Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الفساد البنيوي - تشخيصه وعلاجه - ابو يعرب المرزوقي

الفساد البنيوي - تشخيصه وعلاجه - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-04-24 09:15:59

Description: ترددت كثيرا قبل قرار الكتابة في الفساد الذي صار الجميع يريد مقاومته. علة ترددي هو اعتقادي بأن الاجماع على المقاومة لا يمكن أن يدل على الصدق.
فأنا شبه متأكد من أن الفساد بلغ إلى مخ العظام وأنه ينجر الى الكيان وأنه بلغ المرحلة التي سماها ابن خلدون فساد معاني الإنسانية فلم يعد قابلا للعلاج.
وكل علاج لن يتجاوز التغطية على البنيوي منه بالتصدي للعرضي الذي لا يمكن أن يخلو منه عمران لأنه من علامات ضعف الإنسان في كل مكان وزمان.
وإذن فما سأقدمه لا يتعلق بالعلاج بل بالتشخيص الذي يبين ما أقصده بمرحلة فساد معاني الإنسانية الذي يحول دون العلاج اللطيف من دون المنطق الثوري.
ولما كانت تونس لا تتحمل المنطق الثوري فينبغي التسليم بأن مرحلة الانتشار السرطاني التي بلغها الفساد يجعل علاجه تغطية على فساد البنية الجوهري.

Search

Read the Text Version

‫تشخيصه وعلاجه‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات‬‫‪1‬‬ ‫المقدمة ‪1‬‬ ‫الفساد العالمي‪ :‬الاستضعاف والاستتباع ‪2‬‬ ‫تشخيص الاستبداد والفساد محليا واقليميا ودوليا ‪3‬‬ ‫الفساد البنيوي أو الجوهري ‪4‬‬



‫ترددت كثيرا قبل قرار الكتابة في الفساد الذي صار الجميع يريد مقاومته‪ .‬علة ترددي‬ ‫هو اعتقادي بأن الاجماع على المقاومة لا يمكن أن يدل على الصدق‪.‬‬‫فأنا شبه متأكد من أن الفساد بلغ إلى مخ العظام وأنه ينجر الى الكيان وأنه بلغ المرحلة‬ ‫التي سماها ابن خلدون فساد معاني الإنسانية فلم يعد قابلا للعلاج‪.‬‬‫وكل علاج لن يتجاوز التغطية على البنيوي منه بالتصدي للعرضي الذي لا يمكن أن يخلو‬ ‫منه عمران لأنه من علامات ضعف الإنسان في كل مكان وزمان‪.‬‬‫وإذن فما سأقدمه لا يتعلق بالعلاج بل بالتشخيص الذي يبين ما أقصده بمرحلة فساد‬ ‫معاني الإنسانية الذي يحول دون العلاج اللطيف من دون المنطق الثوري‪.‬‬‫ولما كانت تونس لا تتحمل المنطق الثوري فينبغي التسليم بأن مرحلة الانتشار السرطاني‬ ‫التي بلغها الفساد يجعل علاجه تغطية على فساد البنية الجوهري‪.‬‬‫وما سأقوله على تونس يصدق على جل بلاد العرب إن لم يكن عليها كلها‪ .‬والفرق‬ ‫الوحيد هو أن تونس سباقة إلى كشف أدوائها حتى وإن عجزت عن دوائها‪.‬‬‫ولا أصدق أن الجميع سيقاوم الفساد فلو كان ذلك صادقا لما وجد فاسدون‪ .‬إذا كان الكل‬ ‫ينادي بالتصدي للفساد فالمفروض ألا يوجد فساد في الجماعة‪.‬‬‫ولو يتحرك الشباب في بداية العقد الثاني من هذا القرن لكنت مثل ابن خلدون يائسا‬ ‫ولقلت مثله إن الأمة قرب من فساد معاني الإنسانية الآذنة بالانقراض‪.‬‬‫ذلك أن الغالبية الساحقة من الأجيال التي ولت عصر الانحطاطين الذاتي والموروث عن‬ ‫الاستعمار يغلب عليها فساد معاني الإنسانية الخلقي والسياسي‪.‬‬ ‫‪71‬‬

‫الفساد الذي يدعي الجميع التصدي له يقصرونه على السياسي والاقتصادي وينسون‬ ‫النفسي والخلقي‪ .‬ذلك أن الأولين من علامات الثانيين التي لا تكذب‪.‬‬‫فكيف ننقل وعي الشباب من المطالبة بالقسط من الموجود مطلبا مباشرا إلى السعي إلى‬ ‫طلب المنشود شرط تحولهم من مطالبين إلى بناة لشروط الاستئناف؟‬‫ذلك أني اعتقد أن مطالب النخب التي تدعي الثورية قد تحول بكذبة مقاومة الفساد‬ ‫دون هذه النقلة لظنها أن المشكل فتبقى الشباب في المباشر والسطحي‪.‬‬‫لو لم يتحرك الشباب لكنت يائسا مثل ابن خلدون ولاعتبرت الاستبداد وعنف الحكم‬ ‫وعنف التربية الذي جمع بين الانحطاطين قد أنهى كل أمل في الاستئناف‪.‬‬‫لكن الأمل رجع بتحرك الشباب على قلة الصادقين من المتكلمين منهم ‪-‬الغالبية صامتة‪-‬‬ ‫ولهذا حاولت المشاركة بما أستطيع عملا ونظرا في هذا التحرك‪.‬‬‫وهذه محاولة في تشخيص داء الفساد الذي هو بالأساس من نتائج فساد معاني الإنسانية‬ ‫المترتب على طول عهد الاستبداد والانحطاط في الحكم والتربية‪.‬‬‫وسأبدأها بإشارة أساسية لم تكن واردة في التشخيص الخلدوني رغم أن ابن خلدون لا‬ ‫يغفل دور السياسة الدولية في السياسة الوطنية حتى في عصره‪.‬‬‫فالفساد والاستبداد اليوم لا يقتصر على السياسية الداخلية في كل دولة على حدة بل‬ ‫هو أيضا ولعله خاصة عام للسياسة الدولة وتبعية الضعفاء للأقوياء‪.‬‬‫لذلك فالتشخيص الذي سأقدمه لا يقتصر على الاستبداد والفساد بل هو يضيف هذا‬ ‫الوجه الثاني أعني الاستضعاف والاستتباع الذي هو استبداد وفساد عالمي‪.‬‬ ‫وهذه الإضافة ستبين أمرين مخيفين‪:‬‬ ‫فالاستبداد والفساد صنفان‪:‬‬ ‫‪-1‬استبداد الصغار والبلداء‬ ‫‪-2‬استبداد الكبار والأذكياء‪.‬‬ ‫وهما متقابلان خلقيا ونفسيا‪.‬‬ ‫‪72‬‬

‫فالنوع الأول مجرد خدم عند النوع الثاني‪.‬‬‫وهؤلاء لهم طموح السيادة على العالم وأولئك لا طموح لهم إلا رضا هؤلاء عليهم‬ ‫وفضلات موائدهم‪ :‬فرق نفسي وخلقي‪.‬‬‫لكنهم يتحدون في عدم تجاوز القانون الطبيعي ومن ثم فطموحهم مادي خالص لا يتجاوز‬ ‫السلطان الطبيعي الذي لا يختلف عن الحيوان بمنطق التاريخ الطبيعي‪.‬‬‫وهذا النوع من السلطان يسيطر على العالم بالنوع الأول من المافيات العالمية وبخدمهم‬ ‫على الشعوب الضعيفة او التي ضعفت بعد قوة (النوع الثاني)‪.‬‬‫وإذن فنحن سنشخص مستويين من الفساد في العالم وفي أوطاننا التي صارت ضعيفة وتمنع‬ ‫من استرداد قوتها بأصحاب المستوى المحلي خدم المستوى العالمي‪.‬‬‫ولنميز الاستبداد والفساد البنيويين عن الظرفيين (بلغة الفلسفة الحديثة وما بعدها)‬ ‫أو الجوهريين عن العرضيين (بلغة الفلسفة القديمة والوسيطة)‪.‬‬‫فالظرفي أو العرضي من الاستبداد والفساد من أعراض البنيوي أو الجوهري إذا‬ ‫اعتبرناهما مرضين يصيبان الجماعات فيفقدانها معاني الإنسانية خلدونيا‪.‬‬‫وقد حان حصرما يعنيه ابن خلدون بمعاني الإنسانية التي عددها في كلامه على التربية‬ ‫التي قاس عليها الحكم بعدي السياسة بمعناها الشامل في الجماعة‪.‬‬‫وقد اعتبر فساد معاني الإنساني مرادفا لمفهوم ديني ورد في نفس الفقرة هو \"الرد إلى‬ ‫أسفل سافلين\" أي إن من فسدت فيه هو من فقد أحسن التقويم‪.‬‬‫وبلغة تجمع الصيغتين الخلدونيتين (فساد معاني الإنسانية والنكوص إلى أسفل سافلين)‬ ‫نقول‪ :‬فقدان أحسن التقويم دينيا وفقدان القانون الخلقي فلسفيا‪.‬‬‫والترجمة الفلسفية هي النكوص إلى القانون الطبيعي والترجمة الدينية هي النكوص‬ ‫لحكم الملائكة في آدم‪ :‬سفك الدماء والفساد في الأرض‪ :‬وتلك هي الحال‪.‬‬‫وهذا هو البنيوي بلغة الفلسفة الحديثة وما بعدها والجوهري بلغة الفلسفة الوسيطة‬ ‫وما قبلها في تشخيص الاستبداد والفساد محليا واقليميا ودوليا‪.‬‬ ‫‪73‬‬

‫وبأوجز عبارة يمكن القول إن الظاهرة تقبل الصوغ الجامع بين الفلسفي والديني‬ ‫بالقول إن الإنسانية تفقد معانيها إذا نكصت فردت الشرائع إلى الطبائع‪.‬‬‫وكون الرد أسفل سافلين أو فقدان معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون ظاهرة طبيعية‬ ‫يسقط فيه كل مجتمع انحط بمفعول الاستبداد والفساد لا يُجادل فيه‪.‬‬‫لكن ما أريد بيانه هو أن هذا الامر الواقع الذي يقع فيه كل جماعة انحطت يتضاعف‬ ‫عندما يتحول من أمر واقع إلى أمر واجب بتضاعف الانحطاط كحالنا‪.‬‬‫ذلك أن الانحطاط المضاعف عندنا أي الموروث عن ماضينا والموروث عن الاستعمار جعل‬ ‫النخب تنقسم إلى جزبين استئصاليين كل منهما يلغي فضائل الثاني‪.‬‬‫فلم يبق منهما إلا رذائلهما أي ما تقتضيه حرب الاستئصال المتبادل فيكون الحداثي‬ ‫الدعي حربا على الإسلام ويكون الأصولي الدعي حربا على الحداثة‪.‬‬‫فما يجري اليوم هو صدام حضارات داخلي بدعم من صدام حضارات خارجي يجعل بعض‬ ‫الأمة يهدم أفضل الأصيل وبعضها الآخر يحارب أفضل الحديث‪ :‬تهديم نسقي‪.‬‬‫وهذا هو الفساد البنيوي أو الجوهري لأنه يتعلق بالنفسيات والأخلاقيات التي تحرك‬ ‫النخب بصنفيها فتنكص إلى أسفل سافلين وتفسد معانيها الإنسانية‪.‬‬‫‪-38‬وحتى لا يساء فهم ما أعنيه بالنفسيات والأخلاقيات فينبغي أن يفهم ذلك بمعنى ما‬ ‫يجعل الإنسان ينكص إلى محركات التاريخ الطبيعي فيه كحيوان‪.‬‬‫فهو حينها لا يفقد العقل (حيوان عاقل) بل يصبح العقل أداة الحيوان فيه ولا يفقد‬ ‫البيان (خلق الإنسان علمه البيان) بل يصبح البيان أداة التحيل لديه‪.‬‬‫وحينها يصبح العلم أداة سيطرة لأنه أصل كل قوة مادية ويصبح الدين أداة تحيل لأنه‬ ‫أصل كل قوة روحية‪ .‬وتلكما هما القوتان الناكصتان أسفل سافلين‪.‬‬‫ولأورد الآن نص ابن خلدون‪\" :‬ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك‬‫أو الخدم سطا عليه القهر وضيق على النفس انبساطها ودعاه إلى الكسل وحمل على‬‫الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه‬ ‫‪74‬‬

‫وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي‬‫له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله وصار عيالا‬‫على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن‬‫غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين‪ .‬وهكذا وقع لكل أمة حصلت في‬‫قبضة القهر ونال منها العسف واعتبره في كل من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة‬‫رفيقة به وتجد ذلك فيهم استقراء وانظره في خلق اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق‬‫السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث‬ ‫والكيد وسببه ما قلناه\"‪( .‬المقدمة – الفصل الاربعون)‬ ‫فما النفسي هنا؟‬‫ضيق النفس بدل الانبساط وكسل النفس عن العمل والكسل الخلقي أو انقباض النفس‬ ‫عن غايتها ومدى إنسانيتها‪ :‬تسفيل الخِلقة الفطرية‪.‬‬ ‫وما الخلقي؟‬‫الكذب والخبث والتظاهر بغير ما في الضمير بسبب الخوف والمكر والخديعة وفساد معاني‬ ‫الإنسانية بدلالة ثورية‪ :‬من حيث الاجتماع والتمدن‪.‬‬‫وقد شرح ابن خلدون هذا المعنى شرعا بديعا‪ :‬فقدان الحمية والمدافعة عن النفس‬ ‫والمنزل الصيرورة عالة على الغير بكملة خلق التبعية حماية ورعاية‪.‬‬‫من يمكن أن يجادل في مطابقة هذين المعنيين النفسي والخلقي حال الأمة التي جعلتها‬ ‫مستضعفة ومستتبعة للخارج خاضعة للاستبداد والفساد في الداخل؟‬‫قد يظن البعض أن ما أقدمه فيه اعتداد بالرأي‪ .‬وفي الحقيقة فما أقوله مما يبدو من‬ ‫الحكمة ليس لي فيه إلا فضل التذكير به لأنه عمل علماء متقدمين‪.‬‬‫صحيح أن وصف حال الأمة عند الغزالي وابن تيمية وابن خلدون بلغ ذروة الحكمة‬ ‫العقلية والنقلية لكنه بقي شتاتا لأنه لم يجد من يسقي بذراتهم لتينع‪.‬‬‫وإذا ما استثنينا بقدر ابن خلدون فإن الحرب بين نوعي الاستئصال كادت تقضي على ما‬ ‫زرعوه لأن الأول والثاني وقع تشويههما بدعوى عدائهم للفلسفة‪.‬‬ ‫‪75‬‬

‫وحتى ابن خلدون فالكثير منهم يقزمه إما بمحاولة تقويمه بالمقارنة مع ما يتصورونه‬ ‫سبقا في الاجتماعيات أو بمحاولة حصره في عصره ونظرية العصبية‪.‬‬‫فدورهم النقدي مر بثلاث‪ :‬الفلسفي والديني المجردين (الغزالي) والمطبقين (ابن‬ ‫تيمية) والتجاوز إلى التنظير العلمي للفلسفة العملية والنظرية‪.‬‬‫فكانوا بذلك مؤسسين للمدرسة النقدية التي قرأت قراءة القرآن لفلسفة الدين وفلسفة‬ ‫التاريخ تأسيسا لهذا النقد وبداية جديدة للإنسانية بالحريتين‪.‬‬‫والحريتان الروحية والسياسية وظيفتهما تحرير التربية والحكم من السلطة المستبدة‬ ‫سواء كانت سلطة روحية (الكنسية) أو مادية (الحكم بالحق الإلهي)‪.‬‬‫ذلك هو الفساد البنيوي أو الجوهري الذي يغطي عليه الكلام على الفساد الظرفي أو‬ ‫العرضي في كل المجتمعات البشرية‪ :‬نحاسب صغار اللصوص لحماية كبارهم‪.‬‬‫كبار اللصوص هم المستبدون بالسلطان الروحي والسلطان السياسي والمتحالفون في‬ ‫الداخل (الاستبداد والفساد) وفي الخارج (الاستضعاف والاستتباع)‪.‬‬‫فالاستبداد والفساد عالميان بالجوهر والقرآن ثورة عالمية عليهما‪ :‬إلغاء الكنسية والحكم‬ ‫بالحق الإلهي لافتتاح تاريخ يتحرر من الرد إلى أسفل سافلين‪.‬‬‫والرد إلى أسفل سافلين دينيا هو النكوص إلى التاريخ الطبيعي فلسفيا‪ :‬فيكون الحكم‬ ‫بين البشر هو ما وصفه ابن خلدون نفسيا وخلقيا كما بينا قبل قليل‪.‬‬‫وشروط استعادة التقوم الأحسن‪ :‬الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي‬ ‫بالصبر ضمن أخوة البشر (النساء ‪ )1‬والمساواة بينهم (الحجرات ‪.)13‬‬‫ولست غافلا على أن هذا العلاج يتهم بالسذاجة‪ .‬لكن من يرى ما يجري في العالم اليوم‬ ‫يدرك أن كل الأبواب سدت أمام البشر بسبب سيطرة الحل المقابل‪.‬‬‫وفي الحقيقة فإن الموقف المقابل أكثر سذاجة لأنه لم يدرك آثار هذا الانسداد‪ .‬أما‬ ‫العلاج الذي يشخص حال الإنسانية بالنكوص للقانون الطبيعي فمنطقي‪.‬‬‫ذلك أن نكوص الإنسانية إلى قانون الانتخاب الطبيعي في الصراع المادي على ما كان‬ ‫ينبغي أن يكون وسيلة لا غاية آن له أن ينتهي فقد استنفذ غرضه‪.‬‬ ‫‪76‬‬

‫وغرضه هو نصف حقيقة الإنسان‪ :‬وحد البشرية سلبا في معركة استعمارها في الأرض‪.‬‬ ‫وأهمل ما يحول دون السلب بجعله استخلافا بأخوة الأحرار المتساوين‪.‬‬‫والإنسانية التامة عرفها القرآن برسالة آدمية هي الاستعمار في الأرض بالاستخلاف‪.‬‬ ‫العولمة شوهت الإنسان بالحد من القانون الخلقي والرد إلى الطبيعي‪.‬‬ ‫للعولمة وجهان‪:‬‬ ‫عولمة مرضية يراد فيها رد الإنسان إلى مجرد حيوان خاضع للقانون الطبيعي‪.‬‬ ‫وعولمة سوية تحرر الأولى بالقانون الخلقي لتحريره منها‪.‬‬‫ذلك هو دور الإسلام عندما يتحرر اهله من الانحطاط الذاتي الذي نتج عن ترك‬ ‫الدستور القرآني والوقوع في حالة طوارئ لم تتوقف منذ الفتنة الكبرى‪.‬‬‫لكن ذلك لا يكفي لأن الامة تعاني كذلك من الانحطاط الاستعماري الذي ورثته النخب‬ ‫التي تدعي الحداثة والتي تحارب هذا الدستور لتواصل استعمار الأمة‪.‬‬‫ذلك أن الاستعمار الغربي ليس حداثة بل هو في نسبته إلى الحداثة كنسبة الانحطاط‬ ‫الذاتي إلى الإسلام‪ :‬كلاهما تحريف لثورة روحية وعقلية هي المطلوب‪.‬‬‫بهذا الفهم نقاوم الاستبداد والفساد البنيويين لا الظرفيين في الداخل وسندهما من‬ ‫الاستضعاف والاستتباع في الخارج بدلا من تغطيتهما بالعرضيين‪.‬‬ ‫‪77‬‬

5

‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook