Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore السنة، متى تتوقف عن الشخير؟ – الفصل الثالث – أبو يعرب المرزوقي

السنة، متى تتوقف عن الشخير؟ – الفصل الثالث – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-08-21 09:59:58

Description: إيقاظ السنة وإخراجها من النوم والشخير ليس مهمة سهلة. لن أدعي القدرة على ما عجز دونه الغزالي وابن تيمية وابن خلدون. كل طموحي أن أفهم علل فشلهم. لذلك سأخصص الفصول الثلاثة الباقية في البحث إليهم واحدا بعد آخر لفهم العمل الجبار الذي قاموا به وبيان علة الفشل التي أردها الى منطق سد الذرائع.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫إيقاظ السنة وإخراجها من النوم والشخير ليس مهمة سهلة‪ .‬لن أدعي القدرة على ما‬‫عجز دونه الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪ .‬كل طموحي أن أفهم علل فشلهم‪ .‬لذلك‬‫سأخصص الفصول الثلاثة الباقية في البحث إليهم واحدا بعد آخر لفهم العمل الجبار الذي‬ ‫قاموا به وبيان علة الفشل التي أردها الى منطق سد الذرائع‪.‬‬‫وسأبدأ بالغزالي‪ .‬فما يزال كتابه فضائح الباطنية الذي يبدو استجابة لحاجة سياسية من‬ ‫أكبر الكتب الفلسفية الإسلامية في إصلاح الدين والفلسفة‪.‬‬‫وهو إذن محاولة لتحرير الدين والفلسفة من تحريف التوظيف السياسي في استراتيجية‬ ‫الباطنية التي تؤسس للتعليمية ضد حريتي الإسلام الروحية والسياسية‪.‬‬‫وكل مسلم (= سني) ينبغي أن يقرأ الفضائح ليفهم دور الرجل وحقيقة الفكر الفلسفي‬ ‫والديني المتحرر روحيا من الكنسية وسياسيا من الحق الإلهي في الحكم‪.‬‬‫فهو ثمرة نقديه للفكر الفلسفي (التهافت)وللفكر السني (الإحياء) ببيان قصورهما‬ ‫وعجزهما دون تحرير العلم والإيمان من التوظيف الإيديولوجي والسياسي‪.‬‬‫وموقف الغزالي الناقد للباطنية يذكرني به برد ريمون هارون على الماركسيين‪ .‬فمن‬ ‫يرون أن الدين أفيون الشعوب فر ّد عليهم‪ :‬والماركسية أفيون المثقفين‪.‬‬‫ب ّين الغزالي أن ما قاله في التهافت عن الفلسفة هو عينه ما يستند إليه تفلسف الباطنية‬ ‫التي تدعي إثبات التعليمية ببيان الحاجة إلى المعصوم‪.‬‬‫وقد احتج الرازي ضد الغزالي بانتفاش بما يؤيد التعليمية لإثبات النبوة ناسيا أو مكذبا‬ ‫\"خاتم النبيين\" ‪ :‬فالنبي لم يدع العصمة إلا في تبليغ الرسالة‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫والخاتم بيّن امتناع علم الغيب في حين أن حجة التعليمية تعلل الحاجة إلى المعصوم بعلم‬ ‫يتجاوز العقل‪ .‬وبهذا تكون التعليمية نفيا لأساس الدين وأصله‪.‬‬‫التعليمية وعصمة الإمام ودعوى قدرته على التشريع هما جوهر الوساطة الكنسية (نفي‬ ‫الحرية الروحية) والحق الإلهي في الحكم (حاكم معين من الله)‪.‬‬‫كتاب الفضائح دحض لهذين السلبين للحرية الروحية وللحرية السياسية وتأسيس للنظام‬ ‫السياسي الذي تختاره حكامه امة الأحرار من الوسطاء=السنة‪.‬‬‫ولهذه العلة كان الكتاب متضمنا لنظرية الدولة والسياسة الدينية في الخلافة في مقابل‬ ‫الإمامة تماما كمنهاج السنة ضد كتاب المطهري‪.‬‬‫الكتابان فلسفيان بامتياز وظيفتهما تأسيس فلسفي للحريتين الروحية والسياسية كما‬ ‫حددهما القرآن وكما تبنتهما السنة ممثلة بفكر فيلسوفين عظيمين‪.‬‬‫وإذا يحق لي أن أفخر بشيء فهو اكتشافي هذه العلاقة بين الفكرين الديني والفلسفي‬ ‫لديهما من منظورهما الفلسفي وليس الديني‪ :‬حجاجهما عقلي خالص‪.‬‬‫وقد يعجب الكثير لو سمعني أقول إن ما جاء في الفضائح من تعريف للسياسي السني‬ ‫وطبيعة نظام الحكم متقدم حتى على نظريات الدولة في الفكر الحديث‪.‬‬‫وقد خصصت له فصولا‪ .‬يكفي هنا أن أشير إلى أن كلامه يدور حول المقابلة بين الخيار‬ ‫والوصية والعلاقة العميقة بين شرعية الحكم وشوكته في الدولة‪.‬‬‫لن أعود لهذا بل سأكتفي هنا بالكلام على الكيفية التي وصل بها ابن خلدون بين تحريف‬ ‫الفلسفة وتحريف الدين في الفكر الباطني‪ .‬فأبدع إيما إبداع‪.‬‬‫ولو كان لي سلطان لجعلت هذا الكتاب مقررا مدرسيا في كل مدارس الأمة‪ .‬فهو علاج‬ ‫فلسفي لعلل غفلة السنة وانحطاطها بالاختراقين الفوقي والتحتي‪.‬‬ ‫‪ -‬فالفوقي هو اختراق النخب بتحريف الفلسفة‬ ‫‪ -‬والتحتي هو اختراق الشعوب بتحريف الدين‪:‬‬ ‫‪ .1‬إيديولوجيا الاستبداد الفكري‬ ‫‪ .2‬الأفيون الشعبي والوثنية‬ ‫‪52‬‬

‫وهما علة فشو الفكر المستهتر بالعلم وبالأخلاق‪ .‬فأدلجة الفلسفة استهتار المعرفة العلمية‬ ‫وتواضعها وأدلجة الدين استهتار بالأخلاق لاستحمار الشعب‪.‬‬‫والسنة لم تسلم من هذين الداءين لاختراقها من فوق ومن تحت بالتحريفين‪ .‬والأول‬ ‫غلب على فرع السنة الأشعري والثاني على فرعها الحنبلي المتأخرين‪.‬‬ ‫فما الثوري في كتاب الفضائح فلسفيا بصرف النظر عن الغاية السياسية من كتابته؟‬ ‫إنه ثورة ابستمولوجية في مجالي المعرفة التحليلية والتأويلية‪.‬‬‫فبنظرية التحليل يميز الغزالي بين العلمي واللاعلمي في الطبيعيات وبنظرية التأويل‬ ‫يميز بينهما في الإنسانيات وبهما يدحض تحريف الفلسفة الباطني‪.‬‬‫لكنه قبل ذلك ب ّين العلاقة بين التعليمية وتوظيف الفلسفة بتحريفها لإثبات الحاجة‬ ‫للمعصوم التي هي أساس تحريف الدين ثم يدحض تحريف منهجي الفلسفة‪.‬‬‫فأما تحريف منهج التحليل فبينه في تهافت الفلاسفة إذ حصر الغزالي العلم الحقيقي في‬ ‫المنطق والرياضيات واعتبر ما لما لم يبن عليهما رجما بالغيب‪.‬‬‫لكن نقد نظرية التأويل الباطنية هو الذي يمكن نسبته إلى الفضائح لأنه لم يسبق‬ ‫للغزالي علاجه فلسفيا لأن وضع قانون التأويل كان لحل مشاكل الكلام‪.‬‬‫وكان يمكن أن أنوه بالإبداع المتعلق بفضح الاستراتيجية الباطنية التي تحقق الاختراق‬ ‫في صفوف السنة‪ :‬مراحل الخلع من الإسلام والتبشير بالباطنية‪.‬‬‫وتلك هي الاستراتيجية التي ما تزال فاعلة‪ :‬لكن تحريف الفلسفة صار إما ماركسية أو‬ ‫ليبرالية تخرج الشباب من الإسلام بالتدريج وتبشر بعده بالبديل‪.‬‬ ‫‪ -‬والأولى للتأثير الروحي وهي من أهم أدوات التخريف الصوفي‬ ‫‪ -‬والثانية للتأثير السياسي في الاقطار السنية‪.‬‬ ‫والفضائح يبين نفس الاستراتيجية قديما‪.‬‬‫ما يأسف له المرء هو أن هذا الإبداع ضاع كله ولم يبق من الغزالي عند خصومه غير‬ ‫خرافة عدائه للفلسفة في حين أنه من أكبر فلاسفة الإنسانية‪.‬‬ ‫‪53‬‬

‫أما أصدقاؤه فلا يرون فيه إل ّا ما يؤيد سياسة سد الذرائع التي قتلت كل حياة فكرية‬ ‫وروحية ما أحدث الفراغ الذي ملأه الغزو الباطني من فوق وتحت‪.‬‬‫وأضافت عداوة الأغبياء من ورثة ابن تيمية فجعلوا السنة تصحيرا روحيا مقيتا لكأن‬ ‫نقده الفلسفة والكلام والتصوف والفقه يهدف للخواء الروحي‪.‬‬‫ولا يمكن سد الفراغ بالنوافل التعبدية الدالة على البطالة لا الإيمان‪ :‬تتنافى مع دين‬ ‫فاتح يشترط لمنزلة الاستخلاف الاستعمار الناجح في الأرض‪.‬‬‫فالأمة التي كانت تقوم بالفرائض وتفتح العالم وتستوعب تاريخ البشرية صارت منغلقة‬ ‫على نفسها فجعلت الدين جمع النوافل بدل العمل على علم للتعمير‪.‬‬ ‫ودليلي على ما أقول أن الفروض الخمسة مشروطة بنجاح التعمير‪:‬‬ ‫‪ -‬الزكاة بين (النصاب)‬ ‫‪ -‬والصلاة مكلفة(النظافة)‬ ‫‪ -‬والصوم مكلفة (الصحة والغذاء)‬ ‫‪ -‬والحج بيّن‬‫وما يبين كذب التصوف وأنه ليس زهدا لأن الزاهد هو من يزهد فيما يملك‪ .‬والمتصوف‬ ‫يدعي أنه لا يريد أن يملك‪ .‬ففيم يزهد وهو يعيش على التسول؟‬‫مدح الفقر مناف للإسلام وفيه خلط بين الفقر الوجودي الذي يفيد الحاجة إلى ما يتعالى‬‫عن الفاني والفقر الاقتصادي الذي يؤدي إلى عبادة غير الله‪ .‬فالمحتاج ماديا عبد لصاحب‬‫حاجته‪ .‬والمستغني عن غير الله (فردا أو جماعة) يعمر الأرض بشرعه لرعاية نفسه‬ ‫ويعمل بالأنفال ‪ 60‬ليحميها=ذلك هو الإسلام‪.‬‬‫لو كان النبي كما يصفه دجالو التصوف (حاشا الزهد) والمخترقين بفكره لاستحال أن‬ ‫يغزو في عشر سنين أكثر من ستين غزوة لنصرة العدل والحرية والكرامة‪.‬‬‫ولو كان الدين كما صار بسبب تخلف المسلمين وانحطاطهم عبادات فحسب لما وجد في‬ ‫القرآن ما لأجله شرعت العبادات‪ :‬أي الأخلاق وشروط الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫هل كان الإسلام وهو دين يجمع بين الدارين يترك الحكم للمستبدين والفسدة لو لم‬ ‫يكن من يدعون علما فيه محرفين له خوفا منهم أو طمعا فيهم‪ :‬التحريف‪.‬‬‫وكل علماء دين يفصلون العبادات عن المعاملات وأساسها السياسة التي تنظمها وتنظم‬ ‫وظائف الدولة في رعايتها وحمايتها يصبحون كهنوت تابعا للحكام‪.‬‬‫والإسلام حرر البشر من الكهنوت والكنسية بالحرية الروحية (لا وساطة بين المؤمن‬ ‫وربه) وحررهم من الطغاة بالحرية السياسية (سلطان الأمة على نفسها)‪.‬‬‫والقضاء على الحريتين الروحية والسياسية هما علة الانحطاط حضاريا وعلة الانحطاط‬ ‫خلقيا والجمع بينهما يسميه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية‪.‬‬ ‫‪55‬‬





‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook