أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 11 - -الفصل الرابع 16 - -الفصل الخامس 21 -
--نترك الكلام في المسائل التاريخية العينية ونعود إلى البحث المجرد لنستكمل علاج مسألةالدولة وطبيعة مقوماتها أيا كانت الجماعة التي تنسب إليها الدولة وفي أي عصر ذلك أنالعلاج المفهومي يضع بين قوسين ما يتعلق بالعلاج التاريخي ليتكلم على البنية المجردة دون ملئها بالمضمون التاريخي.ولست غافلا عن كون النزعة التاريخانية تعتبر الكلام على البنى المجردة وعلى المقابلةبين المفهومي والتاريخ من بقايا الميتافيزيقا وليست مناسبة لعصر العلم الوضعي .لكن أكثرميلا لاعتبار هذا الرأي هو الغفلة بعينها لأن العلم الوضعي تجاوزه العلم المدرك لحدوده ولحاجته لما يضفي عليه معنى.لذلك فنسبة العلاج المفهومي للعلاج التاريخي هي عين نسبة البنى الرياضية للمضامينالفيزيائية فيما يظن علما وضعيا .والأولى يمكن اعتبارها مقدرات ذهنية خالية منالمضمون عدا منطق النسقية في البناء الرمزي المجرد والثانية تعدلها تعديل المضمون للعبارة عنه باسترماز أو ترجمة رمزية مناظرة.ذلك أن العلم بخلاف الأباديع الفنية ليس متحررا من مرجعية من خارجه تتمثل في أنالأباديع العلمية تختلف عن الأباديع الأدبية فالنظرية تختلف عن الرواية .النظرية روايةمقيدة بمضمون مستقل عن كاتبها والرواية نظرية صاحبها هو الذي يبدعها ويبدع المضمون معها ومن ثم فهو أكثر حرية من العالم.ولكن مهما كان أكثر حرية من العالم لعدم تبعية أبدوعته لموضوع ليس من صنع المبدعويمكن أن نقيس عليه الرياضي فإنهما مع ذلك خاضعان لما يمكن اعتباره هو بدوره حائلادون الخلط بين الإبداع والخيال الذي ليس له نظام مفهومي :ومعنى ذلك أن الرياضي والروائي هما بدورهما خاضعان للمفهوم.والمفهوم يتجاوز الحدود الاولية وقوانين تأليفها بداية للإبداع الرياضي أو الروائيوبمجرد وضع هذه الحدود الأولية وقوانين التأليف بينها (شرطا كل اكسيومية) يصبحانأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--مقيدين بما يفرضه المفهوم الذي هو علاقات مطلقة الاستقلال عن تحكم الشخص الذي أبدعهما لأن ما سيترتب عليهما مستقل تماما عنهما.وإذن ففكر الإنسان يوجد بين فكي كماشة :أحدهما يحكم الوجود في الأعيان والاحتكامإليه قانونه هو تجربة الوجود الخارجي والثاني هو الوجود في الأذهان والاحتكام إليهقانونه هو تجربة الوجود الذهني -وهو غير النفسي -إنه الوجود المنطقي أو الرمزي وما يترتب عليه من نظام ونسقية مستقلين تماما.صحيح أن الروائي يبدو وكأنه مطلق الحرية في قص أحداث روايته .لكن هذا القصبخلاف ما يتوهم الكثير ليس مطلق الحرية :فما أن يبدع الروائي شخوص روايته ويحددصفاتهم الاساسية يصبح خاضعا لتناسق هذه الصفات فيما يعرضه من أحداث تفرض عليه فرضا ولا يستطيع من دون إفساد الحبكة أن يغيرها.وحتى ما يقدم عليه من إفساد للنسق فهو مما يحتمله النسق بمعنى أنه ضمن الإمكاناتالتي تنتج عن الحدود الأولية وقوانين التأليف التي تنتج عن مفهوماتها وما تبيحه وماتحظره وما يمكن أن يصبح بالإباحة والحظر من مجملات القص أو هكذا تفهم حتى لو لم تكم بقصد من الروائي .ونفس الأمر في العلم.لذلك فأحيانا يكون ما يظن من الاخطاء فتحا في الإبداعين الروائي والرياضي .وبعدهذه المحاولة لتعليل الحاجة إلى ما يجانس هذه العلاقة بين فك الأذهان وفك الأعيانالمحيطين بعمل الإبداع علميا كان أو أدبيا أعود إلى موضوعي :نظرية الدولة التي يمكن إبداعها في الأذهان بصرف النظر عن الأعيان.فهذا هو المستوى المفهومي الذي مع المستوى التاريخي يمكن أن يؤطر المستوى العلمي منالسياسة :وإذن فما أقدمه له علاقة بنظرية الدولة مفهوميا بالمقابل مع واقع الدولةتاريخيا اساسين للعم الدولة وضعيا .ثلاثة مستويات :المفهوم والتاريخ والعلم الوضعي. والعلم الوضعي ممتنع من دون الآخرين.فيكون العلم دائما مشدودا إلى حدين أحدهما هو الإبداع في الأذهان والثاني هو الحصولفي الأعيان وهو محاولة المطابقة بقدر الاستطاعة بين الإبداع في الأذهان والحصول فيأبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--الأعيان ومن ثم فالعلم وصل بين المفهومي والتاريخي أو بين المنطقي الرياضي والوجودي التجريبي :والآن فلنستكمل مفهوم الدولة.حددت فيما سبق المقومات التي تتألف منها الدولة (صورة العمران بلغة ابن خلدون)بوصها الجماعة وقد صارت ذاتا مشرعة لذاتها ومبدعة لكيانها وشروط بقائه حماية ورعاية فحصرتها في العناصر التالية: .1مرجعية .2قوى سياسية .3دستور .4هيئة حاكمة ومعارضة .5وظائف الحماية والرعاية.وهذه العناصر المقومة الخمسة شرحتها بإفاضة في مستوى التحليل المفهومي وأحيانا فيمستوى الحصول التاريخي دون أن أدعي الوصول إلى النظرية العلمية التي تجمع بينالتحليل المفهومي والحصول التاريخي لتكون فعلا معرفة وضعية تستخرج قوانين علمية قابلة للامتحان التجريبي في الهندسة السياسية. فتكون العملية الكاملة مؤلفة من: .1تحليل مفهومي أو وجود في الأذهان .2وتوصيف تاريخي أو وجود في الأعيان .3ومن تنظير علمي ووضعي .4يؤسس لتفعلي عملي في الهندسة السياسة أو في الاستراتيجية السياسية لبناء الدول .5والجامع بين هذه العناصر هو المعنى التام للسياسة في الفلسفة وفي الدين. فما الذي غاب في المحاولات السابقة وعلينا استكماله؟لما تكلمت على المرجعية (المقوم الأول) وعلى الوظائف (المقوم الأخير) غاب أهم عناصرأدوات الفعل فيهما وفيما بينهما أعني في القوى السياسية والدستور والهيئة \"الحاكمة- المعارضة :أعني الرمزين المقومين للفاعلية الإنسانية عامة.أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--فلا يمكن تصور جماعة فضلا عن الدولة التي هي الجماعة وقد صارت ذاتا مشرعة لذاتهاومبدعة لكيانها -وهي الوحيدة التي يمكن القول إنها -كاوزا سوي-أي علة وجودهاواستمرارها وكذلك علة عدمها وزوالها-من دون الرمزين :رمز الفاعلية أو العملة وفاعلية الرمز أو الكلمة.وحتى لا ننتظر طويلا فلنقل إن هذين الرمزين مجتمعين يمثلان عند فصلهما عن الغاياتالمتعالية على الدنيا دين العجل الذهبي :العملة هي مادته أو الذهب والكلمة هي صورتهأو الخوار .ومن ثم فهذان الرمزان مشتركان بين دين الله إذا وصلت الأولى بالآخرة مستويين متكاملين ودين العجل إذا خلطتا.والخلط بينهما يكون إما برد السياسة إلى الثيوقراطيا أو بردها إلى الانثروبوقراطيا:ففي الأولى الوسيط والوصي يدعي الكلام باسم الله ويلغي الإنسان وفي الثانية يدعيالكلام باسم الإنسان ويلغي الله .ولما كان الإلغاء مستحيلا فالإنسان يتربب سرا في الاولى وجهرا في الثانية :وحدة الفتنتين.وإذن فالعملة رمز الفاعلية والكلمة فاعلية الرمز لا بد منهما في كل دولة والمشكل هو كيفيحال دون أن يصبحا عنصري دين العجل الذهبي ذي الخوار .كل مشكل المرجعية متعلقبهذه الإشكالية .الدولة بوصها ذات الجماعة لا تعمل من دونهما لكنهما يمكن أن يصبحا ممثلين لدين العجل أو لدين الله.وما يرمز إلى هذه الضرورة هو بالأساس ما يجعل وزارة المالية ووزارة الإعلام وزارتيسيادة حتى وإن كانت بنية الحكومات لا تعتبرهما كذلك :لكن ما من حكومة يمكن أن تعملمن دون المالية شرط التبادل ومن دون الإعلام شرط التواصل .لذلك فوزارات السيادة ثمان وليست أربعا.فبالإضافة إلى القضاء والداخلية والخارجية والدفاع لا بد من إضافة المالية والأعلاموالاستعلام والبحث العلمي النظري والعملي .فالحماية والرعاية لا تعملان من دون هذه السلط الثمانية: أربع للفاعلية التنفيذية وأربع لشروط العمل على علم في الحماية والرعاية.أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- بذلك تكون الدولة وعي الجماعة.وهذه الإضافة تتعلق بالهيئة الحاكمة-المعارضة (الهيئة مضاعفة لأن أي معارضة جديةلها حكومة ظل تستعد للتداول وهي إذن حاكمة بالقوة والأولى حاكمة بالفعل) .لكنينبغي أن نثبت دور ذلك في المرجعية وفي القوى السياسية وفي الدستور وفي الوظائف العشر التي هي أعضاء فعل الدولة.عبارة \"أعضاء فعل الدولة\" فيها اضمار أن الدولة كائن حي يعمل بجوارح هي التي تؤديالوظائف العشر :أي الحماية الداخلية (القضاء والأمن) والحماية الخارجية (الدبلوماسيةوالدفاع) وجهازها العصبي اي الأعلام والاستعلام حتى يكون عمل الدولة على علم بما يجري في الداخل والخارج.ونفس ما قلناه عن الحماية يصح على الرعاية .فللدولة جوارح تقوم بوظائف الرعايةالتي هي رعاية التكوين أو التربية النظامية والعامة ورعاية التموين التي هي الإنتاجالرمزي أو الثقافة بكل ابعادها والإنتاج المادي أو الاقتصاد بكل أبعاده وجهازها العصبي أو البحث والإعلام العلميين.وفي الحقيقة فإن الرمزين مضمران في الجهازين العصبيين :ذلك أن رمز الفعل أو العملةوفعل الرمز أو الكلمة كلاهما تابع للحماية وللرعاية وجود في الداخل (التبادل والتواصل)وشرط إمكان في الخارج .وشرط الإمكان في الخارج دليله شرط الوجود في الداخل :المهابة مبنية على هذه العلاقة.أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--نترك الكلام في المسائل التاريخية العينية ونعود إلى البحث المجرد لنستكمل علاج مسألةالدولة وطبيعة مقوماتها أيا كانت الجماعة التي تنسب إليها الدولة وفي أي عصر ذلك أنالعلاج المفهومي يضع بين قوسين ما يتعلق بالعلاج التاريخي ليتكلم على البنية المجردة دون ملئها بالمضمون التاريخي.ولست غافلا عن كون النزعة التاريخانية تعتبر الكلام على البنى المجردة وعلى المقابلةبين المفهومي والتاريخ من بقايا الميتافيزيقا وليست مناسبة لعصر العلم الوضعي .لكن أكثرميلا لاعتبار هذا الرأي هو الغفلة بعينها لأن العلم الوضعي تجاوزه العلم المدرك لحدوده ولحاجته لما يضفي عليه معنى.لذلك فنسبة العلاج المفهومي للعلاج التاريخي هي عين نسبة البنى الرياضية للمضامينالفيزيائية فيما يظن علما وضعيا .والأولى يمكن اعتبارها مقدرات ذهنية خالية منالمضمون عدا منطق النسقية في البناء الرمزي المجرد والثانية تعدلها تعديل المضمون للعبارة عنه باسترماز أو ترجمة رمزية مناظرة.ذلك أن العلم بخلاف الأباديع الفنية ليس متحررا من مرجعية من خارجه تتمثل في أنالأباديع العلمية تختلف عن الأباديع الأدبية فالنظرية تختلف عن الرواية .النظرية روايةمقيدة بمضمون مستقل عن كاتبها والرواية نظرية صاحبها هو الذي يبدعها ويبدع المضمون معها ومن ثم فهو أكثر حرية من العالم.ولكن مهما كان أكثر حرية من العالم لعدم تبعية أبدوعته لموضوع ليس من صنع المبدعويمكن أن نقيس عليه الرياضي فإنهما مع ذلك خاضعان لما يمكن اعتباره هو بدوره حائلادون الخلط بين الإبداع والخيال الذي ليس له نظام مفهومي :ومعنى ذلك أن الرياضي والروائي هما بدورهما خاضعان للمفهوم.والمفهوم يتجاوز الحدود الاولية وقوانين تأليفها بداية للإبداع الرياضي أو الروائيوبمجرد وضع هذه الحدود الأولية وقوانين التأليف بينها (شرطا كل اكسيومية) يصبحانأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--مقيدين بما يفرضه المفهوم الذي هو علاقات مطلقة الاستقلال عن تحكم الشخص الذي أبدعهما لأن ما سيترتب عليهما مستقل تماما عنهما.وإذن ففكر الإنسان يوجد بين فكي كماشة :أحدهما يحكم الوجود في الأعيان والاحتكامإليه قانونه هو تجربة الوجود الخارجي والثاني هو الوجود في الأذهان والاحتكام إليهقانونه هو تجربة الوجود الذهني -وهو غير النفسي -إنه الوجود المنطقي أو الرمزي وما يترتب عليه من نظام ونسقية مستقلين تماما.صحيح أن الروائي يبدو وكأنه مطلق الحرية في قص أحداث روايته .لكن هذا القصبخلاف ما يتوهم الكثير ليس مطلق الحرية :فما أن يبدع الروائي شخوص روايته ويحددصفاتهم الاساسية يصبح خاضعا لتناسق هذه الصفات فيما يعرضه من أحداث تفرض عليه فرضا ولا يستطيع من دون إفساد الحبكة أن يغيرها.وحتى ما يقدم عليه من إفساد للنسق فهو مما يحتمله النسق بمعنى أنه ضمن الإمكاناتالتي تنتج عن الحدود الأولية وقوانين التأليف التي تنتج عن مفهوماتها وما تبيحه وماتحظره وما يمكن أن يصبح بالإباحة والحظر من مجملات القص أو هكذا تفهم حتى لو لم تكم بقصد من الروائي .ونفس الأمر في العلم.لذلك فأحيانا يكون ما يظن من الاخطاء فتحا في الإبداعين الروائي والرياضي .وبعدهذه المحاولة لتعليل الحاجة إلى ما يجانس هذه العلاقة بين فك الأذهان وفك الأعيانالمحيطين بعمل الإبداع علميا كان أو أدبيا أعود إلى موضوعي :نظرية الدولة التي يمكن إبداعها في الأذهان بصرف النظر عن الأعيان.فهذا هو المستوى المفهومي الذي مع المستوى التاريخي يمكن أن يؤطر المستوى العلمي منالسياسة :وإذن فما أقدمه له علاقة بنظرية الدولة مفهوميا بالمقابل مع واقع الدولةتاريخيا اساسين للعم الدولة وضعيا .ثلاثة مستويات :المفهوم والتاريخ والعلم الوضعي. والعلم الوضعي ممتنع من دون الآخرين.فيكون العلم دائما مشدودا إلى حدين أحدهما هو الإبداع في الأذهان والثاني هو الحصولفي الأعيان وهو محاولة المطابقة بقدر الاستطاعة بين الإبداع في الأذهان والحصول فيأبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--الأعيان ومن ثم فالعلم وصل بين المفهومي والتاريخي أو بين المنطقي الرياضي والوجودي التجريبي :والآن فلنستكمل مفهوم الدولة.حددت فيما سبق المقومات التي تتألف منها الدولة (صورة العمران بلغة ابن خلدون)بوصها الجماعة وقد صارت ذاتا مشرعة لذاتها ومبدعة لكيانها وشروط بقائه حماية ورعاية فحصرتها في العناصر التالية: .1مرجعية .2قوى سياسية .3دستور .4هيئة حاكمة ومعارضة .5وظائف الحماية والرعاية.وهذه العناصر المقومة الخمسة شرحتها بإفاضة في مستوى التحليل المفهومي وأحيانا فيمستوى الحصول التاريخي دون أن أدعي الوصول إلى النظرية العلمية التي تجمع بينالتحليل المفهومي والحصول التاريخي لتكون فعلا معرفة وضعية تستخرج قوانين علمية قابلة للامتحان التجريبي في الهندسة السياسية. فتكون العملية الكاملة مؤلفة من: .1تحليل مفهومي أو وجود في الأذهان .2وتوصيف تاريخي أو وجود في الأعيان .3ومن تنظير علمي ووضعي .4يؤسس لتفعلي عملي في الهندسة السياسة أو في الاستراتيجية السياسية لبناء الدول .5والجامع بين هذه العناصر هو المعنى التام للسياسة في الفلسفة وفي الدين. فما الذي غاب في المحاولات السابقة وعلينا استكماله؟لما تكلمت على المرجعية (المقوم الأول) وعلى الوظائف (المقوم الأخير) غاب أهم عناصرأدوات الفعل فيهما وفيما بينهما أعني في القوى السياسية والدستور والهيئة \"الحاكمة- المعارضة :أعني الرمزين المقومين للفاعلية الإنسانية عامة.أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--فلا يمكن تصور جماعة فضلا عن الدولة التي هي الجماعة وقد صارت ذاتا مشرعة لذاتهاومبدعة لكيانها -وهي الوحيدة التي يمكن القول إنها -كاوزا سوي-أي علة وجودهاواستمرارها وكذلك علة عدمها وزوالها-من دون الرمزين :رمز الفاعلية أو العملة وفاعلية الرمز أو الكلمة.وحتى لا ننتظر طويلا فلنقل إن هذين الرمزين مجتمعين يمثلان عند فصلهما عن الغاياتالمتعالية على الدنيا دين العجل الذهبي :العملة هي مادته أو الذهب والكلمة هي صورتهأو الخوار .ومن ثم فهذان الرمزان مشتركان بين دين الله إذا وصلت الأولى بالآخرة مستويين متكاملين ودين العجل إذا خلطتا.والخلط بينهما يكون إما برد السياسة إلى الثيوقراطيا أو بردها إلى الانثروبوقراطيا:ففي الأولى الوسيط والوصي يدعي الكلام باسم الله ويلغي الإنسان وفي الثانية يدعيالكلام باسم الإنسان ويلغي الله .ولما كان الإلغاء مستحيلا فالإنسان يتربب سرا في الاولى وجهرا في الثانية :وحدة الفتنتين.وإذن فالعملة رمز الفاعلية والكلمة فاعلية الرمز لا بد منهما في كل دولة والمشكل هو كيفيحال دون أن يصبحا عنصري دين العجل الذهبي ذي الخوار .كل مشكل المرجعية متعلقبهذه الإشكالية .الدولة بوصها ذات الجماعة لا تعمل من دونهما لكنهما يمكن أن يصبحا ممثلين لدين العجل أو لدين الله.وما يرمز إلى هذه الضرورة هو بالأساس ما يجعل وزارة المالية ووزارة الإعلام وزارتيسيادة حتى وإن كانت بنية الحكومات لا تعتبرهما كذلك :لكن ما من حكومة يمكن أن تعملمن دون المالية شرط التبادل ومن دون الإعلام شرط التواصل .لذلك فوزارات السيادة ثمان وليست أربعا.فبالإضافة إلى القضاء والداخلية والخارجية والدفاع لا بد من إضافة المالية والأعلاموالاستعلام والبحث العلمي النظري والعملي .فالحماية والرعاية لا تعملان من دون هذه السلط الثمانية: أربع للفاعلية التنفيذية وأربع لشروط العمل على علم في الحماية والرعاية.أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- بذلك تكون الدولة وعي الجماعة.وهذه الإضافة تتعلق بالهيئة الحاكمة-المعارضة (الهيئة مضاعفة لأن أي معارضة جديةلها حكومة ظل تستعد للتداول وهي إذن حاكمة بالقوة والأولى حاكمة بالفعل) .لكنينبغي أن نثبت دور ذلك في المرجعية وفي القوى السياسية وفي الدستور وفي الوظائف العشر التي هي أعضاء فعل الدولة.عبارة \"أعضاء فعل الدولة\" فيها اضمار أن الدولة كائن حي يعمل بجوارح هي التي تؤديالوظائف العشر :أي الحماية الداخلية (القضاء والأمن) والحماية الخارجية (الدبلوماسيةوالدفاع) وجهازها العصبي اي الأعلام والاستعلام حتى يكون عمل الدولة على علم بما يجري في الداخل والخارج.ونفس ما قلناه عن الحماية يصح على الرعاية .فللدولة جوارح تقوم بوظائف الرعايةالتي هي رعاية التكوين أو التربية النظامية والعامة ورعاية التموين التي هي الإنتاجالرمزي أو الثقافة بكل ابعادها والإنتاج المادي أو الاقتصاد بكل أبعاده وجهازها العصبي أو البحث والإعلام العلميين.وفي الحقيقة فإن الرمزين مضمران في الجهازين العصبيين :ذلك أن رمز الفعل أو العملةوفعل الرمز أو الكلمة كلاهما تابع للحماية وللرعاية وجود في الداخل (التبادل والتواصل)وشرط إمكان في الخارج .وشرط الإمكان في الخارج دليله شرط الوجود في الداخل :المهابة مبنية على هذه العلاقة.أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--أكره شيء عندي تعريف الإسلام بالسلبين لا هو كذا ولا هو كذا أي تلك الفكرة السخيفةالتي ظن أصحابها أن ارسطو يعرف الفضيلة بوصفها وسطا بين رذيلتين .ومن يصدق هذاالفهم لأخلاق أرسطو كمن يصدق أن الكلام بالمماثلة في القرآن يعطينا حقيقة الله وينسى ليس كمثله شيء .تقريب المفهوم صار عينه.وأكره منه عندي القول إن الإسلام هو الحل الثالث بين الحلين الرأسمالي والاشتراكي.فمن نتائج هذا الفهم العقيم للإسلام-الذي من جنس هم مسلمون دون إسلام ونحن إسلامدون مسلمين-أنهم أخذوا رذيلتي النظامين :فلا حققوا العدالة ولا حققوا الحرية لأن الأول هو عين الظلم والثاني هو عين العبودية.فمن يصدق أن الاشتراكية تحقق العدالة كمن يصدق أن الصفوية تدافع عن الإسلامومن يصدق أن الرأسمالية تحقق الحرية كمن يصدق أن الصهيونية تدافع عنالديموقراطية .وكلنا يعلم أن القوتين وذراعيهما هم سر أغلب ما نعاني منه من ظلم واستبداد .لولا إيران وإسرائيل ما عانت سوريا ما تعاني منه الآن.ليس الإسلام حلا ثالثا بل هو الحل الأول بل الحل الوحيد لأن الحلين الآخرين ليساحلين أصلا بل هما ثيوقراطيا تخفي دين العجل وانثروقوراطيا تعترف به دينا وحيدا .ولافرق بين هذين الحلين الوهميين :لأن الأنسان يكون في الحالتين عبدا للعجل أي لغير الله باسمه أو لغير الإنسان باسمه.ولذلك فهما ليسا حلين على المسلمين أن يختاروا وسطا بينهما معتبرين ذلك هو الإسلاموهو ما يخرف بعض من يسمون أنفسهم فقهاء الواقع .وطبعا لما أقول هذا الكلام ينبغي ألاأكتفي بالدعوى بل لا بد من تقديم الحل الذي يعتبر هذا الحلان الوهمان تحريفه (آل عمران) :حلف الوسطي والوصيوالرمز هو تأليه عيسى عليه السلام (آل عمران )79ولهذه التأليه وجهان هما التنكرفي الثيوقراطيا وفي الانثروبوقراطيا :الله=عيسى .فهي طردا تنكر الثيوقراطيا فيأبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--الانثروبوقراطيا وعكسا تنكر الانثروقراطيا في الثيوقراطيا .الناسوت يتأله واللاهوت يتأنس :الطرد والعكس النيتشوي دون حاجة للقلب.علي إذن أن أعرف الإسلام بصورة إيجابية تحرر فكرنا من السلبين لا هو يهودية ولا هومسيحية ولا هو مادية ولا هو روحانية ولا هو رأسمالية ولا هو اشتراكية ويمكن ان ترصفالف الأزواج من هذه المقابلات التي تجعل الإسلام دين السلب وليس دين الإيجاب وهو ما يدعم القراءة الهيجلة للإسلام.لن أطيل الكلام على هذه الأزواج التي قلت إنها أكره شيء في فكر الأمة وهو ما جعلني أدرسها واكتشف سر وهائها وتحريفها لفلسفات القرآن وأصلها: .1فلسفة الديني في الأديان أصلا لفروعها الأربعة .2فلسفة الطبيعة .3وفلسفة التاريخ .4وفلسفة النظر والعقد .5وفلسفة العمل والشرع:وفلسفة الديني في الأديان هي ما بعد الأخلاق (متمم مكارم الأخلاق جوهر الرسالةالخاتمة أو التذكير الأخير أو أنطولوجيا عامة) وفلسفة الطبيعة (نظام رياضي تجريبي)وفلسفة التاريخ (نظام سياسي تجريبي) وفلسفة النظر والعقد نظرية معرفة (ابستمولوجيا) وفلسفة العمل والشرع نظرية قيم (أكسيولوجيا).والانطولوجيا العامة أعطيها هنا معنى لا يوجد في غير القرآن :فمن حيث يتكلم علىالربوبية والألوهية يمكن اعتباره بالمعنى التقليدي قسما من الانطولوجيا الخاصة(الثيولوجيا والكوسمولوجيا والانثروبولوجيا) فيظن أن غفلت عن هذه الدلالة بهذا الاعتبار المضاعف :ما بعد الاخلاق والانطولوجيا العامة.واعتقد أن السر فيما تكلمت عليه من تحريف انسبه إلى علوم الملة هو أنها لم تنتبه إلىالكلام في الله له مستويان في القرآن :مستوى الربوبية ويتعلق بالخلق والضرورة ومستوىأبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--الألوهية ويتعلق بالأمر والحرية .ومن ثم فالله ليس موضوع انطولوجيا خاصة مثل العالم والإنسان كما يرى الفلاسفة.بل هو كما يتبين من القرآن الكريم سر الجمع بين الضرورة والحرية وبين الطبيعةوالتاريخ أو ما يبدوا متعارضا أي الخلق والأمر وهو جوهر الخلقي الذي لأجله سميتالقرآن ما بعد الاخلاق :فهو لا يذكر بشيء آخر غير ما يجعل الأنسان جامعا بين هذين البعدين الطبيعي المضطر والتاريخي الحر.فالطبيعي فيه هو كونه مستعمرا في الأرض أي إنه لا يقوم إلا بفضل ما توفره له الطبيعةبقوانينها المضطرة شروط قيامه العضوي فيكون في هذه الحالة تابعا لعالم الربوبية والخلقلكنه متعال على هذا الوجه الأول لأنه مستخلف وليس مجرد مستعمر في الارض وهو حينها تابع للألوهية والأمر :طبيعي خلقي.وذلك هو معنى الديني في الإنسان فطري :اي إن طبيعة الإنسان رغم كونها خاضعةلقانون الضرورة الطبيعية فيها ما يجعلها تتعالى عليها لتكون متحررة منها بما لها مناستخلاف يضفي القيمة والمعنى على الاستعمار في الارض .وهذا لا ضديد له إلا دين العجل أي الحلين الآخرين المزعومين.ومهما قلبت آيات القرآن الكريم فلن تجد نصا واحدا يسعى لإثبات الربوبية بل هيمعتبرة مسلمة من جميع البشر ما يثبته القرآن هو الالوهية التي تتعلق بالأمر والحريةوليس بالخلق والضرورة .فالآية الأولى من النساء تبين هذه العلاقة :وحدة الإنسانية خلقا(الربوبية) واختلافها أمرا (الألوهية).ويتبين ذلك خاصة من الآية الأولى من سورة النساء :فالبشرية واحدة خلقا وتتبع نظامالربوبية أو قانون الضرورة لكنها مختلفة أمرا وتتبع نظام الألوهية أو القانون الحرية.فيكون للإنسان رحمان كوني (الإنسانية) وخصوصي (الأرحام) .والمقابلة بينه من الكلام على رقابة القانون الثاني.وهذه الثنائية ليست في ذات الله كما قد يتوهم من يتعجل في قراءة التحليل :بل فيعلاقته بالمخلوقات التي فيها ما يأتي ربه كرها وفيها ما يأتيه طوعا والإنسان فيه النوعانأبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--فهو كمخلوق يأتي ربه كرها لكنه كمأمور يأتيه طوعا .وذلك هو معنى التكليف بالاستخلاف الذي هو قيم الاستعمار في الدنيا.وحتى نبني نظاما سياسيا ببعديه تربية وحكما متحررا من وجهي العجل الذهبي لا بدمن الاعتماد على الحرية الروحية أساس الوزع الذاتي أو الضمير الخلقي (العلاقة المباشرةبين المؤمن وربه) والحرية السياسية اساس الوزع الأجنبي الشرعي أو سياسة الجماعة لذاتها تربية وحكما كما تبين الشورى .38وقد شرحت ذلك وبينت علة بدئها بالاستجابة إلى الرب (بمعنى الجمع بين الربوبيةوالألوهية أو بين القانونين الطبيعي والخلقي) وختمها بالإنفاق من الرزق وبين البدايةوالغاية طبيعة الحكم وأسلوبه .فطبيعته ينتج عنها أنه أمر الجماعة (جمهورية) وأسلوبه ينتج عنه أنه يساس بالشورى (ديموقراطية).فكلمة أمر الجماعة تعني راس بوبليكا وإذن فطبيعة الحكم جمهوري وكلمة شورى بينالجماعة تعني ديموقراطية وإذن فأسلوب الحكم ديموقراطي أو شورى .والشورى حددتفي سورة العصر بكونها تواصيا بالحق (في النظر والعقد) وتواصيا بالصبر (في العمل والشرع) لمواطنين يؤمنون ويعملون صالحا.وهذه الشروط العناصر الاربعة تمكن من الاستثناء من الخسر الذي هو دين العجل :ايعندما يصبح الإنسان مستعمرا في الارض دون قيم الاستخلاف هذه فيكون عبدا للمال وللهوالذي يبعد الإنسان عما يضفي قيم الاستخلاف على الاستعمار في الارض :بتجاهل أبعاد المعادلة الوجودية.وهذه المعادلة الوجودية التي وضعت نظريتها هي التي تجعل الحل الإسلامي هو الأصلوكل خلل في أحد عناصرها وخاصة في تصور قطبيها يؤدي إلى الحلين الذي يحرفان الحلالقرآني :فالمعادلة هي العلاقة المباشرة بين الإنسان والله والعلاقة غير المباشرة بينهما بما وراء الطبيعة والتاريخ ضد النسيان.طبيعة السياسة ببعد الحكم والتربية وأسلوبها بالشورى فيهما هما ما يحرر مما يعتبرهابن خلدون علة فساد معاني الإنسانية أي ما يحول دون الحرية الروحية أو الوازع الذاتيأبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--والحرية السياسية أو الوازع الاجنبي الشرعي وكلاهما يمكن أن يتحولا إلى أداتي استعباد يفسد معاني الإنسانية.والاستعباد الأول هو سلطة الوسطاء الذين يفسدون طبيعة التربية والاستعباد الثانيهو سلطة الأوصياء الذين يفسدون طبيعة الحكم .وفسادهما يحصل بنفس الآليات التيتكون خفية في الثيوقراطيا وجلية في الانثروبوقراطيا ومن ثم فليس فالحل ليس وسطا بين رذيلتين بل أصل هما تحريفاه.وبهذا المعنى يكون الإسلام كما كان أول مرة استئنافا لسعي البشرية للتحرر من الطاغوتالسياسي تربية وحكما وهو معنى تبين الرشد من الغي الذي يؤدي إلى الإيمان باللهوالاستمساك بالعروة الوثقى دون سلطان وسطاء أو سلطان اوصياء :تلكما هما حريتا الإسلام ومضمون الرسالة.والمعادلة الوجودية هي في آن مضمون الرسالة الخاتمة وبنية السياسية التي تحققالفلسفات الخمس :فلسفة الديني وفلسفة الطبيعة وفلسفة التاريخ وفلسفة النظر والعقدوفلسفة العمل والشرع وهي في آن بنية الوعي الإنساني :القطبان الله والإنسان في علاقة مباشرة ثم غير مباشرة بما وراء الطبيعة والتاريخ.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--رأينا دور الرمزين-رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة)-في المرجعية والقوىالسياسية وبقي تعميق البحث في دورهما في الدستور والهيئة الحاكمة-المعارضة .فالدستوركما أسلفنا في محاولات فهم مقومات الدولة السابقة -سواء كان مكتوبا أو عرفيا-هو فهم المرجعية الادنى المشترك بين القوى السياسية.وقبل الكلام في دور الرمزين في الفهم الأدنى المشترك بين القوى السياسية التي تصوغهدستورا مكتوبا أو تتبعه عرفا في الممارسة لا بد أن نميز بين الدساتير المثالية التي يصوغهافيلسوف أو رسول متخلصا من علاقات القوة بين القوى السياسية بل هو خاضع لهذه العلاقات وهو إذن عقد غير متوازن.هو من الحاصل التاريخي وليس من المفهوم العقلي (حددنا هذين المفهومين سابقا) ومنثم فهو منطبع بخلل التوازن المعبر عن القوى المتفاعلة في الجماعة نفسها أو في بينها وبينالجماعة التي فرضته عليها (تذكروا دستور بريمن في العراق) ومن ثم فالدستور صورة من هذا التوازن المختل.وقد شاركت بعض المشاركة في دستور الثورة ولم أكن موافقا على الكثير مما جاء فيه بلوقدمت اعتراضاتي في محاضرات وكتابات لأني أومن بهذا المبدأ أولا ولأني لم أكن أثق فيالنقل السطحي للدساتير التي توجد في بلدان أخرى لها تقاليد مديدة في الديموقراطية وتعتبره أداة عمل وليس مجرد نص.وسبق أن نقلت إلى العربية كتاب وودي هولتون حول الخصومات التي صاحبت كتابةالدستور الأمريكي وصادف أن تم ذلك في خلال سنة الثورة قبل أن اشارك شكليا في الحكمبعد الانتخابات الأولى وكنت أعلم ما يجري في كواليس كتابة الدستور من صراع القوى للوصول إلى الحد الأدنى من فهم المرجعية.وكان المشاركون في كتابة الدستور الأمريكي بخلاف المشاركين في كتابة الدستور التونسيمتمرسين في الفلسفة السياسية ومن ذوي الثقل في القوى السياسية التي تتنازع السلطة فيأبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--نقل ولايات امريكا الثلاثة عشر حينها من وضعية الكنفدرالية إلى وضعية الفدرالية شرط بروز القوة البديلة عن أوروبا العتيقة.وقد سبقنا ابن خلدون كعادته فبين أن الدستور المبني على العقل وحده بنوعيه -لصالحالحكام أو لصالح الحاكم والمحكوم-يكون دائما مبنيا على حساب المصالح وليس على مايتعالى عليها بمعنى أنه يكون دائما خاضعا وإن بغير إعلان على دين العجل أي الرمزين دون ما يحررهما من العجل معدنا وخوارا.الدستور الخاضع للعقل وحده يعتبره ابن خلدون عقدا يترجم توازن قوى بين الحاكموالمحكوم -أي بين قوى سياسية-يبدأ بما يشبه الاحتكار لصالح الحاكم ثم يتدرج عندمايشعر الحاكم أنه عليه أن يراعي بعض مصالح المحكومين حتى يحصل على الطاعة بقدر الفائدة التي يستفيدها المحكوم من حكمه.وهذه الفائدة تقاس بالعملة وتزين بالكلمة .ومعنى ذلك أن توازن القوة بين القوىالسياسية يعير بحساب المصالح (العملة) وبحساب الآراء (الكلمة) ولابد إذن من معدنالعجل وخواره .وهذا هو السائد في بلاد العرب والمسلمين .وطبعا اغلبهم ما يزال في المرحلة الأولى :فلا وجه للمقارنة بين المصلحتين.وكم أتقزز عندما اسمع كلمة \"مكرمات\" الحاكم للمحكوم :لا يكفيه أنه يستحوذ على كلحقوقه التي ليس له أدنى حق في التصرف فيها من دون أن يوليه المحكوم أمانة الحكمبالعدل (النساء )58حتى يتفضل عليه بفتات المائدة ويسمى ذلك مكرمة وهي في الحقيقة حرابة علنية لأنه يستبد بها بعنف الدولة.ولما كان عنف الدولة مضاعف :عنف التربية وعنف الحكم كان لا بد أن يكون للحكامفقهاء -شرع أو وضع-وظيفتهم تأدية دور خوار العجل أي إضفاء الشرعية على ما هوبالجوهر عديم الشرعية .فيكذبون على الرسول ويعللون ما يعلمه كل من يسمع الجامية العربية فحدث ولا حرج.وهنا يبرز معنى العقل الذي يوظف فيه الدين أو الايديولوجيا لإضفاء الشرعية علىعدم الأمانة وعدم العدل في الحكم فيكون دوره من جنس دور الشحم في المحرك وليس دورأبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--المثال الذي يحرر الإنسان من دور الرمزين إذ يصبحان ممثلين للعجل :معدنه وخواره .كل العرب والمسلمين يحكمهم العجل وخواره.والخوار أو القول الذي يضفي الشرعية على ما ليس بشرعي يمكن أن يكون فقها وضعياأو فقها وضعيا :وأصحابه هم من سميتهم كاريكاتور الأصالة وكاريكاتور الحداثة .وكانالأول في خدمة الأنظمة القبلية والثاني في فخدمة الأنظمة العسكرية وكلاهما في خدمة النوعين وخاصة منذ أن اتحد نوعا النظام.وأضاف ابن خلدون العامل الذي من المفروض أن يعدل توازن القوى بالمعنى الفيزيائيللكلمة رغم وجود الخوار المضفي للشرعية الزائفة ما لو كان بالفعل صادقا لعدل التعاقدالذي لن يكون بين طرفين حاكم ومحكوم يكون فيه الأول قاضيا ومتقاضيا بل إضافة طرف ثلاث الجميع متساوون لديه :الدين الحق.والقصد بالدين الحق في مسألة الدستور هو ما حاولت وصفه في الفصول السابقة (شرحالشورى )38وخاصة هو ما يشترطه في الحاكم وفي طاعته .فأولا الحاكم ليس هو صاحبالامر بل هو نائب صاحبه الذي هو الجماعة وله معياران هما الأمانة والعدل (فضلا عن القدرة والعلم) ثم يبقى المحكوم مراقبا دائما.وهو معنى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .وله خمس درجات الرسول ذكر منها ثلاثةوبدأها بأقواها :اليد فاللسان فالقلب .وبين اليد واللسان وصل وبين اللسان والقلب وصل.وفي الحقيقة ما ذكره النبي فيه الحد الأعلى من المراقبة لكن الحاصل في التاريخ عند غياب الدين الحق هو العكس تماما.أي إن عدم الأمانة والظلم من الحاكم يثير الغضب في القلوب فيتراكم فتتحرك الألسنفتتراكم حتى ينفجر الامر فتتدخل اليد أي الثورة .وما كان الامر ينقلب ترتيبه لو لميحصل التراكمان بمعنى أن السكوت في البداية هو الذي جعل التراكم يحصل .فلو كان الحاكم يخشى شعبه لما وصلت الأمور إلى الحاصل.وليس معنى ذلك أن الرسول كان يدعو للثورة الدائمة-اليد-بل كان يدعو لما يردع مايجعل الجماعة تضطر في الغاية إلى اليد .علم الحاكم بأن الجماعة لا تقبل طاعته إذا لمأبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--يكن أمينا وعادلا لو حصل من البداية لألغى ما نحن عليه منذ 14قرنا من القوانين الاستثنائية وحالات الطوارئ التي لا تنتهي.والوصلتان اللتان أضفتهما لثالوث قول الرسول هما تراكم الغضب في القلب وتراكمالقول في اللسان قبل الانفجار .لكن تبرير الفقهاء بصنفيهم -الشرعي والوضعي-للتغلبهو الذي جعل المهروب منه يصبح القانون العام :فالخوف من الفوضى عند منع المتغلب جعل الحكم لا يحصل إلى بالتغلب المتوالي.فالحاكم بالفعل حتى يبقى يضاعف شروط التغلب والحاكم بالقوة أي الذي يتربص بهحتى يتغلب عليه -وهو سر الانقلابات -لا بد أن يزيحه بالقوة :فتكون الفوضى التي يعللونبتجنبها شرعية المتغلب القانون العام لكي يبقى المتغلب ويجتمع التغلب واللاشرعية .ويصبح المحظور هو القانون باسم الضرورة.وهذا الذي وصفت هو الدستور الفعلي أي الممارس ولا معنى للدساتير المكتوبة في الدولالعربية فهي نصوص لا يعمل بها أحد .وهذا الدستور الفعلي لا يحكمه إلا معدن العدلوخواره :فبالأول تشترى الضمائر وبالثاني تزيف الأوعاء .فتصبح الجماعة قابلة بما يجري وكأنه قضاء وقدر.وقد تضاعف هذا الإجرام لأن الحكام عديمي الأمانة والعدل لا يكتفون باستعمال بعديالعجل في الداخل بل هم يستعملونهما في الخارج :ذلك أن الإعلام والاستعلام ليسا في خدمةالجماعة بل في خدمة من يحمي الحكام ليستبد بالجماعة ويخدم حماته فيحمي مصالحهم فيمول الدعاية العالمية ببعدي نفس العجل.لو أنفق الحكام العرب على تنمية شعوبهم ما ينفقونه على تلميع وجوههم البشعة لكانتالأمة سامقة في ترتيب الأمم بمعيار منجزها الحضاري فلا يبقى العرب فضيحة العصر في كلمصر وخاصة في مصر .هل يعقل أن يكون مركز الثقل العربي بيد هذا المعتوه الذي يسمى بلحة ويجد من يكاد يؤلهه من نوعي الفقهاء.ولأختم هذا الفصل بالكلام على الكلفتين اللتين يكلفهما الاغبياء الذين من جنس بلحةومموليه :فهم يدفعون لتلميعه أموالهم التي ستعود عليهم حصرة وهو يدفع من سيادة مصرأبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--لمن يلمعونه في الغرب ويسكتون عنه الرأي العام الدولي وأقصد إسرائيل التي تأخذ عينيا كل ما تطلبه من سيادة مصر والعرب.أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--ها نحن قد وصلنا في الفصل الاخير إلى فشو السرطان في البدن-الميتاستاز-عندما يسيطردين العجل على الوظائف العشر خمستها المتعلقة بالحماية وخمستها المتعلقة بالرعاية وفيهايجمع بعدا الأزمة فيتبين بأن المرجعية أساس الدولة والوظائف غاية الدولة يلغيان المناعة المادية والحصانة الروحية.فالوظائف العشر تشبه بما يتجلى فيها التجربة بالنسبة إلى النظريات العلمية :ومعنىذلك أنها \"الواقع\" الحقيقي الذي يبين دور بعدي العجل مادته وخواره (رمز الفعل وفعلالرمز) في الأخلاق العامة (المرجعية كمزاعم عقدية) والممارسة الفعلية في مؤسسات الدولة التي لها علاقة مباشرة بالجماعة.وفي ذلك تتجلى نظرية ابن خلدون في \"فساد معاني الإنسانية\" .فالفساد المالي (الرشوةخاصة) والفساد الخلقي (النفاق خاصة) يصبحان الطابع الجوهري لكل وظائف الدولة.ويبدأ الفساد بالجهازين العصبيين جهاز الاستعلام والاعلام أصل وظائف الحماية وجهاز البحث والإعلام العلمي أصل وظائف الرعاية.سلطان العجل الذهبي بمعدنه وبخواره هو السرطان الذي يجعل الدول تفقد وظائفالحماية ووظائف الرعاية فلا يبقى لها مناعة مادية ولا حصانة روحية وتصبح كحال بلدانناقطعة جبن الكل فيها يبيع ويشري في كل شيء ولا يبقى شيئا محظورا على خلقيا ولا وطنيا ولا دينيا بل يزول معنى الكرامة والرجولة.ومن العلامات الدالة عليه أن الوظائف كلها-عشرتها-تصبح مجرد أسماء بدون مسميات:فلا قضاء ولا أمن ولا دبلوماسية ولا دفاع ولا خاصة الجهاز العصبي لوظائف الحماية-الاستعلام والأعلام-داخلها وخارجها :كلها تصبح أسماء بلا مسمى لأن يصبح خاضعا لمن يدفع أكثر (معدن العجل) ولمن يبرر أكثر(خواره).وما أظن أحدا ينتظر مني أمثلة :فيكفي أن ينظر في تصنيف الدول العربية في قائماتالفساد والاستبداد ولينظر فيما يجري في جل البلاد .ذلك أنك لا يمكن أن تصدق أن بلداأبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--صغيرا مثل تونس يحتاج لمائتي حزب وآلاف منظمات المجتمع المدني لو يكن ذلك قد أصبح تجارة ومداخل الاختراق العدواني.وفي مثل هذه المناخات يسعر أن يلوم أحد أحدا فالكل يغض الطرف عن الكل تماما كمايحصل عندما تسيطر الرذيلة في جماعة فلم أحد يلوم أحدا لأن الجميع يفعل نفس الشيفيتستر على غيره تستره على نفسه :فتعم الفاحشة ولا شيء أفحش من هذا الفشو المرضي للاستبداد والفساد في كل الوظائف.وأخطر ما في الأمر هو تزييف الشهادات العملية نظريها وعمليها حتى إنك لتعجب عندماترى كم الدالات التي تسبق الأسماء ولما ترى كيف تفكر تدرك أنها ربما لم تحصل حتىعلى الابتدائية وأنها اشترت الدال بدون مدلول .ونفس الأمر في المراتب الوظيفية في إدارة اجهزة الدولة وخاصة السيادي منها.فمن منا لم يصبه الذهول عندما سمع قضاة القضاء الذي يقال عنه أنه شامخ فيمحاكمات مصر الاخيرة وفضائح قراءتهم لأوراقهم ناهيك عن جهلهم حتى ببعض آياتالقرآن الكريم .ما سمعت في حياتي مستشرقا أكثر فهاهة من قضاة مصر الذين عرضتهم المحاكمات السيساوية .طبعا يوجد أفاضل لكنهم مبعدون.سآخذ الآن وظائف الدولة ذات العلاقة المباشرة مع حياة المواطن اليومية والمتعلقةبالحماية والرعاية الواحدة تلو الأخرى لأبين ما يتجلى فيها من فقدان للمناعة الماديةوالحصانة الروحية ومن ثم علاقة بين بعدي دين العجل في هذه الامراض التي تجعل المجتمعات خربا أقرب إلى أعجاز النخل الخاويةولا أستبعد أن يعتبرني الكثير من القراء مبالغا في وصف الظاهرة التي لعلها لا تبرزللعيان إلا في الحالات التي صارت مضرب الأمثال :خذ العراق وخذ سوريا وخذ مصر وقسعليها وهي أكبر بلاد العرب وأكثرها تمثيلا لحضارتهم بوصفها من المراكز الكبرى .وستفهم علة ما يبدوا تعميما ومبالغة.ولا أظن أنه يوجد بلد عربي واحد -حتى من الغني منها في الخليج أو في المغرب العربي-يمكن أن يستثنى من هذا الوصف رغم أن الثراء يمكن أن يخفي هذه الأمراض لأنه لمأبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--يصل إلى الحد الذي يصبح أول الادواء التي يعاني منها المواطن لأن السرقة فيها قد لا تصل بالمواطن إلى مخ عظامه قرار آلامه.وحتى نفهم الظاهرة فينبغي أن نفهم معنى الحماية والرعاية كما ينبغي .فمن أهم معانيالحماية ما يتعلق بالغذاء والصحة .وكلاهما يسيطر عليه الغش والإهمال ولا يمكنالاعتماد على رقابة الدولة بسبب رشوة المراقبين وحتى مداخيل الدولة من الجباية فهي لا يصل منها للدولة إلا القليل لنفس السبب.ذلك أن الحماية ليست مقصورة على حماية العباد بعضهم من البعض داخليا وحمايةالبلاد من العدوان الخارجي وهما مستحيلان بسبب فساد القضاء والامن والاختراقالاجنبي بل حماية الصحة غذاء ودواء وماء وهواء وحماية العناية في التكوين والتموين للأذهان فضلا عنهما للأبدان :تخريب ذاتي نسقي.فتحتار وتكاد ترفع يديك قائلا لا حول ولا قوة إلا بالله .وقد تقول بلسان تونسي فصيح\"من أين تردها؟\" فاض الكيل فلا المعلم معلم ولا الطبيب ولا الأمني أمني ولا العسكرعسكري واللاءات لا تكاد تتوقف .وليست بحاجة للأدلة :فالجيوش تهزم في أقل ربع ساعة وكانت لا تفلح إلا في قمع شعوبها.وإذا كان الاستعلام لا يستعلم إلى على ما يمكن من هتك ستر المواطن وقمعه وكانالإعلام لا يهدف إلا إلى تزييف الوعي والكذب على المواطن وكان ذلك لخدمة من يخدمحاميه في البلاد فكيف يمكن عندئذ أن تتكلم على الحماية؟ حماية من ممن؟ حماية المستبد والفاسد من الشعب حتى يخدم من نصبه عليه؟ولأذكر الوظائف بالترتيب بدءا بوظائف الحماية الخمسة :القضاء والأمن للحمايةالداخلية والدبلوماسية والدفاع للحماية الخارجية والجهاز العصبي لوظائف الحماية هذهأي ما يجعلها تؤدي دورها على علم بما تعالجه الدولة ويلتحم معه الشعب :الاستعلام والإعلام .ثم وظائف الرعاية الخمسة كذلك.فهذه تتألف من وظيفتين للتكوين هما نظام التربية النظامية ونظام التربية في المناخالاجتماعي العام وهو أشمل من الأول وأكثر تأثيرا وخاصة في أخلاق الجماعة العامة .ثمأبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--من وظيفتين للتموين هما الإنتاج الرمزي الممون للتكوين الروحي والعلمي والإنتاج المادي الممون للتكوين البدني والصحي.ولهذه الوظائف كذلك جهاز عصبي هو البحث والاعلام العلمي الذي هو مادة التكوينومصدر إنتاج التموين ومن ثم هو شرط وظائف الرعاية والحماية لأن الحماية بحاجة إلىالتكوين والتموين .مثلما أن الجهاز العصبي للحماية يعمل بعكس واجبه فالجهاز العصبي للرعاية معطل تماما ولا يعمل اصلا.فالجامعات العربية عاجزة حتى عن أنتاج ما يسد حاجتها هي فضلا عما يسد حاجاتالجماعة .لا توجد جامعة عربية واحدة تنتج أدوات عملها التعليمي العادي (تبليغالموجود) فضلا عن أن تنتج ما لم يوجد بعد من المعرفة وفضلا عن أن تسد حاجات الوظائف العشر حماية ورعاية .هي بالكاد مراكز لمحو الأمية.ولعل أكبر دليل هو أن إسرائيل أحيت لغة ميتة منذ آلاف السنين وهم قتلوا لغة عالميةحية إلى بداية العصر الحديث .هذا وحده كاف للدلالة على أن الجامعات العربية هي أولأسباب التخلف في بلادنا :فهي سيست إداريا وأدلجت فكريا و\"نقبت\" اجتماعيا وافقرت اقتصاديا ولم يبق فيها إلا الدالات المشتراة.وأفصح علامتين وأخطر داءين على ما أقول أحدهما يتعلق بالحماية الخارجية أعنيانتاج السلاح والاستدفاع والثاني يتعلق بالرعاية الصحية أعني انتاج الدواء والاستشفاء:فبعد قرن من نشأة هذه المحميات التي يسميها أصحابها دولا ما زال أدنى حويكم يتعالم خارج البلاد ويشتري سلاح حاميته من شعبه.والمعلوم أن هذين العلامتين لا جدال في دلالتهما ولا في أهميتهما ولا خاصة في صحةالوصف الذي قلته عنهما .ولا يعني ذلك أن عقولنا عاجزة بل يعني أن سياستنا لا يعنيهاتحقيق شروط السيادة التي هي بالأساس الحماية والرعاية بوظائفها العشر .وليس عندي ما يمكن أن أضيفه.أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 28
Pages: