أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 7131925
هذه محاولة أخصصها لفهم الآليات التي صار أصحاب \"دين العجل الذهبي\" يحكمون العالم لنفهم علة استهداف الإسلام داخليا وخارجيا وقصة موسى في القرآن.وسيكون الكلام في هذه الظاهرة السياسية العالمية وصلتها بالحرب على الإسلام الذي يعاني من تزييف منهج فهمه بقلب فصلت 53والجرأة على آل عمران .7وقد صار بوسعي أن أوجز ما يمكن من فهم الظاهرة والعلاقة بالإسلام وكونيته واستراتيجيته الساعية لتوحيد الإنسانية بقيم الاستخلاف جوهر الديني.فالرسالة خاتمة لكونها تمثل الديني الواحد في كل الأديان غاية يسعى إليها كل التاريخ الإنساني .والقرآن تذكير بها وتحريفاتها واستراتيجية الإصلاح.ومثلما أن الإسلام هو الديني في كل الأديان وأصله فإن دين العجل الذهبي هو التحريفي في كل تحريف وأصله :لذلك فحكم العجل حرب دائمة على الإسلام.لذلك كان القرآن من ألفه إلى يائه عرضا نقديا وتفكيكيا للتحريفات التي مر بها الديني الواحد في كل الاديان وعرضا إيجابيا لاستراتيجية الإصلاح.وهي استراتيجية سياسية بالجوهر :لها بعد تربوي ولها بعد حكمي .والتربية تكون الإنسان ذوقيا وعلميا لتحقيق شروط العلاقتين الأفقية والعمودية.فالتربية الذوقية تحقق شروط العلاقة السلمية بين البشر شرط الاجتماع والتربية العلمية تحقق شروط العلاقة التسخيرية بين البشر والطبيعة شرط العمران.ولهذا سمى ابن خلدون ثورته بـ\"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" .فالأول علاقة بالطبيعة شرطا في قيام الإنسان ككائن حي يسخر الطبيعة بالعلم.والثاني علاقة الإنسان بالإنسان شرطا لقيامه ككائن روحي (خلقي) .وقد وصف ابن خلدون الاول بالتنازل لسد الحاجات والثاني بالتنازل للأنس بالعشير.قراءة القرآن االفلسفية أساسها اعتباره استراتيجية دور المسلمين في العالم لتحول الرسالة الخاتمة دون سلطان التحريف وأصله :دين العجل الذهبي. 31 1
سيعترض علي ممثلو العلوم والأعمال المزيفة الناتجة عن قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7وأين الدين إذن؟ فهذا عمل سياسي دنيوي لا روحي فيه.وهو ما يعني أن اصحاب العلوم والأعمال المزيفة يقولون مثل العلمانيين بأن القسمة دينا قسمة بين وجودين منفصلين لا بين وجهين لنفس الوجود.لكأنهم لم يقرأوا مشهد الاستخلاف :قرار الاستخلاف هو أصل الوحدة بينهما في فعل الخليفة :يستعمر في الأرض (ليعمرها)والاختبار اثبات أهلية الخلافة.فالديني الذي يحاسب عليه الإنسان هو التعمير بقيم الدين .فما يسمونه دنيويا هو عين الديني الذي يمتحن فيه الإنسان مستعمرا في الأرض بقيم الدين.لكن تحريفهم أخرج ذلك كله من الديني وحصر الديني في تضخيم للنوافل معتبرين ذلك هو الديني وما عداه دنيوي يمكن غسل الذنوب فيه بحجة في آخر العمر.وبذلك تخلت الأمة بعمى بصيرة \"علمائها\" وباستبداد \"امرائها\" وفسادهم عن جوهر الرسالة وتكاليفها وصاروا عبيد العجل الذهبي ومن ثم عبيدا لأصحابه.وما كان ضمنيا خلال العصور الماضية أصبح الآن علنيا وهو السر الذي افتضح نهائيا منذ ثورة الشباب وخاصة منذ ما حصل أخيرا بين أنظمة العرب بصنفيها.فالأنظمة القبلية هي التي بيدها \"العجل الذهبي\" والتبعية المطلقة لأصحابه وهي التي تمول الأنظمة العسكرية التي جاهرت بحربها الدائمة على الإسلام.صحيح أني بدأت القراءة الفلسفية للقرآن -الجلي في التفسير -منذ 2004في ماليزيا ولم يكن الربيع قد بدأ بعد .لكن ما أصفه فضحه الربيع ولم يوجده.وإذا كنت أقر للإخوان بفضل على غيرهم من الإسلاميين فلأنهم -رغم الكثير من الأخطاء-مدركون بضرورة استعادة الإسلام استراتيجيته في سياسة العالم.والامر الوحيد الذي أسمح لنفسي بلومهم عليه هو أنهم يريدون ذلك بمنطق تصور متخلف للسياسي تربية وحكما ورثناه عما وصفت من علوم وأعمال زائفة.وفي ذلك بينهم وبين التشيع شبه كريه لا يليق بمن يفهم الفرق بين الرؤيتين للسياسي. لذلك خصصت عدة فصول لنظرية الدولة في مدرسة فلسفتنا النقدية. 31 2
ورغم ما أعيبه على الاخوان فإن قربهم من حقيقة الرسالة الخاتمة تجعلني افهم حرب جميع الإسلاميين وخاصة الانظمة التي تدعي الحكم بالإسلام عليهم.ما يجري اليوم وما كان قادحه ثورة الشباب التي تبدو بدوافع حداثية (الحريات والحقوق) هو سعي أعداء الإسلام منعه من العودة للفعل التاريخي بقيمه.فقيمه ليست ما حددته العلوم والأعمال الزائفة كما بينت بل هي القيم الكونية التي تحقق شروط التعمير بقيم الاستخلاف الكونية وقيم وجود الإنسان.فالقرآن كما بينا لم يفصل بين الدين (عبادات) والدنيا(معاملات) بل جعل آدم وأبناءه خلفاء بمعنى تكليفهم بتعمير الارض امتحانا لأهلية الاستخلاف.ما يحاسبهم ربهم عليه هو أهلية الاستخلاف :والإنسان استخلف وكلف بتعمير الأرض (استعمركم في الأرض) عملا في امتحان لأهليته في الخلافة لا غير.والقصة الرمزية في مشهد الاستخلاف وفي مشهد عصيان ابليس للأمر بالسجود مداره واحد :هل الإنسان الذي استخلفه الله جدير بذلك أم لا؟ فكان الاختبار.لكن أصحاب العلوم والاعمال الزائفة غفلوا عن ذلك فصار الدين بورصة نوافل وربا موجبا للحسنات وسالبا للسيئات وأبقوا العالم لسلطان العجل الذهبي.لم تقلب فصلت 53وآل عمران 7وحدهما بل قلب الإسلام كله راسا على عقب فآل الأمر إلى ذل وانحطاط لا يجدر بأي إنسان فضلا عن الشاهدين عن العالمين.وحان الوقت لأشرح النظريات التي وضعتها لبيان دلالة السلطان المطلق الذي أصبح بيد اصحاب دين العجل الذهبي في العالم بما في ذلك بين المسلمين.والنظريات لا تتعلق بـمضمون \"دين العجل الذهبي\" .فهذا المضمون حدده القرآن بكل وضوح .موضوعها :هو الادوات التي تمكن هذا الدين من حكم العالم.ذلك أنه لا يمكن لدين أقلي في العالم إن أخذناه بصورته الدينية العلنية أن يصبح مسيطرا على العالم بكامله لو لم يكن أصحابه قد اكتشفوا السر.ما وضعته من محاولات نظرية هدفها بيان هذا السر وآلياته وطبعا فهي آليات تتعلق بالذوق والعلم آليتي التأثير في بعدي الإنسان البدني والروحي. 31 3
وهي متعدية فتسيطر على الطبيعة والتاريخ لأن آليات سيطرة أصحاب العجل الذهبي تكون بالسيطرة على فاعلية الابداعين الذوقي والعلمي المؤثرين فيهما.فإذا اكتشفنا آليات السيطرة على الطبيعة والتاريخ أي الذوق والعلم وآليات السيطرة على أصحابها أي المبدعين فيهما وترجمتها السياسية ،بان السر.تلك هي سلسلة الاكتشافات التي مكن الله من بيان تشاجنها وتشابكها في حكم اصحاب العجل الذهبي للعالم ومنه المسلمون منذ بداية حالة الطوارئ.وحالة الطوارئ كما هو معلوم مما سبق من المحاولات هي الحالة القانونية والخلقية للأمة منذ الفتنة الكبرى والحروب الأهلية التي تلتها إلى اليوم.وضعت أولا نظرية \"المعادلة الوجودية\" :الله والطبيعة والتاريخ والإنسان\" والتواصل المباشر بين الأول والاخير ثم غير المباشر بتوسط الثاني والثالث.ثم نظرية مقومات الإنسان :الإرادة والعلم والقدرة والحياة الوجود وبينت العلاقة بين الأول والاخير وبين الثاني والرابع والقلب هو الأصل والغاية.ويناظر هذه الصفات نخب الممثلة لها في الجماعة :الساسة والعلماء والاقتصاديون والفنانون واصحاب الرؤى الدينية والفلسفية .ومناظرة القلبين مهمة.أصحاب القدرة هم أصحاب الاقتصاد .ورأينا أن الاقتصاد الذي يمثل القدرة عند الفرد والجماعة هو المحور الاساسي فيهما اصلا وحيدا إما للخير أو للشر.وحينئذ بينا أن أصحاب القدرة يستبعون الأول والأخير الذين يستتبعون الثاني والرابع فيصبح السلطان ظاهره سياسي رؤيوي وأداته العلم والذوق.صاحب السلطان الفعلي خفي لأنه الباطن هو صاحب القدرة أي الاقتصاد .وإذن فطبيعيا الاقتصاد كأداة شر في العجل الذهبي وكأداة خير في الإسلام.الحرب ليست بين حقيقتين للاقتصاد بل بين توظيفين سياسيين وخلقيين للاقتصاد. فالإسلام يحمي الثروة وانتاجها لكنه يرفض تحويله إلى أداة استعباد.والاقتصاد لا يتحول إلى أداة استعباد مباشرة بل باستعماله للسيطرة على أصحاب السياسة والرؤى بتوسط سيطرتهم على أصحاب العلم والذوق .فما أصلهما؟ 31 4
ولكن قبل الجواب ينبغي أن نسأل :لماذا كان الاقتصاد ممثلا للقدرة ولماذا هو الأصل في الخير أو في الشر؟ لماذا يستطيع السيطرة على السياسة والرؤى.ولماذا هؤلاء يستطيعون السيطرة على العلم والذوق أو العلماء والفنانين في كل الجماعات وبهؤلاء الاربعة يسيطر المال على البشر :العجل الذهبي؟ما يحول دون تتبع هذه العلاقات المتراكبة والتي بينا تواليها في الفاعلية التي تؤدي إلى سلطان العجل الذهبي بصورة طبيعية هو طبيعة أدوات فعلها.لذلك فالوصول إلى هذه الادوات هو المرحلة الأعسر التي كان علينا اكتشاف مقوماتها في شروط التواصل في كيان الإنسان وفي كيان الجماعات البشرية.ففي كيان الإنسان نجد حاجة طبيعية لتموينين أحدهما طبيعي (غذاء البدن) والثاني ثقافي (غذاء الروح) وتبعية الأول للثاني قدرة والثاني للأول ثمرة.فلا قيام لبدن الفرد من دون غذاء مادي يدين به لعلاقة عمودية (جماعة طبيعة) ولا قيام لروحه من دون غذاء روحي يدين به لعلاقة أفقية (إنسان انسان).فإذا اكتشفنا شرط إمكان العلاقة الأولى والعلاقة الثانية أمكن أن نكتشف الأداتين المطلقتين في العلاقتين وشرط سلطان الإنسان على الإنسان.واكتشاف السر أفهمني علة تقدم الغذاء الروحي (الذوق والعلم) على الغذاء المادي (الغذاء والصحة) بالفاعلية التاريخية رغم العكس بالفاعلية العضوية. ما هي الاداة المطلقة التي تمثل شرط الانتاج المادي؟ التبادل. وماهي الأداة المطلقة التي تمثل شرط الانتاج الرمزي؟ التواصل. والثاني شرط الأول.لكن تقدم التواصل على التبادل تقدم الشرط على المشروط لا يتعلق بالفاعلية التاريخية إلى إذا تحققت الفاعلية الطبيعية :التبادل شرط حياة وبقاء.ولذلك فهو الذي يوظف التواصل الشارط لحياته وبقائه وليس العكس .فيكون كل المشكل هو توظيف شرط الحياة أي التبادل لشروط التواصل في الخير أو في الشر. 31 5
فيكون الإنتاج المادي للثروة موظفا للإنتاج الرمزي للتراث في الخير او الشر وهما الغذاءان في كل ثقافة أولهما للبدن خاصة والثاني للروحي خاصة.لكن هذا التوظيف ينبغي أن يصبح أداة يسيرة الاستعمال لأن الثروة والتراث جهازان ثقيلان لا يمكنان من توظيف الإنتاجين في الخير والشر بما نراه.وهنا كان الاكتشاف النهائي :نظرة الفاعلية الرمزية هي الأصل في الحالتين .ففاعلية التبادل الرمزية هي فاعلية الثروة برمزها :إنها فاعلية العملة.وفاعلية التراث الرمزية هي فاعلية التراث برمزه :إنها فاعلية الكلمة :أداتان للفاعلية برمز يمثل الثروة وبرمز يمثل التراث في الجماعات وبينها.وقد سميت رمز الثروة برمز الفاعلية :العملة .وسميت رمز التراث بفاعلية الرمز: الكلمة .وبهما يسيطر دين العجل على العالم بجهاز البنك والاعلام. 31 6
وصلنا في الفصل الأول إلى الرمزين المطلقين لأنهما شرطا تبادل وتواصل قادرين على تحقيق مقومي الانسان بأفضل صورة :العملة للتبادل والكلمة للتواصل.نعم يمكن للإنسان أن يتواصل بالإشارة وأن يتبادل بالمقايضة .لكن ذلك لن يحقق له أفضل الطرق لتكوين الثروة والتراث شرطي الحرية السياسية والروحية.المشكل أن الأداتين المطلقتين يمكن أن تصبحا أداتين للعبودية .فبهما يتحرر الإنسان وبهما يستعبد: .1مطلوب الدين القويم. .2مطلوب الدين المحرف.وكل التاريخ الإنساني سواء قرئ قراءة دينية أو فلسفية يظل معركة مادية ورمزية حول الوظيفة التي تليق بالإنسان وعليه تحقيقها بهذين الأداتين.والاسم الشعبي لهذه المعركة (نسيج التاريخ الإنساني الروحي والمادي) هي معركة الخير والشر .وهي تسمية عامية لعدم خلو الصفين منهما وجودا وتوظيفا.فإذا كان الله لم يلغ الشر بل أبقى عليه في المخلوقات ولم يكن عاجزا عن إلغائه لا بدأن فيه حكمة لعل أفضل تبرير إلهي لها في المائدة .48فالآية تبرر تعدد الشرعاتوالأديان بكونهما شرط التسابق في الخيرات .ومعنى ذلك أن الشر ليس عدما بل هو تحريف السعي للخير :عبادة العجل دين محرف.وإذن ففيه شيء مما يطلبه الدين :الذهب هو رمز العملة إلى الآن رغم سيطرة الدولار. عبادة الذهب فيها تحريف لتعمير الدنيا التي بإلغاء قيم الاستخلاف.فعبادة العجل تحريف بنفي ما يتعالى فوق الدنيا وعبادة العدم الصوفي تحريف ينفي ما يتدانى دون الآخرة :أداة الأول بلا غاية .وغاية الثاني بلا أداة.والإنسان في الانثروبولوجيا القرآنية تحدد منزلته في المعادلة الوجودية بكونه قطبا ثانيا يتواصل مع الله قطبا أولا بالتعمير بقيم الاستخلاف. 31 7
وإذن فعابد العجل الذهبي اكتفى بوهم التعمير من دون قيم الاستخلاف وعابد العدم اكتفى بوهم قيم الاستخلاف من دون التعمير :كلاهما تحريف للإسلام.ولهذه العلة فلا يعجبن أحد من الحلف الدائم بين الباطنية المتنكرة في كذبة الإخلاد إلى السماء والصهيونية المتنكرة في تفوق الإخلاد إلى الأرض.حقيقتهما هي عبادة العجل الذهبي المحارب دائما للديني في كل دين أي للإسلام لأنه هو الديني في كل دين منذ بدء الخليقة عند كل من يؤمن بالقرآن.لن أطيل الكلام في هذا الحلف سواء تمثل في باطنية بشكل دولة تدعي حب آل البيت أو بشكل جماعة تدعي التمحض للعبادة :كلاهما يحالف دين العجل ويخدمه.يكفي أن أضيف أن جل حكام العرب ونخبهم من النوعين الذي يدعي التأصيل والذي يدعي التحديث هم أيضا حلفاء لأصحاب دين العجل وهم في خدمتهم دائما.ولأمر إلى الأهم :هل ما أقدمه شبيه بالقول بالإعجاز العلمي؟ أم هو نقيضه التام؟ القائلون بالإعجاز العلمي يغصبون دلالات القرآن بتأويل ألفاظه.فيأخذون مكتشفات العلماء الذي جاهدوا كل حياتهم واجتهدوا ليتوصلوا إليها بالبحث العلمي أي بجهد الإنسانية كلها فيزعمون اكتشافها في كلمات القرآن.وهي تكملة لقلب فصلت 53وللجرأة على آل عمران 7زاعمين أن القرآن يكشف الغيب فيجعلون التفسير البعدي مغنيا عن البحث القبلي :استخلاف دون تعمير.وإذن فالقائلون بالإعجاز العلمي محرفون لما طلبه القرآن لمعرفة حقيقته ولما حرمه من توهم الرسوخ في العلم قادرا على تأويل المتشابه مثل الله.والغيب ليس الغائب .فالغائب الآن يمكن أن يحضر غدا .والغيب محجوب بإطلاق وهو موجود في عالم الشهادة والدنيا ولا يعمل إلا في الأخرى بالبصر الحديد.والغائب كذلك لا يمكن أن يعلم بقيسه على الشاهد .نعم مفهوم القانون العلمي يقتضي الاطراد .لكن القبلي منه فرضي والبعدي منه تجريبي .الاطراد نسبي.إذا أطلقناه وجعلناه مبدأ منهجيا لم يبق فرضيا في القبلي وتجريبيا في البعد بل يصبح علة كل أخطاء العلوم الزائفة :تعميم غير مؤسس لا قبل ولا بعد. 31 8
طرد العالم القبلي مشروط بكونه فرضيا وطرده البعدي مشروط بكونه تجريبيا .كلاهما قبل التجريب أو بعد التجريب علم نسبي لا يليق بالقرآن.فما طبيعة ما نستمده من القرآن إذن ليس علما بمعنى العلم الإنساني الذي يتحقق بالبحث العلمي العيني بل هو تحديد غايات وجود الإنسان وأداته.وغايات الوجود الإنساني تحقيق كيانه بالاستعمار في الارض والاستخلاف فيها بالتعالم مع أحياز وجوده :المكان والزمان وثمرة تفاعليهما وأصلها جميعا.وهذه كلها تمثل شروط الانطلاق في البحث العلمي والذوقي اللذين هما أداتا تحقيق كيان الإنسان في العلاقة المضاعفة بين البشر ثم بينهم والاحياز.ومع العلم نظرية المعرفة العلمية ومع الذوق نظرية المعرفة الذوقية وبهما يعمل لعلاج العلاقتين بالطبيعة والتاريخ(الاحياز)في الداخل والخارج.البحث عن اعجاز علمي في القرآن مفاده هو دعوى عدم الحاجة للبحث العلمي إذ يكفي شرح الالفاظ لمعرفة الحقيقة العلمية حول الطبائع والشرائع.هل يكفي تعلم العربية وانتظار الحضارات الأخرى التي تبحث لتعطينا القوانين ثم نذهب إلى القرآن ونغصب لغته حتى نجد فيها ما جاهد غيرنا لاكتشافه.تلك ثمرات العلم الزائف ودعوى وراثة الأنبياء رغم أن الرسول الخاتم نفي كل إمكانية لعمل الغيب :لو كان في القرآن علما بالغيب لعلمه الرسول.الخلط بين الغيب والغائب من سخافات من حرف فصلت 53وتجرأ على آل عمران 7 ليدعي الرسوخ في العلم ويزعم أن الرسوخ إحاطة بالغيب في المتشابه.والغريب أن هذا الخطأ لم يقتصر على المتكلمين والفقهاء فحتى الفلاسفة القائلون بنظرية المعرفة المطابقة (علم الشيء على ما هو عليه) وقعوا فيه.ولا وجود لعلم محيط بالموضوع بعد علم الله .علم الإنساني نسبي دائما ولاوجود للعلم إنساني نهائي .قد تصبح كل علومنا الحالية حالات خاصة نتجاوزها.والاستثناء الوحيد لا يتعلق بعلم الموجودات بل بالمقدرات الذهنية .فهي ليست علوما بموضوع بل إبداع لموضوع ولعمله من جنس الإبداع الأدبي. 31 9
ولهذه العلة فما يسمى بالأدب الواقعي أو أدب الترجمات الذاتية ليس أدبا اصلا بل هو شبه تاريخ خال من المنهجية التاريخية :ليس علما وليس أدبا.ليس علما لأنه تاريخ مزيف لفقدانه شروط الكتابة التاريخية وليس أدبا لأن له مرجعيات عينية ذات وجود خارجي ولم يبدع موضوعاته كالتقدير الذهني.وقد سبقني إلى هذا الحكم أكبر شعراء اليونان عندما قال-كما روى ذلك أرسطو في كتاب الشعر-الشعر لا يبدأ إلا بعد أن يتجاوز الشاعر الكلام على نفسه.وقياسا عليه فإن الرواية التي تترجم لذات الروائي أو التي تسمى أدبا واقعيا ليس أدبا بل هي حكاية لأحوال نفس الروائي خالية من مقومي الأدبية.انهي الاستطراد وأعود لموضوعي :كيف يمكن رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) دين العجل الذهبي من السيطرة على العالم بالسيطرة على نخبه؟هنا يكمن سر العبودية المادية والروحية الناتجة عن العولمة بمنطق العجل الذهبي: النظام البنكي والنظام الإعلامي هدفهما الأول والأخير العبودية.والنظام البنكي يعمل برمز الفعل (العملة) والنظام الإعلامي يعمل بفعل الرمز (الكلمة) .فالاقتصاد والإعلام الليبراليين هما اداتا الاستعباد.مباشرة سيتهمني كل الليبراليين بأني ضد الحرية :حرية السوق وحرية الإعلام .وطبعا فهم يتجاهلون ممارسة الحريتين بمنطق التاريخ الطبيعي في العولمة.فهو منطق الصراع الدائم الذي يكون فيه السلطان لصاحب القوة المادية والرمزية فيكون ما يسمى حرية في الحالتين هو النقيض التام للحرية .ولكن كيف؟ ما هو سر قوة الاقتصاد الحر؟إنه سر ذو وجهين :البنك يجعل عوامل الإنتاج المادي الخمسة خاضعة للبنك :الفكرة والمال والاستهلاك والعمل والإدارة.كلهم يتوهمون أنفسهم أحرارا وهم في الحقيقة مرهونون لدى البنك الذي يمكن أن ينزع عنهم أداة حريتهم التي يستمدونها من شروط سد الحاجة لديهم. 31 10
يمكن للبنك أن يخرجك من بيتك الذي اشتريته بقرض .وهلم جرا .فلا بد لمن يتوهمون أنفسهم أحرارا ان يبقوا مطيعين للبنك فكل المستقبل مقابل القرض. هذا أولا.الثاني أخطر رغم أنه ينتج عن الاول :فالتنافس بين المؤسسات الاقتصادية يجعلها في حرب دائمة إما قاتل أو مقتول وذابح الجميع هو البنك.الاقتصاد الليبرالي ليس اقتصاد حرية بل اقتصاد عبودية .حريته هي حرية المتصارعين في ملاعب الصراع الروماني :السادة يتفرجون على تقاتل العبيد. ولهذه العبودية مستويان: .1ما وصفت حتى لدى البلاد المتقدمة. .2اشد وآلم :مساعدة للفقراء إما بالمال أو بنقل صناعاتهم لبلدانهم .عبودية مضاعفة. وليكن مثالنا الهند أو الصين :فهما يبدوان ناجحين اقتصاديا .لكن ما السر؟ أنهما تبنتا عبودية الاقتصاد الحر في الغرب وفي الشرق :علة نقل المعامل.فالمعامل التي تنقل إلى الهند مثلا ليس حبا فيهم بل طلبا للعمل الرخيص وتحررا من التكنولوجيا المتخلفة التي لم تعد قوانينهم تسمح بتلويثها.أما المساعدات فبين أنها رهن للعباد والبلاد وتبعية دائمة لمن يعطيك بعض ما يسرق منك ويجعلك تتوهم أنه صاحب فضل عليك :حيلة اقتصاد الحرية.أمر إلى اعلام الحرية أو حرية الإعلام .كل ما قلته عن اقتصاد الحرية يصح عليه لأن الإعلام أحد أبعاد الاقتصاد لكونه خدمة ولكونه أداة تسويق.لكن له ما للاقتصاد من منطق والفرق أنه لا يتعلق بالتأثير المادي بل بالتأثير الروحي. الاقتصاد يستعبد الإنسان بسلطانه على بحاجات بدنه أساسا.والإعلام يستعبده بسبب سلطانه على حاجات روحه .فهو أداة الأقوياء للسيطرة على حاجة الضعفاء الروحية كالاقتصاد للسيطرة على حاجة الضعفاء البدنية. 31 11
تلك هي الليبرالية .لكنها تضيفا بعدا آخر أدهى وأمر :حرية الفرد الخلقية .وهي أم الأكاذيب في خدمة العبوديتين .فبها تكتمل العبودية لتصبح مطلقة.فالحرية الخلقية المزعومة هي التي تجعل الإنسان نفسه مجرد بضاعة :حرية المرأة وحرية الرجل تعني أن كيانهما نفسه بدنيا وروحيا بضاعة وخدمة.وهنا نصل إلى بيت القصيد :العبودية المطلقة هي حرية التصرف في البدن والروح في المجالين السوقي والإعلامي :الجسد بضاعة والروح خدمة.وكلاهما أداة المخابرات التي تحمي سلطان أصحاب البنك وأصحاب الإعلام :المرأة ببدنها أو فكرها طعم للرجل ببدنه أو فكره ليكون عميل مخابرات. 31 12
ونصل إلى الفصل الثالث وهو قلب المعادلة في كلامي في سلطان العجل الذهبي على العالم وهو سلطان مضاعف على المسلمين :عبيده المحليون والعالميون.المسلمون عامة والعرب خاصة عبيد مرتين بأبدانهم وأرواحهم للعبيد المحليين حكاما ونخبا الذين هم عبيد للعبودية العالمية لدى الأقوياء وذراعيهما.وليس أذل من أمة يحكمها عبيد العبيد رغم أن دينها من البداية عالج هذا الوضعية عندما بين أن اصحاب العجل الذهبي أرادوا تقليد من كان يستعبدهم.أهل موسى رفضوا رسالته وحرفوها بدين العجل الذهبي ليكونوا مثل المصريين بعودة إلى نظام العبودية الفرعوني .والمسلمون صاروا عبيدا بنفس المنطق.نحن اليوم في وضعية بني إسرائيل دون أن نكون مثلهم صانعي هذا الدين لأنهم صنعوه ليكونوا فراعنة العالم ونحن أخذناه لنكون عبيد عبيدهم.هزيمتنا الأولى ليست سياسية ولا عسكرية بل هي اساسا روحية :صرنا أكثر المتشددين في الحرب الإسلام من كل أعدائه في المعمورة وأدوات لأشرسهم.وطبعا فأدعياء الحداثة والأصالة لا تهمهم هذه الحقائق .فحمقهم يعميهم عن ثورة المدرسة النقدية وعن دور ابن تيمية أكبر فلاسفة الوسيط والقديم.فالتمييز بين العلم الكلي والضروري للمقدرات الذهنية حصرا فيه والعلم الجزئي والإحصائي للموجودات الخارجية من أكبر ثورات العقل الإنسان واثراها.صحيح أن ابن تيمية لم يربط علم المقدرات الذهنية بالذوق والفن لكنه ربط بين علم الموجودات الخارجة والعلم .اكتشف النوعين ولم يحدد طبيعة الفرق.فاضطررت لوضع نظرية الذوق والعلم وأصلهما الواحد في مدارك الإنسان الحسية والحدسية مع فرق التلقيين الذوقي والمعرفي والابداعين الجمالي والعلمي.وهذا التمييز التيمي هو الذي يمكن من فهم العلاقة بين الحرية والعبودية في نظام العالم الحديث :فلا محرر من العبودية للعباد إلا العبودية لربهم. 31 13
والعبودية للعباد تكون بتوسط سلطانهم على ما يسد حاجتهم المادية والروحية أي حاجة البدن الاقتصاد وحاجة الروح الثقافة بتوظيف الثروة والتراث.وإذن فالحرب على الحريتين المادية والروحية هي عينها الحرب على الإسلام لأنه هو الذي جعل الرسالة تدور حولهما وألغى مؤسستي العبودية لغير الله.ألغى سلطان الكنسية الذي عوضه سلطان الاعلام .وألغى سلطان الحاكم بالحق الإلهي أو الوصية الذي عوضه سلطان الحاكم بالحق الطبيعي او الوصاية.كاريكاتور التحديث بفهمه المحرف لقيم الحداثة وكاريكاتور التأصيل بفهمه المحرف لقيم الأصالة كلاهما معاد للإسلام لتمثيلهم العبودية للعباد.وكل الحكام العرب بصنفيهم القبلي والعسكر ونخبهم هم من هذين الصنفين :كلهم عبيد لسيد يحمي استبدادهم وحربهم على الإسلام الذي تؤمن به شعوبهم.فكلهم يحكمهم منطق ملوك الطوائف :يستمد من الأعداء للبقاء دون مقابل التنازل عن شروط سيادة الأمة بعبودية مطلقة لرب القوة المادية والرمزية.وربهما هو المتحكم في رمز الفعل(العملة) وفي فعل الرمز(الكلمة)أي البنوك سيدة الابداع المادي والإعلام سيد الإبداع الرمزي .والأولى توظف الثانية.وهذا هو دين العجل الذهبي الذي هو النقيض التام للديني في كل دين الذي هو الإسلام كما يحدده القرآن بعلوم لم يزيفها قلب فصلت وتحدي آل عمران.لا أنكر أن للحرب على الإسلام عللا تاريخية (بين الغرب والشرق) ومصلحية (بين الاستعمار والشعوب) لكن ذلك محكوم لما يتجاوزه أعني بالأحياز الخمسة.والأحياز الخمسة تحكم التاريخي والمصلحي بالجوار وبما لاقتسامها من دور في شرطي قيام الوجود الإنساني أعني غذاء البدن وغذاء الروح في الجماعة.فوجود الإسلام في قلب المعمورة وانتشاره فيها يجعله جارا لكل من يعاديه ومطموعا فيه من كل ما يحسده على ما يحوز عليه من احياز الوجود الخمسة.علة الحرب عليه يتطابق فيها المحدد التاريخي والمصلحي والمحدد المتعالي عليهما باعتباره ثمرة الاحياز الخمسة وهي دليل على دور قيمه الكونية. 31 14
فما كان للأجوار أن يطمعوا فيما لديه وأن يحاربوه لو كانت قيمه تشاركهم ما بنوا عليه حضارة التحيل وتسمية العبوديتين حريتين في نظام العولمة.وإذا أردت أن تعرف مَن مِن المسلمين يحارب قيم الإسلام الكونية بأفق النساء 1والحجرات 13وبمنطق التصديق والهيمنة فانظر تجارته :فضلات العبوديتين.وهي تجارة تابعة لأنه يكون تابعا للبنوك الربوية ذات السلطان دون سلطان وللصحافة المخابراتية ذات السلطان دون سلطان :فهو عبد لسادة العبوديتين.ولهذا فجل الانظمة بصنفيها القبلي والعسكري والنخب العربية بصنفيها التحديثي والتأصيل توابع وعبيد لسادة عمموا العبودتين في العالم :العولمة. وبذلك تجد الإسلام محاربا من الداخل والخارج .ومع ذلك فهو سينتصر لعلتين: .1جل شباب العالم ومفكريه فهموا الخدعتين. .2والإسلام ليس دعوة عزلاء.فهو دعوة مجاهدة لا تكتفي بالاجتهاد الفكري بل هي تحقق ما يقتضيه الاجتهاد الفكري بالجهاد العلمي والذوقي المحققين لشروط التعمير بقيم الاستخلاف.صحيح أن المسلمين الآن عاجزون عن تحقيق شروط التحدي الذي يضعه الإسلام أمام المؤمنين به :فالشهادة على العالمين هي التحدي الأكبر وشروطه موضوعنا.وأول شروط الخروج من العجز هو استعادة وحدة أحياز الأمة :جغرافيتها شرط ثروتها القادرة وتاريخها شرط تراثها القادر ومرجعيتها شرط كل الشروط.فتوحيد جغرافية الامة (دار الإسلام) لا يعني إلغاء الشكل الحالي لتعدد الدول بل بالعكس ففيه ثراء لأن كل جماعة تنمي حيزها بل إضافة شرط سيادتها.فولايات أمريكا المتحدة لا تنقصها القوة لكنها تطلب المزيد ليكون المجموع قوة عظمى ذات سيادة بشروط العماليق لا الأقزام الذي يرضى بها العبيد.ومثلها تحاول أوروبا والكثير من مناطق العالم الذي لحكامها ونخبها عقل ورشد حتى يحافظوا على شروط الرعاية والحماية مقومي كل سيادة حرية وكرامة. 31 15
لم يشذ إلّا المسلمون عامة والعرب خاصة :كل قرد يقتطع قطعة من دار الإسلام ويدعي ملكيتها بحلف مع أعداء الأمة ليحموا استبداده وفساده وتبعيته.وحتى يضفوا الشرعية على هذا الفتات من دار الإسلام عامة ومن الوطن العربي خاصة تراهم يمزقون التاريخ المشترك فيصبح لها تاريخ متقدم عليه أو لاحق.فيفقدون شروط الإنتاج المادي وشروط الانتاج الرمزي فلا يكون لهم ثروة ولا تراث بل بالتدريج يصبحون مجرد قاعدة للأعداء تستورد قوتها مقابل عرضها.وتلك هي الاحياز الفرعية ولم يبق صامدا إلا الحيز الأصلي لها جميعا أصل الحصانة الروحية والمناعة المادية للأمة :القرآن رسالة ومحمد قائدا.لذلك ركزوا الحرب عليهما .وهي حرب داخلية وخارجية مادية بالقتال والتهديم ورمزية بالتشويه مستعملين الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي والذراعين.ولأن الإسلام قلبت كل قيمه علوم الملة وأعمالها الزائفة انحط المسلمون وظنوا أنه هو العلة وليست فهومه القاصرة فاخترقت الأمة بإصلاح عقيم.وتلك هي العلة التي جعلتني أنزل لميدان المعركة الذي يظنه أدعياء التحديث ممن لا علم لهم بأهم مقوماتها منافيا للفكر الفلسفي وهو غايته القصوى.فلا يوجد فيلسوف كبير لم يشفع عمله النظري بنظرية في العمل ،ومن ثم فهو حتما ناظر في الواحد بين الديني والفلسفي أعني دور القيم في التاريخ.وفلسفة العمل واحدة في الفكرين الفلسفي والديني من حيث الغايات ومن حيث الأدوات :فالغايات خلقية والأدوات سياسية .وشرط التحقيق التربية والحكم.لست أبرر موقفي عند أدعياء التحديث حربا على الدين أو أدعياء التأصيل حربا على الفلسفة بل لأني اعتقد أن الصفين قاصرون على فهم العلاقة بينهما.هو درس لهم حتى يدركوا طبيعة العلاقة العميقة بين فلسفة العمل في الفلسفة وفلسفته في الدين .وذلك منذ أفلاطون إلى آخر صيحات مدرسة فرنكفورت.إدراك ذلك مشروط بفلسفة النظر التي نرى أن كلا الصفين هم أبعد الناس عن فهمها بدليل موقفهم من الغزالي وابن تيمية وابن خلدون فلاسفة الأمة. 31 16
وفلسفة النظر تألف من نظرية المعرفة ونظرية الوجود .وقد حصلت فيها ثورتان عند فلاسفة المدرسة النقدية :التحرر من المطابقة والقول بنسبية العلم.والثورتان لم تكتفيا بعموميات بل هي بدأت بنقد فلسفة النظر (التهافت) وفلسفة العمل (الفضائح) وبما ورائهما الإيديولوجي وتحرير النظر والعمل منه.والنتيجة الأعمق لهذه الثورة هو تغيير نظرية اللسان ووضع مبادئ الوسميات في محاولات ابن تيمية التي سأختم هذا الفصل بأهم نتيجة ترتبت عليها.تكلمت على ثورات ابن تيمية العديدة .وسأكتفي بتمييزه علم المقدرات الذهنية بالكلية واليقينية عن علم الموجودات الخارجية عديمة الكلية واليقينية.وهذا التمييز غابت دلالته لأن قراءه لم يسألوا عن العلاقة بين النوعين .فالثاني مستحيل من دون الأول والأول من دون الثاني إبداع رمزي خالص.فابن تيمية صريح بأن علم المقدرات الذهنية هو الرياضيات والمنطق .هما شرط كل علم للموجودات الخارجية على الأقل كعلوم مساعدة أو أدوات علم.العلاقة الشرطية بين علم كلي ويقيني وعلم نسبي ولا يقيني تعني أن الثاني ليس فيه من العلمية إلا أمران :ما يستمده من الأول وما يستمده من ذاته.فما يستمده من الأول هو قدر من الكلية واليقينية وما يستمده من الثاني هو قدر من المضمون الذي يستمده من تجربته للموضوع وخبرته بخصائصه الفعلية.فيكون ما يستمد من المقدرات الذهنية نموذج مجرد ليس فيه إلا بنية رياضية ومنطقية يصوغ بها العالم معطيات تجربته عن الموضوع قيسا عليها :علم.وهذا هو التعريف الحديث للعلم .لكن هذا التعريف الحديث مشروط باكتشاف ثان: معطيات التجربة لا تحيط بحقيقة الموضوع وصوغها يبقى دون النموذج يقينا.لذلك فالعلم دائم التجويد دون نهاية لأن كل تصور يوجد تصور أدق منه بلاحد بلغة ابن تيمية .والنتيجة نظرية المطابقة لم تعد صالحة لأنها مستحيلة. فما العلم إذن إذا لم يكن \"معرفة الموضوع على ما هو عليه\"؟ 31 17
إنه المعرفة التي يتواضع العلماء على منهج الوصول إليها ومعايير التحقق منها في عصر ما.القوانين العلمية للموجودات الخارجية صيغ \"ما بين ذاتية\" تجمع بين الإبداع الرمزي الحر والاحتكام إلى التجربة لاختيار ما يناسب منها الوجود الخارجي. 31 18
المشكل الذي أخصص له الفصل الرابع يبدو عجيبا :كيف استطاع دين العجل الذهبي بالتحريف الناتج عن العلم والعمل المزيفين غزو فكر المسلمين ودارهم؟وبعبارة مقابلة :كيف نكص المسلمون دون الحريتين الروحية والسياسية فأعادوا الكنسية والحق الإلهي في الحكم على أساس الوصية أو شرعية حكم المتغلب؟فالتحريف بشكلين شيعي وسني آل في حقيقته إلى دين العجل الذهبي لدى النخب بأصنافها الخمسة :الساسة والعلماء والاقتصاديون والفنانون وأصحاب الرؤى.ولنجمع صيغتي السؤال :كيف كان مسار الامة متنازلا من ذروة البداية إلى حضيض الغاية فصارت عزلاء فاقدة للسيادة لعجز انتاجيها المادي والرمزي؟والعجز في الإنتاجين أفقدها شروط الرعاية وشروط الحماية فتفككت جغرافيتها واضمحلت ثروتها وتشتت تاريخها وتحلل تراثها وبدأت الحرب على مرجعيتها.والأدهى هو أن ساستها وعلماءها واقتصادييها وفنانيها وأصحاب رؤاها بعضهما يدعي كاريكاتورا من الاصالة وبعضهم الآخر كاريكاتورا من الحداثة.فأصبحوا جميعا دون أن يشعروا معاول تهديم لشروط القيام المستقل لأن كلا منهما يظن كاريكاتور الثاني حقيقيا فيشعلون في الأمة حربا أهلية مدمرة.وهي حرب تعمي مدعي التأصيل عن فضائل الحداثة ومراجعتها لنفسها ومدعي التحديث عن فضائل الإسلام وإصلاحه الدائم :كلاهما يحارب الفضائل منهما.ففكر الحداثة شرع في النقد الذاتي ليدرك ما وصفنا في الفصلين الاولين وفكر الإسلام شرع في النقد الذاتي منذ أن بين قبل فصلت 53وآل عمران .7والمراجعة الإسلامية متقدمة على النقد الذاتي في فكر الحداثة بل وحتى على نشأته لأنها بدأت مع الغزالي وبلغت الذروة مع ابن تيمية وابن خلدون.الجواب عن هذه الأسئلة المحيرة يقتضي أن أذكر بثورتي الإسلام وبعلل النكوص منذ الفتنة الكبرى إلى الجاهليتين الفارسية(التشيع) والعربية (التسنن). 31 19
وهذا النكوص الذي سأبين خاصياته السياسية والفكرية يتعلق بتحريف نظرية الإسلام في بعدي السياسة عامة أي في سيطرة طاغوتين على التربية والحكم.والرمز هو عادة ولاية الأمر ببعديها :العلماء كسلطة طاغوتية أفسدت التربية بالعلم الزائف والأمراء كسلطة طاغوتية أفسدت الحكم بالعمل الزائف.وبهذا المعنى فثورة المدرسة النقدية بين نهاية القرن الخامس(الغزالي) ونهاية القرن الثامن لم تنجح سعيها في لإيقاف الانحطاط والتحرر من النكوصين.وما يسمى بحركة الإصلاح والنهوض منذ قرنين رغم أنها حافظت على الكيان فإنها أحيت أمراض الماضي دون أن تفهم الحاضر أو تحقق شروط النهوض والإصلاح.بل هي أضافت إلى الفتنة الكبرى (الإمامية) وما ترتب عليها الفتنة الصغرى (العلمانية) وما يترتب عليهما .والآن نعيش ضربات ما ترتب على الفتنتين.فمن فتنة الدولة الثيوقراطية واقعا وواجبا (التشيع) والفيزيوقراطية (الفصامية :أمر واقع دون الواجب) (التسنن)إلى الدولة اليعقوبية والليبرالية. وهكذا فالسنة اليوم محاصرة بكماشتين: -الكماشة الاولى بين ثيوقراطية الشيعة وعلمانية الحداثية -والكماشة الثانية بين السلفية والاخوانية.ويوجد شبه بين ثيوقراطية التشيع والاخوانية وبين علمانية الحداثة وفيزيوقراطية السلفية .والفرق الوحيد في الحالتين متعلق بالبرقع الايديولوجي.لكن الكماشتين أفكاكها الأربعة بغير شعور هي أشكال من دين العجل الذهبي بالذات وبالمحاكاة .بالذات بمعنى بسبب نكوصها وبالمحاكاة لأنها محميات.والحمد لله أن السنة ما يزال فيها التمييز بين الأمر الواقع والامر الواجب حتى وإن كان في شكل مرضي هو فصام بين \"النظر-العقد\" و\"العمل-الشرع\".وعلاج هذا الفصام ممكن لأنه من اعراض العلوم والاعمال الزائفة التي تصدى لها نقد الغزالي وابن تيمية وابن خلدون .ولست إلا حلقة من السلسلة. 31 20
فلنذكر بثورتي الإسلام الروحية والسياسية وما مرت به خلال تاريخنا وكيف حاولت الحداثة محاكاتهما بالحد من الكنسية والحق الإلهي في الحكم.لنختم الفصل بالكلام على علل النكوص إلى جاهلية فارس بالتحريف الكسروي للإسلام (التشيع) وإلى جاهلية العرب بالتحريف القبلي للإسلام (التسنن).وكان للمناذرة والغساسنة في ذلك الدور الأول لثورتهم على قريش التي نزلها الإسلام منزلة اصحاب السلطان الإسلامي رغم ضعف عصبيتها (ابن خلدون).فكان دافع الفتنة الكبرى أثر الاستعمارين الفارسي والبيزنطي الثقافي على العرب ودافع الفتنة الصغرى هو أثر الاستعمارين الأوروبي والأمريكي عليهم.تخليهم عن ثورتي الإسلام سببه تبعيتهم الثقافية لما تقدم على ثورة الإسلام بداية وتبعيتهم الثقافية لما نتج عن التخلي عنها في الأفعال غايةلكن شعلة الإسلام لم تنطفئ في قلوب الأمة التي ما تزال قادرة على الاستئناف كما نحاول أن نبين منذ شروعنا في التفسير الفلسفي بداية من .2004 فما ثورتا الإسلام؟وكيف حاكاها الغرب وحرفها بدرجتين مختلفتين مثلهما الإصلاح الديني في ألمانيات والسياسي في انجلترا ثم ثورة فرنسا اليعقوبية؟صدام اوروبا المسيحية مع المسلمين قبل أن يأخذ منهم الانحطاط مأخذه جعلها تتدارك أمرها في الروحي والسياسي حتى تبني ذاتها على محاكاة للثورتين. كانوا حينها نسبتهم إلينا من جنس نسبتنا إليهم اليوم.كانوا يجدون في من غلبهم نموذجا ارادوا أخذ سر غلبته تماما كما نفعل الآن .وكل محاكاة قاصرة.وتلك علة تحريفهم لما أخدوه من الإسلام وعلة تحريف ما نأخذه من الحداثة .وتلك خاصية كل اعتبار للنموذج عينا موجودة وليس مثالا أعلى مبدع بحرية.والثورتان هما ثورة الحرية الروحية أو العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه وهي سر الحرية الفكرية وشرط كل أمة مرجعيتها الروحية تشجع الإبداع. 31 21
والعلامة القاطعة في ذلك هي اعتبار الاجتهاد مجازى سواء أصاب أو أخطأ .وجزاء صوابه مضاعف لأن فيه جزاء الإقدام عليه بصدق مع جزاء النجاح.لكن عدم الإصابة فيه مجازى كذلك لأن الاجتهاد بحد ذاته تعبير عن حرية الفكر حتى ولو أخطا فيكون الجزاء على الإقدام الفكري الحر طلبا للحقيقة بصدق.وشرط هذه الثورة الروحية تحرير الجماعة من سلطة وسيطة رمزها القاطع هو الكنسية التي تتوسط بين الإنسان وربه بسلطان التخويف من الخطأ والبدع.والعلوم والأعمال الزائفة التي عللت به الانحطاط أعادت هذه الوساطة والتخويف من البدع فمات الاجتهاد تجنبا للخطأ فصار الشعب عامة تحكمه خاصة.وهي علنية في النكوص إلى كسروية التشيع لكنها متخفية في النكوص جاهلية التسنن في شكلين :تربية فقهاء السلطان واختراق متصوفة البهتان للسنة.الداءان كانا مسيطرين على أوروبا فحاكوا المسلمين عندما لم يكن لهما اليد العليا في حضارتهم .فتم التبادل أخذوا فضائلنا وأخذنا رذائلهم حينها.أصلحوا التربية بتحريرها من سلطان الوساطة الكنسية وأصلحوا الحكم بتحريره من سلطان الحكم بالحق الإلهي .لكنهم ذهبوا في الغاية إلى العكس تماما.فإصلاح التربية في بدايته الألمانية حافظ على دور الدين .أما غايته الفرنسية فألغته: وتلك هي العلمانية اليعقوبية الملحدة نموذج نخب العرب.ونفس الأمر حصل في السياسة .البداية كانت انجليزية وفيها ألغت الحق الإلهي في الحكم لكنها لم تعوضه بالحق الطبيعي أي بالفاشية بل بالديموقراطية.مهزومو الحرب العالمية الأولى (إيطاليا وألمانيا وتركيا وروسيا) أسسوا للأنظمة الفاشية التي تطلب التحديث المستبد وهذا نموذج النخب العربية.ومعنى ذلك أن النخب العربية أخذت أفسد ما في الحداثة وجمعته ما أفسد ما في الأصالية فصارت فاشيات طائفية سواء حكمت بالقبيلة أو بالعسكر.وهي في الحقيقة تحكم بهما معا .ذلك أن القبيلة لا تحكم بأخلاق القبيلة التقليدية بل بأدوات الدول الحديثة أي المخابرات والأجهزة الأمنية. 31 22
والعسكر لا يحكم بأخلاق الجيوش التي تخدم دولا سوية بل هي تحكم بأخلاق الطائفية التي تخدم قبيلة أو طائفة أو عرق مع تبعية للحامي الاستعماري.وما حدث في الغرب نفسه بمنطق الحريتين المزيفتين لتحيل أصحاب العجل الذهبي هو تعويض الكنيسة الدينية بالكنيسة العلمانية أو التضليل الإعلامي.وعوض الحق الإلهي في الحكم بالحق الطبيعي للقوة أو قانون البقاء للأقوى أو تحريف الديموقراطية حتى صارت حكم مافيات خفية بقوة المال والإعلام.وهذه الأمراض الأربعة-نوعا الانظمة العربية تربية وحكما ونوعا الأنظمة الغربية تربية وحكما -هي التي تحارب الإسلام حاليا وهو سينتصر بحريتيه.وسينتصر إذا استعادت الأمة حريتي ثورته :الحرية الروحية أو العلاقة المباشرة بين المؤمن وربه حتى يكون حر الفكر والضمير والحرية السياسية. فما الحرية السياسية التي جاء به الإسلام؟إنها ما حددته الآية 38من الشورى التي حرفتها العلوم والأعمال الزائفة بخدعة سلطان العلماء والأمراءولا يوجد ما هو أوضح من الآية :عرفت المخاطب (الذين استجابوا لربهم) وأعطتعلامتهم (أقاموا الصلاة) ونسبت لهم الأمر دون سواهم (أمرهم) وحددت أسلوب تسييره(شورى بينهم) وختمت بنظامها الاقتصادي (الانفاق من الرزق) .فهل يوجد أوضح من هذا للحل السياسي؟ أهملوا \"منكم\" في أولي الامر.حرفوا منكم فصاروا وكأنهم العلماء (للتربية) والأمراء (للحكم)بالوراثة لأن الأولين يدعون وراثة علم النبي والثانين يرثون الحكم بتغلب العصبية.والآية كما بينا واضحة :فالمخاطب هو الامة المؤمنة .وطبيعة الحكم بينة بمجرد أن نترجم \"أمر+هم\" بمصطلح الفلسفة السياسية :أمر الجماعة=راس بوبليكا. 31 23
واســــ لوب ا لح كم أيضـــــا ي ك في ل تحـديـده ب ن فس الاصــــ طلاح\" :شــــورى بينالجمـاعـة\"=ديموقراطيــة .فيكون نظـام الحكم :ريبوبليـك ديمقراتيـك=جمهوريـة ديموقراطية.ويكون النظام الاقتصادي جامعا بين الاقتصادي والاجتماعي لأن الإنفاق من الرزق محدد بدقة في القرآن (البقرة .)177فأوجه الأنفاق الاجتماعي معلومة.كل هذه المقومات التي تحقق الحرية السياسية والاجتماعية للإنسان لم يحددها القرآن للمؤمنين بالإسلام وحده بل للبشرية كلها بدليل حقيقة المخاطب.فالآية تكلمت على المستجيب للرب وليس لله .والربوبية كما هو معلوم تشمل كل البشر لأنها مضطرة بخلاف الألوهية التي هي اختيارية بالنسبة للمؤمنين.فالحريتان الروحية والسياسية قيمتان كونيتان وقلب الديني في كل الأديان :أي حصيلة وجهي الرسالة الخاتمة نقدا للتحريف وتحقيقا لدولة الإسلام.ودولة الإسلام كونية من حيث المبدأ حتى وإن ظل العالم متعدد الدول .فالقانون الإسلامي قيمه الخلقية كونية لا فرق فيه بين الداخلي والخارجي.فواجب العدل والشهادة في القانون الإسلامي الداخلي هو عين الواجب في القانون الدولي الذي وضعه الإسلام .والعلة بينة :متعال على اختلاف الأديان.فهو يعتبر تعدد الأديان شرط التسابق في الخيرات (المائدة )48ووحدة الدولة لا تعني وحدة الشريعة بل يعترف لمواطنيها بحق تطبيق شرائعهم الخاصة.والعلوم والاعمال الزائفة الغت نظرية الدولة الإسلامية وشرط كونيتها فصارت دولة الحق الإلهي بالوصية (الشيعة) أو حق القوة الطبيعي (السنة). 31 24
أما الفصل الخامس والأخير من \"عبودية سلطان العجل الذهبي\" فسيكون علاج مقدمة ابن خلدون للمسألة بمفهوم الاستخلاف الذي يحقق التحرر من العبوديتين. شرحت مفهوم الاستخلاف بدلالتين قاست الأمة على الثانية مفهوم الخلافة السياسية: .1منزلة آدم وأبنائه. .2منزلة الجماعة التي تأهلت لهذا التكريم.والجماعة قاست على أهلية الجماعة من تعتبره الجماعة ممثلا لأهليتها ليكون خليفة بالمعنى السياسي معبرا عن إرادتها وقيمها حاكما أمينا وعادلا.والمعنى الثاني -الجماعة التي برهنت عن الأهلية لهذا التكريم -ما كان ليكون ممكنا لو لم يكن المعنى الأول منزلة بالقوة تصبح بالفعل بعد امتحان.وهذا الامتحان هو استعمار الإنسان في الأرض بقيم الاستخلاف :فإن نجح كان أهلا لأن يكون مستخلفا بحق وإلا فمنزلته تبقى من الإمكان غير الحاصل.وهذا هو معنى الحياة الدنيا :هي هذا الامتحان الذي يبرهن فيه الإنسان أنه أهل لاستعماره في الارض بقيم الاستخلاف جوابا على رمز التحدي إبليس.وإبليس كرمز للتحدي هو \"أبو ليس\" أي مصدر العدم لأن ليس مؤلفة من \"لا\" \"أيس\" والأيس هي الوجود والليس هو العدم (الكندي) :أبو العدم تحدى الوجود.والعرض الرمزي للاستخلاف في المشهد الحواري يكمله مشهد رمزي حواري مع إبليس وكانت نتيجته هذا الامتحان ليس بالدنيا بل بالخيارين :بقيمه أو بعدمها.الرسالة الخاتمة :تحديد استراتيجية تحقيق الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف ليس لقوم دون قوم بل للإنسانية كلها :استراتيجية تحقيق أهلية التكريم.وبذلك نفهم لم كان عنوان المقدمة \"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\": فالبشري والإنساني يتجاوز المعنى الناتج عن العلوم والأعمال المزيفة. 31 25
ذلك هو المعنى التام للإسلام في القرآن :فهو لا يعني من أسلم بالمعنى الخاص بالمسلمين الحاليين بل كل من اتبع الإسلام بمعنى الديني في كل دين.القرآن لا يعتبرنا وحدنا مسلمين بل كل الاديان التي يقص أحداثها وأحاديثها من آمن برسالة أنبيائها كانوا مسلمين بالفعل مثلنا ولا فرق بيننا.أما من بقي على التحريف الذي ربي عليه فهو مسلم بالقوة لذا يعترف الإسلام بأديانهم أمرا واقعا شرط التسابق في الخيرات :فقد يتحرروا من التحريف.وحتى نفهم هذه العناصر المقومة لمفهوم الاستخلاف وخاصة للقياس عليهما في مسألة الخلافة مؤسسة للحكم وضعت مفهومين يصلان بين 1و 2وبين 2و.3فالله كرم آدم بالاستخلاف وشرطه الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود وهي علامات الحرية والمسؤولية .لكنه أخضعه لامتحان اهلية الاستخلاف.المفهوم الأول الذي وضعته لم أبتدعه بل هو موضوع المشهد الحواري الثاني بين الله وأبو العدم (ابليس) :امتحان الاستعمار بالفعل والاستخلاف بالقوة.يستعمر الإنسان في الأرض ويبقى استخلافه معلقا إلى أن يحقق قيم الاستخلاف .فيكون حينها أهلا لان يكون خليفة بالفعل .وهذا هو امتحان الجماعات.لكن امتحان الأفراد من الجماعات للاستخلاف بمعنى الحكم الأمين والعادل ينسب إلى الجماعة وليس إلى الله مباشرة :يختارون من يولون لمعرفتهم به.لذلك فكيفما يكون البشر يكون من يولى عليهم أفاضلهم إن كانوا أهلا للاستخلاف يكون من يولى عليهم أراذلهم إن لم يكونوا أهلا للاستخلاف.المفهومان اللذان أضفتهما بين المعاني الثلاث المعلومة لمفهوم الاستخلاف مستمدان من القرآن في استخلاف الجماعات والأفراد بتوسطها خيرا أو شرا.أعددنا أرضية الكلام في علاج ابن خلدون لشروط التحرر من العبوديتين المادية والرمزية لأصحاب العجل الذهبي وتلك هي ثورة مقدمته في فلسفة العمل. ثلاث مراحل: .1الغزالي نقد النظر (التهافت) والعمل(الفضائح) 31 26
.2تأسيس النظر البديل بمنطق ثورتي الإسلام (ابن تيمية) .3تأسيس العمل البديل (ابن خلدون) ولهذه المراحل الثلاث: -أصل هو القرآن -وغاية هي ما نحاول بيانه في محاولاتنا: تحرير الإسلام من تحريف العلوم والأعمال الزائفة علة انحطاط الأمة.إنها مراحل الفلسفة التي تؤسس لاستئناف دور الأمة بمنطق القرآن الكريم وتعليم السنة الشريفة :السنة هي تعليم الرسول لمعاني الرسالة قولا وفعلا.ولما كانت السنة هي اجتهاد الرسول في تعليم القرآن فإنها تابعة بالجوهر للقرآن وقلب العلاقة بينهما من نتائج العلوم والاعمال الزائفة التي بينا.فقلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7جعلت العلوم والاعمال الزائفة تعكس العلاقة بين القرآن والسنة حتى تسند كذبة وراثة الانبياء للراسخين.لم يدع الرسول علم الغيب ولم يؤول المتشابه وما لا يطابق ما يعتبره القرآن دليل حقيقته كذب عليه :فأدعياء \"الرسوخ\" يرثون من النبي ما لا يملك.لذلك فابن خلدون يطلب حقيقة القرآن من آيات الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الأنفس (انثروبولوجيا الإنسان القرآنية) :مضمون المقدمة.وقد فهم ابن الأزرق الأمر هذا الفهم-بدائع السلك-فأخرج التناظر بين ما ستخرجه ابن خلدون من الآفاق والانفس وما يؤيده به من القرآن في 20دليل.أطنبت في كلامي على المقدمة .سأقتصر على علاج العبوديتين أو عوائق الحريتين ودور فعل الرمز(العملة والاقتصاد) ورمز الفعل (الكلمة والثقافة) فيه.وبهذا أنسب ما قد أنسبه من دور لاجتهاداتي دون تخل عن مسؤوليتي فيها .لا تعدو أن تكون مجرد ترجمة فلسفية لثوة الغزالي وابن تيمية وابن خلدون.وثورتهم تتعلق بفلسفة النقد النظري والعملي والتأسيس لبديل من الفلسفة اليونانية في نظرية المعرفة ونظرية العمل وعلاقتهما بنظرية الوجود والقيم. 31 27
ودافعهم كان ما لاحظوه من تعارض تام بين أثر هذه النظريات اليونانية في الفلسفة وكلام الإسلاميين وبدائلها القرآنية التي استوحوا منها علاجهم.فالقرآن نقد التجارب الدينية السابقة لتحديد الديني في الاديان واستراتيجية تحقيقه: ثورة الإسلام الروحية والسياسية لتحرير الإنسانية وتوحيدها.استوحى هؤلاء الفلاسفة منهجيته بنقد التجارب الفلسفية وتحديد الفلسفي في الفلسفات واستراتيجية تحقيقه لئلا يتنافى مع الثورتين الروحية والسياسية.بعبارة وجيزة :دافعهم ديني بالمعنى القرآني وعملهم فلسفي بالمعنى العميق لكلمة \"فلسفة\" أي حب الحكمة التي تتطابق فيها مطالب الروح والعقل.وتطابق الروح والعقل هو جوهر الإنسان السوي الذي يدرك أن منزلته الوجودية هي عين وعيه بالمعادلة الوجودية كما وصفناها في غير موضع عديد المرات.ولنذهب الآن إلى ما وعدنا به :هل المقدمة محاولة للصوغ العلمي الذي يمكن من فهم استراتيجية العبودية (بتحريف الحريتين) واستراتيجية التحرر منها؟سنقتصر هنا على قراءة المقدمة بهذا المنظور :كيف فهم ابن خلدون آليات العبودية ودور رمز الفعل وفعل الرمز فيها وكيف حدد استراتيجية التحرر منهما؟أقدم الجواب ثم أدلل عليه بعد ذلك :في بداية المقدمة وفي غايتها :دور التربية والحكم (بعدي السياسة) في المحافظة على معاني الإنسانية أو افسادها.وواضح أن دورهما في التربية يتعلق بالحرية الروحية ودورهما في الحكم يتعلق بالحرية السياسية وإذن فمعاني الإنسانية هي الحرية الروحية والسياسية.فيتبين أن مطلوب المقدمة هو عين ما نبحث عنه في تشخيص مرض العبوديتين وعلاجهما بالحريتين شرطين في التربية والحكم لئلا تفسد معاني الإنسانية.فلنثبت هذه القضية التي لم تعد مجرد دعوى .إنها فرضية علمية حول دور العاملين الاقتصادي (ورمزه العملة) والثقافي (ورمزه الكلمة) في علمي المقدمة.وإذ استعملت \"علمي\" المقدمة رغم أن ابن خلدون سماهما علما واحدا \"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" فلكأني اضفت علم أمام القسم الثاني. 31 28
فتكون المقدمة علما للعمران البشري وعلما للاجتماع الإنسان وهما علمان مختلفان .لكن ما يعني ابن خلدون هو علم تفاعلهما برمز الفعل وفعل الرمز.بوضوح أكثر المقدمة لا تدرس العمران والاجتماع كلا على حدة بل هي تدرس تفاعلهما في الاقتصاد ورمز فعله (العملة) وفي الثقافة ورمز فعلها (الكلمة).فكلاهما له صلة بالعلاقتين العمودية(الإنسان-الطبيعة) والأفقية (الإنسان-الإنسان) بتوسط ما بين قطبي المعادلة الوجودية من تواصل :الخليفة والمستخلف.وهذا التواصل موجود دائما إيجابا عند المؤمنين وسلبا عند الملحدين :المؤمن يعتبر ما بين الإنسان والطبيعة وما بينه وبين الإنسان شرطها الاستخلاف.والملحد لا يختلف عنه إلا بطبيعة من ينسب إليه شرط هذين العلاقتين .الطبيعة أو التاريخ .فيؤله المنسوب إليه وإن ادعى نكران الحاجة إلى الدين.لا شك أن القارئ الذي يرفض التعقيد بعبارة \"ويني وذنك\" قد عيل صبره :متى يأتي تحليل المقدمة بهذا المنظور لإثبات الدعوى التي صارت فرضية علمية؟فلنتوكل طالبين من القارئ فتح المقدمة ومتابعة التحليل .ماذا في الباب الأول من المقدمة؟ : .1الجغرافيا والمناخ. .2وشروط عيش البشر في المعمورة. وهي العلاقة العمودية بشر-طبيعة .والعلاقة الأفقية بشر-بشر: .3الثقافة أو الانتاج الرمزي. .4شروط العيش الروحي. .5وحدتهما :التفاعل بينهما.من قرأ المقدمة بتدبر لن يجد في الباب الأول غير ما ذكرنا :مشكل ابن خلدون فيها هو: العلاقة بين الطبيعة والثقافة وأثر تفاعلهما في الإنسان.ولما يعمق التحليل يجد أن العامل الثقافي ينسبه ابن خلدون إلى خوف الإنسان من المجهول في علاقته بالمكان (الطبيعة) :وتلك علاقته بالزمان. 31 29
علاقة الطبيعة بالثقافة هي عين علاقته بحيزي وجوده الأولين المكان والزمان .وعلاقته بالحيزين الطبعيين تنتج الحيزين التاريخيين :الثروة والتراث.وأصل الثروة ورمزها العملة أو رمز الفعل .وأصل التراث ورمزه الكلمة أو فعل الرمز. والثروة مصدرها الطبيعة أولا والتراث مصدره التاريخ أولا.وأولا تعني أن لكل منهما دورا في الثاني .وهم الأهم :رمز الفعل (العملة رمز الاقتصاد) وفعل الرمز (الكلمة رمز الثقافة) متفاعلان في دوريهما.ولنضرب مثالين :فلا يمكن للثروة أن تستخرج من الطبيعة من دون العلم وهو من التراث .ولا يمكن للتراث أن يبدعه الإنسان من دون تمويل البحث العلمي.الاقتصاد (علاقة عمودية أولا) والثقافة (علاقة أفقية أولا) يصبحان ثانيا ضروريين في العلاقتين العمودية والأفقية وتفاعلهما هو أصل كل سلطان.والسلطان يكون على الطبيعة وعلى الأنسان بتوسط السلطان على حاجاته المادية والروحية .وهذا السلطان هو الذي يمكن أن يكون سلطان عبودية العجل.بقية المقدمة أي الأبواب الخمسة الموالية تبحث هذه المسألة :كيف يكون السلطان السياسي ببعديه التربوي والحكمي محررا من العجل أو مستعبدا بالعجل.لا فائدة من مواصلة الاستدلال فليقرأ أي باحث الأبواب الخمسة الموالية بهذا المنظور وسيفهم الثورة بمجرد الانتباه إلى نظريته في العملة والكلمة.ففي الباب الثاني-العمران البدوي-التركيز على دور الطبيعة التي هي مورد الرزق المباشر بثقافة دينية محرفة تعبد قوى الطبيعة أو سوية تحرر منها.الباب الثالث وبالقوة الطبيعية الأولى المناسبة لهذه العلاقة بالطبيعة تتكون الجماعات على أساس عصبية الدم (القبلية) فتحتاج إلى الوازع الأجنبي.الباب الثالث :ومعنى ذلك أن الوازع الذاتي لم يعد كافيا فتتكون سلطة فوق الجماعة هي بداية الدولة التي يبقى أساسها العصبية مع بداية فكرة العقد.وهذا المرور من الوازع الذاتي في العمران البدوي إلى الوازع الأجنبي علته الصراع على رمز الفاعلية (العملة) وعدم كفاية فاعلية الرمز(الكلمة). 31 30
الباب الرابع :الدولة تنظيم الصراع على الثروة خاصة فيحصل شرطا العيش المشترك: التربية والحكم .وذلك هو جوهر التوازن في العمران الحضري.الباب الخامس :فإذا تم للعمران الحضري بالتربية والحكم الاستقرار الكافي يصبح الانتاج الاقتصادي متحررا من انتاج الطبيعة :الاقتصاد الصناعي.الباب الأخير :فتكون غاية العلاقة هي التحرر من سلطان الطبيعة ومن يحتكر سلطان الثروة وسلطان التراث بالثقافة الأتم الحامية لمعاني الإنسانية.لكن ذلك لا يحصل من دون سلطان متعال على الطبيعة والثقافة :فالعقد السياسي العقلي متناقض لاعتماده على القوة وفيها لا يتساوى الحاكم والمحكوم.وذلك هو جوهر الحرية الخديعة في نظرية العقد بين رب العمل والعامل مثلا .لا بد من سلطة يتساوى فيها طرفا العقد فتضمن العدل بين المتعاقدين.وتلك هي المرجعية الروحية -أيا كان الصيغة -وهي ما يحرر من دين العجل الذهبي. وهو ما يفسد نظرية العقد والقانون بنفي شرطي العدل والأمانة.وذلك ما كان علينا بيانه :لا يمكن اخراج الإنسانية من أكاذيب الحرية الاقتصادية والإعلامية في العولمة من دون التحرر من العجل بالدين الإسلامي. 31 31
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 38
Pages: