أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 6121621
لما كتب نيتشة كتابه تأملات غير مناسبة للعصر Unzeitgemäße Betrachtungenكان قصده بيان فائدة النقد المتجاوز لحصر المثال في تعيناته التاريخية.فأهمية التاريخ للحياة لا تنحصر في دوره النموذجي والنقد التاريخي يمكن من تجاوز هذا الدور الذي يحول أحيانا دون فتح آفاق الجماعة وتطورها.وهو يثبت أن دور النقد قد يكون هداما ومؤلما لأنه يزيل دفق الحياة ما يكلسها ويحول دون عنفوانها فالنقد ما فيه من تهديم يزيل الميت ويحرر الحي.لكن البعدين الآخرين من التاريخ-المتحفي (علاقة عاطفية بالتاريخ) والمعلمي (دور نموذجي للتاريخ) -يبقيان ضروريين لأن النقد يحررهما من ضيق الأفق.وبهذا المعنى كتبت الفصول الخمسة في علوم المدخل لعلوم الملة :فالنقد فيها هدفه إحياء المتحفي فمحبته دون عبادته تجذير لعروق الجماعة في تربتها.والمعلمي المصحوب بالنقد المنهجي يبقي على الدور النموذجي لكنه لا يؤلهه فيصبح المستقبل مجرد محاكاة لبطولات الماضي بدلا من تجاوزها إلى الأفضل.والحصيلة هي أن نظرية نيتشة في التاريخ (وهي أول نص نقلته إلى العربية سنة 1974 مع التنوير لكنط) بحاجة إلى إضافة تكمل هذين البعدين للتاريخ.فيكون التاريخ :متحفي ومعلمي ونقدي عامة ثم نقدي للمتحفي وللمعلمي .لكن الغاية تبقى ما عناه نيتشة أي من أجل تطور الحياة وتوسيع الآفاق بتجاوز.وهنا يكمن الخلاف معه :فالتجاوز لا يمكن أن يكون مقصورا على اللامتناهي الزائف. فالاكتفاء بالآفاق المتناهية من إرادة القوة مآله اليأس الوجودي.واليأس الوجودي يؤدي إلى الرؤية العبثية التي تنتهي إلى رد التاريخ الإنساني إلى تاريخه الطبيعي فيكون المتحفي والمعلمي والنقدي داروينية عامة. 27 1
وهذا هو الدرس الذي مكن ابن خلدون بوضع فلسفة التاريخ في علاقة بفلسفة الدين دون نفي دور التاريخ الطبيعي من تقديم حل يناسب الرؤية القرآنية.في الفصول الخمسة التي عالجت فيها علوم الملة لم أبحث في قضيتين ذاتي علاقة بنفس الإشكالية ولكن في مجالين آخرين :الآداب ونموذج الحياة.والسؤال :هل النقد في الفنون العربية عامة والآداب خاصة وفي نموذج الحياة الفردية والجمعية يكون بتوثين واقعين واعتبارهما مثالين أعليين؟ وهنا أجد تشابها بين موقفين: -1موقف داعش من التراث الإسلامي المادي. -2موقف من يسمون مجددي الآداب العربية من التراث الغربي :توثين لماضيين.كلاهما يهدم كل تراث يختلف عما تحقق عيني مما يعتبره مثالا أعلى :داعش تهدم كل تراث غير إسلامي والحداثيون يهدمون كل تراث غير غربي :توثين نموذج.لكن الادهى من هذين الفهمين المحرفين للنقد والجامع لهما هو النقد الذي يفرضه حامي الأنظمة العربية عليها من ضرورة تنقية الإسلام مما لا يرضى عنه.إنها داعشية امريكية تؤديها نزعة تزعم نفسها تجديدية عند ليبراليي العرب وعلمانييهم وملحديهم وخاصة ذوي التقية من النخب الباطنية في دار الإسلام.فلا هو نقد ولا تجديد إنه تهديم نسقي هدفه تهديم آخر حصون الأمة الروحية حتى تصبح عزلاء ماديا وروحيا لنقل احتلالها من الأمر الواقع إلى الواجب.والأخطر من داعش وأنصاف المثقفين الذين يدعون التجديد وما يفرضه الحامي على الأنظمة هو ما يقابل ذلك كله فينفي ضرورة الإبداع والتجاوز الدائمين.والذين يؤيدون التدخل الأمريكي في نظام التعليم لضرب آخر حصون المناعة الروحية للأمة لا يفسدون الإسلام فحسب بل يفسدون الإصلاح وهو المستهدف.وبذلك فنحن في وضعية شبيهة جدا بالوضعية التي دفعت الغزالي لكتابة تهافت الفلاسفة .فهو صريح في أنه لا يرد على الفلاسفة بل على أنصاف المثقفين. 27 2
ذلك أنه لا أحد وصل إلى واحد في المائة من نقد الغزالي لعلوم الملة في أحياء علوم الدين .وهدفه الإصلاح وليس التهديم .ونريد مواصلته قدر المستطاع.وبعد كلامي على علوم الملة الخمسة (اثنان نظريان الكلام والفلسفة واثنان عمليان الفقه والتصوف وواحدةأصلها تفسير القرآن) أمر إلى الآداب ومثال الوجود.وطبعا فكما نقدت علوم الملة وخاصة مزيفها فلست أرفض نقد الفنون الأدبية ونمط الوجود وتجديدهما .لكن النقد لا يستبدل أمرا واقعا بأمر واقع آخر.فهذا ليس نقدا بل هو تقليد .النقد هو محاولة تجاوز أمر واقع بفتح آفاق ترينا ما يتجاوز به المثال الأمر الواقع فيوسع الاختيار في مساحة الحرية.ومن يستعيض عن أمر واقع بأمر واقع آخر سواء كان من ماضينا أو من ماضي الغير لا يوسع مساحة الحرية ولا يفتح مجال الاختيار بل هو خاضع لحكم مسبق.وإذن فهو عديم الفكر النقدي والروح النقدية حتى في بعدها الهدام ناهيك عن البعد البناء الذي يتجاوز مرحلة استبعاد الميت لفتح آفاق الوجود الحي.أعود لأقول إن كيان الأمة الروحي الديني والفني ونمط الوجود الجمعي والفردي كل ذلك يتعرض لوحشية تتجاوز وحشية المغول :خمسة أصناف من الدعشنة.الدعشنة المتعارفة ثم دعشنة أدعياء التجديد بالتقليد والتدخل الأمريكي والتأييد الليبرالي والحملة الباطنية على تراث الأمة المادي واللامادي.وإذا كان التهديم النسقي للتراث اللامادي غير بين للعيان فاقدة البصيرة فالتهديم النسقي للتراث المادي بين فيما جرى ويجري في العراق والشام.والتهديم يريد الآن ضرب العروق الروحية للحضارة الإسلامية بفرض نموذج تربوي وتنقية المصدرين مما لا يرضى عنه أعداء الامة في الداخل والخارج.وفرض هذا النموذج لا يهدف إلى اصلاح التربية حتى تصبح اساس التكوين المحقق لشرطي قيام الإنسان السوي :شروط الاستعمار في الأرض وشروط الاستخلاف.فالإصلاح السوي لا يمكن أن ينصح به الاستعمار ولا أدعياء العلمانية والليبرالية وخاصة الباطنية .وهو سابق الوضع في أعمال ثالوث المدرسة النقدية. 27 3
وثالوث المدرسة النقدية للتذكر مؤلف من الغزالي وابن تيمية وابن خلدون .وثلاثتهم انطلقوا من نقد علوم الملة لتحريرها من الزيف وعلل الانحطاط.لن أتكلم في تجديد الشعر والادب لأني كتبت في ذلك الشعر المطلق وابن خلدون لم ينتظر أحدا ليكتب في الشعر فضلا عن شروح فلاسفتنا لكتاب أرسطو.سأكتفي بملاحظات سريعة حول نمط الوجود الفردي والجمعي الذي يراد فرضه سواء بالعودة إلى ماضينا أو إلى ماضي الغرب لأن الحاضر سيال ولا يحاكى.وتشمل ما دون الجماعة الوسطى وما فوقها :فالجماعة الوسطى هي أهل الوطن الواحد وما دونها الأهل المباشرون والفرد وما فوقها الأمة والإنسانية.فما يميز نموذج الوجود في الرؤية الإسلامية التي يراد تعويضها بالنكوص إلى كاريكاتوره أو نموذج الجاهلية أو باستيراد نموج كاريكاتور يعد مثالا؟هو ما يجهله أو يتجاهله من نكص إلى نموذج الجاهلية خلطا بين الأصالة وكاريكاتورها أو صار يعبد نموذج الأوروبي خلطا بين الحداثة وكاريكاتورها.ونموذج الإسلام للوجود الإنساني حداه الشخص الذي يأتي ربه فردا والإنسانية التي من نفس واحدة وبينهما الأهل المباشرون والجماعة الوطنية والأمة.ذلك أن الدين المنزل الوحيد ناهيك عن الأديان الطبيعية تجاوز القوميات وتوجه للإنسان من حيث هو إنسان واعتبر الأديان درجات في تسابق الخيرات.فليس هو دين قومي رسولا ومرسلا إليه ولا هو قومي رسولا صار كونيا بعد إصلاح أحد الحواريين بل هو من الأصل يعرف نفسه بكونه خاتما وللإنسانية كلها.وبعد خطابه الدال على وحدة الإنسانية (النساء )1جاء خطابه الدال على نفي العنصرية والطبقية والجنس معيارا للتمييز بين الناس (الحجرات .)13مسؤولية الفرد ووحدة الأهل العضوية وتضامن الجماعة الوطنية ووحدة الأمة الروحية ووحدة الإنسانية التي تمثل ما يشبه الفرد المتميز في الوجود ككل.وهذه الصورة هي مفهوم الاستخلاف الذي يعد أهلية معينة لا يستحقها إلا المكلفون ولا يعير سلوك الإنسان والإنسانية إلا بمقتضى تقيدهما بقيمها. 27 4
ذلك ما بسببه يحارب أعداء الإسلام حضارته وأمته منذ نزل القرآن إلى الآن. لكن تاريخه كله من نصر إلى نصر ومن انتشار إلى انتشار إلى يوم الدين. 27 5
في هذا الفصل الثاني من التاريخ أبعاده ودلالة نقده الموجب ،انتقل من تعريف أبعاد نموذج الوجود الجمعي في الإسلام إلى نقد النقد الذي يفرض عليه حاليا.ذكرت الدعشنات الخمس التي تدعي نقد نموذج الوجود الإسلامي فتخرب الحصانة الروحية للفرد والأهل والجماعة الوطنية والأمة والإنسانية في حضارتنا.ولن أستطيع نقد هذا النقد المدعشن باسم كاريكاتور التأصيل (داعش التي تدعي الخلافة) وباسم كاريكاتور التحديث (نظيرتها التي تدعي العلمانية).ثم الاستعمار وذراعاه إيران وإسرائيل ،ثم الأنظمة العربية التي تحارب محاولات الشعب للتحرر من الفساد والاستبداد والتحرير من الذراعين والاستعمار.كل هؤلاء يحاربون الإسلام والنموذج الذي يقدمه لحياة الإنسان فردا وأهلا وشعبا وأمة وإنسانية ولا يمكنني أن أنقد نقدهم ما لم أبين هذا النموذج. والاعتراض الاول هو :هل يحتاج نموذج الإسلام للبيان؟ ألا ترى حال الأمة؟ ألم يفقدها نظام تربيتها وحكمها معاني الإنسانية فانحطت أسفل سافلين؟وطبعا يكون كاذبا كل من ينفي حجج هذا الاعتراض ولم يبين علاقتها بما وصفناه من تحريف في علوم الملة خصصنا له خمسة فصول بعنوان مدخل لإصلاحها.ففصول المدخل جزء لا يتجزأ من الرد على هذا الاعتراض الوجيه .ولم يبق إلا أن أبين الطريقة التي حصن بها الإسلام نموذجه وأفسده نظام الحكم والتربية.وهذا البيان فيه رد حاسم على زعم الدولة الإسلامية الفقهية أخلاقية بخلاف الدولة الحديثة التي تنفى عن الأخلاق لكليانيتها (الدولة المستحيلة).ذلك أن الدولة الفقهية في واقع أمرها مختلفة تماما عما هي في نصوص الفقهاء في واجبه. ليس كل ما يقوله الفقهاء هو ما يعملونه وليس ظاهرة كحقيقته. 27 6
وهذا الاختلاف بين واجب الأمر وواقعه هو الذي يكذب استقلال التشريع الفقهي والمجتمع المدني عن السلطة السياسية :كحال فقهاء عصرنا مع حكامه.فما لا يرى فيه الحاكم معارضة لإرادته ينكر للفقهاء حرية ادعاء التشريع باسم رب العالمين .أما ما لا يماشيها فهم مستعدون لتطويع التشريع لخدمته.والاستثناء الذي يوردونه-مثل العز-شاذ يحفظ ولا يقاس عليه ولا يدل على استقلال الفقه .والقيمون على الأوقاف لا يقلون عن الحكام استبدادا وفسادا.ونظرية فوكو في فشو السلطة لا ينفي حجتي بل هو يدعمها في الدولة كدولة دائما .فمن بيده القوة والسلطة والمال يحكم كل من يحكم :سر فشو السلطة.وقد وفقني الله لاكتشاف سر العلاج القرآني لهذا الفشو بصورة تجعله رحمة لا نقمة. ذلك أنه لا يمكن تصور سلطة من دونه إذ هو من جوهرها بل هي هو.فكل سلطة قوة وكل قوة تتمدد ما أمكن لها التمدد حتى تتوقف قوتها عن التأثير بذاتها أو بما يعترضها من قوى أخرى جنيسة أو حائلة دونها والتمدد.وإذا لم نكتشف الحل الإسلامي لهذه الحقيقة التي تمثل القانون الطبيعي بقي الإنسان ضمن الظاهرات الطبيعية فلا يسمو ليرتقي إلى الظاهرات الخلقية.والارتقاء إلى الظاهرات الخلقية سره الوعي الحاد من الظاهرات الطبيعية بالشرائع وضعية كانت أو دينية باعتقادها من إرادة إلهية فيؤمن بقدسيتها.وحتى عندما تكون وضعية فهي ليست نزوات إرادية بل يكون واضعها مؤمنا بأنها ثمرة اجتهاد عقلي يحرر من القانون الطبيعي لأنها ثمرة عودة واعية بها.ومن ثم فالشرائع إذا توفرت فيها حقيقة الشرائع تكون متماثلة سواء كانت دينية أو عقلية لأنهما كلتاهما تعتمدان على ما في الإنسان قابلية للتكليف.وهو الفرق بين القانون الطبيعي والقانون الخلقي .والتربية والحكم ينكصان إلى القانون الطبيعي لأن الاستبداد بهما يجعلهما وازعا أجنبيا لا ذاتيا.والمقابلة بين الوزعين سر اكتشفه ابن خلدون وعلل بالوزع الأجنبي (غير ضمير الفرد) ما سماه بالعنف المفسد لمعاني الإنسانية في الفرد والجماعة. 27 7
وتحريف الشرائع هذا-جعلها تؤثر كوازع خارجي-يحصل في كل دولة استبد بالحكم والتربية فيها فئة حصرت السلطان فيها وجعلت من عداها أدوات تابعة لها.وليس هذا من جوهر الدولة بل من فسادها كما بينت آل عمران التواطؤ بين المستبدين بالحكم (القوة المادية) والتربية (القوة الرمزية) لإفساد الشرائع.وذروة التواطؤ تأليه المسيح لتأسيس الوساطة الكنسية فيتقاسم السلطان الفاسد اصحاب الحكم وأصحاب التربية في دولة فرعونية هامانية رمز التحريف.والرمز عبارة \"اعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر\" .وطبعا الشرائع سواء كانت إيمانية أو دينية كلها لله بمعنى أنها للقيم المتعالية التي نقدسها.{مَا َكانَ ِل َبشَ ٍر أَن يُ ْؤتِ َيهُ اللَّهُ الْ ِك َتابَ َوا ْلحُ ْكمَ وَالنُّبُ َّوةَ ُثمَّ يَ ُقو َل لِلنَّاسِ كُو ُنوا ِعبَادًا لِّي مِنُدو ِن اللَّهِ َو ٰلَ ِكن ُكو ُنوا رَبَّانِ ِّيي َن ِب َما كُنتُمْ تُعَلِّ ُمو َن ا ْلكِتَابَ وَبِ َما ُكنتُمْ تَدْرُسُونَ} .آل عمران 79إنه الرد على التواطؤ بين فرعون وهامان في كل دولة دينية أو علمانية .يؤثنون أصلا يؤسسون عليه التواطؤ بين ممثلي وجهي السلطة المادي والرمزي.كيف يحدث هذا التواطؤ بين من يستبدون بالسلطة المادية (الحكم) وبالسلطة الرمزية (التربية)ليحصل النكوص من القانون الخلقي إلى القانون الطبيعي؟لما كان القرآن قد درس هذه الإشكالية فهو قد قدم لها الحل الذي حال تحريف علوم الملة واستخراجه وسعى نقدة التحريف لتحديده حتى وإن لم يوفقوا.لم يكن الفشل كليا فابن خلدون في ثنايا بحثه في الحكم والتربية وابن تيمية في رده على وحدة الوجود والغزالي رده على الباطنية اقتربوا من الحل.والحل متصل مباشرة بتطبيق مبدأ تقسيم العمل على كل المهام التي من دونها لا يمكن للإنسان أن يكون أهلا للتكليف والاستخلاف :الصفات المقومة الخمسة.فوجها السلطة الفاشية في الجماعة متعينان في الحكم (الوزع الأجنبي) وفي التربية (الوزع الذاتي) .والتحريف ينتج عن استبداد البعض بهما دون البقية.وليجنب الإسلام الإنسانية هذا الداء جعلهما فرض عين فهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين بل هما عين تعريف المؤمن (آل عمران .)110-104 27 8
ويبرز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوزعين الأجنبي (الحكم) والذاتي (التربية) في الصفات المقومة للإنسان الخمس وهي قبس من الروح الإلهي.إنها :الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .إنها مقومات ذاتية للإنسان من حيث هو فرد .وللجماعة منها نصيب صالح لجمعها أو طالح للمستبدين بها.ففي الحكم والتربية لا بد أن يحضر الفرد والجماعة تعبيرا عن الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود حتى تكون الجماعة سيدة ذاتها أي جماعة أحرار.لكن إذا تقاسم المستبدون بالحكم والمستبدون بالتربية التعبير عن الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود واستبعدت الجماعة كنا في مجتمع عبيد.حُ ّرف التعبير عن الإرادة في الحكم بأن أفقدوا البيعة بعدها الجوهري (أن تكون حرة) والشورى دورها (أن تكون مقررة) وأصبحتا شكلتين فاقدتين لدورهما.وحرف التعبير عن العلم بأن حصر الاجتهاد في \"العلماء\" فألغي التشجيع على جرأة البحث من خلال اعتبار الخطأ فيه مأجورا إذا كان قصده لطلب الحقيقة.فكاد البحث العلمي أن يحرم بتحريم جرأة الاجتهاد وتعويضه بالتلقين وبسلطة المشيخة. لكن الإسلام لا يعترف بسلطة لغير القرآن والسنة واخلاص النية.وكما يعتبر الإسلام الإرادة والعلم شأنا جماعيا وفرض عين فكذلك يعتبر القدرة :سواء تمثلت في الاقتصاد أو في الدفاع .فكلاهما شأن جماعي وفرض عين.وكذلك الشأن بالنسبة إلى الحياة أو الذوق سواء تعين في أنماط العيش أو في الفنون فهي ما لخصه ابن خلدون في مفهوم جدير بالاعتبار :الأنس بالعشير.فالغاية الأسمى من الفنون الجميلة هي تحقيق الأنس بالعشير أي ذوق العيش المشترك في الجماعة من حيث هي كائنات واعية بمعاني الوجود وقيم الجمال.أما صفة الوجود هي التي تعبر عن رؤى الوجود والعالم وهي المشترك بين البشر كخلفاء لهم الإرادة والعلم والقدرة والحياة لتجاوز الضرورة بالحرية.والحرية التي هي شرط التكليف هي ما لأجله اعتبر آدم جديرا بالاستخلاف رغم حجة الملائكة التي لم ينفها الله عندما استخلفه وأجل ابليس ليوم الدين. 27 9
تلك هي المعاني التي أصبحت غائبة بسبب التحريف الذي طرأ على علوم الملة والتي حاول الغزالي وابن تيمية وابن خلدون بعملهم النقدي تحريرها منه.ومجرد بيان هذه المعاني هو نقد للنقد الذي يمثله الدواعش الخمسة فهم لا يريدون إصلاحا بل مزيد التحريف بالميت من الحضارتين الإسلامية والغربية.أنهي كلامي على نقد التاريخ ودلالته الموجبة بحثا عن إصلاح علوم الملة وشرائعها التي بها تستأنف دورها أعني الحكم والتربية في دولة الإسلام.لكني في آن أكون قد أضفت عنصرا مهما في نقد خرافة الدولة المستحيلة :ما أقوله ليس خاصا بدولة دون أخرى .فهي جوهر السلطان الفاشي في كل جماعة.والفشو السلطاني في الجماعة إن لم يكن موزعا بالعدل بينها ليسهم الجميع في إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها يصبح استبدادا وفساد شرائع.فالقرآن من ألفه إلى يائه ليس هو إلا علاجا لهذه القضية حتى إنه يعرف الإيمان بها (آل عمران )110-104فالآخرة تقييما لأعمال الدنيا وجزاء عليها.وأفهم جيدا ألا يدرك الكثير دلالة مثل هذه المعاني التي يمثل غيابها علة كل المآزق التي تعاني منها الامة :ويمكن ارجاعها لمربع الأنصاف التيمي.ومربع الأنصاف التيمي :نصف الفقيه يفسد البلدان ونصف المتكلم يفسد الأديان ونصف الطبيب يفسد الابدان ونصف اللغوي يفسد اللسان.وغالبا ما يكون هؤلاء الأنصاف خدم وطبالين للربع السياسي الذي يفسد معاني الإنسانية بحكم مستبد وفاسد يحيط نفسه بتربية هدفها جعله طبيعة ثانية.تلك هي الحال التي وصفها الغزالي الذي انطلق من أنصاف مثقفي عصره وواصلها ابن تيمية وابن خلدون في كلامه على الاستبداد والفساد وتخريب البلاد.فقد بيّن أن فساد معاني الإنسانية الخلقية والمدنية وحتى النفسية مردها إلى فساد الحكم والتربية المستبدين وهما وجها سياسة يعارضها الإسلام.والحرب على الإسلام علتها هذه المعارضة للسياسة بوجهيها الحكمي والتربوي المفسدين لمعاني الإنسانية سواء في كل دولة على حدة أو في العالم كله. 27 10
لذلك فلا بد أن تكون الحرب على الإسلام عالمية :ذلك أن حلوله ليس محلية ولا اقليمية ولا خاصة بالمسلمين بل هي تشمل من يخاطبهم {يا أيها الناس}.وهي تشملهم بمعنى النساء (1الأخوة البشرية) والحجرات ( 13المساواة بين البشر) وهما شرطا تحرير البشرية من أدواء عولمة الدواعش الخمسة. 27 11
ونصل إلى الفصل الثالث في نقد التاريخ موجبه.هل تحريف السياسة ببعديها حكما وتربية ظاهرة خاصة بدولة الإسلام؟ أم هي أفسدت الدولة الحديثة كذلك؟فما يتهمه القائلون بالدولة المستحيلة هم كاريكاتور الحداثة الخالط بين دولتها وتحريفها الاستعماري .والدليل رأي مؤسسي الحداثة ونقادها الحاليين.فالقائل بأخلاقية الدولة الفقهية ونفيها عن الحديثة يقع في خطأين :يخلط بين دولة الإسلام وكلام الفقهاء وبين دولة الحداثة وأفعال الاستعمار بها.فما يقوله الفقهاء يبدو مطابقا لحقيقة الدولة رغم كونه يستند إلى كذبتين بينتين لمن يعلم التاريخ جيد العلم :لا سلطان للفقهاء مستقل عن الحكام.وسأستعمل نظرية المقاصد التي لا أقول بها لأدحض هذه الكذبة :هل يستطيع الفقيه منع الحاكم من مصادرة الملكية الخاصة؟ أومن الإكراه في الدين؟هل يستطيع فرض حرية العقل؟ أو حماية العرض؟ أو حماية الحياة؟ كان السلطان - وهو صاحب الحامية العسكرية-يفعل ما يريد والفقيه يبرر كما نراهم الآن.وإذن فهذه الكذبة التي تدعي أن المجتمع المدني كان مستقلا بالسلطتين الرمزية والاقتصادية من أوهام الخلط بين القول والفعل في عمل الفقهاء.ومثال العز بن عبد السلام حالة شاذة لا يقاس عليها وحتى هي فهي قابلة للمبدأ الذي كان عاما :كانت سياسة الحكم في الحرب بحاجة لوساطته الشعبية.هي إذن كذبة تصدق خدعة سياسية :كلما احتاج السلطان السياسي للسلطان الرمزي يضخم دوره وهذه القاعدة صحيحة دائما في أي حكم دينيا كان أو علمانيا. الكذبة الثانية تتعلق بالدولة الحديثة. 27 12
فسواء نظرنا في الفلسفة التي تؤسسها أو في محاولات إصلاح تحريفاتها الحالية نجد الهم الخلقي هو الأساس.فما يبدو من ذرائعية وماكيافيلية في العمل السياسي ذاتي للسياسي عامة وهو في نفس الوقت موضوع نقده حتى من السياسيين :فمفهوم المعارضة مبني عليه.ومؤسسات المعارضة جزء لا يتجزأ من الدولة الحديثة -لم يكن ذلك متيسرا في الدولة الفقهية-ولذلك فهذا البعد الخلقي مقوم ذاتي للسياسي فيها.لكن الأهم من ذلك كله هو أن محاولات إصلاح الديموقراطية الحديثة وخاصة منذ عزوف المواطنين على المشاركة في الانتخابات يميل إلى جعلها فرض عين.فالديموقراطية المباشرة بديل من ديموقراطية التمثيل حلا للعزوف عن الانتخابات يعود إلى الحل الإسلامي بتعريف الإنسان بدوره في الشأن العام.فيكون ما يعرف به الإسلام المؤمن بدوره في دولته هو ما يعرف به الفكر الحديث المواطن بدوره في دولته :كلاهما يعتبر دوره فرض عين مقوما للسلطة.وهذا التعريف هو ما خانه التصور الفقهي الوسيط من دولة الإسلام وما خانه التصور الاستعماري الحديث من دولة الحداثة :كلاهما حرف حقيقة الدولة.وكلاهما من ثم نزع منها البعد الخلقي ولم يبق فيها إلا البعد الطبيعي (الشوكة) جاعلا من البعد الخلقي (الشرعية) مجرد إيديولوجيا خطاب كاذب.القائلون بالدولة المستحيلة يصدقون كذب الفقهاء في الكلام على أخلاق دولتهم وينقدون كذب الساسة في الكلام على أخلاق دولتهم :وهذا ليس من العدل.فكل دولة من أقدمها إلى أحدثها إذا نظر إليها طبيعيا كانت الشوكة ومقدمة وهي سر الاستبداد والفساد وإذا نظر إلى محاولة تحريرها قدمت الشرعية.وبهذا المعيار فالدولة الحديثة أكثر خلقية من دولة الفقهاء .وذلك لعلتين :الوجود الفعلي للمعارضة وتقييد سلطان الحكام بمؤسسات تحمي المواطن.وهذان الامران لا وجود لهما في الدولة الوسيطة إسلامية كانت أو مسيحية أو وثنية. لذلك فكل ما يقال عن الدولة المستحيلة علته أحكام مسبقة سطحية. 27 13
وأي دراسة جدية للأمر كما يتحدد بطبيعته أي بآليات فعله وانفعاله وبمستويي وجوده كبنية عامة ذات خانات مؤسسية وكتعين في أشخاص تملا تلك الخانات. ذلك أن الأخلاق تحضر في الدولة مرتين: -1بنيتها كمنظومة مؤسسات أو أجهزة تحقق بها الدولة وظائفها العشر. -2تعين البنية بأشخاص بيدهم سلط الدولة.وفي منظومة البنية السياسية للدولة الحديثة المعارضة والاعلام ودور الشعب ذات تأثير فعلي في السلطة فتحد من إطلاقها وتقيدها بخلاف دولة الفقهاء.والأشخاص الذين يملؤون هذه المؤسسات لفترة في الحكم يحتاجون للحد من تسلطهم خوفا من فقدان السلطة وطمعا في العودة إذا فقدوها بحكم التداول.فإذا أضفنا أن حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية صارت من وظائف مؤسسات الدولة المقيدة بقوانين علمنا الدور الخلقي.لذلك لم أفهم عناد من يريد أن يعتبر الاحكام المسبقة للكاريكاتورين من الإسلام والحداثة حكما في النظريات السياسية والخلقية بمنطق بوكو حرام.دولة الإسلام بعد تخليصها من كاريكاتور داعش عنها لا تبعد كثيرا عن دولة الحداثة بعد تخليصها من كاريكاتور الاستعمار عنها :لا بد من شوكة شرعية.والشوكة ضرورية للحكم السياسي لكنها تستمد شرعيتها من الأخلاق فعلا وثمرة :والفعل هو دور المؤمن في دولة الإسلام ودور المواطن في دولة الحداثة.حقوق الإنسان وكرامته وحريته .ومن لا يسهم في قيام الدولة بالعناية بالشأن العام وبالأخلاق العامة لا يمكن أن يعتبر إنسانا حرا.لا أعجب من عدم مثل هذه الحقائق اللطيفة .فالخروج من حجب الإيديولوجيا ليس في متناول أي إنسان لان التحرر من الأحكام المسبقة مهمة شديدة العسر.ما أعجب منه هو محاولة إضفاء الصبغة الأكاديمية على الاحكام المسبقة وإهمال شرط المعرفة العلمية الوثيقة :فالدولة كيان من طبيعة طبيعية وخلقية. 27 14
والطبيعي فيها أنها لا تقوم من دون شوكة أي قوة مادية سماها ابن خلدون بالوازع الأجنبي وقوة خلقية سماها ابن خلدون بالوازع الذاتي (الضمير).ولذلك فحتى أعتى الأنظمة المستبدة تبقى بحاجة إلى ما يغطي عن طغيانها فتستعمل الكذب سواء كان فقهيا أو علمانيا لإضفاء الشرعية على أفعالها.وهذا التبرير المشرع للطغيان يغلب على دولة الفقهاء أكثر من غلبته على الدولة الحديثة مهما استعملت من بروباجندا لوجود المعارضة والاعلام.وهذه الحروز الحائلة دون الطغيان المطلق لم تكن موجودة في دولة الفقهاء وهي موجودة حتى في دولة بشار والسيسي رغم غلبة الطابع الشكلي عليها.فإذا أضفنا أن هذه الحروز صارت دولية تبين أن الدولة الحديثة رغم أدوات سلطانها العلنية والسرية تبقى أقرب بالفعل إلى الأخلاق من دولة الفقهاء.وما يعاب على الدول الحديثة في سياسة العالم الاستعمار لا الحداثة :ازدواجية المعايير. ما تطبقه في الداخل يحترم تلك الحروز أما في الخارج فلا.وبهذا تتميز عليها دولة الإسلام التي لا تمثلها دولة الفقهاء التي حرفتها :فهذه الدولة ترفض المعايير المزدوجة بمقتضى النساء 1والحجرات .13تلك هي العناصر التي كان ينبغي أن أضيفها نقدا لنقد الإسلام ونظرياته في الدولة ببعديها حكما وتربية أو بعاملي فعلها شوكة وشرعية. والله الموفق. 27 15
لم يبق إلا أن نجيب عن سؤالين أخيرين لنفرغ من الكلام على النقد التاريخي ودوره الإيجابي. الأول :ما القصد بالبنية المجردة الثابتة للدولة عامة؟والثاني :كيف يقع ملء هذه البنية وكيف تطور ذلك بصورة تجعله ملئا يحافظ على البعد الخلقي في إدارة الدولة واستعمال السلطة داخليا ودوليا؟وبذلك نكون قد أكملنا الكلام على النقد التاريخي وعلى دحض اسطورة الدولة المستحيلة. خيار إما دولة الأخلاق أو دولة الحداثة طريق مسدودة بالطبع.وهي مسدودة لأنها خيار بين امرين لا يقبلان الفصل :فلا أخلاق بدون دولة ولا دولة بدون أخلاق .وتحديد بنية الدولة المجردة وشروط ملئها تقدم خلقي.فلأجب الآن عن السؤال الأول :ما القصد بالبنية المجردة للدولة من حيث الوظائف وليس من حيث الأعضاء التي تحققها والتي يتعلق بها التغير والتطور؟كل دولة رغم أنها كيان اعتباري يتعين في الجماعة ليصبح ذا كيان مادي هو مؤسساتها وقوانينها والقيمين عليها لها خمس مستويات ثابتة من بداية التاريخ.والمستوى الأوسط هو النظام السياسي أو القواعد العامة وهي عادة عرفية لتنظيم السلطات في الجماعة وتنتج عن مستويين قبلها وتنتج مستويين بعدها. مستويان قبلها: -1المرجعية (دينية أو غير دينية) -2القوى السياسية (حزبية او غير حزبية). مستويان بعدها: -4الوظائف العشر بإدارتها 27 16
-5الحاكم والمعارضوالقلب -3هو نظام الحكم (دستور مكتوب أو عرفي هو نتيجة ما قبله ومقدمة ما بعده) وتلك هي البنية المجردة التي تمثل خانات خالية تملأ بالقيمين عليها.وما ينبغي إثباته هو ثبات هذه البنية التي لا تخلو منها دولة منذ الفراعنة إلى اليوم (اختار الفراعنة لأن دولتهم من أقدم الدول المعلومة تاريخيا).العنصر الأول من المستوى الأول أي المرجعية العقدية لا جدال فيه .لكن الثاني منه يبدو مفقودا :توجد قوى سياسية؟ نعم هي التنافس على الحكم في الأسرة الحاكمة. الوسط أو 3مفروغ منه :لا بد من نظام حكم قبلي ملكي إلخ... -4الوظائف وسأطيل الكلام عليه. -5الحكم والمعارضة (في الحكم نفسه لطبيعة التنافس)وما أثبته في الدولة الفرعونية ب ّين بنفسه في الدولة الحديثة :فهي بالفعل وصريحة في كل دولة حديثة وهي كذلك صريحة في شكل دولة الاسلام الأخير.ومن أراد أن يتأكد فليقرأ توزيع السلط في الدولة الإسلامية بين الخليفة والسلطان كما يعرضهما ابن خلدون في المقدمة بابها الثالث. فلنمر للوظائف.الوظائف عشر حصرا وهي عناصر كذلك خانات خالية تتعين بمن يملأها وهي تنقسم إلى خمس للحماية الداخلية والخارجية وخمس للرعاية التكوينية والتموينية.وهي وظائف الدولة التي يذكرها القرآن بذكرها وما تعالجه :آمنهم من خوف للحماية الداخلية والخارجية وأطعمهم من جوع للرعاية التكوينية والتموينية.فالحماية الداخلية هي القضاء والأمن الداخلي والحماية الخارجية هي الدبلوماسية والأمن الخارجي أو الدفاع .وأصلها الاستعلام والإعلام السياسيين.خانات توجد في بنية أي دولة وتكون إطارا مؤسسيا خاليا يملأ بمن يكلف بهذه المهام أي القضاة والأمنيين والدبلوماسيين والعسكريين والاستعلاميين. 27 17
ومهما كانت الدولة بدائية تحتاج للقضاء والأمن والدبلوماسية والدافع والاستعلام والإعلام فالعمل على علم بمعرفة ما يجري في الجماعة وحولها.كل من يتوهم غياب واحدة من هذه الوظائف لا يدرك معنى الحماية التي هي وظيفة الدولة الأولى .وذكر القرآن لها بعد أطعمهم من جوع ذات علة عميقة.فالحاجة إلى الحماية علتها الصراع على الرزق ومن ثم فالإطعام من جوع وأسبابه هما علة الحماية داخليا وخارجيا :كلما قل الرزق ازدادت الحاجة إليها.وإذن فوظائف الحماية علتها حاجة وظائف الرعاية قبل كل شيء :التكوينية بالتربية والمجتمع والتموينية بالثقافة والاقتصاد وأصلها البحث العلمي.فكل دولة تحتاج لتكوين الإنسان بتربية نظامية وبنظام المجتمع نفسه تحتاج لتموين الإنسان ثقافيا (انتاج رمزي) واقتصاديا :وأصلها البحث العلمي.الاستعلام السياسي يخص شروط الحماية وأحوال الجماعة داخليا وخارجيا جزءا من البحث العلمي الشامل حول المعرفة العلمية بأسباب الرزق والحماية.فيكون للمعرفة العلمية دوران :حول علاقات البشر في الداخل والخارج لتحقيق السلم بينهم وحول علاقاتهم بمحيطهم الطبيعي خاصة لتحقيق شروط العيش.وحتى يتأكد المعاندون فإن الطبقة الدينية في مصر كانت هذه وظيفتها الأولى وخاصة في علم الهندسة والفلك حتى يتحكموا في قسمة الأرض ومياه النيل.وكنت أتصور ما أقوله عن هذه البنية المجردة الثابتة بديهية وما كنت لأطيل الكلام لم أجابه بتخريف من يتقحم الكلام في علاقة الدولة بالأخلاق.فالأخلاق مستحيلة التصور من دون الدولة وهي مستحيلة التصور من دون الأخلاق سواء كانت الدولة قديمة أو حديثة وسواء كانت الأخلاق صادقة أو زائفة.وهذه الوظائف لا تتعين إلا في إدارة بنيتها هي توزيع هذه الوظائف على مساحة الدولة داخليا وعلى حدودها خارجيا وبحسب أنماط العيش فيها وحجمه.وهذه الإدارة الوظيفية تسيرها الحكومة والمعارضة للإدارة السياسية وذلك بمقتضى نظام الحكم والقوى السياسية والمرجعية المؤسسة للجماعة والدولة. 27 18
وسنرى في الجواب عن السؤال الثاني كيف تملأ هذه الخانات البنيوية الثابتة في كل دولة باعتبارها كيانا معنويا هو عين كيان الجماعة الخلقي والروحي.وقد سماها ابن خلدون بمصطلح فلسفي ليس ارسطيا إلا كلفظ لإفادته معنى غير ممكن لدى أرسطو :فنموذج الدولة الأرسطية هو الاسرة :صورة العمران.صورة العمران هي نموذج الأسرة المتغيرة بحسب نموذج أعمق يجمع بين شروط الحماية والرعاية :صورة الدولة هي صورة الحماية والرعاية عند ابن خلدون.أما مادتها فلا تعني المادة الطينة -الهيولا -بلغة أرسطو بل هي شروط المدد الذي يقيم دولة الجماعة بتوفير شروط الرعاية وما تحتاج إليه من حماية.لذلك اعتبرت وظائف الدولة من الثوابت لأنها تجمع بين القانون الطبيعي (الحاجة للحماية والرعاية) والقانون الخلقي بتقديم الشرعية على الشوكة.فبما هي شوكة الدولة ظاهرة طبيعية وبما هي شرعية الدولة ظاهرة خلقية .والإنسان قد يضطر للاكتفاء بالشوكة عندما يجوع ويخاف .الشرعية للإنسان الحر.الجمع بين الضرورة والحرية هو الجمع بين الطبيعة والأخلاق أو بين الطبائع والشرائع. ولا يمكن الفصل بينهما أبدا .وذلك في كل دولة قديمة أو حديثة.وبهذا المعنى فدولة الفقهاء ليست دون الدولة الحديثة أخلاقا بل هي دون الدولة الفرعونية .ذلك أن طبقة رجال الدين المصرية أو الكتبة كانوا علماء.كانوا علماء بالدنيا والدين لا مجرد فقهاء يتصورون العلم بالدين ممكن من دون العلم بالدنيا .فلا يمكن أن يكون الإنسان خليفة ما لم يعمر الارض.والدليل أن أرسطو في المقالة الأولى من الميتافيزيقا (مقالة الالف الكبرى) يعتبر رجال الدين المصريين-ليس دجالي السيسي-هم مؤسسي علم الرياضيات.وحتى نتحرر من تخريف الدعاة فليعلموا أن صلاح الدين الأيوبي لم يتنصر بالدعاء وإن كان ضروريا رمزا للإيمان بل كان مفتيه من كبار الرياضيين.فهو واضع نظرية البركار التام الذي يمكن من بناء كل القطوع المخروطية أعني إحدى أهم الإشكالات الرياضية في العلاج الفعلي حتى لترتيب الجيوش. 27 19
وكان طبيعة من أكبر الرياضيين الذين هاجروا من الأندلس وهو يهودي أسلم لأنه ربي في بيئة إسلامية يعترف لها بالفضل في ثقافته الدينية والعلمية.وقد تكلمت أمس على الأهمية الرمزية لصلاح الدين الأيوبي ولم أشر إلى دور الثقافة العلمية التي ساعدت المسلمين على ربح الحرب ضد الصليبيين.ولأختم بأن دور الأخلاق في الدولة ليس مقصورا على الاعتقاد القيمي بل يمتد إلى أمرين يتناساهما المتكلمون على الأخلاق بغير علم بها وبالإسلام.فأولا أكبر مقت عند الله القول بلا عمل .والعمل بلا علم مستحيل لأنه خبط عشواء. لذلك فالأخلاق هي العمل على علم لتحقيق مقومي وجود الإنسان الحر.فالإنسان الحر هو الإنسان المكلف والمسؤول .وهو مكلف بتعمير الأرض ويقيم عمله لبيان أهليته للخلافة بهذا التعمير المشروط بقيم الاستخلاف.الاقتصار على ترديد الشعارات الإيمانية والخلقية اللفظية ليس دليلا على معرفة بشرع الله بل هو الجهل عينه :فكل عمل ليس على علم فاقد لشرط خلقيته.إنه أساس تعريف الإنسان في القرآن بدوره في تعمير الأرض وفي المشاركة في رعاية شروط التعمير بقيم الاستخلاف :آل عمران 110-104لينتسب إلى الخيرية.وهذا يقتضي التحرر من علتي تحريف العلوم الإسلامية :عدم احترام سابعة آل عمران وعدم احترام فصلت .53علل الفتن والعلوم الزائفة فكان الانحطاط.وقد حاولت المدرسة النقدية -الغزالي وابن تيمية وابن خلدون-تحرير الفكر النظري والعملي من العلتين لكن الأمر بم يتغير كثيرا بعدهم فتجمد الفكر. 27 20
ونصل الآن إلى الفصل الخامس والاخير من نقد التاريخ الموجب. كيف تملأ خانات البنية المجردة للدولة في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية؟قوة النظرية الخلدونية وحداثتها العجيبتين تعالج المشكلتين في آن :فما يحصل في الداخل وفي الخارج لملء الخانات المجردة والتداول على السلطة واحد.وأقصد أنه يخضع لقانون واحد يقبل الرد إلى علاقة التناسب العكسي بين القانونين الطبيعي والخلقي أو علاقة التناسب العكسي بين البداوة الحضارة.ولعلاقة التناسب العكسي بين القانونين الطبيعي والخلقي وبين شكلي تعينهما البدوي والحضري شكلان في الداخل وشكلان في الخارج وأصل جامع بينها.ففي الداخل التداول على ملء الخانات عنيف في الأسرة الحاكمة وفي العصبيات المنتسبة لنفس الجماعة. وبهذين يتحدد عمر دولة أسرية ودولة عامة.فيتكلم ابن خلدون على دولة العرب وهي جامعة بين دول عربية أسرية تداولت على الحكم إلى سقوط الخلافة العباسية .وهذا تداول داخلي في نفس الجماعة.وهو تداول عنيف إما بالموت الطبيعي أو بالقتل في الاسرة الحاكمة أو بين العصبيات في نفس الجماعة وفي مثالنا بين عصبيات عربية متحالفة مع موالي.والمستوى الثاني من ملء الخانات يتعلق بسياسة العالم السياسة الدولية :درجتان بين الدول المتجاورة أو بينها وبين الجماعات البدوية الغازية.وهنا أيضا المنطق بايولوجي اي إن الملء والتداول يكون بالتنافي الناتج عن قضاء الغالب على دولة المغلوب وأحيانا على وجوده أصلا والفتح عكسه.فالفتح يمكن أن يقضي على الدولة المفتوحة لكنه لا يقضي على شعبها وعلى ثقافتها التي لا تناقض رسالته .فهو ليس غزو قبائل بدوية بل تبشير برسالة. 27 21
وأصل الأشكال الأربعة (اثنان في السياسة الداخلية واثنان في السياسة الدولية) يعرّفه ابن خلدون بما يشبه وحدة الإنسانية بتوارث ما تحققه في التاريخ الكوني.وهذا التوارث في التاريخ الكوني يتعلق بشكل الدولة كدولة وبوظائفها التي تصبح خبرات مع ثمراتها الحضارية التي تصبح عادات وأعراف للإنسانية.ولهذه العلة فالتاريخ عند المسلمين -والنموذج هو القرآن-عالمي بالجوهر :تاريخ الأمم المعروفة وما توارثته بعضها عن البعض في العمران والاجتماع.وفي هذه المستويات الخمسة لابد من وجود صورة نموذجية عن الدولة أو نظام العيش المشترك للجماعة في مقومات الدولة التي أحصيناها في الفصل الرابع.وتلك هي وظيفة المرجعية التي تمثل هوية الجماعة الروحية وأساس القوى السياسية والنظام السياسي ووظائف الدولة والحكومة التي تعنى بهذه الوظائف.فحتى الجماعات المتوحشة التي تغزو الدول المتحضرة (المغول ودولة الإسلام) لابد من وجود هذه المستويات الخمسة شرطا لانتظامها كجماعة فاعلة سياسيا.فالغزو حتى لما يكون بدائيا كما في مثال المغول ضد دولة الإسلام وبرابرة أوروبا ضد دولة روما يعد فعلا سياسيا بالضرورة فغرضه السيطرة على الرزق.وإذن فهو يرد إلى مشكل الحماية والرعاية :آمنهم من خوف وأطعمهم من رزق. وهوخاضع للقانون الطبيعي وخال من القانون الخلقي الكوني مثل كل استعمار.وبذلك نميزه عن الفتح :ذلك أن \"لكم ما لنا وعليكم ما علينا\" تعني الخضوع لنفس القانون الذي تسعى الرسالة لتحقيقه وهو النساء 1والحجرات .13بعبارة أوضح الفتح الإسلامي هدفه تغيير الاصل :من الغزو من أجل الرزق -منطق الجاهلية-إلى نشر رسالة تحرر حرب الرزق بالأخوة والمساواة بين البشر.فإذا أصلح الأصل يصبح ملء الخانات والتداول على الحكم خاضعا لشرائع تحرر من سلطان الطبائع .ولما أسقطت الفتنة هذا الإصلاح أصبحنا في حالة طوارئ.وهي حالة دامت منذ نهاية العهد الراشدي إلى الآن .والعرب والمسلمون يحاولون التخلص من حالة الطواري والعودة إلى المبدأ العام :الشورى .38 27 22
ومن علامات التحريف المذكور في هذه الفصول وفيما تقدم عليها في فصول المدخل الخمسة إفساد نظرية الحكم في فهم الشورى .38وسبق أن شرحتها.جعلوا أولى الأمر أصحابه فلم يبقى لنسبته إلى الجماعة معنى .وجعلوهم لا يستمدون تكليفهم بالأمر من الأمة بل من الغلبة فصار الأمر الواقع واجبا.وأسقطوا شرط الطاعة الذي هو لا طاعة في معصية الله بحصر المعصية في العبادات واخرجوا شرط الإيمان القرآن في آل عمران 110-104تحريفا لا شك فيه.وإذا كان ابن تيمية قد حاول ارجاع الأمر إلى نصابه ببيان أن ولاية الأمر حكمها الأمانة وشرطها العدل (النساء )58فإن نسبة الأمر في الشورى حاسمة.فهي تعتبر الجماعة المستجيبين لربهم وتنسب إليهم الأمر (طبيعة الحكم) وتعين إدارته بالشورى (أسلوب الحكم) مفهومان معلومان في فلسفة السياسة.فنسبة الأمر للجماعة يعني أن طبيعة الحكم جمهوري (أمر الجماعة=راس بوبليكا) وتحديد أسلوبه بالشورى يعني أنه ديموقراطي (شورى بينهم=ديموقراطية).فيكون النظام الذي تحدده الآية جمهورية ديموقراطية لعلاج مسالتين هما مسألة المرجعية (الاستجابة للرب) وعلة الانحراف عنها (الانفاق من الرزق).بينا أن الحاجة إلى الدولة علتها الحاجة إلى الحماية بسبب الصراع من أجل الرزق في الداخل والخارج .والمرجع المغني عن العنف غير الشرعي هو الدين.وهكذا يتبين أن الدولة تصبح لا أخلاقية إذا كان العنف فيها -وهو ضروري وتمثله الشوكة-غير شرعي أي غير خاضع لقانون يحمي الإنسان ويرعى حقوقه.فيكون وجود الأخلاق في الدولة أيا كانت مرجعيتها دينية أو علمانية هو ما يضفي الشرعية على الشوكة أعني قيام الدولة بدوريها حماية ورعاية.ولا يمكن الكلام على شرعية في حالة الاستبداد والفساد وعدم ملء خانات البنية المجردة والتداول عليها بمقتضى أحكام الحكم الواردة في الشورى .38وكل هذه الشروط مفقودة في دولة الفقهاء بعد الخلفاء الراشدين ولا يمكن الادعاء بأنها خلقية فضلا عن الزعم بأن الاخلاق مفقودة في الدولة الحديثة. 27 23
وحتى المرحلة الراشدة فإن ما فيها من رشد كان في من ملأوا الخانات على السليقة ولم يكن لهم الصوغ النظري للبنية المجردة لتجسدها في سنة الرسول. لذلك تعددت خيارات التداول في الحقبة الراشدة: -1الانتخاب(الصديق) -2التعيين (الفاروق) -3لجنة الانتخاب (عثمان) إلى الانقلاب -4وعدم الحسم(علي).لكن المهم أعمق :فالخلفاء الراشدون كانوا واعين بالمشكل ولم يستطيعوا حسم الصوغ النظري للبنية المجردة للدولة رغم تحقيقهم لمقوماتها الجوهرية.فالمشروع صيغ في حياة الرسول وحكمه والمركز المكاني في حكم الصديق والمركز الزماني في حكم الفاروق ووحدة المرجعية في حكم عثمان .وحصلت الفتنة.ومنذئذ تعيش الأمة في حالة طواري بسبب الحرب الأهلية بمراحلها المعلومة فحكمت الأمة بسنن الإقليم السارية ولم يكن الإسلام فيها إلا غطاء شكليا.فالدولة الأموية حكمتها تقاليد بيزنطة وعادات الغساسنة والدولة العباسية حكمتها تقاليد فارس وعادات المناذرة ..وصمد الإسلام في روح الأمة.ولا يعني ذلك أن الدولتين خرجتا من الإسلام أو كفرتا به ،بل هما راعتا ما لا بد منه لتكون إسلامية فلم تمسس العبادات وحافظت على شكليات الباقي.ولما كنا نعتقد أن الدولة من حيث هي دولة لها مقومات لا تخلو منها دولة فإن المشترك بين بيزنطة وفارس ودولة الإسلام أي الحماية والرعاية بقيتا.صحيح أنهما لم تكونا مطابقين لشروط الشريعة الإسلامية في مسألة الحكم والتداول عليه .لذلك قلت إن دولة الفقهاء أقل خلقية من الدولة الحديثة.فما تسميه الدولة الحديثة حقوق الإنسان يسميه الإسلام أخلاق الشريعة التي هي ما يبرر الأحكام الشرعية والتي من دونها يصبح القانون تحكما بشريا. 27 24
ولا يهم من يضع القانون المهم هو توفر الشروط الخلقية التي تجعله قانونا بمقتضى ما حدده القرآن من أخلاق للحكم في الجماعة الحرة :الشورى .38ولن أطيل في هذه المسألة فقد خصصت لها بحوثا عدة يمكن لمن يريد المزيد أن يعود إليها وهي من جنس في فلسفة العلاقة بين القانون واساسه الخلقي.هل معنى كل ما تقدم أن الدولة لم يتغير منها إلا الأعضاء مع ثبات منظومة الوظائف البنيوية؟ هل مقومات الدولة من جنس مقومات الكائنات الحية؟فتكون وظائف الدولة وما به تنتظم حياة الكائنات الجماعية الإنسانية بالشرائع من جنس وظائف الحياة وما به تتقوم حياة الكائنات الحية بالطبائع؟ومعنى ذلك أن تعاقب الأجيال في الكائنات الحية هو الذي يبقي على ثبات وظائف الحياة وتغير حواملها العضوية التي تمثلها الأجيال بأدائها للوظائف.وصفنا بنية المقومات والوظائف الثابتة في الدولة وهي بنية آلية ليست عضوية والمقارنة بالكائنات الحية لا تصح عليها إنها جهاز صناعي وليس طبيعيا.وهو جهاز آلي يصبح قابلا للمقارنة مع الكائنات الحية لأن بقاءه مثلها يحتاج لتوالي الأجيال من القيمين عليه والمؤدين لوظائفه بقدرات مختلفة.وحينها يظهر بعدا العامل الخلقي في الدولة :فخلال قيامهم بوظائفها المحددة في بنيتها المؤسسة والقانونية تبرز نقائص البنية ونقائص أداء القيمين.ولذلك فالتاريخ هو الذي يمكن من تجويد البنية التي هي واحدة بالقوة ومتعددة بالفعل لأن ما ينقصها يكون حاضرا بغيابه أو يفرضه ما يفيده غيابه.ويكون تجويد البنية المجردة هادفا كذلك إلى الحد من تحكم القيمين فيتحسن البعد الخلقي من الأداء. فتحضر الأخلاق مرتين في البنية وفي القيمين.فتصبح الدولة شبه كائن حي .فالاستكمال المتدرج للبنية الواحدة بالقوة والمتعددة بالفعل هو تاريخها انتقالها من القوة إلى الفعل :الدولة الحديثة. 27 25
الدولة الحديثة ثمرة دور الجماعة في تحسين وظائفها لضبط العلاقة بين الضرورة والحرية (الطبيعة والثقافة) إنها أتم أشكال الدولة وأكثرها خلقية. فما الطبيعي الضروري في الدولة وما الثقافي الحر فيها؟حدد ابن خلدون علل الحاجة إلى الدولة فردها إلى خاصيتين تبدوان متنافيتين في كيان الإنسانفالتعاون من اجل العيش (علة الاجتماع) والطابع العدواني في الإنسان (امتداد اليد لمال الغير) يجعلان الجماعة بحاجة حل للمشكلتين معا :النظام الوازع.الحاجتان طبيعيتان والحل المضاعف (تعاون +وزع) ليس طبيعيا بل هو صناعي :هو الدولة أو الوازع الأجنبي .لكن هذا الوازع لا ينبغي أن يبقى أجنبيا.وذلك هو دور التربية .تعلل هذا النظام بمرجعية خلقية تكون دينية في الغالب أو حتى أسطورية وهي بتدريج تصبح عقدا في الجماعة :شرعية واعية بذاتها. ونظرية العقد قرآنية وهي في مقدمة ابن خلدون مخمسة الأبعاد: -اثنان عقليان معيارهما مصلحة دنيوية -واثنان دينيان بإضافة مصلحة الأخرى وطرف ضامن الله.والأصل هو كل ذلك مجتمع في هذه العلاقة بين الضرورة الطبيعية للاجتماع للعيش والامن أو للرعاية والحماية وظيفتي الدولة حلا سياسيا خلقيا.والحصيلة أن دولة الفقهاء ليست هي دولة الإسلام التي يمكن استخراجها من القرآن الكريم .وأن هذه قريبة من الدولة الحديثة رغم عدم صوغها الشكلي.كما أن الأخلاق ملازمة للدولة من حيث هي دولة في بنيتها المجردة في القيمين عليها. وعندما تنخرم البنية أو القيمون عليها تفسد الأخلاق فيها.لكن فسادها لا ينفي عنها كونها أخلاق بدليل أنها تدعي الخلقية ولو نفاقا وفي ذلك اعتراف بضرورة البعد الخلقي للدولة ولو نفاقا وحاجة للإصلاح.ورمزية الدولة الحديثة أنها في إصلاح دائم لأنها تقول بما يشبه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحق الجميع في النقد والمعارضة والتداول. 27 26
أما دولة الفقهاء فخالية من ذلك لأن التداول يكون بالغلبة والبقاء بها وكل شيء خاضع للقانون الطبيعي ودور للقانون الخلقي يرد للتبرير البعدي. 27 2
11
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 34
Pages: