Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مفهوم الفلسفة عند أبي يعرب المرزوقي - بدر محمد أحمد باسعد

مفهوم الفلسفة عند أبي يعرب المرزوقي - بدر محمد أحمد باسعد

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2016-09-08 14:50:46

Description: مفهوم الفلسفة عند أبي يعرب المرزوقي - بدر محمد أحمد باسعد

Search

Read the Text Version

‫الأسماء والبيان‬‫بدر محمد أحمد باسعد‬



‫مفهوم الفلسفة‬ ‫عند أبي يعرب المرزوقي‬‫الأسماء والبيان‬ ‫‪2016-09-08_1437 -12-05‬‬

‫المحتويات‬‫مقدمة ‪1 ........................................................................................................‬‬‫الفلسفة والأسلوب الفلسفي ‪2 ..................................................................................‬‬‫من أجل مواصلة التفلسف‪6 ....................................................................................‬‬

‫فالفلاسفة لم يفهموا فعل التفلسف الذي حصر‬ ‫لا يمكن لأحد أن ينكر أن الصورة الذهنية عن‬‫في بعض ثمراته‪ ،‬أعني المضمون المسمى فلسفيا‬ ‫الفلسفة في المجتمعات الإسلامية هي صورة سلبية‬‫‪ 30‬عندهم والاقتصار على التقليد‪ ،‬لدرجة أن معلمهم‬ ‫لكونها تعبر عن موضوع يعادي الدين‪ ،‬وخصوصا‬ ‫‪ 5‬إذا تناولناه من ناحية تاريخية في تاريخ ثقافتنا‬ ‫الثاني (الفارابي) قال‪:‬‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫أن الفلسفة قد تمت من عهد أرسطو فلم‬ ‫تبق إلا أن تتعلم أن تعلم‪.‬‬ ‫كما أن رموز التيارات الفلسفية في الغالب ليسوا‬ ‫من الإسلاميين‪ ،‬ولكن –ومع كل هذه الوقائع‬‫وأما معلمهم الأخير (ابن رشد) فقد حول‬‫‪ 35‬الحديث عن شرعية الفلسفة إلى مسألة فقهية بدلا‬ ‫التاريخية‪ -‬ألا يحق لنا أن نتساءل‪:‬‬‫من كونها وجودية‪ ،‬تحل بما يصفه القرآن عزم‬ ‫‪ 10‬هل هذه الصورة النمطية عن الفلسفة تعكس‬ ‫الأمور‪.‬‬ ‫صورتها الحقيقية؟‬‫كل هذا جعل علماء الإسلام الذين ليس لهم‬ ‫لعل سبب مشروعية ووجاهة هذا التساؤل هو‬‫دراية حقيقية بطبيعة القول الفلسفي عند الصادقين‬ ‫إقرارنا بأنه ليست كل صورة نمطية تعكس حقيقة ما‬‫‪ 40‬من أهله يعتبرونها في جوهرها عدوة للدين‬ ‫تمثله‪ ،‬وإنما هي في العادة وليدة لحظة تاريخية‬ ‫والعقيدة‪.1‬‬ ‫‪ 15‬وظرف زماني ساهم في تثبيتها‬‫والمرزوقي يؤكد أيضا في سبيل دفاعه عن‬ ‫أبو يعرب المرزوقي أحد الثائرين على هذه‬‫الفلسفة‪ ،‬بأنه يجب علينا ألا نستغل تط ّرف‬ ‫الصورة النمطية والساعين لتصحيحها ولكنه من‬ ‫الفلاسفة من أجل هدم الفلسفة ذاتها ومعاداتها‪،‬‬ ‫أجل تصحيحها لا يهاجم الإسلاميين الرافضين لها؛‬‫‪ 45‬فإذا كان التطرف الديني الذي لا يجادل أحد في‬ ‫‪ 20‬بل أول ما يهاجم يهاجم أدعياء الفلسفة الذين‬ ‫وجوده ولا في شروره لا يوجب إلغاء الأديان؛‬ ‫ساهموا في إظهار هذه الصورة النمطية‪،‬‬‫فإن التطرف الفلسفي الذي له هذه الصفات‬ ‫عاذرا علماء الشريعة من جهة ردة فعلهم ازائها‪،‬‬ ‫نفسها لا ينبغي كذلك أن يلغي الفلسفات‪.‬‬ ‫ومعتبرا المتقدمين منهم خلال العصور السبعة الأولى‬‫ربما يكون هذا النمط من الاستدلال غريبا بعض‬ ‫أرفع قدرا من فلاسفة تلك العصور‪.‬‬‫‪ 50‬الشيء ولكن دعونا نجعل المرزوقي هو من يحل سر‬ ‫‪ 25‬وليس ذلك لكونهم علماء إسلام أو عربا؛‬ ‫غرابته‪.‬‬ ‫بل لكونهم كانوا فلاسفة أكثر من أولئك الذين‬ ‫اشتهروا باسم الفلسفة!‬

‫والثاني علم يسعى إلى فهم الظاهرة اللغوية بما‬ ‫تقوم الفلسفة عند المرزوقي على أساس التمييز‬ ‫‪ 20‬هي ظاهرة لغوية‪.2‬‬ ‫‪ ‬بين مدلولها الاصطلاحي الذي يفيد ضربا‬‫ومن هنا يمكن القول أنّ الأنساق الفلسفية مجرد‬ ‫معينا من التراث‪ ،‬هو محاولات الفكر‬‫أمثلة توضيحية للنظرية الفلسفية وليست موضوعات‬ ‫اليوناني وما ترتب عليها في الحضارات‬ ‫لها تستمد منها النظريات بالمنهج الاستقرائي‪.‬‬ ‫الإنسانية الموالية‪،‬‬ ‫‪ ‬وبين فعل السؤال الطبيعي عن العلل‬‫فالمضمون العلمي فيها هو حقائق حاصلة‬‫‪ 25‬يصوغها الفيلسوف للتدليل على نسقه ولا يكتشفها‬ ‫القصوى والمعاني النهائية للوجود‪.‬‬ ‫وبهذا يمكن أن نعتبر الضرب الأول أحد أشكال‬ ‫به‪.‬‬ ‫المعنى الثاني‪.‬‬‫فالمنهجية الفلسفية منهجية تمثيل وتعليل بعدي‬ ‫رغم ادعاء أصحابها الطابع القبلي‪،‬‬ ‫‪ 5‬إذ التعريف الاصطلاحي هو منتج ثقافي وتاريخي‬ ‫معين‬‫لذا سرعان ما ينقلب النسق الفلسفي عند‬‫‪ 30‬الفلاسفة إلى عائق يحول دونهم ومواصلة الإبداع‬ ‫بينما التعريف الثاني ينظر للفلسفة باعتبارها‬ ‫نشاط ذهني غير محدد المضمون ولكنه محدد‬ ‫العلمي في مجالهم‪.‬‬ ‫الموضوع‪ ،‬حيث يبحث في المبادئ الأولى لأي نشاط‬‫فالفكر الفلسفي هو فكر (ما بعدي) دائما لفكر‬ ‫‪ 10‬فكري إنساني‪،‬‬‫عصره النظري الأرقى‪ ،‬سواء كان الموضوع نظريا‬ ‫وكلما ارتقى أسلوبنا الفلسفي في التجريد كلما‬ ‫وطبيعيا أو عمليا وإنسانيا‪.‬‬ ‫اقتربنا من ميلاد الفكر الفلسفي‪.‬‬‫‪ 35‬إذ هو لا يمكن أن يسهم بالنقد واقتراح البدائل‬ ‫ولعل أفضل مثال يفهمنا القصد بالفرق‬ ‫لما لم يتقدم عليه في الوجود الحاصل أو الممكن‪.3‬‬ ‫‪ ‬بين العلاج العلمي الفلسفي الذي بلغ درجة‬‫ومعنى هذا أن الفلسفة هي عملية مساءلة‬ ‫التنظير الذي يعتد به‬‫متجددة لثمرات العلوم الطبيعية والإنسانية عن‬‫دلالاتها المرتبطة بتساؤلات الانسان الكبرى حول‬ ‫‪ ‬والعلاج الفني الذي لا يستأهل اسم العلم‬‫‪ 40‬طبيعة الحياة‪ ،‬غايتها‪ ،‬معنى الحقيقة‪ ،‬طبيعة العلم‬ ‫والفلسفة‪،‬‬ ‫الإنساني‪.‬‬ ‫ما نلاحظه من فرق بين النحو الخاص بإحدى‬ ‫‪ 15‬اللغات وعلم اللسان الذي يدرس اللسان بما هو لسان‬‫وهي بهذا المفهوم تعتبر شرطا في الدين الطبيعي‬ ‫الذي هو استعداد لفهم الدين المنزل‪.‬‬ ‫دون اعتبار كونه هذه اللغة أو تلك‪.‬‬‫الدين الطبيعي يعني تدين الانسان بمقتضى‬ ‫فالأول مجرد صناعة تستهدف اكتشاف بعض‬‫‪ 45‬فطرته قبل وصول الدين إليه من خلال مساءلته‬ ‫القواعد المساعدة على تعليم لغة من اللغات‪،‬‬

‫فعلى سبيل المثال نجد أن ابن خلدون لم يعتبر‬ ‫المستمرة لما حوله من الأشياء عن الدلالة التي‬‫الفلسفة العملية الموروثة عن اليونان علما نهائيا بل‬ ‫تحملها عن وجود الكون والانسان‪.‬‬‫‪ 30‬عدّها مجرد محاولات فلسفية لا صلة لأغلب‬ ‫أي أن المشتغل بالفلسفة لابد أن يكون عالما في‬ ‫تهويماتها بما يحدث فعلا في الوجود الاجتماعي‪.‬‬ ‫تخصص من التخصصات الطبيعية أو الإنسانية‬ ‫‪ 5‬حتى يكون قادرا على التفلسف = أي التساؤل حول‬‫لكن فلاسفتنا من الفارابي لابن رشد تصوروا‬‫مضمون محاورتي الشرائع والجمهورية علما عمليا‬ ‫معنى الظاهرات‪،‬‬‫مطلقا بدلا من النظر في إعادة صياغته لإثرائه‬‫‪ 35‬بالأحداث الجديدة التي لم يكن بوسع أفلاطون أن‬ ‫بل ويعتبر هذا الشرط علامة للتمييز بين‬ ‫التفلسف الحقيقي والتفلسف الزائف‪.‬‬ ‫يعلمها‪...‬‬ ‫ومن هنا يستنكر المرزوقي قائلا‪:‬‬‫أراد الفلاسفة أن يغيرّوا الحقيقة لتصبح مطابقة‬ ‫لما يتصورونه علما مطلقا‪.‬‬ ‫كيف لمن هو ليس عالما في أيبعد من أبعاد‬ ‫‪10‬‬ ‫الظاهرات الإجتماعية (كالاقتصاد‬‫لم يفهم من ّظرونا بعد أن الكلي العملي ليس أمرا‬‫‪ 40‬حاصلا دفعة واحدة بل هو في صيرورة دائمة يزداد‬ ‫والاجتماع) أن يتفلسف في مصائر الأمم؟‬‫خلالها ثراء بالمضمونات الجديدة التي تطرأ عليه‬‫فتطور شبكاته النظرية تطويرا يجعلها قادرة على‬ ‫فإذا كانت الفلسفة لا ترد إلى هذه الفنون العلمية‬‫الإمساك بالأحداث الجديدة وتفسيرها بتصور ما‬ ‫الإنسانية فهي كذلك ممتنعة من دونها لكونها شرط‬ ‫‪ 15‬إدراكها المتجاوز تماما كما هو الشأن بالنسبة‬ ‫يمكن أن يكون قوانينها‪.6‬‬ ‫للتفلسف في الطبيعة الذي لا غنى له عن العلوم‬‫‪ 45‬ويرى المرزوقي بأن جل القول الفلسفي العربي ما‬ ‫الطبيعية‪.‬‬‫يزال أقرب إلى القول الإنشائي الفوقي ومن ثم إلى‬‫القول العقدي البعيد شديد البعد عن القول العلمي‬ ‫إن التفلسف هو مراجعة للوصف العلمي لموضوع‬‫لكونه لم يصبح ذا أثر يحدده الجدل الدائم بين‬ ‫معين إما لذاته أو باعتباره أساسا لتعميم نموذجه‬ ‫‪ 20‬التفسيري بالمقارنة بين الواقع منه ومثاله الأعلى‬ ‫الممارسة النظرية والممارسة العملية‪،‬‬ ‫بمقتضى حده‪.4‬‬‫‪ 50‬باستثناء ما تم في مجال العلوم الإنسانية والأدبية‬‫لكونه قد حصل بصورة جعلت الممارسة النظرية‬ ‫لذا فكل من لم يتخلص من الحجب اللفظية يبقى‬‫تتطور بطبعها إلى أن تضع نفسها موضع السؤال‬ ‫حبيس التبسيطات المدرسية فلا يشرع في التفلسف‬ ‫الفلسفي فتصبح ذات قول ما بعد ذاتي لها‪:‬‬ ‫مهما اتسع اطلاعه‪،‬‬ ‫‪ 25‬بل لعل اتساع الإطلاع في هذه الحالة يصبح أكبر‬ ‫العوائق لظن صاحبه أنه بديل من حدة النفاذ وعمق‬ ‫الفهم‪.5‬‬

‫زاده الخاص إلى الإسهام في تحقيق الزاد الإنساني‬ ‫‪ ‬الأولى‪ :‬هي صفة الانفصال المعرفي بين‬ ‫العام تدرجا مسهما في إبداع هذا الزاد‪،‬‬ ‫القول الفلسفي وموضوعه من الممارسات‬‫‪ 25‬إذ دون ذلك لا تكون الكونية والكلية بين البشر إلا‬ ‫النظرية والعملية‪.‬‬‫الاشتراك في الحيوانية طبيعة والعبودية للسائد‬ ‫ففي الحالتين استعير القول الفلسفي وكأنه قول تام‬ ‫لكونه لم ينشأ نشأة ذاتية خلال ممارسة النظر‬ ‫تاريخا‪.7‬‬ ‫والعمل‪.‬‬‫بل إن استثناء العلوم الفلسفية بمنطق سد‬‫الذرائع هو العلة الرئيسية في تخلف الأمة الإسلامية‬ ‫وإذا فجله ليس قولا بصدد التحقيق من خلال جدله‬‫‪ 30‬ليس في مجال علوم الدنيا وحدها بل وكذلك علوم‬ ‫‪ 5‬مع مضمون مستمد من الممارسات الفكرية التي‬ ‫الدين‪.8‬‬ ‫يكون القول الفلسفي (مابعدا) لها‬‫ويمكن التأكيد على نفس المعنى من زاوية أخرى‬ ‫إذا استثنينا ما حصل في بعض العلوم التي يسلم‬‫إذا نظرنا إلى الأفكار والمؤسسات على أنهما منتج‬ ‫الجميع أنها من إبداع العرب والمسلمين عقلية كانت‬‫ثقافي يعبر عن رؤية لروح موضوعي يحتاج تبنيها‬ ‫أو نقلية‪.‬‬ ‫‪ 35‬إلى تحليل وتأويل‬ ‫‪ ‬الثانية‪ :‬هي صفة الانفصال الوجودي بين‬‫ومن ثم فكل استصحاب حال هو بقصد أو بغير‬ ‫القول الفلسفي وشروطه التاريخية‪.‬‬‫قصد استقالة روحية من الواجب الفكري والخلقي‬‫عندما يحصل من دون أن يتقدم عليه بحث فلسفي‬ ‫‪ 10‬ففي الحالتين لم يكن ما يجري في المجتمع الموضوع‬ ‫الحقيقي للممارسة النظرية وذا صلة وبما بعدها‬ ‫معمق‪.9‬‬ ‫النظري (الفلسفة) بل الموضوعات الحقيقية التي‬ ‫يتعلق بها النظر تعامل وكأنها أمر بائد ينبغي‬‫‪ 40‬وحتى اليوم لم يسهم الفكر الفلسفي إسهاما‬ ‫التخلص منه‪ ،‬لتعويضه بما يماشي الفكر الفلسفي‬‫جديا في حضارتنا الإسلامية‪ ،‬وذلك لعلتين هما‪:10‬‬ ‫‪ 15‬من الوقائع والمؤسسات والسنن المستوردة‪.‬‬‫العلة الأولى هي بناء المسلمين عمارة قيام‬ ‫‪‬‬‫حضارتهم المادية ونظامهم السياسي على‬ ‫فيصبح الفكر ذا موقف تسلطي لا يعلم الواقع ليعمل‬‫إلغاء جل مقومات نظرية الإسلام في‬ ‫فيه على علم بل يغصب الواقع بما يتصوره واقعا‬‫القيام المادي والسياسي خلال تبنيهم‬ ‫حقيقيا يطلب استبداله به نافيا المعطى الفعلي‬‫الاضطراري الأنظمة التي كانت موجودة‬ ‫ليعوضه بمعطى عقدي دافعه الأساسي ليس الحاجة‬ ‫في عصر ثورته‪.‬‬ ‫‪ 20‬الفعلية بل مجرد المحاكاة والتحديث السطحي‪.‬‬ ‫فالاستيراد الميت يصيب الأمم اللواقح بالعقم‬ ‫لكونه يحول دونها والمعاناة التي يتدرج الفكر من‬

‫للمقارنة بين علم ابن رشد المزعوم مثلا وعلم ابن‬ ‫وأما العلة الثانية فهي بناؤهم جل مقومات‬ ‫‪‬‬ ‫قرة الحفيد أو البيروني‪.‬‬ ‫نظرية الإسلام في القيام الرمزي والتربوي‬ ‫خلال تبنيهم الاضطراري الأنظمة بنفس‬ ‫المنطق فواصلوا نظام الاستبلاد التربوي‪.‬‬ ‫ولذا فإن سر توقف فعل التفلسف عندنا هو‪:‬‬ ‫‪ ‬عدم وجود الإبداع العلمي والنظري‬ ‫والمتصل لما بعدهما الطبيعي وبما بعدهما‬ ‫التاريخي‪.‬‬ ‫‪ ‬أن التجاوز الذي سعى إليه الفكر النقدي‬ ‫الذي نبع من المدارس الدينية لم يكن من‬ ‫أجل التجاوز المبدع بل كان فقط من أجل‬ ‫الدفاع العقدي عن المذاهب الدينية‬ ‫فلم يتجاوز مرحلة الجدل السلبي إلى مرحلة‬ ‫إعادة البناء المبدع لما بعد طبيعة وما بعد تاريخ‬ ‫جديدين‪.‬‬ ‫‪ 5‬ولا يغرنك ما تم من علوم رياضية وطبيعية في‬ ‫الحضارة العربية‪ .‬فهذه كانت بمعزل عن الفلسفة‬ ‫بما هي نظريات حاصلة لا بما هي فعل تنظير يكون‬ ‫واحدا في جميع العصور إذا كان القصد به الفعالية‬ ‫العقلية الباحثة في شروط الإدراك العقلي الهادف‬ ‫‪ 10‬إلى التفسير النسبي للظاهرات المدروسة بدليل‬ ‫الأمرين التاليين‪:‬‬ ‫‪ ‬أن العلوم الرياضية والطبيعية كانت من‬ ‫الممارسات الضرورية للحياة الاجتماعية‬ ‫والاقتصادية‪.‬‬ ‫‪ ‬الفلاسفة بالمعنى التقليدي للكلمة لم يكونوا‬ ‫ممن أسهم في هذه العلوم‬ ‫بل لو أن العلماء اتبعوهم فاستمعوا إلى ما كانوا‬ ‫يخرفون به لاستحال عليهم أن يتقدموا في العلوم‪،‬‬ ‫إذ كان كل سعي جديد لتجاوز العلوم اليونانية يعد‬ ‫‪ 15‬عند الفلاسفة معارضة للعقل والعقلانية‪ ،‬فلا وجه‬

‫‪ ‬عدم ترجمة أهم الأعمال الفكرية التي‬ ‫واستنادا على هذا نقول أن الفكر الفلسفي يستند‬ ‫تورث التاريخ الإنساني‪ ،‬أو رداءة من‬ ‫إلي مقومين هما‪:‬‬ ‫ترجم منها‪.‬‬ ‫‪ ‬المقوم الأول هو موسوعة العلوم التابعة‬ ‫‪ ‬عدم الشروع في التعريب السوي للعلوم‬ ‫عادة للشكل المعروف بالفلسفة والمصطبغ‬ ‫الطبيعية والإنسانية‪.‬‬ ‫بخصائصه‪.‬‬ ‫‪ ‬الوضعية التي تدرس بها الفلسفة في‬ ‫‪ ‬وأما المقوم الثاني فهو الموقف الوجودي‬ ‫الذي يؤسس عليه الفلاسفة هذه الموسوعة‬ ‫جامعاتنا العربية‪،‬‬ ‫فهي‬ ‫وما يترتب على هذا الأساس فيها‪.‬‬ ‫ولذا فإن منبع التميز الفلسفي عند أمة من الأمم‬‫إما اجترارا للتغني بماض فلسفي وحصر البحث‬ ‫فيما أثر في الغرب‪.‬‬ ‫‪ 5‬هو تصورها للهوية عامة‪ ،‬وهويتها خاصة‪.‬‬ ‫أو مجرد تدريس ميت لتاريخ الفلسفة الغربية‬ ‫ومن هنا كانت معرفة الذات منطلقا للاستقلال‬ ‫الحضاري والقيمي‪.‬‬‫‪ 25‬متناسية أن تدريس الفلسفة يكون فاقدا لكل‬‫معنى إذا لم يكن ذا صلة حية بالممارستين المولدتين‬ ‫وقد يظن البعض أن الاستقلال ومعرفة الذات‬‫له أعني الممارسة الموضوع‪ ،‬والأقوال النظرية التي‬ ‫يتنافى مع التتلمذ على الغير في مجال إبداعه‬ ‫تؤسس للممارسة في هذا الموضوع‪.12‬‬ ‫‪ 10‬وسبقه‪ ،‬وهذا غير صحيح‪،‬‬ ‫‪ ‬أن البحث النظري عامة والبحث النظري‬ ‫فالتتلمذ ظاهرة طبيعية وهو ظاهرة صحية إذا‬ ‫في مسائل النظر خاصة‪ ،‬يعده أصحاب‬ ‫تم بحسب قوانين التتلمذ الذكي‪،‬‬ ‫الرأي النفعي السائد مجرد سباحة في‬ ‫لكنه يصبح غباء إذا أصبح مجرد محاكاة وقد‬ ‫الأوهام‪،‬‬ ‫تربو هذه الخاصية إذا تحولت العلاقة إلى رفض‬‫وهذا الموقف علته غلبة الفكر الفقهي والسوقي‬ ‫‪ 15‬التعلم باسم التحرر من التتلمذ أو باسم فشل‬‫‪( 30‬نسبة إلى ذهنية السوق التجارية) على النخب‬‫العربية في التقاليد الوسيطة التي لا ترى فائدة في‬ ‫التتلمذ‪،‬‬‫التـأمل الفكري المجرد الذي تعده ابتعادا عن الواقع‬ ‫لا مانع من أن نستأنف التعلم الجدي من‬ ‫لظ ّنها إياه مقصورا على المدارك المباشرة‪.‬‬ ‫الغرب‪.11‬‬‫ومن هنا العزوف عن العلوم الأدوات والعلوم المجردة‬ ‫ذلك أننا لم نشرع بعد في التعلم الجدي‪ ،‬ويكفي‬ ‫‪ 35‬التي لا يتبين نفعها المباشر‪.‬‬ ‫‪ 20‬دليلا على عدم شروعنا في التعلم الجدي‪:‬‬

‫‪ ‬وكذلك أنصاف المثقفين الذين قصروا‬ ‫المعرفة على ملخصات الصحف الأجنبية‬ ‫ذات المنحى الجمهوري التقريبي وظنوها‬ ‫علما وفلسفة يغنيان عن معرفة الأصول‬ ‫اليونانية والعربية والغربية الحديثة‬ ‫والمعاصرة‪.‬‬‫لذلك بات التوجه إلى القارئ العربي بخطاب جدي‬‫–فلسفي نظريا أو دينيا عمليا– شبه مستحيل لكأنه‬‫سرعان ما يعزف عنه بمجرد غياب الكلام العام‬‫الذي عوده عليه فقهاء الوضع وأنصاف مثقفي‬ ‫‪ 5‬الحاضر‪.13‬‬





‫‪2013‬‬ ‫‪1983‬‬ ‫‪hg‬‬ ‫‪PMP‬‬‫‪2007‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook