أبو يعرب المرزوقي re nils frahm ورأي \"حداثي\" جاهل بعلم الأصوليين اللدني الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 9 - -الفصل الثالث 15 - -الفصل الرابع 20 - -الفصل الخامس 25 -
-- اعتقد أني ظلمت المرحوم الشيخ البوطي لما تعجبت من موقفه في إشكالية أزمة أصول الفقه حول المسألتين اللتين وقع الخلاف عليهما بينه وبيني: وقد قرأت مؤخرا كلاما للسيد الحضرمي أحمد طلبة-لسوء الحظ ليس لي به سابق معرفة ولا أستطيع الكلام في درجته في العلم بالقانون وبالحداثيين رغم أن استشهاده بالجابري وبي فيه دلالة -في بحث ذكر موقفي شاهدا عن الهروب بالتخفف منه. وإليكم الإحالة إلى منتخبه من حواري مع الشيع البوطي منتخبه الغريب الذي لم ير أن الأمر لا يتعلق بالأصول بل بما وظفت فيه لتجعل التشريع الذي هو تعبير عن إرادة الجماعة وظيفة للفقهاء الذين يصبحون أوصياء عليها يشرعون بدلا منها بفنيات أصول الفقه الملتبسة كما نبين: يقول المرزوقي“ :لا معنى لأي تشريع ما لم يكن نابعًا من أعماق ما تعت ِقده الأمّة؛ ذلك هو المصدر الوحيد للشرعية… ولما كان الأمر في متناول الجميع ولا يحتاج إلى علم كبير؛ فإن سلطة الفقهاء والقانونيين احتاجت إلى تعقيد الأمور لتكون وسي ًطا ضرور ًّيا في أهم أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- الفروض العينية :التشريع وهذا تصريحٌ من المرزوقي بالدافع الحقيق ِيّ للمحاولة تجاوز أصول الفقه ،وهو ضحالة الإمكانيات المعرفية\"( .نقد النقد مراجعة للأطروحات الحداثية تجاه فكر السلف مركز سلف للبحوث والدراسات أوراق علمية .)100 لن أجادل الرجل في دعواه حول ضحالة الامكانيات العلمية لأني لن أدعي علما لدنيا وخاصة بثقافة سلفية مثل التي يدافع عنها .فما يعنيني هو أنه لو كان مجرد العلم بالأصول كافيا ليصبح المرء أهلا لأن يشرع للأمة لكان يمكن لأي إنسان حتى لو لم يكن مسلما أن يشرع للمسلمين لأنه يوجد من هو ليس مسلما مختص في الاصول وربما أدرى بها منه ومني دون شك بسبب\" ضحالة الإمكانات المعرفية\" شهادة من علامة العصر صاحب البحث. لكن هذا العلم ليس ضروريا فضلا عن كونه ليس كافيا إذا علمنا أن للتشريع بعدين شكله الذي يقتضي الخبرة والاختصاص لكن جوهره غني عنهما لأنه تعبير عن الإرادات الحرة في تنظيم حياتها المشتركة. اكتشف يوما بعد يوما أن موقف الشيخ البوطي عام في المدرسة التقليدية للأصول بل وفي كل علوم الملة التي بينت سابقا أنها لم تصل إلى مرحلة العلة فضلا عن كونها تحريفا صريحا لمعاني القرآن التي تدعي الانطلاق منه .الموقف ليس خاصا به .فما تكلم فقيه أو داعية إلى وزعم أن الأمر في مسائله من جنس الأمر في أي اختصاص ومن ثم فالفقيه من حقه أن يشرع للجماعة لأنه عالم بالأصول. وهو يعود أولا لهذا الخلط بين المستويات الثلاثة للبحث في القانون-والفقه هو بالأساس قانون حتى لو كان يتميز عن القانون الوضعي بغلبة البعد الخلقي عليه-دون أن انشغل حاليا بالمستويين الآخرين أي السياسي والاجتماعي البينين. ورأيت أن انتهز هذه الفرصة لأشرح قصدي بأن علوم الملة الغائية ليست علوما وأنها حرفت القرآن مطبقا ذلك على اصول الفقه وأن علوم الآلة فيها ظلت بدائية ولم تتقدم حتى بعد أن أدخل فيها ان حزم ومن بعده الغزالي ما كان معلوما من المنطق الأرسطي فأبين دعواي بالحجة المعينة في أحد هذه العلوم المعين وهو يعتبر من أشرفها وأعلاها كعبا. أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- وقبل أن أشرح ما غاب عن بال صاحب البحث في شهادته بنص اتهمت فيه الأصوليين بالتعقيد من أجل \"اغتصاب\" وظيفة التشريع ظن أني ضد الاختصاص الدقيق في علم الأصول إذا كان علما وليس تشريعا .ومعنى ذلك أنه لا يميز بين القانون من حيث هو: وهذا يقتضي تعريف القانون سواء كان وضعيا أو سماويا والتمييز بين هذه المستويات. وسأفترض أن ذلك معلوم في هذه الفصل الأول .لكني سأعود إليه في الفصول الموالية لأني به سأبين ما افترضته في محاولاتي السابقة من فساد علوم الملة وتحريفها لمعاني القرآن ومن ضمنها طبعا أحد أهمها أعني اصول الفقه. ولولا ذلك لما انتهزت هذه الفرصة ولما علقت على هذا النص الذي بدا لي من حجج من يقيس علاقة الإنسان بالدين بالعلاقة بأمور هي من فروض الكفاية .فالدين ليس اختصاصا حتى وإن كان بحاجة إلى الاختصاصات في بعض وجوهه .لكن ما أن تقدم هذه الاختصاصات لتصبح شرطا في التعبد حتى تتحول إلى كنسية التوسط بين المؤمن وربه ولا يبقى الدين متعلقا القصد والنية بل بشكليات فرضها المختصون حتى يكون لهم سلطان على المؤمنين :وذلك هو القصد بأن التعقيد الاصولي هدفه اغتصاب حق المؤمنين في التشريع لأنفسهم وتحول المختصين إلى أوصياء عليهم. لذلك فعندي أن كل الثرثرة حول العبادات والشروط التي يسمونها شروط صحة العبادة هي من هذا النوع إذا تجاوزت الحد المعلوم الذي تكفي فيه المحافظة على حد أدنى من المشتركات السلوكية تتعلم في الغالب بمحاكاة الاجيال المتوالية للممارسات شكلية بسيطة أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- دون مبالغات شرطية كما في نظام الوضوء أو نظام الحج إلخ ..لأن المهم في ذلك كله هو النية الخالصة للعبادة وشرطها النظافة الظاهرة والباطنة لا غير. لم ينتبه الأستاذ الكريم إلى أن كلامي يدور حول البعد الثالث من المسألة .فالتشريع في الإسلام من حيث الطبيعة وليس من حيث آليات صوغه هو التعبير عن إرادة الجماعة الحرة شرطا في تعيين من ينوبها للتشريع باسمها دون أن يكون ذلك مشروطا بالعلم بالأصول الذي هو آخر مرحل التشريع عند اعتماد الخبراء في الصياغة التي تتألف من عنصرين: الأول هو العلم بلغة القانون وبالقانون السائد في الجماعة. الثاني هو العلم بالنظام القانوني الموجود لأن أي قانون جزء من كل بحاجة إلى الاندماج في المنظومة دون تناقض قدر الإمكان. والقرآن واضح في ذلك بمقتضى الآية 38من الشورى بأن الجماعة تدير \"أمرها\" بالشورى بينها .وهي فرض عين .وليس فيها اختصاص .ولهذه العلة فكلما سمعت فقيها أو داعية يقيس هذا البعد من التشريع على الطب مثلا يقشعر بدني .فمن يحدد الحاجة إلى الطبيب هو المريض وليس الطبيب .ومن يحدد الحاجة إلى التشريع هو الجماعة وليس المختص في القانون .المختص في القانون تستدعيه الجماعة ليصوغ لها بالأسلوب القانوني ما تريده هي. نحن إذن أمام مسألتين: أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- وهذا المستوى الثاني لا جدال في حاجته للمختصين .لكن اللعب على اللبس بين الأمر يجعل الإرادة كفاية مثل الخبرة في صوغها .وبهذا اللبس يخلط الأصوليون بين :القضاء والبحث الأصولي والتشريع .وطبعا التشريع من حيث فنيات الصوغ يحتاج للأصولي كما تحتاج كل الشعوب إلى فقهاء القانون أو فلسفة القانون أو علم القانون في القانون الوضعي .لكن التعبير عن الإرادة أو شورى الجماعة في أمرها فهذا واجب الجميع ولا يحتاج لاختصاص اتهامي للأصوليين بالتعقيد من أجل الاستحواذ على إرادة الجماعة أخطر حتى مما أتى به شاهدا .فهم لا يعقدون المسألة بجعل الشرط العلمي يتجاوز حده فيصبح بديلا من إرادة الجماعة من أجل هذا الاستحواذ عليها بل هو يزعمون لتشريعهم الذي نصبوا به أنفسهم أوصياء على الجماعة بديلا مما أمرها به القرآن (وأمرهم شورى بينهم) .هم يستحوذون على إرادة الله بعلمهم الزائف :لأن ضمير القياس على الشرع الإلهي هو جعل المقيس من جنس المقيس عليه على الأقل من حيث استعماله في السلطة القضائية. بعد هذا التوضيح الذي يغيب عن أذهان كل من يزعم أن المسألة في الدين من والحاجة إلى الفقهاء والمفاتي هي من جنس الحاجة إلى المختصين وغالبا ما يقيسون ذلك على الحاجة إلى الطبيب -وهو من أسخف ما علمت من الاحتجاج أريد أن أسأل عن الشيء الذي يجهله الحداثي من حيث هو حداثي ليكون مثل السلفي؟ ذكر الأستاذ أمرين ولا أعتقد أن غيره يمكن أن يذكر غيرهما :اللغة واصطلاح الأصوليين .وكلاهم من علوم الآلة وليس من علوم الغاية .وطبعا ليس ذلك من ضرورة تعبير الجماعة عن إرادتها بالشورى في أمرها .والآية واضحة لم تشترط إلا أمرين: الاستجابة للرب وعلامته إقامة الصلاح ثم الانفاق من الرزق. ونأتي الآن إلى الحاجة هذين العلمين الآليين اللغة القرآنية واصطلاح الأصوليين السابقين .ونبدأ بالثاني :إذا كانوا لا يميزون بين وجهي القانون أعني موضوعه الذي هو الإرادة الحرة وشكله أعني صوغه بعادة الجماعة إذ قد يكون القانون مصوغا عرفيا دون تفاقه أو اصطلاح إلا بسبب تعقيد متن القوانين. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- وهنا لا بد من سؤال صاحبنا :المتكلمون بالعربية اليوم هم دون عشر المسلمين فهل تعتقد أن التسعة أعشار ينبغي أن يصبح مشرعوهم من العرب أو ينبغي أن يتعلموا العربية حتى يحق لهم الاختصاص في أصول الفقه وخاصة أصول القانون في الدول الحديثة أم تقترح ألا يعتبروا أهلا للتشريع في دولهم؟ وحتى لا أجزم بما لا أعلم فإني لا اعتقد أن صاحب هذا البحث يفكر مثل المرحوم البوطي أن أصول الفقه يكفي فيه معرفة النحو العربي وأبجديات المنطق الارسطي .وهذا هو العلم الذي يفاخر به الأصوليون في الغالب ومن ثم فهم أقل الناس دراية بما ينبغي أن يتأسس عليه علم أصول الفقه بصورة عامة. وهبني سلمت أن علم العربية ضروري لمن يريد مواصلة التقاليد الأصولية القديمة التي لم تعد معمولا بها في أي دولة حديثة إلا نفاقا لادعاء تطبيق الشريعة لكن المؤسسات كلها تعمل بالقانون الوضعي ليس في علاقاتها الخارجية التي صارت مهيمنة على كل شيء بل وحتى في إدارتها المحلية للخدمات. وإذن فحتى من حيث علوم الآلة لم تعد العربية والاصطلاح الأصولي كافيين للاختصاص في الأصول إذا فهمنا بها ما يفاد بفلسفة القانون أو بفقه تأسيس الأنظمة القانونية والتشريعية في الجماعات البشرية .أن يقول البوطي إن العربية واصطلاح الأصوليين كافيان قد أفهم فهو من جيل مضى .لكن... لكن ما لا أفهمه هو أن يرى إنسان من عصرنا أن القانون مسألة شرح نصوص بعلم لغة بدائي وبأبجديات منطقية فهذا لعمري من مهازل الدهر .فلا يوجد علم في الدنيا يعرف بآلته فحسب حتى لو كانت آلة تامة وليس مثل هذه بل لا بد أن يكون لموضوعه دور في تحديد مقوماته وشروط التخصص فيه. فمن حيث هو تعبير عن إرادة الجماعة يكون القانون ذا صلة مباشرة بسياسة أمرها كما تقول الشورى يعني كل شؤونها الدنيوية وحتى الاخروية .ومن ثم فالتشريع في الجماعة أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- بهذا المعنى مشروط بالمسالة السياسية وبأنظمة الحكم وهو مشروط بالتالي بالفلسفة السياسة وأنظمة الحكم ودور الجامعة فيهما. ومعنى ذلك أن التشريع بحاجة إلى شرعية الدولة التي تعبر عن إرادة الجماعة بالتشريع .وهذا أهم عنصر مهمل في هذا العلم المزعوم .وإذا كان التشريع معبرا عن إرادة الجماعة فإن نفاذه مشروط بجعله ذا قدرة على تحقيق وظيفته فتصبح شروط القدرة على تحقيق وظيفته مقدمة على صوغ القوانين. فإذا لم تتوفر له شروط القدرة على النفاذ لن يكون حائزا على شرطي أداة الحكم بيد الحكم المشروط بصفتين في النساء :58الأمانة والعدل .فكيف يكون القاضي مثلا أمينا إذا لم يصن ضد الفساد وكيف يكون عادلا إذا لم يصن ضد الاستبداد؟ بعبارة وجيزة شروط استقلال القضاء هي شروط شرعية الاحكام. وهنا يأتي دور البعد الخامس (أحصينا ثلاثة ذاتية للقانون من حيث هو قانون وربعا وهو شرعية التشريع وهي سياسية) أعني البعد الاجتماعي لثقافة القانون في الجماعة .ففي مجتمعات ليس للقانون فيها سيادة الكلام على الفقه وأصوله دون علاج هذه المعضلة يصبح تبريرا لقانون القوة وليس قوة القانون. وهكذا فأصول الفقه إذا كان بحق علما فهو بحث في شروط القانونية وشرعيتها من مناظير خمسة: يبدو أن صاحب المقال لم يقرآ الحوار الذي دار بين المرحوم البوطي وبيني حول ازمة أصول الفقه واحتاج إلى شاهد استعمله دون فهم معناه لظني أني اقول بعدم الحاجة أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- للاختصاص عامة وليس في مجال التعبير عن الإرادة الذي هو فرض عين (الشورى 38وآل عمران 104و 110والنساء .)58والسلام من حداثي جاهل. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- لا يمكن لعاقل أن يشكك في أهمية الفقه وأصوله-سواء كان الشارع الله أو الإنسان - ولا في حاجته للعلم المختص في فنيات صوغه التي هي ليست المقوم الجوهري لتلوها عن إرادة الجماعة من حيث هي عائدة على ذاتها لتكون سلطة نظامية مشرعة لذاتها وذلك هو جوهر الدولة. فالشرع بهذا المعنى هو أداة سلطة الجماعة النظامية على ذاتها بمعنيي وظيفتي الدولة: وهو جوهر دلالة الشورى 38من حيث إن الأمر أمر الجماعة (طبيعة الحكم السياسي) تديره بالشورى بينها (أسلوب الحكم السياسي) .والشرع هو: ويمكن إذن أن نعتبره النظام الضابط للتبادل السلمي في مسألة الرعاية والتواصل السلمي في مسألة الحماية .ومعنى ذلك أن القانون هو شرط التعاملين رعاية وحماية بين البشر سلميا .ومن دونه لا يبقى بينهم إلا العنف المادي في التبادل والعنف المعنوي في التواصل. والقانون بهذا المعنى هو أساس شرعية شوكة الدولة .فيكون وسطا بين ما يسميه ابن خلدون \"الوازع الذاتي\" أي ما يمكن أن نسميه بالاصطلاح الحديث الضمير الخلقي والوازع الأجنبي أي ما يمكن أن نسميه بالاصطلاح الحديث العنف الشرعي للدولة .فيكون القانون بهذا المعنى \"الوازع الذاتي الجمعي\" إذا كان من وضع الجماعة برضاها وليس مفروضا عليها :إنه وازع جامع بين الشرعية والشوكة. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- وإذن فذلك عينه ما تقصده الآية 38من الشورى عندما اعتبرت الأمر أمر الجماعة (طبيعة موضوع السياسة والقانون) وأسلوب علاجه يكون \"شورى بينهم\" أي إن الجماعة لا تكون بحق جماعة بشر أحرار إلا بهذين الشرطين ثمرة حكمها لنفسها بنفسها وذلك هو الحكم بأسلوب الشورى الجماعية .فيكون قانونها هو ثمرة ما توصل إليه الشورى بينها. وذلك بشرط مؤسس وغاية مستهدفة. فأما الشرط المؤسس فهو \"والذين استجابوا لربهم\" وأما الغاية المستهدفة فهي \"ومما رزقناهم ينفقون\" .وأبواب الانفاق هي أبواب الانفاق من أجل الرعاية والانفاق من أجل الحماية .والمعلوم أنها أبواب حددتها الآية 177من سورة البقرة بنوعيها فضلا عن رعاية العاجزين عن الرعاية الذاتية. وسواء كان هذا القانون وضعيا أو شرعيا فهو لا يسمى قانونا حقا إلا متى كان برضا الجماعة .وقد يتوهم الكثير أن القانون الشرعي غني عن رضا الجماعة أو عما يتصف به القانون الوضعي من كونه صادرا عن إرادة الجماعة .وهذا من أوهام الفقهاء وخاصة من جهل الحداثيين الذين يقابلون بين النوعين. فالفرق بين القانون الوضعي والقانون الشرعي لا علاقة له بهذه الخاصية .فكلا النوعين لا يصبحان قانونا لجماعة من البشر من دون أن تكون إرادة الجماعة هي المؤسسة لقانونيته :فليس مصدر التشريع هو المحدد لهذا البعد بل دور القبول به تشريعا بالاختيار الحر .بمعنى أن الفرق يتعلق بالإيمان بالشارع علما وخلقا وليس بالشرع نفسه .والشرع المنزل يؤمن العاملون به أن الشارع الذي وضعه مطلق العلم والخلق ومن ثم فالاطمئنان إليه مطلق كذلك. فيكون هذا الإيمان علة لتبنيه وليس ما فيه .وهو يصبح قانونا لمتبنيه بعد أن يتبناه على هذا الأساس تعبيرا عن إرادته التي تتمثل في تبنيه .وذلك هو الأساس الذي يجعله يرفض القانون الوضعي باعتبار شارعه خاضعا للنزوات أو للمصالح الخاصة أو خاصة لخداع القوي للضعيف .فمن يتبنى القانون الشرعي مؤمن بأن الشارع مطلق العدل فلا يميز بين الناس. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- ولن اجادل في صحة هذا المنظور له أو عليه إذ إن ما يعنيني الآن هو الحقيقة الأساسية حول علاقة شرعية القانون بحرية الإرادة وبحرية التعبير عنها لأن حرية التعبير هي التعبير عن الحرية .وهي أن القانون الشرعي هو بدوره معبر عن إرادة حرة وليس مجرد عقد حتى وإن كان الدافع عقديا هو الإيمان بتحرر الشارع من النزوات والمصالح .ومعنى ذلك أن من يطبق الشريعة مثلا بخلاف ما يتوهم الحداثي لا يفعل ذلك لغباء في فكره بل لأن له صورة أسمى حول ما ينبغي أن يكون عليه القانون. وقد لا يكون ذلك صحيحا في الأعيان .لكن ليس المشكل متعلقا بالأعيان بل بالأذهان: فلا شيء يثبت كذلك أن القانون الوضعي مطبق حقا في الأعيان .المشكل هو في ما يترتب عن هذا المنظور :فالذي يعتقد أن الشرع السماوي سماوي حقا يعتقد أن القانون لا يكون قانونا حقا إلا إذا كان واضعه ليس طرفا في النزاعات التي يحسم فيها القانون بل ينبغي أن يكون حكمـا محايدا يتساوى عنده أطراف النزاعات التي يفصل فيها القانون :ولذلك فالحجرات 13تعتبر أن الناس متساوون لا يتفاضلون عند الله إلا بالتقوى أي باحترام القانون المحايد. ويمكن أن نقول إن القائلين بالقانون الوضعي أقل مثالية وأكثر واقعية من القائلين بالقانون الشرعي .ومعنى ذلك أن الحداثيين يعتقدون أن الشرع الذي يعتبر إلهيا ليس إلهيا بل هو إنساني يتنكر بمصدر سماوي ليخفي تحيل من يحكم باسم الله ولا يحقق ما يزعم من حكم محايد ومطلق العلم .ومن ثم فعندهم أن القانون ليس إلا تعبيرا عن توازن قوى في الجماعة .ويبدو مفهوم \"أمرهم\" و\"شورى بينهم\" في الآية 38من الشورى حلا وسطا بين الموقفين: • فنسبة الأمر إلى الجماعة. • واعتبار نظامه ثمرة للشورى بينهم. يجعله في آن مؤسسا على توازن القوة بين المتشاورين وتماثلها في آن من حيث إباية الظلم. ومعنى ذلك أن توازن القوى ليس بمعناه الطبيعي أي القوة العمياء للظاهرات الطبيعية أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- بل هو قوة عاقلة كل واحد في لقائها واع بحقوقه ما يعني أن الواجبات التي يصوغها القانون ليست توازن قوى بل هي توازن حقوق وهو ما ينتج الواجبات .فحقوق زيد إذا توازنت مع حقوق عمرو صارت واجبات متبادلة. وتنقسم هذه الواجبات المتبادلة -والتي هي حقوق كل واحد الذاتية وواجباته إزاء حقوق الآخر-إلى نوعين: • نوع يضبط التعاوض العادل في التبادل. • نوع يضبط التعارف الصادق في التواصل. ولذلك فالقانون ينقسم إلى نوعين كلاهما مضاعف وأصل لها جميعا .أولهما نوع يضبط الحقوق والواجبات في التبادل إيجابا وسلبا .والثاني نوع يضبط التواصل إيجابا وسلبا. والإيجاب في التبادل هو القانون المدني ويتعلق بالالتزامات التعاقدية خاصة .والسلب فيه يتعلق بالجزائي المدني .والإيجاب في التواصل هو القانون الشخصي ويتعلق بما يمس كيان الشخص نفسه .هو نوعان من المس بالشخص :مس يقبل التعويض ومس لا يقبله .وفي الثاني يتحقق مفهوم القصاص من الجنائي (السن بالسن.)... وتوجد مشكلتان في هذا التعريف لنوعي القانوني المدني سلبه وموجبه والشخصي سلبه وموجبه: وعلة هذين الظاهرتين العجيبتين في القانون ترجع إلى الأصل في كل الأنظمة القانونية .فالقانون له نفس وظيفتي الدولة بل هو عين وظيفتيها معبرا عنها بتعينها في ما يمكن أن يلغي الحاجة إلى العنف في الرعاية والحماية .فالرعاية هي علة الحاجة إلى العنف بسبب ندرة ما يسد الحاجات العضوية واقتتال البشر عليها في البداوة. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- وظيفة الدولة بالنسبة إلى الجماعة تناظر وظيفة الأسرة بالنسبة إلى الفرد إذ هي الرعاية والحماية .ومن ثم فأصل القانون فيه شيء من الرؤية العاطفية التي تضفي على الجماعة ما يشبه الأسرة (وهو مفهوم الأخوة البشرية في النساء { :1اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}) وفيه شيء من الرؤية السياسية للدولة بمعنى نوع من السلطة الرفيقة كما يقول بن خلدون في كلامه على العنف في التربية والحكم بوصفهما علة \"فساد معاني الإنسانية\" قتلا للعاملين. ومعنى ذلك أن الأسرة والدولة إذا لم تكونا رفيقتين بالفرد وبالجماعة تقضيان على ما لدى الإنسان من وعي بالحقوق والواجبات في التبادل وفي التواصل وهو معنى \"فساد معاني الإنسانية\" والقانون الذي لا يحقق لدى الفرد والجماعة معنى الحقوق والواجبات فاقد للشرعية .وهو يحققهما إذا نبع منهما .وقد ذهب الإسلام إلى قيس الرسول إلى قيس الجماعة بمستويها الاسري والسياسي على الشخص بوصفه بدنا واحدا. وهذا هو الأصل :نظرية الإنسان أو الرؤية الأنثروبولوجية في علاقتها بمقومي وجود الإنسان فردا وجماعة وهي رؤية يعرف ابن خلدون الإنسان بمقتضاها بكونه \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" .فـ\"بطبعه\" إحالة إلى كيانه العضوي و\"بمقتضى الاستخلاف\" إحالة إلى كيانه بما هو منزلته روحية. ومن حيث هو رئيس بطبعه هو واع بشروط قيامه العضوي ومن حيث هو رئيس بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له هو واع بشروط قيامه الروحي .فيكون مدافعا عن حقوقه في الرعاية والحماية الماديتين (حقوق اقتصادية واجتماعية) ويكون مدافعا عن حقوقه في الرعاية والحماية الروحية (حقوقه الفكرية والخلقية). وما يسميه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" يجمله في كلمة واحدة\" :وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين\". أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- وبذلك يتبين أن \"فساد معاني الإنسانية\" هو ما يترتب عليه فقدان الوعي بالواجبات والحقوق في مجال الرعاية والحماية بسبب ما حصل للإنسان في تربيته وفي حكمه من إخضاع لإرادة خارجة عن إرادته بسبب دور وسيط التربية ووصي الحكم وتلك ثمرة تحريف التشريع بالفقيه الوسيط والحاكم الوصي في علم الأصول. صار الفرد المسلم والأمة المسلمة \"عالة\" على الغير في كل شيء ففقد شروط بقائه \"رئيسا بطبعه وبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" فرد في أسفل سافلين .وواضح أن ابن خلدون يشير إلى مفهوم قرآني عظيم هو \"ثم رددناه أسفل سافلين\" .وطبعا فهو يدعو للخرود منه بما حددته سورة العصر للاستثناء من الخسر. أصول الفقه اعتبرته غير علمي لأنه أصبح محرفا للقرآن :فهو استعاد ما حررنا منه القرآن أي: • الوسيط في التربية بين الله والمؤمن. • والوصي في الحكم بين المؤمنين وأمرهم. فإذا كان أمرهم شورى بينهم فينبغي أن تكون المشاركة في الشورى فرض عين .واشتراط التمكن من خرافات الفقهاء في هذا الفرض العين اشتراط لما لا يستطاع ومن ثم فهو ينتهي في الغاية إلى جعل الشورى فرض كفاية ما يعني فرض وساطة الفقهاء :وتلك هي الكنسية التي تؤسس للاستحواذ على سلطة الجماعة التشريعية باسم علم مزعوم التشريع من حيث هو تعبير عن الإرادة مستغن عنه. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- بماذا تعلق التحريف في أصول الفقه إذن؟ بإعادة الوساطة في التربية وهي التي مكنت من إعادة الوصاية في الحكم .وهما منافيان لما أمر الله به رسوله إذا تكلمنا في المسألة دينيا ولما يأمر به العقل إذا تكلمنا فيها فلسفيا. فالله نبه الرسول بالقول \"فذكر إنما أنت مذكر (إذن ليست وسيطا) لست عليهم بمسيطر (إذن ليست وصيا) .الفقه عكسهما. والله يعلم أن تحرير البشر من الوساطة (الكنسية) والوصاية (الحكم بالحق الإلهي المزعوم) وأن تنيهه للرسول ليس كافيا لأنه يعلم أن من يدعون وراثته سيعيدون الوساطة والوصاية .لذلك نزل سورة العصر التي تحدد مفهوم الخسـر وشروط الاستثناء منه :الوعي به أصلا وفروعه الأربة هي المطلوب من الفرد والجماعة. وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك عندما اعتبر الـ\"رد أسفل سافلين\" هو هذا الخسر الذي وصفه القرآن أيضا بكونه \"فساد معاني الإنسانية\" إذ إن \"ثم رددناه أسفل سافلين\" تأتي بعد عبارة \"أحسن تقويم\" .فساد معاني الإنسانية الخلدوني هو عين \"الرد أسفل سافلين\" وهو الانتقال من التقويم الحسن إلى الخسر في سورة العصر. والاستثناء من الخسر هو استعادة التقويم الحسن .ونسبة الأمرين لله طبيعية إذ لا شيء يقع من دون مشيئته .لكن الخروج منه أيضا بمشيئته .وهو أصل وأربعة فروع هي عينها جوهر القانون والشرع أي ما يؤسسه وما يسعى إليه في سلوك الفرد وسلوك الجماعة: الوعي بالخسر مع فعلين للفرد وفعلين للجماعة. والأصل مشترك بين الفرد والجماعة .وهو قرار الإرادة بعد تبين الرشد من الغي والخروج من الخسر الذي يهدد الإنسان باعتباره حرا مخيرا يمكن أن يقع فيه .ومن يأتي الفعلان الفرديان والفعلان الجمعيان: أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- والفعل الجمعي الأول هو التواصي بالحق طلبا للحقيقة وإيمانا بالحقوق وهو جوهر الاجتهاد بالإرادة الحرة. والفعل الجمعي الثاني هو التواصي بالصبر سعيا لتحقيق الحقيقة وتحقيق الحقوق وهو جوهر الجهاد .وذانك هما بعدا القانون سواء كان شرعيا نتبناه وضعيا نضعه بالتعبير عن إرادتنا بالشورى .38 فأول مبادئ أي نظام تشريعي هو تحديد مناط المسؤولية القانونية الأصلية وهي فردية بالجوهر ولها صفتان -ونسمي هذا المناط الشخص وهو بالمعنى الحديث المواطن وهو المؤمن في الدولة ذات التشريع السماوي: والجماعة المؤلفة من هؤلاء الأفراد المكلفين أو المسؤولين خلقيا وقانونيا هي جماعة أفراد أحرار يتشاورون في طلب الحقيقة والحق وهو التواصي بالحق ويتشاورون في السعي لتحقيق ما توصلوا إليه في العمل من أجل تحقيق شروط التبادل والتواصل والصبر عليه وعلى بعضهم البعض في تعايش سلمي مشترك. لكن إذا عوض ذلك بوسطاء يقومون بدلا من الجماعة لتحديد ما هو حقيقة وحق في التعبير عن إرادة الجماعة وأوصياء بدلا من الجماعة لتحقيقه صار الشعب عالة وعبدا لنخبة ليس همها معرفة الحقيقة والحق ولا تحقيق الحقيقة والحق بل ما يستمدونه من سلطان من هذه المهمة الزائفة والمنافية للقرآن. وهذا ليس مجرد استنتاج منطقي مني قد يشكك فيه البعض لأنه عين الحقيقة الماثلة أمام الجميع :تلك هي حال الأمة منذ أن أصبحت التربية متجاوزة لـ\"ذكر إنما أنت مذكر\" وأصبح الحكم متجاوزا لـ\"لست عليهم بمسيطر\" عند من يزعمون أنفسهم وارثين لما لم يدعه صاحب التركة الرسول الخاتم. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- وهذه الكذبة -وراثة الرسول في ما لا يملك-هي في الحقيقة استحواذ على منزلته الروحية في قلوب المؤمنين ليجعلوها سلطانا عليهم يعوضهم في فروض العين التي هي من شروط إيمانهم :فالمؤمن كمؤمن مكلف بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بمعنى المشاركة في التعبير عن إرادة الجماعة ولا أحد يعوضه. والمؤمن كمؤمن يشارك في إدارة أمره وأمر الجماعة بالشورى ولا أحد يعوضه في ذلك. ولا يعني ذلك أنه غني عن أهل الخبرة .هو يحتاج إليهم في البعد الفني من صوغ ما عبر عنه من إرادة .وأفضل مثال هو حالة التنازع بين شخصين .فالمحامي لا يعوض طرفي الخصومة بتحديد مطالبهما بدلا منهما بل يصوغها فنيا فحسب. لا وجود لتركة نبوية يرثها من يدعي العلم الديني .فالرسول نفسه لا يعلم ا لغيب. وإذن فعلمه كله هو ما يعلمه أي إنسان تلقى ما بلغه الرسول أعني ما تفرضه الشهادة باعتبارها دالة على معنيين: وذنك هما بعدا الشهادة .فالقسم الأول من الشهادة هو التذكير بالشهادة الأولى (الأعراف .)173-172والقسم الثاني اعتراف بالتبليغ أي إن المسلم يشهد بأن الرسول الخاتم بلغه ما طلب منه الله تبليغه أي مضمون القرآن وما طلب منه تعلميه بقراءته على الناس على مكث (الإسراء .)106-105وهو ارث الجميع. ومن يريد أن يفهم القصد من هذا كله فليقرأ دستور الرسول للمدينة :هو عقد حول مسألتين لا غير :الرعاية والحماية بجملة من القواعد الاجرائية والأحكام المضمونية تمكن من التعايش السلمي في الجماعة بصرف النظر عن اختلافها الديني والعرقي والطبقي والجنسي أي تطبيق الحجرات 13حرفيا (لمن يفهم). وسأكتفي بضرب مثال أخير قبل أن أمر إلى جوهر الإشكال ليس في أصول الفقه وحده بل في كل علوم الملة الغائية الخمسة (الأصل أو التفسير ثم فروعه الاربعة وهي الكلام أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- والفلسفة في النظر والفقه والتصوف في العمل) والآلية الخمسة (الأصل أو الوسميات ثم فروعها الأربعة وهي اللعة والتاريخ والمنطق والرياضيات) :مثال من يبني بيتا. فطبيعي جدا أنه يحتاج إلى مهندس معماري .لكن ليس ليختار بدلا منه البيت الذي يريده بل ليحقق له ما يريده وقد ينصحه ليحول دون وإرادة ما لا يستساغ بمقتضى الفن. لكن إذا أصر علـى خياره فله الحق ولعل ذلك من أهم تغير الهندسة المعمارية وتقدمها حتى لا تنام على ما كانت تصوره علما لدنيا نهائيا. وما يفاخر به الأصوليون هو أدنى مقومات القانون منزلة وأهمية أعني الصوغ الفني بآليات بدائية لتفسير الكلام ومحاولة البحث عن المطابقة بين أحكام ونوازل من خلال الوصف القانوني بتحديد المناط تحديدا غفلا لأنه مبني على علم بدائي بالظاهرات مجال النزاع .وكل ذلك دليل سوء فهم .ذلك أنه مبني على وجوه شبه سطحية ليس فيها علم بمقومات الوصف القانوني. فلوكان الوصف القانوني يكتفى فيه بمجرد وجوه الشبه في دلالة الكلام والمعرفة العامية لكانت دعوى الاختصاص كذبة .ذلك أن كل العلوم الإنسانية تتدخل في الوصف القانوني في ما يخص الفاعل ودوافع الفعل وكل العلوم الطبيعية تتدخل في الو صف القانوني للفعل ويجمع بينهما ظرف الفعل وثقافة الجماعة. وبهذا المعنى فالقانون من حيث هو: أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وإذا كان القرآن قد اعتبر تبين الرشد من الغي شرط التدين الحقيقي فمن الإكراه فيه واعتبر تعدد الأديان شرط التسابق في الخيرات بمعنى اختيار دينه فذلك هو التشريع المعبر عن الإرادة الحرة .وإذن فليس القصد بالتشريع صوغ القوانين الذي هو مهارة فنية والتي يظنها الفقهاء تشريعا .التشريع ليس المهارة الفنية في صوغ القوانين بل هو فعل الإرادة التي تختار نظام ما سواء كان من وضع الإنسان أو مما يعتقد أنه من شرع الله. وفي الحقيقة فالله في القرآن -على الأقل -لم يشرع للنوازل مباشرة بل هو شرع للشروط التي تجعل أي تشريع شرعيا .لكن الفقهاء تصوروا القرآن يشرع للنوازل مباشرة وليس هو تشريعا لها تشريعا غير مباشر بضبط شروط التشريع المشروع بمنظور القرآن. وهذه الشروط حدده الشورى 38وآل عمران 104و 110من حيث كون التعبير الحر عن الإرادة شرط مقوما لفعل التشريع ثم حددت شرطي استعماله الشرعي متمثلين في صفتي الحكم أي يكون أمينا وعادلا (النساء )58ثم حددت شرطه الخلقي في الحجرات 13وأخيرا اعتبرته علامة الحرية أساس التكليف. كل ذلك اعتبر ثانويا ولم يبق لأصول الفقه إلا أدنى مستوى منه أعني مهارة تفسير الكلام وقياس الأحكام ومطاوعة الحكام الظلام بالفتاوى وما بين الفقهاء من الزعام لإرضاء رغبات اللئام .وليس بالصدفة أن اعتبر القضاة ثلثيهم في النار لأن غياب هذه الابعاد تجعلهم عاجزين عن شرطي الأمانة والعدل. سيقال لي وما ذنب القضاة؟ ذنبهم أنهم خلطوا بين الفقه من حيث هو علم والفقه من حيث هو تعبير عن الإرادة فأهملوا من حيث هم فقهاء شروط ضمان الإرادة لتكون الجماعة هي المشرعة وليس الفقهاء .فهم جمعوا بين ثلاث سلط :سلطة العلم وسلطة التشريع وسلطة القضاء فأفسدوا كل شيء. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- وصلنا الى أصل الأصول كلها في المسألة القانونية بعد أن تكلمنا على فروعها أو اصناف لقوانين الأربع التي سبق الكلام عليها أعني القانون الدستوري الذي هو قانون ذو وجهين لتعلقيه في آن بمقومات الدولة من حيث هو مؤسسة ممثلة للإرادة من أجل وظيفتيها حماية ورعاية وبضوابط علمها وعلاقتها المواطن .والوجه الأول موضوعه الدولة كذات معنوية ممثلة للذات الطبيعية الي هي الجماعة .والوجه الثاني موضوعه الدولة كأداة يمكن أن تستعمل بصورة تتعدى على أنظمتها: وقد كنت سعيد الحظ لأني درست الثاني على الاقل عند علم من أساتذته الفرنسيين (الأستاذ جورج فودال) .وسبق أن عرفت الدولة بكونها جهاز آلي له بنية معقدة يمكن تسمية عناصرها المقومة مؤسسات في شكل خانات خالية لا تصبح ذات كيان حي إلا بمن يملأ خاناتها من القيمين علينا والمستخدمين لها بالقوانين التي تضبط عملها. وبذلك فهي تتحول من جهاز آلي إلى ما يشبه الكائن الحي :شبه روبوت حي بمن يحرك وظائفه من قيمين تعينهم السلطة الشرعية المعبرة عن إرادة الجماعة فتكون شرعية أو السلطة غير الشرعية التي لا تعبر عنها فتكون غير شرعية .وكل ما يسمى قوانين يستمد من ذلك شرعيته أو عدم شرعيته. والدستور يحدد كيان الجهاز أو مؤسساته التي هي عناصر نظامها وعلاقاتها .والقوانين الضابطة لعملها ويحدد شروط شرعية القوامة عليها بمستويي القوامة الأمرة والمأمورة أو السياسي والإداري فيها .وطبعا توجد ثنائية الآمر والأمور في الإداري لكنها بمعنى تقني ومهاري وليس بمعنى سياسي الذي يأتي من المستوى الأول لذي يعينه. المفيد في هذا التعريف هو القسمة بحسب المقومين لجوهر الدولة التي هي كيان القانون وتعينه الفعلي في نظامها وفي عملها وهو يشير في آن إلى الشرعية والشوكة أي: أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- فماذا أعني بمنضبط بقوانين إنسانية -سواء منزلة تبناها الإنسان أو من وضعه-وليس بقوانين طبيعية؟ ما يعتبر قوانين طبيعية هو ما يسميه ابن خلدون سلطان العصبيات المفضية للهرج .وما ينضبط بقوانين إنسانية أي معبرة عن إرادة حرة هي عند ابن خلدون خمسة أنواع: والأصل مزيج فيه بذرة الأربعة السابقة وتبقى فيه دائما. والطبيعي هو الذي يكون التداول في ـملء الخانات المؤسسية تداولا بايولوجيا أي أن الجيل اللاحق لا يتلو الجيل السابق إلا بنظام توالي الأجيال البايولوجي أعني بالموت الطبيعي أو بالقتل والاغتيال وليس بالتداول السلمي بحسب قواعد يحددها القانون الذي يتواضع الجميع على نظام التداول في تحديد القيمين دوريا. وهذا المعيار يعتبر أهم دليل على فشل الفقه الإسلامي .فهو لم يستطع أن يطبق ما حدده الإسلام من قانون للتداول لا من حيث قانون التعيين بالبيعة الحرة ولا من حيث العزل عند الاخلال بالواجب واحترام القانون (لا طاعة في معصية) .فلم يبق إلى التداول البايولوجي بين العصبيات وحتى في نفس العصبية الحاكمة. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- ذلك أن الفقهاء اعتمدوا على الضرورة التي تبيح المحظور فأفتوا بشرعية المتغلب تجنبا للفوضى في زعمهم فإذا بهم جعلوا التغلب مبدأ التغيير فيصبح الحاكم الموجود يحكم بإدامة التغلب والمعارض الذي يسعى إلى أخذ مكانه يحاول أن يكون المتغلب على المتغلب وهكذا بلا حد :وهو من جنس الدواء بالداء. ومعنى ذلك أن الدولة لم يبق لها إلا بعد الشوكة في غياب الشرعية :صراع العصبيات من دون شرعية المرجعيات أو بصورة أدق مصحوبة بشرعية مغشوشة هي تحريف المرجعيات .وأصل هذا التحريف هو تولي الفقهاء مهمة التشريع بدلا من الأمة بدعوى فهمهم وحده لشرع الله فصاروا نوابه. القرآن يقول \"أمرهم\" وهم يجعلوه أمر أولي الأمر الذين هم كهنوته .وحتى لو فرضنا أن بعضهم يرفض أن يكون \"جاميا\" فإن رفضه لن يؤثر -خليك من خرافة بيع العز بن عبد السلام لحـكام مصر-لأن قوة الجماعة يمكن أن تؤثر أما قوة أي فقيه فهي لن تصمد أمام الطمع أو الخوف أو الاغتيال في غياب دور الأمة التي استحمرت. وهبني سلمت بأن العز عملها ونجح .لكن ذلك هو الشاذ المؤيد للقاعدة مثلما أن الخليفة الخامس كان الشاذ المؤيد للقاعدة وخاصة لقاعدة الاغتيال في التداول البايولوجي .وليس بالصدفة أن صاحب البحث الذي كان مناسبة لهذه لمحاولة التي تواصل ما تقدم مع الشيخ البوطي وما تلاها في تحريف علوم الملة لمعاني القرآن .ولن أتلكم في مضمون الدساتير ووظائفها فقد سبق أن عالجت الأمر في مناسبات كثيرة كما لن أتكلم في وظائف لدولة العشر: أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- سأمر مباشرة لمعنى التلازم بين بعدي القانون والدولة التي هي تعينه المؤسسي وأداة أدواته في ضبط لوظائف العشر :لم الشرعية والشوكة هما بعدا القانون؟ وقبل المرور لهذه الإشكالية العميقة التي أول من حددها بصورة صريحة في الفكر السياسي الإسلامي هو الغزالي في كتاب فضائح الباطنية وصارت مسألة جوهرية من فكر ابن تيمية وبن خلدون فلأحسم قضية \"أولو الأمر منكم\". ينسى السلفي في الأفعال وحتى في الأقوال أمرين\" :منكم\" و\"تأميرهم\" .فمنكم صارت عليكم .وتأميرهم صار تأمرهم بل وتآمرهم .فلا يسمى الإنسان أميرا بالوراثة بل بالتأمير ممن من واجبه تأميره فرض عين بشروط اختيار من يؤمر .والتأمير هو البيعة الحرة. والبيعة الحرة مصدرها أن المبايع ينطلق من مجموعة قيم ومعايير مصدرها المرجعية التي هي دستور الجماعة (القرآن). ولذلك اشترطت الآية 58من النساء شرطين في الحكم لأن الأمر هو الحكم وهو الذي يستمد القاضي دوره الشرعي من تعيينه: ما هي الأمانة التي يؤتمن عليها؟ أليس أمر الجماعة فيكون نائبا عنها فرض كفاية تعيينه فرض عين على افراد الجماعة بمقتضى البيعة الحرة؟ فإذا لم يبق من الدولة والقانون إلا الشوكة هل يبقى معنى للتشريع وخاصة للتشريع الذي يدعي أصحابه أنه شرع الله؟ فإذا كان صاحب الشوكة لا يدين بوجوده لشرعية يستمدها من البيعة الحرة فإنه بعد قد أعتدى على كل أسس الشرعية ومن ثم فلا تعجب أن يكون فوق القانون ثم يتظاهر بتطبيقه على الضعفاء. أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- فيقضـي قاضيه باسم شرع الله ويقطع يد من جاع فسرق خبرة مثلا ويسكت على من جوعه بسرقة ثورة البلاد كلها ودفعها جزية لمن ينصبه بدلا من شعبه على شعبه ثم يسميه الفقهاء الذين \"لهم إمكانيات معرفية\" ولي الأمر الذي كل من يعارضه يسمه خارجيا. والخارجون فعلا عن شرع الله يعتبرون من يطلبه حقا خارجيا. وسأخصص الفصل الموالي والأخير لمسألة التلازم بين الشرعية والشوكة مقومين للقانون. وحتى أشير هنا مرة أخرى إلى إبداع ابن خلدون أورد حجته ضد نظرية أفلاطون في المدينة الفاضلة :لو كان الناس يستطيعون أن يتعايشوا بمجرد الاخلاق الفاضلة لاستغنينا عن الدولة قاصدا شوكتها أو ما يسميه الوازع الأجنبي. وهذا لا يفهمه من يتكلم على \"ضحالة الامكانات المعرفية\" لأبي يعرب بل هو من فضل \"ضخامة الإمكانات المعرفية\" لفقهاء السلطان الذين حرفوا القرآن وجعلوه مجرد مدونة لتبرير كل الجرائم باسم الاجتهاد الفقهي أو التحيل لمساندة من نكصوا بالمسلمين إلى عصور الجاهلية بالبيزنطيات الكلامية. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- وصلنا إلى غاية المحاولة وأبدؤها بواقعة رمزية قلت فيها ما يبدو كفرا ببطولة رمز دور الفقاء \"العز بن عبد السلام\" .فلست اشك في قيمة الرجل .ما شككت فيه هو دلالته وفي زعم ما لا يمكن أن يقبله عقل بخصوص واقعة بيع مماليك مصر أو حتى تهديدهم ببيعهم. فالأمر هو مثال من علاقة الشوكة (المماليك) بالشرعية (العز بن عبد السلام). -2ما تروى عليه القصة وصفته بكونه كذبا فلماذا؟ لمبدأ بسيط وهو أن الشرعية العزلاء لا يمكن أن تقف أمام الشوكة الحمقاء .ومن ثم فلا يمكن أن يكون العز -إن فعل حقا ما يحكى -ليس وراءه قوة مادية مثل أن يكون بعض قيادات المماليك ساندوه في ذلك لما بينهم من تنافس في مسألة استعمال الحرب لافتكاك القيادة من بعضهم الآخر. ولا يمكن أن تكون الشوكة ليس وراءها قوة رمزية بمعنى هذا الدور الذي أعطي للعز. لو كان اللقاء بين سلاح الفقيه الرمزي وسلاح الحاكم المادي لهزم الفقيه حتما .وللقارئ مثال حي اليوم في السعودية :فأحمق واحد بسند أجنبي استطاع أن يخضع كل علماء السعودية ونبلائها وحتى أدعياء الحداثة والثروة فيها لأنه شوكة حمقاء أمام شرعية عزلاء .وهذه قضية عالجها ابن خلدون لكن قراءه كالعادة أغلبهم من نوع يصح عليهم الوصف \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\". فإذا ما استثنينا الشعب اليمني الذي لم ينزع صلاحه المادي وحتى الرمزي بمعنى اللحمة الأهلية فإن كل الشعوب العربية من الماء إلى الماء منزوعة السلاح أمام حامية استولت على الشأن العام إما بقوتها الذاتية أو بالسند الأجنبي ولا يستطيع أحد مقاومتها إلا إذا اختار المساند الخارجي مساندة حامية أخرى تفيده أكثر في السيطرة على الأمة وذلك منذ قرون: إما عن طريق القبائل أو عن طريق العرقيات أو الطائفيات أو حديثا الأحزاب. ولهذه العلة تكلم ابن خلدون عن حال الشعوب التي تصبح أشبه بـ\"النسوان\" ويسميها \"عيالا\" أمام قوة احتلال يسميها الحامية فيصبح الجميع معتمدا على شبه جيش احتلال أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- لشعوب من العبيد لا حول لهم ولا قوة .ولولا صلاح بعض المخلصين لما وجدت حتى مقاومة للغزاة الأجانب عندما يتدخلون مباشرة بأنفسهم. وإذا اعتبرنا الشرعية ممثلة بالدين والمتكلمين باسمه والشوكة ممثلة بالعصبية والمتكلمين باسمها فإن ابن خلدون قد بين التلازم بين الأمرين أي بين الشرعية والشوكة في هذه الحالة وبين أمرين: والأهم من ذلك أنه بين ما نعيشه الآن .فالثورات التي تقع باسم الشرعية وخاصة إذا كانت دينية لا يمكن أبدا أن توصل إلى نتيجة ما لم تعلم هذا القانون وتعمل به .فالأمر يتعلق بإحدى خليتين: والخليتان كلتاهما لها كاريكاتور يحاكيها محاكاة القردة أي دون فهم فيشوهونها: وقد ذكرت النوعين بالخلاف .ذكرت الموجب في الدعوة الدينية في شكلين موجب يجمع بين الشرعية والشوكة (المحمدية) وسالب يظن الشرعية م مغنية عن الشوكة (الاخوانية). ثم ثنيت بعكس الحالتين السابقتين .فتشويه الأولى من حيث جعل الشوكة رماية في عماية (داعش) وتشويه الشرعية بجعلها عزلاء لأنها خالية من مضمون الآية 60من الأنفال. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- فمن يستطيع أن يقول سلميتنا أقوى من الرصاص ليس الأعزل بل المسلح المهاب وهو الشعب الذي يطبق الأنفال 60يستطيع أن يقول سلميتنا أقوى من السلاح لأن الاعداء يعلمون أن من لا يجنح إلى السلم معه سيخسر لأنه استعد للحرب والدفاع عن حقوقه .من جعل شعوبنا عزلاء هو الوساطة التي جعلت الاجتهاد فرض كفاية والوصاية التي جعلت الجهاد فرض كفاية .وهما فرض علين في الإسلام. وأكبر سخافة في جعل الاجتهاد فرض كفاية هو ظنه مشروطا بما يضعونه من شروط في حق الاجتهاد في الفقه .ذلك أنهم تصوروه اختصاصا علميا فحسب أعني أنهم حصروه في أدنى مقوماته التي هي الخبرة في فهم النصوص وتنزيلها على النوازل .فهذا هو أدنى جزء من الفقه بالمعنى القرآني ومن القانون بالمعنى الوضعي. وحصر الفقه فيه هو الذي جعل الشعوب بسبب التربية بالوساطة والحكم بالوصاية تصبح عامة ينطبق عليها الوصف \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" .ذلك أنه لو كانت فاعلية القرآن محتاجة إلى علم هؤلاء المجتهدين المزعومين بمعنى الاختصاص في الفقه لاستحال على الرسول تحقيق ما حقق بشباب البعثة :فلم يكن عندهم هذه العلوم المزعومة دون أن أقصد أني ضد وجودها بل إنما أنا ضد ظنها مقوما فضلا أن تكون المقوم الأساسي للتشريع من حيث هو عبارة عن إرادة الجماعة. فالشعوب التي تربى بالقرآن وهديه دون وسيط يدعي التخصص في فهمه ودون وصي يدعي الحكم بما ينتج عن علم الأوصياء نكوص بالإسلام إلى ما ثار عليه: فذلك يعني العودة إلى الكنسية والحكم بالحق الإلهي في غياب المؤمنين .فغياب المؤمنين بغياب التعبير الحر عن الإرادة وحصر ذلك في الفقهاء وحتى في من يسمون أهل الحل والعقد جعل الأمة تصبح عامة بل ودهماء مثل المواشي يقودها فقهاء السلطان بمنطق كهنوت جعل الاجتهاد فرض كفاية-وهو معنى لائكي حتى في الكاثوليكية إذ هو يعني العامي أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- الذي ليس له علم رجل الدين لأن العلم كان حكرا عليهم وهم الخاصة-وعبيد بمنطق حامية جعلت الجهاد فرض كفاية-لا يمكن للشرعية أن تصمد أمام الشوكة. وسأضرب مثالا مضادا لمثال العز مع المماليك الذي كذبته ليس لشك في قيمة العز بل لاخضاعه إلى مبدأ العاقة بين الشرعية والشوكة مثالا آخر أصدقه بإطلاق :كيف أمكن للفاروق أن يعزل خالد أو أن يهدد ابن العاص بعزله إن لم يتواضع؟ فهنا أيضا نحن أمام علاقة الشرعية بالشوكة في صدام حقيقي. فلو فرضنا الفاروق شرعية بلا شوكة وخالد شوكة بلا شرعية هل كان خالد يطيع الفاروق فيقبل العزل؟ بل أكثر من ذلك فلنفرض أن ابن العاص شوكة دون شرعية أي لا يؤمن حقا بكونه يستمد شرعيته من الفاروق فاعتمد على قوته كأمير في مكان لا تصل إليه شوكة الخليفة. أما كان ينفصل بولايته عن الخلافة؟ وشوكة الخليفة لم تكن حامية قائمة الذات كجيش محترف بل كانت الأمة كلها حامية لذاتها ولشرعية نظامها وقابلة بالقوة لأن تصبح جيشا جرارا بمجرد أن يدعوها الخليفة للجهاد من أجل حماية البيضة أو الشرعية .والحكمة هي في عدم الاعتماد على جيش محترف قائم الذات يصبح دولة في الدولة. وهذه أهم نصيحة خرج بها ابن خلدون في كلامه على الحامية :لا بد أن يكون الشعب كله هو الحامية لئلا يصبح عالة على حامية تستعبده في الحماية (وكذلك في الرعاية بعد أن أصبحت الدولة الحاضنة تعول الشعوب لأنها استحوذت على الأرزاق) وتتحول الشعوب إلى مواشي تسوقها كلاب هي بلطجية تعتبر نفسها نخبة أو خاصة وهي حريصة على إبقاء الشعوب عامة حتى تبقى هي خاصة. كل الشعوب العربية \"عيال\" بلغة ابن خلدون بسبب العنف في التربية والعنف في الحكم. وقد يتصور القارئ أن ابن خلدون يتكلم على العنف المادي وحده .كلا :هو يتكلم على أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- العنف المعنوي :بدليل استعماله \"كلمة العسف\" واعتباره التعليم والحكم بشكلهما الذي كان موجودا لا يمكن أن ينتجا إلى العبيد. وإليكم النص الحاسم\" :ولا تستنكر ذلك (يقصد تأثير التربية والحكم العنيفين) بما وقع في الصحابة من أخذهم بأحكام الدين والشريعة ولم ينقص ذلك من بأسهم بل كانوا أشد الناس بأسا لأن الشارع صلوات الله عليه لما أخذ المسلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من أنفسهم لما تلا عليهم من الترغيب والترهيب ولم يكن بتعليم صناعي ولا بتأديب تعليمي إنما هي أحكام الدين نقلا يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان والتصديق. فلم تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت ولم تخدشها أضفر التأديب والحكم .قال عمر رضي الله عنه :من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله\" حرصا على أن يكون الوازع من نفسه ويقينا بأن الشرع أعلم بمصالح العباد .ولما تناقص الدين في الناس بالأحكام الوازعة ثم صار الشرع علما وصناعة يؤخذ بالتعليم والتأديب ورجع الناس إلى الحضارة وخلق الانقياد نقصت بذلك سورة البأس فيهم .فقد تبين أن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع أجنبي وأما الشرعية فغير مفسدة لأن الوازع فيها ذاتي .ولهذا كانت الأحكام السلطانية والتعليمية مما تؤثر في أهل الحواضر من ضعف نفوسهم وخضد الشوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم والبدو بمعزل عن هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السلطان والتأديب والتعليم والآداب\"( .المقدمة الباب الثاني الفصل .)6 هل معنى ذلك أني أرفض أن يوجد تكوين في الاجتهاد (التكوين النظري في كل المجالات) وفي الجهاد (التكوين العملي في كل المجالات) فتكون الأمة بدون معلمين في النوعين وخاصة في شروط الرعاية والحماية؟ لو كان هذا القصد لكان معناه البقاء في الأمية والتبعية أبد الدهر للمبدعين فيهما. إنما القصد هو ما قصده ابن خلدون .فقد قارن بين نوعين من التكوين النظري والعقدي والتكوين العملي والشرعي فبين أن الناجح منهما هو الذي يبقي على عزة النفس عند أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- المتعلم ومن ثم النوع الذي يحد من عنف المعلم في التكوين النظري والعقدي وفي التكوين العملي والشرعي لأن الاجتهاد والجهاد فرضا عين لا كفاية. والكفاية فيهما ليس هما بل تعليمهما وهذا هو الاختصاص .فـمعلم النظر والعقد ومعلم العمل والشرع وبصورة أدق معلم الاجتهاد ومعلم الجهاد فرض كفاية .لكن الاجتهاد والجهاد فرض كلاهما فرض عين وهما واجب الجميع .والمعلمون للجميع في ذلك هم من برعوا فيهما ودورهم مقصور على التعليم وليس بديلا من دور كل فرد من أفراد الجماعة. فيكون الاختصاص في الحرب مثلا من جنس الاختصاص في أي مهارة نظرية كانت أو عملية. وذلك ليس شرطا في تكوين البشر فحسب بل هو شرط في تقدم المعرفة النظرية والعملية وشرط في تعمير الارض وتحقيق اهلية الاستخلاف .معلم الجهاد ليس هو المجاهد الوحيد بل هو المجاهد الذي تمكن من قدرة تكون المجاهدين أي كل افراد الشعب .فيكون تعلم الجهاد أو الحرب فرض عين على الجميع .فكون المختص في الحرب أستاذ مثل أي أستاذ وليس هو المجاهد أو الحامي للوطن بديلا من المواطنين كلهم ذكورا وإناثا .وهذان هما التربية والحكم عند الأحرار. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 34
Pages: