألا ننسب الحرية‬ ‫الشرطية إلى الخلق الإلهي بمعنى أن الذي خلق ما يسلك بقانون الطبيعة هو الذي خلق ما‬ ‫يسلك بسنة التاريخ‪ .‬وذلك فنسبة الحرية الشرطية للإنسان لا ينفي الخلق الإلهي مثلما‬ ‫أن نسبة الضرورة الشرطية إلى الطبيعة لا ينفي الخلق الإلهي‪ .‬وبيان ذلك يثبت سخافة‬ ‫الرؤية الاعتزالية لأفعال العباد وهو علة تفضيلي للرؤية الأشعرية‪.‬‬ ‫فكان هذا هو المستوى الأول لاستعمل المفهوم‪ .‬فهو يمكن من فهم خصومة المعتزلة‬ ‫والأشعرية حول أفعال العباد‪ .‬وهو بهذا المعنى ترجمة مفهومية أوضح لمفهوم الكسب‬ ‫الأشعري‪ .‬ولو كان مفهوم الحرية الاعتزالي يرضيني لما فضلت عليه مفهوم الكسب وصغته‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بلغة أوضح لأنه كان يعتبر من الأحاجي والألغاز لقصور في تحديد المفهومات ولعدم تحقق‬ ‫الرؤية التيمية في حقيقة المعاني الكلية التي يستعملها الفكر الإنساني والتي كانت تظن‬ ‫مقومات للأشياء وليست رموزا إنسانية للكلام فيها لا تختلف عن الألفاظ والكتابة‪.‬‬ ‫وحتى ندرك ما يضيفه هذا المفهوم لإيضاح مفهوم الكسب فلننطلق من مفهوم الضرورة‬ ‫الشرطية الذي وضعه أرسطو‪ .‬فهو يعني أن نظام الشيء يكون ضروريا إذا نظر إليه من‬ ‫حيث علاقة الحصيلة التي تعتبر غاية قبل حصولها وما أوصل إليها من علل فيكون حصولها‬ ‫ضروريا إذا طابق مجرى حصولها سلسلة عللها‪.‬‬ ‫هي إذن ضرورة شرطية بالغاية وبنظام العلل التي تحققها‪ .‬وذلك للمقابلة بين ما مجراه‬ ‫ذو نظام وما مجراه يحصل بالاتفاق والصدفة‪ .‬فيكون أرسطو وكأنه تخيل أن وراء الطبيعة‬ ‫نظاما ما هو الذي يجعل مجراها يقع ذلك الوقوع وهذا النظام قابل لأن يفسر بعلاقة العلة‬ ‫والمعلول أو بعلاقة الغاية والوسيلة‪.‬‬ ‫وفيه إذن‪ -‬وإن بغير قصد‪ -‬إسقاط لما يشبه نظام أفعال العقلاء‪ .‬فأفعال العقلاء تنطلق‬ ‫من الغاية وتعود إلى الوسيلة بمنطق التعليل‪ :‬فإذا كنت أريد كذا أطلب شرطه ثم شرط‬ ‫شرطه إلى أن أصل إلى الشرط الأول‪ .‬ثم منه أشرع في العمل‪ .‬ويصف أرسطو ذلك ‪-‬‬ ‫(وابن خلدون كذلك فصل ‪ 11‬في الفكر الإنسان الباب السادس من المقدمة) ‪ -‬بمنطق غاية‬ ‫الفكرة هي بداية العمل‪ :‬وذلك بمقتضى الضرورة الشرطية‪.‬‬ ‫لكن التماثل اللفظي بين أرسطو وابن خلدون يخفي فرقا جوهريا‪ .‬فالغائية والعلية‬ ‫الأرسطية تفترض ثلاثة مستويات في ميتافيزيقاه وسأفترض لها وسطين بين الأول والثاني‬ ‫ثم بين الثاني والثالث لتصبح مفهومة‪:‬‬ ‫‪ .1‬المحرك الأول أو العقل الكامل الذي لا علاقة له بالعالم‪.‬‬ ‫‪ .2‬نظام السماء ومحركاتها العقلية أو النظام المحاكي لنظام الكمال والسرمدية‪.‬‬ ‫‪ .3‬عالم الكون والفساد أو عالم ما دون القمر‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكما هو بين فإن هذه لأنطولوجيا المبنية على \"ثيولوجيا رمزها العقل وكسمولوجيا رمزها‬ ‫السماء\" لتأسيس الفيزياء تتضمن قيسا ضمنيا على العقل بعد إطلاقه واعتباره نموذجا‬ ‫يحرك بجاذبية النموذج لما يتحرك ليحاكيه لكأن العقل المحرك الأول هو المثال الأفلاطوني‬ ‫الوحيد الذي حافظ عليه أرسطو في نظرية الوجود والعالم‪ .‬والوسيطان اللذان اضطررت‬ ‫لوضعهما يوجدان ضمنيا في ميتافيزيقا أرسطو‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول للوصل بين المحرك الذي يحرك دون أن يتحرك وجهاز السماء أو العالم الذي‬ ‫تحركه عقول تحاكي العقل الأول فوق القمر‪.‬‬ ‫‪ .2‬الثاني للوصل بين حركة جهاز السماء وعالم الكون والفساد ذي المادة التي يتداول‬ ‫عليها الكون والفساد‪.‬‬ ‫لكن كل هذه المعاني ابن خلدون لا يحتاج إليها‪ .‬لماذا اعتبرت ابن خلدون في غنى عن هذا‬ ‫النظام الأرسطي مثله مثل ابن تيمية؟ لأن الرجلين يضعان فوق الضرورة الشرطية‬ ‫وكذلك الحرية الشرطية مفهوما يتعلى على كل الشروط إنه الحرية المطلقة التي تنسب‬ ‫إلى الخالق والآمر والتي لا توجد قبالتها ضرورة بالمعنى المعرفي ولا بالمعنى القيمي‪ .‬ومعن‬ ‫ذلك أن الشرطية في الضرورة وفي الحرية كلتاهما نسبية إلى المخلوقات ولا معنى لها عند‬ ‫الكلام على الخالق‪.‬‬ ‫ولو قايست بين الفنان المبدع والفنان المقلد لكان نظام العالم الأرسطي أشبه بإنتاج الفنان‬ ‫المقلد ونظام العالم الإسلامي أشبه بإنتاج الفنان المبدع‪ .‬والأول له مثال يحاكيه وهو‬ ‫مضطر بما يحاكيه والثاني يعمل بغير مثال وهو حر بإطلاق‪ .‬وقد كتب الفارابي في الموضوع‬ ‫فاعتبر الله يحاكي في الخلق نماذج في ذاته وهو حل وسط بين المشائية والإسلام‪.‬‬ ‫بعبارة قد تصدم أدعياء العقلانية فالنظام سواء كان طبيعيا أو تاريخيا يمثل \"إكراها\"‬ ‫خارجيا بالقياس إلى الإنسان لكنه لا معنى له بالنسبة إلى الله‪ .‬فبالقياس إلى الله الخالق‬ ‫والآمر‪-‬إن آمنا به‪-‬هو نتيجة لخياراته الحرة ولالتزامه به في حدود ما اختاره من نوع‬ ‫الالتزام وكلاهما مفتوح أمامه بلا تناه‪ .‬وإذن فالشروط تالية وليست سابقة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكان ديكارت أيضا يقول بما يشبه ذلك لأنه انتهى في الغاية إلى القول إن مبادئ العقل‬ ‫حتى هي فهي خيار حر لممكن يعود إلى الإرادة الإلهية وذلك القوانين الرياضية‪ .‬وإذن‬ ‫فعندنا حالتان‪:‬‬ ‫‪ .1‬الخالق والآمر وفاعليته الحرة بإطلاق بمعنى أنه فعال لما يريد فيقضي ويقدر بحرية‬ ‫مطلقة لاختيار من الممكن ما يرد‪.‬‬ ‫‪ .2‬والمخلوق وينقسم إلى ما يخضع للضرورة الشرطية (الطبائع) وما يخضع للحرية‬ ‫الشرطية (الشرائع)‪.‬‬ ‫والإنسان يخضع لهما معا ولفعل الضرورة الشرطية في الحرية الشرطية ولفعل الحرية‬ ‫الشرطية في الضرورة الشرطية ومن ثم فهو عينة منهما ومن تفاعلهما بالقياس إليها يمكن‬ ‫تحديد طرفي المشكل‪ :‬الشارط والمشروط بنوعيهما‪.‬‬ ‫فالشارط نوعان‪:‬‬ ‫• مطلق (الله)‬ ‫• ونسبي (الإنسان وهو معنى الخليفة)‪.‬‬ ‫والمشروط نوعان‪:‬‬ ‫• مطلق سلوك الطبيعة‬ ‫• ونسبي سلوك الإنسان‪.‬‬ ‫فيكون الإنسان نسبيا في شارطيته وفي مشروطيته بالإضافة إلى المخلوقات من حيث علاقتها‬ ‫باستخلافه‪ .‬ومن ثم فهو خاضع للحرية الشرطية إذ له قدرة استعمال الضرورة الشرطية‬ ‫بفضل إدراكه لقوانين سلوكها إذا افترض الشرط وعمل بمقتضاه أو غيره ببديل منه يوجه‬ ‫الضرورة بمقتضى قانونها‪.‬‬ ‫وبهذا يتبين أن ما تتميز به المدرسة التي سميتها نقدية هو ما به يقابل مفهوم الله في‬ ‫الإسلام مفهوم الله في الفلسفة اليونانية‪ :‬المسألة هي إذن مسألة ثيولوجية انثروبولوجية‬ ‫أو تابعة لنظرية الله وعلاقة الإنسان به‪ .‬كل فلاسفتنا ومتكلمينا وفقهائنا ومتصوفتنا بوعي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أو بغير وعي لم يدركوا هذا الفرق الجوهري بين الثيولوجيا الأرسطية والثيولوجيا‬ ‫القرآنية‪ :‬بين الله المحرك واللامبالي بالعالم والإنسان والله الخالق والآمر والمبالي‬ ‫بمخلوقاته وخاصة بالإنسان يكمن الفرق الأساسي في الرؤيتين‪ .‬لكن هذا الفرق يتعجل‬ ‫أدعياء العقلانية لرفضه بخرافتهم الانثروبولوجية أو الكسمولوجية فيستعملون حجتين‪:‬‬ ‫• واحدة انثروبولوجية ظهرت مع اليسار الهيجلي للرد على فلسفة هيجل التي يتباها‬ ‫اليمين الهيجلي لتأسيس ثورة \"سياسية\" لتحرير الإنسان من الإلهيات وهي القائلة إن‬ ‫الإنسان هو الذي خلق الله فكرة استكمالية لما ينقص ذاته (فكرة فيورباخية)‪.‬‬ ‫• والثانية كسمولوجية في الأصل ترد هذه المقابلة إلى خيار بين النظام والفوضى‬ ‫الوجودية‪ .‬لكنها صارت انطولوجية عند بعض الوجوديين الذين يزعمون للإنسان ما تقول‬ ‫بهذه الرؤية نسبة إلى الإله وهو ومعنى الوجود متقدم على الماهية بالمعنى السارتي‪.‬‬ ‫وليت من يردون عليهم يقفون عند هذا الحد بل هم يتبنون الرؤية الفيورباخية فيزعمون‬ ‫أن النظام الوجودي الذي يحرر من الفوضى الوجودية هو ما يدركه الإنسان من هذا العالم‬ ‫المادي بمعنى أنهم كما قال ابن تيمية يقولون برأي السوفسطائية دون القول بما احترزت‬ ‫فيه واعتبرته من الممكن اللامعلوم‪.‬‬ ‫فاحتراز السوفسطائية الذي يلي القول إن الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه هو‬ ‫أن كلامها يتعلق ما هو مـمكن للإنسان‪ .‬لكن الممكن بإطلاق قد يوجد فيه غير ذلك‪ .‬وهم‬ ‫إذن أفضل بكثير ممن يقول الإنسان مقياس كل شيء بتوهم نظرية المعرفة والقيمة‬ ‫المطابقة لأنه بذلك يطلق القول برد الوجود إلى ما ندركه منه‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالمشكل كله يرد إلى مفهوم الله أو الرب (في الإسلام هما شيء واحد لان‬ ‫الإسلام يؤمن بكونية الديني أو ما يسميه دين الله الذي هو جوهر كل الأديان والذي لا‬ ‫يوجد شعب لم يتلقه وهو عين فطرة الإنسان الدينية) في الحالتين القرآنية والمشائية قديما‬ ‫والهيجلية حديثا عند حداثيينا‪ .‬فإذا قسنا الله على الإنسان نقع في أحد حلين‪:‬‬ ‫‪ .1‬إما رفع الإنسان والطبيعة إلى مقام الله وهذا هو مضمون الأفلاطونية والهيجلية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬أو حط الله إلى مقام الإنسان والطبيعة وهذا هو مضمون الأرسطية والماركسية‪.‬‬ ‫والأول يسميه ابن خلدون حب التأله‪ .‬والثاني يمكن تسميته بالإخلاد إلى المادية‪ .‬وهو‬ ‫ما يعني أن الفكر عندنا راوح بين الأفلاطونية والهيجلية إذا حافظ على شيء من‬ ‫الروحانيات وبين الأرسطية والماركسية إذا اعتبر العالم المادي مستغن عنها لأنه يتضمن‬ ‫نظامه فيه ولا يستمده مما يتعالى عليه‪ .‬فالمحرك الأول لا علاقة له بالمادة (أرسطو)‬ ‫والمادة ليس لها ما يتعالى عليها (ماركس)‪ .‬وبهذا المعنى فعلم الكلام المسيحي في القرون‬ ‫الوسطى كان محقا عندما اعتبر الرشدية ملحدة لقوله بمفهوم للألوهية لا يختلف عن‬ ‫مفهومها المشائي‪.‬‬ ‫لكن النتيجة واحدة سواء رفعنا الإنسان والطبيعة إلى مقام الله أو حططنا مقام الله إلى‬ ‫الإنسان والطبيعة فالأمر في الحالتين يعني القول بالمطابقة في نظرية المعرفة وفي نظرية‬ ‫القيمة والمقياس واحد وهو ما به وقع الرفع أو الحط‪ .‬إذ في الحالتين تحصل المطابقة‪ .‬وهذا‬ ‫لعمري يتنافى مع المفهومين‪.‬‬ ‫فمفهوم الضرورة الشرطية ومفهوم الحرية الشرطية ليسا متعلقين بالإنسان والطبيعة كلا‬ ‫على حدة بل إن الإنسان يشعر بأنهما حاصلان في كيانه هو ثم في رؤيته للطبيعة التي‬ ‫يتعامل مع ما فيها من ضرورة شرطية بما فيه من حرية شرطية وإلا لما علمها ولما استطاع‬ ‫تغييرها بتغيير عناصر السببية التي تحكمها‪.‬‬ ‫فلو كانت السببية مطلقة وغير قابلة للتغيير بتغيير عناصرها لما استطاع الإنسان علمها‬ ‫والعمل بها والتأثير فيها‪ .‬فعلمها يتأسس على أنه يستطيع الاستقلال عنها لأنه ليس مجرد‬ ‫مرآة عاكسة بل هو يتصور عدة فرضيات حولها وهو ما ينفي كونه مرآة تنعكس عليه‬ ‫انعكاسا ضروريا والعمل بها يتأسس على تغيير عناصرها لتغيير نتائجها وذلك هو معنى‬ ‫الحرية الشرطية‪.‬‬ ‫فيكون الثابت في الضرورة الشرطية هو العلاقة الشرطية وهي صورة القانون السببي‪.‬‬ ‫فإذا علم الإنسان هذه الصورة استطاع أن يغير مضمونها فيبقي على القانون ويغير فاعلية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المضمون‪ :‬كمن يغير قيم المتغيرات في العلاقات الرياضية‪ .‬وما كان يمكن له أن يفعل لو لم‬ ‫يكن هو ذا حرية تمكنه من التعالي على الضرورة لئلا يكون مرآة تنعكس الضرورة على‬ ‫فكره‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وجدنا الآن نظام العقد الذي قد يفهمنا العلاقة بين الضرورة الشروطية والحرية‬ ‫الشرطية وما يتدانى دونهما وما يتعالى فوقهما بوصفهما مقصورتين على علاقة الإنسان‬ ‫بالعالم أي على ما يتدانى دونهما وليستا قابلتين للتطبيق على ما يمكن أن يفترض عقلا ما‬ ‫وراء لهما متعاليا عليهما‪ .‬فالـمعاني الكلية الذهنية النظرية والمعاني الكلية الذهنية‬ ‫العملية يمثلان نماذج مثالية لما دونهما ولا نعلم طبيعة علاقتهما بما ورائهما‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أننا نوجد أمام خمسة عوالم من الوجود مختلفة‪:‬‬ ‫‪ .1‬عالم المعاني الكلية الذهنية النظرية (الرياضيات)‪.‬‬ ‫‪ .2‬والمعاني الكلية الذهنية العملية (الاخلاقيات)‪.‬‬ ‫‪ .3‬عالم الطبيعة الذي تحكمه قوانين الضرورة الشرطية‪.‬‬ ‫‪ .4‬عالم التاريخ تحكمه سنن الحرية الشرطية‪.‬‬ ‫‪ .5‬وكلها فوقها ما نتصوره مصدرا لها جميعا ومؤسسا لوجودها ولمعلوميتها ولقيمتيها‬ ‫وكلتاهما نسبيتان إلى الإنسان توحيان بوجود ما هو محيط في ما ورائهما‪ .‬فنكون أمام‬ ‫موقفين‪:‬‬ ‫فإذا أطلقنا العالم الذي دونهما وتوهما أن علمنا به مطابق لحقيقته اعتبرناهما محظ‬ ‫خيال لعدم تطابقهما معه‪.‬‬ ‫وإذا نسبناه القياس إلى ما وراء نفترضه له ولم نطابقه بعلمنا اعتبرنا عملنا محظ صورة‬ ‫نسبية لا يتحقق فيها التطابق مع العالم الخارجي الذي هو بعض أعيان عالم المثال الذي‬ ‫تمثله الرياضيات بالنسبة إلى الطبيعيات والاخلاقيات بالنسبة إلى التاريخيات‪ .‬ولما كانا لا‬ ‫يطابقان العالم الخارجي وكنا لا نعلم مصدرهما فإننا نعتبرهما ممثلين لعلاقة أخرى بالعالم‬ ‫الخارجي تثبت لنا نسبية علمنا به دون أن ندعي أن علمنا به محيط‪ .‬وبذلك تتحدد نظرية‬ ‫المعرفة والقيمة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من قرأ محاورة التيماوس (أفلاطون) ونظرية الصلح (هيجل) والمقالة الثانية عشرة‬ ‫من الميتافيزيقا (ارسطو) ونظرية المادية الجدلية (ماركس) يدرك أن فكر المسلمين‬ ‫الوسيط كان حبيس فكر أفلاطون وأرسطو وأن فكر المسلمين الحديث بما يه فكر الإسلاميين‬ ‫إذا حاولوا التظاهر بالحداثة كما في استعمالهم للصراع الجدلي تحت مفهوم التدافع الذي‬ ‫لا وجود له في القرآن الكريم بل الموجود ينفيه تماما أو يعتبره موقفا ملحدا لأنه يلغي عالم‬ ‫الدفع المشاركة التي تلغي دور الله فيه صار حبيس فكر هيجل وماركس‪.‬‬ ‫ولذلك فهذان الرؤيتان القديمة والحديثة تشملان الفلاسفة والمتكلمين المتصوفة‬ ‫والفقهاء والمفسرين القدامى والمحدثين في ثقافتنا الحالية‪ .‬واعتقد أن الأمر طبيعي جدا‬ ‫لأنه من العسير التحرر من الرؤى العامية التي تعتبر الفكر مرآة عاكسة لما يسمونه‬ ‫\"الواقع\" حتى وإن هذبت هذه الرؤية العامية بالاحترازين المتعلق بتنقية لغة العلم ومنطقه‬ ‫(وهو أهم عمل قام به أرسطو في كتاب العبارة والمقولات وتطبيق التحليلات الأولى في‬ ‫الثانية)‪.‬‬ ‫لكن المعرفة والقيمة أعقد مما كان يتخيره الفلاسفة الأول لتحديد علاقة الأشياء في‬ ‫الأعيان بصورها في الأذهان‪ .‬فقد كان سؤالهم‪ :‬هل الإنسان يدرك الشبيه بالشبيه أم‬ ‫يدرك بالشبيه بالمختلف‪ .‬واستقر الرأي على أنه يدرك المثيل بالمثيل وهو أساس القول‬ ‫بنظرية المعرفة والقيمة بمطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان ورد الوجود الخارجي إلى‬ ‫إدراكه الإنساني‪.‬‬ ‫ولست أنفي وجود مثل هذه المطابقة بين ما يدركه الإنسان وما يناسبه من الوجود بل‬ ‫أنفي أن يكون ما في الأعيان هو ما يبدو للأذهان إذا تصورناه حقيقة ما في الأعيان‪ .‬فهذه‬ ‫الحقيقة هي المجهولة لأن العلم يبين أن ما نتصوره اليوم حقيقتها نكتشف غدا أنه ما بدا‬ ‫لنا حقيقة وهو صورتنا عنها صورتها الإضافية إلى مرحلة إدراكنا خلال تطوره وتطور‬ ‫أدواته‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولعل أفضل مثال هو الاعتقاد في التولد الطبيعي قبل استعمال المجاهر التي مكنت‬ ‫الإنسان من رؤية ما يعيد الأشياء إلى نصابها وهو أنه توجد حيوانات مجهرية لا نراها‬ ‫بالعين المجردة‪ .‬فالمطابقة الوهمية هي التي جعلتنا نتصور قبل ذلك نظرية التولد الطبيعي‬ ‫ونتخلى عنها بعده بما نتصوره مطابقا ثانية‪.‬‬ ‫وقد يكون المثال الأكثر مناسبة لعصرنا نظرية الذرة‪ .‬فقد بدأت بوصفها تمثل آخر‬ ‫أجزاء المادة وغير قابلة للقسمة‪ .‬وكلنا يعلم أنه لم يعد أحد يعتقد ذلك‪ .‬وقد نصل إلى‬ ‫لحظة لن يبقى فيها معنى للفرق بين المادي واللامادي‪ .‬لا أريد أن اتجاوز المعلوم حاليا‪ .‬ما‬ ‫يعنيني هو أنه ليس ثابتا بل متغير‪.‬‬ ‫وهذه الوضعية توجب تغيير نظرية المعرفة ونظرية القيمة والتخلص من القول بالمطابقة‬ ‫دون حاجة للفصل الكنطي بين الظاهر والباطن في الوجود لأن ضمير نظريته هو القول‬ ‫بأن العالم واحد وأن الاختلاف بين ظاهر الشيء فينومان‪ Der Schein-‬وباطنه نومان أو‬ ‫الشيء في ذاته ‪-Das Ding an sich‬في حين أننا نميز على الأقل بين عالمين حقيقيين‬ ‫مختلفين تمام الاختلاف لكن لا أحد منهما دون الثاني حقيقة‪ .‬فلا الأول ظاهر الثاني ولا‬ ‫الآخر باطن الأول‪.‬‬ ‫وقد نعتبر العالمين في علاقة مماثلة للوجود من منظور خالقه أو الله والوجود من منظور‬ ‫خليفة خالقه أو الإنسان‪ .‬ولا يمكن أن يكون الوجود من منظور الإنسان مطابقا للوجود من‬ ‫منظور الله وإلا لكانت إرادة الإنسان وعلمه وقدرته وحياته ووجود مطابقة لإرادة الله‬ ‫وعلمه وقدرته وحياته ووجوده‪ .‬وإذن فالوجود فيه على الأقل عالمان وثلاث صور أو ‪-‬ربما‬ ‫عوالم بعدد المخلوقات ‪-‬ونحن نهتم بالعالمين من المنظورين الإلهي والإنساني أو من منظور‬ ‫المستخلف ومنظور الخليفة وهو موضوع القرآن‪:‬‬ ‫‪ .1‬عالم الشهادة الذي نعيش فيه بحواسنا‪.‬‬ ‫‪ .2‬عالم الغيب الذي نعيش فيه بوجداننا‪.‬‬ ‫‪ .3‬صورة رياضية مثالية للطبيعي من عالم الشهادة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .4‬صورة خلقية مثالية للتاريخي من عالم الشهادة‪.‬‬ ‫‪ .5‬صورة غير محددة الطبيعة نقيسها على الأولى في الخلق على الثانية في الأمر‬ ‫والقرآن يوحي بذلك‪ :‬فكل كلامه على الله وفعليه خلقا وأمرا يثبت أن الخلق بقدر‬ ‫(رياضي) وأن الأمر بقيم (اخلاقي) وكلاهما بفعل كن عند الفعال لما يريد‬ ‫ولهذه العلة اعتبرت مسعى المدرسة النقدية كان هدفه التخلص من الرؤية اليونانية‬ ‫التي سيطرت على كل علوم الملة الغائية الخمسة (التفسير والفلسفة والكلام والتصوف‬ ‫والفقه) والأداتية الخمسة (اللغة والتاريخ والمنطق والرياضيات ونظرية الرمز) ومحاولة‬ ‫تكوين رؤية بديلة تفهمنا الرؤية القرآنية لكنها عجزت دون ذلك لأنها فم تضع مفهوم‬ ‫المقدرات الذهنية العملية قياسا على النظرية بسبب غياب مفهوم «الحرية الشرطية» الذي‬ ‫لامسته المدرسة الأشعرية بمفهوم الكسب الذي بقي غامضا فلم يساعد على وضع رؤية‬ ‫متكاملة‪.‬‬ ‫وما حال دون فهم هذا المشروع العظيم في محاولات الغزالي قبل نكوصه الصوفي‬ ‫والفلسفي وابن تيمية وابن خلدون أمران لا بد من تحديدهما‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول وهو بديهي ومعلوم أعني لغة الفلسفة والعلم التي تستعمل المصطلح‬ ‫الأفلاطوني والأرسطي حتما كما يستعمل حداثيونا اليوم المصطلح الهيجلي والماركسي‪.‬‬ ‫‪ .2‬فهذا المصطلح يوحي كله بأن مستعمليه يعطونه دلالته التي له عندما ينبني على‬ ‫نظرية المعرفة والقيمة المطابقتين أولا‪ .‬كان الاستعمال الجديد عند الثلاثة خفيا إلى حد‬ ‫أن ما أقوله قد يبدو من خيالي وليس حقيقة في اعمالهم‪.‬‬ ‫لذلك أكثر من الشواهد‪ .‬وقد بدأت في شبابي بالمقابلة غزالي‪-‬ابن رشد‪ .‬فلا أحد يشكك‬ ‫في أن ابن رشد يمثل الإخلاص المطلق لفلسفة أرسطو‪ .‬وأن تهافت التهافت يثبت أن تهافت‬ ‫الغزالي استهدف أهم مسالة تعني ابن رشد من حيث اخلاصه المطلق لفلسفة أرسطو‪ .‬ولهذه‬ ‫العلة بدأت بمعركة التهافتين‪ :‬فهي ما سعيت منذ السبعينات ‪-‬وأنا شاب‪-‬إلى اليوم وقد‬ ‫تجاوزت السبعين إلى حسمها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولا أعجب إذ بقي في نفسي شيء منهما إلى أن يأخذ الله أمانته رغم أن تطور المعرفة‬ ‫الإنسانية يبدو قد أنصف الغزالي وابن تيمية وابن خلدون ضد كل علماء الملة سواء كانوا‬ ‫علماء دين أو علماء فلسفة وسواء تعلقت علومهم بعلوم الغاية أو بعلوم الأداة‪ .‬المدرسة‬ ‫النقدية ‪-‬العلماء الثلاثة‪-‬كانت أقرب إلى الصواب‪.‬‬ ‫وما قدمته إلى الآن في هذه المحاولة تمهيد للإشكالية التي هي موضوعها‪ :‬طبيعة العلاقة‬ ‫بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية منطبقتين على علاقة الإنسان بالعالم وغير‬ ‫قابلتين للانطباق على خالقهما وآمرهما‪ :‬فالحرية المطلقة التي تتصف بها أفعاله خلقا وأمرا‬ ‫لا تخضع لشروط الحرية ولا لشروط الضرورة‪ .‬وحتى أوضح ذلك أعود إلى مفهومين‪:‬‬ ‫‪-1‬الأول هو مفهوم المعاني الكلية في المقدرات الذهنية التي تهم كل علاقات الإنسان‬ ‫بالعالمين الطبيعي والتاريخي وبذاته‪.‬‬ ‫‪ .1‬الثاني هو مفهوم علوم الطبيعية وعلوم التاريخ وكيف تتخلف كليا عن هذه‬ ‫المقدرات الذهنية لأنها فاقدة للأولية والكلية والمحظية والبرهانية‪.‬‬ ‫ولما قست المقدرات الذهنية العملية على المقدرات الذهنية النظرية بدا وكأن الإرادة‬ ‫والعلم والقدرة والحياة والوجود مماثلة لما نفترضه في تصورنا لمقومات في الذات الإلهية‬ ‫وهي عين شعورنا بما نعتبره مقومات في ذواتنا‪ .‬وما كنا لنعتبرها مقومات لو لم نكن نقول‬ ‫بنظرية المطابقة المعرفية والقيمية‪ .‬لكنها في الحقيقة هي تثبت نظرية عدم المطابقة لأننا‬ ‫لا نعلم مقومات ذاتها بل نرمز إليها بهذه المعاين الكلية وهي إذن نظام رمزي نتصور به‬ ‫ذاتنا ونعبر به عنها تطبيقا لنظرية ابن تيمية الذي يعتبر المعاني الكلية مثل اللغة والكتابة‬ ‫رموزا وليست مقومات‪.‬‬ ‫وهذه الرموز التي ندرك بها ذاتنا ونتصور أنها مقومة لها لأننا نتوهم أننا نعلم ذاتنا‬ ‫على ما هي عليه للقول بالمطابقة قولا خاطئا‪ :‬فالإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود‬ ‫رموز وعلامات ندرك بها ذواتها ونعبر عنها بها لكن ذواتنا مقوماتها مجهولة وهي من‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الغيب‪ .‬فهذه كلها لنا منها صورة ولنا عبارة عنها هي هذه المعاني الكلية التي اعتبرها‬ ‫مقدرات ذهنية بها نتصور ذواتنا ونقيمها‪.‬‬ ‫لو حاولت مثلا أن أحصي أوجه الهجاء الممكن لوجدت أنها تتعلق إما بنفي حرية الإرادة‬ ‫أو بنفي صدق العلم أو بنفي خيرية القدرة أو بنفي جمال الحياة أو بنفي جلال الوجود أو‬ ‫باستنقاصها في المهجو‪ .‬والمدح يتمثل في عكسها أي في حرية الإرادة وصدق العلم وخيرية‬ ‫القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود وهي إذن علامات نشير بها إلى الخصال الممدوحة‬ ‫والمهجوة في الشخص بحسب عادات التعبير في تواصل الجماعة حول الأشخاص من خلال‬ ‫علامات العلاقات في الجماعة‪.‬‬ ‫وإذن فهي علامات وليست مقومات‪ .‬ولأنها علامات ظنت مقومات‪ .‬لكن هذه العلامات لا‬ ‫تعني أننا نعرف بحق حقيقة الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود وخاصة حقيقة حيازة‬ ‫من ننسبها إليه لها‪ .‬ولذلك فالفقه يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر بمعنى أن حقيقتها‬ ‫لا يعلمها إلا الله‪ .‬انتقلنا إلى عالم آخر‪.‬‬ ‫فعلم الكلام الإسلامي يستعمل نفس هذه المعاني الكلية التي هي تقديرات ذهنية بالمعنى‬ ‫التيمي للكلام على الذات الإلهية ويعتبرها صفات ذاتية بمعنى أنها له من حيث ذاته‪.‬‬ ‫لكنها رموز لموضوعها في التواصل بين افراد جماعة معينة في ثقافة معينة وليست مقومة لمن‬ ‫يوصف بها أو تنسب إليه‪ .‬لكنهم يستعملونها للكلام على صفات الله الذاتية وضمنيا هم‬ ‫يقيسون الله على الإنسان الذي يعتبرونه متقوما بها‪ .‬والأشاعرة أضافوا الإرادة ولم‬ ‫يكتفوا بالعلم والقدرة والحياة والوجود‪ .‬الإرادة هي رمز الحرية شرط البقية وهي‬ ‫المقصود خاصة بمفهوم الحرية الشرطية أو الكسب‪.‬‬ ‫فصرنا أمام إشكالية لم يصرح بها علم الكلام وكان ينبغي أن يفعل‪ :‬هل ما يطرح حول‬ ‫أفعال العباد في علاقة بالضرورة الشرطية والحرية الشرطية يمكن أن يطرح كذلك حول‬ ‫أفعال الله؟ إضافة الإرادة عند الأشاعرة الأول هي علة ثورتهم على الاعتزال‪..‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فمن يعرف الذات الإلهية بهذه الرموز التي اعتبرت صفات مقومة قيسا على الإنسان‬ ‫وباحتراز ليس كمثله شيء كما يفعل القرآن يخلط بين كونها رموزا للكلام على الله حتى لو‬ ‫جاءت في نص القرآن‪ -‬لأن القرآن يخاطبنا بما نفهم‪ -‬وبين اعتبارها صفات للذات الإلهية‪.‬‬ ‫ومن ثم فالمفروض أن يقولوا إنها مقومة حتى لو وصفوها بكونها إذ وجودها الذاتي له‬ ‫لا يختلف عن القول إنها مقومة للذاتي في الذات‪ .‬والقصد بالذاتية المعنى القديم وليس‬ ‫الحديث‪-‬اسنسيال أو جوهرية وليس سيبجاكتيف بمعنى النسبة إلى الذات الإنسانية‬ ‫العارفة‪ .‬وكونها ذاتية لا ينفي أنها \"زائدة\" على الذات التي هي ذاتها‪.‬‬ ‫فعنى \"ذات الصفات\" هو صاحبتها لأن \"ذات كذا\" ليس إلا مؤنث \"ذو كذا\"‪ .‬فتكون ذات‬ ‫الله غير صفاته المقومة أو تكون ذاته مقومة بمتعدد فيكون إلها غير واحد ولا صمد‪ .‬وما‬ ‫أن نعتبر المعاني التي نعبر بها عن الله أو عن أي شيء مقومات وليست رموزا كما يقول‬ ‫ابن تيمية تماما كالألفاظ والكتابة‪ .‬ففي تلك الحالة لا فرق بين التشبيهي والتنزيهي‪:‬‬ ‫كلاهما لا يمكن أن يتصور المعاني الكلية إلا مقومة للموصوف بها‪.‬‬ ‫لكن اعتبارها رموزا اختيرت للتعبير عما يمكن أن نتصور به ليس ذاته ولا صفاته بل‬ ‫\"رموز أفعاله\" التي تتجلى لنا آياتها في الآفاق والأنفس فذلك هو عين ما يقوله القرآن‬ ‫الذي يخاطبنا بما نفهم وينبهنا إلى أن الشيء في ذاته لا يرد إلى الرموز التي لا نستطيع‬ ‫تصوره بدونها مثل أسمائه لندعوه بها (الاعراف ‪ )80‬ويسمع بأن ندعوه بأي منها‬ ‫(الشورى‪.)110‬‬ ‫وما نراه ليس أفعاله بل هو آياتها ‪-‬وهي رموز ترمز إلى أفعاله‪-‬التي تتجلى في ثمراتها‬ ‫في الآفاق وفي الأنفس أي ما دعانا للبحث فيه لتبين حقيقة القرآن وهي ما يرينه من آياته‬ ‫المتجلية في الآفاق وفي الأنفس‪ .‬فيكون نظام العالم الطبيعي والعالم التاريخي ونظام كيان‬ ‫الإنسان كلها أمثلة مما يمكن أن ننسبه إلى ثمرات أفعاله من قوانين وسنن وحكمة‪ :‬وظيفة‬ ‫المعادلة الوجودية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ورغم قولي إن المتكلمين لم يثيروا صراحة اشكالية أفعال الله ‪-‬كما أثاروا اشكالية أفعال‬ ‫العباد‪-‬فإنهم في الحقيقة أثاروها ضمنا بمجرد أن أثاروا إشكالية أفعال العباد بين بين الجبر‬ ‫والاختيار واشكالية الخلق في علاقة بالسببية أو بلغتنا هنا بين الضرورة الشرطية والحرية‬ ‫الشرطية‪ .‬فالذين تكلموا على الحرية الإنسانية المطلقة لا يمكن أن يجهلوا أن بذلك‬ ‫يتجاهلون معطيين إذ تجاوزوا حدين‪:‬‬ ‫‪ .1‬تصوروا الإنسان فوق قوانين الطبيعة بمعنى نسبة الحرية المطلقة له باستغنائه‬ ‫عن ضرورتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬ويترتب على ذلك تأليه الإنسان وهو معنى اتهامهم من السنة بمشاركة الإنسان‬ ‫في هذه الخاصية الإلهية إذ اعتبروه خالقا لأفعاله ويلزم عن ذلك أنه فوق حرية خالقها في‬ ‫آن‪.‬‬ ‫ومن ثم فلا يمكن حل القضية الخاصة بالإنسان والمتعلقة بالإرادة والعلم والقدرة‬ ‫والحياة والوجود إذا اعتبرناها مقومات وقلنا بنظرية المطابقة المعرفية والقيمية أبدا‪ .‬كان‬ ‫لا بد إذن من اعتبار المعاني الكلية مقدرات ذهنية رامزة لحقائق هي مطلوب البحث لكن‬ ‫علمها المحيط مستحيل على الإنسان‪.‬‬ ‫وهذا الامتناع لا ينفي أن ما نعلمه حقيقي وليس مظاهر‪ .‬فالحقيقة الإنسانية متناسبة‬ ‫مع ما كلف به أي مهمتيه معمرا للأرض ومستخلفا فيها‪ .‬والاستخلاف يحدد القيم والتعمير‬ ‫يحدد المعرفة‪ .‬وكلتاهما ‪-‬المعرفة والقيمة‪-‬غير مطابقة لما عليه الأشياء في ذاتها التي لا‬ ‫يعلمها إلا صاحب العلم المحيط ألله سبحانه جل وعلا‪.‬‬ ‫وإذن فالإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود من حيث هي كلها مطلقة ولا متناهية‬ ‫ولا محدودة ولا معلومة على ما هي عليه هي صفات أفعال الله‪ .‬وهي كلها مقدرات ذهنية‬ ‫عـملية لا يمكن للعمل الإنساني تعميرا واستخلافا أن يستغني عنها ولا عن المقدرات‬ ‫الذهنية النظرية التي هي أداة أداتها‪ :‬فالعلم أداة والقيمة غاية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكون الإنسان خليفة يعني أن مستخلفه أعطاه ما يجعله قادرا على ما كلفه به من حيث‬ ‫هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها‪ .‬وهذا لست أنا الذي أقوله ولا أحتاج لتأويل لقوله‪.‬‬ ‫فهو كل حبكة القرآن من مشهد الاستخلاف إلى الفرصة الثانية التي أعطيت لآدم وحواء‬ ‫بعد العصيان إلى كل تاريخ التحريف في تاريخ الإنسانية حيث يتلازم تاريخ الأديان‬ ‫وتاريخ الإنسان في فلسفتين متلازمتين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ كما بينت في شرح‬ ‫الرموز الواردة في سورة هود وعلة ما قاله الرسول فيها وفي أخواتها‪.‬‬ ‫واستعراض القرآن لهذا التاريخ هو في آن تاريخ الرسالات وكيف حرفت في التاريخ ما‬ ‫يعطينا فلسفة الدين وفلسفة التاريخ بداية مـما فطر عليه الإنسان وفرصتاه في الجنة وبعد‬ ‫الاخراج منها وغاية هي التذكير النهائي بذلك وبشروط تحقيق المهمتين اي التعمير بالعلم‬ ‫والعمل على علم بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫فتكون قيم الاستخلاف ليست شيئا آخر غير‪ :‬الإرادة الحرة والعلم الصادق والقدرة‬ ‫الخيرة والحياة الجميل والوجود الجليل‪ .‬وعكسها هو قيم التخلي عن الاستخلاف‪ .‬وبهذا‬ ‫المعنى عرف ابن خلدون الإنسان بأنه \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"‪.‬‬ ‫وهذه القيم الخمسة هي اساس استراتيجية القرآن لتوحيد البشرية بسياسة التربية‬ ‫المتحررة من الوسيط بين الإنسان وربه والحكم المتحرر من الوصاية بين الإنسان وأمره‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن النموذج النظري الذي وضعته وسميته المعادلة الوجودية هو في آن‬ ‫نموذج صورتنا الرامزة إلى الإنسان وإلى الوجود كله من حيث علاقة الإنسان به وعلاقته‬ ‫بما ورائه كما يعرضها القرآن وهي كذلك بنية القرآن نفسه‪ :‬قلبها علاقة الإنسان المباشرة‬ ‫بالله وغير المباشرة معه من خلال علاقته بما يحيط بهذه العلاقة يمنة (العالم الطبيعي وما‬ ‫بعده) ويسرة (العالم التاريخي وما بعده)‪.‬‬ ‫فعلى يمين العلاقة المباشرة نجد علاقة الإنسان بالطبيعة وما بعدها أو بعلاقتها بالله‪.‬‬ ‫وعلى يسارها نجد علاقة الإنسان بالتاريخ وما بعده أو بعلاقته بالله‪ .‬فيلتقي مرة ثانية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫علاقة الله وعلاقة الإنسان بالعالمين بما بينهما من علاقة مـباشرة تتكرر مرة ثانية إذا‬ ‫أغلقنا الدائرة في المعادلة‪.‬‬ ‫لن أطيل الكلام في المعادلة الوجودية فقد خصصت لها عدة محاولات‪ .‬ما يعنينا في هذه‬ ‫المحاولة هو علاقة الضرورة الشرطية بالحرية الشرطية اللتين تمثلان جناحي العلاقة‬ ‫المباشرة بين الإنسان وربه وكيف تمكن الإسلام من تعريف دورهما التحريري من خلال‬ ‫تحريرهما من الوساطة الروحية في التربية والوصاية المادية في الحكم‪.‬‬ ‫فالوساطة تزيل العلاقة المباشرة بين الله والإنسان‪ .‬والوصاية تزيل العلاقة المباشرة‬ ‫بين الإنسان والجناحين أي مجال التعمير ومجال الخلافة‪ .‬فيفقد الإنسان قدرة التعمير‬ ‫بفعل استبداد الوساطة (التربية) ويفقد إرادة الاستخلاف بسبب استبداد الوصاية‬ ‫(الحكم)‪ :‬الغاشية ‪ :22-21‬إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر‪.‬‬ ‫فإذا كان الرسول ليس إلا مذكرا فمعنى ذلك أنه ليس وسيطا ورحيا ذا صلة مباشرة مع‬ ‫الله تكون مشروطة في صلة الإنسان بربه بل كل إنسان له هذه العلاقة والرسول يذكره‬ ‫بما نسيه ولا يعمله شيئا لا يعلمه لكونه ما يذكره به مرسوم في كيانه من حيث هو مكلف‬ ‫بالتعمير وشرطه أن يكون مجهزا للنظر والعقد بذاته‪.‬‬ ‫وللتيسير فنحن أمام تعليم سقراطي وحكم شوري‪ .‬التربية تذكير وليست وساطة روحية‬ ‫وهي المرحلة الأولى من تحرير الإنسان مما يفقده شرط كونه رئيسا بطبعه بمقتضى‬ ‫الاستخلاف الذي خلق له‪ .‬والمرحلة الثانية هي تحريره من استبداد الحكم الذي أصبح أمر‬ ‫الجماعة وليس سيطرة شخص لئلا تفقد رئاستها بالطبع والخلافة‪ .‬ومن يعرف تاريخ‬ ‫الرسالة وقرأ الغاشية ‪ 22-21‬يعلم معنى أن الرسول نفسه ليس إلا مذكرا في التربية وليس‬ ‫مسيطرا في الحكم‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن رمز التربية التحريرية التي ليس فيها سلطة روحية وسيطة هي المرحلة المكية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأن رمز الحكم التحريري الذي ليس فيه سلطة سياسية وصية هي المرحلة المدنية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومن يدعون وراثته من العلماء والأمراء أعادوهما حتى وإن لم تعلن السنة ذلك صراحة‬ ‫كما أعلنته الشيعة‪ .‬وما فطر الإنسان عليه مضاعف‪ .‬فالتعمير يقتضي تجهيزه بشروط‬ ‫النظر والعقد أي القدرة على إبداع المعاني الكلية الذهنية النظرية أداة لوضع قوانين‬ ‫الطبيعة وتطبيقها‪ .‬والاستخلاف يقتضي تجهيزه بشروط العمل والشرع أي القدرة على‬ ‫إبداع المعاني الكلية الذهنية العملية لأداة لوضع سنن التاريخ وتطبيقها‪.‬‬ ‫لا يوجد عاقل سواء كان مسلما أو غير مسلم أحب المسلمين أو كرهم لا يمكن إذا قرأ‬ ‫القرآن بأمانة العلم وشروطه يمكن أن ينفي شيئا مما ذكرت بوصفه سدى القرآن ولحمته‬ ‫أو أن يدعي أني أثبت ذلك بطريقتي علم الكلام الزائفتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬خرافة قيس الشاهد على الغائب‪.‬‬ ‫‪ .2‬وخرافة التأويل لرد النقلي إلى العقلي‪.‬‬ ‫ولست بحاجة للتذكير أن ابن خلدون يعتبر التربية والحكم العنيفين مفسدين لمعاني‬ ‫الإنسانية أي يحولان دون الإنسان وأن يبقى \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق‬ ‫له\" لأن الأولى تجعل الوسيط والثاني الوصي هو الرئيس بدلا منه ويصبح هو عبدا له‬ ‫بسبب الوساطة والوصاية‪ :‬تلكما هما ثورتا الإسلام‪.‬‬ ‫وهما الثورتان اللتان ألغتهما علوم الملة الغائية الخمسة‪ :‬التفسير وفروعه الفلسفية‬ ‫والكلامية والصوفية والفقهية بمنهجي قياس الشاهد على الغائب ورد المنقول إلى المعقول‬ ‫بالتأويل‪ .‬وطبعا فالغائب هنا ليس ما ليس حاضرا بل هو الغيب الذي نعلم أنه حاضر لكنه‬ ‫ليس معلوما بالجوهر لأن شرطه الإحاطة‪.‬‬ ‫وقد بينت أنه لا يوجد معقول من دون منقول‪ :‬فالمعقول في كل معرفة هو شكلها لا‬ ‫مضمونها الذي هو منقول حتى في الفيزياء لأنه ذلك هو معنى التجربة وتلك هي علة قول‬ ‫ابن تيمية بأن القياس لا يكفي لعلم الموضوعات الخارجية بل لا بد من مضمون منقول‬ ‫مستمد من التجربة الخبرة بها والتجريب عليها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وأخيرا فلا يوجد منقول ليس معقولا لأن المعقولية هي شكله وليست مضمونه‪ .‬ومضمونه‬ ‫ليس الغيب ولا حتى دعوى الإحاطة بالشاهد‪ .‬فكل أدلة القرآن مستمدة من قوانين‬ ‫الطبيعة أو من سنن التاريخ‪ .‬والرسول ينفي عن نفسه العلم بالغيب‪ .‬والتذكير يعني أن‬ ‫من يذكره الرسول نسي ما يذكره به وتعليمه إذن ليس تعليمه ما يجهل بل تذكيره بما‬ ‫يعلم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ها قد تخلصت من الطريقتين الكلاميتين ولكن مباشرة لأن ذلك مستحيل ما ظللنا نقول‬ ‫بالمطابقة في نظرية المعرفة ونظرية القيمة‪ .‬وشرط ذلك الاعتماد على الاساس الذي يجعل‬ ‫التحرر من المطابقة مبينا على نظرية في المعاني الكلية تنفي عنها كونها مقومة للأشياء‬ ‫وتثبت أنها رموز‪.‬‬ ‫ومن ثم فقد وجدنا الطريق الذي تمكن من تجاوز التيمية إلى تيمية محدثة ببيان أنها‬ ‫قادرة على تحقيق غايتها أي بيان أنه لا يمكن أن يتعارض ما كان يسمى نقليا وما كان يسمى‬ ‫عقليا وذلك بطريقتين أصبحتا ممكنتين بفضل ثورته‪:‬‬ ‫‪ .1‬فأولا ببيان أن العقلي لابد له من مضمون إذا كان علما للموجودات الخارجية وأنه‬ ‫لا يمكن أن يدعي العلم المحيط فضلا عن العلم الأولي والكلي وا لمحض والبرهاني‪ .‬وهو‬ ‫حينئذ ذو مضمون نقلي بمعنى أنه منقول عن موضوعه ولو فرضيا‪ .‬وهو معنى المعاني الكلية‬ ‫التي صارت عنده رموزا للإشارة إليه لا مقومات‪.‬‬ ‫‪ .2‬وثانيا لأن النقلي الصحيح لابد له من نفس المعاني الكلية التي هي رموز للإشارة‬ ‫اليه لا مقومات له وعند انطباقه على الوجود الخارجي يكون في نفس الوضعية أي أنه ليس‬ ‫أوليا ولا كليا ولا محضا ولا برهانيا‪.‬‬ ‫والعقلي الأول المتعلق بالمقدرات الذهنية النظرية يصلح في صوغ قوانين الطبيعة‪.‬‬ ‫والعقلي المتعلق بالمقدرات الذهنية العملية ‪-‬وهو إضافتي‪-‬يصلح في صوغ سنن التاريخ‪.‬‬ ‫وهما كلاهما معاني كلية مقدرة ذهنيا ليس لها مثيل في الوجود الخارجي‪ .‬لكنها شرط علمه‬ ‫لأنه لغة الترميز لمضمونه ولشكله أو للمقول فيه ولقول المقول فيه‪ .‬ولغة الترميز هذه هي‬ ‫الرياضيات شرط الطبيعيات في الأول وهي الاخلاقيات شرط التاريخيات في الثاني‪.‬‬ ‫والخلاف يدور حول الثاني لا حول الأول علما وأني وضعت الثاني قياسا على الأول‪ .‬ولا‬ ‫أحد يشكك في أن الطبيعيات مستحيلة من دون الرياضيات مطبقة على المضمون التجريبي‬ ‫سواء كان فرضيا أو امبيريقريا‪ .‬لكن الكثير يعتبر قيس ما كان يسمى نقليات في علاقتها‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بـالمضمون التاريخي سواء كان فرضيا أو امبيريقيا هو ما لم يدر بخلدهم لأنهم يتصورون‬ ‫النقليات من الخيال لكن الأخلاقيات مطبقة على التاريخيات تشبه الرياضيات مطبقة على‬ ‫الطبيعيات من حيث وظيفة الصوغ المعرفي والتوصيف القيمي‪.‬‬ ‫وهنا لا بد من إشارة إلى إشكالية طرحت خلال محاولات الفكر الغربي في نهايات القرن‬ ‫التاسع عشر وهي إشكالية حياد المعرفة العلمية القيمي‪ .‬لكني اعتقد أن الحياد القيمي لا‬ ‫ينفي أن القيم يمكن أن تعلم بحياد قيمي‪ .‬وفي ذلك خلط بين العلم الذي من الضروري أن‬ ‫يتحرر قدر المستطاع من التقييم والموضوع الذي يمكن أن يكون التقييم نفسه‪.‬‬ ‫فعلم القيم يمكن أن يكون محايدا إذا كان كلاما على قوانين القيم عامة وليس تطبيقا‬ ‫للقوانين على تقييم الحالات الخاصة فيكون استعمال العلم هو القيمي وليس تحصيل العلم‪.‬‬ ‫وفي حالة الاستعمال لا يمكن لأي علم أن يكون محايدا‪.‬‬ ‫بوسعنا إذن أن نمر إلى الكلام في العلاقة بين الضرورة الشرطية في النظريات وتطبيقاتها‬ ‫الطبيعية والـحرية الشرطية في العمليات تطبيقاتها التاريخية بعد اثبات أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬كلتاهما لا تنطبق على‬ ‫• ما وراء الطبيعة وعلى‪:‬‬ ‫• ما وراء التاريخ رغم أنهما ليسا صادرتين عن تجربة العالم المحسوس ولا نعلم لهما‬ ‫مصدرا غير ما للإنسان من قدرة على الترميز‪.‬‬ ‫‪ .2‬وانطباقهما على الطبيعة وعلى التاريخ بحاجة إلى تجربة العالم المحسوس‬ ‫الطبيعي والتاريخي وهو ما يفقدهما الأولية والكلية والمحظية والبرهانية فيجعل العلوم‬ ‫الحاصلة من تطبيقهما علوما غير أولية وغير كلية وغير محضة وغير برهانية‪.‬‬ ‫أما علاقة الإنسان بهما وبتطبيقاتهما ولما كانت ممكنة أولا وعلى هذا النحو ثانيا فأمور‬ ‫نعيشها ولا نستطيع لها تفسيرا‪ .‬ويمكن للمؤمن بوجود الله أن يعتبر ذلك من فضل خلقه‬ ‫للإنسان بهذه المميزات التي تجعله قادرا على الترميز وهو شرط هذه العلوم الأربعة‪ .‬فإن‬ ‫ما نفترضه من دور الله فيهما من المعاني المقدرة ذهنيا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومع ذلك ورغمه فإن القرآن يقول إن كل خلق كان بقدر وأن الخلق كان بأمر \"كن‬ ‫فيكون\"‪ .‬لكن لا نجد في القرآن ولا يستطيع العقل الزعم بأن الخلق لم يكن بالوسع أن‬ ‫يكون على غير ما هو عليه بل القرآن يؤكد أن الله يمكن أن يبدل المخلوقات بأفضل منها‪.‬‬ ‫ومن ثم ممكن أن يكون الوجود محتويا على ما لا يتناهى من الممكنات ولا نستطيع أن ندعي‬ ‫اختيار الخالق للحاصل من الممكن كان مشروط بالمقابلة ضرورة حرية مثل ما يحصل في أفعال‬ ‫الإنسان‪.‬‬ ‫لكن أفعال الإنسان كلها مشروطة بهما‪ .‬فمنها ما هو خاضع للضرورة الشرطية لأنه مما‬ ‫في الإنسان من طبيعي ومنها ما هو خاضع للحرية الشرطية لأنه مما فيه من روحي أو من‬ ‫وعي بما فيه من طبيعي‪ .‬فكيانه مضاعف وخضوعه مضاعف بعضه طبيعي وبعضه عودة‬ ‫على الطبيعي‪ .‬وقد يكون الرمز لذلك ناتجا عن علاقة البدني بـالوعي به‪.‬‬ ‫وإذا كنا لا نستطيع أن نعتبر الله أو الخالق والآمر خاضعا للضرورة الشرطية (كعلة‬ ‫طبيعية) أو للحرية الشرطية (كعلة روحية) فإننا لا نستطيع كذلك أن نزعم أن له بدنا‬ ‫أو روحا إلا إذا اعتبرنا الكلام عليه في القرآن بما يفهمه الإنسان يعني أن الله مثل الإنسان‬ ‫فنسينا أنه يقول ليس كمثله شيء ‪ :‬فهو يتكلم على نفسه وكأن له ما عندنا حتى الجوارح‪.‬‬ ‫لكن ذلك كله كما شرحته في كلامي على الترميز اللساني من جنس «يقدم رجلا ويؤخر‬ ‫أخرى» بمعنى الرسم الذي يفيد التردد أو ما يسميه الجرجاني معنى المعنى‪ .‬وهو ما يؤيد‬ ‫نظرية ابن تيمية لأن المعنى الأول رمز والمعنى الثاني رمز فيكون الكلام مؤلفا من رمز هو‬ ‫رسم حركة تقديم رجل وتأخير أخرى لرمز هو المعنى الكلي للتردد‪.‬‬ ‫وقد بينت أنه حتى كلامنا على العالم الشاهد هذا الذي نعيش فيه فإن حقيقة ما ندركه‬ ‫بحواسنا ليست صورته التي ندركها بحواسنا بدليل أنه يمكن أن يترجم حتى فينا إلى شيء‬ ‫كيمياوي فكهربائي في العصابين الناقلة للصورة البصرية مثلا ثم نراها كما ندركها حسيا‬ ‫فضلا عنها منتقلة في موجات البث‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فما الشيء في ذاته إذا تصورناه واحدا في هذا الصور المتوالية عليه خارج العين ثم في‬ ‫العين كصورة ثم في العصب البصري ثم في خلايا البصر وعصابينها كيمياويا وكهربائيا إلى‬ ‫أن يستعيد الفكر الصورة التي رأتها العين ثم في البث التلفزي من تونس إلى آخر مكان في‬ ‫الأرض أو في العالم‪ .‬ما \"الشيء\" الواحد في صور مختلفة متوالية جيئة وذهابا‪.‬‬ ‫فإذا كان علمنا بأتفه ظاهرات العالم الشاهد بهذه الهشاشة وعدم الدقة في معرفة‬ ‫حقيقة الاشياء بل نكتفي بصورة ما في لحظة من لحظات مسار الشيء ونعتبرها ممثلة له أو‬ ‫رامزة دون أن ندرك بصورة ثابتة مقوماته فمعنى ذلك أن علمنا هو كما وصفه ابن تيمية‬ ‫منظومات رامزة للقول ومرموزها هو بدوره رمز‪.‬‬ ‫وإذن فعلمنا لا يتجاوز كوننا نفترض للأشياء لغة تعبر بها في ظهورها لإدراكنا هي ما‬ ‫ننتخب منه ما نجعله رمزا لها ثم نترجم منظومة لهذه الرموز بلغة الرياضيات فتكون الرموز‬ ‫نوعين‪ :‬منظومة أعراض كافية لتمييز الأشياء في عالم متماسك بما بين عناصره من علاقات‬ ‫ثم نترجمها بمنظومة لغة تعبر عن تلك المنظومة بمنظومة رمز تقولها‪.‬‬ ‫فما الشاهد الذي سنقيس عليه الغائب والشاهد هو بدوره غائب بل وما فيه من غيب‬ ‫أكثر مما فيه من شاهد سواء كان حاضرا أو غائبا‪ .‬وقد نقبل أن تكون وجوه الشبه بين‬ ‫الأشياء مناسبة للتعميم والمقارنات الفرضيين في مسارب البحث العلمي‪ .‬وقد توحي لنا‬ ‫بوحدة الأشياء في صفات مقومة متماثلة لتماثل رموزها‪.‬‬ ‫وهذا السلوك المنهجي في البحث يجعل مقارنة العبارات المجردة في الرياضيات منطلقا‬ ‫لتعميمات تصيب أحيانا فتمكن من اكتشاف وجوه شبه في الأعراض الممثلة على الأقل في‬ ‫حدود ما عليه العلم بتلك الأشياء إلى أن تتجود المعرفة فندرك أن الفروق لعلها أهم من‬ ‫التشابه رغم أن تماثل رموز الأشياء مهم في الكشف بالتعميم في حدود معينة‪.‬‬ ‫ولست ممن يعترض على هذه الطريقة بالكلية بل اعترض على تطبيقها على ما وراء‬ ‫الطبيعة وعلى ما وراء التاريخ وحتى على الطبيعة والتاريخ بصورة نسقية ودون احتراز‬ ‫لأن الفروق التي قد تهمل يمكن أن تكون أحينا أكثر دلالة من وجوه الشبه التي تعتبر‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لكن ما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ مستحيلان لأنهما يفترضان أن الخالق أو من يقوم‬ ‫مقامه حتى لو افترضنا أنه الصدفة واللاعقل فتكون دعوى خضوعهما للضرورة الشرطية‬ ‫أو للحرية الشرطية مثل الطبيعة والتاريخ منافية لفرضنا‪ .‬ذلك أن الصدفة واللاعقل‬ ‫أكثر انغلاقا على الفهم من النظام والعقل‪ .‬فلا يمكن قيس صدفة على أخرى ولا عقل على‬ ‫لا عقل‪.‬‬ ‫ذلك أن كل قيس يعني مقايسة بين طرفيها لأن شرط إمكان القيس هو التقايس بين‬ ‫المقيسات‪ .‬ومن ثم ففيها مشاركة والمشاركة هي اشتراك في قانون ما حتى لو اقترت على‬ ‫مقايسة بين شيئين فحسب أو حتى بين لحظتين من \"نفس الشيء\" لأن ذلك يعني لحظة نظام‬ ‫ولها بالضرورة قانون‪ .‬وعدم القيس في حالتنا هذه علته ليس نفي وجود القانون أو اثباته‬ ‫بل في نفي علامتهما‪.‬‬ ‫وعلامتهما وجودا وعدما هي المقايسة‪ .‬فعندما يقول القرآن \"ليس كمثله شيء\" فإنه‬ ‫ينفي المقايسة بنفي التقايس لكنه لا ينفي وجود قانون من طبيعة مختلفة غير قابلة‬ ‫للمقايسة مع قانون عالم الشهادة بمقياس الإنسان‪ .‬فيمكن أن تعدد العقول والأنظمة لكن‬ ‫لا يمكن أن تشترك اللاعقول والصدف في شيء يجعلها ذات نظام‪ .‬فلا يمكن انسانيا فهم‬ ‫أن يـخلق شيء بـ «أمر كن»‪ .‬ولكن اعتبار ذلك معنى مقدر ذهنيا لإيجاد الطبيعي‬ ‫والتاريخي ممكن‪.‬‬ ‫فلا يمكن أن أتصور الطبيعي ولا التاريخي علة نفسه فيكون معلولا بضرورة الطبيعة‬ ‫الشرطية أو بحرية التاريخ الشرطية إذ معناه أن الشيء في الحالتين يكون موجودا ليوجد‬ ‫نفسه‪-‬كاوزا سوي‪-‬أو يكون معدوما أوجد موجودا‪ .‬وكلاهما لا يفهمه الإنسان‪ .‬لكن العقل‬ ‫يعلل ذلك بكائن له القدرة على ترميز مخمس الفروع كائن له فاعلية \"كن\"‪.‬‬ ‫ولا بد هنا من تعريجة في الاصطلاح الفلسفي‪ .‬فالوصلة الوجودية الموجودة في اللغات‬ ‫الأوروبية يبدو ألا مثيل لها في العربية‪ .‬وقد اختار فلاسفة العرب ترجمتها إما بـ\"موجود\"‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بين الموضوع والمحمول في القضية أو بـ\"هو\" بينهما‪ .‬وهذا حسب رأيي خطأ علته التخلي عن‬ ‫\"كان\" لجمعها بين دلاتين على الزمان وعلى الدهر أو السرمدية‪.‬‬ ‫فإذا استعملنا كان في كلامنا على الله أفادت الدهر والسرمدية‪ .‬وإذا استعملناها في كلامنا‬ ‫على الأنسان أفادت الزمانية‪ .‬لكنها حتى على الأنسان إذا دققنا النظر فإنها تفيد الأمرين‬ ‫معا بمعنى أنها تفيد سرمدية الثبوت الوجودي وليس الدوام الزماني‪ .‬فعندما أقول كان‬ ‫الإنسان مائتا أفيد الثبوت الوجودي لا الدوام الزماني وافترض‪ :‬ومعنى ذلك أن الإنسان‬ ‫من حيث هو إنسان مائت منزلة وجودية بالقياس إلى القيومية‪.‬‬ ‫فإذن تصبح \"كان الإنسان ميتا\" بمعنى أنه من حيث كيانه الوجودي مائت حتما‪ .‬وهو فعلا‬ ‫من حيث الوجود كائن مائت ولا دخل للزمان في ذلك وهي إذن من ثوابته الوجودية سرمديا‬ ‫أي إنه لا يمكن تصور الإنسان من دون تصوره مائتا حتما‪ .‬أما عندما أتكلم على الله فهل‬ ‫يمكنني أن استعمل كان بالمعنيين في آن؟‬ ‫لا يمكن لأن الاستعمال حينها يفيد وصلة وجودية متحررة من الزمانية‪ .‬وحينها يمكن‬ ‫استعمال كان للدلالة على الوصلة الوجودية بين الموضوع والمحمول بالدلالة الوجودية في‬ ‫الفلسفة اليونانية‪.‬‬ ‫ولأفترض الآن جملة يكون فيها استعمال \"كان\" مؤديا لوظيفة الوصلة الوجودية في اللغات‬ ‫الأوروبية فأقول \"كان زيد مريضا\"‪ .‬ما نلاحظه أمران‪:‬‬ ‫‪ .1‬نفي الفعلية فنقول هي شبه فعل في حين أنها أكثر حتى من الفعل لأن لها خاصية‬ ‫الفعل التي هي الزمانية مع خاصية إضافية هي الوصل الوجودي بين الموضوع والمحمول‪.‬‬ ‫وهو معنى أثرى من الوصلة الوجودية اللامتزمنة‪ .‬لأن التزمن في الوجود ليس خاصية‬ ‫عرضية إذ حتى الله يقول عن نفسه ما يفيد تبدل الشأن‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولكان إضافة ثانية بعد الزمان والوصلة الوجودية هي تعيين حيز الوجود لأن‬ ‫المكان مصدر ميمي من كان‪ .‬فتكون كان العربية أهم من \"موجود\" ومن \"هو\" اللتين اختارهما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فلاسفة العرب لتجرمة الوصلة الوجودية بين الموضوع والمحمول‪ .‬وهي التي تعنيني في‬ ‫البحث الذي يثبت الرؤية التيمية للمعاني الكلية‪.‬‬ ‫ومن ثم فإن \"كان\" تؤدي وظيفة ما يمكن أن يؤسس للمعاني الكلية بمعنييها من حيث هي‬ ‫مقدرات ذهنية نظرية للطبيعيات ومقدرات ذهنية عملية للتاريخيات وهي جامعة النوعين‬ ‫لفهم‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإنسانيات التي هي أصل متفرع إلى أربعة مستويات‪.‬‬ ‫‪ .2‬طبيعي‪.‬‬ ‫‪ .3‬التاريخي‪.‬‬ ‫‪ .4‬فعل الطبيعي في التاريخي كثقافة‬ ‫‪ .5‬فعل التاريخي في الطبيعي‬ ‫وبذلك نستطيع تحديد علاقة الضرورة الشرطية بالحرية الشرطية أي علاقة الطبيعة‬ ‫بالتاريخ وتفاعلهما في الإتجاهين فيصبح التكامل بين نوعي المعاني الكلية التي هي تقديرات‬ ‫ذهنية حلا يمكن من استئناف الفكر الفلسفي على أسس جديدة أهم ما فيها هو اثبات وحدة‬ ‫الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات بوصفه ما يجعل الإنسان قادرا على إبداع هذين‬ ‫النوعين من المقدرات الذهنية أداتين رمزيتين لتأسيس علوم الطبيعة والتاريخ للتعمير‬ ‫ماديا والاستخلاف روحيا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلنا أخيرا إلى ترجمة العلاقة بين الضرورة الشرطية والحرية الشرطية ترجمة تمكن‬ ‫من فهم ما سمتيه \"استراتيجية القرآنية التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية\" محاولة‬ ‫لتفسير القرآن الكريم تفسيرا فلسفيا يطابق رؤية لا تقول بالمطابقين المعرفية والقيمية‪.‬‬ ‫فالقرآن ليس كتابا دينيا مثل الكتب الأخرى سواء كانت الأديان طبيعية أو منزلة‪.‬‬ ‫فهو كتاب يمكن اعتباره متضمنا الدليل القاطع على وحدة الديني في الأديان والفلسفي‬ ‫في الفلسفات كاستراتيجية رؤية لا تتحقق إلا بوصفها سياسية كونية للتعمير والاستخلاف‬ ‫عن طريق التربية التي لا وساطة فيها (التحرر من الكنسية) والحكم الذي لا وصاية فيه‬ ‫(التحرر من الحكم بالحق الإلهي)‪ .‬وهذه الاستراتيجية السياسية الكونية لها هدفان‪:‬‬ ‫‪ .1‬تعيين شروط تعمير الأرض بالعلم المبدع للأدوات وتطبيقه‪ :‬النظر والعقد‬ ‫‪ .2‬وتعيين شروط الاستخلاف بالعمل المبدع للغايات وتطبيقه‪ :‬العمل والشرع‪.‬‬ ‫والجمع بينهما ليس مجرد حياة إنسانية عادية بل هو اختبار لأهلية الإنسان من حيث هو‬ ‫\"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" بصورة كونية‪ .‬فـما معنى بصورة كونية؟‬ ‫إنه تحرير الإنسانية من حدود المكان لإزالة علل التنازع على ثرواته وتحريره من حدود‬ ‫الزمان لإزالة علل التنازع على تراثه‪.‬‬ ‫ومن ثم يصبح توحيد المرجعيات التي كانت علة تفرق الجماعات في المكان بسبب الثروة‬ ‫وفي الزمان بسبب التراث لتحريرها من التعارض مع وحدة الإنسانية والتمايز بين البشر‬ ‫بالعرق واللون والطبقة والجنس (نفي الأخوة الواردة في النساء ‪ )1‬وعلى التعارف بينهم‬ ‫(المساواة الواردة في الحجرات ‪.)13‬‬ ‫وبهذا المعنى فالقرآن استراتيجية سياسية بفرعي السياسة أي بالتربية والحكم اللذين‬ ‫يسعيان لتوحيد مكان البشرية وزمانها والمشترك في مرجعيات ومن ثم فالدولة التي يهدف‬ ‫الإسلام إلى تحقيقها دولة كونية تشمل المكان كله والزمان كله في اختبار التعمير بقيم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الاستخلاف‪ .‬وهذا الاختبار قد يتحول إلى تدمير إذا لم يحقق قيم الاستخلاف فيتحول‬ ‫التاريخ الإنساني إلى حرب أهلية كونية دائمة‪ .‬وإذن فالإسلام يخير البشرية بين عولمتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬عولمة الحرب الأهلية التي تدور حول ثروات الجغرافيا وتراث التاريخ وبمرجعات‬ ‫تتأسس على التمييز بين البشر بالعرق واللون والطبقة والجنس‪.‬‬ ‫‪ .2‬وعولمة الأخوة البشرية بمبدأي النساء ‪( 1‬من نفس واحدة) والحجرات ‪( 13‬بالتعارف‬ ‫معرفة ومعروفا)‪.‬‬ ‫فتصبح سياسة التربية والحكم ساعية إلى تحقيق شروط هذين المبدأين‪-‬الأخوة‬ ‫والمساواة‪ -‬في الفرد والجماعة تكوينا وتنظيما لعلاقات البشر بينهم ومع العالم‪ .‬ومن دون‬ ‫هذا الفهم لا يمكن أن نفهم كيف يكون القرآن رسالة خاتمة تعتبر كل أمة لها رسالة بلسانها‪-‬‬ ‫كونية الوحي ووحدته‪-‬وتعتبر هذا التعدد يمثل إيقاع تاريخ الإنسانية بحيث إن فلسفة‬ ‫التاريخ هي عينها فلسفة الدين أو نظام معان كلية كونية تؤسس النظر والعقد للتعمير‬ ‫والعمل والشرع للاستخلاف عالميا‪.‬‬ ‫ولا بد هنا من إشارة إلى معنى الختم‪ :‬فهو ختم تبين الرشد من الغي الذي كان مساره‬ ‫التوالج بين فلسفة الدين وفلسفة السياسة التي هي التعمير بقيم الاستخلاف أو التدمير‬ ‫بما يناقضها والتي يمكن اعتبار القرآن فلسفة في الدين وفي التاريخ من هذين الوجهين‪.‬‬ ‫وهذه الحقيقة إذا علمت في غايتها لم يبق حاجة لرسل آخرين يذكرون بها بعد أن اكتملت‬ ‫إذ إن ذلك هو مضمون الرسالة الخاتمة‪.‬‬ ‫وتلك هي العلة العميقة لحرب أصحاب العولمة التي ترى التاريخ حربا أهلية كونية بين‬ ‫البشر على أصحاب العولمة التي ترى التاريخ سعيا لتحقيق الأخوة البشرية على أساس‬ ‫الأصل الواحد والرسالة الواحدة والمساواة في المنزلة الوجودية‪ :‬وهذا المعنى الثاني واحد‬ ‫في الديني وفي الفلسفي‪ .‬والمقدمة ليست إلا درسا علميا لشروط وإيقاع تحققها \"العمران‬ ‫البشري (التعمير) والاجتماع الإنساني (الاستخلاف)\"‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الإسلام ليس مستهدفا لأنه أحد الأديان بل لأنه الديني في ما ينبغي أن‬ ‫يكون عليه الدين ولا لأنه إحدى الفلسفات بل لأنه الفلسفي في ما ينبغي أن يكون عليه‬ ‫الفلسفي أي إنه نظام المقدرات الذهنية العملية التي تقتضي أن تتضمن شرطا لتحققها‬ ‫نظام المقدرات الذهنية النظرية من دون تحديد مضمون عيني هو أعيان انطباقه على‬ ‫الآفاق ولأنفس (فصلت ‪ )53‬وبذلك نتبين حقيقة القرآن لما نرى بالتجربة أن ما يشير إليه‬ ‫ليبشر الإنسان بثمرات تحقيق شروط التعمير بقيم الاستخلاف وما ينذر منه أي وخيم‬ ‫السعي إلى تعمير من دونها فيكون تدميرا لا تعميرا يتحققان فعلا فيهما‪.‬‬ ‫وإذن فأعيان انطباقه التي تبين حقيقته هي أعيان الآفاق والأنفس التي وظيفة الإنسان‬ ‫من حيث هو معمر ومستخلف أن يطلب علمها والعمل بها وفيها بفضل ما لديه من معان كلية‬ ‫مقدرة ذهنيا هي ما جهز لأبداعه حتي يستطيع تعمير العالم بترجمة ما يفترضه للطبيعة‬ ‫من قوانين وللتاريخ من سنن يراها في ما يريه الله إياه من آياته فيها‪ :‬والتجهيز هو النظر‬ ‫والعقد للعلم بالضرورة الشرطية في الطبائع والعمل والشرع للعمل الحرية الشرطية في‬ ‫الشرائع‪.‬‬ ‫ولما كان القرآن يضع أن ذلك يجري في المكان كله وفي الزمان كله بشرطي الأخوة الإنسانية‬ ‫(النساء ‪ )1‬والمساواة بين البشر (الحجرات ‪ )13‬فهو إذن مستهدف من كل عولمة تتصور‬ ‫البشر أعداء وغير متساويين فتكون عولمته هي العدو بالنسبة إلى أصحابها‪ .‬ومن ثم فلا‬ ‫يمكن أن يكون ما يجري حاليا من حرب نسقية على الإسلام أمرا يحصل بالصدفة‪.‬‬ ‫وأولى علامات أنه الديني في ما ينبغي أن يكون عليه الدين أنه حرر البشرية على مستوى‬ ‫الرؤية من القول بأن علاقة الرب بالإنسان خاصة بشعب دون شعب بل قال إن كل أمة لها‬ ‫رسول بلسانها و أن الدين الخاتم هو الذي ينطلق من الديني فيها جميعا ليذكر بكونية‬ ‫الديني فيها بمنهج التصديق والهيمنة ويترك حسم ما بينها من خلافات إلى يوم الدين‬ ‫(البقرة ‪ 62‬والمائدة ‪ 69‬والحج ‪ )17‬حتى يضمن التعايش بين أصحابها وحتى يمكن من‬ ‫التسابق في الخيرات وحتى يكون اختيار الدين حرية شخصية دون إكراه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكان بذلك خمسه مخصصا لتاريخ الأديان وتحريفاتها‪ .‬ومن ثم فهو فلسفة الدين النقدية‬ ‫في علاقتها بفلسفة التاريخ النقدية‪ .‬ومن ينكر ذلك لابد أن يكون أعمى البصر والبصيرة‬ ‫أو متحامل إذ ليس المطلوب الإيمان به بل الاعتراف بوجوده فيه حتى وإن رفض الإيمان‬ ‫به‪ .‬وهو ما ظنه الأغبياء ممن يدعون نقد القرآن انتحالا من الأديان الأخرى ولو يروا‬ ‫أن ما يتضمنه ليس انتحالا بل شواهد هي ما يقتضيه تأسيس النقد على نصوص من الكتب‬ ‫المنقودة كما يحصل في تحقيق أي نص ومناقشة ما ورد فيه من آراء كما في عادة البحث‬ ‫الأكاديمي‪.‬‬ ‫ومن هنا جاءت سخافات الاعتماد على الإسرائيليات في التفسير‪ .‬فما فيه منها ليست أمورا‬ ‫يقرها بل هي أمور يوردها شواهد في عملية النقد بمنهج التصديق والهيمنة ويسكت عن‬ ‫بعضها لعلة وردت صراحة في القرآن والحديث‪ :‬فالتعدد الديني حتى وجله محرف ظاهرة‬ ‫لابد من الاعتراف بها والسكوت عنها لأن ذلك من شروط الاحترام المتبادل والمثال هو لا‬ ‫تسبوا معتقدات الآخرين حتى لا يسبوا معتقداتكم‪.‬‬ ‫وذلك هو معنى ترك الحسم بين الأديان إلى يوم الدين (البقرة ‪ 62‬والمائدة ‪ 69‬والحج‬ ‫‪ .)17‬فهدف القرآن تعريف الديني في الأديان وليس المهاترات بين أصحاب التحريف‪.‬‬ ‫والاعتراف بكل الرسل شرطا في الإسلام لا يعني الاعتراف بهم كما يتصورهم تابعو تحريف‬ ‫أديانهم بل كما يصبحون عليه بفضل منهج التصديق والهيمنة القرآني‪.‬‬ ‫بمعنى أن من شروط الإسلام الإيمان بكل الرسل والكتب لا كما هي في شكلها المحرف بل في‬ ‫ما تكون عليه عندما يبرز النقد القرآني لتحريفها ما فيها من هذا اللب الواحد في الأديان‬ ‫والواحد في الفلسفات من حيث طلب الحق بقدر الاستطاعة الإنسانية والذي هو بالذات‬ ‫الإسلام الفاتح والإسلام الخاتم‪ .‬والخاتم ليس إلا تذكيرا بالفاتح أي قدرة المعاني الكلية‬ ‫بصنفيها‪.‬‬ ‫وبعبارة صريحة فالقرآن يعتبر الإنسان قد فطر على ما به يحقق مهمتيه اللتين هما ما‬ ‫لأجله خلق‪-‬وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني‪-‬أي تعمير الكون بقيم الاستخلاف وشرط‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫شروط ذلك تعليمه الأسماء كلها أي القدرة الترميزية التي هي مصدر المعاني الكلية‬ ‫للتقدير الذهني النظري والعملي شرطي قيامه‪.‬‬ ‫ولما يطبق الإنسان هذين القدرتين‪-‬التقدير الذهني النظري ومنه الرياضيات والتقدير‬ ‫الذهني العملي ومنه الأخلاقيات‪-‬ليعالج علاقته بالطبيعة وعلاقته بالتاريخ بهما مطبقين‬ ‫على التجربة الحسية مباشرة أو بتوسط أدوات تكملها يكتشف أن خلق الله أوسع من أن يرد‬ ‫لهذه القدرات التي جهز بها الإنسان وذلك هو الغيب علة استحالة المطابقة لعدم الإحاطة‬ ‫علما وقيمة‪.‬‬ ‫فيصبح تطوير إبداع المقدرات الذهنية النظرية وتطوير إبداع المقدرات الذهنية العملية‬ ‫هو تاريخ إبداع أدوات التعمير وتاريخ ابداع أدوات التنظيم بقيم الاستخلاف‪ .‬ويكون‬ ‫الوعي بذلك هو آخر تذكير يغني عن رسالات جديدة لكنه ليس آخر الاجتهادات في مواصلة‬ ‫الإبداعين بعد أن أعلم القرآن الإنسان أن ذلك مرسوم في كيانه‪.‬‬ ‫وبذلك نعود لـ\"كان\"‪ .‬فهي في آن ذات معنى زماني يفيد التطور وذات معنى وجودي يفيد‬ ‫الثبات في الكيان‪ .‬ويمكن للجمع بين المعنيين أن تكون كان مفيدة للتطور الثابت أو لثبات‬ ‫القانون في تطور الشيء‪ .‬فيكون الإنسان ذا كيان ثابت لاسنن في التطور ومتعين في التعمير‬ ‫والاستخلاف وهما محددان لمنزلته الوجودية‪ .‬لكن تحقيقهما هو رهان التاريخ كله وهو إن‬ ‫صح التعبير عين التاريخ كأحداث وموضوع علمه في ثورة ابن خلدون‪.‬‬ ‫فـ\"كان\" الدالة على السرمدية هي التي تفيد منزلة الإنسان الوجودية من حيث إن قيامه‬ ‫نفسه يعتمد على التعمير بقيم الاستخلاف كما يحددهما القرآن الكريم وكما يحدد طبيعة‬ ‫قوانين الطبيعية وسنن التاريخ وكما يحدد تجهيز الإنسان لتحقيقهما بالنظر والعقد للتعمير‬ ‫وبالعمل والشرع للاستخلاف‪ :‬وذلك هو يان الإنسان من حيث أداة ذاتها وغايتها شرطين‬ ‫لاستقلاله في إعالة نفسه ورعايتها وحمايتها حتى يكون مسؤولا بحق عما كلف به‪.‬‬ ‫لكن هذا الكيان الثابت من حيث كونه منزلة وجودية مناسبة لدور تاريخي إذ إن المنزلة‬ ‫الوجودية تتحقق بنظر الإنسان وعمله أي بتاريخه السياسي الذي هو تاريخ التعمير‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والاستخلاف‪ .‬وخلق في كبد تعني إنه باجتهاده يبدع ما به يصوغ ما يعتبره قوانين الطبيعة‬ ‫للتعامل معها ويبدع ما يعتبره سنن التاريخ للتعامل معه وهذان الابداعان وحصيلتهما هما‬ ‫تاريخه الحضاري الساعي للوحدة‪.‬‬ ‫فتكون المنزلة الوجودية الثابتة هي القانون الأسمى ليس لأنه مرسوم في كيان الإنسان‬ ‫فحسب بل هو مرسوم كذلك في كيان الطبيعة وفي كيان التاريخ بمعنى أن في الطبيعة ما يوفر‬ ‫شروط بقاء الإنسان وفي التاريخ ما يفر شروط تراكم أدوات تحقيق شروط البقاء‪ .‬ومن‬ ‫ثم فالإنسانية حتى وهي في حرب أهلية فعلها تعاوني وحصيلته تراكمية بفضل توارث‬ ‫الحضارات المتوالية وتخاصب الحضارات المتساوقة‪.‬‬ ‫لكنه تعاوني في مستوى شروط التعمير دون أن يكون في مستوى قيم الاستخلاف وتلك هي‬ ‫علة التذكير الأخير‪ .‬ولذلك فهي قد وصلت إلى طرق مسدودة فقبله وبعده لما نسبت ما‬ ‫بشر به وما أنذر منه‪ .‬وهذه الحرب الأهلية الكونية صارت خيارا بين أمرين‪:‬‬ ‫• إما العودة إلى قيم الاستخلاف‬ ‫• أو الفناء بما ينتج من فساد في الأرض‪.‬‬ ‫ومن ثم فالإنسانية اليوم لكأنها مخيرة بين الحل الأمريكي والحل الإسلامي‪ .‬فهل يدرك‬ ‫المسلمون المهمة المنوطة بهم والتي سماها القرآن الكريم الشهادة على العالمين؟‬ ‫هل يدرك المسلمون ما يترتب على ما توجد الإنسانية أمامه من اختيار بين عولمة قيم‬ ‫الاستخلاف الكونية وعولمة قيم الحرب الأهلية الكونية اي بين عولمة الرأسمالية المتوحشة‬ ‫التي تفسد الأرض والإنسان ولها وسائله وعولمة الأخوة الكونية التي ما تزال تائهة وفاقدة‬ ‫لشروط التعمير المحرر من التدمير؟‬ ‫ليس لي من هدف آخر غير جعل شباب الأمة يدرك هذه الحقيقة وأن يدرك أن مسؤوليته‬ ‫ثقيلة لأنه مكلف بالشهادة على العالمين حتى وإن كثر التشكيك في أهلية الأمة لهذه المهمة‪.‬‬ ‫ينبغي أن يعلم الشباب أن أول شروط الشروع في تحقيقها هو العودة إلى الكونية الإسلامية‬ ‫والتحرر مما فرضه أعداؤها من تفتيت لأحياز الكيان‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• تفتيت الجغرافيا لمنع التنمية المادية الضرورية للقيام بالمهمة‪.‬‬ ‫• تفتيت التاريخ الإسلامي لمنع وحدة الأمة الروحية‪.‬‬ ‫وبذلك تفقد شروط قوتها ك لها فتعود مثل غيرها إلى العرقيات والطائفيات والقبليات‪.‬‬ ‫تلك هي علة الحرب الكونية على القرآن وقيمه مرجعية كونية تآخي بين البشر وتساوي‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أخص خاتمة لـ\"ما وراء علاقة الضرورة الشرطية والحرية الشرطية\" استخلص فيها الحل‬ ‫الذي يبين طبيعة المقابلة بين‪:‬‬ ‫‪ .1‬اعتبار المعاني الكلية مقدرات ذهنية رامزة للأشياء وليست مقومة لها (ابن‬ ‫تيمية)‪.‬‬ ‫‪ .2‬واعتبارها حقائق مقومة للأشياء (أرسطو) أي بين نفي المطابقة والقول بها علما‬ ‫وقيمة‪.‬‬ ‫وبذلك أكون قد انهيت الكلام على نظرية ابن تيمية التي تمكن من قراءة القرآن قراءة‬ ‫تحرره مما أفسد فهمه بمعاييره بما فرض عليه من نظرية القول بالمطابقة في المعرفة‬ ‫والقيمة نسيانا لتمييزه بين علم الموجود وعلم القيمة المحيطين المستحيلين على الإنسان‬ ‫واعتبار العلم اجتهادا عقليا والقيمة جهادا خلقيا‪.‬‬ ‫فجوهر الخلاف بين الرؤية التيمية التي أنهت الرؤية الأرسطية لا يتعلق بالتماثل بين‬ ‫دور الرياضيات في الطبيعيات ودور الأخلاقيات في التاريخيات واعتبارهما متعلقين بمقدرات‬ ‫ذهنية مثالية سواء قلنا بأن موضوع الأولى العلمي والثانية القيمي موجودان فعلا أم هما‬ ‫مثالان عقلا وشرعا بل في أمر أعمق من ذلك بكثير‪.‬‬ ‫والأمر الأعمق يتمثل في قيس ابن تيمية علاقتهما بالوجود الخارجي بعلاقة اللغة‬ ‫والكتابة أي إن المعاني الكلية المقدرة ذهنيا لغة أو رموز وليست مقومة للأشياء سواء الخاصة‬ ‫بها أو ما تعبر عنه في الأشياء الخارجية عندما تطبق عليها لتصوغ قوانين الطبيعة وسنن‬ ‫التاريخ‪ .‬فيكون العلم رمزا لرمز‪.‬‬ ‫وقد تحيرت كثيرا في كيفية الجمع بين عدم التقويم والفاعلية العلمية والقيمية‪ .‬كيف‬ ‫يمكن لرموز نصنعها بأنفسنا لنصف الشيء ولرموز نصنعها بأنفسنا لنعبر عما صنعنا في‬ ‫الوصف أن يكونا قادرين على تعاملنا مع الأشياء تعاملا يؤثر فيها؟ لكن الحل كان ضروريا‬ ‫وفي تاريخية المعاني الكلية ما يؤكد العلاج التيمي‪ :‬فلو كان التقويم شرطا في الفاعلية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لاستحال ن نفهم تغير التوصيف في التعامل مع الأشياء إذ نكتشف أن توصيفنا الذي تعاملنا‬ ‫به مع الشيء لم يعد صالحا بعد أن تقدمنا في معرفة علامات أكثر دلالة على ما نعتبره‬ ‫خصائص الشيء‪ .‬هذا الحل أراحني وأقنعني إذ من دونه لا يمكن لفهم تاريخية المعاني‬ ‫الكلية العلمية وتغير تحديد موضوعات النظريات‪ .‬وبين ان الرجل كان بحق مدركا لما‬ ‫يقصده بالوظيفة الرمزية مثل اللسان والكتابة التي يرد إليها التوصيف ولا يعتبره مقوما‬ ‫لماهية الشيء التي قد لا نعلمها أبدا‪ .‬وقد لا تكون كما قال مشروطة بعلم كل ما له به‬ ‫علاقة أي كل العالم وهو ما يشير إليه بمعرفة لوازم الشيء‪.‬‬ ‫والقارئ لن يحيره الرمز الأول الذي يعبر به العالم عن قانون الشيء أي اعتبار العلم‬ ‫رمزا أو لغة‪ .‬لكنه لا يفهم ولا يستطيع أن يستوعب أن يكون موضوعه الذي يعبر عن‬ ‫قانونه هو بدوره رمز من جنسه بمعنى أنه ليس عناصر مقومة للشيء الذي يعتبر موضوع‬ ‫العلم بل هو أيضا رمز لما اعتبر مقوما دون أن يكون بحق مقوما بدليل تغييره في تاريخ‬ ‫المعرفة الإنسانية‪.‬‬ ‫لو انتبه القارئ إلى أن ما يعتبر مقوما للشيء يتغير بحسب مراحل تقدم المعرفة‬ ‫الإنسانية وخاصة بحسب تقدم أدوات الإدراك التجريبي وكلن أيضا بتقدم النظريات التي‬ ‫قد تغير نظام علاقات الاشياء ‪-‬والمعلوم أن أي شيء موضوع للعلم ليس هو إلا منزلته في‬ ‫نظام الأشياء وهو ما يؤيد أن توصفيه رمزي وليس مقوما‪-‬فإنه قد يبدأ التساؤل عن‬ ‫\"المقومية\" في ما يعرف به العلم موضوعه فيبدأ فهم جواب ابن تيمية‪ :‬ما يعرف به‪ .‬الشيء‬ ‫ليس مقوما بل هو اخذ مؤقت لبعض الاعراض رمزا للشي‪.‬‬ ‫ولما كانت الأعراض التي تؤخذ رمزا للشيء وقابلة للتغيير فهي إذن ليست مقومة وتصبح‬ ‫الأعراض التي يعرف بها الشيء ممثلة لكيفية ظهوره للمدرك بحسب تطور أدوات الإدراك‬ ‫في منظومة علم من العلوم بفضل منظومة لغته التي هي رياضية في الطبيعة وخلقية في‬ ‫التاريخ‪ .‬فإذا فهمنا ذلك أمكن فهم ثورة ابن تيمية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولآخذ أبرز مثال دون أن أكون من القائلين بما ينسب إلى أرسطو خطأ وبما ينسب إلى‬ ‫داروين أقصد نظرية تطور الأنواع التي يقال إنها جاءت لدحض القول بثباتها عند‬ ‫أرسطو‪ .‬وهذا نصف الحقيقة حول راي أسطو‪ .‬فصحيح أنه يقول بثبات الأنواع‪ .‬لكن قوله‬ ‫ذاك ليس نفيا للتطور البايولجي بل يعتبر الثابت فيها هو ما انتهى إليه التطور ويستقر‬ ‫عليه ويصير موروثا لأنه حقق غاية التطور النوعي‪ .‬ومن ثم فأرسطو لا ينفي التطور بل‬ ‫ينفي دوامه لوجود شكل مقوم نهائي بعد بلوغ التمام العضوي بتجريب عدة محاولات‪.‬‬ ‫وخلاف ابن تيمية مع أرسطو لا يتعلق بخلاف أرسطو مع داروين لأن الرجلين يشتركان‬ ‫في ما ينفيه ابن تيمية ولا يعنيه ما يتكلمان فيه لأنه حسب رؤيته مبني على القول بالمقومية‬ ‫للعلامات التي يعرف بها الكائن الحي مثلا‪ .‬فداروين يعتبرها خاصيات مقومة متطورة وقد‬ ‫يعوضها العلم بغيرها من الخصائص المتطورة لأن التقويم نفسه عنده متطور‪ .‬وهو ما يبدو‬ ‫منافيا للحجة التي أقنعتني‪.‬‬ ‫لكن اثبات تطور المقومات غير صحيح لأن التطور يتعلق بكيان الكائنات الحية العضوي‬ ‫وليس بوظائفه‪ .‬فحتى لو كان الإنسان حفيد القرد فإن وظائف الحياة واحدة عند الحفيد‬ ‫والجد والاعضاء المختلفة تؤدي نفس الوظائف في كل الظاهرات الحية‪.‬‬ ‫والأعراض أو العلامات التي يتم اختيارها رمزا ممثلا للشيء تعد \"نتوءا\" وقتيا في‬ ‫التعامل مع الشيء وكأنها ممثلـة له بحسب ما عليه حال المعرفة في ذلك الحين وهو يتغير‬ ‫بتغير حال المعرفة وأدوات الأدراك‪ .‬فيكون من ثم مقوما للترميز وليس للشيء المرمز فيه‪.‬‬ ‫والتغير في الترميز القائل وفي الترميز المقول متلازم‪.‬‬ ‫وإذن فما كان يحول دون أرسطو وكل الفلسفة القديمة والوسيطة هو اعتبار الأعراض‬ ‫التي اختيرت لتعريف الشيء ذاتية للشيء ومقومة له وليست علامات يختارها العلم بحسب‬ ‫حاجته ونظام تصنيف الموضوعات بما بينها من علاقات‪ .‬ومن ثم فهي عندهم مقومات ثابتة‬ ‫لا تتغير بعد أن يستقر الشيء في صورته النهائية (البايولوجيا القائلة بثبات الأنواع‬ ‫مثلا)‪ .‬لكن ابن تيمية ينفي التمييز بين نوعي العرض الأرسطيين‪ :‬لا فرق بين ما يسميه‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أرسطو عرضا ذاتيا وهو الوحيد موضوع العلم الاستدلالي لأن الماهيات حدسية وما يسميه‬ ‫عرضا عاما لا يقبل العلم لأنه لامتناه‪.‬‬ ‫لا معنى لذاتية العرض ‪-‬صلة جوهرية بينه وبين حقيقة الشيء‪-‬بل كل الأعراض‬ ‫متماثلة من حيث كونها أعراض الشيء التي يمكن أن تكون رمزا للدلالة عليه كله وما ينتأ‬ ‫منها في لحظة معينة ليس مصدره الشيء بل الاهتمام الإنساني به علميا أو قيميا‪ .‬ولأضرب‬ ‫مثال يعجب له الكثير في الفعل السياسي عامة‪.‬‬ ‫وهو من الظاهرات التي لم أفهمها إلا بفضل نظرية ابن تيمية‪ .‬فغالبا ما يكون أمر تافه‬ ‫جدا سببا لحرب أهلية في المجتمعات البشرية قد يكون متعلقا باللباس أو بالأكل أو حتى‬ ‫بالشعائر الدينية أو السياسية‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬من أين لهذا الأمر التافه الكثافة القيمية التي تجعلـه يحرك شعوبا ويمكن‬ ‫أ ن يوصلها إلى حرب أهلية مثلا أو حربا بين شعبين وهو تافه بالقياس إلى غيره لولا هذا‬ ‫النتوء غير المفهوم؟‬ ‫كيف تنتأ قيمة شيء ليصبح محركا خلقيا للبشر؟‬ ‫وكيف تنتأ دلالة شيء ليصبح محركا علميا أو عمليا لفكر الإنسان؟‬ ‫هذا النتوء العرضي يصبح وكأنه مقوم للشيء لأنه يشغل منزلة في نظام الأشياء في‬ ‫جماعة معينة وفي نظام الخطاب المتعلق بها في لحظة معينة من تاريخ الجماعة العلمي أو‬ ‫العملي يجعله يصبح وكأنه عين الدلالة المكتنزة فيه فيصبح بؤرة الاهتمام علميا أو قيميا‪.‬‬ ‫وقد قدم ابن تيمية حلا عجيبا لهذه المسألة حتى وإن لم يصغها هذا الصوغ‪ .‬فقال‬ ‫يستحيل أن نعلم لوازم لوازم الشيء لأنها لا متناهية ومن ثم فلا يمكن أن نعلم شيئا علما‬ ‫محيطا من دون أن يقتضي ذلك أن نعلم كل شيء ما يعني أن علم أي شيء مهما كان تافها‬ ‫هو علم منزلته في الكون ومنزلة علمه في علم الكون كله‪.‬‬ ‫وإذن فنحن نلحظ في لحظة معينة أن ما كنا نعتبره مقوما من الأعراض ليس مقوما بل‬ ‫هو علامة ما نظنه مقوما وأنه توجد أعراض أخرى تبدو بعده هي المقومة وهكذا دواليك‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كلما تقدم العلم في ذلك المجال فتتغير التعريفات بتغير الأعراض التي نختارها وكأنها‬ ‫مقومات دون أن تكون كذلك وإلا لكانت ثابتة إنها إذن رمز المقول شرط رمز القول‪.‬‬ ‫ومشكل هذه الرؤية يكمن في خطرها وخطورتها‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهي خطيرة لأنها من أكبر الأدلة على أن علمنا شديد النسبية فليس ما نعتبره‬ ‫مقوما ولذلك فلا يوجد علم مطابق لموضوعه فيبقى مجرى الأشياء وكأنه خاضع للصدف‪.‬‬ ‫لكن المتدين ينسب ذلك للقضاء والقدر وليس للصدفة أي لحكمة ذات علم محيط لا يغرب‬ ‫عنه شيء‪ .‬وهو ما يعني أن القائلين بالصدفة والقائلين بالقضاء والقدر يتفقان على أن‬ ‫العلم ليس محيطا وأن ما يحدث لا يمكن توقعه توقعا مطلقا ما لم يظل الوجود ثابتا في‬ ‫الحال التي استنتجنا منها قواعد اعتبرناها ثابتة في حين أنه يمكن أن يحصل ما ليس في‬ ‫الحسبان فتتغير كل الأكوان تعتبر صدفة أو حكمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬أما خطرها فهو عين ما يعيشه الإنسان من كونه يسبح في عالم مجهوله لامتناهي‬ ‫ومعلومه متناه ما قد يؤدي إلى اليأس من الحياة نفسها لأنها تصبح وكأنها مغامرة مطلقة‬ ‫الخضوع للصدفة وأن كل تخطيط قد لا يتجاوز الأذهان فلا يحصل في الأعيان فيصبح‬ ‫الإنسان عبد الخرافة والشعوذة الغالبين على البشر‪.‬‬ ‫وأختم‪ :‬من يفهم ما وصفت يفهم لماذا كانت أهم حرب كان ابن تيمية يخوضها هي حربه‬ ‫على الخرافة والشعوذة باختيار فرضية الكليات العقدية مع الكليات التي يسميها مقدرات‬ ‫ذهنية‪ .‬فما افترضته من مقدرات الذهن العملية قياسا عليه وظيفتها في القيم والاستخلاف‬ ‫مثل الرياضيات في العلوم والتعمير‪.‬‬ ‫ما الفرق حينها بين من يفسر ما لا يمكن توقعه في مجرى الأحداث طبيعية كانت أو خاصة‬ ‫تاريخية بالصدفة وبين من يفسرها بالقضاء والقدر؟ الفرق هو أن الأول يقول بالمطابقة‬ ‫ويعتبر ما لا يطابق إما من إنتاج خيال الإنسان أو من صدف الوجود‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أما الذي يؤمن بالقضاء والقدر فهو في الغالب لا يقول بالمطابقة لا في المعرفة ولا في‬ ‫القيمة‪ .‬ويؤمن أن ما يظنه خيرا يمكن أن يكون شرا وما يظنه شرا يمكن أن يكون خيرا‬ ‫لأنه يعتقد في أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن ما يجري ليس مطابقا لما يعلم بل إن علمه ليس محيطا‪.‬‬ ‫‪ .2‬ويعتقد أن ما يجري له وراءه فاعل حكيم وليس بالصدفة‪.‬‬ ‫ولهذا الفرق في المواقف من العلاقة بين المعرفة والقيمة في علم الإنسان وفي ذاتهما بين‬ ‫المؤمن بالصدفة والمؤمن بفاعل حكيم وراء الوقائع الطبيعية والأحداث التاريخية أثر كبير‬ ‫على سلوك الإنسان وخاصة على الحياة السوية التي لا تكلف النفس ما لا تطيق من حرص‬ ‫على ما ليس لها فيه حيلة لأن الأمر كما أسلفت يتعلق بأمرين لا تناسب بينهما‪ :‬ما نجهله لا‬ ‫متناه وما نعلمه شديد التناهي‪.‬‬ ‫وقد يفهم من ذلك أن المؤمن مستسلم للقضاء والقدر ولا يدري أن الإيمان به مصحوب‬ ‫بأمرين يتجاهلهما من يتكلم عليهما بجهالة‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن ذلك الإيمان مصحوب دائما بأن الإنسان عليه أن يقوم بواجبه في حدود‬ ‫استطاعته اجتهاد بالنظر وجهادا بالعمل‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن المؤمن يعتبر ما يتجاوز ما عليه القيام به اجتهادا في النظر وجهادا في العمل‬ ‫هو الذي ينبغي اعتباره مما جعله الله خارج مستطاعه‪ .‬ومن ثم فهو يؤمن بأن الله لما كلفه‬ ‫لم يطالبه بـما لا يستطيع لأنه ليس إلها بل خليفة‪.‬‬ ‫وهذا هو مفهوم الرضا بالمعنى الديني‪ .‬وهو متعلق بالقيم الخمس‪ :‬يريد الإنسان بحرية‬ ‫ويعلم بصدق ويقدر بخير ويحيا بجمال ويوجد بجلال حتى يكون وفيا لمعاني الإنسان ورئيسا‬ ‫بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له‪ .‬وذلك هو معنى المؤمن الصادق والإنسان الحر‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬