أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 11 - -الفصل الرابع 16 - -الفصل الخامس 21 -
--لم أفهم قوله تعالى {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} إلا بفضل ما أسمعه من حداثييناإذ يتكلمون على القرآن الكريم .فهمت حقا كيف يمكن للقرآن أن يقول عمن يسمع ويتكلمويرى ويعقل أنه أصم وأبكم وأعمى ولا يعقل؟ بل أكثر من ذلك أنه يتصور سمعه وكلامه وبصره وعقله عين الحقيقة التي على غيره اتباعها.وهذا الوجه الثاني من مواقفهم هو الذي دفعني إلى الحيرة أمام هذا \"اليقين\" الذيلهم في دعاواهم المعرفية والقيمية التي توصلهم إلى رؤية وجودية تجعلهم يكتفون بالماديةأكسيولوجيا والوضعية أبستمولوجيا وتصورما يتجاوز المادي منهما قابلا لأن يرد إليه فيرد مقومي الإنسان إلى حاستي السمع والبصر.ويتعامل مع القرآن بهذه الرؤية التي تتصور أن النطق هو عدم البكم والعقل هو عدمالعمى وما يفيد ذلك من بعدي المادية في الإنسان (الكلام والعقل أداتي البث والتلقيالمعرفيين) وفي ما عداه من الموجودات (المسموع والمرئي ما يقبل القول والتصور منها لأن الحواس الأخرى لا تنقال).وكما سبق أن بينت فإن المحسوسات التي تنقال وتدرك عقليا هي المسموع والمرئي .أماالمذوق والملموس فندركه دون مشاركة مع أي مدرك آخر إلا برده إليهما لنتكلم عليهمابالإشارة والتعبير الجسدي المصاحب لهما مثل التلذذ في الأكل والتأوه في اللمس -إذا كان الملموس حارقا أو لطيفا مثلا.فالملذوذ والملموس شخصيان بإطلاق وهما من الوجدانيات المادية الخالصة وهي تحصلفينا وإضافية إلينا ولا نستطيع أن نعتبرها صفات ذاتية للشيء المأكول أو للشيء الملموسوالفروق فيهما متناسبة مع الأفراد والثقافات .لكن الشم فيه من النوعين :خاصيات المسموع والمرئي ومن خاصيات المذوق والملموس.ويغلب عليه الوجه الثاني .وحتى المسموع والمرئي فهو لا يخلو من النسبوية الثقافية لأنرؤية الالوان مثلا وسماع الاصوات ليس واحدا بين الجماعات الثقافية المختلفة لكن الغالبأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--هو أن الصوت المسموع والشكل المرئي تغلب عليهما الصفات القابلة للعبارة الرياضية التي تحرر من الذاتية الثقافية.كل هذا يمكن ألا يختلف فيه مادي ومثالي مؤمن وملحد لأنه نقاش حول الصفات بنوعيهاالأولية والثانوية وهي قضية معلومة في الأبستمولوجيا القديمة والوسطية وحتى بداياتالحديثة ثم أهملت القضية واعتبرت المحسوسات التي تقبل العبارة الرياضية أي القيس والترتيب هي التي تعني التجربة العلمية خاصةلكن إذا تعلق الامر بمعرفة الإنسان العلمية فإن بقية الحواس تدخل في الاعتبار .لأناختبار علامات الصحة البدنية والنفسية لا تتوقف عند المسموع والمرئي بل هي تدرسالمشموم والمذوق والملموس بوصفها من علامات العنفوان العضوي والكيان الحي بدنيا ونفسيا ولعلها أهم من السمع والبصر.وهي دون شك أهم من السمع والبصر وأبعد غورا بل لعلي أقول -إذا سلمنا برؤية ماديةووضعية-إن السمع والبصر أداتان وهما غايتان بمعنى أن الإنسان يسمع ويرى خدمةلحاجة الذوق واللمس في أصلهما العضوي الحيوي .فالذوق عضويا علاقة بالغذاء واللمس عضويا علاقة بالجنس .والسمع والبصر أداتان لطلبهما.وانطلاقا من هذه التأملات التي أوجزتها اضطررت لتعميم المقابلة بين \"البصيروالبصيرة\" فوضعت وراء كل حاسة ما يناظر البصيرة .فوضعت السميعة والشميمةوالذويقة واللميسة وهي كلها صيغ مبالغة أنثت لتسمية الحواس المؤنثة لكنها من جنس عليم وعليمة وعظيم وعظمية وفهيم وفهيمة.والغاية هي فهم \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون-لا يفقهون-لا يرجعون-لهم قلوب لايفقهون بها-أم على قلوب أقفالها-وكل لها نفس الدلالة التي لا يمكن أن تفهم بالانطلاقمن المنظور الذي شرحناه والذي أستوجب الخروج منه وضع نظائر البصيرة بالنسبة إلى كل الحواس لتعريف الإنسان بما يتجاوز الحسي.أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--وما دفعني لذلك لمفارقة التي تتضمنها عبارة \"صم بكم عمي فهم لا يقعلون\" .فالعلاقةبين صم وبكم علاقة ترابط ضروري وهي قانون بايولوجي الأصم لا يتكلم .يصوت لكنه لايتكلم ومن ثم فصممه علة بكمه .لكن لا يمكن أن نقول أن عماه هو عله عدم عقله .العلاقة تفترض أن الكلام لم يعد متعلقا بالحاسة.فيكون الزوجان الثانيان قابلين للقراءة إما بالضم إلى الزوجين الأولين فيكون الإنسانالفاقد للسمع وللنطق عاجزا عن العقل إذا فقد معهما البصر .حينها أيضا نكون في مجالالحواس والمادة .لكن الآية تتكلم على من ليس فاقدا للسمع والنطق والبصر .هي تتكلم على واجدهما وفاقد فائدتهما.ذلك هو منطلقي .ما الفائدة المفقودة في هذه الحالة عند من إدراكه الحسي ومفعوله بثا(النطق) وتلقيا (العقل) سليم ومع ذلك تعتبره الآية لا يعقل وهو طبعا يعقل .وهذايعني أيضا أن العقل له بعد ثان يناظر البصيرة بالنسبة البصر وما عممته على السمع والشم والذوق واللمس ولنسمه العقيلة :فما هو؟وحتى نوجز القصد :فلكأن القرآن لا يعرف الإنسان بالحواس الخمس والعقل بلبالحوادس التي وراء الحواس أي البصيرة والسميعة والشميمة والذويقة واللميسةوالعقيلة التي هي القلوب المتحررة من أقفالها وتكون الأقفال هي ما يجعل الحواس تكتفي بالحس ولا ترقى إلى الحدس والعقل لا يتجاوز عالمها.من له دراية بأهم قضية في الفلسفة من بدايتها الأفلاطونية الأرسطية إلى غايتهاالكنطية الهيجلية أعني قضية العلاقة بين المادة والصورة وبين الواقع والمثال يعلم أنهاقضية ذات بعدين ابستمولوجي ويتعلق ببنية الموجود وأكسيولوجي ويتعلق بشرط وجود ما يتعالى على الموجود أي المنشود.وإذا وجد ما يتعالى على الموجود أو المنشود يفهم أن ذلك هو شرط الحياة في الوجود لأنالانتقال من الموجود إلى المنشود فيه حركة والحركة هي علامة الحياة .المشكل في الفلسفةأبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--القديمة والحديثة أنها تريد تفسير الحركة والحياة بالعلاقة بين جامدين الموجود جامد والمنشود جامد عند هؤلاء.حاول شلنج (في كتاب الحرية )1809تجاوز هذا المشكل بحل ظنه أفضل من حل هيجل(كتاب فينومينولوجيا الروح )1807بأن أدخل الحركة في المثال ولم يقصرها على الممثولولكن بالرد إلى الحركة الطبيعية بخلاف رد هيجل لها إلى الحركة الروحية .فكانت الطامة في الماركسية بردها إلى المادية التاريخية.ولذلك فالجمع بين المادية والوضعية في الماركسية ليس هيجليا إلا بمنهج الجدل-الصراعبين النقيضين-لكنه في الجوهر شلنجي .ولا يمكن أن أشرح ذلك هنا .لكن يكفي أن نعلمأن مفهوم اللاوعي سواء في مستوى الفرد (فرويد) أو الجماعة (ماركس) أو الجمع بينهما (نيتشة) بوصفه شبه فتاليسم مفهوم شلنجي.وكل هذه المعاني التي تصل الفلسفي بالديني وتصلهما بالطبيعي والتاريخي غائبة عنأذهان أدعياء الحداثة العرب الذين أهم علامة على أنهم \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\"هو أنهم يقرؤون القرآن فلا يتزلزلون لأنهم لا يتجاوزون الحواس إلى الحوادس والعقل إلى العقيلة :مادية ووضعية ساذجتين وغبيتين.ذلك أن ارسطو في علاقته بأفلاطون وهيجل بكنط كانا يعالجان قضية الأول من الزوجينيدرك أن المثال الموجود منشود ولا يرد إليه والثاني دون أن ينفي وجود المنشود الذيينسب إليه التحريك الغائي وما لا يرد إليه هو ما ينقص الموجود ويمكن أن يكتمل في الطبيعي (أرسطو) وفي التاريخي (هيجل).وهذا المعنى المنشود المحرك كان عند أرسطو مطلق المفارقة يحرك ما في المادة من وجودبالقوة ولا يتحرك .وصار عند هيجل مطلق المحايثة يحرك ما في التاريخ من وجود بالقوةولا يتحرك .والفرق أن أرسطو لا يعتقد أن الحركة الطبيعية تتوقف عند غاية لأنها دورية .لكن هيجل يعتقد أن التاريخ ينتهي.أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--وهذه النهاية الوهمية التي جعلها ماركس غاية الفاعلية الإنسانية المادية البديل منالمحرك الهجيلي الذي هو الفاعلية الإنسانية الروحية .فلسفة الدين وفلسفة التاريخالهيجليتين اصبحتا فلسفة المادية والمادية التاريخية الماركسيتين .وهذه ليست فلسفة بل علمنة الخرافات المسيحية اليهودية .أعود إلى \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" هي أعادة تعريف للإنسان .فكيان الإنسانالعضوي يقبل التعريف من حيث علاقته بالعالم الطبيعي والتاريخي بالحاستين الأداتين(السمع والبصر) اللتين تمدان الحاستين الغائتين (الذوق واللمس) بما يحتاج إليه ليعقل شروط بقائه العضوي .لكن للإنسان كيان ثان.والكيان الثاني غاية إلى الكيان الأول الذي هو أداة .فالإنسان معمر للأرض شرط قيامعضوي .لكنه معمر لها بقيم الاستخلاف شرط قيام روحي .فخلال تحقيق شرط القيامالعضوي يمكن أن يكون متساميا للقيام الروحي ويمكن أن يبقى لصيقا بالقيام العضوي دون ما يتعالى عليه محددا لمنزلته الوجودية.فيكون شرط القيام العضوي شرطا ضروريا غير كاف لمعاني الإنسانية (بلغة ابن خلدون)ومن ثم فلا بد أن يكون كل ما هو مادي في الإنسان وفي عالميه الطبيعي والتاريخي في منزلةالشروط الأداتية وليس في منزلة المقومات الغائية لإنسانيته .وهذا هو معنى \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\".أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--ودلالة الإدراك المتجاوز للإدراك الحسي التي من جنس البصيرة وراء البصر ليستخاصة باللسان العربي فكل الألسن فيها ما يجانسها .فكلمة \"اسمع\" بالفرنسية لها معنىالسمع الحسي ومعنى الفهم وكلمة \"أرى\" لها دلالة الرؤية الحسية وإدراك المعنى إلخ.. والكلام كبث له معنيان كذلك التلفظ والإفادة.والعقل تلقيا له كذلك معنيان تلقي المعقول من الدرجة الأولى وما ورائه وغالبا ما يكونرهن الوصل بكل عناصر سياق التلقي خلال عملية التواصل الحي ولذلك فالتداول هو أعسروجوه التواصل اللساني الحي الذي لا يعوضه أي تواصل مكتوب مهما حاول النص تضمين محددات المعنى والدلالة في المتن والتهميشلذلك فالسؤال يتعلق بما غاب لدى من يوصفون بـ{ ُص ٌّم بُكْمٌ عُ ِم ٌي َفهُ ُم لَا يَعْ ِق ُلو َن} .فماهم بفاقدي السمع ولا النطق ولا البصر ولا العقل\" لكنهم يوصفون بهذه الصفات لعدمحضور المكملات السياقية للإدراكات الحسية التي يتميز بها الإنسان حتى تكون محققة لمعاني حقيقة الإنسان المتجاوزة لبعدها المادي.ما المفقود عند الأصم الذي يسمع؟ وما المفقود على لأعمى الذي يرى؟ ولماذا يكون نطقهبكما؟ وفهمه لا عقلا؟ إذا اعتبرنا أن وراء السمع سميعة ووراء البصر بصيرة فما تكونالنطيقة وراء النطق والعقيلة وراء العقل؟ ألسنا نميز في النطق درجات وفي العقل مستويات؟ ما طبيعة هذا التمييز؟بعبارة أوجز :هل يوجد عالم يمكن الخروج إليه بالطفو فوق عالم السمع والنطق وعالمالبصر والعقل أي وراء العالم المقتصر القيام المادي وأثره سواء كان فينا أو حولنا أم إنالإنسان حتى عندما يجنح خياله يبقى حبيس هذا العالم وكل ما عداه ليس إلى تعويضا للوعي بما ينقصه؟ وكيف يعي بالنقص؟هل ا لوعي بالنقص إضافي إلى الكمال النسبي فأكون مثلا أنقص من حيث الثروة منجاري الذي يملك ما أتمنى امتلاكه ولا أستطيع؟ حسن لكن جاري مائت مثلي فلماذا أعتبرأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--موتي نقصا؟ وجاري يمرض مثلي فلماذا أتمنى ألا أمرض؟ وما الذي يجعلني أعتبر الفناء دون البقاء قيمة؟ من أين لي بمعنى الفناء والبقاء؟والأهم من ذلك ما معنى \"أعي\"؟ يمكن اعتبار الميكروفون يسمع ويضخم الصوت لكن هليعيه؟ ويمكن اعتبار آلة التسجيل تنطق بما سجلت هل تعي ما تنطق به؟ ويمكن اعتبار أيجهاز كمبيوتر \"يعقل\" ما يتلقاه من مدخلات إذا تمت بحسب البرمجات التي فيه فهل يعي أنه يعقل؟ المشكل هو \"يعي\" .هي تعني الوعاء.الكمبيوتر \"وعاء\" ومخ الإنسان \"وعاء\" .لكن الوعاء الثاني يعي والاول لا يعي .والوعاءالثاني يعي أن وعيه يفترض من هو أوعى منه ومن هو الأوعى بإطلاق .لكن الوعاء الأوللا يعي ولا يعي أنه صنيعة من يعي وأن صانعه يعي أنه صنيعة من يعي أكثر منه حتى لو نسب ذلك إلى الطبيعة لأنه يكون قد روحنها.عندما أضع وراء السمع السميعة ووراء البصر البصيرة ووراء الشم الشميمة ووراءالذوق الذويقة ووراء اللمس اللميسة فلست اعتمد المقارنة النسبية بين الاكثر قدرة علىالسمع مني كما يكون الامر عندما أقارن سمعي بسمع الموسيقار المحترف فأكون مجرد ثقيل السمع بل القصد معنى آخر.فيمكن أن أكون أثقل سمعا من الموسيقار لكني سميع وهو أصم .ويمكن أن أكون أعمشبصرا واقوى بصيرة من الرسام .إلخ...ومن ثم الامر لا يتعلق بفرق في قوة الإدراكالحسي بل بما يمكن أن نصطلح على تسميته البروحنة أو بما يسميه ابن خلدون معاني الإنسانية التي تفسدها التربية والحكم العنيفان.وهذا المعنى أسمى من الإبستمولوجي والاكسيولوجي المستندين إلى المقوم الماديالضروري وغير الكافي للوجود الإنساني .فالإدراك بالمعنى الذي وصفنا من دون المفقودالمتعالي على الموجود طلبا للمنشود الذي وراء قيام الإنسان المادي كاف وزيادة للعلمي أداة وللقيمي العضوي غاية :الحيوان له ذلك.أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--فالحيوان يعلم بالسمع والبصر وينطق بثا ويعقله صنيفه تلقيا (مستوى الادوات)لتحصيل الغذاء والجنس (مستوى الغايات) وهذه هي شروط القيام العضوي المشتركة بينالحيوان عامة والحيوان الإنسان خاصة .وحتى لو أضفنا الجمال والخير والجلال بالمعنى المادي فذلك لا يغير من الامر شيئا.لأن الجمال يكون في خدمة الغذاء والجنس والجلال يكون في خدمة السلطة عليهماوالخير هو تحصيلهما فيكون أسمى ما في الإنسان المادي عائدا إلى ما فيه من أصل ماديتهأي الغذاء والجنس :الجمال في اختيار المأكول والمنكوح والجلال في السلطان عليهما والخير في الزيادة منهما.وهذه هي أبعاد الرؤية المادية للوجود أبستمولوجيا وأكسيولوجيا .ومعنى ذلك أنه لايوجد في الغاية عند الإنسان ما يتعالى على المرحاض نهاية الاكل والحيض والنفاس نهايةالجنس والموت نهاية الحياة .وهذه رؤية تبدو واقعية .لكن من أين يأتي اليقين بأنها هي الحقيقة وأن التي تتعالى عليها هم؟ما الذي يجعل هذه الرؤية حقيقة وليست قابلة لأن تعتبر هي بدورها دوجم؟ ما الدليلعلى أن كل ما يتعالى على كيان الإنسان العضوي ينبغي أن يرد إليه رغم أننا لسنا على يقين من أمرين يفترضهما أصحاب هذه الرؤية مفروعا منهما: .1هل نعلم فعلا حقيقة العضوي والمادي؟ .2وهل الوجود يرد إلى الإدراك؟ما أن نسأل هذين السؤالين حتى نتأكد من أن أصحاب هذه الرؤية رغم انتفاخ أوداجهمودعواهم احتقار \"التكتب الصفراء\" كتبهم سوداء لأنهم يصادرون على المطلوب .يتوهمونأن نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة حقيقة مطلقة فيتوهمون أن الوجود مردود إلى الإدراك ومن ثم يردون كل شيء إلى المادة.فيعرفون الإنسان بكيانه العضوي\" :يسمع وينطق ويرى ويعقل\" .لكن القرآن يبين أنهذا التعريف يتعلق بالشرط الضروري للإنسانية لكنه ليس كافيا .فقد بينا أن كلأبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--الحيوانات تسمع وتنطق وترى وتعقل وذلك كاف للدور العضوي أي للتواصل من أجل الغذاء والجنس والحياة الدنيا المشتركة لكل حيوان.وقد أعترف للحداثي \"الغالط في نفسه\" بموقفه النزيه من ذاته لو تواضع فاعتبر ذلكاعترافا بأنه لا يرى في نفسه إلى كيانه العضوي الذي يرده إلى ما يتوهم نفسه قد علمهمنه .لكنه يزعم أن ذلك هو الحقيقة المطلقة ويضحك ممن يؤمن بأن للإنسان منزلة أسمى وليست منزلة التعويض الفيورباخي.فيكون معنى \"صم\" ليس عدم السمع بل السمع الحيواني .وأبكم ليس عدم النطق بلالنطق الحيواني .وعدم البصر ليس عدم الرؤية بل الرؤية الحيوانية عدم العقل ليسعدم الفهم بل الفهم الحيواني .القصد غياب السميعة والنطيقة والبصيرة والعقيلة التي تجعل العلمي والقيمي يتجاوزان العضوي إلى الروحيفرد الجمالي إلى الوظيفة العضوية يجعله جزءا من مغريات الغذاء والجنس فيفسر بهماورد الجلالي إلى الوظيفة العضوية يجعله جزءا من مغريات السلطان الذي هو أداة أدواتالمقومين الاولين للعضوي أي الغذاء والجنس مع الأبهة المصاحبة للسيطرة عليهما .وهذا هو الأفق المطلق للحياة الدنيا والمادية.لكن عندئذ ينبغي أن يتخلى صاحب هذه الرؤية عن الكلام في العدل والحرية إلخ..لأن ذلك مناف للقانون الطبيعي كما يحدده كاليكلاس قديما واليمين المسيحي الأمريكيحديثا وكل الفاشيات والدكتاتوريات والمافيات التي تحكم العالم .فلماذا يتناقض الحداثي العربي فلجعل كلامه مثل فعله حيث هو حليفهم؟ما حاجته إلى التقية فجعل قوله وكأنه ذو نزعة مثالية وروحية يدافع علن الحقوقوالقيم وفعله ذو نزعة واقعية ومادية يحالف الفاشيات القبلية والعسكرية في الداخلوأسيادهم واسياده الذين كلفوهم غوافير وطراطير لإدارة المستعمرات التي ما تزال محميات بسبب رؤية هؤلاء الحداثيين بالتقليد؟أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--هل هم حقا يعادون الدين من حيث هو دين أم يعادون الإسلام دون سواه من الاديانرغم أنه ليس أحد الأديان بل هو الديني في كل دين كما يعرف نفسه ويثبت تعريفهبالتاريخ النقدي للتحريفات الدينية التي هم أجبن الناس على الكلام فيها لأن إسرائيل وإيران واليمين الغربي وكل الفاشيات تتأسس عليها؟لم أسمع أي متشدق بنقد القرآن قال كلمة واحدة في التوراة وهي أبشع نص ديني عرفتهالبشرية .ولا يمكن لأحد السكوت عن بشاعتها إذا لم يكن من المؤمنين بنظرية شعب اللهالمختار (إسرائيل) أو بنظرية اسرة الله المختارة (إيران) ومن ثم باحتقار نفسه ومحاولة الانضمام إلى من يعتبره \"جوهيم\".لذلك فلا يمكن أن يكون الحداثيون العرب وخاصة من يتشدق بنقد القرآن منهم إلا\"أصم وأبكم وأعمى ولا يعقل\" لأنه قرأ القرآن ويدعي نقده دون أن يكون كيانه العميققد تزلزل بحق فأدرك أن كل تخريفه حول الحداثة دليل جهل ليس بالدين فحسب بل خاصة بالفلسفة التي يدعون الكلام باسمها.فلا يوجد فيلسوف يعتد به في تاريخ الفلسفة -وهذه ملاحظة غزالية في مقدماتالتهافت-يقول بما يقول به المتشبهون بالفلاسفة -وهؤلاء هم علة كتابة التهافت-ممنيتصور أن الفلسفي من حيث الانتساب إلى حب الحكمة قابل للفصل عن الديني من حيث هو الانتساب إلى حكمة الحب.أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--\"حب الحكمة\" أو الفلسفة -فيلو (حب) سوفيا (حكمة)-من صلة بـ\"حكمة الحب\" أوالدين اعترافا بدين للديان أو حب الله رمزا لحب القيم الخمس التي هي جوهر كيانالإنسان وهو معنى كونه خليفة أي حرية الإرادة وحقيقة العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود تصبح عبودية للطبيعة والتاريخ.هذا هو المعنى العميق الذي يدركه من يقرآ القرآن دون أن يكون من {صُ ٌمّ ُب ْك ٌم عُ ِم ٌيفَ ُه ُم َلا َي ْعقِ ُلو َن} .وهذا ما أبينه في هذه المحاولة لأثبت أن أدعياء الحداثة والعلمانية لاعلاقة له بحب الحكمة (الفلسفة) فضلا عن حكمة الحب لأن ما يمجدونه -التصوف-تحريف لحكمة الحب مثل تحريهم هم لحب الحكمة.والتحريف الصوفي لحكمة الحب يقدم دليلا فعليا على صحة نظرية فيورباخ التي تعتبرالكمال الإلهي تعويضا إنسانيا عن نقصه .فالتصوف بجعل العبادة نفيا للدنيا يجعلها فيالحقيقة غاية الوجود لأن فقدان شروط القيام العضوي يجعله الهدف الأول من الوجود فيكون كل التدين نفسه سلبيا وتعويضا لفقدانها.ولذلك فالإسلام ينفي كل إمكانية للعبادة غير المشروطة بتعمير الارض وسد الحاجاتالدنيوية .فأكثر الناس عبودية للدنيا هم المحرومين من شروطها الدنيا .ولا يمكن تصورأي عبادة إسلامية غير مشروطة بسد الحاجات الدنيوية والرمز الأوضح هو الزكاة :فهي لا تجب إلا على من له النصاب أي سد حاجات سنة.العبادة في الإسلام نوعان كلاهما ينتج عن بعدي كيانه :فهو مستعمر في الأرض لتحقيقشروط كيانه العضوي وهذه هي العبادة الاولى .وهي الشرط الضروري غير الكافيلتحديد منزلته الإنسانية .والبعد الثاني هو كونه مستخلف في الأرض لتحقيق شروط كيانه الروحي وهذه هي العبادة الثانية.والعبادة الثانية لا تكون كافية من دون الضرورية .فإذا غابت الضرورية صارت سلبيةوليست إيجابية لأنها تعويضية وليست خالصة لوجه الله .فحرم القرآن الرهبانيةأبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--واعتبرها ليست من الإسلام بل من تحريف المسيحية وعوضها بالاجتهاد للحاجة العضوية(النظر والعقد)والجهاد للحاجة الروحية(العمل والشرع).فلو اكتفى الإنسان بالاجتهاد بالنظر والعقد ماديا لكانت الأبستمولوجيا والأكسيولوجيامقتصرتي على علاج العلاقة العمودية مع الطبيعة شرطا التبادل المادي في الجماعة .لكنالحياة الجماعية لا يكفي فيها النظر والعقد والتبادل بل لا بد من التواصل الروحي غاية للجماعة وشرطا لتسالم والتآخي.ولذلك وفي غياب حكمة الحب يصبح ما يسمى بحب الحكمة كذبة لأنها تؤدي إلى جعلالوجود حرب الكل على الكل وذلك هو أساس نظرية المعرفة القائلة بالتطابق وبمنطقالجدل القائل بالصراع وبنظرية الجماعة التي هي في حرب أهلية دائمة حول الأدوات في غياب الغايات :الجميع يصبح مرتزقا.ماذا يعني الجميع يصبح مرتزقا؟ لماذا لم أقل مسترزقا؟ طلب الرزق واجب .الارتزاقغير .فطلب الرزق هو تعمير للأرض .والارتزاق ليس طلبا للرزق من وجوهه بالنظروالعقد اجتهاد لحل مشاكل العلاقة العمودية بالطبيعة وبالعمل والشرع لحل العلاقة الأفقية بالتاريخ بل هو استغلال تبعية للمستبد بهما.لذلك فلا يوجد حداثي عربي ليس عميلا لصاحب سلطان محلي أو لصاحب سلطان علىصاحب السلطان المحلي .وذلك هو الارتزاق .ولأن النخب لم تعد مسترزقة بل صارتمرتزقة فإن بلاد العرب لا تنتج لا ثروة مادية وتراثا رمزيا بل هي كما وصفها ابن خلدون \"عالة\" فسدت فيها معاني الإنسانية.وما أقوله عن النخب التي تدعي الحداثة يقال مثله أو أكثر منه عن النخب التي تدعيالأصالة .كلهم مرتزقة ولا أحد منهم مسترزق .وأقصد أنهم لا يساهمون في علاج علاقةالجماعة بالطبيعة لسد حاجات العمران (ابن خلدون) ويؤججون حربا أهلية تحول دون علاج العلاقة بالتاريخ وحاجات الاجتماع (ابن خلدون).أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--والآن تفهم لماذا لم يعد شيء من القيم مطلوبا لذاته بل كله صار من أدوات بعديالعجل :معدنه (الاقتصاد) وخواره (الأيديولوجيا) .فالجمال الطبيعي ذروته المرأة عندالرجل والرجل عند المرأة .لكن لم يعد أحد يطلبهما لذاتهما .فالمرأة مثلا للتسويق الاقتصادي وللتحيل السياسي والاستعلامي.وعندما تصبح الأغلبية في القوة الاقتصادية والسياسية نسوية سينقلب السلوك :يصبحالرجل مجرد حامل للتسويق الاقتصادي وللتحيل السياسي والاستعلامي .وفي الحالتين يعودالجمال ليكون في خدمة الغذاء والجنس وليس تعاليا عليهما لأنه يصبح أداتهما ولا معنى له غير هذا الدور في الفن المنحط.فعندما تفاخر وزيرة خارجية إسرائيل بأنها رقدت مع زيد أو عمر من زعماء فتح أوغيرها من الزعماء العرب فهي تعطينا مثالا جيدا يبين القصد من قلب العلاقة بين القيمفي مثل هذه الحالات .والظاهرة عامة وليست عربية .فأحد كبار زعماء ألمانيا-وهو أول من دعانا كشباب سنة -64سقط لهذه العلة.وكل مخابرات العالم تعمل بهذه الطريقة .والفن تردى لهذه العلة وخاصة المرئي منهولذلك فلا عجب أن تتنافس المغنيات والراقصات في التعري بلا توقف .صحيح أن الفنمرتبط بالحواس .فالكلمة اليونانية للاستيتيك تعني الحس .لكن الجمالي في الحسي ليس الحسي بل ما وراءه اي الحدسي المتعين في الحسي.فيكون الحسي خادما لا مخدوما .فإذا بالغنا في إظهار المثير من الحسي أصبح الجمالالحسي خادما لأن ما سيغلب عليه هو الإثارة الجنسية أكثر من الإثارة الروحية وإلا لما كانالفن بحاجة للتعرية .فإذا أضفنا أن التغطية الشفافة أكثر قدرة على الإثارة والتعالي عليها فهمنا أن الفن المنحط غبي.فتضاريس بدن المرأة عند الرجل وتضاريس بدن الرجل عند المرأة أكثر إثارة مغطاةمنها معراة .ذلك أن الأولى تبقي على الخيال والثانية تزيحه .ولا معنى للفن من دونأبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--بقاء الخيال ولا خيال من دون \"ما وراء حجاب\" وهو نوع من \"الغيب\" في الجماليات .لإن الإيحاء قريب من الوحي في الوعي الجمالي.والعالم المادي من حيث صلته بحكمة الحب عمل جمالي هو بدن إذ خلا من الإيحاء بماورائه فقد كل معنى وأصبح جلمود صغر تماما كالمرأة العارية التي لم يعد فيها أدنى سر.ولولا هذا المعنى لما كان الستريبتيز ذا معنى .وما أظن العالم جلمود صخر بل كما يقول القرآن آيات لمعان لامتناهية تحيط به.لذلك فعندما أسمع حداثيي العرب يفاخرون بأنهم المبدعون بالقياس إلى عقمالإسلاميين وخاصة بعد أن صار زعماء الإسلاميين يصدقون هذه الخرافة ويتجاهلون أنهمهم سبب العقم لأن جعلوا الدين عديم الصلة الفنون وقصروه على وظيفة العبادات والدجل من أجل الحزبيات والغاية القريبة لا أصدق ما أسمع.فبئس الإبداع إذا كان من جنس ما يحبره حداثيو العرب ويصوروه في مسلسلاتهموافلامهم .هي أعمال دون التاريخ في الروايات الشعبية .وقد قال أرسطو إن الشعر أقربإلى الفلسفة من التاريخ .لكن الشعراء العرب جعلوه دون التخريف الشعبي والفلكلور. يتوهمون أن مضع بعض الكليشيهات الوجودية فلسفة.لم أر أبلد من المسرح والسينما المصريين ودونهما محاكاتهما في الخليج وفي المغربالعربي .فكل ذلك بلادة وركاكة وقلب لعلاقة الفن بما يتعالى على دنايا الموجود إلى مافيه من آثار المنشود التي تضفي على الوجود معنى الخلود .لو كان الفن مجعولا لمحاكاة الموجود لأغنى عنه الطبيعة والتاريخ.وما قلناه عن الفن يمكن أن نقول أكثر منه عن الرياضة .فهي جزء لا يتجزأ من التربيةوهي جزء لا يتجزأ من شروط صحة الكيان العضوي وجماله وعنفوانه .لكنها تحولت مجدرأداة للفرجة التي تعوض الحاجة الفاعلة بالحاجة المنفعلة .والعلة هي جعلها مجرد تجارة في حاجة التلهي الوجودية.أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--ومثلها التواصل .فأدوات التواصل الحديثة تبدو معبرة عن حاجة البشر للتواصل .لكنهافي الحقيقة لا تعبر عن التواصل بل عن التلهي المغني عن التواصل الحي .فالثرثرة فيالهاتف النقال لا تعبر عن حب من الطالب للمطلوب بل عادة إما عن حاجة أو خاصة عن ثلب لثالث بين الطالب والمطلوب.صار الفن والرياضة والتواصل بعكس دورها الروحي وحتى العضوي أدوات وفقدتطبيعتها الغائية فالأول يفيد الذوق والثانية تشجع الكسل والرابعة تغني عن اللقاء الحيوثلاثتها تحولت إلى أدوات سياسية واقتصادية فيكون الإنسان نفسه أداة لبعدي العجل: معدنه وخواره .وذلك حتمي.فإذا لم لكن للفن وللرياضة وللتواصل منزلة الغاية فلا بد أن تتحول ثلاثتها إلى أداةما هو غاية في الرؤية الشاملة التي تجعل العالم طبيعيه وتاريخيه عديم الغاية .فالعالمالطبيعي والتاريخ لكاهما عمل فني ورياضي وتواصلي بينه وبين الإنسان من حيث هو متعال على ما فيه من حيوان.ما يسمونه فقدان العالم لساحريته Entzauberungيفقده أكثر من السحر بمعنىما يتنافى مع واقعية العلم هو يفقده كل ما يجعل الإنسان إنسانا :فلا معنى للإرادة إذا صارالإنسان خاضعة للضرورة وهو هو العالم الوضعي ولا للحقيقة إذا كان الفكر مرآة للواقع. ولا للخير إذا كانت القدرة قوة عمياء.ولا معنى للجمال إذا كانت محاكاة الموجود فنا ولا معنى للجلال إذا كان الاجل هو ماحصل .المنشود للإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود هو ما به يكون الإنسان إنساناوهو أسرار الوجود الذي هو سحر ليس بمعنى الوهم بل معنى ما يحيط بالموجود من متعال عليه هو تحريك المنشود للموجود.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--أعلم أن كل هذه الابعاد المتعلقة بدلالة \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" لم تدر بخلدالمفسرين .ولا غرابة في ذلك .فالمفسرون كلهم تركوا ما أمرت به فصلت 53وخاضوا في مانهت عنه آل عمران 7فحرفوا كل معاني القرآن متوهمين أن تبين حقيقته توجد في شرح ألفاظه بدلا من آيات الله في الآفاق والانفس.ثم ازداد الطين بلة لما تصور البعض أن تخليص التفسير من الخرافات التي كان مصدرهاالإسرائيليات والجاهليات يقتضي البحث عن الاعجاز العلمي لكأن الرسالة التي وجهها اللهللإنسانية تذكيرا أخيرا كان هدفها أن يجعل المسلمين \"يربعون أيديهم\" ويكتفون بأخذ ما يكتشفه غيرهم ليزعمونه سبقا للقرآن.فلا يكون القرآن رؤية وجودية تذكر الإنسان بما جهز به ليؤدي الوظيفة التي هيمضمون التذكير والتي هي رؤية متعلق بالمرسل والمرسل اليه والرسول ومضمون الرسالةوطريقة التربية والحكم لتحقيق ما تطلب من المرسل إليه في مهمتيه المحددتين :تعمير الارض والاستخلاف فيها.فأفسدوا التربية والحكم وجعلوا الأمة عالة على غيرها بما أفسدوا معاني الإنسانية فيهالأنها أصبحت عاجزة عن البحث في الآفاق لمعرفة قوانين العالم الطبيعي والتاريخي وسننالحضارات والاكتفاء بحشو الذاكرة بتخريف حول الغيب الذي لا يمكن حسم أي خلاف حول تأويلها لعدم وجود مرجعية يحتكم اليها.والقرآن ألغى كل مرجعية يحتكم اليها مثل مرجعية الوساطة (لأن النبي نفسه مذكروليس وسطا ولا سلطان له على مخاطبيه لست عليهم بمسيطر) أو مرجعية الوصاية (لأنالنبي نفسه كحاكم لا يحكم بحق إلهي ومعصوما بل بوصفه مجتهدا وبالشورى) .والقرآن يأمره بأن يشاورهم في الامر الذي هو أمرهم.ومن نسب الأمر للجماعة وجعل الحكم بشورى الجماعة هو الله نفسه في الشورى .38كل هذه المعاني التي هي من آيات الله في الآفاق والانفس أهملت وعوضتها معان متعلقةأبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--بالغيب الذي نهي عن تأويله لأن في ذلك تأسيسا لوساطة من يدعون وراثة النبي في ما لا يملك بمعنى سني وإن كان دون الشيعي.فالشيعة تدعي الوساطة (المرجعية الدينية) والوصاية (الحق الإلهي في الحكم) والسنةجعلت وظيفة التربية بالتدريج تتحول إلى وساطة لأن من يدعون الرسوخ في العلم زعمواأنهم مثل الله يستطيعون تأويل المتشابه ثم لم يخوضوا إلا فيه سواء كانوا متكلمين وفقهاء أو خاصة فلاسفة ومتصوفة.فصار الجميع يكذب باسم النقل أو باسم العقل الكلامي أو باسم العقل الفلسفي أو باسمالكشف الصوفي .وكلها دجل في دجل .ذلك أن الوعي بما يتجاوز الحسي والعقلي المبنيعليه مفهوم حد وليس علما .بمعنى أنه مفهوم يبين ما لا يحق للعقل ادعاؤه ولا يبين علما متجاوزا للعقل :شرط الإيمان والتعالي.فالإيمان هو أساس القيم الخمس التي لا يمكن للعلم أن يثبتها والحمد لله أنه لا يستطيعكذلك نفيها :حرية الإرادة وحقيقة المعرفة وخير القدرة وجمال الحياة وجلال الوجود.ولولاه لاستسلمنا للضرورة الطبيعية التي تعني أن القانون الوحيد هو القوة وما بين القوى من نسب تماما كما يقول كاليكلاس.وعندئذ تفهم أن الحرية هي إرادة القوة والعلم هو رأيه والخير هو فعله والجمال هوذوقه والجلال هو سلطانه .وبهذا يؤمن كل الحداثيين وخاصة العرب منهم رغم زعماقوالهم العكس .فهم مع الاقوى في الداخل الذي هو الأضعف في الخارج :هم طغاة النخب العبيد لطغاة الحكام العبيد لحاميهم الاستعماري.ولست بحاجة لبيان أنهم يعتبرون الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال كلها مطلوبةلغيرها وليس لذاتها والدليل أن فنهم وفكرهم كله يجعل هذه القيم في خدمة الحاجتينالعضويتين أي فن المائدة وفن السرير .هم معذورون .فالنفس التي تسلم بأن حياتها هي دنياها لا تنتظر منها أن تفكر في ما وراها.أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--بالمناسبة لما عاد باني ماليزيا للحكم اكتشفنا أن رئيس الحكومة الذي خسر الانتخاباتسرق ما لا يقدر من المال فتساءل ابني يعرب :ماذا يمكن أن يفعل بهذا المال الذي سرقه؟السرقة ليست بسبب سد الحاجة كما يسرق الجائع الخبز .السرقة هنا هي اللامتناهي الفاسد بمعناه الهيجلي.فهي لا تتعلق بالمال وحده بل خاصة بالدعوة الشهيرة في الخليج \"طويل العمر\" .لا يمكنلمسلم مؤمن بحياة أخرى أن يجعل هذه الدعوة أفضل دعوة تسمع في بلاد الخليج لم تصلنابعد لكنها ستصل دون شك لأن رئيسنا لم يشعر بعد أن وصل إلى السن التي يرجع فيها الإنسان إلى ربه قبل فوات الأوان.فمن لا يفكر في الموت لم يفهم لا الدين ولا الفلسفة .ومن ينسى الموت ولو للحظة لايفهم معنى الحياة ولم هي بالذات من آيات الله في الانفس التي بها يمكن للإنسان أن يتعالىعلى كل ما يتوهمه من إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود لأنها التجربة الروحية الأسمى التي تبين الانسان خليفة الله بحق.لما تنظر في سرقات حكام العرب وفي تبذيرهم لثروات شعوبهم تعلم أن قارون ليس قصةقرآنية فسحب بل هو مرض إنساني وهو \"عشش\" في بلاد العرب حتى إن شعب اليمن المسكينكان يتضور جوعا وحاكمه اللص والطالح كان قد سرق خمس مرات ميزانية تونس التي هي غنية حتى حاليا غنية بالقياس إلى اليمن.لما تسأل عن ثروات تونس التي سرقت في عهد ابن علي ومازالت تسرق لأن مافياته ماتزال هي الحاكمة ولما تسأل عن ثروات مصر وسوريا والعراق وكل بلاد العرب فأنت لايمكن أن تفسر ذلك بحب المال فحسب لأن حب المال يمكن يبلغ حدا يصبح صاحبه زاهدا في المزيد لو لم ينس أنه مائت لامحالة.هذا المفهوم الذي يجعل الإنسان يتخلق من اللامتناهي الزائف هو المعنى الذي يجعلالإنسان يدرك أن الأبستمولوجي والاكسيولوجي المقصورين على ساد الحاجات الأوليةأبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--أداتان وليسا غايتين .وهما أداتان توصلان الإنسان الذي ليس اصم وأبكم وأعمى يعقل أن ما وراء كيانه العضوي كيان روحي فوق الأدوات.ذلك أنه في كل الحالات إذا بقي في عالم الأدوات فسيكون هو بدوره مجرد أداة :فمايكدسه من مال ويحرم منه أصحابه سيرثه غيره مهما \"طال عمره\" الدعوى المشؤومة لعجائزالحكام العرب الذين يعيشون على مص دماء شعوبهم التي يأخذون منها قطرات لأن الباقي هو الجزية لحماتهم ضد شعوبهم.وهنا يأتي دور النخب العربية بجل صنفيها :التي تدعي التأصيل وخاصة الدعاة الجددوالتي تدعي التحديث وخاصة \"النقاد\" الجدد للقرآن وللسنة وللتاريخ الإسلامي واصحابالوسطية من الصنفين والتي تعني السماح لإيران وإسرائيل ومن ورائهما عبيدهما من حكام العرب يرمون الفتات لهؤلاء \"المفكرين\".وليس أيسر عليهم من رميك بتهمة الإرهاب لأنك فضحتهم .اعرف الكثير من \"مفكري\"تونس الذي أصبحوا محامين على قومية بشار وثورية السيسي و\"مقاومية\" عميل إيران فيالضاحية وإيران ثم أخيرا محامين على التطبيع مع إسرائيل لأن مموليهم طبعوا بمعنيي الطبعة والطبيعة.وانهال الصم والبكم والعمي والذين لا يعقلون بكل سيوف قبائل العرب ليس على محمدبل على القرآن والسنة وعلى التاريخ الإعلامي إن واحدة من أغبى ما رأيت بين أساتذةالاعلام أن محمدا كان زعيم قطاع الطرق ضد قوافل المتحضرين مثلها من عتاة تجار قريش لكأن من أخذ أرزاق المهاجرين غيرهم.لم يعد أحد يستحي من الدفاع عن الجاهلية وعن الاستعمار وعن الاستبداد وعن الفسادوعن تجويع العباد وتقتيل الاطفال والشيوخ ذكورا ونساء في الشام وفي اليمن وفي مصروفي ليبيا وفي تونس التي كانوا يخططون لقتل الكلفة المقبولة من ذوي الدم غير الاحمر ( 20ألف) باسم الحداثة والتقدمية والتنوير.أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--فبينوا بل وأثبتوا بل وبرهنوا على أن القرآن بعبارة \"صم بكم عمي فهم لا يعقلون\"يقصد رهطهم الموجود في كل عصر وفي كل مصر ليس عندنا فحسب بل العالم اليوم محكومبهذه الرؤية ومن ثم فالرسالة القرآنية أصبحت من جديد المخرج الوحيد لتحرير الإنسانية من هذا المرض الخبيث جذام العصر.هذا هو الخطاب الذي يتفوه به أنصاف المثقفين في تونس ومصر وكل بلاد العرب ويسمونذلك تقدمية وحداثة وتنوير .وهي في الحقيقة عين ما وصفه ابن خلدون بالبداوة الأولىالتي لا تعرف قانون إلا القانون ا لطبيعي ولا تعرف أخلاق إلا أخلاق التاريخ الطبيعي أي صراع القوى المادية.وليس لهؤلاء من دواء إلا بالتي هي الداء .فإذا كانوا قلة من المرضى لم يفيد معهمدواء التي هي أحسن أي مخاطبهم بوصفهم بشرا يسمعون وينطقون ويبرون ويعقلون فأهلاوسهلا .وإلا فدواؤهم بدائهم .يريدون استئصال الاغلبية وهم عاجزون فقد يضطروا الغالبية لاستئصالهم كما يحدث في كل ثورة.فتكون براقش قد جنت على نفسها .وليكونوا واثقين أن من يحميهم ليس من يحميحكامهم .فحكامهم سيفرون بما سرقوه وخزنوه في بنوك الغرب .وسيقع لكم ما وقعللحركيين في الجزائر ولبقايا نظام فياتنام الجنوبية إذ حتى \"السوق السوداء\" في الجزائر لن يعترفوا بكم .فاتعظوا إن كان لكم ألباب.أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--آن أوان شرح الآية بنصفها الأول{ :وَ َم َثلُ الَّ ِذي َن َكفَ ُروا كَ َمثَ ِل ا َّل ِذي يَنْ ِعقُ بِ َما َلا َيسْمَعُِإ َّلا ُدعَا ًء َو ِن َداءً ۚ صُ ٌّمَ ُبكْمٌ عُمْيٌ فَ ُهمْ لَا َي ْع ِق ُلو َن} ( 171البقرة) .فلا علاقة لـ\"كفروا\" بالحكم الفقهي وصفا لعلاقة بدين معين بل القصد \"ينعق بما لا يسمع\" فلنشرح.فالنعيق هو صوت الغراب .والغراب كما يعلم الجميع له دلالة الحيوان الذي علم الإنسانالتعامل مع سوأة أخيه .وفيه إذن دلالة أن الإنسان عندما يجرم يصبح أقل عقلانية منالغراب الذي علمه كيف يواري سوأة اخيه .لكن الامر هنا يتعلق بمواراة سوأة ذاته .وهذا هو الكفر بالقيم.فلنترجم الآن الآية \"من لا سميعة له لا نطيقة له .ومن لا بصيرة له لا عقيلة له\".فالنعيق منطق غراب ومحاكيه في قتل أخيه ومواراة سوأته سلوكه أقصى ما يبلغه فهمالدعاء والنداء تماما كحال الحيوانات فيكون بلا عقل تابع لمن يأمره فيتأمر مثل البهائم وتلك حال النخب التي تأتمر بأوامر مموليها.قبل هذه الترجمة لم يكن الجملة مفهوما من الجملة إلا العلاقة الأولى بين السمعوالنطق .فالأصم أبكم وهذا قانون عضوي معلوم .لكن لا توجد نفس العلاقة بين الأعمىوغير العاقل .فالكثير من العميان أعقل من الكثير من البصيرين .لكن بمجرد أن ننتقل من البصير إلى البصيرة تصبح العلاقة مثل الاولى.إذن فمن لا بصيرة له حتى لو كان يرى لا عقل له .هو يرى لكنه لا يعقل .وهذا هوعمى البصيرة المساوي لفقدان العقل .ثم نعود إلى بداية الجملة .فيكون المقصود ليسالعلاقة بين السمع والنطق العاديين بل بين السميعة والنطيقة مثل العلاقة الثانية بين البصيرة والعقيلة .فيكون فاقد الاربعة دون الغراب.لماذا هو دون الغرب ودون قاتل أخيه؟ لأن الغراب رغم كونه حيوانا وارى سوأة اخيهووراى جريمته .لكن من كان بهذه الصفات من البشر يفاخر بجريمته ولا يواريها ويعتبرأبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--التنكيل بسوأة اخيه بطولة .وهذا هو الجاري حاليا :اسمع قومي عربي ويساري عربي وداعية مدخلي ولحاس ليبرالي عما يفرحهم حاليا.القومي واليساري يدعي تأييد ما يسميه ممانعة فتراهم فرحون بجرائم بوتين وحزبالله وإيران وعبدهم ومبرر وجوده في الدبلوماسية الدولية زعيم النصيرية في دمشق.والدعاة الجدد والجامية يدعي تأييد عبيد إسرائيل بدعوى الصمود إمام الصف الأول فلا تجد بينهم إلا مليشيا السلاح أو مليشيا القلم.وأغلبهم كالطبل يأكل من الوجهين وهم توابع السيسي ومموله الأساسي لأن هؤلاءيدعون معاداة إيران في الظاهر وهم أعداء السعودية في الباطن ويدعون معادة إسرائيلفي الظاهر وهم أعداء فلسطين في الباطن .وفي الحقيقة اغلبهم ينقل المعكرة إلى ما أوراق التوت :الحداثة والعلمانية والحريات الفرديةوالحقيقة الثابتة هي أنهم جميعا لا يعتبرون القيم حقائق فعلية بل هي ذرائعأيدولوجية تماما كما هو الدين في رؤية الملالي والحاخامات .ذلك أن المعبود الوحيد عنهمهو البقرة أم العجل الذهبي (التي سميت سورة البقرة باسمها) فذبحها يعني التحرر من عبادة أم العجل ودينه معدنا وخوارا :إحياء القيم.وحتى إذا فقدوا كل حجة فذبحوها فسيكون بوما كادوا يفعلون أي ذبحها كان في الظاهرلكن العجل بقي حيا فيه :يعبدون بعدي العجل أي الذهب والخوار .نعيق الغراب والخوارشيء واحد .الأول هو نطقهم الحيواني والثاني هو عقلهم الإيديولوجي .وفي الجملة فالآية تشخيص أنثروبولوجي للدنيوية والمادية.ولو لم أكن قد بينت أن المثال لا يكون صادقا إذا كان المتكلم عليه منطلقه التعويض.فقد بينت أن الإسلام يبدأ بوظيفة الإنسان الاولى شرطا ضروريا غير كاف لإنسانيته أيتعمير الأرض لأن سد الحاجات يغنيه عن الفقر المادي فيوعيه بالفقر الوجودي أي بأن الإنسان لا يمكن أن يرد إلى بعده العضوي.أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--ولهذه العلة نفى الإسلام تقديم العبادة المشعرية على العبادة القيامية .فاعتبر المالقياما للبشر (النساء )5قبل سن الرشد وجعل كل الفروض الخمسة مرتهنة بالحد الكافيمن سد الحاجات المادية حتى تكون العباة المشعرية بحق عبادة صادقة وليس تعويضية. والرمز هو الزكاة والحج .لكن المبدأ واحد.فالصلاة مكلفة لأنها تحتاج إلى النظافة والصحة وكلتاهما بحاجة لقدر كاف من الثروةوالصوم مثل الصلاة وهو أحوج للصحة منها ولم يبق إلا الشهادة وهي وحدها عتبة الإسلاموليست كافية إلا إذا سعى الأنسان لسد الحاجات ولم يوفقه الله أو كان من ذوي العاهات فهو عندئذ معذور شرعا.الإنسان مكلف بالاستخلاف غاية والتعمير أداة وامتحان أهلية الإنسان للأول لا يحصلإلا بسلوكه في الثاني :وتلك هي العبادة غير المشعرية التي من دونها ومن دون أن تكونخلالها لا معنى لها لأن كل العبادات المشعرية وكل الأحكام الشرعية تعليلها خلقي حتما. والخلقي هو التعامل مع الغير كالذات.لذلك فليس في كلامي على المثال تزهيدا في الواقع .كلامي فيه هو اعتبار الواقع ليسالحاصل فحسب بل هو ممكن التحصيل ومن ثم فهو المسافة الفاصلة بين الامر الواقعوالواحب أو بين الموجود والمنشود وذلك هو مضمار التسابق في الخيرات أو فسحة القيم الخمسة :الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال.فتكون الآية 171من البقرة محددة للانثروبولوجيا أو نظرية الإنسان القرآنية وهوتحديد يضع لمعاني الإنسانية مستويين :الأول تسعى إليه علوم الدنيا وهي غاية حبالحكمة إذا أوصلت صاحبها إلى معاني ما وراء الدنيا أو حكمة الحب فيتجاوز الإنسان عبادة الفاني ويشرئب للباقي.والاشرئباب إلى الباقي هو المنشود المرسوم في كيان الإنسان وهو معنى الفطرة الإسلامية:أي إن الإنسان مفطور على الحرية والحقيقة والخير والجمال والجلال .وعندما ينساهاأبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--يكون كما تقول الآية محمد \" 24أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها\" .الأقفال هي ما وصفنا في هذه المحاولة.وقد يتوهم الحداثي أنه تخلص بها مما يسميه دينا خلطا بين الديني كما يعرفه القرآنوالدين كما يعرف يسار الماركسية وقبلهما فولتار وقبل قبلهما الباطنية :توظيفه لخدمةبعدي العدل أي معدنه وخواره .لذلك فالأفعال نوعان .الأول هو معدن العجل المؤجر لصاحب الخوار أي الإيديولوجي ليحارب الدينيولا أدعي أن أصحاب الخوار كلهم مأجورون فبعضهم انطمست روحه فلم يعد له ذائقةوجودية يمكن أن يزلزلها تدبر القرآن فيكونوا كما وصفهم القرآن صما بكما عميا لا يعقلونولكن لأن قلوبهم أقفلت وعقولهم صدئت ولم يعد لهم ما به يمكن أن يتأسى بقاتل أخيه محاكاة للغراب.لكن من يدعون الزعامة بينهم هم الذين يجرمون مع سبق الاصرار .وكم أعرف منهم منهم أجهل خلق الله وغالبهم لا علاقة له لا بالدين ولا بالفلسفة بل أكثرهم من دارسيالآداب وفاقدي الأدب يقرأون كتابا أو كتابين فيصبحون زعماء وما أيسر الزعامة كما قال الفارابي :فرئيس العامة هو أكثرهم عامية.ومن أهم علاماتهم هي أسقاط تبعيتهم لبعدي العجل على غيرهم .وغيرهم ليسبالضرورة من معاصريهم .فهم يقرؤون مثلا الغزالي على أنه عميل السلاجقة وابن تيميةعميل الأيوبيين وكم اتهموني بالوهابية لأني درست ابن تيمية وهم لا يعلمون معايير ابن تيمية تلغي كل من يؤمن بالوساطة والوصاية.والوهابية انحرفت إلى حد يجعلها تشبع خفي لأن العلماء صاروا وسطاء والأمراء صارواأوصياء حتى اعتبروا حاكمهم ولي الأمر نفيا صريحا للشورى 38التي تعتبر الامر امرالجماعة .ثم أفتوا بصحة البيعة المفروضة وبشرعية المتغلب ومن ثم فدعوى الحق الإلهي في الحكم عوضتها دعوى الحق الطبيعي فيه.أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--ولا شيء من هذا له علاقة بابن حنبل فضلا عن ابن تيمية الذي هو أكثر وضوحاوتأسيسا نظريا لهذه الامور منه .وعندي أن الوهابية في شكلها الذي نراه لا تقل خطراعن الإسلام من الخمينية :الفرق الوحيد هو انتحال الصفة أهدهما في الانتساب على سلفية أبو بكر والثاني إلى سلفية علي.فشيعة علي تكذب عليه وشيعة أبو بكر تكذب عليه .وعلي خليفة وليس إماما مثله مثلأبو بكر ابو بكر ليس ولي أمر بل الأمر للامة وهي الوحيدة التي بوصفها الجماعة المستجيبةلربها (الشورى )38هي صاحبة الامر وهي تسوسه الشورى ويمكن أن تولي من تنوبه تحت رقابتها في شأنها وخاصة في الانفاق من رزقها.أبو بكر لما كلف بالخلافة ذهب للعمل في السوق .فاتفقت الامة على التكفل بشروط حياتهالمادية حتى يتفرغ للقيام نياية عن الامة بشؤون الدولة .لمن يكن يغرف من بيت مالالمسلمين ويدفع الجزية لأي قوة تحمي نظامه ضد شعبه وحقوقه في ثروته :ومما رزقناهم ينفقون .ونفس الامر في إيران.فالملالي والحرس المزعوم ثوريا مافيتان تجوعان الشعب الإيراني المسكين .وربما يوجدفرق بين الملالي وعلماء الدين السنة .فهؤلاء مغلوبون على أمرهم وليس لهم ما للملاليمن سلطان يجعلهم قسماء المافية التي تسمى حرس .مافية حكام العرب عبيد لحاميهم الاستعماري ويستعبدون العلماء والشعوب.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 30
Pages: