أبو يعرب المرزوقيالأسماء والبيان
لن يتهمني أحد بالميل إلى تركيا معللا الميل بالإسقاط ،كما حال جل المثقفين الذينيقيسون غيرهم على ذواتهم .لست محتاجا ماديا ولا منتسبا سياسيا ،لكن ضرورة استعادةاللحمة بين فرعي السنة المستهدفين ،لكونهما بداية دولة الإسلام وغايتها -العرب والأتراك -توجب تصحيح الكثير من الأحكام المسبقة.إنها أحكام جلها أنتجتها جرثومة القومية ،مركوب الطائفيين من بقايا الباطنية والصليبية وسيطرتهم على نخبة الأجيال الأولى من القومية العربيةلن أهتم بالأحكام السياسية ،وهمي أن أدحض أهم كذبة ضد دور الأتراك في الحضارةالإسلامية ،وهي تضاهي بسلبها ،إيجاب كذبة مدح دور الفرس فيها ،والكذبتان إذا اجتمعتا،تجعلان الإسلام وكأن العرب لا دور لهم فيه ،إذ للأتراك القوة العسكرية ،وللفرس القوة العلمية ،والعرب رعاع ومساكين لا دور لهم. وطبعا ليس دافعي قوميا.لا نية لي للدفاع عن العرب ،فدورهم غني عن ذلك ،ولا يمكن للكذبتين أن تلغياه رغم تضاؤل دورهم تدريجيا بعد سقوط سلطانهم. كلمة واحدة حول دور العرب وأمر الثقافي والعسكري.والمعلوم أن التشكيك في الأول ،أكثر من التشكيك في الثاني ،إذ يلجأ الكثير إلى قولةلابن خلدون ،وهي قولة فهمت بسطحية ،رغم أنها تنفي ما فهموا منها ،فهو قال :أكثر علماء الإسلام عجم .إنها مقارنة كمية ،وليست كيفية .وذلك طبيعي ،فالعرب اقلية. لكن المؤسسين في جل العلوم النقلية والعقلية ،عرب أقحاح.وقد يشكك في قولي حول العقلية ،لكن أكبر الرياضيين المؤسسين ،هما ابن قرة الجد والحفيد، 31
وكبار الفلسفة بداية وغاية ،عرب أقحاح :الكندي بداية ،وابن رشد غاية ،ولكن بالمعنى غير التقليدي (دللت عليه) فأكبرهم ابن تيمية وابن خلدون.لست بحاجة للكلام على العلوم النقلية بعد العقلية وما بينهما مثل اللسانيات .فمؤسس أصول الفقه الشافعي ،ومؤسس اللسانيات الفراهيدي ،عرب أقحاح.فلأثبت الآن دور الأتراك في تأسيس المناخ العلمي ،الذي حرر السنة من هيمنة الخرافة الباطنية في تاريخ الحضارة الإسلامية :النظام الجامعي السني.لما سيطرت دولة الباطنية على مصر ،بعد انتقالها من تونس ،كانت الشيعة متقدمة علىالسنة في تنظيم المعرفة الدينية ،حتى وإن كانت مضامينها محرفة .لم يكن للسنة القدرةعلى حماية ذاتها بالمعرفة ذات التنظيم الجامعي والأكاديمي ،القادر على الرد على الدعاةودعاة الدعاة ،فضلا عن المعرفة الخالصة ،فأول تأسيس نسقي لنظام أكاديمي ،يمكن أننقول صادقين يعود إلى نظام الملك :نظام علمي وإيديولوجي في آن ،ككل معرفة دينية. والسنة يغلب عليها الأولوالرمز عندي هو الإمام الغزالي .فهو بحق أول من تمكن ،وإن حصل له بعض النكوص لاحقا ،من حسم الخصومة بين السنة والباطنية بمنظور ابستمولوجي.بالمنظور الابستيمولوجي ،يعد تهافت الفلاسفة وفضائح الباطنية منحى ثوريا في فكر الإنسانية كلها :بداية تجاوز الفلسفة اليونانية في النظر والعمل.فلأول مرة في تاريخ البشرية ،جاء من يسأل عن الشروط العلمية في النظر (تهافت الفلاسفة) ،والشروط العملية في العمل (فضائح الباطنية) ،بمنظور فلسفي خالص.فبيان شروط العملية والعملية ثورة ابستمولوجية ،تحرر النظر والعمل من الخرافة، وتؤسس لتجاوز استعمال الميتافيزيقا والتأويل ،اساسي الفكر الباطني.كان الغزالي واعيا بهذين الوهمين أساس الباطنية :ادعاء علمية الميتافيزيقا ،وصوابية التأويل اللامنضبط في فكرهم ،لتحريف العلم والدين في آن.وقد اعتبرت منظوره فلسفيا خالصا ،لأنه لم يكن فيه متكلما يرد على عقيدة بعقيدة، بل كان فيلسوفا يرد على موقف معرفي دغمائي بموقف معرفي نقدي. 32
وهذا هو ما يغيب على أدعياء العقلانية الذين يزعمون أن المعتزلة وابن رشد يمثلون العقلانية ،غفلة منهم على أن العقل القائل بالمطابقة مجرد وهم.ما فاتهم هو الاتجاه النقدي الذي يسأل عن حدود العقل لديه .وقد وضع المفهوم الحدالذي سماه في المنقذ بـ\"طور ما وراء العقل\" ترجمة لشكه معرفيا ،فطور ما وراء العقلمفهوم حد ،يناظر بوضوح تام مفهوم \"الشيء في ذاته\" ،بل هو أفضل لأنه لا يدعي حصر المعرفة في المظاهر :محدودة لكنها ليست محجوبة.كنط يدعي أن الشيء في ذاته محجوبا .لكن الغزالي لم يدع ذلك ،بل اكتفي بالقول إن العقل يدرك ولو فرضيا ،أن طورا وراءه ممكن ،فلا يدعي المطابقة.وهذا المبدأ صار صريحا بشكلين :فعند ابن تيمية صار يعني أن كل تصور وراءه تصور إلى غير نهاية ،ومن فالمعرفة لا تحيط بالموجود :ليست مطابقة.وكان ابن خلدون أكثر صراحة ووضوحا في صوغ المبدأ :الوجود لا يرد إلى الإدراك. وإذن فنظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ،سقطت نهائيا في فكره.وبذلك يتبين أن الأتراك ،وبداية دورهم الفعلية هي دولة السلاجقة ،حتى وإن لم يكن من بينهم علماء كبار ،فإنهم قد حموا شروط إنتاج الجماعة للعلماء.فإذا جمعنا بين الحمايتين :حماية الإنتاج المادي (السياسة والحكم والقوة العسكرية) وحماية الإنتاج الرمزي (الثقافة والبحث العلمي في النظاميات).وأختم بكلمة واحدة :شعب خدم الإسلام حكما وتربية (دولته) ،لا يمكن نبذه لدواع قومية مصدرها أعداء الإسلام الذين ظلوا طيلة تاريخه يحاولون تهديمه. 33
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: