أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
رأينا كيف أن حل عدم التأثيم الخلدوني يطوي صفحة حديث الماضي الذي صار سلاحا طائفيا يسيس كل الحياة ،ويضفي الفوضى على بقية الأنشطة الأربعة الباقية.ورأينا كيف أن القيس عليه ،يمكن من حل يطوي صفحة حديث المستقبل الذي صار سلاحاإيديولوجيا ،يسيس كل الحياة ويضفي الفوضى عليها لينغلق أفق الحاضر .فيكون التحررمن غلق أفقي الحاضر ،تأويلا لحديث الماضي على حدثه ،وتحقيقا لحدث المستقبل بتفعيل حديثه هو البداية الفعلية ،ليبقى التراث روح أمة حية.وهو يكون روح أمة حية ،فيشع فيه النظام الذي تمكن من التمايز والتناسق بين الأنشطة المعبرة عن الإرادة والمعرفة والقدرة والحياة والوجود دون فوضى.لكن الحل الخلدوني لم يؤت أكله .وقد لا يؤتي الحل المقيس عليه أكله ما لم نر كيف فشت الفوضى في الأنشطة بالتسييسين ،سادي الافق الماضي والمستقبلي.وسد الأفق بالإيديولوجية الناتجة عن الفتنتين الكبرى والصغرى ،هو العقم في مجالات الأنشطة الخمسة ماضيا وحاضرا ،وفي إدراك حقيقة التراث ودوره.فسد أفق الماضي بإيديولوجيا الفتنة الكبرى ،قد أدى إلى رد كل التراث إلى بعده السياسي ،فألغى ما عداه فعلا وفهما .وخاصة في فكر الفرق الغالية.ويناظره حاليا سد أفق المستقبل بإيديولوجيا الفتنة الصغرى حصرا في النشاط السياسي، فألغى ما عداه من الأنشطة وعقم العلم والقدرة والحياة والوجود.وأهم علامة ،حلف النخب الحداثية التي تدعي الكلام باسم المستقبل مع بقايا النخب الغالية التي تدعي الثأر للماضي :فيسدوا الأفقين حربا على الإسلام. 31
والإسلام هو تراث الأمة وروحها أو ذاتها الحضارية .فهو ليس مجرد عقيدة دينية مجاورة للتراث ،بل هو فلسفة تاريخ وفلسفة دين متعينتين في تراث حي.لكن هذا المعنى غاب حتى عند معارضي حلف موظفي الفتنتين ،أعني السنة ماضيا وما يسمى بالإسلام السياسي حديثا ،بسبب شبه الاقتصار على رد الفعل.ولا أستثني من فكر السنة إلا من أطلقت عليهم اسم فلاسفة المدرسة النقدية ،أي الغزالي وابن تيمية وابن خلدون ،لأنها في الحاضر لم تتجاوز رد الفعل.والغاية مما أكتبه ،هو محاولة إحياء فكر المدرسة النقدية ،لعل ذلك يسهم في تجاوز رد الفعل السني الحالي ،ليس على الحلف وحده ،بل وكذلك على الاستشراق.وستكون هذه السلسلة حول التراث ،محاولة لتشخيص الداء في العلاقة بالتراث وفي تأثيرها على ما حصل منه بسبب رؤيته التي غلب عليها الطابع المأدلج.ولا بد من ملاحظة ابستمولوجية :فالمعرفة العلمية تمتحن بنتائجها ،أو هي بالأحرىاستراتيجية فرضية استنتاجية دليلها في نتائجها ككل استراتيجية .وهي استراتيجيةمنطقية وظيفتها وضع نموذج رمزي يحاكي ما تفترضه بنية الموضوع الذي تريد تفسيره. فإذا مكن النموذج من تفسير ظاهراته ،اعتبر علميا.وهذه الوظيفة تحرر من الأدلجة التي تسد آفاق الماضي ،فتجمد تأويلات حديثة ،وآفاق المستقبل ،فتجمد حدثه .وبسد الأفقين ،يتوقف الإبداع وتغيب شروطه.ولا يمكن استعادة شروط الإبداع إلا بفتح الأفقين شرطي التواصل ذي الوجهتين المتعامدتين بين البشر أولا ،وبينهم وبين العالم ثانيا اساسا للتبادل.والتبادل ذو اتجاهين متعامدين ايضا :بين البشر ،ثم بينهم وبين العالم .فالبشر لا يتبادلون إلا ما يستمدونه من العالم ،مصدر قيامهم بالعلم والعمل.لكن الأدلجة أنهت التواصل بوجهتيه والتبادل بوجهتيه ،ولم تبق إلى ما ترتب على الفتنتين من الاقتتال بين الناس ،لعلل إيديولوجية تمخض الرغاوي.وتلك هي علة فساد التربية الحكم أداتي تنظيم حياة البشر ،أي ما فيها من تواصل بتوجهيه وتبادل بوجهتيه شرطي الإبداع الحضاري الرمزي والمادي. 32
وفساد التربية والحكم هو سر ما سماه ابن خلدون بفساد معاني الإنسانية الذي يعتبرهسر ضمور الحضارة في الجماعة التي تصبح عالة فلا تبدع ولا تنتج .فيكون فساد معانيالإنسانية وصيرورة الجماعة ،عالة عقيم في التواصل بتوجهيه والتبادل بوجهتيه علة جمودها روحيا وماديا ،فتنكص إلى بداوة دائمة.ولما يحصل هذا النكوص في حضارة ذات ماض مجيد ،فإن أصحابها يسقطون في فصام بين أصل مبدع ومنتج ،وتحريف إيديولوجي يصيبهم بالعقم الرمزي والفعلي.والأصل الذي حرف ،هو الإسلام .والعقم الذي نتج عن التحريف ،هو ما أنتجته الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى التي حرفت الأنشطة الخمسة بالأدلجة ،فقتلتها. وفرضيتنا ستتعلق بهذين المستويين: -الأصل وقيمه التي تؤسس لشروط الإبداع المنتج في التواصلين والتبادلين وشروطهما في الأنشطة الخمسة. -ثم تحريفاته. تلك هي خطة البحث الذي شرعنا فيه حول التراث.وهو شديد التعقيد وقد يطول ،آملا الا تحول دوني الأحداث المتسارعة والفراغ له بمايستحق من جهد نظري .ففيه سأستعرض المستويين والحلول الزائفة التي قدمها أدعياءقراءة التراث مدحا أو ذما ،وخاصة موظفو الفتنتين والاستشراق ورد السنة الساذج عليهم.وهمي لا يقتصر على الاستجابة لحاجة نظرية ،رغم تقديمي النظر على العمل .فالغاية من البحث تحديد شروط العمل على علم ،للخروج من سذاجة الفكر السني. 33
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: