أبو يعرب المرزوقي علم الكلامتكوينيته بشكليه القديم والجديد الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 11 - -الفصل الرابع 16 - -الفصل الخامس 21 -
--كما أسلفت في المحاولة السابقة أطمأن قلبي لما اهتديت إليه من حل أقنعني شخصيا ولاأدعي السعي لأقناع غيري بما اقتنعت به في مسألة الصورة البشعة التي قدمت عن الله يومالحساب لكأنه كائن سادي يتلذذ بتعذيب مخلوقاته في جهنم حتى باسم العدل جزاء لما فعلوا: والحل قرآني خالص كما سأزيد توضيحه.فالمسألة في الآخرة تتعلق بما يشبه التنزيه الإلهي في مسألة العدل الإلهي في الدنيا .ففيالدنيا الغاية هي تنزيه الله عن الشر الغالب عليها .وفي الاخرة الغاية هي تنزيه الله عنالسادية التي عرضت بها علينا للتخويف بلغ حد نفي الرحمة عن الله حتى بلغ الأمر إلى تبديل جلد لمزيد الحرق.وكانت السبيل إلى الحل هي الوصل بين النوعين من التنزيه :فلا يمكن أن أحمل الإنسانالشر (الظلم والعدوان) في الدنيا وأنزهه منه في الآخرة ولا يمكن أن أحمل الله الشر فيالآخرة (التعذيب) وأنزهه في الدنيا .فكان الحل التلازم بين الأمرين .مسؤولية الإنسان هي اختيار مصيره في الآخرة.فما يحصله من موجب القيم الخمس في الدنيا خلال اختبار أهليته للخلافة بحرية الإرادةوالمعرفة والقدرة والحياة والوجود من موجبات يصبح عين كيانه في الخلود في النعيم(الجنة) وما يحصله من سوالبها خلال نفس الاختبار يصبح عين كيانه في الخلود الجحيم (النار) :والنار هي ما يتلبسه من إبليس.ولست أدعي أن الامر في ذاته هو كذلك فالغيب لا يعلمه إلا الله .وقد أعطانا القدرةعلى الفهم المتناسق المناسب لما يجعلنا نرضى عن الله راجين رضاه عنا .فهو قد أذن بأنندعوه بأي من أسمائه الحسنى التي لا تمثل تعددا في ذاته بل تعدد في تصوراتنا له بالإضافة إلى ما يجعلنا نلجأ إليه بالدعاء.فالقرآن نفسه جعل علامة العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه هي تبادل الرضا (رضيالله عنهم ورضوا عنه) ولا يمكن أن يحصل ذلك إذا بقي في النفس شيء مما يبدو غيرأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--لائق بأن نتصوره في الله من جعله وكأنه حاكم مستبد من حكام الدنيا وهو أرحم الراحمين. ولا أخفي أني عانيت كثيرا من الرؤى السابقة.خاصة وهذا الحل يحقق كل ما يمكن أن يعتبر مفيدا من الصورة القديمة بمعنى الردع لمنلا يخاف الله إذ قد جعله دائما من منطلق تحميل الإنسان مسؤولية المآل الذي يختاره بأعمالهالتي هي عين مآله بعد انتقاله من عالم الفناء إلى عالم البقاء :جهز بحرية الاختيار ومن ثم فليتحمل مسؤوله الاختبار.اخترت هذا المدخل لعلاج مسألة جوهرية في مراحل علم الكلام التي يمكن أن تقبلتحديدا لتصوراتنا عن الله دون الزعم بأنها حقيقة الله في ذاته .فلو كان يعترف بأن مايقوله في الإلهيات كلام على تصورات الإنسان وليس على الله ذاته لكان مقبولا شرطا للاطمئنان لما يدركه الإنسان دون إطلاق.بعبارة أخرى فلو تحرر علم الكلام من نظرية المعرفة المطابقة التي ترد الوجود إلىالإدراك (ابن خلدون) فيتوهم أنه مقياس الوجود حتى الشاهد فضلا عن الغائب لأمكنالكلام على علم الكلام في الإلهيات سواء كان فلسفيا أو دينيا مما ليس منه بد حتى في حديث النفس لأن الإنسان لا تطمئن نفسه من دونه.آفة علم الكلام ليس في كون الإنسان لا يمكن أن يستغني عن شيء منه بل في كون صاحبهبمنطق نظرية المعرفة المطابقة بمجرد أن يرد الوجود إلى الإدراك يصبح عابدا لتصوراتهالتي هي أوثان إذا اعتبرت وخاصة في الإلهيات عين حقيقة موضوعه فيكون الله مثلا عين تصور الإنسان له.لكن إذا تحررنا من نظرية المعرفة المطابقة واعترفنا بأن الإنسان لما يتوجه إلى اللهبالدعاء لا يستطيع ألا يكون له تصور ما هو ما يقصده عندما يختار الاسم الذي يدعوه بهبحسب الدافع إلى الدعاء إما الغفور أو العفو أو الجبار أو أي اسم من الأسماء يطابق حاجة دافعة إلى نوع الدعاء فهذا حتم.أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--لكنه من الوجدانيات ولا يمكن أن يصح مادة لتعليم الغير وكأنه علم بحقيقة الله ناهيكعن جعلها سلطانا يفرض تصورات زيد على تصورات عمرو .وذلك هو معنى الوساطة التيتجعل القرآن مثلا لا يكون خطاب الله الموجه لكل ذات عينها بل يمر بسلطان الوسيط فتصبح تصوراته أوثانا يستعبد بها غيره.وما أريد الكلام فيه هو مراحل هذه التصورات في التاريخ الإنساني من منطلق المعادلةالوجودية التي سبق فبينت دلالتها وعناصرها .وهي بدورها من جنس التصورات التي تتكلمعلى تصورنا لذواتنا ولعلاقتنا المباشر بالله وغير المباشرة به عن طريق الطبيعة والتاريخ وما ورائهما وصلا لهما به وبنا.والغاية هي دحض مسلمة هيجل الأساسية التي تؤول في الغاية إلى أن الله ليس إلا تصورالإنسان له لأن الله نفسه يعرف نفسه في الإنسان الذي هو عين الروح الكلي المتعين فيالإنسان بتوسط المسيح :فمحايثة الله في الإنسان بتوسط المسيح وسيطا ونائبته الكنسية ثيولوجيا مسيحية رد هيجل الفلسفة إليها.وهذا الرد حول الدين والفلسفة إلى إيديولوجيا تكنيس العالم وتحزيبه والأول هو شكلهاالديني (يمينه) والثاني هو عينه ولكن في شكله المعلمن (يساره) :لا فرق بين الحلينالهيجلي والماركسي لان كليهما يصوغ المسيحية الحلولية إما بشكل يحافظ على الكنسية أو بشكل يعوضها بالحزب الشيوعي وسيطا ووصيا.وما من أحد ينظر ببصيرة في سلوك المتحزبين بالمعنى السوفياتي والستاليني والتفتتالفرقي وشبه الطائفي في الاحزاب الشيوعية لا يحد نفس الظاهرات التي تعرفها الكنسيةوالفرق والطوائف الدينية في كل دين انحرف فأعاد الوساطة والوصاية أي ألغى تورتي الإسلام :الحرية الروحية والحرية السياسية.وسأنطلق من قلب المعادلة الوجودية أي علاقة الإنسان بربه المباشرة لأنظر في مرحلتينقبلها ومرحلتين بعدها بمقتضى عناصرها :فقبلها الطبيعة والله وبعدها التاريخ والإنسان.أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--فتكون مراحل التصورات المنطلقة من هذه المعادلة مراحل حتمية يمر بها وجدان الإنسان في فهمها وفهم القلب منها.وسبق أن بينت في كلامي على العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة شرطا في قيامهالعضوي لا تكون مباشرة معها أبدا حتى في نحلة العيش الأكثر بداوة أعني مجرد جني ماتنتجه الطبيعة من سد الحاجة الغذائية بل لا بد فيها من عادات وتقاليد ودور السلف عند كل خلف .ولا نستطيع تصور بداية مطلقة.لذلك فكل التصورات عما وراء الطبيعة ستكون مستمدة من التاريخ بمعنى أن الميثولوجياهي الشكل الارجح كبداية لعلم الكلام المتعلق بالتصورات التي تظن حقيقة الأشياءالمتصورة لأن نظرية المعرفة الاولى كانت قائلة بالمطابقة .علم الكلام الاول هو الميثولوجيا. والقطيعة معه تعكس فتقدم الطبيعة.وحينها ننتقل من الميثولوجيا ذات النموذج التاريخي إلى الميثولوجيا ذات النموذجالطبيعي .وهما المرحلتان الأوليان في صوغ ما يتصوره الإنسان دينا مطابقا للعلاقة المباشرةبالله أو بالآلهة التي تكون إما في شكل تاريخ وكأن الآلهة مثل البشر تتوالد وتتحارب ولها ما للبشر من الهموم.أو لكأنها قوى طبيعية تتصادم وتتفاعل بما تتفاعل به القوى الطبيعة التي تصبح أوثاناتعبد مثل الريح والبرق والرعد ثم يجمع بين الامرين فيكون لكل ظاهرة طبيعية إله يحملاسمها كإله البحر وإله الأنواء إلخ ..وهو المعلوم من الميثولوجيا .وكل ذلك خلط بين التصور الحقيقة برد الوجود إلى الإدراك.وتكون نهاية المرحلتين الاوليين إما إلى الوحدانية المطلقة أو إلى الواحد فوق الكثرة منالأوثان التي هي في آن آلهة حالة في قوى طبيعية ومستعملة لها وهما المرحلتان المتقدمتانعلى قلب المعادلة الوجودية أو العلاقة المباشرة بين الله والإنسان في تصور الإنسان لها وليس في حقيقتها الغيبية.أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--وهذه الحال في الكلام قبل أن تحصل القطيعة في ما صار يسمى فلسفة أو محاولة الخروجمن التعبير الشعري عن هذه التصورات إلى المعالجة العلمية للطبيعة والتاريخ أو بصورةأدق للتمييز بين القوى الطبيعية بوصفها خاضعة للضرورة والقوى الإنسانية بوصفها خاضعة للحرية.ومذئذ بدا الصراع بين الكلام بوصفه يعرف نفسه خطابا لاهوتيا والفلسفة بوصها تعرفنفسها خطابا عقليا ثم صار للفلسفة لاهوت عقلي وللكلام فلسفة لاهوتية وظل الأمر كذلكإلى أن أخرج الرسول الخاتم مفهوم الوحي والعقل من التنافي بين سبيلين إلى تصور الحقيقة مع نفي نظرية المطابقة.أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--لكن تحرير الإنسان من نظرية المعرفة المطابقة بمعتقد الغيب الذي أصبح العلم الإنسانيبمقتضاه غير محيط ما يجعل الإيمان بالمطابقة مستحيلا لم يحل دون هذين النوعين مناللاهوت الكلامي واللاهوت الفلسفي من البقاء والصراع حول ما يزعم من تعارض بين الإيمان والعلم ورد الأول إلى الثاني.وما حصل من ذلك في الحضارة الإسلامية منه ما هو سابق على وجودها ومعاصر لمراحلازدهارها ولكن الأهم منه هو ما كان لاحقا ويفسر النقلة من الكلام القديم إلى الكلامالجديد وما ننوي الكلام فيه حتى نتبين الأبيض من الاسود من مما يدور حوله من لغط أكثره جعجة بلا طحين.قبل مواصلة العلاج لا بد من الإشارة إلى أن الحل الذي رضيت عنه لمسألة ذات الله التيهي من الغيب والتي لا أتكلم فيها ومثلها الكلام في اليوم الآخر في ذاته جزاء وعقابا لاينبغي أن يفهم التمييز فيه بين كونه تصوري الذي يطمئن عقلي ولا يعاكس عقيدتي أنه من جنس قول ما بعد الحداثة.فالقول بأن العلم كله سرديات من جنس الأدب ليس له مرجعية وراءه وإن كان يقبل الفهمعلى أنه لا ينافي الإيمان بالغيب كالقول السوفسطائي الذي يدعي أن الوجود لا يوجد وإذاوجد لا يعلم وإذا علم لا ينقال فلا يتنافى مع الإيمان بوجود ما لا يعلم فإن الغالب عليه النيتشوية ونفي الماوراء.فيرد إلى الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه .وليس ذلك قصدي بل قصدي أنالعلم الإنساني غير محيط وأن الغيب موجود حقا .فالعلم مهما بلغ لا يمكن أن يرد إليهالوجود فيتطابق معه ومن ثم فعلمنا ليس إلا علما بإضافة الموجود إلينا في حدود الممكن. وإذن فما يقال عن الله هو من هذا الجنس.والفرق شاسع بين الرؤيتين :فهذه تؤمن بوجود الحقيقة وتعترف بأن علمنا بها لا يطابقهامطابقة مطلقة لما فيها من الغيب ولمحدودية مداركنا وهو ما يتبين يوما بعد يوم حتى فيأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--علومنا الوضعية ومن باب اولى أن يكون ذلك كذلك بل وأكثر في علومنا الروحية التي هي وجدانية وسر الإيمان الملازم للوعي.فلا يوجد علم وضعيا كان أو وجدانيا لا يؤمن بأن علمه يبقى دائما دون موضوعه مهمااقترب من الاحاطة الإدراكية به حتى إن هوسرل اعتبر ذلك هو معنى التعالي أعني أنالموجود الخارجي يبقى دائما خارجيا وما في الأعيان يبقى دائما غير ما في الأذهان عند أي إنسان في كل الأزمان.وهذا الفرق بين نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ونظرية المعرفة القائلة بعدمها .والقولبأن أنساق المعرفة سرديات قد يعني أنه قائل بالنوع الأول أو بالنوع الثاني والغالب عليهاالقول بالنوع الأول (رورتي) وهو قول نيتشوي لأن السرديات تكون بهذا المعنى مجرد إبداع فني ليس له مرجعية خارجية.الآن وقد وضحت ما أقصده بأن ما يريحني للخروج من مآزق فهم الوصف القرآني للعذاببعد الحساب الأخروي وما استبشعه من تصوير للرحمن وكأنه مثل ملوك الأرض يعذب بلارحمة مع الاحتراز بأن رؤيتي ذاتية بإطلاق ولا يمكن أن تصبح عقيدة لغيري فإني سأمر لعلم الكلام الجديد وكيف حصل.فما يحصل يوم الدين هو ما تجمع في الاختبار الدنيوي فيصبح الحال الدائمة التي يخلدعليها صاحب الحصيلة :فمن نجح في اختبار أهلية الاستخلاف يخلد في الحرية والحقيقةوالخير والجمال والجلال ومن يفشل فيه يخلد في سوالبها أي في عبوديته للشيطان والباطل والشر والقبح والذل .وحاله نار الشيطان.وذلك هو معنى الفرصة الثانية التي كانت رهانا على أبناء آدم وضدهم ينتهي بنتيجةالرهان واختبار الاهلية للخلافة ويكفي تدبر الآيات التالية :آل عمران ( 154الاختبار)والإسراء 65-61والاعراف 18-11للرهان حول نتيجة الفرصة الثانية بعد العفو على آدم وذريته التزاما بالأعراف .173-172أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--كيف نشأ علم الكلام الجديد؟ أو كيف مات علم الكلام القديم لأنه لم يكن تعبيرا عنتصور لا يدعي تجاوز البحث عن حلول ذاتية في تناسق صاحبها الروحي بين علمه بالشاهدوإيمانه بالغيب بل كان يزعم أن ما يحقق التناسق في ذاته حقيقة مطلقة هي العقائد التي ينبغي ان تفرض فهما وحيدا للقرآن والإسلام.فهذا هو ما اعتبرته آل عمران 7دليل مرض القلب وابتغاء الفتنة وهو ما حاول ابنتيمية وابن خلدون تخليص المسلمين منه بلا جدوى ولا زلت تسمع اليوم بعض الادعياءيعودون إلى الكلام فيحيون الفتن والاقتتال بين الفرق بدعوى صوغ العقائد صوغا ينبغي أن يفرض لكأنه أبلغ من القرآن في صوغها.وظل الامر كذلك عند المسيحيين بعد أن انحطت الحضارة الإسلامية وتواصلت الحضارةالغربية في الانتقال المتدرج خلال مرحلتين في العلاقة بين الكلام والفلسفة بمقياس نظرية المعرفة المطابقة ثم غير المطابقة: .1تخلي الفلاسفة عن رد الديني إلى الفلسفي (ديكارت) .2تجاوز نظرية المطابقة (كنط).وكانت حصيلة المرحلة الديكارتية أو تسليم الفلاسفة بأن الدين له ما به يتجاوز العلاجالفلسفي فنتج عن ذلك سقوط كل محاولات التوفيق الجنيسة لما كان عندنا وأصبح ذلكمجرد منظومة عقائد (دوجم) تعليمي بسلطة الكنيسة ولا يمكنه أن يدعي الاستناد إلى الفلسفة :بداية موت اللاهوت العقلي.لكن المرحلة الكنطية هي التي مثلت الضربة القاضية للاهوت العقلي رغم أنه كتب الدينفي حدود العقل بمجرده .ذلك أن هذا المصنف يعني ما يعنيه تأسيس الاخلاق على المسلماتالثلاث لاستعمال العقل النظري عمليا أعني وجود الله والحرية وخلود النفس وعنها يترتب وجود اليوم الآخر.وأساس الموت التام لعلم الكلام القديم هو نظرية المعرفة غير المطابقة بمعنى أن العلمالإنساني العقلي والفلسفة لم يعد لهما مزاعم القول بأن ما نعلمه من الوجود يمكن أن يردأبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--إليه الوجود أو بمصطلح ابن خلدون بأن الوجود يرد إلى الإدراك بل أصبح الإدراك العلمي لا يتجاوز ظاهر الوجود.فحصل امران يبدوان متناقضين لكهما متكاملان-1 :الإيمان أصبح ممكنا لأن شرطه أنهيتعلق بما لا يبقى الاستدلال العقلي عليه غير ضروري بل وضار به لأنه يرده إلى ظاهرالوجود في حين أنه إيمان بما يتعالى على الظاهر وخاصة بالغيب :إذ هو يعني الإيمان بالحقيقة والاعتراف بعجزنا عن علمها.ثم -2والإيمان نوع ثان من المعرفة الوجدانية التي تطابق أعماق كيان الإنسان الذييؤسس لاستعمال العقل النظري استعمالا عمليا يؤسس الأخلاق على تجربة روحية مختلفةتماما عن التجربة الطبيعية التي تتأسس على الضرورة :تتأسس على وجدان الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال وتميزها عن سوالبها.ولذلك ففي النهج الكنطي كان لا بد أن يكون نقد ملكة الحكم بداية ممكنة لعلم كلامجديد من جنس تجربة كيركوجارد لو لم ينهه الحل الهيجلي بصنف آخر من كلام يجمع بينالفلسفي والديني على منوال ما كان عليه في القرون الوسطى باستعادة نظرية المطابقة وبوضع منطق الجدل فجعل الفلسفة والدين كلاما. بعبارة أوضح: .1كنط فتح الباب للوجوديات المؤمنة الفردية التي تنطلق من التجارب الوجدانية وفيها لتجربة الجمال والجلال الأول (من نقد ملكة الحكم) .2وهيجل فتح الباب للدنيويات التي تنطلق من نفس التجارب ولكن بوصفها جمعية متعينة في التاريخ الروحي والسياسي للإنسانية (أرواح الشعوب).وبإيجاز فيه إخلال دون شك :يمكن القول إن علم الكلام الجديد هو بالأساس الوجودياتبنوعيها المؤمنة والملحدة والدينيوات بنوعيها الهيجلي والماركسي .والهيجلي هو الليبراليوالماركسي هو اليساري .والأساليب الاربعة في الكلام لم تعد تميز بين الديني والفلسفي وبين الدنيا وما وراءها :تلك جدتها.أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- والجدة مضاعفة: .1أولا الفرق بين الوجوديات بنوعيها والدنيويات هو كالفرق بين الوجداني الفردي والوجودي الجمعي. .2وثانيا الاشتراك بينهما في عدم المقابلة بين دنيا وآخرة أو لنقل إن الآخرة لم تعد أمرا موجودا أصلا لكأن المقابلة بينهما تحولت إلى مقابلة ظاهر الوجود وباطنه.وقد يكون التعبير الأوضح عن هذه المقابلة تعبير هيدجر رغم إلحاده عن الوجودالحقيقي في أعماق الذات ووجدانها والوجود الخارجي الذي يشيه دلالة الدنيا بالمعنىالقرآني :لهو وظاهر ومن الوجود الذي لا يساوي جناح بعوضة بالقياس إلى حقيقة الوجود الذي هو الحضور الدائم للعلاقة بين المؤمن وربه.أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--وصلنا الآن إلى بيت القصيد :فالكلام القديم نهايته مع كنط يمكن تمييزه يكون مركزهالله .والكلام الجديد من كنط فنازلا مركزه الإنسان .فالأول الكلام اللاهوتي أو ثيولوجياوالثاني الكلام الناسوتي أي انثروبولوجيا الوجوديات مؤمنها وملحدها والدنيويات هيجليها وماركسيها :رؤية الإنسان لذاته.والانتقال من المركز الأول إلى المركز الثاني يجعل من كان في موقع الذات يتحول إلىموقع الموضوع ومن كان في موقع الموضوع يتحول إلى موقع الذات .ففي الكلام القديم كانالله هو الذات والإنسان هو الموضوع وفي الكلام الجديد انعكس الأمر فصار الإنسان هو الذات والله هو الموضوع.ويوجد بين المواقف الاربعة (اثنان وجوديان مؤمن وملحد واثنان دنيويان هيجليوماركسي) وسط متحرر منها جميعا وفيه منها بعض شيء هو الموقف النيتشوي الذي هو فيآن لا واحد منها ويبدو وكأنه مشروط بها لما فيها من سوالبها فلا هو إنسان ولا هو إله ولا هو مؤمن ولا هو ملحد ولا هو ليبرالي ولا هو يساري.لكنه في آن إنسان إله صفته الأساسية الخلق والأبداع لأن الوجود كله إبداع فني وهومن ثم مؤمن وملحد دينيا وليبرالي ويساري دنيويا وفي الجملة هو ثورة على كل القيمالمعتادة التي تقبل الرد إلى المسيحية والافلاطونية كما يعرف نفسه هداما بمطرقته لكل الألهة بشرط ألا يهدم نفسه إنسانا إلها.وهذه المواقف الخمسة هي فروع علم الكلام الجديد .لكن لا بد من العودة إلى ما بدأنابه .فالقديم كما رأينا له مرحلتان قبل قلب المعادلة الوجودية الذي هو العلاقة المباشرةبين الله والإنسان .وسنرى أن علم الكلام الجديد له كذلك مرحلتان بعد هذا القلب نفسه ومدارهما عكس مدار القديم.مدار علم الكلام القديم بمرحلتيه هو العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة والتاريخ:ويمكن القول إن المرحلة الأولى هي الميثولوجيا ذات النموذج التاريخي (الأوائل نموذجاأبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--لعالم الآلهة) والنموذج الطبيعي (نظام العالم هو عينه عالم الألهة) :الكلام مصدره ألغاز العلاقة العمودية وقيام الإنسان.أما علم الكلام الجديد فله مثل القديم مرحلتان ومداره العلاقة الأفقية بين الإنسانوالتاريخ وبينه وبين الطبيعة .والمرحلتان ميثولوجيتان كذلك ولكن بمعنى ثان لأن العلاقةالأفقية تتصل بالتواصل وليس بالتبادل .والقصد أن الأمر يتعلق بالقيام الروحي في مبدعات البشر التي عالجت القيام العضوي.لم يعد الأمر متعلقا بأسرار الوجود في الطبيعة والتاريخ وما بعدهما بل بأسرار ما جهزالإنسان به لعلاجهما أعني النظر والعقد في المعرفة والعمل والشرع في الممارسة .وحتىأيسر فهم الامر فلنقل إن المدار الأول كان علاقة الإنسان المادية بما وراء الطبيعة والتاريخ والثاني صار علاقته الرمزية به.فلكأن كل ما كان ينسب إلى الله من فاعلية وخلق وإبداع بوصفه ما وراء الطبيعةوالتاريخ صار ينسب إلى الإنسان بوصفه ما وراء التاريخ والطبيعة .وما كان يدرس بوصفهألغاز اللاهوت صار يبحث بوصفه ألغاز الناسوت .وما كان يدرس بالانثروبومورفيا صار يدرس بالثيومورفيا .وكلاهما أسقاط.فالانثروبومورفيا هي تصور الله بتشبيهه بالإنسان .والثيومورفيا هي تصور الإنسانبتشبيهه بالله .وفي النهاية العمليتان هما مرحلتان في تصور الله بالإنسان ليصبع تصوراللإنسان به .ومن ثم فنحن لم نخرج من العلاقة المباشرة بين الله والإنسان وكأنهما في وضع التمانع :وضع هذا نفي ذاك.والحل القرآني يحرر الإنسان من هذه العلاقة التمانعية بين الله والإنسان بنظريةالخلافة .فالعلاقة المباشرة بينهما هي علاقة الخليفة بالمستخلف .وهي علاقة بين سطلتينمطلقة ونسبية من حيث الصفات وخاصة في ما يسميه علم الكلام بالصفات الذاتية الخمس: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادةأبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--فهي صفات مطلقة عند الله ونسبية عند الإنسان :فالله مريد بإطلاق والإنسان بنسبيةوالله عالم بإطلاق والإنسان بنسبية والله قادر بإطلاق والإنسان بنسبية والله حي بإطلاقوالإنسان بنسبية والله موجود بإطلاق والإنسان بنسبية .وهما متواصلان بعلاقة الاستخلاف في النظر والعقد وفي العمل والشرع.فيكون قلب المعادلة الوجودية (الله-الطبيعية (الله-الإنسان) (التاريخ-الإنسان) التيسبق فشرحناها في غير موضع أو العلاقة المباشرة بينهما (الله-الإنسان) متعينة كذلك فيالعلاقة غير المباشرة ما تقدم على (الله الإنسان) وما تلاها في المعادلة أو هي الماوراء في الحالتين وبينة الوعي الإنساني.ولذلك فليس بالصدفة أن كانت الميثولوجيات أو محاولات الإنسان فهم الغاز قيامهالعضوي في المثيولوجيتين الأوليين وفهم ألغاز قيامه الروحي في الميثولوجويتين الأخرتينوالجمع بين نوعي الألغاز في الرؤية النيتشوية للإنسان الإله المبدع للأكوان كلها إذ عنده لا وجود لما وراء هذا الإبداع الفني.وهنا يكمن الفرق :فهذا الموقف النيتشوي والذي هو أساس ما يسمى بما بعد الحداثة هوالنوع الثاني من القول بالمطابقة لأن نفي ما وراء المبدعات (الإنسانية :واضعها بين قوسينلأن الإبداع هو في آن مبدع ذاته وليس له ذات وراءه هي الفاعل) قول بمطابقته لذاته ولا يوجد غير هو وراء لمضمون الوعي.فعندما تنفي المطلق وراء النسبي يبقى النسبي وحده فلا يكون نسبيا بل يصبح هوالمطلق .وهذا هو المعنى النيتشوي لنفي الماوراء .وهو في الحقيقة مسبوق .فجوهر فلسفةهيجل تقول بوحدة الوجود ولا تذهب إلى حد الوحدة المطلقة فليس قصده أن الوجود الخارجي من وهم الإنسان بل الروح المطلق متعين فيه.ومعنى ذلك أن هيجل يلغي الثنائية في ما سميناه لب المعادلة (الله-الإنسان) معتبرا اللههو الروح المطلق المتعين في الإنسان الذي هو تجليه بوصفه الكلي المتعين وهو إذن روح العالمأبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--الذي هو تجليه في الطبيعة والتاريخ ولا يوجد شيء وراء الطبيعة و التاريخ كالمقابلة بين الدنيا والآخرة.فلكأن الإنسان شيفرة العالم لأنه الروح الكلي المتعين بشرط أن يكون مسيحيا لأن الروحالكلي تعين في المسيح ومن ثم فالإنسان لا يكون إنسانا ما لم يؤمن بالمسيحية .ولولا إيمانيبأن هذا الفهم للدين هو سر كل ما تعاني منه الإنسانية لما نقلت فلسفته الدينية حتى نفهم الفاشيات الغربية بنوعيها.فهذا التصور للإنسان يعود في النهاية إلى الرؤية السوفسطاية التي تجعل الإنسانمقياس كل شيء موجوده ومعدومه ولا يوجد ما يتعالى على إرادته وعلمه وقدرته وحياتهووجوده وهو بالضبط القصد بالفاشية سواء كانت ليبرالية بالطريقة الامريكية التي بشرى هيجل أو بالطريقة السوفياتية بشرى ماركس.ولذلك فكلاهما كان مدافعا عما يسمى المهمة التحضيرية الاستعمارية وبالعولمة الماديةالتي ليس وراءها من قاض غير التاريخ المحكوم بمنطق القوة أو بمنطق التاريخ الطبيعي.وفي الظاهر يبدو المفكران وكأنهما يسعيان لجعل المثال واقعا لكنهما في الحقية اعتبروا الأمر الواقع مثالا وهو سر الفاشية.وكما هو معلوم وكما أثبته في مقدمات الترجمة فهيجل عاد إلى القول بالمطابقة وعادةالنظر في النقد الكنطي وخاصة في ما يتعلق بأدلة وجود الله التي هي سر تغييره نظريةالقضية الجملية لتغيير مبادئ المنطق التقليدي الثلاثة الهوية والتناقض والثالث المرفوع ليعيد تأسيس اللاهوت العقلي.وبعبارة تقريبية يمكن القول إن وضع منطق الجدل كان السبيل الوحيدة للخروج منمعضلات المواقف الاعتزالية في تقاليدنا الفكرية :فلا يمكن الخروج من مثنوية الكلامالاعتزالي -أو من مجوسيته-من دون التحرر من المنطق الارسطي يوضع مبدا وحدة المتناقضين في ثالث موضوع وليس مرفوعا.أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--فبفضل هذا الحل مثلا يمكن القول إن الإنسان خالق لأفعاله بالمعنى الاعتزالي الذييبدو غير ممكن بالمنطق الأرسطي لأن يؤدي إلى وجود إلهين لكنه يصبح ممكنا بالمنطقالهيجلي لأن وحدة المتناقضين ممكنة فلا نحتاج إلى ذاتين فاعلتين كما يحاول أصحاب الكسب البحث عن مخرج من المثنوية.وأختم هذا الفصل بالاعتذار للقراء عن تعقيد المسألة وعدم الإطناب في شرحها بما قديساعد على تيسيرها لان كل عنصر من عناصرها قد يتطلب المزيد من الجزئيات التي تغرقالباحث فلا يرى الجوهري ويبقى في شكليات اكاديمية ليس هذا محلها وبعضها وارد في مقدمات ترجمة فلسفة الدين لهيجل.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--ولا بد هنا من مقارنة سريعة للعلاقة بين أفلاطون وأرسطو ودورهما بالنسبة إلى الفكرالقديم دينيه وفلسفيه وبين كنط وهيجل ودورهما بالنسبة إلى الفكر الحديث دينيهوفلسفيه لأن ذلك من شروط فهم العلاقة بين اللاهوت العقلي في الفكر الديني واللاهوت العقلي في الفكر الفلسفي بصورة عامة.ومعنى \"بصورة عامة\" تعني في آن ما يندرج فيه الفكران الديني والفلسفي عندنا إيجاباوسلبا .فهو يندرج فيه إيجابا بالانتساب العام إليه لأني لا أسمي فكرا ما كان خصوصيالحضارة دون حضارة وفي ذلك أختلف مع من يعتبر أهمية الفكر في خصوصيته لكأنه لا يميز بين الفكر والفلكلور الشعبي.ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن الكلام في البعد البراجماتي أو التداولي في الفكر لايعني الخصوصية في شيء فالتداولية الفكرية هي تداولية الجماعة العلمية التي هي كونيةبالجوهر .وهي تتجاوز المتعاصرين إلى المتوالين فما من علم أو فلسفة تتقدم إلا بحوار أحياء المبدعين أمواتهم في العلوم والفنون.والوجه السلبي في هذا الاندراج في الفكر الإنساني المتجاوز للخصوصيات هو مساهمته فيتجاوز ما تقدم عليه والأعداد لما تلاه بصورة ذات دلالة أعني بإحداث منعرج أشبه بالذيأحدث بارمينيدس وهو منعرج سعى إليه سقراط واهتم به أفلاطون لكنه لم يوصله إلى ما أوصلته إليه المدرسة النقدية.وتلك هي علة اهتمامي بهذه المدرسة (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون) من دون قصدالرد على ما ادعاه هيجل في تاريخه للفلسفة (لا تمثل دورا كيفيا) وكان فيه معذورا لأناطلاعه على الفكر الإسلامي والعربي كان مقصورا على مراجع قليلة ولم يكن من بين من ورد فيها ابن تيمية ولا ابن خلدون.وقد تكلمت في الامر في غير موضع ويكفي التذكير بالزبدة :فأول من بدأ التمييز بينالوضعي من العلم والكلام في ما وراء الوضعي منه وأول من شكك في إمكانية المطابقة فيأبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--نظرية المعرفة وأول من صاغها بصورة لا مراء فيها هم فلاسفة المدرسة النقدية الثلاثة: الغزالي وابن تيمية وابن خلدون.لكن المنعرج لم يكتمل إلا عند ابن خلدون لما قلب العلاقة بين الطبيعي والإنساني منالعلوم فصار ما بعد التاريخ عنده شاغلا موقع ما بعد الطبيعة في دور العلم الرئيس المؤطرلكل نظر وعقد ولكل عمل وشرع وهو ما كان يأمله سقراط وحاوله أفلاطون وعطله أرسطو الذي فضل ما بعد الطبيعة لهذا الدور.وكان أرسطو في عصره على حق لأن القطيعة مع الميثولوجيا التي أحدثتها الفلسفة فيالظاهر لأن الفلسفة هي بدورها ميثولوجية عند أفلاطون أكثر ولكنها حتى عند أرسطولأن نظام العالم الفلكي فيه شيء من الميثولوجيا التي بلغت الذروة من بعدها عندما أصبح الأفلاك ذات أرواح وعقول محركة بالجاذبية.فإله أرسطو -في الميتافيزيقا -محرك لا يتحرك وهو يحرك بالجاذبية والمتحركات تتحركبالشوق الناقل لما هو موجود بالقوة في موادها انجذابا لإلهه الذي لا ينشغل إلا بنفسه ولايعلم سواها .وما ما قصدته عندما تكلمت على آلهة الميثولوجيا والإله الواحد المقيسة على البشر في الفصول السابقة.لكن قطيعة ابن خلدون كانت حاسمة .فما كان ليثبت نسب التاريخ إلى الحكمة لو لميكن يعد الكليات التي تعلمها الفلسفة كائنات تاريخية وحصيلة التراكم المعرفي سواء كانمن المقدرات الذهنية أو من الخبرات التجريبية (ابن تيمية) وليست كما يظنها الفلاسفة في عصره ثوابت لا تاريخية وصور الموجودات.ولهذه العلة كتبت ذات مرة أن نسبة أرسطو إلى نشأة علوم الطبيعة هي عينها نسبة بنخلدون إلى نشأة علوم الإنسان .فمبدأ علوم الإنسان كانت الفلسفة اليونانية لا تعترف بهبل هي ترد العلوم العملية إلى العلوم الطبيعية :فالتاريخ يتعلق بالعرضيات وليس بالجوهريات ومن ثم فهو ليس علما أصلا.أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--لن تجده في منظومة العلوم الفلسفية لأنه كما قال أرسطو عنه في كتاب الشعر أقل قربامن الكليات من الشعر الذي يتكلم في الكلي الممكن والفلسفية في الكل الفعلي لكن التاريخيتكلم في الجزئي الاتفاقي أو الذي يحدث عرضا وبتلاقي الصدف ككل عرض غير ذاتي (آسف مضطر للاصطلاح الأرسطي).ولهذه العلة فمقدمة ابن خلدون من حيث الدور الأبستمولوجي في تأسيس علوم الإنسانتناظر التحليلات الأواخر في تأسيس علوم الطبيعة .ذلك أن ابن خلدون أثبت فيها أنالتاريخ المديد غير التاريخ الذي كان أرسطو محقا في إخراجه من الفلسفة .والتاريخ المديد هو أساس كل علوم الإنسان.وهو يتعلق بالتحولات الكيفية التي تمثل إطار التأويل لأحداث التاريخ القصير دلالاتومعان .ولا يمكن فهم ذلك من دون أن تصبح الكليات هي بدورها تاريخية لأنها حصيلةتطور المعرفة والخبرة وليست قائمة بذاتها في صور الموجودات .ولا يمكن أن يحصل ذلك لو كان يقول بنظرية المعرفة المطابقة.فمن يدرس التحليلات الأواخر التي وضع فيها أرسطو شروط تطبيق التحليلات الأوائلعلى الوجود الخارجي يدرك نه يبحث في شروط الانتقال من المتغيرات في اشكال القياسلتعويضها بقيم معينة مستمدة من الوجود الخارجي وتبقى العلاقات القياسية صالحة فتستكمل مهمة الميتافيزيقا القائلة بنظرية المطابقة.وقد يعترض علي بان ابن خلدون يستعمل كل مصطلحات أرسطو في تأسيسه علم التاريخالمديد الذي هو العمود الفقري للعلوم الإنسانية .لكني بينت كيف أنها استعارات وليسبدلالتها الأرسطية .فما يسميه ابن خلدون التاريخ المديد لطبائع العمران والاجتماع لا تتكلم على طبائع وضرورة بل على شرائع وحرية.وبعد هذا الاستطراد على منزلة الحقبة العربية الإسلامية في تاريخ الفكر الإنسانيأعود إلى المقارنة بين الزوجين الأولين أفلاطون وأرسطو والزوجين الأخيرين كنط وهيجلأبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--ليس بصورة عامة بل من منظور تكوينية علم الكلام اللاهوتي والناسوتي ومآله إلى ما بعد الحداثة النيتشوية.ولكن لإثبات رأيي في كونية الفكر ورفضي للخصوصية التي هي فلكلورية وليست فكريةأود أن استكمل الاستطراد بالتذكير بعنوان القسم التكميلي من رسالتي في الدكتوراه حولمنزلة الكلي في الفلسفة العربية :فاصلاح العقل عنوانه من أرسطو وأفلاطون إلى ابن تيمية وابن خلدون.ولأضف إلى ابن تيمية وابن خلدون قبلهما ما أضفته المقارنة بين علاقة أفلاطون بأرسطوأي علاقة كنط بهيجل أضيف ابن سينا والغزالي .فالنسبة بين أفلاطون-أرسطو قديماوكنط-هيجل حديثا يمكن أن تفهم بدقة أكبر إذا قورنت بالنسبة بين ابن سينا-الغزالي بداية وابن تيمية-ابن خلدون غاية في فكرنا.وطبعا لست غافلا عن الفروق وخاصة الزمانية .فلا الغزالي عاصر ابن سينا ولا ابنخلدون ابن تيمية بخلاف المثالين القديمين والحديثين في الفكر الغربي .لكن التعاصر الذييعنيني ليس تعاصر الحيوات بل تعاصر الأعمال .فلا يمكن فهم فكر الغزالي دون ابن سينا ولا فكر ابن خلدون دون ابن تيمية.فمن نقل ميتافيزيقا أرسطو إلى النسقية القابلة لنقد الغزالي هو ابن سينا .ومن نقلنظرية المعرفة الارسطية إلى الإحراج الفلسفي العميق القابل لنقد ابن خلدون لإضفاءالتاريخية على الفلسفة هو ابن تيمية .ومقالة الالف لأرسطو هدفها إثبات نهاية تاريخ الكلي بنظريته في العلل الأربع.وحتى التعاصر الزماني لم يكن ما يعارضه بالكبير فبين ميلاد الغزالي ووفاة ابن سيناربع قرن وأقل من ذلك بين ابن تيمية وابن خلدون .والمكان لا يذكر لأن الأرض الإسلاميةكانت واحدة والتبادل المعرفي كان على قدم وساق وخاصة بمناسبة الحج والرحلة العلمية طلبا للعلم من كبار العلماء ومنابعه.أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--وهذا مما لا يحتاج إلى اثبات بالنسبة إلى ابن سينا والغزالي لكن بالنسبة إلى ابن تيميةوابن خلدون فالأمر عسير .فيبدو أن ابن خلدون يجهل ابن تيمية رغم أن ابن تيمية لايجهل ابن رشد مثلا ولا كبار علماء المغرب في جميع الفنون التي يعتد بها .فما مصدر نفي المطابقة وتاريخية موضوع الفلسفة؟لما كانت الفكرتان غير موجودتين عند الفلاسفة التقليديين ولم تكونا بارزتين إلا عندابن تيمية قبله فالحل هو أحد أمرين :إما أنه كان على علم بفكر أبن تيمية أو أنه أبدعهمامثله .وليست مهتما بأعيان المفكرين بل بالمشترك بين افكارهم .وقد يكون ابن خلدون أبدع الامرين معا .وهذا فيه مزيد فضل.انتهى الاستطراد وسأعود في الفصل المقبل إلى المقارنة بين علاقة أرسطو بأفلاطونوعلاقة هيجل بكنط بخصوص تكوينية علم الكلام اللاهوتي (علم الكلام القديم) وعلمالكلام الناسوتي (علم الكلام الجديد) وهو موضوع بحثي والاستطراد لا يهدف لتعطيل العلاج بل لفهم دور فكر في تطور الفكر عامة.أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--سأقتصر في هذا الفصل الاخير من المحاولة على المقارنة بين الزوجين القديمين والزوجينالحديثين ودور كلا الزوجين في نشوئية علم الكلام اللاهوتي القديم وعلم الكلام الناسوتيالجديد وأترك جانبا الزوجين الأولين والأخيرين في فكرنا لدرسي إياهما في ضميمة المثالية الالمانية.وابدأ بالزوجين الأولين :افلاطون وأرسطو .وأول ملاحظة أن الأسلوب الميثولوجيمسيطر على أفلاطون وأقل سيطرة على أرسطو .وأفضل رمز لهذا الاسلوب ليس محاولةالمدينة الفاضلة فهي أقرب مصنفاته إلى الأسلوب العلمي الخالص في نظرية التربية والحكم رغم مثاليته التي هي في الحقيقة أساس كل علم.فالعلم إبداع لنماذج تعبر عما وراء ظاهر \"الواقع\" أو عن حقيقة \"الواقع\" أو عما يعنيالعلم من \"الواقع\" أو بصورة أدق عما يفسر ما يتجلى منه للإدراك الإنساني .ولهذا فقدعرف أفلاطون النظرية بكونها النموذج الرياضي الذي \"يحفظ أو ينجي\" المظاهر بمعنى أن يعلل ظهورها على ما تظهر عليه.لكن أبرز مثال يصل بين الميثولوجي والفلسفي هو دون منازع كتاب الطيماوس .لكنهبخلاف الحل الأرسطي لا يعتبر المثل محايثة للطبيعة فيلغي بقاءها متعالية عليها (باستثناءالله في المقالة 12من الميتافيزيقا) بل هو يبقي على الفصل بين عالمين أعلى وأدنى ويبني الثاني بمبادي رياضية من الأولفيكون الواقع الحقيقي هو العالم الاعلى والواقع النسبي هو ما بنى بمبادئه وليس إلانسخة دنيا منه لما فيه من مقاوم للمثل أو رافض لما فيها من حقيقة ونظام وجمال وجلال.ولهذه العلة فهو يعتبر هذا الرفض من علامات الطبيعة الشريرة للمادة التي تستعصي على التصوير بالمثل الرياضية.وهذه ترجمة فلسفية لرؤية دينية ميثولوجية فيها الكثير من الفيثاغورية مع فرق كبيرأغفله أرسطو في نقد الافلاطونية :فالفيثاغورية تعتبر المبادئ الرياضية كامنة تفسيرأبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--العالم ونظامه من دون تدخل إله صانع هو الذي يبني العالم الطبيعي بالنماذج الرياضية. نظرية أفلاطون أعمق من الفيثاغورية.ويتضح ذلك خاصة في فلسفة أفلاطون العملية :فالفيلسوف في السياسة هو النظري التامللإله الصانع في الطبيعة .فمثلما أن الفيلسوف بعلم الرياضيات المثالية-لا التطبيقية-يبنيالمدينة أي الدولة فكذلك يبني الإله الصانع محاكاة لعالم المثل العالم الطبيعي .وهذا وجه الشبه بينه وبين كنط كما سنرى.كلاهما يعتبر العلم تشريع للطبيعة وليس محاكاة لها .وفي ذلك نوع من التحرر من القولبنظرية المطابقة أو على الأقل عكس لها .الطبيعة تطابق العقل وليس العقل هو الذييطابق الطبيعة لأن للمطابقة مدخلان من العقل المشرع إلى الطبيعة أو من الطبيعة المشرعة إلى العقل .ومن ذلك حداثة أفلاطون.وبلغة قرآنية فإن الدنيا تكون بتعمير الإنسان الخليفة لها في نسبتها إلى الاخرى مناظرةلنسبة الطبيعة التي يبينها الإله الصانع في اليتماوس والمدينية التي يبنيها الفيلسوف فيالمدينة الفاضلة إلى عالم المثل ويكون الله في الآخرى مثل مثال الخير في الأفلاطونية مع الفارق بين المنبعين دون شك.فالإنسان المستخلف في القرآن مكلف بتعمير الارض بقيم الاستخلاف التي هي فطرية فيه-تماما كما يرى أفلاطون بالنسبة إلى العلم-والتي علمها لها تذكر لموجود وليس تحصيلالمعدوم :وتتحقق إنسانيته بالتناسب مع تعمير الارض بقيم الاستخلاف التي تؤدي دور الرياضيات المثالية عند أفلاطون.لكن القرآن لا يعتبر الإنسان إلها صانعا للطبيعة بنماذج رياضية يصور بها المادة العصيةبل بالعكس هو يعتبر الطبيعة نفسها خلقت بقدر ومعنى ذلك أن الإنسان لا يشرع لها بليطلب نظامها القانوني بالبحث فيها جمعا بين النماذج الرياضية التي يبدعها والتجربة العلمية التي يختبرها بها.أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--وهذا هو الفرق الذي يبين الطابع الميثولوجي في نظرية أفلاطون وقصورهاالأبستمولوجي لتوهم صاحبها أن الطبيعة فوضى مادية يأتيها النظام بتدخل وسيط بينمثال الخير والعالم الحسي (الإله الصانع في التيماوس) .فاعلية الإنسان في الطبيعة وفي المدينة هو البحث عن تناغم التشريعين فيه وفيهما :خلافة.وهذا ما جعل المدرسة المشائية العربية تميل إلى الأرسطية في الغالب وهي تغفل أمرينيجعلانه في الفلسفة القديمة في نسبة هيجل إلى الفلسفة الحديثة .لم يبق من الدين إلارسمه .فربه لا علاقة له بالعالم إلا كمحرك خرافي لا يتحرك بمعزل عما يجري آليا أعمى بصدف حركات الافلاك والكون والفساد.التحييث الارسطي للصور-وهي ليست رياضية بل من طبيعة كيفية لا يمكن أن تصبحقوانين تحقق تعمير الارض-أصبح حائلا دون تحقيق مهمة التعمير بقيم الاستخلاف:فالضرورة الطبيعية تلغي دور القيم والكيفية الطبيعية تلغي اكتشاف القوانين .فكان الفلسفة عقيمة لم تبدع معرفة حقيقية تتجاوز الموروث.فالوصف الكيفي للطبيعة بحسب ملاحظات بالصدفة لا يمكن أن تؤسس لعلم طبيعييساعد في اكتشاف قوانينها التي هي شرط تعميرها .وهذا طبعا مناقض لأمرين :فالقرآنيقول الطبيعة خلقت بقدر أي رياضية والتعمير مشروط بعلمها الرياضي المدعوم بالتجريبية القصدية وليس الملاحظات التي تحصل بالصدفة.ولأختم الكلام في الزوجين الاولين وما آل إليه تأثيرهما في اللاهوت خاصة .فهيمحاولات لم تتحرر من الميثولوجيا حتى عند الفلاسفة وأكثر منهم كان المتكلمون عندنا وفيأوروبا القرون الوسطى .لكن ما عجزت المدرسة النقدية عندنا في جعله توجها عاما نجحت فيه أوروبا في بداية حداثتها.ما فعله أرسطو بأفلاطون فعله هيجل بكنط .لكن المجال مختلف .فالنقلة الارسطية كنتفي فلسفة الطبيعة والدين والقيم المتعالية والنقلة الارسطية في فلسفة التاريخ والدينأبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--والقيم المتعالية .وما فعلته الأرسطية وتلامذته بفكر فلاسفتنا القدامى فعله هيجل وتلامذته في فكر \"حداثيينا\" فكان العقم ثانية.وكما كان فلاسفتنا القدامى شراح نصوص ودعاة دغمائية وإيديولوجيون أصبح\"حداثيونا\" شراح نصوص ودعاة دغمائية وإيديولوجيون .والنتيجة في الحالتين قولبالمطابقة والتقية الباطنية لعلم كلام ينكر الغيب ويدعي ملك حقيقة أسمى من الدين التي يعتبرونه موجه للعامة أو إيديولوجيا بالمعنى الماركسي.وقد يبدو ابن رشد مستثنى من هذا الموقف ربما بسبب تربيته وانتسابه إلى أسرة علمديني لكن تأويله لآل عمران 7ودعواه رفض علم الكلام بعلم كلام لا يقل عنه دغمائيةتظن علم أرسطو حقيقة نهائية يلغي الاستثناء لأن ما يقبل الرد بالتأويل العقلي إليها نفي محظ للغيب دون شك.ولا يميز الدين الحق عن الميثولوجيا سواء كانت صريحة أو متدثرة بالفلسفة هو الإيمانبالغيب الذي ينتج عنه حتما رفض القول بنظرية المعرفة المطابقة ومن ثم بالتمييز بينالإلهي والإنساني تمييزا جوهريا لا يمكن رد أحدهما إلى الثاني ولا إلى تصوره وحتى تصور الإنسان لذاته فهو غير مطابق لها.واصدق قولة أرى فيها فضل ديكارت كله هي قوله إنه من أيسر الامور على العقل أنيثبت وجود الله ومن أعسرها أن يثبت وجود العالم المادي .وأيسر الأمور أن نعلم صفاتالعالم الطبيعي إذا آمنا بوجوده وأعسرها أن نعلم شيئا من صفات الله عدا كونها بالقياس إلى صفاتنا هي اللامتناهي والتام والمطلقوأختم بتلخيص المقصود بعلم الكلام الجديد الذي أرى أن أكثر المتكلمين فيه لا يعلمونحقيقته ما هي لعدم وصلهم إياه بهذه التكوينية التي حاولت إجمالها في المحاولة :فهو بقاياالميثولوجيا حول علاقة الله بالإنسان إما مباشرة أو بتوسط ما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ .وهما شكلا الكلام.أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--فأما الشكل القديم فكان محوره الله ورؤية تقيسه على الإنسان وأما الشكل الحديثفمحوره الإنسان ورؤية تقيسه على الله .ولعل أصدق كلمة قالها فيورباخ ليس في وصفحقيقة الله بل في وصف رؤية الكلام الحديد هي تصور الله صورة الإنسان المثلى تعويضا عن نقائصه :وذلك سر تهديمه ذاته والعالم.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 30
Pages: