Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore اخلاق العبيد او تشخيص امراض الامة العربية - ابو يعرب المرزوقي

اخلاق العبيد او تشخيص امراض الامة العربية - ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2018-09-06 11:22:13

Description: اخلاق العبيد او تشخيص امراض الامة العربية - ابو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫أخلاق العبيد‬‫أو تشخيص امراض النخب العربية‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬‫‪ -‬الفصل الثاني ‪7 -‬‬‫‪ -‬الفصل الثالث ‪12 -‬‬‫‪ -‬الفصل الرابع ‪18 -‬‬‫‪ -‬الفصل الخامس ‪25 -‬‬

‫‪--‬‬‫عندما اسهمت في علاج المناورة التي لجأ لها رئيس فقد ادواته كلها ولم يبق له إلا اللعب‬‫على الوتر الذي يمكن أن يرضي \"المسؤول الكبير\"‪ ،‬سعيت لتجنب الفخ الذي اراد نصبه‬‫للإسلاميين ظنا منه ومن ندمائه أنهم ما زالوا مغفلين كما كانوا في المراحل السابقة من‬ ‫تاريخهم السياسي الحديث‪.‬‬‫فضلت أن أنقل المعركة إلى أرضهم فجعلتها قانونية واقتصادية وثقافية‪ ،‬وخاصة في المجال‬‫الذي يفضح نفس ما فضحه المسعى إلى جعلهم يعودون بسرعة إلى الحكم حتى يتبين أنهم‬‫لم يتغيروا حتى يتأكد الشعب أن \"الحكومات الاربع\" هي من أكاذيب الكفاءة المزعومة التي‬ ‫\"مفيزت\" كل شيء في تونس‪.‬‬‫واحمد الله أن خاتمة هذا الاختبار كانت ردود فعل من مثقفيهم المزعومين‪ ،‬أعني الحثالة‬‫التي أغلبها من خريجي الحانات و\"بصاصي\" الداخلية والمخابرات من أدناهم إلى اعلاهم‪،‬‬ ‫وحتى ممن يتصورونهم زعماء أو قادة‪.‬‬‫فقد فضحتهم قضية التقرير كما فضحتهم الثورة‪ ،‬وبينت انهم بقايا \"ال ُقومية\" أو‬ ‫الحركيين‪.‬‬ ‫والآن أريد في هذه المحاولة الشروع في علاج قضيتين‪:‬‬‫• قضية فساد معاني الإنسانية في نخب الحداثة العربية عامة وفي نخب تونس ومصر‬ ‫خاصة (حصرا في من أعرفهم جيد المعرفة)‬‫• المرور إلى العلاج البنيوي والفلسفي لمسألة الفرائض وصلتي الرحم الكونية والجزئية‬ ‫في النساء من ‪ 1‬إلى ‪42‬‬‫وكان يمكن ألا أخوض في المسالة من هذا المنظور لو كان الأمر متعلقا بهذه القضية‬ ‫الظرفية قضية المناورة الرئاسية‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫لكن تنمر البعض ممن أراد‪ ،‬وإن بغير وعي‪ ،‬أن يعيد الإسلاميين إلى المربع الأول فيجعل‬‫المسألة متعلقة بتأويلات القرآن بدلا من علاجها بما يفسد إلى أعدائه لعبة التعالم‬ ‫الهرمينوطيقي‪.‬‬‫ولما كنت قد عريت الكثير من أدعياء الكلام في المسألة الدينية‪ ،‬وهم من حثالة أقسام‬‫العربية في تونس ومصر وفرنسا‪ -‬كلهم منها ناصر حامد أبو زيد‪ ،‬عركون‪ ،‬الشرفي‪ ،‬وهم‬‫اعلام التخريف حول الفكر الديني مع بعض أدعياء النقد الثقافي في الآدب‪ -‬وكنت جربت‬ ‫قراءة القرآن فلسفيا‪ ،‬فإن هذا المنظور بات مطلوبا‪.‬‬ ‫لذلك جمعت هذين المدخلين‪،‬‬ ‫• أولهما استكمالا للبحث في علل تخلف أدعياء الدفاع عن التحديث من نخب العرب‬‫• والثاني استكمالا للبحث في علل تخلف منه هم من جنسهم من أدعياء الدفاع عن‬ ‫التأصيل من نخب الإسلام‪.‬‬‫ورغم أني عربي‪ ،‬فإني اعترف بأن أكثر المسلمين تخلفا في التحديث والتأصيل هم العرب‪.‬‬‫ولا أعني بالعرب من هم عرب بالجنس‪ -‬وأنا من هؤلاء‪ -‬بل كل من صارت ثقافته عربية‬‫بعد أن خرجوا من تاريخ الحضارة الإسلامية ذاتها ونكصوا إلى الجاهلية‪ ،‬ولا يزالون من‬‫الماء إلى الماء‪ ،‬إذ هم في الاقليم أكثر شعوبه فوضى وتخلفا‪ ،‬وأكثرهم دعوى حداثية هم‬ ‫أقربهم للبداوة والقبلية من المغرب إلى العراق‪.‬‬‫وإذن فالقضية ليست عرقية وليست حتى حضارية‪ ،‬بل هي نكوص إلى ما قبل الحضارة‬ ‫الإسلامية‪:‬‬ ‫بدأ بسبب الانحطاط‪،‬‬‫ثم تدعم بسبب وهم استرجاع هويات سابقة على التاريخ الإسلامي في الأنظمة القومية‪،‬‬‫ولاحقة للتاريخ الإسلامي عند أدعياء الحداثة ممن تبنوا الدولة القومية بالمعنى الأوروبي‬ ‫دون ثقافتها‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وما لم نفهم أن النكوص مخمس الأبعاد‪:‬‬‫‪ .1‬نكوص بسبب الانحطاط بالخروج من التاريخ الإسلامي الفاعل والجمود في عادات‬ ‫القبلية التي حررنا منها الإسلام‬ ‫‪ .2‬نكوص إلى ما قبل الإسلام لتأسيس \"المحميات القطرية\" (فرعوني بابلي قرطاجني)‬‫‪ .3‬نكوص إلى القومية الاوربية في شكلها العنصري‪ ،‬ثم تبني التنظيمات السياسية الفاشية‬ ‫لأوروبا ما بين الحربين في الاحزاب القومية العربية‬ ‫‪ .4‬تبني النظام المزعوم اشتراكيا في الانقلابات العسكرية‬‫‪ .5‬وأخيرا تبني الأنظمة القبلية الأكثر تخلفا حضاريا رغم الثراء المادي لليبرالية‬ ‫والعلمنة بقيادة المراهقين‪ :‬علل الاستثناء العربي الخمسة‪.‬‬‫ذلك أن الدول الإسلامية التي تحررت مما يحول دونها والجمع السوي بين الأصيل‬ ‫والحديث‪ ،‬موجودة في غير المسلمين العرب أو الذين تعربوا من أهل الاقليم‪:‬‬‫فتركيا وماليزيا وإندونيسيا وحتى باكستان‪ ،‬كلها تمكنت بشيء من النجاح لا يستهان به في‬ ‫تحقيق ما يمكن اعتباره بداية الاستئناف السوي للبناء‪.‬‬‫وأذكر أن الكثير من البعثيين العراقيين والسوريين على حد سواء كانوا يعادونني لما كنت‬ ‫لا أصدق خطابهم‪ ،‬وخاصة عندما يدعون أن العراق مثل نمور آسيا وأنه قوة عظمى‪.‬‬ ‫كنت اعتبر هذه الكلمة \"قوة عظمى\" لها دلالتها عند القذافي في كلامه على ليبيا‪.‬‬ ‫واثبت التاريخ أن العراق أكثر تخلفا من بقية العرب‪.‬‬‫وما نراه في سوريا والعراق وليبيا وفي مصر وما سنراه في الكثير من دول الخليج التي تبدو‬‫غنية من أوهام الحداثة‪ ،‬لا يحتاج للكثير من العمق حتى نعلم أن العرب كلهم في الهوى‬ ‫سواء وأنهم ما يزالون استثناء لا بد من فهمه للتمكن من التغلب عليه‪.‬‬ ‫وأدق تفسير هو مفهوم \"فساد معاني الإنسانية الخلدوني\"‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫وبه أبدأ وصف النخب الخمس التي تتألف منها أي جماعة ذات أنظمة سياسية ومعرفية‬‫واقتصادية وثقافية وذوقية ورؤية تجعلها بحق جماعة يمكن أن تبني حضارة تعبر عن‬‫حرية الفرد وأخلاقه وعن قيم الجماعة وشروط قيامها رعاية وحماية‪ ،‬بحيث تصبح أهلا‬ ‫لأن تعتبر مواصلة لحضارة الإسلام‪.‬‬‫ولأبدأ بالنخبة الأولى أو النخبة السياسية‪ ،‬وهي أولى بمعنى أنها هي الابرز في تحليل‬‫مسار الشعوب ومصير الدول التي هي العبارة القانونية والحضارية لوجود الجماعة المنظمة‬ ‫بصورة تجعلها ذات كيان له سيادة تعبر عن قدرتيه‪:‬‬ ‫الرعاية والحماية الذاتين‪.‬‬ ‫وبين أن هذين مفقودتان في كل بلاد العرب‪.‬‬‫فالنخبة السياسية إذا كانت بحق نخبة وسياسية‪ ،‬هي النخبة التي تعبر عن إرادة الجماعة‪،‬‬ ‫وإذا كانت غير مفروضة على الجماعة فهي من اختارتهم ليكونوا معبرين عن إرادتها‪.‬‬‫فمن يستطيع ان يدعي صادقا أن من نسميهم ساسة عرب اليوم يعبرون عن إرادة الشعوب‬ ‫العربية بالمعنى الذي عرفته من الماء إلى الماء؟‬ ‫وعندي معيار بسيط للجواب عن هذا السؤال لأفهم من قد يجادل فيدعي أني أبالغ‪:‬‬‫الغ امرين وانظر في من تسميهم ساسة‪ ،‬هل سيتسابقون لتمثيل إرادة الجماعة كما‬ ‫يزعمون‪:‬‬ ‫• الغ السند الخارجي الذي ينصبهم عنوة ويعزل من يختاره الشعب‬ ‫• الغ ما صارت عليه السياسة مصدرا للإثراء السريع‪.‬‬‫إذا وجدت بعد هذين الإلغاءين نفس هذه الوجوه وبنفس هذا الحماس الذي يجعل تونس‬‫فيها ‪ 200‬حزب سأعترف لك بأني مخطئ في توصيفي للنخبة التي من المفروض ان تكون‬‫معبرة عن إرادة الجماعة‪ ،‬وفي الحقيقة تعبر عن إرادة من يوظفها لاستعباد الجماعة مقابل‬ ‫السماح لهم بنهب ما يبقيه لهم من مص دمها‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫فلو نحينا الفرض الخارجي والسياسة التي هي طريق سيارة للإثراء لغاب التزاحم على‬‫القيام بهذه المهمة الشاقة ولصار الكثير يزهد فيها‪ ،‬بل لصار من العسير إيجاد \"متطوعين\"‬ ‫لخدمة الجماعة \"لوجه الله\" أو \"لوطنية\" صادقة‪.‬‬ ‫بهذا نعلم الفرق بين \"صلاح معاني الإنسانية\" و\"فساد معاني الإنسانية\"‪.‬‬‫وهذا المعنى الذي أرجعه ابن خلدون إلى خلل في نظام التربية وفي نظام الحكم مفهوم‬‫يصف النخبة السياسية العربية ‪ -‬مع استثناءات لعل أبرز علاماتها وجودهم في السجون أو‬ ‫في المهاجر‪ -‬فلسفيا بالصفات التالية‪:‬‬ ‫نفسيا كسالى خلقيا منافقين انفعالا (تقية) وخبثاء فعلا (تحيل) يقبلون العبودية‪.‬‬‫والغاية هي كما وصفهم ابن خلدون \"يردون أسفل السافلين\" عندما تنظر في علاقتهم بمن‬ ‫وضعهم حيث هم أي سيدهم وعندنا نحن العرب أربعة أسياد لهؤلاء الأذلاء‪:‬‬ ‫• الذراعان إيران وإسرائيل‬ ‫• ومنه وراء الذراعين روسا وأمريكا‪.‬‬ ‫انظر من الماء إلى الماء إذا وجدت ما يخالف ما أصف فأنا كاذب وظالم‪.‬‬‫وهذا الوصف الخلدوني يناظر وصفا قرآنيا أبلغ لأنه يجمع في نفس السورة ‪ -‬صورة العصر‬ ‫الوجهين السلبي والإيجابي‪:‬‬ ‫• فالسلبي يسميه الخسر‪.‬‬ ‫• والإيجابي هو شروط الاستثناء منه‪.‬‬ ‫وهي خمسة‪:‬‬ ‫• أولها الوعي بهذا بفساد معاني الإنسانية الذي هو الخسر‬ ‫• والأربعة الباقية منقسمة إلى نوعين وصفا للفرد وللجماعة‪.‬‬ ‫فأما وصف الفرد فمضاعف وهو‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإيمان (الصادق)‬ ‫‪ .2‬والعمل الصالح (أصفت الصادق لان هنا شرط العمل الصالح)‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومثله وصف الجماعة‪:‬‬ ‫‪ .3‬التواصي بالحق طلبا للحقيقة‪.‬‬ ‫‪ .4‬التواصي بالصبر سعيا لتحقيقها‪.‬‬ ‫ومن ثم‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالأول يتعلق بالعقيدة والنظر أو الاجتهاد‬ ‫‪ .2‬والثاني يتعلق بالشريعة العمل أو الجهاد‪.‬‬‫والاجتهاد يتعلق بطلب الحقيقة من أجل معرفة شروط القيام المادي والروحي‪ ،‬لأن‬‫الإنسان مستعمر في الارض بقيم الاستخلاف وهما يقتضيان علوم الطبيعة وعلوم الأخلاق‬ ‫(مسألة ابستمولوجية وأكسيولوجية)‪.‬‬‫والجهاد يتعلق بتحقيقها بالعمل بما تقدم في الاجتهاد أي سد الحاجات المادية والروحي‬ ‫رعاية وحماية‪.‬‬ ‫تلك هي الازمة السياسية في بلاد العرب‪.‬‬‫الساسة مفروضون والساسة مافية تتقاسم مع ما يفرضه نهب الجماعة واستعبادها‪ ،‬وهي‬‫تستعمل قوة الدولة ليس لرعاية شعبها وحمايته‪ ،‬بل هي تستعملها للبطش به ولتطويعه‬ ‫وتغيير ثقافته وقيمه وحتى روحه ليكون عبدا ذليلا لها ولما يستعبدها‪ :‬عبيد لحماتهم‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫وإذا كانت النخبة السياسية هي ما وصفنا‪ ،‬وهي أردء تمثيل للإرادة لأنها معكوسة تماما‪،‬‬‫إذ لا تمثل إرادة الجماعة بل إرادة من نصبها عليها لتكون ذراع الاستعمار غير المباشر‬‫بالقوة المادية للمحمية‪ ،‬فإن النخبة الرؤيوية (نخبة النقل والعقل بالمعنى التقليدي) تمثل‬ ‫نفس الشيء ولكن بالقوة الرمزية‪.‬‬‫والنخبة السياسية تحتاج إليهما بنفس القدر‪ ،‬وهي نخبة عبودية من المستوى الثاني أي‬‫إنها تابعة للنخبة السياسية التي هي تابعة لمن نصبها على الجماعة‪ .‬فهي تختار أدواتها من‬‫النخبة الرؤيوية التي تتكلم باسم الأصالة لمخاطبة الداخل ومن النخبة الرؤيوية التي‬‫تتكلم باسم الحداثة لمخاطبة الخارج وتستفيد من المعارك الدينية بينهما كلما احتاجت إلى‬‫تلهيات أو مناورات من جنس التي يستعملها رئيس تونس بتقرير لجنة التسعة وحملات‬‫السيسي لما يسميه هو وطبالوه بمراجعة الخطاب الديني‪ ،‬معارك وهمية تلهي عن المآسي‬ ‫التي يمررونها باسم التحديث والتأصيل الكاريكاتوريين‪.‬‬ ‫فلنتكلم الآن على هذه النخبة الثانية في بلاد العرب‪.‬‬‫لن أتكلم عن المضطهدين من النخبتين‪ ،‬ولا أدعي أنهم بالضرورة يمثلون استثناء في هذا‬‫المناخ الذي تفرضه طبيعة المحميات التي \"شكلت\" لتكون بمقتضى حجمها الجغرافي ومنزلتها‬ ‫التاريخية فاقدة لشروط التنمية المادية والروحية فضلا عن التبعية‪.‬‬‫سأكتفي بمن لهم امتياز انتخاب الحكام لهم في الوظيفتين اللتين وصفت‪ ،‬أي لسان المافيات‬‫الحاكمة حكم عبيد تابع لمن نصبهم في خطابهم الموجه إلى الشعب والموجب إلى سيدهم الذي‬‫نصبهم على المحميات بأصنافه الأربعة أي الذراعين (إيران وإسرائيل) وسيدي الذراعين‬ ‫(روسيا وأمريكا)‪.‬‬‫وبين أنهم لو كانوا حقا يمثلون رؤى صادقة وفي خدمة شعوبهم‪ ،‬لما اختارهم حكام المحميات‬‫العربية ولو كان منهم من صادف أن \"مر\" في هذا الاختيار وكان من الصادقين ويريد خدمة‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫الشعب‪ ،‬فإن سرعان ما سيزج به في السجن أو سيضطر‪ ،‬طلبا للسلامة‪ ،‬إما إلى السكوت أو‬ ‫إلى الهجرة‪.‬‬‫وما أقوله ليس مقصورا على ما أعرفه عيانا في تونس‪ ،‬بل إنه ينسحب على كل بلاد العرب‬ ‫من الماء إلى الماء‪.‬‬‫ويكفي أن تذهب إلى أي بلد غير عربي حتى تجد الكثير من هؤلاء الفارين بجلدهم‪،‬‬‫والذين لو بقوا في بلادهم لماتوا جوعا ولنكل بهم أيما تنكيل‪ ،‬وطبعا لا يعني ذلك أن كل‬ ‫المهاجرين هم من هذا النوع‪.‬‬‫وقد اكتملت الصورة منذ أن أصبح سلاح تهمة الإرهاب أو الاخونة أو الإسلام السياسي من‬‫أهم ادوات تثبيت الأنظمة العميلة التي تتسابق في قتل كل من يشتم فيه رائحة الوطنية‪،‬‬‫فضلا عن الإسلامية‪ ،‬أو حتى النزاهة وحب الحرية الفكرية والاستقلال المنظوري في رؤية‬ ‫الأشياء المخالفة لدكتاتور بلده ونخبه‪.‬‬ ‫لكن الاخطر هو التنافس بين التابعين في التعبير عن التبعية‪:‬‬‫الكل صار من جنس الشعراء الكدائين في المدح‪ ،‬حتى بلغ ببعضهم إلى وصف اغبى مخلوق‬‫حكم مصر‪-‬السيسي‪-‬بما يقرب من صفات الالوهية‪ ،‬أما صفات الأنبياء فالكثير منهم تجاوزها‬ ‫في مصر على الأقل ومعه ممولو الثورة المضادة‪.‬‬‫والشيء الذي تبين لكل متابع‪ ،‬هو أن أدعياء الحداثة صاروا هم بدورهم ينافسون من‬ ‫كانوا يتهمونهم بأنهم فقهاء السلطان صاروا \"أفقه\" منهم في الطبل والزمر للسلطان‪.‬‬‫وإذا كان يوجد شيء يشين القضية الفلسطينية خاصة وكرامة الإنسان العربي عامة فهو‬ ‫\"مافية\" الإعلاميين العرب في الأوطان والمهاجر‪.‬‬ ‫وهذا هو الجامع بين الكاريكاتورين التحديثي والتأصيلي‪.‬‬ ‫أصبح لنا جامعيتان‪ :‬وغلبت جامعية التحديث الأكثر تطبيلا‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ففي عهد ابن علي برزت خاصية الجامعية التي تدعي الحداثة‪ ،‬فألفت كتبا تدعي‬‫التفلسف وقدمت محاضرات في \"حكمة\" ابن علي وفي \"فلسفته الخلقية\" وفي \"ثورته الهادئة\"‬ ‫وفي حكمة الحل ّاقة‪.‬‬‫وحكيمة الحل ّاقة المسكينة فقدت عقلها نهائيا وصارت تهذي وتحلم بعودة ابن علي علها‬‫تشبع رغباتها البدائية التي تعتبرها ثورة فكرية تبشر بتجاوز كل القيم لتعود إلى ما دون‬ ‫المائدة والسرير اكتفاء بما في اصطبل الحمير‪.‬‬ ‫ليست الوحيدة‪.‬‬ ‫جلهن يحلمن بالعودة ويتهمن الإسلام بحرمانهن من جناتهن البهيمية‪.‬‬ ‫فرضت الجامعيتان على العرب طيلة النصف الثاني من القرن الماضي الحرب بين‪:‬‬ ‫• كاريكاتور التحديث (العسكر)‬ ‫• وكاريكاتور التأصيل (القبائل)‬‫فدنسوا الحداثة والإسلام بكل ما يقدمونه بديلا منهما من قشور الحداثة والأصالة‪،‬‬ ‫فكانت النتيجة ابقاء العرب خارج التاريخ استثناء في العالم كله‪.‬‬‫لكنهم اتحدوا الآن ضد ثورة الشباب بجنسيه فأصبحت الجامعيتان والنظامان العسكري‬ ‫والقبلي متحالفين عليها لمضاعفة الذراعين‪:‬‬ ‫• بعضهم صار رديفا للذراع الصفوية‬‫• والثاني للذراع الصهيونية مع الذراعين وسندي الذراعين الذين نصبوهم للحرب على‬ ‫الشعوب التي ثارت ولن تتوقف حتى تحرر الأمة منهم جميعا‪.‬‬ ‫وهذه الوحدة تعني الكثير‪.‬‬‫فرغم أنها تبدو أنهم قد جمعوا للثورة وأنهم أقوياء وقد يتغلبون عليها إلا أن التاريخ‬ ‫يقضي بالعكس تماما‪.‬‬‫فالثروة الفرنسية رغم انحرافها النابليوني‪ ،‬هي التي انتصرت في النهاية على الحلف‬ ‫المقدس للأنظمة التي هزمتها عسكريا‪ :‬لكن قيم الثورة فرضت نفسها عليهم بأقدار‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫وهم الآن لن يحققوا حتى النصر العسكري الذي حققه الحلف المقدس الغربي ضد الثورة‬ ‫الفرنسية‪.‬‬‫ذلك أن أكبر ما يفاخر به العملاء وخاصة دجالو الممانعة هو الخضوع النهائي لإسرائيل‬‫وروسيا اللتين ستخرجهم صاغرين وثورة الشباب ما تزال على نفس القدرة للإطاحة بهم‬ ‫ولو بعد حين‪.‬‬‫وبخلاف الكثير‪ ،‬فإني اعتقد أن نصر الثورة لو كان سريعا وناجزا لما تجذرت بمعنيي‬ ‫التجذر‪:‬‬ ‫• فهي تتجذر في مرجعيتها بعد تحريرها من الكاريكاتورين‬‫• وهي تتجذر في وظائفها بعد تحررها من المطالب المباشرة وانتقالها إلى شروط المطالب‬ ‫المباشرة أعني تجاوز معيقات شروط التنمية المادية والعلمية‪.‬‬‫فالموجة الأولى من ثورة الشباب بجنسيه كانت شبه عفوية‪ ،‬لأن شعاراتها على عمقها كانت‬‫تعبيرا عن اللاوعي بالمرجعية وبالأهداف‪ .‬ولم تتدرج في الوعي بهما إلا بفضل هذه صمود‬ ‫الشباب الذي اجبر العالم كله على تأليف حلف ذي وجهين‪:‬‬ ‫• السكوت على كل المليشيات‬ ‫• وتكوين حركات المخابرات التي حاربت الثورة‪.‬‬ ‫ومع ذلك فشلوا‪ ،‬لأن‪:‬‬ ‫• احتياج النظام لإيران ومليشياتها‬ ‫• واحتياج إيران لبوتين وطائراته‬‫• واحتياج بوتين لتطمين إسرائيل بأنه لن يخرج إلا بعد أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه‬‫قبل الثورة‪ ،‬أي جعل نظام كلاب دمشق ومليشيا حزب الله حرسا لحدودها كما كان عليه‬ ‫الأمر تحت مسمى \"الممانعة\"‪.‬‬‫أما السيسي وحفتر والحوثيون وكل ما شابههم مع مراهقي الثورة المضادة ومموليها‪ ،‬فقد‬‫قيض الله له ترومب حتى يستعملهم بصورة تجعل شعوبهم تصبح في وضع الشعوب العربية‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫الاخرى التي ثارت على انظمتها لأنهم صاروا فاقدين لمن كانوا يرشونهم به من فضلات‬ ‫نهب ثرواتهم والعدوان عليهم‪.‬‬‫وبالمناسبة‪ ،‬فقد كنت دائما أدعو إلى جعل مافية ابن علي تعود إلى الحكم في أقرب وقت ‪-‬‬‫ومن هنا معارضتي للألاعيب حزب المرزوقي‪ -‬حتى لا تتحمل الثورة نتائج ستين سنة من‬ ‫سلوك مافياتهم‪.‬‬‫كان مطلبي أن تتبين للشعب خلال عودتهم أنهم ذيل الكلب الذي لن يستقيم‪ ،‬وستعود‬ ‫حليمة لعادتها القديمة‪.‬‬‫وكنت أتمنى لو أن الإسلاميين تركوهم يحكمون وحدهم حتى لا يتحملوا مسؤولية حكم لا‬‫سلطان لهم عليه حتى وإن كنت أجد لهم عذرا بعد ما حدث في مصر وما كانوا مهددين به‬ ‫منه تمصير الثورة التونسية‪ ،‬فكان الوجود في الحكم فعلا دفاعيا وليس حبا في الحكم‪.‬‬ ‫ورمزية المشاركة المضطرة لا تعفيهم من المسؤولة‪.‬‬‫وفي الغاية‪ ،‬فإن الأنظمة العميلة ومن يتحالف معها من الحزيبات التي تساندها والنخب‬‫الرؤيوية بصنفيها لم يعد لها تأثير يذكر‪ ،‬وهو ما جعل الاستعمار غير المباشر الذي يحميهم‬‫عاد فصار مباشرا وهو معنى الحاجة إلى تكوين احلاف ومبررات للتدخل ضد إرهاب هم‬ ‫صانعوه‪:‬‬ ‫فضحهم ترومب فسمى حضور جيشه باسمه‪.‬‬ ‫ألم يقل لهم نحن هنا لنحميكم فادفعوا وإلا فأنظمتكم ستتساقط كورق الخريف؟‬ ‫ويخطئ من يتصور أنه يحميهم من إيران‪ ،‬بل هو يحميهم من ثورة شبابهم بجنسيه‪.‬‬‫فإيران نفسها في نفس وضعيتهم‪ :‬شبابها بجنسيه أصبح يؤمن مثل شبابنا بأنه ضحية أنظمة‬ ‫عميلة إذ لا فرق بين روسيا وأمريكا رغم عنتريات \"زورو\" إيران‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫رأينا ان نخبة الإرادة (السياسة) ونخبة الوجود (اصحاب الرؤى) كلتاهما فسدت فيهما‬‫معاني الإنسانية بالمصطلح الخلدوني أو في خسر بالمصطلح القرآن‪ ،‬وهما يتمثلان البعد‬‫المادي والبعد الرمزي من قرار الجماعة المرتهن بإرادة من نصف الحكام الذين انتخبوا‬ ‫أصحاب الرؤية للخطابين الداخلي والخارجي‪.‬‬ ‫نفس هذه النسبة نجدها في النخبتين المواليتين‪:‬‬‫• نخبة العلم (أو نخبة البحث والتكوين) وهي تمثل المعرفة شرطا للفعل المادي خاصة‬ ‫سواء في الطبيعة أو في التاريخ‬‫• ونخبة الحياة (نخبة الفنون) وهي تمثل الذوق شرطا في الفعل الرمزي خاصة سواء في‬ ‫الطبيعة أو في التاريخ‪:‬‬ ‫سد الحاجتين المادية والروحية‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن النخبتين الاوليين ‪-‬نخبة الإرادة ونخبة الوجود‪-‬لا يمكنهما أن تفعلا شيئا‬‫وأن تحققا دورهما في الحماية والرعاية المادية والروحية من دون أن يكون للنخبتين‬‫الثانيتين‪-‬نخبة العلم ونخبة الحياة‪ -‬تحقيق التموين المادي والروحي للجماعة بما يبدعه‬ ‫العلم والفن لتموين الرعاية والحماية‪.‬‬‫ولا أعتقد أنه يوجد من يستطيع أن يقول إن هذين النخبتين تنتجان شيئا يسد الحاجة‬‫المادية تموينا للجماعة وتكوينا لناشئتها‪ ،‬وهذا تشخيص موضوعي للأمر الواقع لكن ذلك لا‬‫يمكن ألا يكون كذلك وإلا لكانت النخبتان الاوليان أولاهما تعبر عن إرادة الجماعة‪،‬‬ ‫والثانية عن رؤاها لشروط حريتها وكرامتها‪.‬‬‫ولا أحد يمكنه أن يستغرب من كون الجامعات العربية ومراكز البحث فيها من أكبر‬‫أكاذيب الأنظمة ونخبها‪ .‬فهي لا تنتج حتى ما يمكنها من تمويل ذاتها أو من إنتاج ما تحتاج‬‫إليه من أدوات تعليم بسيطة لأنها تعيش على العارية‪ ،‬ومثلها الفنون العربية التي هي‬ ‫نسخ مسيخة من أدنى مستويات فلكلور الغرب‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وحتى لا أظلم الباحثين والطلبة والاساتذة فلأذكر العلتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأولى سياسية‬ ‫‪ .2‬والثانية اقتصادية‪.‬‬‫• فأولا النظام الجامعي ليس نظاما حرا‪ ،‬بل هو خاضع للحكم الذي وصفنا وهو إذن‬ ‫مطلق التسييس‪.‬‬‫• وثانيا لا توجد دولة عربية واحدة قادرة على قاطرة البحث العلمي‪ .‬فحجم المحميات‬ ‫يحول دونه اقتصاديا‪.‬‬‫وحتى أدنى درجات البحث‪ ،‬فهي معدومة بحيث إن الجامعات هي مجرد مدارس ثانوية‬‫للتعليم الموجود بأضعف الإيمان دون مشاركة في إيجاد المنشود من البحث حتى في اقل البحوث‬ ‫كلفة‪.‬‬‫فعادة يتعلم الناس البحث العلمي في التعامل مع الموجود بذهن إعادة اكتشافه بالبحث‬ ‫وليس بحفظه بالتلقين‪ .‬وهذا أيضا مفقود‪.‬‬ ‫ولذلك علتان‪:‬‬‫‪ .1‬فاقل الكفاءات منزلة في سلم الاجور هم أهل التعليم بجنسيهم وفي كل مستوياته‬ ‫ما يجعل شروط التفرغ للبحث من رابع المستحيلات‬‫‪ .2‬وأقل المؤسسات تجهيزا للبحث هي الجامعات ومراكز البحث وخاصة ما تعلق منها‬ ‫بالوظيفتين الأساسيتين تطبيق المعرفة للإنتاجين المادي والرمزي‪.‬‬‫وأبرز مثال الفنون الطبيعة والفنون الزراعية والفنون التقنية حتى في التقنيات التي‬‫يكون فيها التجهيز قليل الكلفة ما يعني أن المؤسسات التعليمية لا تتجاوز التلقين القولي‬‫شبه الخالي من قابلية الانتقال من النظرية إلى التطبيق في أي مجال يمكن أن يسد حاجات‬ ‫الجماعة المادية والروحية‪.‬‬‫ويكفي مثال تداوي الأغنياء والحكام وبطانتهم ومعهم المافيات التي تمثل النقابات خارج‬‫الوطن بدلا من تجهيز المستشفيات الجامعية بما يمكن من الاستغناء عن العلاج خارج الوطن‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫وخاصة بالنسبة إلى رجال الدولة الذين من المفروض أن تكون ملفاتهم الصحية من أسرار‬ ‫الدولة‪.‬‬‫وهذا يحصل بعد أن بلغ سن الجامعات العربية والمؤسسات الاستشفائية ما يناهز القرن أو‬ ‫أكثر في بعض بلاد العرب‪.‬‬‫وإذن فلا تزال المؤسسات التربوية والبحثية ذات ثقافة قولية لا علاقة لها بالبحث العلمي‬‫وتطبيقاته في سد الحاجات المادية والروحية للجماعة‪ ،‬بل هي ثقافة عامة لا تتجاوز حفظ‬ ‫عموميات المعرفة‪.‬‬‫ولهذه العلة‪ ،‬فجل النخب الجامعية تنقسم إلى مكونين إيديولوجيين وخريجين عاطلين‪.‬‬‫فالتكوين لا يتجاوز إنتاج الموظفين‪ ،‬والحط من التكوين المنتج لما يسد الحاجات والخدمات‬ ‫المنتجة‪.‬‬‫والمثال أن تونس اليوم فيها ما يقرب من مليون عاطل وحاجة ماسة لعدة أعمال لا تجد‬ ‫من يستطيع ولا من يريد تعلمها‪.‬‬ ‫ولا أعتقد أن الوضعية التونسية فريدة‪.‬‬ ‫فالداء واحد في كل انظمة التعليم العربية بكل مستوياتها‪.‬‬‫ما تزال هذه الانظمة تعيش على رؤية تعليمية همها \"ثقافة\" الاقوال وتزيين الاذهان‬‫بالعموميات التي تثقل تكوين الأجيال ولا علاقة لها بثقافة الأفعال من أدناها إلى اسماها‬ ‫القادرة على سد الحاجات‪.‬‬‫والفنون كلها ما تزال رعوانية بمعنى أنها لا علاقة لها بالبحث العلمي وغالبها من جنس‬ ‫\"الميكانكيين\" العاديين الذين يتعلمون صنعة بالمحاكاة في إصلاح السيارات‪.‬‬‫ويمكن القول إنها \"مواهب\" غفلة لم تتجاوز \"تعلم الحجامة في رؤوس اليتامى\"‪ .‬فسد‬ ‫الحاجات الروحية في وضع أردء من سد الحاجات المادية‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ويمكن القول إن الفنون العربية ما تزال في مستوى الفلكلور الشعبي عديم التهذيب‬‫والذوق أو في مستوى التقليد الممسوخ لما يظن شبيها بالفنون الغربية دون العلم بأن هذه‬‫كلها مبنية على نظريات وعلى علوم الذوق الذي فيه ما هو خصوصي وما هو كوني من حيث‬ ‫المطالب وليس من حيث الأساليب‪.‬‬‫فيصبح الجميع مسترزقا بسبب ضرورات المعيشة ولا يتفرغ أحد بحق للبحث في العلوم‬ ‫والفنون وللإبداع فيهما‪.‬‬ ‫فيفسد شرطا كل قدرة وهي النوع الأخير من النخب‪:‬‬‫لن يكون الاقتصاد والثقافة أساسي الإنتاج المادي والروحي أو انتاج الثروة والتراث‬ ‫بإنتاج شروطهما أعني علاج العلاقتين الأفقية والعمودية‪.‬‬‫صحيح أن للثروة أساس‪ ،‬طبيعي وأن للتراث أساس تاريخي لكن الأساس الطبيعي لا يصبح‬‫ثروة من دون علاج العلاقة العمودية بين الجماعة والطبيعية وتلك هي وظيفة العلوم‬‫وتطبيقاتها ولا تراث من دون علاج العلاقة الأفقية بين الجماعة وذاتها خلال العلاج الأول‬ ‫شرط التبادل والثاني شرط التواصل‪.‬‬‫• وقد سمى ابن خلدون العلاج الأول العمران البشري‪ ،‬واعتبره للتعاون من أجل سد‬ ‫الحاجات المادية‬‫• وسمى الثاني الاجتماع الإنساني واعتبره للتواصل من أجل الأنس بالعشير أو‬ ‫الحاجات الروحية‪.‬‬‫فقدت فاعليتهما فلم يبق إنتاج اقتصادي للثروة وثقافي للتراث بل مافية للتجارة بالطبيعة‬ ‫والتاريخ والمنتجين‪.‬‬ ‫ما يسمى بالاقتصاد العربي لا يتجاوز‪:‬‬ ‫• تجارة المواد الأولية (البترول مثلا) لعدم القدرة على تحويلها‬ ‫• وتجارة التراث القديم (السياحة مثلا) لعدم إنتاج تراث حديث يعتد به‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫صحيح أن بعض العرب وجد تجارة أحقر من هذين وهي تجارة الجنس والتحديث السافل‬ ‫يجعل رزقهم مستمدا من المواخير العالمية‪.‬‬ ‫وواضح أن استمداد الرزق من المواخير غير ممكن من أحد حالتين‪:‬‬‫• ففي الغرب هو جزء ضئيل في الانتاجين المادي والروحي أي من الاقتصاد بشروطه‬ ‫العلمية والتقنية‬‫• ومن الثقافة بنفس الشروط لأن الثقافة جزء من الاقتصاد والاقتصاد جزء من الثقافة‬ ‫من حيث هما ثمرة الإبداع العلمي والتقني‪.‬‬ ‫أما في حالة انعدام علاج العلاقتين‪:‬‬ ‫• العمودية بين الجماعة والطبيعة‬ ‫• والافقية بين الجماعة والتاريخ بالعلوم وتطبيقاتها التي هي أساس الثروة والتراث‬‫فأساس الارتزاق بالجنس والمواخير هو إما البترول أو السياحة وما يتبعهما من تجارة‬ ‫بفضلات إنتاج الشعوب الأخرى‪ :‬وتلك هي حال العرب اليوم‪.‬‬‫وبذلك تكون نخبة القدرة هي مافيات الجماعة التي استبدت بالثروة الوطنية وبالتراث‬‫الوطني وهي التي أقعدت أساس كل ثروة أعني نخبة العلم ونخبة الفن اللتين صارتا مجرد‬‫جيش من العاطلين لأنهم لا ينتجون شرط كل إنتاج‪ ،‬أي الإنسان والعلوم وتطبيقاتها‬ ‫والفنون وتطبيقاتها‪ :‬إيديولوجيا وملاهي سافلتين‪.‬‬‫فبعد قرنين من محاولات النهوض ‪ -‬قرن تحت الاستعمار المباشر وقرن تحت الاستعمار‬‫غير المباشر الذي تبين أنه أشد وأمر من الاول‪ -‬لم نسمع ببلد عربي واحد يستحق العالم‬‫لغير مواده الخام ولمناخه ولتراث الحضارات التي مضت ولم يكن له فيها دور كبير يذكر‪.‬‬ ‫والعلة انتحال صفة النخبة العلمية والفنية‪.‬‬‫وهذا الانتحال هو الوحيد الذي يلغي وجود من يعتبر عالما بحق وفنانا بحق‪ ،‬لأن من ليس‬‫طالبا للقدرة الفعلية في سد الحاجتين المادية والروحية هو الذي ينتخب المنتحلين مثله حتى‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫يسيطر على الثروة الطبيعية والتراث التاريخي بضاعتين بخستين والتجارة التابعة في‬ ‫فضلات ما ينتجه غير شعبه‪.‬‬ ‫وبذلك أكون قد بينت خفايا ما يبدو غير مفهوم في عمل النخب الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬نخبة الإرادة التي لا إرادة لها‬ ‫‪ .2‬ونخبة الرؤية التي لا رؤية لها‬ ‫‪ .3‬ونخبة العلم التي لا علم لها‬ ‫‪ .4‬ونخبة الفن التي لا فن لها‬ ‫‪ .5‬ونخبة القدرة التي لا قدرة لها‬ ‫لأنها مافيات نصبها سيد المنتحلين الذين اختارهم ليكونوا في خدمة مشروعه‪.‬‬‫وبالكلام على المشروع الذي هم في خدمته والذي هو لصالح من نصبهم‪ ،‬أنتقل إلى القسم‬ ‫الثاني من هذه المحاولة في الفصلين المواليين للجواب عن السؤال التالي‪:‬‬‫لماذا صارت هذه النخب المنتحلة سكاكين تقطع كل ما في الإسلام من شروط العزة والكرامة‬ ‫التي تحرر الأمة من هذه الانتحالات الخمسة؟‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ابدأ المسالة الثانية المتعلقة بقضية المواريث في سورة النساء بتعليل وصلها بما وصفت به‬‫أخلاق النخب الخمسة التي هي أدوات الحل والعقد في مرحلة الاستعمار غير المباشر‪ ،‬والتي‬‫هي كلها أو مطلق جلها منتحلة صفة تمثيل إرادة الجماعة وعلمها وقدرتها وحياتها ورؤيتها‬ ‫الوجودية‪ :‬هم عبيد من نصبهم‪.‬‬ ‫كان لا بد من بيان ذلك بالأدلة القاطعة في مجال‪:‬‬ ‫‪ .1‬الإرادة السياسية‬ ‫‪ .2‬والرؤية الوجودية‬ ‫‪ .3‬والمعرفة العلمية‬ ‫‪ .4‬والذوق الفني‬ ‫‪ .5‬والقدرة‪:‬‬ ‫• المادية (الاقتصاد)‬ ‫• والروحية (الثقافة)‬‫علة لكل ما تقدم عليها ولكونه على ما هو عليه ومن ثم شرطا لفهم ما عليه العرب من‬ ‫الاستثناء في الراهن التاريخي من كل الوجود‪.‬‬‫وكل ذلك حتى لا يكون كلامي على الفهم المعكوس سواء بقصد‪ ،‬أو لما وصفنا من الانتحال‬‫لحضارتهم ولحضارة الغرب وخاصة لشروط نهوض الامم سواء بصورة عامة أو بالقياس إلى‬ ‫من شرع في النهوض معهم منذ منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫لماذا ما يزال العرب ذيلا في كل شيء رغم ما لهم من إمكانات مادية وروحية؟‬ ‫الجواب عن هذا السؤال واضح وضوح الشمس في القيلولة‪:‬‬ ‫فهو يتبين من طبيعة الصفوف في المعركة الجارية حاليا بين‪:‬‬ ‫• ثورة الشباب بجنسيه‬ ‫• والثورة المضادة بصفها العسكري والقبلي‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• وبمن يحتمون‬‫ويتبين من الموقف الذي لا يختلف عن موقف كل أعداء الإسلام والقرآن والحركات‬ ‫الإسلامية التي تسعى للاستئناف‪.‬‬‫لما أسهمت في الكلام على تقرير لجنة التسعة‪ ،‬رفضت موقف رد الفعل وسعيت إلى الفعل‪،‬‬‫فحللت الإشكالية بالمعرفة الإنسانية الخالصة أي بفلسفة القانون وبالتفاعل بين الاقتصادي‬‫والثقافي ودور الأنثروبولوجيا في دراسة العلاقة بين الزواج والملكية وتبادل الثروة والنساء‬ ‫في المجتمعات البشرية‪.‬‬‫ذلك أن الفخ الذي نصب للإسلاميين للعودة بهم إلى المقابلة بين الديني والعقلي وتحويل‬‫المعركة التي حسمها الدستور إلى إشكالية الهوية والمرجعيات التي بني عليها الدستور‬‫الثاني‪ ،‬وحتى الأول‪ ،‬كان خطة السبسي ليستعيد وحدة حلف المافيات التي تريد إفشال‬ ‫الثورة والانتقال الديموقراطي في تونس‪.‬‬‫والآن وقد برهنت على ما قصدته بأن معدي التقرير أميون وأنهم لا علاقة لهم بالقانون‬‫والاقتصاد والانثروبولوجيا‪ ،‬وخاصة بما يدعونه من الاندراج في مدرسة الاجتهاد التونسية‬‫والعمل بالمقاصدية‪ ،‬يمكنني أن أفرغ للبحث في النظام الخفي والأسرار العظيمة لنظرية‬ ‫المواريث القرآنية في سورة النساء‪.‬‬‫بعد أن بينت أن العملية كلها عملية سياسوية من الرئيس يسندها كاريكاتور التحديث من‬‫نخب تنتحل صفات ليس لها منها غير الأسماء يمكن أن اعود إلى كاريكاتور النخبة الثاني‬‫الذي يدعي الكلام في المسائل الدينية والاجتهاد سواء كانوا ممن يدعون التحديث بمنطق‬ ‫فقه الواقع أو من التقليديين‪.‬‬ ‫وهؤلاء أخطر من أولئك‪:‬‬ ‫فالاجتهاد في فهم القرآن لا يكفي فيه النوايا‪ ،‬وخاصة ما يبدو منها طيبا‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وقد سبق أن بينت في محاولات عديدة أن القرآن وقع له ما وقع لدار الإسلام‪.‬‬‫فهذه فتتت لتصبح محميات‪ ،‬وهو فتت لتستخرج منه أشباه علوم هي ما يسمى بعلوم الملة‬ ‫وكلها عكس ما يطلبه القرآن من البحث العلمي‪.‬‬‫استخرجوا منه التفسير بأنواعه التي هي تفتيتية لأنها لم تنطلق من نظامه وعملت‬‫بعكس ما طلب (أمرا في فصلت ‪ 53‬ونهيا في آل عمران ‪ ،)7‬ثم بنوا عليها العلوم الفرعية‬‫الأربعة أي الفقه واصوله والتصوف وأصوله في العمل والكلام وأصوله والفلسفة وأصولها‬ ‫في النظر‪.‬‬ ‫وهي زائفة لعجزها عن علاج العلاقتين‪.‬‬‫فلو طبقت أمر فصلت ‪ 53‬لأمكن لها علاج العلاقة العمودية ليكون الإنسان بحق مستعمرا‬‫في الارض أي قادرا على استخراج شروط قيامه المادية والروحية من الطبيعة والتاريخ‪،‬‬‫ولو طبقت نهي آل عمران ‪ 7‬لما وقعت في مباحث الغيب التي لا تقبل التحقق مما فيها‬ ‫فاستحال على المسلم أن يكون خليفة‪.‬‬‫لا أنوي العودة إلى هذه المحاولات‪ ،‬بل اكتفي بهذا التذكير السريع لأبحث في مسألة‬‫المواريث كما حددتها سورة النساء باتباع ما أمرت به فصلت ‪ 53‬وما نهت عنه آل عمران‬ ‫‪:7‬‬‫أي إن مسعاي لن يذهب مباشرة إلى نص القرآن‪ ،‬بل يعود إليه بعد النظر في ما يرينه‬ ‫الله منه آياته في الآفاق والانفس‪.‬‬‫فإذا كان القرآن يقول إن تبين حقيقته يكون بما يرينه الله من آياته في الآفاق والأنفس‬‫فإن المنطلق لفهم آيات القرآن (بمعنى وحدات نصه الدنيا) هو آيات الله في الآفاق‬‫والانفس مع تجنب ما يتجاوز ما يقبل الشهادة والخوص في الغيب حتى يكون لنا معيارا‬ ‫موضوعيا نحتكم إليه لانتخاب التأويل الأصوب‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وبين أن الآفاق والانفس تعني‬‫• أولاهما ما في الاعيان مما يحيط بالإنسان أي العالم الطبيعي والعالم التاريخي ومنهما‬ ‫كيان الإنسان العضوي والروحي بوصفه كيانا طبيعيا وتاريخيا‬‫• والثانية تعني ما في الأذهان من ذلك أو ما ينعكس من الاولى في الثانية ومن الثانية‬ ‫في الأولى والحصيلة هي الحضارة‪.‬‬‫وبهذا المعنى‪ ،‬فالقرآن حدد منهج فهم دلالاته وحصرها في ما يقبل الشهادة من الوجود‬‫ما يعني أن كل كلام على ما يتجاوز ما يقبل الشهادة بالفعل أو بالقوة لا يمكن أن يعتبر‬‫فهما للقرآن‪ ،‬بل هو تحكم تأويلي لا ينتسب إلى علم الدلالة لان الدلالة تعني إحالة رمز‬ ‫إلى أمر مرموز قائم بذاته خارجه‪.‬‬ ‫وهذا يعني التخلص النهائي من اسطورة النقل والعقل بوصفهما جنسين متقابلين‪:‬‬‫فلا يوجد علم عقلي دون نقل حتى في الطبيعيات‪ ،‬لأن النقلي فيها هو ما يجعلنا بحاجة‬‫إلى التجربة التي تعتمد على المعطيات المستقلة عن تحكم العالم وبها تقاس صحة فرضياته‪.‬‬ ‫ولا يوجد علم نقلي دون عقل حتى في الفقهيات‪.‬‬ ‫بل وحتى في الصوفيات‪.‬‬‫أما الكلاميات والفلسفيات فهي إما ما بعد قول في علوم الطبيعة وفي علوم التاريخ وفي‬‫الفقهيات والصوفيات (الوجدانيات أو ما لا ينقال من التجارب الروحية) ومن ثم‪،‬‬‫فاحتكامها إلى النقلي غير مباشر بتوسط الطبيعيات والفقهيات والتاريخيات أو هي من جنس‬ ‫الميثولوجيا واليتوبيا‪.‬‬‫ويوجد وسط بين هذين هو التوظيف الديني التي تحول العقائد إلى أدوات إيديولوجية‬ ‫سواء كانت هذه العقائد ذات لون ديني أو لون فلسفي‪.‬‬ ‫• ومن الأول تخريف التشيع والباطنية‬ ‫• ومن الثاني تخريف الماركسيين عامة والحداثيين العرب خاصة‪.‬‬ ‫ولذلك فلا عجب من تحالفهما ضد الفهم السوي للديني والفلسفي عامة‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫وبذلك يتبين أن ما سأقوله في مسألة الفرائض بمنظور ديني استنادا إلى النساء لن يختلف‬‫عما قلته فيها من منظور قانوني واقتصادي وثقافي وانثروبولوجي‪ ،‬لان الدلالات التي‬‫قصدها القرآن بأمر من فصلت ‪ 53‬وبنهي منه آل عمران ‪ 7‬لا يمكن اكتشافها خارج الآفاق‬ ‫والانفس أي في قوانين هذه المجالات وسننها‪.‬‬ ‫وهذا يقتضي أمرين‪:‬‬‫‪ .1‬يستحيل الذهاب مباشرة للآيات القرآنية من حيث هي الوحدات الدنيا لنصه بل‬ ‫لا بد من واسطة بينها وبين الآيات التي يرينها الله في الآفاق والانفس‪.‬‬‫‪ .2‬وهذه الواسطة مجانسة للواسطة في كل معرفة علمية‪ :‬نفترض بنية للظاهرة‬ ‫نعتبرها قانونها ونختبر الفرضية بتجليات الظاهرة‪.‬‬ ‫فماذا عندي في كلام سورة النساء على المواريث؟‬ ‫وسأكتفي بالآيات من ‪ 14‬إلى ‪.42‬‬‫هل توجد بنية خفية يمكن الاعتماد عليها فرضيا في البداية تفسر لنا كل ما ورد في هذه‬‫الآيات لعلاج إشكالية المواريث في نظام متناسق هو النظام الذي تتجلى حقيقته في الآفاق‬ ‫والانفس فتثبت أن نظامها القرآني أفضل حل؟‬‫بعبارة وجيزة هل يوجد في ما يثبته التاريخ الإنساني للقانون والاقتصاد والثقافة‬‫والانثروبولجيا (وهذه هي ابعاد الآفاق والانفس) ما يمثل بنية عميقة تعلل الحل القرآني‬‫الوارد في آيات النساء من ‪ 1‬إلى ‪ 42‬أم هي مجرد تحكم ليس له ما يعلله في ما نراه من‬ ‫آيات الآفاق والانفس مما يبين أنها حق؟‬‫ذلك أننا نعمل بما أمرت به فصلت ‪( 53‬الاقتصار على ما يقبل الشهادة) وبما نهت عنه‬‫آل عمران ‪( 7‬عدم ادعاء علم الغيب بدعوى الرسوخ في العلم إلى حد الإحاطة فنعطف‬ ‫علمنا على علم الله الذي له وحده تأويل المتشابه أي الخطاب المتعلق بالغيب)‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فحتى خرافة المقاصد لا تمشي معنا‪.‬‬ ‫فلا أحد يعلم مقاصد الله ما هي فيستنبط منها أحكاما ما أتى الله بها من سلطان‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أحكام الله لا تؤخذ بمقاصدها بل بكونها أحكامه عند من يؤمن به‪.‬‬‫وفي الحقيقة فالقول بالمقاصد هو اساس القول بالتاريخية والفرق الوحيد هو أن هذه‬ ‫لتلغي الأحكام وتلك لتضيف الأحكام‪.‬‬ ‫وكلتاهما توهم العلم المحيط‪.‬‬ ‫وبإيجاز‪:‬‬ ‫‪ .1‬لا يمكن الذهاب لفهم القرآن مباشرة لآياته بمعنى الوحدات الدنيا من نصه‬ ‫‪ .2‬هو حدد مجال البحث عن دلالاته التي تبين حقيقته (فصلت ‪)53‬‬‫‪ .3‬وحدد منهج تعامله مع التراث الإنساني بمنهج التصديق والهيمنة اي إنه دائما‬ ‫استعراض نقدي لما تقدم عليه في مجالاته وموضوعاته‬ ‫‪ .4‬ونهى عما يحول‬‫فهمه من حيث هو رسالة تذكير خاتمة أي التذكير النهائي للإنسانية كلها‪ :‬فما يذكر به‬ ‫نوعان وعلاقتان بينهما وحصيلة‪.‬‬‫‪ .1‬فهو يذكر بما يعود للذات الإلهية خلقا وأمرا وكلاهما هما ما هما وهما من الغيب‬‫ولا معنى لمحاولة تأويلهما لأن شرطه العلم المحيط وهما إذن من مجال الغيب المحجوب حتى‬ ‫على الرسل‬‫‪ .2‬وهو يذكر بما يعود إلى الإنسان من حيث هو المرسل إليه فيصفه بما يدركه من‬‫ذاته من الصفات الخمس التي هي شروط تكليفه أعني الإرادة والعلم والقدرة والحياة‬‫والوجود فيكون بوصفه مكلفا مختارا بين الحرية والعبودية والصدق والكذب والخير والشر‬ ‫والجمال والقبح والجلال والذل‪ .‬والموجب يجعله خليفة‪.‬‬‫‪ .3‬وهو يذكر بمضمون الرسالة المتعلقة بدور الإنسان مستعمرا في الارض ومستخلفا‬‫فيها وبما جهز به لتحقيق شروط أهلية الاستخلاف في تعمير الارض بقيم الاستخلاف أو في‬ ‫تدميرها كما وصفته الملائكة‪.‬‬ ‫‪ .4‬وهو يحدد نظاما تربويا وسياسيا يعد الإنسان لتحقيق ذلك‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .5‬وأخيرا يعتبر التكليف آيلا إلى محاسبة‬‫وطبعا إذا كان الإنسان مكلفا ومحاسبا على أفعاله وأقواله‪ ،‬فلا بد إذن أن يكون اختيار‬ ‫الدين من الحريات وشرطه تعدد الأديان‪.‬‬ ‫وذلك هو مضمون البقرة ‪ 256‬والمائدة ‪.48‬‬‫وبذلك تكون الرسالة نظاما متناسقا وكل محاولة لفهم نظام المواريث خارج هذا النسق‬ ‫بالمقاصدية أو بالتاريخية دليل جهل وليس علم‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ما الإطار الذي يمكن انطلاقا منه أن نحدد فرضية حول البنية العميقة لنظام المواريث‬ ‫كما تعين في الآيات ‪ 42-1‬من سورة النساء؟‬ ‫لا بد أن يكون هذا الإطار مضاعفا‪:‬‬ ‫‪ .1‬ذا صلة بطبيعة الرسالة من حيث هي تذكير أخير وخاتم ذات طابع كوني‬ ‫‪ .2‬ذا صلة بعلاقة الأمر بالخلق أي بتشريع كوني في عقيدة كونية‪.‬‬ ‫فتكون الفرضية كافية لفهم هذين المستويين‪:‬‬ ‫• استنادا إلى نظرية كونية في الديني وفي الأنثروبولوجيا الدينية (نظرية الإنسان)‬‫• وضع تشريع يشمل مقومي الوجود الإنساني أي شروط قيامه المادية والروحية‬‫وشروط قيامه العضوية أي نظام الأرحام والزواج في علاقة بهما وبالتوازن المحافظ عليهما‬ ‫معا‪.‬‬ ‫ولنبدأ بالمستوى الأول أعني كونية الديني ونظرية الإنسان القرآنية‪:‬‬‫الآية الأولى تضع مفهومين دينيين للخالق والمشرع (الرب والإله) ومفهوم لصلة الرحم‬ ‫(الكوني بداية الآية والجزئي نهايتها)‪.‬‬‫فالرب للجميع وهو ليس اختياريا‪ ،‬والله بتعدد الرؤى والعقائد وهو اختياري يحسم يوم‬ ‫الدين (المائدة ‪.)43‬‬ ‫إطار الفرضية مضاعف‪:‬‬ ‫نظرية الخالق والمشرع فيها‪:‬‬ ‫• ما هو كوني واحد لأنه شبه علاقة طبيعية بالربوبية‬‫• وما هو جزئي ومتعدد لأنه اختياري بحسب التعدد الديني الذي يعتبره القرآن‬ ‫(المائدة ‪ )48‬شرط التسابق في الخيرات‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ومن ثم فتعدد العقائد ليس مسموحا به فحسب‪ ،‬بل هو مطلوب لغاية السعي الحر إلى‬ ‫الحقيقة‪.‬‬ ‫وتضع الآية مفهومين للرحم‪.‬‬‫‪ .1‬الأول كوني ومضطر مثل الربوبية لأن البشر أخوة بايولوجيا لأنهم جميعا من‬ ‫نفس واحدة‪.‬‬‫‪ .2‬والثاني جزئي وحر مثل الالوهية لأن الأسر تتكون في الغالب بالاختيار ومن‬ ‫الأقرب فالأقرب بحسب ظروف الاختيار‪.‬‬ ‫فما الأثر على التوفيق بين الاقتصادي والبايولوجي في قيام النوع وبقائه‪.‬‬ ‫الجواب شرطه الانتقال من الخلق إلى الأمر أو من العقدي إلى الشرعي‪.‬‬ ‫حددنا الإطار العقدي ولم نحدد الإطار الشرعي‪:‬‬ ‫هل التشريع يكتفي بالعقد؟‬ ‫أم إن له اعتبارات أخرى هي ما تلا الآية الأولى مباشرة؟‬ ‫فلا بد من تحديد‪:‬‬ ‫• وظيفة التشريع‬ ‫• ووظيفة المال‬ ‫• ووظيفة الأسرة‬ ‫• ووظيفة المواريث‬ ‫جمعا بين الرحمين‪.‬‬‫لكن ذلك لا يكفي‪ ،‬لا بد من تحديد درجة التشريع لأن التشريعات متراتبة كما هو معلوم‬ ‫إذ إن صفات افعال العباد في الشريعة الإسلامية مخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬الدرجة صفر أو المباح‬ ‫‪ .2‬ثم الموجب له درجتان هما‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• الواجب‬ ‫• والمندوب إليه‬ ‫‪ .3‬والسالب له درجتان هما‬ ‫• المحظور‬ ‫• والمكروه‪.‬‬ ‫وتصنيف رتب التشريع موجودة في هذه الآيات‪.‬‬ ‫وهي على صنفين‪:‬‬ ‫• الأول يتعلق بما ينتسب إلى الرحم الجزئي وهو لب نظام المواريث‬‫• والثاني يتعلق بما ينتسب إلى الرحم الكلي وهو اختياري في نظام المواريث (مثل الجار‬‫وكل من يحضر قسمة التركة دون أن يكون من الرحم الجزئي أو منه دون أن يكون من‬ ‫المعدودين في الورثة الذين يحددهم القسم الاول)‪.‬‬‫ويدخل ضمن هذا الرحم الكوني رعاية الأيتام دون شرط القرابة ورعاية المساكين‬‫إلخ‪ ..‬من أقسام الإنفاق الذين حددتهم الآية ‪77‬من البقرة ولكن يبقى ذلك ضمن السهم‬ ‫الاختياري الذي يقرره الورثة المعينين في الصنف الاول‪.‬‬ ‫وكل هؤلاء من الصنفين يتحددون في نظرية المال القيام وضرورة حفظه (النساء‪.)5‬‬ ‫وأخيرا فإن تحديد درجات التشريع في الآيات جاء على النحو التالي‪ .‬فهو‪:‬‬ ‫‪ .1‬وصية إلهية‬ ‫‪ .2‬وهو فرضية إلهية‬ ‫‪ .3‬وهو حد إلهي‬ ‫‪ .4‬وهو محدد للمآل يوم الحساب‬‫‪ .5‬لكنه يحفظ حق المالك في الوصية وفي وراثة نفسه تحريرا له من ديونه إذا كان‬ ‫مدينا لغيره‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويمكن الآن أن نحدد مجال انطباق نظام المواريث القرآني‪:‬‬ ‫‪ .1‬القلب هو وراثة المالك لنفسه لتحريره من دينه‬ ‫‪ .2‬وراثة فروعه‬ ‫‪ .3‬وراثة أصوله‬ ‫‪ .4‬وراثة نسائه وأقربائه‬‫‪ .5‬وأخيرا بتطوع من الأربعة سهم المنتسبين إلى الرحم الكوني من حاضري قسمة‬ ‫التركة‪ .‬زعم \"يوم يفر المرء‪ ...‬أساسا للتوريث\" غير صحيح‪.‬‬‫سأكتفي بمثالين يبينان أن ما جاء في نظام الفرائض كما حددته الآية ‪ 11‬من النساء‬‫يتبين أنه الحل الذي يوفق بين الاقتصادي والبايولوجي السويين أي بين الرؤية الاجتماعية‬‫لوظيفة الملكية والرؤية السوية لشروط الصحة العضوية للأجيال بمنع حفظ الملكية في‬ ‫الأسرة حائلة دون التزاوج الخارجي‪.‬‬‫فالعلة الرئيسية للتزاوج الداخلي الضار عضويا‪ ،‬هي الخوف على خروج الملكية من‬ ‫الاسرة‪.‬‬‫لذلك فالحرص على التزاوج الداخلي هو الذي يغلب الاقتصادي على السلامة العضوية‬ ‫فيكون الميراث الاقتصادي معاديا للوراثة العضوية‪.‬‬ ‫فكيف نيسر تبادل النساء بين الجماعات يحقق الكونية ولا ينافي حفظ الملكية؟‬ ‫هذا هو التوازن الاول بين الأخ والأخت‪.‬‬ ‫يوجد توزان ثان يبدو معاكسا له‪:‬‬ ‫لماذا الزوجة التي لم تلد ترث ضعف التي ولدت (وذلك الزوج)؟‬ ‫لعلتين‪:‬‬ ‫• فالتي لم تلد ينبغي تشجيع زواجها إذا بقيت بعد زوجها فيكون سهمها مشجعا‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• وإذا لم تتزوج يكون مساعدا لبقائها شريفة فلا تلجأ لأول تجارة إذ لا أبناء لها‬‫أما التي ولدت فلها نصفها لأن لها أبناء وهي غالبا لا تتزوج من أجل أبنائها‪ ،‬ثم إذا‬ ‫احتاجت فأبناؤها يساعدونها‪.‬‬ ‫وكل ذلك يعود إلى البعد الاجتماعي في النظام‪:‬‬‫الايتام والمساكين والنساء وكل المستضعفين في علاقة بالنظام الاقتصادي وعلاقته‬ ‫بالنظام العضوي المحافظ على صحة الأجيال‪.‬‬‫طبعا هذه الأمور ا لتي تؤيدها الانثربولوجيا يتجاهلها أدعياء التحديث من النازحين‬ ‫إلى المدن والمتنكرين لأصولهم الريفية حيث تتجلى الظاهرة بصورة لا تقبل الإخفاء‪.‬‬‫فاغلب البنات يفرض عليهم البقاء في الأسرة وأحيانا العنوسة إذا لم يتزوجها ابن عمها‬ ‫أو ابن خالها أو عمتها أو خالتها‪.‬‬‫بعض العاهرات اللاتي يعشن في العواصم يتجاهلن أن جل نساء تونس ومصر من الاسر‬‫الزراعية والمهن الدنيا في المجتمع توجدن في هذه الوضعية وهن لا يعتنين إلا براحتهن‬‫ويردن أن تبقى هؤلاء النسوة في هذه الوضعية لخدمتهن خاصة وأنهن لا يملكن ما يمكنهن‬ ‫من استيراد خادمات من جنوب شرق آسيا‪.‬‬‫والجميع يعلم أن النسوة في الريف وفي القرى هن اليوم عبيد بسبب إرادة الأسرة‬ ‫المحافظة على الملكية رغم أن نصيبهن هو ما نعلم‪ ،‬فكيف إذا تضاعف؟‬‫لن يحصلن على حقوقهن بل سيتضاعف الحرمان ويصبح الآباء الذين يمكن الآن أن‬ ‫يخافوا الله فيهن أحرص على حرمانهن وجعلهن عوانس وخادمات في الضيعة‪.‬‬ ‫تبدو النوايا تحقيق المساواة بين الجنسين‪.‬‬‫ولا معنى للمساواة في كم الموروث إذا كانت النتيجة ما وصفنا بل المساواة في حق الإرث‬‫بقدر لا يخل بنظام الصحة العضوية بسبب الحرص على منع التزاوج الخارجي‪ .‬والوارث لا‬ ‫حق له لأن توزيع التركة حق المالك بحسب حرية معتقده وحرية ملكيته‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫ولكل هذه الاعتبارات وصفت العملية كلها بكونها مناورة سياسوية ووصفت من سموهم‬‫خبراء بكونهم أميين‪ .‬فالمساواة بين المرأة والرجل في الملكية لا يتعلق بالمقدار وإلا لقلنا‬ ‫حينها أن الرجال أيضا غير متساويين لأنهم لا يملكون نفس المقدار‪.‬‬ ‫المساواة القرآنية في المالكية وليس في مقدار المملوك‪.‬‬ ‫هل المرأة كمالكة ليست ذاتا قانونية تامة الشروط؟‬ ‫هل يحق لزوجها أو لأخيها أن يحول دونها والتصرف بحرية تامة في ما تملك؟‬‫حقول المالك واحدة سواء كان رجلا أو امرأة‪ .‬لكن مقدار المملوك متغير بحسب جهد‬‫المالك‪ .‬فإذا المملوك هو ثمرة العمل فإن المقدار هو حصيلة الجهد وثمرته‪ .‬وإذا كان المملوك‬‫إرثا من أب أو أم أو أخت فإن المقدار ليس حصيلة جهد وليس حقا إلا بإرادة صاحب التركة‪.‬‬ ‫والقرآن حد من هذه الإرادة في الوصية للورثة والنبي حد منها في الوصية لغير الورثة‪.‬‬‫‪ .1‬أما الحد الأول فهو \"آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا\" وهو في شكل‬ ‫تحذير‪.‬‬‫‪ .2‬وأما الحد الثاني فهو سنة سنها الرسول لما حصر الحد الأقصى للوصية لغير الورثة‬ ‫في الثلث‪.‬‬‫والوصية في الأنظمة العلمانية ليست محدودة أوهي على الاقل متعلقة إما باستغلال‬‫الملكية أو بالملكية نفسها بحسب الانظمة في بعض بلاد الغرب‪ .‬والغفلة عن المحددات التي‬ ‫اعتبرها القرآن هو الجهل بعينه‪.‬‬‫فما أشارت إليه فصلت ‪ 53‬بين أن الاعتبارات الواردة في نظام المواريث القرآني يؤيده‬‫التاريخ والانثروبولوجيا في ما يتعلق بشروط تكوين الثروات وبشروط الضرر البايولوجي‬‫الذي قد يترتب على تقديم هذه الشروط إلى حد منع التزاوج الخارجي ما يؤدي إلى ضرر‬ ‫بايولوجي على سلامة الأجيال‪.‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook