أبو يعرب المرزوقيالقرآن ومناظيرهالدين والديني وما بينهما الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 8 - -الفصل الثالث 14 - -الفصل الرابع 20 - -الفصل الخامس 26 -
--لن اعتبر نفسي قد فرغت من تعريف القرآن قبل أن أحدد بما أستطيع من دقة المستويات الخمسة لمناظير علاجه لموضوعه: .1الدين .2والديني .3وما بعدهما .4والعلاقة بين الدين والديني .5والعلاقة بين الديني وما بعدهما. فهذه المناظير لم أجدها في أي كتاب منزلا كان أو غير منزل في حدود ما أعلم منهما. ولأبدأ فأعرف بإيجاز هذه المناظر:فالدين يتكلم عليه القرآن بالجمع مثلا في البقرة 62وآل عمران 79والحج 17وإذنفالدين متعدد بالجوهر وهو كل الأديان التي عرفتها البشرية لأن القرآن في الحج 17وضعستة أصناف أولها ال ٌإيمان والاخير هو الشرك وبينها أربعة واعتبر الفصل بينها يوم الدين. والأربعة تنقسم إلى اثنين منزلين هما: • اليهودية • والنصرانية واثنين غير منزلين هما: • الصابئية • والمجوسية. والأول هو الإسلام والأخير هو الشرك.وإذن فالدين ليس واحدا ،بل هو متعدد ،ويمكن اعتبار هذا التصنيف جامعا مانعا لأنه ذهب إلى حد اعتبار الحدين الأقصيين ،أي الإسلام والشرك ،من عناصر المجموعة.ابو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--والقرآن لم يكتف بذكر هذا التعدد في الآيات التي ذكرت وقضى فيها بالإرجاء المطلق في آخرها قصرا على الفصل بينها ثم ذكر جزاء (الحج )17إرجاءين:• أحدهما في وعد بجزاء موجب وطمأنة بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة )62 • والثاني بالاكتفاء بالطمأنة دون كلام على جزاء موجب (آل عمران .)69لم يكتف بذلك ،بل اضاف في المائدة 48أن هذا التعدد مقصود لأنه شرط التسابق في الخيرات لعلتين: .1فلا يمكن تصور الحرية الدينية من دون إمكانية الخيار وطلب الحقيقة أو تبين الرشد من الغي خلال المرور بالاختيار والمتعدد (البقرة .)256 .2ولا معنى للجزاء عليه إذا لم يكن ثمرة لهذا المسعىفيكون الدين المتعدد الأرضية التي يتحدد من خلالها غاية لسعي حر يقوم به الإنسان حتى يدرك حقيقة الديني في الأديان. وهذا الديني هو إذن أصل وغاية.هو أصل لأنه لو لم يكن أصلا لاستحال أن يصبح غاية يسعى الإنسان إليها سعيا ليتحرر به مما تختلف به الأديان العينية عنه بأعراض تعرض لها فتفسده.• وهذا الأصل هو ما يسميه القرآن الفطرة أو شهادة الميثاق (الأعراف )173-172ثمما يطرأ عليها من خسر أو فساد أحسن التقويم أي ما يسميه الدين عند الله (الإسلام).• وهو الغاية التي هي التذكير الأخير والنقد النسقي والصريح بمعيار التصديق والهيمنة للأديان والغاية هي شروط الاستثناء من الخسر. وذلك هو ما تحدده سورة العصر: الديني في كل دين إذا سعى أصحابه إلى الحقيقة هو مضمون سورة العصر. وفيه خمسة شروط للاستثناء من الخسر: • الوعي بالخسر بداية للخروج منه • الإيمان (وبه تبدأ الآيات الثلاث المتعلقة بتعدد الأديان)ابو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- • العمل الصالح • التواصي بالحق • التواصي بالصبر.ولما كان يمكن أن يوجد فيها جميعا من هم صادقون ويبحثون عن الحقيقة وقد يترقونفيسبقون في الخيرات حتى يصلوا إلى الديني وكان علم ذلك عند الله وحده لأنه من السرائر ،فإن احترام كل الأديان واجب على كل مسلم لأن تابعيهما ليسوا جميعا سواء. ولذلك فقد حفظت الأديان كلها في دولة الإسلام. ونصل إلى قلب المناظير الخمسة: رأينا الدين والديني ونصل الآن إلى ما بعدهما.فما كان يمكن للقرآن أن يفصل بين الدين والديني لو لم يكن ما بعدهما أي إنه ما بعدالدين وما بعد الديني مثل الوعي الذي يعود على صاحبه فيكون وعيا بالذات خلال الوعي بالغير :نعي ما حولنا ونعي أننا نعيه. القرآن وعي بوعي الدين وبوعي الديني.وهو وعي ما بعدي ،لكأن القرآن بكلامه على الدين وعلى الديني هو كلام على كلامهما درجة ثالثة من الكلام على الحياة الروحية. وينتج عنه الدرجات الأخيرتان: • العلاقة بين الدين والديني • العلاقة بين الديني وما بعدهما. ولنفهم ذلك فلنعد إلى المقارنة بوعينافالعلاقة بين الدين والديني من جنس العلاقة بين وعيي بما حولي المصاحب لوعيي بذاتي.ابو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--ذلك ان أي مؤمن صادق أيا كان الدين الذي ربي عليه وهو من حوله في جماعته يكوندائما في علاقة بما في فطرته من وعي قيمي وخلقي يجعله يقارن بين حقيقة الديني و\"وواقع\" الدين. من ليس له ذلك ليس مؤمنا.والقرآن وعي بالعلاقة بين الديني وما بعدهما (أي الدرجة الرابعة التي ذكرناها فيالتغريدة السابقة) فلو لم يكن المؤمن قد تحرر من الغرق في عالم الفناء ولم يشرئب لعالمالبقاء لاستحال عليه أن يتحرر مما حوله أي من الصورة السائدة من الديني مثالا أعلى في الدين المتعين في تقاليد و\"أمر واقع\". وتلك هي المناظير الخمسة التي تجعل القرآن عسير الفهم.ولنصل ذلك بفصلت :53فآيات الله التي يرينها في الآفاق والانفس تحاكي هذه المناظير الخمسة. فالآفاق 2والانفس 2والاصل 1وهو حقيقة القرآن التي نتبينها فيها. فالآفاق هي العالم أي الطبيعة وتاريخ والانفس هي الإنسان بدن وروح.ولا يتوهمن أحد أني أقصد بـ\"عسر الفهم\" أن القرآن بحاجة إلى وسطاء ،وأن معانيهباطن يخفيه ظاهر يحتاج إلى مؤولين فليعلم أني أرفض ذلك تماما ،وأن ما أعنيه هو منجنس علاقة الإنسان بالإدراك الحسي والإدراك العلمي .فالإدراك العلمي لا ينفي الإدراك الحسي والعلم ليس باطنا بالقياس إلى الحس.لا يوجد تأويل للعالم الحسي باعتباره مجرد ظاهر يكتشف القوانين العلمية التي تحكمه باعتباره باطنه.كلاهما عالم حقيقي موجه إلى نوعين من المدارك الحقيقة التي لا يمكن العيش من دونهما.ابو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--ولا يمكن تصور الإنسان عائشا وعلى أعينه أدوات الإدراك الفلكية فهو لن ينجح في العيش السوي.ومن السخف اعتبار العالم بالمنظور الفلكي حقيقة والعالم بالمنظور الحسي باطلا بلكلاهما حقيقة أولاهما حقيقة الوجود الفعلي في حياة الإنسان والثاني حقيقة الوجود الضروري لفهم قوانين الاول. عالمان: • عالم الحياة الفعلية للإنسان • وعالم الادوات الضرورية لهذه الحياة الفعلية. تلك هي العلاقة.ومعنى ذلك أني أعتبر ما أكتبه ليس هو حقيقة القرآن ،بل اعتبره أدوات فهم ما يجعلالقرآن شرطا من شروط حياة الإنسان العادي في علاقته المباشرة به بوصفه أساس حياتهالروحية التي من دونه تكون حياته الطبيعية مستحيلة لأنها في الغاية تتحول إلى ظاهرة طبيعية لا يختلف الإنسان فيها عن أي حيوان. وبصورة أوجز:القرآن يجعلني إنسانيا أو يمدني بما يجعلني أشعر بأني ليست حيوانا فحسب ،بل حيوان له القدرة على التعالي وعدم الإخلاد إلى الارض. وما أحاوله هو الجواب عن :ما الذي يجعل القرآن يحقق ذلك لي؟ كذلك العالم يمدني بشروط حياتي العضوية. والعلم يجيب عن سؤال ما الذي يجعله يحقق ذلك.والجواب عن السؤالين تفسير فلسفي لفصلت :53لماذا أتبين أن القرآن حق عندما أرى آيات الله في الآفاق (العالم الطبيعي والتاريخي) وفي الأنفس (بدني وروحي)؟ابو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--وإذن فما أقوم به لا علاقة له بالرؤية التي تميز في القرآن بين ظاهر وباطن بل هي رؤية تميز بين نوعين من العلاقة الجوهرية به.وهذا الفهم يبعدني عن المزالق التي نجدها في النقد الكنطي وفي المقابلة بين الفقهوالتصوف في العمل وبين الكلام والفلسفة في النظر ويعيدنا إلى دلالة فصلت 53التي شرحت حيني هذا.فما يدركه العلم ليس مظاهر الوجود بل هي مستوى وجودي لا يقل حقيقة عما تدركه الحواس تجليا لمستويات الوجود.ويقابل الموقف الكنطي الموقف الأفلاطوني :فليس ما يضعه العقل من فرضيات لتفسير ما تدركه الحواس هو الحقيقة وما تدركه الحواس نسخة منه منحطة.كلاهما تجل للوجود الذي هو من الغيب دون أن يكون ذلك منافيا لما في تجلياته من حقيقته. كياني يتجلى بدنيا وروحيا وكلاهما مستوى من وجودي حقيقي. وعندما أنظر في ذاتي أشعر بأني واحد أصلا لأربعة فروع اميزها في ذاتي.أشعر ببدني وأشعر بشعوري ببدني أو بوعي بذاتي متعينة في كيان بدني وأشعر بأن لبدنيفي شعور اثرا وأن لشعوري في بدني أثرا .فأكون واحدا كأصل ذي أربعة تجليات لكياني الواحد فكون مخمس الأبعاد حتما. وذاك هي معني علاقتي بالعالم.فمن دونه لا قيام لي لكن قيامي فيه ثمرة لتفاعلي معه كطبيعة وفيه أكون إحدى مراحلالإنسانية كلها من حيث هي كيان عضوي واحد كتاريخ وفيه أكون مرحلة من مراحلالإنسانية كلها من حي هي كيان رمزي أو حضاري أو روحي .فأكون خليفة بهذا الوعي المابعدي الدائم.وهذا هو معنى فصلت :53فهذا الوعي المابعدي الدائم هو رؤية آيات الله في الآفاق وفي الانفس وهو من ثم تبين أن القرآن حق.ابو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--فهو بهذا المعنى الرسالة الخاتمة التي تذكر بشروط قيام الإنسان في العالم بفضل ما جهز به من أدوات لعلاج علاقتيه الأفقية بالطبيعة والعمودية بالتاريخ وذاته منهما معا.وهكذا فقد أجبت عن الأسئلة التي تجعل تعريفي لمناظير القرآن شديدة الوضوح وبذلكأكون قد أتممت ما خصصت له محاولة رؤية القرآن في علاقتها بالإنسان من حيث هو خليفة.وطبيعي جدا أن تكون الرسالة الخاتمة حجتها هي عين مضمونها فتكون غنية عن الإعجاز بمعنى خرق العادة وتكتفي بالنظام.ابو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--لكن حقيقة القرآن التي تتجلى في آيات الله التي يرينها في الآفاق والانفس ،أعني فيالعالم ببعديه الطبيعي والتاريخي ،وفي الإنسان بدنه وروحه ،لا تكتفي بما يدل على هذهالحقيقة ،بل هي تشير كذلك إلى أن الآفاق والانفس ليست هي الوجود الباقي بل هي الوجود الفاني وأن ما وراء غيبي هي أحد رموزه. فالمستويات التي رأيناها في الفصل الاول رغم ما بينا من تناسق وتناغم بينها سواء: • في نظام العالم الطبيعي • أو نظام العالم التاريخي (بعدي العالم) • أو في نظام البدن • أو في نظام الروحي (بعدي الإنسان)والتناظر التام بينها وبين نظام القرآن نفسه كرسالة متعلقة بتذكير الإنسان برسالته تبدو عبثا.فلو لم يكن وجودنا مليئا بما لا يفهم وخاصة بما يبدو عليه من \"مجانية\" إذ لا يفهم الإنسان\"حاجة\" الله لخلق عالم كله ثغرات ونقائص لو اعتبرناه مقصورا على ما يمكن أن ندركهبعقولنا التي يحيرها كل شيء فيه وخاصة المصدر والمصير والحرية والضرورة والخير والشر وهلم جرا من المغلقات.ولا أحد أكثر من القرآن كلاما في هذه المسائل وخاصة في الإنسان ونقائصه وعيوبه التيلا تحصى والتي تجعله وكأنه \"صنعة\" فاسدة أو صنعة صينية غير متقنة ،ومع ذلك فاللهينسب إلى نفسه صنعه على أحسن صورة ونفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء كلها واعتبر خلقه أحسن تقوم ثم \"رده أسفل سافلين\".كل الإشكال المحير هو هذه المنزلة الجامعة بين اقصى الكمال وأقصى النقص في كيان الإنسان. • فلكماله استخلفابو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- • ولنقصه احتاج إلى الرعاية التي تخرجه مما يترتب على هذا النقص.فلكأن خلق الإنسان له بداية كاملة هي مثاله الاعلى الذي سيكون مآله في الغاية فيكون كل التاريخ هو خلق الإنسان المتصل.فتكون عين النسبة بين الديني من حيث هو في الفطرة والديني من حيث هو في الإسلام الخاتم.وبين البداية والغاية مراحل التكوين المتصل إلى يجعل ما كان تاما في المثال يصبح تاما في الأعيان.وحينئذ يكون أحسن التكوين في المثال وليس في الأعيان فيكون تعريف الإنسان :حرية تسهم في خلق ذاتها.ولذلك فالقرآن في عرضه لسلسلة الأديان والرسل يكاد يقص علينا هذه التكوينية التيهي تدرج في تحقيق ما في الفطرة المثال نقلا إياها من المثال إلى الأعيان في تجارب دينيةلا يقال فيها النظر والعملي بل هي اساسا سياسة ذات وجهين أحدهما يربي الإنسان والثاني يحكمه :فيستكمل التاريخ الطبيعة.وقد حاولت بيان عينة من ذلك من خلال شرح سورة هود التي قال عنها الخاتم إنها شيبتههي وأخواتها محاولا فهم علة تشبيها له وهي في آن نسق توالي الرسالات في عملية التكوينالتاريخي لإنسانية تسهم في \"خلق\" ذاتها بما من الله به عليها من حرية إرادة وصدق علم وخير قدرة وجمال حياة وجلال وجود.وفعلا فالسورة حتى وحدها من دون اخوتها تشيب راس الإنسان الذي يراها كما توحي بذلك: فهي في آن: • فلسفة تاريخ • وفلسفة وجود • وفلسفة دينابو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--• وخاصة رسالة مذكرة بكل ذلك تذكيرا يكون من يكلف بها بشيرا ونذيرا أخيرا فيتاريخ الإنسانية كلها ومكلفا بإنتاج عينة من السعي لتحقيق مثال البداية في تاريخ الغاية.وأن نعتبر عمل الوسط هو الحكم في ما مضى من تاريخ البشرية قبل نزول القرآن (ابراهيم) وعمل المخاطب الذي سيعود إليه هو الحكم في ما يلي بعد نزوله (محمد). • والثلاثة الأولى تتألف من نوح وهود وصالح • والثلاثة الثانية بالترتيب المعكوس من موسى وشعيب ولوط. فلنقرأ الآن البنية العميقة للسورة.وقد حاولت شرحها بهذا المنطق والمنطلق دون تأويل تحكمي وإن كانت فرضية قراءتهاتنطلق من بنية رياضية تشبه المصفوفة التي فيها تناظر بين ثلاث عناصر أولى وثلاثةعناصر أخيرة وبينهما وسط هو المركز في فهم التناظر بشرط أن نقرأ الثلاثة الأخيرة في ترتيب معكوس بالقياس إلى الثلاثة الاولى. ولا بد من اعتبار القراءة مستندة إلى منظور القرآن:فلا نوح ولا هود ولا صالح ولا لوط ولا شعيب ولا موسى رسل لقومهم حصرا فيهم ومن ثمفلا يمكن قراءة أفعالهم وكأنها خاصة بشعوبهم حصرا للديني كمعنى عام في الدين كحالة عينية بل المطلوب الانطلاق من الديني عامة في أي دين متعين أمرا واقعا.ذلك أن الأمر يتعلق بالواحد في الاديان المتعينة تاريخيا والتي تتضمن السورة منها ستحالات تنسب إلى الثلاثيتين واثنين إلى الوسط بينهما (ابراهيم) إلى المخاطب الذي شيبته السورة والذي عاد في رسالته الخاتمة إلى إبراهيم (محمد). وتفترض السورة ما قبل نوح وما بعد موسى قبل محمد :آدم وعيسى. ولغز السورة في آدم وعيسى ومفتاح فهمها في إبراهيم ومحمد.• فالأول تميز خاصة بفعلين يمكن أن يعتبرا مفتاح فهم للسورة :أسئلة الأفول وتحرير الإنسان من يكون أضحية.ابو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--• والثاني تميز بفعلين يمكن أن يعتبرا مفتاح فهم للسورة :العودة إلى ابراهيم وتأسيس سياسة تربية دون وساطة وحكم دون وصاية.أما اللغز الوجودي فهو يرد إلى آدم وعيسى وما بينهما من تماثل وجودي (ذكره القرآن)وما بين الأول والثاني من شرح للغز الوجودي وما ترتب على تحريف دور الثاني بالقياسإلى تجريم الأول في أصل التحريفات التي عرفتها البشرية بين البداية الآدمية والنهاية العيسوية في تاريخ الإنسانة الروحي.فلا أحد يشك في أن الاستخلاف تم قبل أن يقع ما وقع لآدم وحواء في الجنة -القصةرمزية طبعا-ومن ثم فلا يمكن أن يعتبر ما حصل بعد ذلك عقابا ،بل هو كان بداية الفعلالذي لأجله استخلف آدم :حرية الاجتهاد صوابا وخطأ من آدم وحواء والأنزال هو للفرصة الثانية لإثبات جدارتهما بالاستخلاف.والاخراج من الجنة لم يكن عقابا وشفع بعفو عن الخطأ في الاجتهاد دون تجريم للجنس الذي لا علاقة له بالخطأ.فوجود الزوجين يجعل الجنس طبيعيا وليس جريمة صارت خطيئة موروثة لتأسيس الوساطةالكنسية نائبة الشفيع ولتكون مؤسسة للحكم باسم الحق الإلهي أعني اساسي التحريف اللذين ألغاهما القرآن.وكل التحريفات بين آدم وعيسى ينسبها القرآن إما إلى غلبة ما في آدم من معدنه أو ما فيالوسطاء والاوصياء الذين يتحالفون لاستغلال أداتي استعباد الإنسان :إما من الطبيعة أومن الإنسان بالسيطرة على سد حاجاته المادية والروحية .وهما عبوديتان تمثلان مدار فلسفة التاريخ في سورة هود. والآن نستطيع بدأ الشرح :فماذا فعل نوح؟ أمران: تخلص من سلطانين للطبيعة في أسرته وفي العالم.ابو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- • وذلك بالثورة الروحية• والثورة التقنية صنعا للسفينة وزرعا للأزواج من كل شيء حتى يحرر الإنسانية من العبودية للضرورة الطبيعية سواء في العلاقات العاطفية أو في العلاقات الاقتصادية نوح هو الاول في المثلث الأول. ويناظره في المثلث الثاني الأخير الذي هو الأول من النهاية إلى البداية. ماذا فعل موسى؟أولا التحرر من الطبيعة حاصل على الأقل برمزين فهو وصل إلى اسرة فرعون عن طريق رمز الطبيعة الماء وتخلص من فرعون به. لذلك فثورته ضد العبودية السياسية وليس الطبيعية. وهي الثورة الثانية:.1الأولى تحرر الإنسانية من عبودية الطبيعة لأنها \"زرعت\" من كل زوجين اثنين فصارت تنتج حاجتها بنفسها وليست تابعة للطبيعة مباشرة.2والثانية تحرر الإنسان من عبودية السياسة لأنها خرجت على أعتي دكتاتورية سياسية ثيوقراطية هي دولة فرعون وهامان .لكن الثورتين فشلتا. ونبدأ بفشل الثانية:فالشعب الذي اراد موسى تحريره لم يتحرر بل فضل العيش المادي في العبودية (طلبمأكولات) وصنع وثنا جنيسا لوثن الفراعنة ولكنه بمال مسروق وهو العجل الذهبي ذوالخوار .وهما ما به يسيطر المرابون على العالم إلى اليوم أي بمعدن العجل (الربا) وبخواره (الإيديولوجيا).وعندئذ نفهم فشل الثورة الاولى كما سيتبين في رسالة هود الثاني من المثلث الاول وفي رسالة شعيب الثاني في الرجوع من موسى إلى لوط. • فالأول هود تبين أن علة عدم نجاحه أصحاب المال والاقتصادابو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--• والثاني شعيب تبين أن علة عدم نجاحه نظام التوزيع والمقاييس المغشوشة :الاقتصاد نظام التوزيع العادلوواضح أن للأمرين هذين علاقة بالعبودية الطبيعية وبالعبودية السياسية لأن سلطان أصحاب المال ذو علاقة بالطبيعة ونظام التوزيع ذو علاقة بالسياسية.فيكون الرسولان هود وشعيب قد بينا العائق الأساسي في فشل الثورتين على سلطان الطبيعة وسلطان السياسة عند نوح وموسى.فإذا وصلنا إلى صالح الاخير من المثلث الاول ولوط الأول من المثلث الثاني -ذكرناالترتيب المعكوس .-فكلاهما يتعلق بشرط الحياة نفسه :الماء عند صالح والجنس عند لوط.فهما المشكل الذي يفشل الثورتين ويتعلقان بما يترتب على العبوديتين من استبداد وفساد في شروط الحياة الإنسانية.وعندئذ نلتفت إلى الوسط بين الثالوثين أي إبراهيم :فأولا هو من جاءه الرسولان ليعلماه بمآل قوم لوط. ولكن أيضا ليبشراه بابن. والبشرى هي المشكل. فقد يظنها الكثير متعلقة بابنه اسحق.وليس كذلك لأن سارة لم تلد اسحاق في آخر حياتها بل مباشرة بعد هاجر بسبب الغيرة وتلك علة استبعادها.الابن الذي بشر به هو الذي عاد إليه ليعالج كل هذه القضايا انطلاقا من ثورته التي عرفت طبيعة ما تستند إليه هذه الرسالات.تحرير الإنسانية من عبادة الطبيعة أساس تحريرهم من عبادة السياسة بعلاج يتعلق بتربية بلا وساطة وبحكم بلا وصاية. وتلك هي الثورة المحمدية والرسالة الخاتمة.ابو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--كيف لا يشيب الرسول من هود وأخواتها وهود وحدها كما رأينا تجعل كل الرسالاتالسابقة تتخلص مهمتها في ما على الإسلام أن يتداركه من تاريخ الإنسانية كلها في علاقتهابالآفاق والانفس وما فيهما من آيات الله التي لم يعد الأمر متعلقا برؤيتها فحسب ،بل بالسعي لجعلها استراتيجية تحقيق وظائف الإسلام. إنها في الحقيقة برنامج عمل الرسالة الخاتمة كله.فهي رسالة تحرير الإنسان من سلطان يستمد من الطبيعة او من السياسة أو تحقيق ثورتينوح وموسى وما تعينت فيه عوائقها في ما بين الثورتين مما شرحت أي الاقتصاد والماء والجنس ونظام التبادل والتعاون العادل ليس في جماعة بل في الإنسانية كلها.وبصورة موجزة وصريحة :المهمة هي كيف تتحرر الإنسانية كلها فلا يعبد إلا الله أوتحقيق الوحدانية التي عرفها إبراهيم في المرحلة الوسطى بين ما تقدم عليه بين الثالوثالاول وآدم وما تأخر عنه بين الثالوث الثاني وعيسى فيكون على محمد أن يكون أشبه بمن لرسالته الالتفاتين وكأن لها وجها جانوس.وقبل أن أواصل الكلام في الرسالة الخاتمة وتضمنها هذين الالتفاتين ينبغي أن اتكلم في اعتراضين ممكنين على المحاولة كلها. فالمعلوم أني أرفض أن يكون القرآن متضمنا لما بنيت عليه نظرية الإعجاز العلمي.لا يتضمن القرآن قانونا علميا واحدا بخلاف ما يتوهم الكثير لأنه يتنزل في مستوى الرؤى.ومستوى الرؤى تتعلق بالكوني والكلي وما لا يتغير في المكان ولا في الزمان لأنه يحدد الحقائق الوجودية التي تعرف عناصر المعادلة الوجودية التي سبق فحددتها وهي: .1الله .2الطبيعة ( .3الله-الإنسان)ابو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- .4التاريخ .5الإنسان. أي العلاقة المباشرة بين الله والإنسان وغير المباشرة بينهما.والفرق بين العلاقتين المباشرة وغير المباشرة بين الله والإنسان علتها أن الطبيعة والتاريخ يوجدان في الإنسان ويوجدان خارج الإنسان.والمقابلة ليست بين وجودين أحدهما في الأذهان والثاني في الاعيان ،بل كلاهما فيهما كليهما أي إن الإنسان هو وحدة هذا المربع الذهني والعيني وكلاهما فيه وحوله. وكلها مشدودة إلى الله حتى لو كان أعتى الملحدين.والفرق بين المؤمن والملحد هو أن الأول يدرك العلاقة إيجابا فيثبتها والثاني يدركها سلبا فينفيها.وغالبا ما يبرز هذا الإدراك خاصة عندما يصيب الإنسان ما يجعله يتفكر في هشاشته أو ما يمكن تسميته بالفقر الوجودي أعني الوعي بالمتعاليات.فعندما يدرك معنى حرية الإرادة وصدق العلم وخير القدرة وجمال الحياة وجلالالوجود حضورا وغيابا عندها يدرك أنه لا يقوم بذاته إلا وهما لأن ما بينه وبين الطبيعةفي كيانه أولا وفيما حوله ثانيا يجعله حتى ماديا يستمد قيامه من غيره من الطبيعة إما مباشرة أو بتوسط التاريخ وبتوسط ما ورائهما.وهذا الحقيقة الاولى لا تحتاج إلى علم يتجاوز كون الإنسان واعيا بقيامه وشروطه وهوعلم متقدم على كل علم وهو عين الديني والفلسفي الذي يتقوم به الإنسان من حيث هوذات واعية سواء آمنت أو ألحدت أثبتته إيجابا أو نفته سلبا وهي لا يمكن أن تستغني عن إثباته أو سلبة او المناوسة المتحيرة بينهما.هذا من منطلق القرآن وما يغنيه عن الكلام في العلوم .والأمر الثاني من منطلق العلوم ذاتها.ابو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--لا نسمي علما بالقوانين الطبيعية أو بالسنن التاريخية غير متعين في موضوع محدد وقيممحددة تعبر عما يعلم منه وطبعا يمكن أن يكون ما صدق مفهوم الموضوع مختلف الوسع لكن لا يمكن أن يسع الوجود كله.وهذا هو الفرق بين العلوم والرؤى الدينية أو الفلسفية .لذلك فأنت تجد في الديني وفي الفلسفي رؤى ولا تجد فيه علوما إلا بوصفها أمثلة يستمدها من فنون هو ما بعدها.الديني والفلسفي كلاهما ما بعدي بالقياس إلى العلم والعمل وأثر الاول في الثاني والثاني في الاول وأصلها جميعا أعني حدس الوجود.وأذهب إلى أكثر مما يتوهم بعض السطحيين ممن يقابلون بين الديني والفلسفي ويعتبرون الأول شكلا تجاوزه الإنسان لأنه انتقل إلى الثاني.وهو من علامات الجهل والحمق .ذلك أن مراحل العلاقة بينهما تجعل الفلسفي كان ضمنيا في الديني وتصور نفسه تحرر منه في نشأة الفلسفة (بين أفلاطون وارسطو).لكن التطور حتى عند هذين أدى إلى اضطرارهما إلى إنشاء دين فلسفي أساسا للفلسفيفي فكرهم الذي تصور العلوم يمكنها أن تغني عن الينبوع الأسمى أو الدين في ما قبل سقراط.وظل الأمر صراعا بين الديني والفلسفي بسبب الصراع بين المتكلمين والفلاسفة لعلل سلطانية لا علاقة لها بالفلسفي والديني.وما حصل بين أفلاطون وأرسطو (الاول أكثر وعيا بالعلاقة من الثاني) تكرر بين كنطوهيجل (الثاني أكثر وعيا بالعلاقة من الثاني) لكن الأربعة وضعوا القضية في مستوى دونمستواها الحقيقي أعني أن العلاقة بين الفلسفي والديني ليست بسبب العلاقة بين النظر والعمل بل لعلة أعمق هي ما حدده القرآن.فلو لم يكن الإنسان هو عين المعادلة الوجودية التي وصفت لما كان للديني والفلسفي علاقة أصلا.ابو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--صحيح أن النظر والعمل يبدوان علة العلاقة لكنهما في الحقيقة هما مجال التجلي لما فيكيان الإنسان من معادلة تجعله في آن ذا علاقة مباشرة بالله وذا علاقة غير مباشرة به بتوسط الطبيعة والتاريخ.والعلاقة غير المباشرة هي التي ينطلق منها الفلسفي بمعنى أنه يصل إلى الإلهي عن طريق الطبيعي والتاريخي طلبا لما بعدهما .لكن الديني ينطلق من العلاقة المباشرة التي هي في كيان الإنسان نفسه من حيث هوتلاحم دائم بين الطبيعي والتاريخي وما يترتب على تفاعلهما من وعي الذات بالمتعاليات.وهذا عينه ما كان سقراط يفهمه جيد الفهم .فالعلاقة المباشرة بين الإنسان والله علتهاأن الإنسان -آيات الله في أنفسهم-يتضمن في آن الطبيعة والتاريخ -آيات الله في الآفاق-بل هو عين رؤية هذه الآيات :قيامه الواعي مستحيل من دون رؤية هذه الآيات بدرجات مختلفة هي درجات صفاء التلقي.ولان العلاقة المباشرة أولى فهي الأصل الأعمق وما عداه فرع عنه ينطلق من العلاقة غير المباشرة.وتلك هي العلة في أن العلوم الإنسانية أعسر ألف مرة من العلوم الطبيعية وتأسيسها متأخر ولا يزال هشا.وقد بينت سابقا أن نسبة ابن خلدون إليها هي عين نسبة ارسطو إلى علوم الطبيعة: بداية تأسيس.لكن الفلسفي والديني من طبيعة واحدة والاخلاف في المباشرة وغير المباشرة :لذلكفالفلسفي الذي يبدأ من الطبيعي فالإنساني ينتهي إلى ضرورة التأسيس على متعاليات لاهي طبيعية ولا هي إنسانية حتى عندما يعاند فيدعي أن هذين كافيان فيضطر إلى تأليههما بجعلهما \"كاوزا سوي\" أو تأليه الصدفة. وتلك هي أنواع الإلحاد الخمسة: .1تأليه الطبيعةابو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- .2أو تأليه الإنسان الطبيعي .3أو الإنسان المتجاوز للطبيعة .4أو الصدفة .5أو الغائية الخفية كما في نظرية السوق والديموقراطية والتاريخ الهادف إلى شيء فيه فائدة إلى الإنسان. وكلها منافية للمنطلق الإلحادي أي دعوى الاستغناء عن \"مهندس\" متعال. وبهذا المعنى فلا يوجد فيلسوف كبير بحق ادعى الألحاد.وغالبا ما يكون القائلون به من الدرجة الدنيا من الفلاسفة والعلماء أو من مؤدلجي الفلسفة في نسبة ماركس لهيجل.فالماركسية تصبح إيديولوجيا علموية بمجرد نفيها ما يبني عليه هيجل فلسفته التي هي وحدة الديني والفلسفي في وحدة وجود مذوتة.وفي الحقيقة كل الذين يبحثون عن الاعجاز العلمي في القرآن نسبتهم إلى الديني فيهكنسبة الماركسية إلى الفلسفي في الهيجلة :يؤدلجون القرآن بدعوى الرفع من شأنه تماماكما يفعل الماركسي الذي يظن نفسه قد رفع من شأن الفلسفة عندما يؤدلجها فيدعي أنها علم. الديني والفلسفي ما وراء العلم والعمل.وكل الفلسفة الحديثة وخاصة بداية من ديكارت لا يمكن تصور الفلسفي من دون الديني ولا الديني من دون الفلسفي.والعلة هي عين ما حاولت بيانه :فديكارت لا يتصور طلب الحقيقة الفلسفية التي هيشرط تأسيس الحقيقة العلمية من دون الوصل بين الفلسفي والديني دون أن يعني دينا معينا لما بينت من فرق.ابو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--وليس بالصدفة أن جعل أساس فلسفته \"اشك إذن أنا موجود\" التي أصبحت أفكر إذن أناموجود\" بمعنى أن وعيي بوجود لا يزعزعه أي شك حتى لو حضر الشيطان ذاته أو ما يسميه الجني الخبيث.ومن ثم فالفلسفي لا يمكن ألا ينطلق من الإيمان بهذه الحقيقة وهي أني واع بأني واع وبأني أفكر وذلك هو جوهر وجودي.ومجرد توهم هذه الحقيقة غير موجودة أي الإيمان بأني واع وأفكر لن يبقى معنى للكلامعلى الفلسفي أي على التفكير المنتظم ذي المنهج المنطلق من العلاقة غير المباشرة بيني وبينالحق أو الله أعني انطلاقا مما أدركه من الطبيعة والتاريخ حولي وفي .فندرك أن الديني غاية الفلسفي وبدايته دائما.وهذه هي المعادلة الوجودية وهي كيان الإنسان وهي مضمون فصلت 53وهي كما أسلفتلحمة القرآن وسداه وعين الرسالة الإسلامية وطبيعة القرآن الكريم .لكن علوم الملة التيفتتت القرآن ومزقته وتركت أمر فصلت 53جانبا ثم انشغلت بما نهت عن الانشغال به آل عمران .7فكان زيغ القلوب وابتغاء الفتنة.لم يبق إلا أن ندرس مضمون الرسالة بوصفها تحقيق ما بينت سورة هود أنه مضمون كلالرسالات اجتمع في الرسالة الخاتمة أعني الثورتين المحررتين من عبودية الطبيعة والسياسةبتربية دون وساطة وبحكم دون وصاية في الجماعة البشرية كلها بمبدأ الأخوة (النساء )1 والمساواة (الحجرات .)13ابو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--لا أعتقد أني بحاجة للكلام في العلاقة المباشرة بين الله والإنسان ،العلاقة التي وضعتها في القلب مما سميته المعادلة الوجودية. إنها لب الديني لو اقتصرنا على الرؤية الصوفية المهملة لغير المباشرة.لكن هذه هي شرط العلاقة المباشرة في الاعيان تماما كما أن تلك هي شرط غير المباشرة في الأذهان.وهذا الإهمال يجعل الموقف الصوفي الذي يوهم بإمكان الاقتصار على العلاقة المباشرةمناف تمام المنافاة لما توصلنا إليه في بيان طبيعة الثورتين وما بينهما من مهام شرطها علاجالعلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة والعلاقة الافقية بينه وبين التاريخ وما ورائهما وصلابين علاقتي الإنسان بربه.والامر الثاني الذي يغنيني عن الكلام على العلاقة المباشرة بين الله وربه هو أن هذهالعلاقة لا يمكن لاي إنسان أن يجهلها لأن بدنه قبل روحه لا يتوقف عن تذكيره بها .فيكفيما يتوالى على البدن من آلام ولذائذ ومن أمراض وشدائد ومن وفقدان لمن يحب ومن مآل لا يدري منه حتى الثانية الموالية.ما أنوي الكلام عليه هو ما أهمله علماء الملة رغم أن العلاقة المباشرة مشروطة به أعنيالعلاقة العمودية بالطبيعة والعلاقة الأفقية بالتاريخ وصلتهما بالعلاقة المباشرة بينالإنسان وربه :فبهما يدرك الإنسان علاقته بالمتعاليات لأنها في الحقيقة اساس البصيرة الناقلة من الغفلة إلى العقل. وهنا يلتقي الفلسفي بالديني لأن الإنسان الذي يعرفه القرآن بكونه: • مستعمرا في الأرض (الأساس المادي للعلاقتين بين الإنسان والطبيعة والتاريخ)• ومستخلفا فيها (الأساس الروحي للعلاقتين بين الإنسان والطبيعة والتاريخ) وهو ما يجعله حتما ينتقل إلى ما ورائهما خلال تعمير الارض بقيم الاستخلاف.ابو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
--وإذا قلت شيئا في العلاقة المباشرة رغم الاحترازين فليس لبيان طبيعتها فهي بينة بللبيان القصور الذي حصل عندما ظنت علوم الملة أن العلاقة من حيث هي دين مقصورةعليهما وتوهم إمكانها من دون العلاقة غير المباشرة :فالتدين المبني على العلاقة المباشرة يسمى عبادات ولا معنى لها من دون معاملات.ومعنى ذلك أن المتصوف والمتدين الذي يتصور أنه يمكن أن يكون جديرا بالاستخلاف مندون تعمير الارض لم يفهم شيئا من فلسفة الإسلام :فالدنيا مطية الآخرة وامتطاؤها هوشرط المعاملات .ومن لم يحقق شروط الامتطاء يكون عبدا لها لأنه يصبح متسولا لسد حاجاته ولحماية ذاته وهما عبودية لغير الله.فيكون مجال النظر والعمل هو علاج العلاقتين غير المباشرتين بالله من خلال ماوراءالطبيعة وما وراء التاريخ ،ما يعني من خلال علم قوانين الطبيعة وسنن التاريخ ومن ثممن خلال الثورتين القرآنيتين :ثورة نوح أو التحرر من الاستبداد الطبيعي وثورة موسى أو التحرر من الاستبداد السياسي.والتحرر من الاستبدادين هو شرط الكفر بالطاغوت أو عبادة من بيده سد الحاجة الماديةوالروحية فيكون ربا بديلا من الرب الوحيد ويحول دون الإيمان بالله :البقرة .256 وذلك هو تبين الرشد من الغي.لذلك تجد المتصوف والمتعبد من دون علاج العلاقتين غير المباشرتين مؤمنا بالطاغوت وكافرا بالله.فمن لا يعمر الأرض فردا كان أو جماعة يدين لغيره بقوته ومن لا يطبق قيم الاستخلاف(أي الجدارة بأن يكون خليفة حر الإرادة وصادق العلم وخير القدرة وجميل الحياة وجليلالوجود) لا يمكن أن يكون عابدا لربه الحقيقي بل هو عابد لمن استعبده بالتحكم في سد حاجاته المادية والروحية.وهذا ما حدث للمسلمين لظنهم أن العلاقة المباشرة بالله (العبادات) كافية وممكنة من دون التحرر من استبداد الطبيعة واستبداد التاريخ بالنظر والعمل وتطبيقاتهما.ابو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--فسد الحاجات المادية والروحية هو معنى الاستعمار في الارض وسدهما بقيم الاستخلاف هو معنى ما وصفت من مقومات وجود الإنسان الحر.والعلاقة المباشرة بين الإنسان وربه تصحب كل أفعاله إذا كان مؤمنا ومن ثم فهي ليستما يقابل العلاقة غير المباشرة بحيث إذا حضرت الواحدة غابت الثانية إلا في حالة فسادهما.فلا عبادة منفصلة عن ثمرتها عبادة ولا معاملة مفصلة عن حضور الله معاملة فالإيمان هو الوعي بهذا الحضور الدائم للتعالي.فـ\"إن الله كان عليكم رقيبا\" ليست إلا تذكيرا بحقيقة :نسيان ذلك ليس إلا ذهولا وجوديا.فالأمر لا يتعلق برقابة من جنس الرقابة في الأنظمة الاستبدادية بل هي وعي الإنسانبما في ذاته من وعي بانشداده إلى ما يجعل إرادته حرة وعلمه صادقا وقدرته خيرة وحياته جميلة ووجوده جليلا لئلا ينحط.في كياننا هشاشة تتجلي في جاذبية الإخلاد إلى الارض ولها علاقة بدور الحاجة المادية والروحية عندما تصبح حائلا دون الحريتين الروحية والسياسية.ولهذه العلة يعتبر الإنسان معرضا لعبادة من دون الله من خلال خضوعه للحاجة التي يُستعبد بها :الوساطة والوصاية علتها العلاقة بالطبيعة والتاريخ.فالعبودية لغير الله علتها أن الإنسان يخضع لمن بيده سد حاجاته بعد أن تنازل عن دوره في السعي إلى شروط سدها بنفسه.والحاجة المادية تصبح بيد الغير بمجرد أن يتنازل الناس عن جعل الأمر أمرهم كماحددت ذلك آية الشورى 38فجعلوه فرض كفاية بدلا من كونه فرض عين فأصبح وكأنه أمر من يتولاه عنوة.ليس من علة للاستبداد إلا تخلي المؤمنين عن فرض العين الذي أصبح فرض كفاية دونشروط الكفاية .فالكفاية تعني ما يترتب على توزيع العمل بحيث يكون كل بعض منشغلاابو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--ببعض من المهام المشتركة في الجماعة لتكون ثمرة العمل موضوع التعاون والتبادل العادل إلا في ما جعله الله فرض عين.فكما أنه لا يمكن أن يصلي أحد بدلا منك لتصبح الصلاة فرض كفاية بدلا من كونهافرض عين فكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورعاية الشأن العام السياسية جزءمنه لأنها وإن لم تكن مباشرة الحكم التي هي فرض كفاية فهي مراقبة الحكم والمشاركة في شورى تسيير الشأن العام فرض عين.فالذي يحكم فرض كفاية مجرد قيم مأجور لدى الجماعة مشروط دوره في نيابتها في حدود ما توكله عليه من أمرها بقاعدتين: • أن يكون أمينا على هذه النيابة• وأن يكون عادلا في الحكم بمقتضى تلك النيابة المحكومة بالمرجعية الشورية والمراقبة دائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كل المؤمنين.وهو ما يعني الحرية المطلقة للمؤمنين في الراي والنقد بل والتصويب أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.وكان الخلفاء الراشدون يشكرون الناقد ويحمدون الله على أن الامة فيها من يقوم بهذه الرسالة التي هي واجب كل المؤمنين وليس حقهم فحسب. وما قلناه عن التحرر من الوصاية نقول مثله في الوساطة.فما يصح على تحرير الإسلام المؤمنين من الوصاية بالشورى الشاملة لأن الأمر أمر الجماعة يصح أكثر منه لأنه شرطه في تحريرهم من الوساطة.فالوصاية هي الحكم المستبد سواء ادعى أنه حكم بالحق الإلهي (آل البيت مثلا) أو بالحق الطبيعي (المتغلب)والتحرر شرطه تربية حرة لا وساطة فيها.ذلك أن من يعلل الحكم بالحق الإلهي أو الحكم بالحق الطبيعي فيؤسس الوصاية بمعنييهاهم المربون سواء كانوا مستندين إلى دين أو إلى فلسفة ومثال الأول هو الكنسية بالمعنىابو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--الديني ومثال الثاني هو الحزبية بالمعنى الماركسي حيث يصبح الإنسان بحاجة لوسيط بينه وبين الحقيقة ولا دخل له في طلبها.لكن الإسلام ألغى الوساطة أو الكنسية بالمعنى الديني وكان ينبغي أن يلغي الوساطة أوالحزبية بالمعنى الماركسي أو القبلي الذي يجعل المواطنين تابعين لمافية تتوسط بينهم وبين طلب الحقيقة بأنفسهم سواء كان هذه الحقيقة روحية دينية أو مادية طبيعية. لذلك ذكر القرآن النبي بهذين الحقيقتين. ففي نفس الآية بل في جملة واحدة ذكره بأنه ليس إلا مذكر وبأنه ليس مسيطر:\"فذكر إنما أنت مذكر (لست وسيطا روحيا) ليست عليهم بمسيطر (لست وصيا سياسيا)\".وإذا كان الرسول منفيا عنه هذين الدورين فإنما ذلك علته قول الإسلام بالحريتين الروحية في التربية والسياسية في الحكم وهما وظيفتا الأمة.والوظيفتان حرفتا لأنهما نقلتا من الأمة إلى من ينوبها في التربية وفي الحكم أو منيقتضيهما تقسيم العمل الذي يجعل جزءا من رعاية الشأن العام يصبح فرض كفاية خادما للأمة التي ترعى ذاتها فرض عين.والمشكل أن فرض الكفاية هنا يتعلق برعاية كل فروض الكفاية بمعنى رعاية الدولة لنظام الجماعة.وفي هذه الكفاية الراعية للكفايات أعني جزءا من العمل السياسي تربية وحكما يباشراننيابة عن الجماعة تكوين ذاتها ومراقبتها بكل الكفايات التي تنتج عن تقسيم العمل المنتجللإنسان ولشروط بقائه مرت البشرية بمرحلتين من العبودية :عبودية الطبيعة وعبودية التاريخ وغالبا ما تجتمعان. واجتماعهما في البنية السطحية له شكلان:• ثيوقراطي (الدولة الثيوقراطية التي تحكم باسم الله وتربيتها كنسية وحكمها بالحق الإلهي)ابو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--• وانثروبوقراطي (الدولة الطبيعية التي تحكم باسم الإنسان وتربيتها حزبيها وحكمها بالحق الطبيعي أو القوة أو الاغلبية التي هي قوة سياسية). والبنية العميقة واحدة.ابو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- فماذا تبين البنية العميقة الواحدة بين:• الثيوقراطيا أو بين التربية (الوساطة) والحكم (الوصاية) باسم الله والانثروبوقراطيا • أو بين التربية (الوساطة) والحكم (الوصاية) باسم الإنسان؟ ولنا عن ذلك مثالان: • الاول علاقة الثورة الفرنسية بالكاثوليكية • والثانية علاقة الثورة الماركسية بالهيجلية. .1فالأول يدعي أصحابه القطع بين السياسة والدين أو فصل الدولة عن الكنيسة. وهو النموذج العلماني اليعقوبي أو الفرنسي.وفي الحقيقة كل ذلك مغالطة :فالأمر لا يتعلق بفصل السياسة عن الدين ولا الدولة عنالكنسية بل بجعل السياسة دينا والدولة كنيسة أو بصورة أدق بالاستحواذ على الوساطة والوصاية. .2والثاني يدعي أصحابه القطع بين المثالية والمادية أو التحرر النهائي من الدينوتبني بديلا مما كان يؤسسه أي الوساطة (الحزب بدلا الكنيسة) والوصاية (طبقة العمال بدل الدولة).ومن ثم فالمثالية لم تلغ بل ضمت لسلطة الدولة المادية كما أن الكنيسة لم تلغ في اليعقوبية بل ضمت لسلطة الدولة.والسؤال هو فيم تتمثل سلطة الدولة التي جمعت بين ما كان للدين في التربية والحكمباسم الله دينيا وما كان للفلسفة في التربية والحكم باسم الإنسان (وفيه يحايث الله فيفلسفة هيجل تأويلا للمسيحية) فأصبح للدولة التي تمثل القوة الفعلية التي تجمع بين المادي والروحي :تلك هي البنية العميقة.ابو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
--وهكذا نجد العلاقة بقراءة سورة هود والثورتين اللتين فشلتا إزاء الطبيعة (نوح) وإزاءالتاريخ (موسى) وما بينهما من تعين للعقبات التي أدت إلى فشل الثورتين أعني العلاقةبالطبيعة الخارجية ونظامها (هود وشعيب) والعلاقة بالطبيعة الداخلية ونظامها (صالح ولوط) والقلب الذي بقي وعدا استقباليا.ولا نفهم هذه العلاقة إلا إذا عدنا من علة فشل ثورة موسى إلى علة فشل ثورة نوح ومابينهما من إشكال اقتصادي اجتماعي عند هود وشعيب وإشكال مائي جنسي عند صالح ولوطوالسؤال المطلق عند إبراهيم ملتفتا إلى ثورته وإلى البشرى المستقبلية التي قدمت له رغم أن زوجته مسنة وعاقر. وشرط فهم هذا الفشل الاعتماد على النظرية التي وضعتها وتتعلق بالرمزين: • رمز الفعل (العملة) • وفعل الرمز(الكلمة). .1فالأول هو شرط التبادل بتوسط أداة التقويم للبضائع والخدمات المادية أو الاقتصاد وشرطه العمل. .2والثاني هو شرط التواصل بتوسط أداة التقويم للمعاني والنظريات الرمزية وشرطه النظر.وبخلاف ما يتبادر إلى الأذهان وما تصور الماركسيون أنه ثورتهم على المثالية فإن الكلمةوالتواصل والنظر مقدمة على العملة والتبادل والعمل لأن أدوات هذه ومناهجها مستمدة من تلك. ومعنى ذلك أن علاقة الإنسان العمودية بالطبيعة أساسها علاقته الافقية بالتاريخ. وإذن فالثورة الثانية شرط الأولى. ذلك أن نوحا لم يبن السفينة بعلمه بل بعلم الله. لكن الإنسانية عليها أن تبني السفينة بعلمها.ابو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- ومن ثم فثروتها على العبودية الطبيعية مشروطة بثورتها على العبودية السياسية.وذلك هو اساس الرؤية القرآنية :تحرير الإنسان من الوساطة في التربية ومن الوصاية في الحكم هو أصل منزلة الخليفة.منزلة الخليفة هي التي يعرف بها ابن خلدون الإنسان بوصفه \"رئيسا بالطبع بمقتضىالاستخلاف الذي خلق له\" .وهو لا يكون كذلك إلا إذا لم تفسد فيه \"معاني الإنسانية\"فيكون حرا روحيا (التربية التي لا وساطة فيها) وحرا سياسيا (الحكم الذي لا وصاية فيه). وفساد معاني الإنسانية هو علة فشل ثورة موسى. كيف ذلك؟ ألم يصنع اليهود بعده العجل الذهبي ذا الخوار؟ إنه دين العجل:• فمعدنه (الذهب) هو تحول رمز الفعل (العملة) من أداة تبادل إلى معبود وأداة سلطان على المتبادلين.• وخواره هو تحول فعل الرمز (الكلمة) من أداة تواصل إلى معبود وأداة سلطان على المتواصلين.ولما تصبح العملة أداة سلطان على المبادلين يصبح الاقتصاد ربويا يستعبد الإنسان بالحكمالمسيطر على الثروة ولا يحرره من الطبيعة ولما تصبح الكلمة أداة سلطان على المتواصلينتصبح الثقافة إيديولوجية يستعبد الإنسان بالتربية المسيطرة على التراث ولا يحرره من التاريخ :سر الثورة القرآنية. فالقرآن يعتبر الربا واختلاف الأقوال عن الأفعال أكبر جرمين في الأخلاق الإسلامية: • فالله أعلن الحرب على الربا • والله يعتبر من يقولون ما لا يفعلون أشد مقتا عنده. وهما في الحقيقة تعين الشرك أو عبادة غير الله أي عبادة من:ابو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- • يستعبد الناس بالعملة (الربا) • ومن يستعبدهم بالكلمة (الإيديولوجيا)دين العجل أي سلطان العملة (معدن العجل) وسلطان الكلمة (خوار العجل) هما البنيةالعميقة للثيوقراطيا والانثروبوقراطيا ولذلك اعتبرتهما بنية سطحية تبدو متنافية فيالظاهر لكنهما متحدان في العمق بمعنى أن ما كانت تؤسسه الثيوقراطيا هو ما استحوذت عليه الانثروبوقراطيا فتبين عبودية لمافية العجل. وهذا هو جوهر العولمة:الإنسان لم يتحرر من وساطة التربية ووصاية الحكم إلا وهميا لأن ما كان بيد الكنيسة والحكم بالحق الإلهي صار بيد المافيات الحزبية وبالحكم بالحق الطبيعي.الوساطة والوصاية انتقلت من إيديولوجيا توظف الديني إلى ايديولوجيا توظف الفلسفي :تحريفان يرفضهما الإسلام.ولذلك فليس بالصدفة أن يتحالف الذراعان (إيران وإسرائيل) وسنداهما (روسياوأمريكا) ضد الإسلام لأن هؤلاء جميعا يتأسسان على تحريف الدين ويتكلمان باسمالثيوقراطيا والانثروبوقراطيا لكنهما يعملان بالأبيسيوقراطيا أو ببعدي دين العجل: الربا أو عبودة العملة والايديولوجيا أو عبودية الكلمة.كيف الآن نفهم ما يترتب على فشل ثورة موسى التي وصفنا هنا من ضرورة فشل ثورة نوح؟ أليس الإنسان الآن قد حقق التحرر من الطبيعة؟ ألسنا في قمة التحرر التكنولوجي من سلطان الطبيعة على الإنسان؟ ذلك هو الوهم الذي علينا فهم عمق تخفيه. فالإنسان الذي يبدو قد تحرر صار عبدا للطبيعة الداخلية.التحرر من الطبيعة الخارجية بالتكنولوجيا أوهم الإنسان بما يمكن أن نسميه خرافةنيتشوية أعني إرادة القوة أو مرض إثبات الإرادة والقدرة وهو تسيب الطبيعة الداخليةابو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
--لدى الإنسان التي لا يشبعها شيء عدى تهديم ما حولها ومن ثم شروط قيامها الذاتي بحيث إن الأمر كله هو نزعة الانتحار الجماعي. ما يجري من إخضاع للطبيعة الخارجية مترتب على: • عبودية العملة أو جعلها أداة استعباد علته التنافس الربوي على تركيم الثروة • وعلى عبودية الكلمة أو جعلها أداة استعباد إيديولوجي على تركيم التراث. وكلاهما يقتضي تحويل الطبيعة من كائن حي إلى كائن ميت مثله التاريخ.فتفهم حينها كيف أن الانتاج المادي لم يعد لسد حاجة الحياة بل لقتل الحي من العالمنباته وحيوانه وحتى إنسانه من أجل تركيم الثروة الميتة كمن يجمع الغذاء خوفا من الجوعوالانتاج الرمزي لم يعد لسد حاجة الفكر بل لقتل الوجود جماله وجلاله وعلمه وإنسانه من أجل تركيم التراث الميت.هذا الخوف المادي والروحي الذي يدفع البشرية إلى حتفها هو الذي يجعلها تفسد شروط بقائها العضوي• فتفسد الغابات والحيوانات والمناخات ولا تبقي إلا على \"البلاستيك\" الذي لا حياة فيه• وتفسد شروط بقائها الروحي فتفسد اللغات والحضارات ولا تبقي إلا الأدوات الرمزية الخادمة لعملية الإفساد الاولىوهذا المراكمتان هما جوهر العولمة التي هي عبودية كونية لدين العجل أعني للعملةالتي صارت أداة سلطان على المتبادلين ولم تبق أداة تبادل وللكلمة التي لم صارت أداة سلطان على المتواصلين ولم تبق أداة تواصل.والسلطانان هما ما كان خفيا في الثيوقراطيا والأنثروبوقراطيا وما كشفته سورة \"هود\".لكن ما كشفناه من وراء ذلك هو دور ما بشر به إبراهيم وزوجته :ويكفي أن نصل ذلك بمن قبل إبراهيم وبمن بعده في سورة هود :صالح ولوط.ابو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- فكلاهما رمز لشرطي الوجود الحي عامة والإنساني خاصة أي الماء والجنس.وقبلهما هود وشعيب أو المشكل الاقتصادي ونظامه وما قبلهما نوح وموسى أو صاحبا الثورتين.فتفهم حينها أن البشرى لا تعلق بإسحق بل بمحمد الذي استأنف الإبراهيمية دونالاقتصار على الفعلين اللذين عرف بهما ابراهيم (أسئلة الأفول وتجاوز الأضاحيالبشرية) بل بالتصدي لما يعوق ثورتي نوح وموسى .والبدء يكون بثورة موسى لأنها هي التي تجعل ثورة نوح قابلة للتحقيق دون فساد وسفك للدماء.وأختم بالكلام في طبيعة المشترك بين الديني والفلسفي من حيث موضوع العلاجوطبيعته :فليس لأي منهما دعوى الكلام العلمي في الجزئيات .هما يبحثان في الرؤى التيتحدد شروط إمكان الكلام العلمي والعملي في الإنساني سواء عرفناه دينيا بالاسترواح الاستخلافي أو فلسفيا بالاستعقال الانساني.ولا يمكن أن نجد ذلك في العلوم ولا في الأعمال لأنهما من أدوات الاسترواح الاستخلافي دينيا والاستعقال الإنساني فلسفيا.وكل من يحاول البحث عن قوانين علمية جزئية للطبيعة أوسنن جزئية للتاريخ في آياتالقرآن النصية لا يرفع من شأن القرآن بل يحط منه لأنه يؤرخنه إذ إن العلم تاريخي بالجوهر.ابو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
--ابو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 36
Pages: