Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore أزمة أصول الفقه ورأي حداثي جاهل بعلم الأصوليين اللدني - أبو يعرب المرزوقي

أزمة أصول الفقه ورأي حداثي جاهل بعلم الأصوليين اللدني - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-07-10 17:43:20

Description: أزمة أصول الفقه ورأي حداثي جاهل بعلم الأصوليين اللدني - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫ورأي \"حداثي\" جاهل بعلم‬ ‫الأصوليين اللدني‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪9 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪15 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪20 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪25 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫اعتقد أني ظلمت المرحوم الشيخ البوطي لما تعجبت من موقفه في إشكالية أزمة أصول‬ ‫الفقه حول المسألتين اللتين وقع الخلاف عليهما بينه وبيني‪:‬‬ ‫وقد قرأت مؤخرا كلاما للسيد الحضرمي أحمد طلبة‪-‬لسوء الحظ ليس لي به سابق معرفة‬ ‫ولا أستطيع الكلام في درجته في العلم بالقانون وبالحداثيين رغم أن استشهاده بالجابري‬ ‫وبي فيه دلالة‪ -‬في بحث ذكر موقفي شاهدا عن الهروب بالتخفف منه‪.‬‬ ‫وإليكم الإحالة إلى منتخبه من حواري مع الشيع البوطي منتخبه الغريب الذي لم ير أن‬ ‫الأمر لا يتعلق بالأصول بل بما وظفت فيه لتجعل التشريع الذي هو تعبير عن إرادة‬ ‫الجماعة وظيفة للفقهاء الذين يصبحون أوصياء عليها يشرعون بدلا منها بفنيات أصول‬ ‫الفقه الملتبسة كما نبين‪:‬‬ ‫يقول المرزوقي‪“ :‬لا معنى لأي تشريع ما لم يكن نابعًا من أعماق ما تعت ِقده الأمّة؛ ذلك‬ ‫هو المصدر الوحيد للشرعية… ولما كان الأمر في متناول الجميع ولا يحتاج إلى علم كبير؛‬ ‫فإن سلطة الفقهاء والقانونيين احتاجت إلى تعقيد الأمور لتكون وسي ًطا ضرور ًّيا في أهم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الفروض العينية‪ :‬التشريع وهذا تصريحٌ من المرزوقي بالدافع الحقيق ِيّ للمحاولة تجاوز‬ ‫أصول الفقه‪ ،‬وهو ضحالة الإمكانيات المعرفية\"‪( .‬نقد النقد مراجعة للأطروحات الحداثية‬ ‫تجاه فكر السلف مركز سلف للبحوث والدراسات أوراق علمية ‪.)100‬‬ ‫لن أجادل الرجل في دعواه حول ضحالة الامكانيات العلمية لأني لن أدعي علما لدنيا‬ ‫وخاصة بثقافة سلفية مثل التي يدافع عنها‪ .‬فما يعنيني هو أنه لو كان مجرد العلم بالأصول‬ ‫كافيا ليصبح المرء أهلا لأن يشرع للأمة لكان يمكن لأي إنسان حتى لو لم يكن مسلما أن‬ ‫يشرع للمسلمين لأنه يوجد من هو ليس مسلما مختص في الاصول وربما أدرى بها منه ومني‬ ‫دون شك بسبب\" ضحالة الإمكانات المعرفية\" شهادة من علامة العصر صاحب البحث‪.‬‬ ‫لكن هذا العلم ليس ضروريا فضلا عن كونه ليس كافيا إذا علمنا أن للتشريع بعدين شكله‬ ‫الذي يقتضي الخبرة والاختصاص لكن جوهره غني عنهما لأنه تعبير عن الإرادات الحرة‬ ‫في تنظيم حياتها المشتركة‪.‬‬ ‫اكتشف يوما بعد يوما أن موقف الشيخ البوطي عام في المدرسة التقليدية للأصول بل وفي‬ ‫كل علوم الملة التي بينت سابقا أنها لم تصل إلى مرحلة العلة فضلا عن كونها تحريفا صريحا‬ ‫لمعاني القرآن التي تدعي الانطلاق منه‪ .‬الموقف ليس خاصا به‪ .‬فما تكلم فقيه أو داعية‬ ‫إلى وزعم أن الأمر في مسائله من جنس الأمر في أي اختصاص ومن ثم فالفقيه من حقه أن‬ ‫يشرع للجماعة لأنه عالم بالأصول‪.‬‬ ‫وهو يعود أولا لهذا الخلط بين المستويات الثلاثة للبحث في القانون‪-‬والفقه هو بالأساس‬ ‫قانون حتى لو كان يتميز عن القانون الوضعي بغلبة البعد الخلقي عليه‪-‬دون أن انشغل‬ ‫حاليا بالمستويين الآخرين أي السياسي والاجتماعي البينين‪.‬‬ ‫ورأيت أن انتهز هذه الفرصة لأشرح قصدي بأن علوم الملة الغائية ليست علوما وأنها‬ ‫حرفت القرآن مطبقا ذلك على اصول الفقه وأن علوم الآلة فيها ظلت بدائية ولم تتقدم‬ ‫حتى بعد أن أدخل فيها ان حزم ومن بعده الغزالي ما كان معلوما من المنطق الأرسطي فأبين‬ ‫دعواي بالحجة المعينة في أحد هذه العلوم المعين وهو يعتبر من أشرفها وأعلاها كعبا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وقبل أن أشرح ما غاب عن بال صاحب البحث في شهادته بنص اتهمت فيه الأصوليين‬ ‫بالتعقيد من أجل \"اغتصاب\" وظيفة التشريع ظن أني ضد الاختصاص الدقيق في علم‬ ‫الأصول إذا كان علما وليس تشريعا‪ .‬ومعنى ذلك أنه لا يميز بين القانون من حيث هو‪:‬‬ ‫وهذا يقتضي تعريف القانون سواء كان وضعيا أو سماويا والتمييز بين هذه المستويات‪.‬‬ ‫وسأفترض أن ذلك معلوم في هذه الفصل الأول‪ .‬لكني سأعود إليه في الفصول الموالية لأني‬ ‫به سأبين ما افترضته في محاولاتي السابقة من فساد علوم الملة وتحريفها لمعاني القرآن ومن‬ ‫ضمنها طبعا أحد أهمها أعني اصول الفقه‪.‬‬ ‫ولولا ذلك لما انتهزت هذه الفرصة ولما علقت على هذا النص الذي بدا لي من حجج من‬ ‫يقيس علاقة الإنسان بالدين بالعلاقة بأمور هي من فروض الكفاية‪ .‬فالدين ليس‬ ‫اختصاصا حتى وإن كان بحاجة إلى الاختصاصات في بعض وجوهه‪ .‬لكن ما أن تقدم هذه‬ ‫الاختصاصات لتصبح شرطا في التعبد حتى تتحول إلى كنسية التوسط بين المؤمن وربه ولا‬ ‫يبقى الدين متعلقا القصد والنية بل بشكليات فرضها المختصون حتى يكون لهم سلطان على‬ ‫المؤمنين‪ :‬وذلك هو القصد بأن التعقيد الاصولي هدفه اغتصاب حق المؤمنين في التشريع‬ ‫لأنفسهم وتحول المختصين إلى أوصياء عليهم‪.‬‬ ‫لذلك فعندي أن كل الثرثرة حول العبادات والشروط التي يسمونها شروط صحة العبادة‬ ‫هي من هذا النوع إذا تجاوزت الحد المعلوم الذي تكفي فيه المحافظة على حد أدنى من‬ ‫المشتركات السلوكية تتعلم في الغالب بمحاكاة الاجيال المتوالية للممارسات شكلية بسيطة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫دون مبالغات شرطية كما في نظام الوضوء أو نظام الحج إلخ‪ ..‬لأن المهم في ذلك كله هو‬ ‫النية الخالصة للعبادة وشرطها النظافة الظاهرة والباطنة لا غير‪.‬‬ ‫لم ينتبه الأستاذ الكريم إلى أن كلامي يدور حول البعد الثالث من المسألة‪ .‬فالتشريع في‬ ‫الإسلام من حيث الطبيعة وليس من حيث آليات صوغه هو التعبير عن إرادة الجماعة الحرة‬ ‫شرطا في تعيين من ينوبها للتشريع باسمها دون أن يكون ذلك مشروطا بالعلم بالأصول الذي‬ ‫هو آخر مرحل التشريع عند اعتماد الخبراء في الصياغة التي تتألف من عنصرين‪:‬‬ ‫الأول هو العلم بلغة القانون وبالقانون السائد في الجماعة‪.‬‬ ‫الثاني هو العلم بالنظام القانوني الموجود لأن أي قانون جزء من كل بحاجة إلى الاندماج‬ ‫في المنظومة دون تناقض قدر الإمكان‪.‬‬ ‫والقرآن واضح في ذلك بمقتضى الآية ‪ 38‬من الشورى بأن الجماعة تدير \"أمرها\" بالشورى‬ ‫بينها‪ .‬وهي فرض عين‪ .‬وليس فيها اختصاص‪ .‬ولهذه العلة فكلما سمعت فقيها أو داعية‬ ‫يقيس هذا البعد من التشريع على الطب مثلا يقشعر بدني‪ .‬فمن يحدد الحاجة إلى الطبيب‬ ‫هو المريض وليس الطبيب‪ .‬ومن يحدد الحاجة إلى التشريع هو الجماعة وليس المختص في‬ ‫القانون‪ .‬المختص في القانون تستدعيه الجماعة ليصوغ لها بالأسلوب القانوني ما تريده‬ ‫هي‪.‬‬ ‫نحن إذن أمام مسألتين‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذا المستوى الثاني لا جدال في حاجته للمختصين‪ .‬لكن اللعب على اللبس بين الأمر يجعل‬ ‫الإرادة كفاية مثل الخبرة في صوغها‪ .‬وبهذا اللبس يخلط الأصوليون بين‪ :‬القضاء والبحث‬ ‫الأصولي والتشريع‪ .‬وطبعا التشريع من حيث فنيات الصوغ يحتاج للأصولي كما تحتاج كل‬ ‫الشعوب إلى فقهاء القانون أو فلسفة القانون أو علم القانون في القانون الوضعي‪ .‬لكن‬ ‫التعبير عن الإرادة أو شورى الجماعة في أمرها فهذا واجب الجميع ولا يحتاج لاختصاص‬ ‫اتهامي للأصوليين بالتعقيد من أجل الاستحواذ على إرادة الجماعة أخطر حتى مما أتى‬ ‫به شاهدا‪ .‬فهم لا يعقدون المسألة بجعل الشرط العلمي يتجاوز حده فيصبح بديلا من‬ ‫إرادة الجماعة من أجل هذا الاستحواذ عليها بل هو يزعمون لتشريعهم الذي نصبوا به‬ ‫أنفسهم أوصياء على الجماعة بديلا مما أمرها به القرآن (وأمرهم شورى بينهم)‪ .‬هم‬ ‫يستحوذون على إرادة الله بعلمهم الزائف‪ :‬لأن ضمير القياس على الشرع الإلهي هو جعل‬ ‫المقيس من جنس المقيس عليه على الأقل من حيث استعماله في السلطة القضائية‪.‬‬ ‫بعد هذا التوضيح الذي يغيب عن أذهان كل من يزعم أن المسألة في الدين من والحاجة‬ ‫إلى الفقهاء والمفاتي هي من جنس الحاجة إلى المختصين وغالبا ما يقيسون ذلك على الحاجة‬ ‫إلى الطبيب ‪-‬وهو من أسخف ما علمت من الاحتجاج أريد أن أسأل عن الشيء الذي يجهله‬ ‫الحداثي من حيث هو حداثي ليكون مثل السلفي؟‬ ‫ذكر الأستاذ أمرين ولا أعتقد أن غيره يمكن أن يذكر غيرهما‪ :‬اللغة واصطلاح‬ ‫الأصوليين‪ .‬وكلاهم من علوم الآلة وليس من علوم الغاية‪ .‬وطبعا ليس ذلك من ضرورة‬ ‫تعبير الجماعة عن إرادتها بالشورى في أمرها‪ .‬والآية واضحة لم تشترط إلا أمرين‪:‬‬ ‫الاستجابة للرب وعلامته إقامة الصلاح ثم الانفاق من الرزق‪.‬‬ ‫ونأتي الآن إلى الحاجة هذين العلمين الآليين اللغة القرآنية واصطلاح الأصوليين‬ ‫السابقين‪ .‬ونبدأ بالثاني‪ :‬إذا كانوا لا يميزون بين وجهي القانون أعني موضوعه الذي هو‬ ‫الإرادة الحرة وشكله أعني صوغه بعادة الجماعة إذ قد يكون القانون مصوغا عرفيا دون‬ ‫تفاقه أو اصطلاح إلا بسبب تعقيد متن القوانين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهنا لا بد من سؤال صاحبنا‪ :‬المتكلمون بالعربية اليوم هم دون عشر المسلمين فهل تعتقد‬ ‫أن التسعة أعشار ينبغي أن يصبح مشرعوهم من العرب أو ينبغي أن يتعلموا العربية حتى‬ ‫يحق لهم الاختصاص في أصول الفقه وخاصة أصول القانون في الدول الحديثة أم تقترح ألا‬ ‫يعتبروا أهلا للتشريع في دولهم؟‬ ‫وحتى لا أجزم بما لا أعلم فإني لا اعتقد أن صاحب هذا البحث يفكر مثل المرحوم البوطي‬ ‫أن أصول الفقه يكفي فيه معرفة النحو العربي وأبجديات المنطق الارسطي‪ .‬وهذا هو العلم‬ ‫الذي يفاخر به الأصوليون في الغالب ومن ثم فهم أقل الناس دراية بما ينبغي أن يتأسس‬ ‫عليه علم أصول الفقه بصورة عامة‪.‬‬ ‫وهبني سلمت أن علم العربية ضروري لمن يريد مواصلة التقاليد الأصولية القديمة التي‬ ‫لم تعد معمولا بها في أي دولة حديثة إلا نفاقا لادعاء تطبيق الشريعة لكن المؤسسات كلها‬ ‫تعمل بالقانون الوضعي ليس في علاقاتها الخارجية التي صارت مهيمنة على كل شيء بل‬ ‫وحتى في إدارتها المحلية للخدمات‪.‬‬ ‫وإذن فحتى من حيث علوم الآلة لم تعد العربية والاصطلاح الأصولي كافيين للاختصاص‬ ‫في الأصول إذا فهمنا بها ما يفاد بفلسفة القانون أو بفقه تأسيس الأنظمة القانونية‬ ‫والتشريعية في الجماعات البشرية‪ .‬أن يقول البوطي إن العربية واصطلاح الأصوليين‬ ‫كافيان قد أفهم فهو من جيل مضى‪ .‬لكن‪...‬‬ ‫لكن ما لا أفهمه هو أن يرى إنسان من عصرنا أن القانون مسألة شرح نصوص بعلم لغة‬ ‫بدائي وبأبجديات منطقية فهذا لعمري من مهازل الدهر‪ .‬فلا يوجد علم في الدنيا يعرف‬ ‫بآلته فحسب حتى لو كانت آلة تامة وليس مثل هذه بل لا بد أن يكون لموضوعه دور في‬ ‫تحديد مقوماته وشروط التخصص فيه‪.‬‬ ‫فمن حيث هو تعبير عن إرادة الجماعة يكون القانون ذا صلة مباشرة بسياسة أمرها كما‬ ‫تقول الشورى يعني كل شؤونها الدنيوية وحتى الاخروية‪ .‬ومن ثم فالتشريع في الجماعة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بهذا المعنى مشروط بالمسالة السياسية وبأنظمة الحكم وهو مشروط بالتالي بالفلسفة‬ ‫السياسة وأنظمة الحكم ودور الجامعة فيهما‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن التشريع بحاجة إلى شرعية الدولة التي تعبر عن إرادة الجماعة‬ ‫بالتشريع‪ .‬وهذا أهم عنصر مهمل في هذا العلم المزعوم‪ .‬وإذا كان التشريع معبرا عن‬ ‫إرادة الجماعة فإن نفاذه مشروط بجعله ذا قدرة على تحقيق وظيفته فتصبح شروط‬ ‫القدرة على تحقيق وظيفته مقدمة على صوغ القوانين‪.‬‬ ‫فإذا لم تتوفر له شروط القدرة على النفاذ لن يكون حائزا على شرطي أداة الحكم بيد‬ ‫الحكم المشروط بصفتين في النساء ‪ :58‬الأمانة والعدل‪ .‬فكيف يكون القاضي مثلا أمينا إذا‬ ‫لم يصن ضد الفساد وكيف يكون عادلا إذا لم يصن ضد الاستبداد؟ بعبارة وجيزة شروط‬ ‫استقلال القضاء هي شروط شرعية الاحكام‪.‬‬ ‫وهنا يأتي دور البعد الخامس (أحصينا ثلاثة ذاتية للقانون من حيث هو قانون وربعا وهو‬ ‫شرعية التشريع وهي سياسية) أعني البعد الاجتماعي لثقافة القانون في الجماعة‪ .‬ففي‬ ‫مجتمعات ليس للقانون فيها سيادة الكلام على الفقه وأصوله دون علاج هذه المعضلة يصبح‬ ‫تبريرا لقانون القوة وليس قوة القانون‪.‬‬ ‫وهكذا فأصول الفقه إذا كان بحق علما فهو بحث في شروط القانونية وشرعيتها من مناظير‬ ‫خمسة‪:‬‬ ‫يبدو أن صاحب المقال لم يقرآ الحوار الذي دار بين المرحوم البوطي وبيني حول ازمة‬ ‫أصول الفقه واحتاج إلى شاهد استعمله دون فهم معناه لظني أني اقول بعدم الحاجة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫للاختصاص عامة وليس في مجال التعبير عن الإرادة الذي هو فرض عين (الشورى ‪ 38‬وآل‬ ‫عمران ‪ 104‬و‪ 110‬والنساء ‪ .)58‬والسلام من حداثي جاهل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لا يمكن لعاقل أن يشكك في أهمية الفقه وأصوله‪-‬سواء كان الشارع الله أو الإنسان ‪-‬‬ ‫ولا في حاجته للعلم المختص في فنيات صوغه التي هي ليست المقوم الجوهري لتلوها عن إرادة‬ ‫الجماعة من حيث هي عائدة على ذاتها لتكون سلطة نظامية مشرعة لذاتها وذلك هو جوهر‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫فالشرع بهذا المعنى هو أداة سلطة الجماعة النظامية على ذاتها بمعنيي وظيفتي الدولة‪:‬‬ ‫وهو جوهر دلالة الشورى ‪ 38‬من حيث إن الأمر أمر الجماعة (طبيعة الحكم السياسي)‬ ‫تديره بالشورى بينها (أسلوب الحكم السياسي)‪ .‬والشرع هو‪:‬‬ ‫ويمكن إذن أن نعتبره النظام الضابط للتبادل السلمي في مسألة الرعاية والتواصل‬ ‫السلمي في مسألة الحماية‪ .‬ومعنى ذلك أن القانون هو شرط التعاملين رعاية وحماية بين‬ ‫البشر سلميا‪ .‬ومن دونه لا يبقى بينهم إلا العنف المادي في التبادل والعنف المعنوي في‬ ‫التواصل‪.‬‬ ‫والقانون بهذا المعنى هو أساس شرعية شوكة الدولة‪ .‬فيكون وسطا بين ما يسميه ابن‬ ‫خلدون \"الوازع الذاتي\" أي ما يمكن أن نسميه بالاصطلاح الحديث الضمير الخلقي والوازع‬ ‫الأجنبي أي ما يمكن أن نسميه بالاصطلاح الحديث العنف الشرعي للدولة‪ .‬فيكون القانون‬ ‫بهذا المعنى \"الوازع الذاتي الجمعي\" إذا كان من وضع الجماعة برضاها وليس مفروضا‬ ‫عليها‪ :‬إنه وازع جامع بين الشرعية والشوكة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذن فذلك عينه ما تقصده الآية ‪ 38‬من الشورى عندما اعتبرت الأمر أمر الجماعة‬ ‫(طبيعة موضوع السياسة والقانون) وأسلوب علاجه يكون \"شورى بينهم\" أي إن الجماعة لا‬ ‫تكون بحق جماعة بشر أحرار إلا بهذين الشرطين ثمرة حكمها لنفسها بنفسها وذلك هو‬ ‫الحكم بأسلوب الشورى الجماعية‪ .‬فيكون قانونها هو ثمرة ما توصل إليه الشورى بينها‪.‬‬ ‫وذلك بشرط مؤسس وغاية مستهدفة‪.‬‬ ‫فأما الشرط المؤسس فهو \"والذين استجابوا لربهم\" وأما الغاية المستهدفة فهي \"ومما‬ ‫رزقناهم ينفقون\"‪ .‬وأبواب الانفاق هي أبواب الانفاق من أجل الرعاية والانفاق من أجل‬ ‫الحماية‪ .‬والمعلوم أنها أبواب حددتها الآية ‪ 177‬من سورة البقرة بنوعيها فضلا عن رعاية‬ ‫العاجزين عن الرعاية الذاتية‪.‬‬ ‫وسواء كان هذا القانون وضعيا أو شرعيا فهو لا يسمى قانونا حقا إلا متى كان برضا‬ ‫الجماعة‪ .‬وقد يتوهم الكثير أن القانون الشرعي غني عن رضا الجماعة أو عما يتصف به‬ ‫القانون الوضعي من كونه صادرا عن إرادة الجماعة‪ .‬وهذا من أوهام الفقهاء وخاصة من‬ ‫جهل الحداثيين الذين يقابلون بين النوعين‪.‬‬ ‫فالفرق بين القانون الوضعي والقانون الشرعي لا علاقة له بهذه الخاصية‪ .‬فكلا النوعين‬ ‫لا يصبحان قانونا لجماعة من البشر من دون أن تكون إرادة الجماعة هي المؤسسة‬ ‫لقانونيته‪ :‬فليس مصدر التشريع هو المحدد لهذا البعد بل دور القبول به تشريعا بالاختيار‬ ‫الحر‪ .‬بمعنى أن الفرق يتعلق بالإيمان بالشارع علما وخلقا وليس بالشرع نفسه‪ .‬والشرع‬ ‫المنزل يؤمن العاملون به أن الشارع الذي وضعه مطلق العلم والخلق ومن ثم فالاطمئنان‬ ‫إليه مطلق كذلك‪.‬‬ ‫فيكون هذا الإيمان علة لتبنيه وليس ما فيه‪ .‬وهو يصبح قانونا لمتبنيه بعد أن يتبناه على‬ ‫هذا الأساس تعبيرا عن إرادته التي تتمثل في تبنيه‪ .‬وذلك هو الأساس الذي يجعله يرفض‬ ‫القانون الوضعي باعتبار شارعه خاضعا للنزوات أو للمصالح الخاصة أو خاصة لخداع القوي‬ ‫للضعيف‪ .‬فمن يتبنى القانون الشرعي مؤمن بأن الشارع مطلق العدل فلا يميز بين الناس‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولن اجادل في صحة هذا المنظور له أو عليه إذ إن ما يعنيني الآن هو الحقيقة الأساسية‬ ‫حول علاقة شرعية القانون بحرية الإرادة وبحرية التعبير عنها لأن حرية التعبير هي‬ ‫التعبير عن الحرية‪ .‬وهي أن القانون الشرعي هو بدوره معبر عن إرادة حرة وليس مجرد‬ ‫عقد حتى وإن كان الدافع عقديا هو الإيمان بتحرر الشارع من النزوات والمصالح‪ .‬ومعنى‬ ‫ذلك أن من يطبق الشريعة مثلا بخلاف ما يتوهم الحداثي لا يفعل ذلك لغباء في فكره بل‬ ‫لأن له صورة أسمى حول ما ينبغي أن يكون عليه القانون‪.‬‬ ‫وقد لا يكون ذلك صحيحا في الأعيان‪ .‬لكن ليس المشكل متعلقا بالأعيان بل بالأذهان‪:‬‬ ‫فلا شيء يثبت كذلك أن القانون الوضعي مطبق حقا في الأعيان‪ .‬المشكل هو في ما يترتب‬ ‫عن هذا المنظور‪ :‬فالذي يعتقد أن الشرع السماوي سماوي حقا يعتقد أن القانون لا يكون‬ ‫قانونا حقا إلا إذا كان واضعه ليس طرفا في النزاعات التي يحسم فيها القانون بل ينبغي‬ ‫أن يكون حكمـا محايدا يتساوى عنده أطراف النزاعات التي يفصل فيها القانون‪ :‬ولذلك‬ ‫فالحجرات ‪ 13‬تعتبر أن الناس متساوون لا يتفاضلون عند الله إلا بالتقوى أي باحترام‬ ‫القانون المحايد‪.‬‬ ‫ويمكن أن نقول إن القائلين بالقانون الوضعي أقل مثالية وأكثر واقعية من القائلين‬ ‫بالقانون الشرعي‪ .‬ومعنى ذلك أن الحداثيين يعتقدون أن الشرع الذي يعتبر إلهيا ليس‬ ‫إلهيا بل هو إنساني يتنكر بمصدر سماوي ليخفي تحيل من يحكم باسم الله ولا يحقق ما‬ ‫يزعم من حكم محايد ومطلق العلم‪ .‬ومن ثم فعندهم أن القانون ليس إلا تعبيرا عن توازن‬ ‫قوى في الجماعة‪ .‬ويبدو مفهوم \"أمرهم\" و\"شورى بينهم\" في الآية ‪ 38‬من الشورى حلا وسطا‬ ‫بين الموقفين‪:‬‬ ‫• فنسبة الأمر إلى الجماعة‪.‬‬ ‫• واعتبار نظامه ثمرة للشورى بينهم‪.‬‬ ‫يجعله في آن مؤسسا على توازن القوة بين المتشاورين وتماثلها في آن من حيث إباية الظلم‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن توازن القوى ليس بمعناه الطبيعي أي القوة العمياء للظاهرات الطبيعية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بل هو قوة عاقلة كل واحد في لقائها واع بحقوقه ما يعني أن الواجبات التي يصوغها القانون‬ ‫ليست توازن قوى بل هي توازن حقوق وهو ما ينتج الواجبات‪ .‬فحقوق زيد إذا توازنت مع‬ ‫حقوق عمرو صارت واجبات متبادلة‪.‬‬ ‫وتنقسم هذه الواجبات المتبادلة ‪-‬والتي هي حقوق كل واحد الذاتية وواجباته إزاء‬ ‫حقوق الآخر‪-‬إلى نوعين‪:‬‬ ‫• نوع يضبط التعاوض العادل في التبادل‪.‬‬ ‫• نوع يضبط التعارف الصادق في التواصل‪.‬‬ ‫ولذلك فالقانون ينقسم إلى نوعين كلاهما مضاعف وأصل لها جميعا‪ .‬أولهما نوع يضبط‬ ‫الحقوق والواجبات في التبادل إيجابا وسلبا‪ .‬والثاني نوع يضبط التواصل إيجابا وسلبا‪.‬‬ ‫والإيجاب في التبادل هو القانون المدني ويتعلق بالالتزامات التعاقدية خاصة‪ .‬والسلب فيه‬ ‫يتعلق بالجزائي المدني‪ .‬والإيجاب في التواصل هو القانون الشخصي ويتعلق بما يمس كيان‬ ‫الشخص نفسه‪ .‬هو نوعان من المس بالشخص‪ :‬مس يقبل التعويض ومس لا يقبله‪ .‬وفي‬ ‫الثاني يتحقق مفهوم القصاص من الجنائي (السن بالسن‪.)...‬‬ ‫وتوجد مشكلتان في هذا التعريف لنوعي القانوني المدني سلبه وموجبه والشخصي سلبه‬ ‫وموجبه‪:‬‬ ‫وعلة هذين الظاهرتين العجيبتين في القانون ترجع إلى الأصل في كل الأنظمة‬ ‫القانونية‪ .‬فالقانون له نفس وظيفتي الدولة بل هو عين وظيفتيها معبرا عنها بتعينها في ما‬ ‫يمكن أن يلغي الحاجة إلى العنف في الرعاية والحماية‪ .‬فالرعاية هي علة الحاجة إلى‬ ‫العنف بسبب ندرة ما يسد الحاجات العضوية واقتتال البشر عليها في البداوة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وظيفة الدولة بالنسبة إلى الجماعة تناظر وظيفة الأسرة بالنسبة إلى الفرد إذ هي‬ ‫الرعاية والحماية‪ .‬ومن ثم فأصل القانون فيه شيء من الرؤية العاطفية التي تضفي على‬ ‫الجماعة ما يشبه الأسرة (وهو مفهوم الأخوة البشرية في النساء ‪{ :1‬اتقوا ربكم الذي‬ ‫خلقكم من نفس واحدة}) وفيه شيء من الرؤية السياسية للدولة بمعنى نوع من السلطة‬ ‫الرفيقة كما يقول بن خلدون في كلامه على العنف في التربية والحكم بوصفهما علة \"فساد‬ ‫معاني الإنسانية\" قتلا للعاملين‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الأسرة والدولة إذا لم تكونا رفيقتين بالفرد وبالجماعة تقضيان على ما‬ ‫لدى الإنسان من وعي بالحقوق والواجبات في التبادل وفي التواصل وهو معنى \"فساد معاني‬ ‫الإنسانية\" والقانون الذي لا يحقق لدى الفرد والجماعة معنى الحقوق والواجبات فاقد‬ ‫للشرعية‪ .‬وهو يحققهما إذا نبع منهما‪ .‬وقد ذهب الإسلام إلى قيس الرسول إلى قيس‬ ‫الجماعة بمستويها الاسري والسياسي على الشخص بوصفه بدنا واحدا‪.‬‬ ‫وهذا هو الأصل‪ :‬نظرية الإنسان أو الرؤية الأنثروبولوجية في علاقتها بمقومي وجود‬ ‫الإنسان فردا وجماعة وهي رؤية يعرف ابن خلدون الإنسان بمقتضاها بكونه \"رئيسا بطبعه‬ ‫بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"‪ .‬فـ\"بطبعه\" إحالة إلى كيانه العضوي و\"بمقتضى‬ ‫الاستخلاف\" إحالة إلى كيانه بما هو منزلته روحية‪.‬‬ ‫ومن حيث هو رئيس بطبعه هو واع بشروط قيامه العضوي ومن حيث هو رئيس بمقتضى‬ ‫الاستخلاف الذي خلق له هو واع بشروط قيامه الروحي‪ .‬فيكون مدافعا عن حقوقه في‬ ‫الرعاية والحماية الماديتين (حقوق اقتصادية واجتماعية) ويكون مدافعا عن حقوقه في‬ ‫الرعاية والحماية الروحية (حقوقه الفكرية والخلقية)‪.‬‬ ‫وما يسميه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" يجمله في كلمة واحدة‪\" :‬وفسدت معاني‬ ‫الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله‬ ‫وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل فانقبضت عن غايتها‬ ‫ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين\"‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وبذلك يتبين أن \"فساد معاني الإنسانية\" هو ما يترتب عليه فقدان الوعي بالواجبات‬ ‫والحقوق في مجال الرعاية والحماية بسبب ما حصل للإنسان في تربيته وفي حكمه من إخضاع‬ ‫لإرادة خارجة عن إرادته بسبب دور وسيط التربية ووصي الحكم وتلك ثمرة تحريف‬ ‫التشريع بالفقيه الوسيط والحاكم الوصي في علم الأصول‪.‬‬ ‫صار الفرد المسلم والأمة المسلمة \"عالة\" على الغير في كل شيء ففقد شروط بقائه \"رئيسا‬ ‫بطبعه وبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" فرد في أسفل سافلين‪ .‬وواضح أن ابن خلدون‬ ‫يشير إلى مفهوم قرآني عظيم هو \"ثم رددناه أسفل سافلين\"‪ .‬وطبعا فهو يدعو للخرود منه‬ ‫بما حددته سورة العصر للاستثناء من الخسر‪.‬‬ ‫أصول الفقه اعتبرته غير علمي لأنه أصبح محرفا للقرآن‪ :‬فهو استعاد ما حررنا منه‬ ‫القرآن أي‪:‬‬ ‫• الوسيط في التربية بين الله والمؤمن‪.‬‬ ‫• والوصي في الحكم بين المؤمنين وأمرهم‪.‬‬ ‫فإذا كان أمرهم شورى بينهم فينبغي أن تكون المشاركة في الشورى فرض عين‪ .‬واشتراط‬ ‫التمكن من خرافات الفقهاء في هذا الفرض العين اشتراط لما لا يستطاع ومن ثم فهو ينتهي‬ ‫في الغاية إلى جعل الشورى فرض كفاية ما يعني فرض وساطة الفقهاء‪ :‬وتلك هي الكنسية‬ ‫التي تؤسس للاستحواذ على سلطة الجماعة التشريعية باسم علم مزعوم التشريع من حيث‬ ‫هو تعبير عن الإرادة مستغن عنه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بماذا تعلق التحريف في أصول الفقه إذن؟‬ ‫بإعادة الوساطة في التربية وهي التي مكنت من إعادة الوصاية في الحكم‪ .‬وهما منافيان‬ ‫لما أمر الله به رسوله إذا تكلمنا في المسألة دينيا ولما يأمر به العقل إذا تكلمنا فيها فلسفيا‪.‬‬ ‫فالله نبه الرسول بالقول \"فذكر إنما أنت مذكر (إذن ليست وسيطا) لست عليهم بمسيطر‬ ‫(إذن ليست وصيا)‪ .‬الفقه عكسهما‪.‬‬ ‫والله يعلم أن تحرير البشر من الوساطة (الكنسية) والوصاية (الحكم بالحق الإلهي‬ ‫المزعوم) وأن تنيهه للرسول ليس كافيا لأنه يعلم أن من يدعون وراثته سيعيدون الوساطة‬ ‫والوصاية‪ .‬لذلك نزل سورة العصر التي تحدد مفهوم الخسـر وشروط الاستثناء منه‪ :‬الوعي‬ ‫به أصلا وفروعه الأربة هي المطلوب من الفرد والجماعة‪.‬‬ ‫وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك عندما اعتبر الـ\"رد أسفل سافلين\" هو هذا الخسر الذي‬ ‫وصفه القرآن أيضا بكونه \"فساد معاني الإنسانية\" إذ إن \"ثم رددناه أسفل سافلين\" تأتي‬ ‫بعد عبارة \"أحسن تقويم\"‪ .‬فساد معاني الإنسانية الخلدوني هو عين \"الرد أسفل سافلين\"‬ ‫وهو الانتقال من التقويم الحسن إلى الخسر في سورة العصر‪.‬‬ ‫والاستثناء من الخسر هو استعادة التقويم الحسن‪ .‬ونسبة الأمرين لله طبيعية إذ لا شيء‬ ‫يقع من دون مشيئته‪ .‬لكن الخروج منه أيضا بمشيئته‪ .‬وهو أصل وأربعة فروع هي عينها‬ ‫جوهر القانون والشرع أي ما يؤسسه وما يسعى إليه في سلوك الفرد وسلوك الجماعة‪:‬‬ ‫الوعي بالخسر مع فعلين للفرد وفعلين للجماعة‪.‬‬ ‫والأصل مشترك بين الفرد والجماعة‪ .‬وهو قرار الإرادة بعد تبين الرشد من الغي‬ ‫والخروج من الخسر الذي يهدد الإنسان باعتباره حرا مخيرا يمكن أن يقع فيه‪ .‬ومن يأتي‬ ‫الفعلان الفرديان والفعلان الجمعيان‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والفعل الجمعي الأول هو التواصي بالحق طلبا للحقيقة وإيمانا بالحقوق وهو جوهر‬ ‫الاجتهاد بالإرادة الحرة‪.‬‬ ‫والفعل الجمعي الثاني هو التواصي بالصبر سعيا لتحقيق الحقيقة وتحقيق الحقوق وهو‬ ‫جوهر الجهاد‪ .‬وذانك هما بعدا القانون سواء كان شرعيا نتبناه وضعيا نضعه بالتعبير عن‬ ‫إرادتنا بالشورى ‪.38‬‬ ‫فأول مبادئ أي نظام تشريعي هو تحديد مناط المسؤولية القانونية الأصلية وهي فردية‬ ‫بالجوهر ولها صفتان ‪-‬ونسمي هذا المناط الشخص وهو بالمعنى الحديث المواطن وهو المؤمن‬ ‫في الدولة ذات التشريع السماوي‪:‬‬ ‫والجماعة المؤلفة من هؤلاء الأفراد المكلفين أو المسؤولين خلقيا وقانونيا هي جماعة أفراد‬ ‫أحرار يتشاورون في طلب الحقيقة والحق وهو التواصي بالحق ويتشاورون في السعي لتحقيق‬ ‫ما توصلوا إليه في العمل من أجل تحقيق شروط التبادل والتواصل والصبر عليه وعلى‬ ‫بعضهم البعض في تعايش سلمي مشترك‪.‬‬ ‫لكن إذا عوض ذلك بوسطاء يقومون بدلا من الجماعة لتحديد ما هو حقيقة وحق في‬ ‫التعبير عن إرادة الجماعة وأوصياء بدلا من الجماعة لتحقيقه صار الشعب عالة وعبدا‬ ‫لنخبة ليس همها معرفة الحقيقة والحق ولا تحقيق الحقيقة والحق بل ما يستمدونه من‬ ‫سلطان من هذه المهمة الزائفة والمنافية للقرآن‪.‬‬ ‫وهذا ليس مجرد استنتاج منطقي مني قد يشكك فيه البعض لأنه عين الحقيقة الماثلة‬ ‫أمام الجميع‪ :‬تلك هي حال الأمة منذ أن أصبحت التربية متجاوزة لـ\"ذكر إنما أنت مذكر\"‬ ‫وأصبح الحكم متجاوزا لـ\"لست عليهم بمسيطر\" عند من يزعمون أنفسهم وارثين لما لم يدعه‬ ‫صاحب التركة الرسول الخاتم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذه الكذبة ‪-‬وراثة الرسول في ما لا يملك‪-‬هي في الحقيقة استحواذ على منزلته‬ ‫الروحية في قلوب المؤمنين ليجعلوها سلطانا عليهم يعوضهم في فروض العين التي هي من‬ ‫شروط إيمانهم‪ :‬فالمؤمن كمؤمن مكلف بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بمعنى المشاركة‬ ‫في التعبير عن إرادة الجماعة ولا أحد يعوضه‪.‬‬ ‫والمؤمن كمؤمن يشارك في إدارة أمره وأمر الجماعة بالشورى ولا أحد يعوضه في ذلك‪.‬‬ ‫ولا يعني ذلك أنه غني عن أهل الخبرة‪ .‬هو يحتاج إليهم في البعد الفني من صوغ ما عبر‬ ‫عنه من إرادة‪ .‬وأفضل مثال هو حالة التنازع بين شخصين‪ .‬فالمحامي لا يعوض طرفي‬ ‫الخصومة بتحديد مطالبهما بدلا منهما بل يصوغها فنيا فحسب‪.‬‬ ‫لا وجود لتركة نبوية يرثها من يدعي العلم الديني‪ .‬فالرسول نفسه لا يعلم ا لغيب‪.‬‬ ‫وإذن فعلمه كله هو ما يعلمه أي إنسان تلقى ما بلغه الرسول أعني ما تفرضه الشهادة‬ ‫باعتبارها دالة على معنيين‪:‬‬ ‫وذنك هما بعدا الشهادة‪ .‬فالقسم الأول من الشهادة هو التذكير بالشهادة الأولى‬ ‫(الأعراف ‪ .)173-172‬والقسم الثاني اعتراف بالتبليغ أي إن المسلم يشهد بأن الرسول‬ ‫الخاتم بلغه ما طلب منه الله تبليغه أي مضمون القرآن وما طلب منه تعلميه بقراءته على‬ ‫الناس على مكث (الإسراء ‪ .)106-105‬وهو ارث الجميع‪.‬‬ ‫ومن يريد أن يفهم القصد من هذا كله فليقرأ دستور الرسول للمدينة‪ :‬هو عقد حول‬ ‫مسألتين لا غير‪ :‬الرعاية والحماية بجملة من القواعد الاجرائية والأحكام المضمونية تمكن‬ ‫من التعايش السلمي في الجماعة بصرف النظر عن اختلافها الديني والعرقي والطبقي‬ ‫والجنسي أي تطبيق الحجرات ‪ 13‬حرفيا (لمن يفهم)‪.‬‬ ‫وسأكتفي بضرب مثال أخير قبل أن أمر إلى جوهر الإشكال ليس في أصول الفقه وحده‬ ‫بل في كل علوم الملة الغائية الخمسة (الأصل أو التفسير ثم فروعه الاربعة وهي الكلام‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والفلسفة في النظر والفقه والتصوف في العمل) والآلية الخمسة (الأصل أو الوسميات ثم‬ ‫فروعها الأربعة وهي اللعة والتاريخ والمنطق والرياضيات)‪ :‬مثال من يبني بيتا‪.‬‬ ‫فطبيعي جدا أنه يحتاج إلى مهندس معماري‪ .‬لكن ليس ليختار بدلا منه البيت الذي‬ ‫يريده بل ليحقق له ما يريده وقد ينصحه ليحول دون وإرادة ما لا يستساغ بمقتضى الفن‪.‬‬ ‫لكن إذا أصر علـى خياره فله الحق ولعل ذلك من أهم تغير الهندسة المعمارية وتقدمها‬ ‫حتى لا تنام على ما كانت تصوره علما لدنيا نهائيا‪.‬‬ ‫وما يفاخر به الأصوليون هو أدنى مقومات القانون منزلة وأهمية أعني الصوغ الفني‬ ‫بآليات بدائية لتفسير الكلام ومحاولة البحث عن المطابقة بين أحكام ونوازل من خلال‬ ‫الوصف القانوني بتحديد المناط تحديدا غفلا لأنه مبني على علم بدائي بالظاهرات مجال‬ ‫النزاع‪ .‬وكل ذلك دليل سوء فهم‪ .‬ذلك أنه مبني على وجوه شبه سطحية ليس فيها علم‬ ‫بمقومات الوصف القانوني‪.‬‬ ‫فلوكان الوصف القانوني يكتفى فيه بمجرد وجوه الشبه في دلالة الكلام والمعرفة العامية‬ ‫لكانت دعوى الاختصاص كذبة‪ .‬ذلك أن كل العلوم الإنسانية تتدخل في الوصف القانوني‬ ‫في ما يخص الفاعل ودوافع الفعل وكل العلوم الطبيعية تتدخل في الو صف القانوني للفعل‬ ‫ويجمع بينهما ظرف الفعل وثقافة الجماعة‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فالقانون من حيث هو‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذا كان القرآن قد اعتبر تبين الرشد من الغي شرط التدين الحقيقي فمن الإكراه فيه‬ ‫واعتبر تعدد الأديان شرط التسابق في الخيرات بمعنى اختيار دينه فذلك هو التشريع‬ ‫المعبر عن الإرادة الحرة‪ .‬وإذن فليس القصد بالتشريع صوغ القوانين الذي هو مهارة فنية‬ ‫والتي يظنها الفقهاء تشريعا‪ .‬التشريع ليس المهارة الفنية في صوغ القوانين بل هو فعل‬ ‫الإرادة التي تختار نظام ما سواء كان من وضع الإنسان أو مما يعتقد أنه من شرع الله‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة فالله في القرآن ‪-‬على الأقل‪ -‬لم يشرع للنوازل مباشرة بل هو شرع للشروط‬ ‫التي تجعل أي تشريع شرعيا‪ .‬لكن الفقهاء تصوروا القرآن يشرع للنوازل مباشرة وليس‬ ‫هو تشريعا لها تشريعا غير مباشر بضبط شروط التشريع المشروع بمنظور القرآن‪.‬‬ ‫وهذه الشروط حدده الشورى ‪ 38‬وآل عمران ‪ 104‬و‪ 110‬من حيث كون التعبير الحر عن‬ ‫الإرادة شرط مقوما لفعل التشريع ثم حددت شرطي استعماله الشرعي متمثلين في صفتي‬ ‫الحكم أي يكون أمينا وعادلا (النساء ‪ )58‬ثم حددت شرطه الخلقي في الحجرات ‪ 13‬وأخيرا‬ ‫اعتبرته علامة الحرية أساس التكليف‪.‬‬ ‫كل ذلك اعتبر ثانويا ولم يبق لأصول الفقه إلا أدنى مستوى منه أعني مهارة تفسير‬ ‫الكلام وقياس الأحكام ومطاوعة الحكام الظلام بالفتاوى وما بين الفقهاء من الزعام‬ ‫لإرضاء رغبات اللئام‪ .‬وليس بالصدفة أن اعتبر القضاة ثلثيهم في النار لأن غياب هذه‬ ‫الابعاد تجعلهم عاجزين عن شرطي الأمانة والعدل‪.‬‬ ‫سيقال لي وما ذنب القضاة؟‬ ‫ذنبهم أنهم خلطوا بين الفقه من حيث هو علم والفقه من حيث هو تعبير عن الإرادة‬ ‫فأهملوا من حيث هم فقهاء شروط ضمان الإرادة لتكون الجماعة هي المشرعة وليس‬ ‫الفقهاء‪ .‬فهم جمعوا بين ثلاث سلط‪ :‬سلطة العلم وسلطة التشريع وسلطة القضاء فأفسدوا‬ ‫كل شيء‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلنا الى أصل الأصول كلها في المسألة القانونية بعد أن تكلمنا على فروعها أو اصناف‬ ‫لقوانين الأربع التي سبق الكلام عليها أعني القانون الدستوري الذي هو قانون ذو وجهين‬ ‫لتعلقيه في آن بمقومات الدولة من حيث هو مؤسسة ممثلة للإرادة من أجل وظيفتيها حماية‬ ‫ورعاية وبضوابط علمها وعلاقتها المواطن‪ .‬والوجه الأول موضوعه الدولة كذات معنوية‬ ‫ممثلة للذات الطبيعية الي هي الجماعة‪ .‬والوجه الثاني موضوعه الدولة كأداة يمكن أن‬ ‫تستعمل بصورة تتعدى على أنظمتها‪:‬‬ ‫وقد كنت سعيد الحظ لأني درست الثاني على الاقل عند علم من أساتذته الفرنسيين‬ ‫(الأستاذ جورج فودال)‪ .‬وسبق أن عرفت الدولة بكونها جهاز آلي له بنية معقدة يمكن‬ ‫تسمية عناصرها المقومة مؤسسات في شكل خانات خالية لا تصبح ذات كيان حي إلا بمن يملأ‬ ‫خاناتها من القيمين علينا والمستخدمين لها بالقوانين التي تضبط عملها‪.‬‬ ‫وبذلك فهي تتحول من جهاز آلي إلى ما يشبه الكائن الحي‪ :‬شبه روبوت حي بمن يحرك‬ ‫وظائفه من قيمين تعينهم السلطة الشرعية المعبرة عن إرادة الجماعة فتكون شرعية أو‬ ‫السلطة غير الشرعية التي لا تعبر عنها فتكون غير شرعية‪ .‬وكل ما يسمى قوانين يستمد‬ ‫من ذلك شرعيته أو عدم شرعيته‪.‬‬ ‫والدستور يحدد كيان الجهاز أو مؤسساته التي هي عناصر نظامها وعلاقاتها‪ .‬والقوانين‬ ‫الضابطة لعملها ويحدد شروط شرعية القوامة عليها بمستويي القوامة الأمرة والمأمورة أو‬ ‫السياسي والإداري فيها‪ .‬وطبعا توجد ثنائية الآمر والأمور في الإداري لكنها بمعنى تقني‬ ‫ومهاري وليس بمعنى سياسي الذي يأتي من المستوى الأول لذي يعينه‪.‬‬ ‫المفيد في هذا التعريف هو القسمة بحسب المقومين لجوهر الدولة التي هي كيان القانون‬ ‫وتعينه الفعلي في نظامها وفي عملها وهو يشير في آن إلى الشرعية والشوكة أي‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فماذا أعني بمنضبط بقوانين إنسانية ‪-‬سواء منزلة تبناها الإنسان أو من وضعه‪-‬وليس‬ ‫بقوانين طبيعية؟‬ ‫ما يعتبر قوانين طبيعية هو ما يسميه ابن خلدون سلطان العصبيات المفضية للهرج‪ .‬وما‬ ‫ينضبط بقوانين إنسانية أي معبرة عن إرادة حرة هي عند ابن خلدون خمسة أنواع‪:‬‬ ‫والأصل مزيج فيه بذرة الأربعة السابقة وتبقى فيه دائما‪.‬‬ ‫والطبيعي هو الذي يكون التداول في ـملء الخانات المؤسسية تداولا بايولوجيا أي أن‬ ‫الجيل اللاحق لا يتلو الجيل السابق إلا بنظام توالي الأجيال البايولوجي أعني بالموت‬ ‫الطبيعي أو بالقتل والاغتيال وليس بالتداول السلمي بحسب قواعد يحددها القانون الذي‬ ‫يتواضع الجميع على نظام التداول في تحديد القيمين دوريا‪.‬‬ ‫وهذا المعيار يعتبر أهم دليل على فشل الفقه الإسلامي‪ .‬فهو لم يستطع أن يطبق ما‬ ‫حدده الإسلام من قانون للتداول لا من حيث قانون التعيين بالبيعة الحرة ولا من حيث‬ ‫العزل عند الاخلال بالواجب واحترام القانون (لا طاعة في معصية)‪ .‬فلم يبق إلى التداول‬ ‫البايولوجي بين العصبيات وحتى في نفس العصبية الحاكمة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ذلك أن الفقهاء اعتمدوا على الضرورة التي تبيح المحظور فأفتوا بشرعية المتغلب تجنبا‬ ‫للفوضى في زعمهم فإذا بهم جعلوا التغلب مبدأ التغيير فيصبح الحاكم الموجود يحكم بإدامة‬ ‫التغلب والمعارض الذي يسعى إلى أخذ مكانه يحاول أن يكون المتغلب على المتغلب وهكذا‬ ‫بلا حد‪ :‬وهو من جنس الدواء بالداء‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الدولة لم يبق لها إلا بعد الشوكة في غياب الشرعية‪ :‬صراع العصبيات‬ ‫من دون شرعية المرجعيات أو بصورة أدق مصحوبة بشرعية مغشوشة هي تحريف‬ ‫المرجعيات‪ .‬وأصل هذا التحريف هو تولي الفقهاء مهمة التشريع بدلا من الأمة بدعوى‬ ‫فهمهم وحده لشرع الله فصاروا نوابه‪.‬‬ ‫القرآن يقول \"أمرهم\" وهم يجعلوه أمر أولي الأمر الذين هم كهنوته‪ .‬وحتى لو فرضنا‬ ‫أن بعضهم يرفض أن يكون \"جاميا\" فإن رفضه لن يؤثر ‪-‬خليك من خرافة بيع العز بن عبد‬ ‫السلام لحـكام مصر‪-‬لأن قوة الجماعة يمكن أن تؤثر أما قوة أي فقيه فهي لن تصمد أمام‬ ‫الطمع أو الخوف أو الاغتيال في غياب دور الأمة التي استحمرت‪.‬‬ ‫وهبني سلمت بأن العز عملها ونجح‪ .‬لكن ذلك هو الشاذ المؤيد للقاعدة مثلما أن الخليفة‬ ‫الخامس كان الشاذ المؤيد للقاعدة وخاصة لقاعدة الاغتيال في التداول البايولوجي‪ .‬وليس‬ ‫بالصدفة أن صاحب البحث الذي كان مناسبة لهذه لمحاولة التي تواصل ما تقدم مع الشيخ‬ ‫البوطي وما تلاها في تحريف علوم الملة لمعاني القرآن‪ .‬ولن أتلكم في مضمون الدساتير‬ ‫ووظائفها فقد سبق أن عالجت الأمر في مناسبات كثيرة كما لن أتكلم في وظائف لدولة العشر‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫سأمر مباشرة لمعنى التلازم بين بعدي القانون والدولة التي هي تعينه المؤسسي وأداة‬ ‫أدواته في ضبط لوظائف العشر‪ :‬لم الشرعية والشوكة هما بعدا القانون؟‬ ‫وقبل المرور لهذه الإشكالية العميقة التي أول من حددها بصورة صريحة في الفكر‬ ‫السياسي الإسلامي هو الغزالي في كتاب فضائح الباطنية وصارت مسألة جوهرية من فكر‬ ‫ابن تيمية وبن خلدون فلأحسم قضية \"أولو الأمر منكم\"‪.‬‬ ‫ينسى السلفي في الأفعال وحتى في الأقوال أمرين‪\" :‬منكم\" و\"تأميرهم\"‪ .‬فمنكم صارت‬ ‫عليكم‪ .‬وتأميرهم صار تأمرهم بل وتآمرهم‪ .‬فلا يسمى الإنسان أميرا بالوراثة بل بالتأمير‬ ‫ممن من واجبه تأميره فرض عين بشروط اختيار من يؤمر‪ .‬والتأمير هو البيعة الحرة‪.‬‬ ‫والبيعة الحرة مصدرها أن المبايع ينطلق من مجموعة قيم ومعايير مصدرها المرجعية التي‬ ‫هي دستور الجماعة (القرآن)‪.‬‬ ‫ولذلك اشترطت الآية ‪ 58‬من النساء شرطين في الحكم لأن الأمر هو الحكم وهو الذي‬ ‫يستمد القاضي دوره الشرعي من تعيينه‪:‬‬ ‫ما هي الأمانة التي يؤتمن عليها؟‬ ‫أليس أمر الجماعة فيكون نائبا عنها فرض كفاية تعيينه فرض عين على افراد الجماعة بمقتضى البيعة الحرة؟‬ ‫فإذا لم يبق من الدولة والقانون إلا الشوكة هل يبقى معنى للتشريع وخاصة للتشريع‬ ‫الذي يدعي أصحابه أنه شرع الله؟‬ ‫فإذا كان صاحب الشوكة لا يدين بوجوده لشرعية يستمدها من البيعة الحرة فإنه بعد‬ ‫قد أعتدى على كل أسس الشرعية ومن ثم فلا تعجب أن يكون فوق القانون ثم يتظاهر‬ ‫بتطبيقه على الضعفاء‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فيقضـي قاضيه باسم شرع الله ويقطع يد من جاع فسرق خبرة مثلا ويسكت على من‬ ‫جوعه بسرقة ثورة البلاد كلها ودفعها جزية لمن ينصبه بدلا من شعبه على شعبه ثم يسميه‬ ‫الفقهاء الذين \"لهم إمكانيات معرفية\" ولي الأمر الذي كل من يعارضه يسمه خارجيا‪.‬‬ ‫والخارجون فعلا عن شرع الله يعتبرون من يطلبه حقا خارجيا‪.‬‬ ‫وسأخصص الفصل الموالي والأخير لمسألة التلازم بين الشرعية والشوكة مقومين للقانون‪.‬‬ ‫وحتى أشير هنا مرة أخرى إلى إبداع ابن خلدون أورد حجته ضد نظرية أفلاطون في‬ ‫المدينة الفاضلة‪ :‬لو كان الناس يستطيعون أن يتعايشوا بمجرد الاخلاق الفاضلة لاستغنينا‬ ‫عن الدولة قاصدا شوكتها أو ما يسميه الوازع الأجنبي‪.‬‬ ‫وهذا لا يفهمه من يتكلم على \"ضحالة الامكانات المعرفية\" لأبي يعرب بل هو من فضل‬ ‫\"ضخامة الإمكانات المعرفية\" لفقهاء السلطان الذين حرفوا القرآن وجعلوه مجرد مدونة‬ ‫لتبرير كل الجرائم باسم الاجتهاد الفقهي أو التحيل لمساندة من نكصوا بالمسلمين إلى عصور‬ ‫الجاهلية بالبيزنطيات الكلامية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلنا إلى غاية المحاولة وأبدؤها بواقعة رمزية قلت فيها ما يبدو كفرا ببطولة رمز دور‬ ‫الفقاء \"العز بن عبد السلام\"‪ .‬فلست اشك في قيمة الرجل‪ .‬ما شككت فيه هو دلالته وفي‬ ‫زعم ما لا يمكن أن يقبله عقل بخصوص واقعة بيع مماليك مصر أو حتى تهديدهم ببيعهم‪.‬‬ ‫فالأمر هو مثال من علاقة الشوكة (المماليك) بالشرعية (العز بن عبد السلام)‪.‬‬ ‫‪-2‬ما تروى عليه القصة وصفته بكونه كذبا فلماذا؟ لمبدأ بسيط وهو أن الشرعية العزلاء‬ ‫لا يمكن أن تقف أمام الشوكة الحمقاء‪ .‬ومن ثم فلا يمكن أن يكون العز‪ -‬إن فعل حقا ما‬ ‫يحكى‪ -‬ليس وراءه قوة مادية مثل أن يكون بعض قيادات المماليك ساندوه في ذلك لما بينهم‬ ‫من تنافس في مسألة استعمال الحرب لافتكاك القيادة من بعضهم الآخر‪.‬‬ ‫ولا يمكن أن تكون الشوكة ليس وراءها قوة رمزية بمعنى هذا الدور الذي أعطي للعز‪.‬‬ ‫لو كان اللقاء بين سلاح الفقيه الرمزي وسلاح الحاكم المادي لهزم الفقيه حتما‪ .‬وللقارئ‬ ‫مثال حي اليوم في السعودية‪ :‬فأحمق واحد بسند أجنبي استطاع أن يخضع كل علماء‬ ‫السعودية ونبلائها وحتى أدعياء الحداثة والثروة فيها لأنه شوكة حمقاء أمام شرعية‬ ‫عزلاء‪ .‬وهذه قضية عالجها ابن خلدون لكن قراءه كالعادة أغلبهم من نوع يصح عليهم‬ ‫الوصف \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\"‪.‬‬ ‫فإذا ما استثنينا الشعب اليمني الذي لم ينزع صلاحه المادي وحتى الرمزي بمعنى اللحمة‬ ‫الأهلية فإن كل الشعوب العربية من الماء إلى الماء منزوعة السلاح أمام حامية استولت على‬ ‫الشأن العام إما بقوتها الذاتية أو بالسند الأجنبي ولا يستطيع أحد مقاومتها إلا إذا اختار‬ ‫المساند الخارجي مساندة حامية أخرى تفيده أكثر في السيطرة على الأمة وذلك منذ قرون‪:‬‬ ‫إما عن طريق القبائل أو عن طريق العرقيات أو الطائفيات أو حديثا الأحزاب‪.‬‬ ‫ولهذه العلة تكلم ابن خلدون عن حال الشعوب التي تصبح أشبه بـ\"النسوان\" ويسميها‬ ‫\"عيالا\" أمام قوة احتلال يسميها الحامية فيصبح الجميع معتمدا على شبه جيش احتلال‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لشعوب من العبيد لا حول لهم ولا قوة‪ .‬ولولا صلاح بعض المخلصين لما وجدت حتى مقاومة‬ ‫للغزاة الأجانب عندما يتدخلون مباشرة بأنفسهم‪.‬‬ ‫وإذا اعتبرنا الشرعية ممثلة بالدين والمتكلمين باسمه والشوكة ممثلة بالعصبية والمتكلمين‬ ‫باسمها فإن ابن خلدون قد بين التلازم بين الأمرين أي بين الشرعية والشوكة في هذه‬ ‫الحالة وبين أمرين‪:‬‬ ‫والأهم من ذلك أنه بين ما نعيشه الآن‪ .‬فالثورات التي تقع باسم الشرعية وخاصة إذا‬ ‫كانت دينية لا يمكن أبدا أن توصل إلى نتيجة ما لم تعلم هذا القانون وتعمل به‪ .‬فالأمر‬ ‫يتعلق بإحدى خليتين‪:‬‬ ‫والخليتان كلتاهما لها كاريكاتور يحاكيها محاكاة القردة أي دون فهم فيشوهونها‪:‬‬ ‫وقد ذكرت النوعين بالخلاف‪ .‬ذكرت الموجب في الدعوة الدينية في شكلين موجب يجمع بين‬ ‫الشرعية والشوكة (المحمدية) وسالب يظن الشرعية م مغنية عن الشوكة (الاخوانية)‪.‬‬ ‫ثم ثنيت بعكس الحالتين السابقتين‪ .‬فتشويه الأولى من حيث جعل الشوكة رماية في عماية‬ ‫(داعش) وتشويه الشرعية بجعلها عزلاء لأنها خالية من مضمون الآية ‪ 60‬من الأنفال‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فمن يستطيع أن يقول سلميتنا أقوى من الرصاص ليس الأعزل بل المسلح المهاب وهو الشعب‬ ‫الذي يطبق الأنفال ‪ 60‬يستطيع أن يقول سلميتنا أقوى من السلاح لأن الاعداء يعلمون أن‬ ‫من لا يجنح إلى السلم معه سيخسر لأنه استعد للحرب والدفاع عن حقوقه‪ .‬من جعل شعوبنا‬ ‫عزلاء هو الوساطة التي جعلت الاجتهاد فرض كفاية والوصاية التي جعلت الجهاد فرض‬ ‫كفاية‪ .‬وهما فرض علين في الإسلام‪.‬‬ ‫وأكبر سخافة في جعل الاجتهاد فرض كفاية هو ظنه مشروطا بما يضعونه من شروط في‬ ‫حق الاجتهاد في الفقه‪ .‬ذلك أنهم تصوروه اختصاصا علميا فحسب أعني أنهم حصروه في‬ ‫أدنى مقوماته التي هي الخبرة في فهم النصوص وتنزيلها على النوازل‪ .‬فهذا هو أدنى جزء‬ ‫من الفقه بالمعنى القرآني ومن القانون بالمعنى الوضعي‪.‬‬ ‫وحصر الفقه فيه هو الذي جعل الشعوب بسبب التربية بالوساطة والحكم بالوصاية تصبح‬ ‫عامة ينطبق عليها الوصف \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\"‪ .‬ذلك أنه لو كانت فاعلية القرآن‬ ‫محتاجة إلى علم هؤلاء المجتهدين المزعومين بمعنى الاختصاص في الفقه لاستحال على‬ ‫الرسول تحقيق ما حقق بشباب البعثة‪ :‬فلم يكن عندهم هذه العلوم المزعومة دون أن أقصد‬ ‫أني ضد وجودها بل إنما أنا ضد ظنها مقوما فضلا أن تكون المقوم الأساسي للتشريع من‬ ‫حيث هو عبارة عن إرادة الجماعة‪.‬‬ ‫فالشعوب التي تربى بالقرآن وهديه دون وسيط يدعي التخصص في فهمه ودون وصي‬ ‫يدعي الحكم بما ينتج عن علم الأوصياء نكوص بالإسلام إلى ما ثار عليه‪:‬‬ ‫فذلك يعني العودة إلى الكنسية والحكم بالحق الإلهي في غياب المؤمنين‪ .‬فغياب المؤمنين‬ ‫بغياب التعبير الحر عن الإرادة وحصر ذلك في الفقهاء وحتى في من يسمون أهل الحل‬ ‫والعقد جعل الأمة تصبح عامة بل ودهماء مثل المواشي يقودها فقهاء السلطان بمنطق‬ ‫كهنوت جعل الاجتهاد فرض كفاية‪-‬وهو معنى لائكي حتى في الكاثوليكية إذ هو يعني العامي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الذي ليس له علم رجل الدين لأن العلم كان حكرا عليهم وهم الخاصة‪-‬وعبيد بمنطق‬ ‫حامية جعلت الجهاد فرض كفاية‪-‬لا يمكن للشرعية أن تصمد أمام الشوكة‪.‬‬ ‫وسأضرب مثالا مضادا لمثال العز مع المماليك الذي كذبته ليس لشك في قيمة العز بل‬ ‫لاخضاعه إلى مبدأ العاقة بين الشرعية والشوكة مثالا آخر أصدقه بإطلاق‪ :‬كيف أمكن‬ ‫للفاروق أن يعزل خالد أو أن يهدد ابن العاص بعزله إن لم يتواضع؟ فهنا أيضا نحن أمام‬ ‫علاقة الشرعية بالشوكة في صدام حقيقي‪.‬‬ ‫فلو فرضنا الفاروق شرعية بلا شوكة وخالد شوكة بلا شرعية هل كان خالد يطيع الفاروق‬ ‫فيقبل العزل؟‬ ‫بل أكثر من ذلك فلنفرض أن ابن العاص شوكة دون شرعية أي لا يؤمن حقا بكونه يستمد‬ ‫شرعيته من الفاروق فاعتمد على قوته كأمير في مكان لا تصل إليه شوكة الخليفة‪.‬‬ ‫أما كان ينفصل بولايته عن الخلافة؟‬ ‫وشوكة الخليفة لم تكن حامية قائمة الذات كجيش محترف بل كانت الأمة كلها حامية‬ ‫لذاتها ولشرعية نظامها وقابلة بالقوة لأن تصبح جيشا جرارا بمجرد أن يدعوها الخليفة‬ ‫للجهاد من أجل حماية البيضة أو الشرعية‪ .‬والحكمة هي في عدم الاعتماد على جيش‬ ‫محترف قائم الذات يصبح دولة في الدولة‪.‬‬ ‫وهذه أهم نصيحة خرج بها ابن خلدون في كلامه على الحامية‪ :‬لا بد أن يكون الشعب كله‬ ‫هو الحامية لئلا يصبح عالة على حامية تستعبده في الحماية (وكذلك في الرعاية بعد أن‬ ‫أصبحت الدولة الحاضنة تعول الشعوب لأنها استحوذت على الأرزاق) وتتحول الشعوب إلى‬ ‫مواشي تسوقها كلاب هي بلطجية تعتبر نفسها نخبة أو خاصة وهي حريصة على إبقاء‬ ‫الشعوب عامة حتى تبقى هي خاصة‪.‬‬ ‫كل الشعوب العربية \"عيال\" بلغة ابن خلدون بسبب العنف في التربية والعنف في الحكم‪.‬‬ ‫وقد يتصور القارئ أن ابن خلدون يتكلم على العنف المادي وحده‪ .‬كلا‪ :‬هو يتكلم على‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫العنف المعنوي‪ :‬بدليل استعماله \"كلمة العسف\" واعتباره التعليم والحكم بشكلهما الذي كان‬ ‫موجودا لا يمكن أن ينتجا إلى العبيد‪.‬‬ ‫وإليكم النص الحاسم‪\" :‬ولا تستنكر ذلك (يقصد تأثير التربية والحكم العنيفين) بما وقع‬ ‫في الصحابة من أخذهم بأحكام الدين والشريعة ولم ينقص ذلك من بأسهم بل كانوا أشد‬ ‫الناس بأسا لأن الشارع صلوات الله عليه لما أخذ المسلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من‬ ‫أنفسهم لما تلا عليهم من الترغيب والترهيب ولم يكن بتعليم صناعي ولا بتأديب تعليمي‬ ‫إنما هي أحكام الدين نقلا يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان والتصديق‪.‬‬ ‫فلم تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت ولم تخدشها أضفر التأديب والحكم‪ .‬قال عمر‬ ‫رضي الله عنه‪ :‬من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله\" حرصا على أن يكون الوازع من نفسه‬ ‫ويقينا بأن الشرع أعلم بمصالح العباد‪ .‬ولما تناقص الدين في الناس بالأحكام الوازعة ثم‬ ‫صار الشرع علما وصناعة يؤخذ بالتعليم والتأديب ورجع الناس إلى الحضارة وخلق الانقياد‬ ‫نقصت بذلك سورة البأس فيهم‪ .‬فقد تبين أن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس‬ ‫لأن الوازع أجنبي وأما الشرعية فغير مفسدة لأن الوازع فيها ذاتي‪ .‬ولهذا كانت الأحكام‬ ‫السلطانية والتعليمية مما تؤثر في أهل الحواضر من ضعف نفوسهم وخضد الشوكة منهم‬ ‫بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم والبدو بمعزل عن هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السلطان‬ ‫والتأديب والتعليم والآداب\"‪( .‬المقدمة الباب الثاني الفصل ‪.)6‬‬ ‫هل معنى ذلك أني أرفض أن يوجد تكوين في الاجتهاد (التكوين النظري في كل المجالات)‬ ‫وفي الجهاد (التكوين العملي في كل المجالات) فتكون الأمة بدون معلمين في النوعين وخاصة‬ ‫في شروط الرعاية والحماية؟ لو كان هذا القصد لكان معناه البقاء في الأمية والتبعية أبد‬ ‫الدهر للمبدعين فيهما‪.‬‬ ‫إنما القصد هو ما قصده ابن خلدون‪ .‬فقد قارن بين نوعين من التكوين النظري والعقدي‬ ‫والتكوين العملي والشرعي فبين أن الناجح منهما هو الذي يبقي على عزة النفس عند‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫المتعلم ومن ثم النوع الذي يحد من عنف المعلم في التكوين النظري والعقدي وفي التكوين‬ ‫العملي والشرعي لأن الاجتهاد والجهاد فرضا عين لا كفاية‪.‬‬ ‫والكفاية فيهما ليس هما بل تعليمهما وهذا هو الاختصاص‪ .‬فـمعلم النظر والعقد ومعلم‬ ‫العمل والشرع وبصورة أدق معلم الاجتهاد ومعلم الجهاد فرض كفاية‪ .‬لكن الاجتهاد‬ ‫والجهاد فرض كلاهما فرض عين وهما واجب الجميع‪ .‬والمعلمون للجميع في ذلك هم من‬ ‫برعوا فيهما ودورهم مقصور على التعليم وليس بديلا من دور كل فرد من أفراد الجماعة‪.‬‬ ‫فيكون الاختصاص في الحرب مثلا من جنس الاختصاص في أي مهارة نظرية كانت أو عملية‪.‬‬ ‫وذلك ليس شرطا في تكوين البشر فحسب بل هو شرط في تقدم المعرفة النظرية والعملية‬ ‫وشرط في تعمير الارض وتحقيق اهلية الاستخلاف‪ .‬معلم الجهاد ليس هو المجاهد الوحيد‬ ‫بل هو المجاهد الذي تمكن من قدرة تكون المجاهدين أي كل افراد الشعب‪ .‬فيكون تعلم‬ ‫الجهاد أو الحرب فرض عين على الجميع‪ .‬فكون المختص في الحرب أستاذ مثل أي أستاذ‬ ‫وليس هو المجاهد أو الحامي للوطن بديلا من المواطنين كلهم ذكورا وإناثا‪ .‬وهذان هما‬ ‫التربية والحكم عند الأحرار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬