Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الدراسات القرآنية، حقيقتها وأصالة القرآن الكريم – أبو يعرب المرزوقي

الدراسات القرآنية، حقيقتها وأصالة القرآن الكريم – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-07-05 18:20:38

Description: اضطررت اليوم إلى تقديم محاضرتي بالفرنسية في ندوة الدراسات القرآنية: المناهج والسياقات والتأويلات التي عقدت ببيت الحكمة (4-6 جويلية 2017).
وليس من عادتي أن اتنازل في مثل هذه الأمور فلا أقدم عملي إلّا بالعربية. لكن الأمر كان ضروريا لثلاث علل: أولا عدم استقرار الاصطلاح الفلسفي الحديث. والثانية: كل الحضور تونسيون وأجانب يفهمون الفرنسية. الثالثة: الأجانب من أمريكا وأوروبا رغم كونهم مستشرقين لا يفهمون العربية إلا قراءة لا شفاهة.

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫اضطررت اليوم إلى تقديم محاضرتي بالفرنسية في ندوة الدراسات القرآنية‪ :‬المناهج‬ ‫والسياقات والتأويلات التي عقدت ببيت الحكمة (‪ 4-6‬جويلية ‪.)2017‬‬‫وليس من عادتي أن اتنازل في مثل هذه الأمور فلا أقدم عملي إ ّلا بالعربية‪ .‬لكن الأمر‬‫كان ضروريا لثلاث علل‪ :‬أولا عدم استقرار الاصطلاح الفلسفي الحديث‪ .‬والثانية‪ :‬كل‬‫الحضور تونسيون وأجانب يفهمون الفرنسية‪ .‬الثالثة‪ :‬الأجانب من أمريكا وأوروبا رغم‬ ‫كونهم مستشرقين لا يفهمون العربية إلا قراءة لا شفاهة‪.‬‬‫على الأقل كان ذلك ما بررت به اختياري استعمال الفرنسية في أكاديمية عربية للكلام‬ ‫على مسألة إسلامية‪ .‬لكن العلة الحقيقية هي خرافة حداثة ما يقدم‪.‬‬‫فالمحاضرات التي قدمت باللغتين الإنجليزية والفرنسية وافتتاح رئيس المؤسسة كلها دون‬ ‫استثناء تنطلق من دعوى حداثة دراسة القرآن بسياقه الخارجي‪.‬‬‫والقصد بالسياق الخارجي هو السياق التاريخي الثقافي الذي نزل فيه القرآن وعلاقة‬ ‫نص القرآن بما تقدم عليه من نصوص في أديان الإقليم في ذلك العصر‪.‬‬‫أردت أن أسائل دعوى حداثة هذه الطريقة ودلالتها الإيديولوجية والابستمولوجية‪.‬‬ ‫والأولى بقية من مواقف القرون الوسطى المشككة في اصالة القرآن‪.‬‬‫لم أطل فيها لئلا يظن بي أني اتهم النوايا فادعي أن المتكلمين يشككون في اصالة القرآن‬ ‫وفي كون الإسلام دينا فريد نوعه لا انتحال لما تقدم عليه‪.‬‬‫فاكتفيت بالإشارة الملمحة لبيان أمرين‪-1:‬بيان أن هذه الدراسات أكثر تخلفا من التفسير‬ ‫بالأثر‪-2‬وتنافيها مع الفكر الحديث يغفلها عن حقيقة القرآن‪.‬‬‫كيف ذلك؟ أولا‪ :‬ما العائق الابستيمولوجي الذي يحول دون هذه الدراسات والانتساب‬ ‫إلى الفكر الحديث؟ ظن أصحابها أن الفكر مرآة عاكسة لما يسمونه الواقع‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫وعكس الفكر \"الواقع\" يفترض وهمين لم يعد الفكر الحديث يقول بهما‪-1 :‬أن العلم‬ ‫حصيلة تلقي العقل لما يأتيه من الخارج أو ما يسمونه واقعا بصنفيه‪.‬‬‫وصنفاه هما الظرف التاريخي الثقافي والنصوص المتقدمة عليه والتي تعالج نفس القضايا‬ ‫أو ما يماثلها للاشتراك في اسم النصوص الدينية في هذا الظرف‪.‬‬‫وعكس الفكر لما يأتيه من خارج يكون علما بالمنعكس على مرآة الفكر عندما يكون ما في‬ ‫الذهن مطابقا لما في العين وهو ما يسمونه \"الواقع\" وثنهم البدائي‪.‬‬‫والعائق الابستيمولوجي مضاعف‪-1 :‬الطابع السحري لتأثير الظرف والنصوص السابقة‬ ‫‪-2‬ونظرية المعرفة العملية بالمطابقة بين ما في الذهن وما في العين‪.‬‬‫وهذا هو ما اعتبرته تخلفا ابستمولوجيا بالقياس إلى نظرية العلم الحديثة وبالقياس‬ ‫إلى علاقة الإبداع بما يسمونه الواقع هي انفعال به أو فعل له‪.‬‬‫مدار بحثي الموجب الآن هو بيان أصالة القرآن التي لم يروها بسبب هذا العائق‬ ‫الابستيمولوجي والعائق الأيديولوجي موقف كنسي متخف بحداثة زائفة‪.‬‬‫وإثبات ذلك يتطلب خطوتين‪-1 :‬كيف يتحرر الفكر المبدع من سياق الظرف التاريخي‬ ‫الثقافي ومن سياق التناص المزعومين؟ والجواب نموذجان‪ :‬علمي وفني‪.‬‬‫فلا إبداع في العلم من دون البناء الأكسيومي الذي يتخلص من \"الواقع\" الخارجي ويبدع‬ ‫واقعه فيحدد \"الواقع\" العلمي المختلف عما في ظاهر الأعيان‪.‬‬‫ولا أبداع فني (في الفنون الجميلة) إلا بإبداع موضوع الفن نفسه وأسلوب العبارة عنه‬ ‫وهذا أهم مميز للفنون وخاصة للشعر‪ .‬كلاهما يبدع \"واقعه\"‪.‬‬‫وإذا حضر الواقع الذي في الأعيان فحضوره يكون بمعايير هذا الواقع الذي يبدعانه‬ ‫لأنه يصبح أحد عناصر ما ابدعاه من موضوع وأسلوب علاج علمي أو فني‪.‬‬‫حضور الظرف التاريخي والثقافي والسوابق النصية في العلم وفي الفن فهو استدعاء منهما‬ ‫لما يجعله منفعلا بهما وليس فاعلا فيهما‪ :‬تلك أصالة القرآن‪.‬‬‫لكن ادعياء القراءة الحديثة للقرآن بسياقه التاريخي والثقافي وبالتناص عكس لعلاقة‬ ‫الإبداع القرآني بهما باستعمال أسلوب الإبداع العلمي والفني‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫وأسلوب الإبداع العلمي في القرآن يعتمد على الحجاج العقلي بمنظومة المفاهيم التي هي‬ ‫الواقع الفاعل وبه يحلل ينقد به واقعهم الذي يصبح منفعلا‪.‬‬‫وأسلوب الإبداع الفني في القرآن هو إبداع الأماثيل وبها يعبر القرآن بمشاهد شبه‬ ‫\"مسرحية\" تشخص المعاني في سلوك الشخوص‪ :‬مثال مشهد استخلاف آدم‪.‬‬‫فما هو الواقع الحق الذي يبدعه القرآن فيكون فاعلا بنموذجي الإبداع العلمي والإبداع‬ ‫الفني فيدرس به الواقع الزائف المنفعل؟ تلك هي أصالة القرآن‪.‬‬‫نعم نصوص الأديان المتقدمة والظرف التاريخي حاضران في القرآن ولكن ليس بوصفهما‬ ‫فاعلين فيه بل منفعلان به‪ :‬هو جعلها موضوع درسه بمعايير ما أبدعه‪.‬‬‫وهو صريح في هذا القصد بدليل المنهج الذي طبقه في هذا الاستحضار‪ :‬فهو يعيرها بمنهج‬ ‫التصديق والهيمنة‪ .‬أي إنه يمتحنها ليبقي الصادق ويبطل الكاذب‪.‬‬‫وما يبطله من طبيعتين‪ :‬تحريف النص وتحريف ما يترتب عليه من سلوك ديني ببعديه‬ ‫الخلقي والسياسي فيكون التحريف خلطا بين الديني وتوظيفه السياسي‪.‬‬‫وقد حصر التحريف الخالط بين الديني‪-‬جوهر الإسلام وعين الفطرة‪-‬في خمسة أشكال‬ ‫تاريخية في الحج ‪ :17‬اليهودية والمسيحية والصابئية والمجوسية والشرك‪.‬‬‫فحضورها في القرآن ليست تناصا ولا انتحالا بل هو قصدي وهدفه العرض التفكيكي‬ ‫والنقدي لما يطرأ على الديني من حيث مرجعياته وتوظيفاته من تحريف‪.‬‬‫والأهم من ذلك كله هو أن القرآن ينبني هذين الابداعين المحررين من \"الواقع\" الموجود‬ ‫والساميين إلى الواقع المنشود على علم رئيس ما بعد الأخلاق‪.‬‬‫ونسبة هذا العلم الرئيس‪-‬الأرشيتاكتونيك‪-‬إلى العلوم الدينية وأهمها الدراسات‬ ‫القرآنية ورأسها التفسير هي عين نسبة الميتافيزيقا للعلوم الفلسفية‪.‬‬‫القرآن ميتاأخلاق ولهذه العلة فالرسول يقول إنه متمم الأخلاق‪ .‬والأخلاق هنا لا تعني‬ ‫الأحكام الخلقية الذاتية في ذهن الفرد بل الأخلاق الموضوعية‪.‬‬‫والأخلاق الموضوعية هي جوهر السياسة أو التربية والحكم‪ .‬فالتربية هي التي تغذي‬ ‫الضمير بالتعين التاريخي للقيم والحكم يحقق آثارها في حياة البشر‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫فالديني هو فلسفة العقائد وفلسفة الشرائع والأولى هي معرفة الحقيقة والسلوك‬ ‫بمقتضاها والثانية هي النظام الذي يحقق شروط وصول الإنسان إليها‪.‬‬‫فدرس تحريف الديني في كل دين هو موضوع القسم النقدي من الإبداع القرآني حجاجيا‬ ‫وأمثوليا والقسم الثاني هو مشروع التربية والحكم لتجنب التحريف‪.‬‬‫وبهذا المعنى يكون القرآن فلسفة دين وفلسفة تاريخ‪ .‬والأولى أصلها العقيدة أو علم‬ ‫الديني عند الله ‪-‬الإسلام‪-‬والثانية أصلها الشريعة أو العمل به‪.‬‬‫ما الحديث في هذا التفسير؟ الحديث ابستمولوجي وأكسيولوجي‪ .‬فهنا العقل يبدع واقعه‬ ‫وأسلوب علاجه عند المؤمن بإلهية مصدر القرآن أو عند نافيها‪.‬‬‫والمؤمن أكثر تناسقا من النافي‪ :‬ذلك أنه لا يتناقض عندما يعتقد أن العقائد والشرائع‬ ‫ذا مصدر متعال يبدعها بحق فيعتبرها من ثم متعالية على عقله‬‫لكن غير المؤمن مضطر لأن ينسب إلى عقل الإنسان هذه الإبداع‪ .‬لذلك فجل الملحدين‬ ‫قد ينفون المصدر الإلهي لكنهم لا يستطيعون أن ينفوا ما تحقق لمحمد‪.‬‬‫وحتى لا يتناقضوا يطلبون ما يثبت أن محمدا انتحل علمه من نصوص يهودية ومسيحية‬ ‫والقرآن تلفيق ليس فيه أصالة ولا يرون طبيعة حضور ما تصوروه مسروقا‪.‬‬‫صحيح أن اليهودية والمسيحية والصابئية والمجوسية والشرك كلها من موضوعات القرآن‬ ‫لكنها وردت لتدرس بمعيار‪ :‬مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه‪.‬‬‫وهذا هو جوهر الدرس الحديث لكل \"واقع\"‪ .‬فهو ظاهر من الواقع يعرض على حقيقة‬ ‫الواقع التي هي ليست ما في الأعيان ولا ما في الأذهان بل هي المثال‪.‬‬‫القرآن فلسفة مثالية ذات فرعين‪ :‬فرع فلسفة الدين وفرع فلسفة التاريخ والفرعان هما‬ ‫ما أقصده بالميتاأخلاق فهو إبداع لما بعد العلم وما بعد الفن‪.‬‬‫وهذا الإبداع ليس نسخة من واقع متقدم عليه بل هو خلق لواقع متعال على الموجود‬ ‫بمعيار المنشود المكتوب في فطرة الإنسان بوصفه أهلا للاستخلاف‪.‬‬‫وقد ضربت لهم مثال سورة هود‪ :‬ففيها كلام يجمع بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ من‬ ‫خلال البنية الأمثولية القصصية لسبعة رسل والخطاب موجه لثامن‪.‬‬ ‫‪64‬‬

‫فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وبين الثلاثة الأول والثلاثة الأواخر نجد‬ ‫ابراهيم ثم المخاطب بالسورة محمد رسولا للبشرية كلها‪.‬‬‫فإذا اضفنا صورتي آدم الأول والأخير أي آدم وعيسى (لأن القرآن قاسه عليه) وجدنا‬ ‫عشر رسالات‪ ،‬ستة منها تعالج كل التحريفات الممكنة للأولى والأخيرة‪.‬‬‫أي للآدمية ولنوعي العلاقة بالله‪ :‬بدايتها آدم وغايتها عيسى‪ .‬ثم اثنتان للحنيفية‬ ‫الأصلية (ابراهيم) والحنيفية المحدثة (محمد)وهو المبشر به في هود‪.‬‬‫فالبشرى تتوجه لشيخ وعجوز وصلت سن اليأس‪ ،‬لكن الملكين بشراهما بابن وهو في‬ ‫الحقيقة محمد أو الرسالة الأخيرة التي ستحررنا من علل التحريف‪.‬‬‫وعلل التحريف علاجها بالتحرر من طغيان الطبيعية وإعادة تكوينها على عين الله بعد‬‫نهاية الطوفان(نوح) ثم التحدي الاقتصادي (هود) ثم صالح وتحدي مصدر الحياة الأول‬‫(توزيع الماء)‪ ،‬ثم لوط وتحدي المثلية‪ ،‬ثم ما ينتج عن التحدي الاقتصادي من تشعيب‬ ‫وصراع بين البشر (شعيب)‪.‬‬‫والتحدي الأخير هو تحدي العبودية الناتجة عن الاستعباد السياسي (موسى)‪ .‬وتلك هي‬ ‫مضامين الرسالة الإسلامية ومهمة الحنيفية المحدثة‪.‬‬‫وهنا يأتي دور آدم وعيسى‪ .‬فالتحريف العقدي الأساسي الذي يفسد فلسفة الدين‬ ‫فيرتب عليها افساد فلسفة التاريخ هو تأويل عصيان آدم وحواء في المسيحية‪.‬‬‫فهذا التأويل مناف للحياة ولدلالة الاستخلاف والاستعمار في الأرض‪ :‬فالإنزال ليس‬ ‫عقابا لخطأ يتعلق بالجنس بل لأن آدم تلقى كلمات فتاب واجتباه ربه‪.‬‬‫ثورة الإسلام الأساسية هي تأويل الدين بصورة لا تجعله منافيا للحياة وشروطها‪ :‬الدنيا‬ ‫هي الحياة الأولى التي تتحقق فيها أهلية الإنسانية للاستخلاف‪.‬‬‫وهذه الأهلية تتحقق إذا عملت الإنسانية بما سعى إليه نوح (العلاقة بالطبيعة) وما سعى‬‫إليه هود (الاقتصاد) وما سعى إليه صالح (توزيع الماء) وما سعى إليه لوط (الجنس‬‫السوي) وما سعى إليه شعيب (العدل في المعاملات الاقتصادية) وما سعى إليه موسى‬ ‫(الاستبداد والتحرر من العبودية)‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫لكن ذلك كله مرهون بالوحدانية الإبراهيمية التي هي بالأساس التحرر من عبادة‬ ‫الطبيعة والتعالي لعبادة الواحد الأحد‪ .‬اية محمد ابراهيم الثاني‪.‬‬‫ولهذه العلة يمكن اعتبار سورة هود (من هاد واهتدى) هي العرض النسقي لفلسفة‬ ‫الدين ولفلسفة التاريخ اللتين تمثلان مضمون القرآن الجوهري‪.‬‬‫وهذا المضمون هوما بعد الأخلاق علما رئيسا نسبته إلى الفلسفتين الدينية والتاريخية‬ ‫تناظر نسبة ما بعد الطبيعة في الفلسفة القديمة والوسطية‪.‬‬‫أما الفلسفة الحديثة فهي قد تخلت عن الميتافيزيقا وتبنت ما بعد الأخلاق‪ .‬ومن لم يفهم‬ ‫ذلك لا يدرك الغزالي وابن تيمية وابن خلدون لثورة الإسلام‪.‬‬‫وإذا كنت أفخر بشيء‪ ،‬فهو بيان ذلك في أعمالي الأكاديمية‪ ،‬لا تبدو ذات صلة بالقرآن‬ ‫عندما ننظر إليها قبل الجلي في التفسير‪ ،‬لكنها بعده ترد إليه‪.‬‬ ‫‪66‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬