Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore جريمة زيلندة الجديدة، شعارات المجرم ودلالتها الاستراتيجية - أبو يعرب المرزوقي

جريمة زيلندة الجديدة، شعارات المجرم ودلالتها الاستراتيجية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-03-20 14:36:56

Description: جريمة زيلندة الجديدة، شعارات المجرم ودلالتها الاستراتيجية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫شعارات المجرم ودلالتها‬ ‫الاستراتيجية‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪7 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪14 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪19 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪25 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل السادس‪31 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫ما حدث في زيلندة الجديدة على بشاعته‪ ،‬ليس إلا من علامات أمور عميقة بصدد الإعتمال‬ ‫في استراتيجية الغرب بعد فشل سايكس بيكو الأولى بعلامتين يعرفهما القاصي والداني‪:‬‬ ‫• تدرج تركيا المضطرد لاستعادة الذات والدور وقد ظنوها نست تاريخها‪.‬‬ ‫• وصول الثورة إلى مصر قلب الإقليم رغم ما تلا فندق داود‪.‬‬ ‫والعلاقة بين الحدث وهذا الإعتمال العميق لست أنا الذي يريد فرضها على الأمر‪ ،‬بل‬ ‫طبيعة الشعارات التي صاحبت الفعلة الشنيعة التي حصلت في مسجد النور‪.‬‬ ‫لولا الشعارات لاعتبرت الامر حدثا عاديا من أحداث الإسلاموفوبيا بمعناها الناتج عن‬ ‫سلوك اليمين المتطرف ولسنا خالين مما يجانسه عندنا‪.‬‬ ‫فيمينهم في الإسلاموفوبيا يجانسه يسارنا وليبراليونا وقوميونا‪ :‬كل هؤلاء يعتبرون الحرب‬ ‫على الإسلام حربهم المقدسة بدعوى التحديث الذي يعتبرون أنفسهم فيه مثل المستعمر‬ ‫ويرون شعوبنا أنديجان‪.‬‬ ‫لكن ذلك اعتبره من الأعراض الجانبية لمرض العصر الذي لا يتعلق بالاستراتيجيات‬ ‫العميقة التي سأحاول بيان أبعادها وبها سنفهم ما تفعله أمريكا ويظنه الناس مقصورا على‬ ‫المباشر من المصالح‪.‬‬ ‫وبقدر ما يبدو من سحنة المجرم وخطابه‪ ،‬فهو ليس مثقفا أو مفكرا أو ذا رتبة معينة في أي‬ ‫جهاز له دلالة فكرية أو دينية ممثلة‪ ،‬بل الممثل هو الشعارات التي رددها والتي تمثل العمق‬ ‫الذي أريد الكلام عليه باعتباره ذا صلة بفشل سايكس بيكو الأولى أو فشل ما تصوروه قتل‬ ‫الأمة ومنع استئناف الإسلام دوره‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن دلالة شعاراته في تناسب عكسي مع دلالة ذاته وصفاته‪.‬‬ ‫فهذه الشعارات ليست له‪ ،‬بل هي تعبر عمن يوجد وراءه أو هي تعلن عن استراتيجية‬ ‫خفية بدأ بعض رجال الكنيسة في فرنسا خاصة يتكلمون عنها بالتخويف من أسلمة أوروبا‬ ‫بتوسط الهجرة التي يسمونها غزوا دينيا أو فتحا بالمعنى الإسلامي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولا يوجد قارئ متابع لا يذكر أن عملاء الثورة المضادة كلما زار منهم أحد أوروبا تصور‬ ‫نفسه زعيما ناصـحا لقياداتها ومحذرا من الإسلام والمساجد فيها وطالبا التعامل معها كما‬ ‫يتعامل هو مع الإسلام ورموزه في بلده لأنه هو بدروه أدرك أن نهايته في علاقة طردية مع‬ ‫عودة الإسلام لدوره في القضاء على علة وجود استبداده وفساده‪.‬‬ ‫ما أريد الكلام عليه ليس تفسير استراتيجية أمريكا بالمصلحتين البينتين لكل ذي بصر‬ ‫فضلا عن ذوي البصيرة لأنهما سنام جبل الثلج في الاستراتيجية الاستعمارية‪:‬‬ ‫‪ .1‬حماية البترول‪.‬‬ ‫‪ .2‬حماية إسرائيل‪.‬‬ ‫فهذه يعرفها أدنى صحفي‪ .‬لذلك فحذار ممن يتمايلون في تشنيف آذاننا بهذه التحليلات‬ ‫التي لا تتجاوز السطحيات‪ .‬فالمشكل يتجاوز ذلك إلى بمن يحمونها وكيف حصل ذلك‪ .‬فهم‬ ‫لا يحمون البترول وإسرائيل بذواتهم بل بأبناء البلاد التي تريد أن تتحرر بحيث إن ما‬ ‫تعيشه بلادنا صار صدام حضارات داخليا وحربا أهلية دائمة بدواع طائفية وعرقية‬ ‫وطبقية وإيديولوجية من جنس المقابلة بين الرؤى الدينية والرؤى التي تزعم فلسفية‬ ‫ليبرالية أو علمانية أو اشتراكية رأسمالية‪.‬‬ ‫صارت حصيلة سايكس بيكو الجغرافية تسمى \"دولا\" وطنية كل واحدة منها في نفس هذه‬ ‫الحروب لأنها تتأسس على ما ينافي وجودها فتصبح في حرب أهلية دائمة تستدعي الاعتماد‬ ‫على صاحب الخطة التقسيمية التي تجعل كل اقلية بحاجة إلى حام أجنبي‪ ،‬وبذلك‪ ،‬فما‬ ‫يسمى دولا هي في الحقيقة محميات تابعة بنيويا‪.‬‬ ‫وفي هذه الحالة‪ ،‬فهم قد جعلوا شرط التحرر الحرب الأهلية‪ .‬وعندما تحصل الحرب‬ ‫الأهلية يكونون هم مراقبين كلما رأوا أحد الصفين بدأ يخسر يساعدونه ويتداول الأمر‬ ‫بحيث إن الجميع يخسر وهم يربحون المحافظة على مصالحهم أكثر لأنهم هم من سيسلح‬ ‫الصفين كما فعلوا في حرب الخليج الأولى وكما يفعلون في حرب اليمن وفي حرب سوريا وليبيا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وفي كل الحروب الأهلية التي تجري في العالم الثالث وخاصة عند المسلمين والأفارقة وفي‬ ‫أمريكا اللاتينية‪.‬‬ ‫لكن هذه الحروب كلها يمكن أن تفسر بالمصالح المادية كما وصفت هنا إلا الحرب ضد‬ ‫المسلمين والإسلام فتفسيرها بها وحدها لا يكفي بل هو يخفي الأهم‪.‬‬ ‫وهذا الأهم هو الذي بينته شعارات مجرم مسجد النور‪ .‬فهل أشار إلى القسم الأوروبي‬ ‫من تركيا بالصدفة؟‬ ‫هل هدد أردوغان بالصدفة؟‬ ‫هل أوقفت تركيا التفاوض مع تركيا حول الانتساب بالصدفة؟‬ ‫هل ساعدوا غبي مصر للاستحواذ عليها وجعلها خاتما في إصبع ناتنياهو بالصدفة؟‬ ‫هل أحمق المنشار والغدار بالصدفة‪.‬‬ ‫تذكروا ما قالته ممثلة الوحدة الأوروبية لتبرير الانقلاب في مصر‪ :‬إذا نجحت الثورة فيها‬ ‫ستنجح في بقية بلاد الربيع وسينتهي وجودنا في الإقليم فتصبح المصالح المباشرة‪-‬البترول‬ ‫وإسرائيل‪ -‬موضوع صراع ندي معه‪ .‬ولن يكون حصولنا على الأولى بالعدل وستحل الثانية‬ ‫بالعدل‪ .‬وهو معنى استئناف الدور والندية‪ .‬عندئذ تتجلى الأبعاد العميقة لهذه الجريمة‬ ‫وخاصة لشعارات صاحبها‪ .‬مجرد شعارات تلفظ بها أمي إرهابي لا يختلف عن الأميين الذين‬ ‫استعملتهم المخابرات في داعش لتحقيق هدفين‪:‬‬ ‫‪ .1‬تشويه الإسلام لتخريبه من الداخل واستفزاز شعوب الغرب‪.‬‬ ‫‪ .2‬فتنمو الإسلاموفوبيا وهي الشبيهة بما أسست عليه الصليبيات‪.‬‬ ‫والهدف الاستراتيجي هو إيجاد داعش مسيحية كما هي متعينة في هذا المجرم من المسيحية‬ ‫التي تلت الإصلاح والتي تأسست بالأساس للرد على الإسلام التركي في استنبول والبلقان‬ ‫وفيينا‪.‬‬ ‫فإذا ما استثنينا مستعمرات اسبانيا والبرتغال‪-‬الكاثوليك وهم أعداء الإسلام من المسيحية‬ ‫المتقدمة على الإصلاح في بداية القرن السادس عشر‪-‬يمكن اعتبار المسيحيين الذين تلو‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫هذا النوع الأول صاحب الصليبيات والاسترداديات هم من المسيحية الصهيونية أو من‬ ‫العودة إلى التوراة المعادية للإنسانية بالمقابلة شعب الله المختار الجوهيم‪.‬‬ ‫لذلك فكل من ينسب شعارات هذا المجرم إلى الصليبيات دون اعتبار هذه المقابلة الأساسية‬ ‫يخلط بين نوعين من كراهية الإسلام‪:‬‬ ‫‪ .1‬كراهية الإسلام المتقدمة على الإصلاح وهي لم تكن صديقة للصهيونية أو بصورة أدق‬ ‫لنظرية شعب الله المختار الذي يعتبر من عداهم \"جوهيم\"‪.‬‬ ‫‪ .2‬وكراهيته المتـأخرة عنه والتي هي دينية مسيحية صهيونية وعنصرية وهي مرحلة‬ ‫انقلبت فيها عقدة النقص إزاء المسلمين على عكسها‪.‬‬ ‫ولذلك فالرجل لم يتكلم على المسيحية بمعزل عن الإنسان الأبيض‪ .‬وهو ما يعني أنه‬ ‫يعتبر المسيحيين الذين ليسوا بيضا درجة دنيا يعاديهم مثلما يعادي المسلمين فيجمع بين‬ ‫العنصرية والطائفية ولا يكتفي بالصراع الديني مثيل الصليبيات والاسترداديات التي‬ ‫حصلت بدوافع سابقة عن العودة إلى التوراة‪.‬‬ ‫صحيح أنه تكلم على شارل مارتال وعن معارك الصليبية‪ .‬لكن الدافع هو محاولة الجمع‬ ‫بين نوعي الكراهية‪ .‬ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية استسلمت في النهاية لما فرضته حركة‬ ‫الإصلاح من عودة التوراة واعتبار اليهودية أصلا للمسيحية مع تبرئتهم من خيانة المسيح‪.‬‬ ‫لكن هذا الصلح يبقى رسميا ولم يلغ الفرق والتنافس التبشيري‪.‬‬ ‫سايكس بيكو كان فيها مشارك ثالث انسحب بسبب الثورة في روسيا‪ .‬وكان الهدف فضلا‬ ‫عن الإطاحة بالخلافة وتتقسم الأرض التي كانت تابعة لها كان هذا الطرف الثالث يريد‬ ‫استرداد ما كان من أملاك مذهبه في الدولة البيزنطية أي الارثودوكسية‪ .‬وهذا الخطر ما‬ ‫يزال تهديدا فعليا لتركيا من روسيا بالذات‪.‬‬ ‫وأوروبا اليوم تعتبر تركيا خطرا عليها أكبر من خطر روسيا‪ .‬وقد يخرجونها من الحلف‬ ‫الاطلسي‪ .‬لكنهم حاليا ما يزالون يبحثون عن التفتيت بالطائفية (العلويين في تركيا)‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والعرقية (الأكراد في تركيا) والإيديولوجية (العلمانيين في تركيا) مع التحضير لحلف‬ ‫خونة العرب من جنس ما حصل في الحرب الأولى‪.‬‬ ‫وما كنت لأطيل الكلام على تركيا لو لم يكن المجرم قد ذكرها بالاسم وذكر المطلوب منها‬ ‫وذكر قائدها بالاسم وكل يذلك يذكرني شخصيا بآخر فقرة ختم بها هيجل الفصل الذي‬ ‫خصصه للمحمدية (الإسلام) في الباب الرابع من فلسفة التاريخ الخاص بالعالم الجرماني‬ ‫وفيه جاء ذكر القسم الأوروبي من تركيا‪.‬‬ ‫وطبعا لا أحد يعرفني يمكن أن ينتظر مني أن اشارك في المناحات السخيفة عن فعلة هذا‬ ‫المجرم لو لم يكن ذا دلالة بشعاراته‪ .‬فالحدث في حد ذاته فعل أغبياؤنا أكثر منه في‬ ‫مساجدنا بآلاف المرات وأعداد القتلى بخلاف النهي القرآني ضد بالمعابد كلها دون استثناء‪.‬‬ ‫ما يعنيني حقا هو دلالة شعاراته‪.‬‬ ‫نعود إذن إلى الاستراتيجيا العميقة التي ابرزتها شعارات هذا الداعشي من الصف‬ ‫المقابل‪ .‬فالمعركة كلها محاولة لتدارك ما بدأ يتبين من فشل سايكس بيكو الأولى في تحقيق‬ ‫أي من أهدافه‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأقطار فشلت لم تصبح دولا بل تبين أنها محميات مفضوحة كما هو بين كلام ترومب‬ ‫ولذلك تمنيت نجاحه وقد نجح‪.‬‬ ‫‪ .2‬ثم وهذه هي الطامة‪ .‬فشلت عملنة تركيا وكل الأنظمة العربية التي ادعت القومية‬ ‫فشلت فشلا ذريعا‪.‬‬ ‫‪ .3‬كل الذين حكموا بتحريف الإسلام وجعله مطية أمريكية فشلوا فشلا ذريعا ودليل‬ ‫ذلك قول ترومب بأن أنظمتهم يمكن أن تسقط لو تخلى عنها في أقل من أسبوع‪.‬‬ ‫‪ .4‬فشل الذراعين رغم ما يبدو من انتصار يدعيانه لأن لعبة العداوة وتوهم السيطرة‬ ‫على حلفائهم العرب يغفلهم عن كون الحلف بينهما أصبح ب ّينا وحلفاؤهم من العرب عملاء‬ ‫لا وزن شعبي لهم ومن ثم فهو عبء عليهما أكثر من أي شيء آخر‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فلا يمكن لأي استراتيجية أن تفلح إذا كانت مبنية على ما سيضاعف مقاومة المعتدى‬ ‫عليهم‪ .‬فالمقاومة في الإقليم ستكون مضاعفة لأنها أصبحت جامعة بين حرب التحرير منهما‬ ‫وحرب التحرر من عملائهما‪ .‬ومن لا يحركه حب الوطن والأمة ضدهما سيحركه الظلم‬ ‫والقهر الذي يعاني منه من حليفهما‪.‬‬ ‫وقد لا يصدقني أحد في هذه النقطة الأخيرة‪ :‬كيف تقول إيران وإسرائيل فشلتا؟‬ ‫أليست الاولى تفاخر باحتلال أربع عواصم؟‬ ‫أليست الثانية تفاخر بالتطبيع مع كبار دول الإقليم؟‬ ‫لكن السؤال هو‪ :‬ما الذي ألجأ الأولى إلى طلب معونة بوتين؟‬ ‫ولماذا لا يطبع مع إسرائيل إلا من يحتاج إلى حمايتها ضد شعبه ومن ثم من لا شرعية له؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لما ذكرت فشل أعداء الامة دليلا على فشل سايكس بيكو الأولى واعتبرت الدافع الحالي‬ ‫هو تدارك علل هذا الفشل لم أذكر الفشل الاهم والأخير أعني فشل رئيس الجوقة كلها‪:‬‬ ‫الولايات المتحدة الأمريكية‪ .‬ذلك أن أنواع الفشل الاربعة المتقدمة كلها كانت بسبب عجز‬ ‫رئيس الجوقة في معركته مع الإسلام‪.‬‬ ‫وهو واع وشديد الوعي بأن مستقبله كقوة عظمى وكقوة أولى رهن عدم وجود الإسلام‬ ‫ولم يخف ذلك بل اعتبره العدو البديل من النازية والشيوعية‪ .‬ولكن يخطئ من يتصور‬ ‫الولايات المتحدة دولة عادية مثل الدول الطبيعية‪ .‬فهي بالأساس مصب المهاجرين الاول‬ ‫بسبب الإصلاح وفيها كل مجرمي أوروبا روحيا وماديا‪ .‬ويمكن أن أحدد خاصيتي الولايات‬ ‫المتحدة العميقة التي تحرك سياستها في نوعين كلتاهما سالبة بالقياس إلى سياسة الإسلام أو‬ ‫هي النظير السلبي لدولة الإسلام فيهما‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأولى تبين الفرق بين الفتح في الإسلام‪ ،‬اذ لا يحارب الشعوب بل من كان‬ ‫يستعبدهم ولا يمثل بالأسرى ولا يسبي إ ّلا ما حازه‪ ،‬ومن استعبد الشعوب مالا وعيالا وبين‬ ‫الغزو الأمريكي المشروط بإفناء الشعوب المغزوة والإبقاء على الإنسان الأبيض وحده ربا‬ ‫للعالم‪.‬‬ ‫لذلك فالوحش الذي قام بشناعة الأمس رُبي على هذه العقلية ككل المحتلين في العالم‬ ‫وخاصة في الولايات المتحدة وفي استراليا وزيلندة الجديدة وهذا بعكس الفتح‪ .‬فالفتح بدأ‬ ‫بالعرب‪ .‬لكنه تواصل بالشعوب التي فتحت بلادها وأسلمت‪ .‬ولو أفنيت لكان مكانها عربا‬ ‫وليسوا هم‪ .‬فكل دول شمال إفريقيا وافريقيا وآسيا كان فاتحوها من اهلها الذين أسلموا‬ ‫ثم صاروا هم أصحاب الدول والسيادة‪.‬‬ ‫لكن الأهم من ذلك كله هو الخاصية الثانية‪:‬‬ ‫‪ .2‬والخاصية الثانية تبين الفرق بين رؤيتين للإنسان والموقف من الجنس البشري‬ ‫عامة‪ .‬فالكونية الإسلامية مبنية على مفهوم \"الأخوة البشرية\" (النساء ‪ )1‬وعلى المساواة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بين البشر بصرف النظر عن كل شيء باستثناء التقوى وليس على العنصرية والتمايز بينهم‬ ‫حتى في المنزلة الوجودية‪ .‬وهذه المساواة بنيت على الأخوة الإنسانية وليست على العرف‬ ‫ولا على الدين ولا على الجنس‪ .‬والدليل أن الحجرات ‪ 13‬تتكلم على الانثروبولوجي‪:‬‬ ‫شعوبا وقبائل‪.‬‬ ‫والعلة العميقة هي أن الموقف من الجنس البشري في الرؤية التي تقود الولايات المتحدة‬ ‫هي النقيض التام لهذه الرؤية ولعل أفضل مدرك لحقيقتها وجاعلها عين مفتاح فهم‬ ‫التاريخ الإنساني هيجل‪ .‬إنه صراع أرواح الشعوب التي تسمى حاليا صدام الحضارات‬ ‫والتالي يعلو على السابق ويفنيه ماديا وروحيا‪.‬‬ ‫والأعمق من هذا العمق أطلقت عليه مرة أسم استغربه الكثير وكان ذلك لما كتبت بعض‬ ‫المحاولات حول الغزو الأمريكي للعراق وكنت حينها في ماليزيا‪ .‬فسميت الولايات المتحدة‬ ‫بالهاردوير ونسبت السوفت وار فيه إلى المسيحية الصهيونية‪ .‬فالفكر العميق ديني عنصري‬ ‫أساسه نظرية شعب الله المختار والجوهيم‪.‬‬ ‫وهذا \"السوفتوير\" لا يخفي هذا الدور وهو في الولايات المتحدة اللوبي الصهيوني ولنا‬ ‫منه عينة هي إسرائيل التي يمكن القول إنها تمكنت من حكام الإقليم إلا ما ندر وتريد بهم‬ ‫أن تتمكن من شعوبه كما تحقق هلا ذلك في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة خاصة‪ :‬أمريكا‬ ‫أداة الصهيونيتين المسيحية واليهودية‪.‬‬ ‫وطبيعي أن يكون ذلك كذلك‪ :‬فالقرآن حرر البشرية من كذبتين يتأسس عليهما هذا‬ ‫الفكر‪:‬‬ ‫‪ .1‬الله لا يتصل بالإنسانية مباشرة بل لا بد من توسط الشعب المختار‪.‬‬ ‫‪ .2‬وأن بقية البشر جوهيم عبيد للشعب المختار يفعل بهم ما يريد‪.‬‬ ‫لكن القرآن ك ّذب كلا الأمرين واعتبر كل أمة لها رسول بلسانها وأن البشر اخوة‬ ‫ومتساوون‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ثم أضاف أن الرسالة الخاتمة هي التي تذكر بوحدة الإنسانية وبالمساواة وتحرر الأديان‬ ‫من تحريفها اليهودي والمسيحي‪.‬‬ ‫فإذا قرأت الآن شعارات هذا المجرم فهمت أنها عين ما يجعل الولايات المتحدة بخاصيتها‬ ‫الكونية والروحية هي النظير السلبي للإسلام بسبب ما حصل في الإصلاح الذي كان أهم‬ ‫مؤسسه يقود الحرب ضد الفتح العثماني في أوروبا والذي أعاد للتوراة منزلتها في الأناجيل‬ ‫حتى يجعل المسيحية صهيونية بالطبع‪.‬‬ ‫وقد وصلت إلى مشكل المشاكل بالنسبة إلى ادعياء الحداثة العرب سواء كانوا ليبراليين‬ ‫أو ماركسيين‪ .‬ذلك أن هذا التحليل يسد عليهم البابين اللذين يؤسسان لتخريفهم‪:‬‬ ‫‪ .1‬هبنا سلمنا جدلا أن تأويل التاريخ بدور الأديان لم يعد صالحا‪.‬‬ ‫‪ .2‬فتأويله بفلسفات التاريخ الغربية له نفس النتيجة‪.‬‬ ‫ذلك أن فلسفة التاريخ السائدة في الفكر الغربي الذي عبر عنه المجرم بشعاراته هو إما‬ ‫الرؤية الهيجيلة أو نسختها الماركسية‪ .‬وكلتاهما حرب على الأخوة البشرية بل على الصراع‬ ‫الدائم سواء كان بين أرواح الشعوب أو بين طبقاتها فهو يؤول إلى صدام الحضارات‬ ‫الاستعماري الملطف بالمهمة التحضيرية‪.‬‬ ‫إذن نحن أمام كائن مركب الهارد وار فيه هو المسيحية الصهيونية والسوفت وار هو‬ ‫اليهودية الصهيونية‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فلا فرق بين الولايات المتحدة وروسيا الحالية‪ :‬فكلتاهما ثمرة أوروبية‬ ‫لظاهرة الإصلاح التي حققت هذه العلاقة التي أنتجت كائن صناعي جنيس آلة عمياء هي‬ ‫النقيض التام للإسلام‪ .‬أخذت منه أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول تحرير الإنسان من الكنسية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وتحريه من الحكم بالحق الإلهي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهما ثورتان لكنها عكستهما فعوضت الكنسية والحكم بالحق الإلهي ببعدي دين العجل‪:‬‬ ‫فبدل الحكم بالحق الإلهي جاء معدن العجل أو البنك وعوض الوساطة الكنسية جاءت خوار‬ ‫العجل أو الأيديولوجيا‪.‬‬ ‫ثم أخذوا مفهوم الدولة الكونية ‪-‬سواء في الرؤية الانجيلية أو الماركسية‪-‬ولكن بعكس‬ ‫الرؤية القرآنية‪ .‬فهذه مبينة على الأخوة البشرية التي لا تعني أن الغالب سياسيا يقضي‬ ‫على المغلوب بايولوجيا أو على الأقل حضاريا كما يحدث في الاستعمار‪ .‬فكل الحضارات‬ ‫القديمة بقيت لدى شعوبها التي أسلمت‪.‬‬ ‫وأكبر دليل هو أن كل المذاهب والفرق المسيحية واليهودية لم يبق لها وجود إلا في دار‬ ‫الإسلام على الأقل قبل الإصلاح‪ .‬وبعد الإصلاح لم يكن لهذه المذاهب والفرق وجود إلى‬ ‫في شكل بقايا ما كان موجودا منها في الأندلس وهجر إما إلى دار الإسلام أو إلى هولاندا‬ ‫بسبب التعصب الاسباني والبرتغالي‪.‬‬ ‫والنتيجة هي أن الرؤية التي تتأسس عليها الولايات المتحدة هي النظير السلبي التام‬ ‫للرؤية الإسلامية للكونية وللإنسانية‪ .‬وسواء بحثنا الأمر في فكرها الديني أو في فكرها‬ ‫اللاديني فإن النتيجة واحدة‪ .‬وهي التناظر العكسي بين الرؤيتين من ثم فالولايات المتحدة‬ ‫لا يمكن ألا تعادي الإسلام بإطلاق‪ .‬سيقول لي الكثير من المعلقين الذين هم من جنس‬ ‫مميلي الرؤوس في تحليلاتهم لكأنهم يتلقون الوحي إن ما تقوله كله يكذبه أمران‪:‬‬ ‫‪ .1‬مساهمة الولايات المتحدة في تحرير الشعوب من الاستعمار الأوروبي بنظرية‬ ‫ولسون ومبدأ تقرير المصير‪.‬‬ ‫‪ .2‬حربها على الشيوعية والنازية دليلا على أن دورها كان فعلا تحريريا لاريب فيه‬ ‫ولم يترتب عليه استعمار لمن حررتهم منهما‪.‬‬ ‫وتلك هي قوة الدهاء الاستراتيجي للصهيونية اليهودية والمسيحية الصهيونية لاستبدال‬ ‫استعمار الغرب الأدنى للعالم (أوروبا) باستعمار الغرب الاقصى للعالم (الولايات‬ ‫المتحدة)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وقد أضيف عنصرا ثالثا يخصنا نحن بالذات‪ :‬ألم تتحالف الولايات المتحدة مع الجهاديين‬ ‫في الحرب ضد الإلحاد الشيوعي في افغانستان واليمن ثم حتى في إيران لأن ما يسمى بالثورة‬ ‫الخمينية هو توظيف التشيع ضد السوفيات جنيس الابنلادنية التي هي توظيف السنة‬ ‫ضدهم‪ .‬والدليل الموقف بعد نهاية المهمة‪.‬‬ ‫لكن الابنلادنية بلغ بأصحابها الغباء ‪-‬كعادة السنة الذي توهموا التوفيق بين الإسلام‬ ‫والتشيع ممكن ويكفي دلالة على غبائهم توهم التشيع إسلاما عجزا عن فهم الفرق بين هذا‬ ‫وذاك رغم كونه نقيضه التام بسبب دهاء قادة صحوة الباطنية وخبثهم وغباء الصحوة‬ ‫السنية وسذاجتهم‪ -‬أنهم صاروا من أدوات الخمينية تستعملهم ضد أمريكا حتى تتحالف‬ ‫معهم من أجل تحقيق كل ما حققته في العراق وسوريا بالقاعدة ومشتقاتها وخاصة داعش‪.‬‬ ‫وهذا هو مربط الفرس في كلامي على الاستراتيجيا وما يحددها ولم تعتبر الخطة‬ ‫الأمريكية هي \"السمفونية\" التي تقودها لمنع الإسلام من استئناف دوره الكوني المحرر‬ ‫للإنسانية من الرؤية التي تعود إلى تقسيم البشرية بنظرية شعب الله المختار والجوهيم‬ ‫والتي تجعل وظيفتي الدولة أصلا لكل ما نرى من عنف واستبداد‪.‬‬ ‫وسأختم هذا الفصل ببيان أصل كل هذه الاستراتيجية التي تترتب على العداء الجوهري‬ ‫دينيا وفلسفيا بين رؤيتين للإنسانية ومهمة الدولة الكونية التي تحقق الأخوة (النساء ‪)1‬‬ ‫بمعيار المساواة (الحجرات ‪ )13‬ونقيضها المطلق التي تفرض الحرب الدائمة بين السادة‬ ‫العبيد سواء بشكل ديني أو فلسفي‪.‬‬ ‫فبالشكل الديني كانت العبارة هي الشعب المختار والجوهيم وبالشكل الفلسفي صارت‬ ‫العبارة صراع ارواح الشعوب ثم طبقاتها وكلاهما صدام حضاري هدفه فرض قانون‬ ‫الانتخاب الطبيعي بمعيار قانون القوة وليس قوة القانون‪ .‬فالتفاضل بالتقوى هو معيار قوة‬ ‫القانون ونقيضه هو معيار قانون القوة‪.‬‬ ‫وقانون القوة لا يقتصر على القوة المادية وإلا لكانت الحيل السياسية والاستراتيجيات‬ ‫اللطيفة غائبة ‪-‬ومنها ما يزعم لأمريكا من دور في تحرير الشعوب من الشكل الأوروبي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫للاستعمار (ولسون) وفي محاربة الشيوعية والنازية بل هو يشمل القوة اللطيفة التي تعتمد‬ ‫على بعدي دين العجل‪ :‬الذهب والخوار‪.‬‬ ‫وسأختم هذا الفصل الثاني الذي أختم به الإعداد لبداية التحليل في الفصول الثلاثة‬ ‫الباقية من المحاولة‪ .‬فالمقابلة بين الماركسية والرأسمالية مقابلة شكلية تعمي السطحيين لأن‬ ‫فهم الوحدة العميقة بينهما تلغيها هي دين العجل في شكل بدائي ومتخلف (الماركسية) وفي‬ ‫شكل أعمق (الرأسمالية)‪.‬‬ ‫الشكل البدائي من دين العجل هو تحول الوساطة الكنسية والحكم بالحق الإلهي إلى‬ ‫كنسية لا دينية هي الحزب الشيوعي وحكم باسم الحق الطبيعي وليس الحق الإلهي هو قوة‬ ‫الطبقة العمالية التي لا تختلف من حيث كونها مجرد اسم لقوة الحكام حلفا بين نبلاء الجبة‬ ‫ونبلاء السيف في أوروبا الاقطاعية‪.‬‬ ‫لكن هذين النوعين من المستبدين بالقوة الروحية (الوساطة الكنسية أو الحزبية)‬ ‫والمادية (الوصاية العسكرية أو الطبقية للعمال) هما الشكل البدائي من دين العجل لأن‬ ‫أداة التربية والحكم فيه هي خوار العجل ومعدن العجل وخواره تمثله إيديولوجيا الحزب‬ ‫ومعدنه تمثله السيطرة بتأميم الملكية‪.‬‬ ‫وهنا تتبين الوحدة بين الشيوعية والرأسمالية‪ .‬الملكية عامة في الحالتين‪ .‬فالمالك‬ ‫الحقيقي هو اصحاب البنوك والرأسمال الكبير والبقية منزوعي الملكية لأنهم مجرد توابع‬ ‫للبنوك التي هي الحاكم الفعلي‪.‬‬ ‫اما التربية فهي بيد اللوبيات التي تتحكم في الاستعلام والإعلام والملاهي وهي كنسية لا‬ ‫دينية‪ .‬والآن كيف تبنى الاستراتيجية من خلال خدمة وظيفتي الدولة المبنية على عكس‬ ‫مبدأي الإسلام‪:‬‬ ‫‪ .1‬نفي الأخوة البشرية بعقيدة المقابلة بين الشعب المختار والجوهيم وهي جوهر كل‬ ‫الإيديولوجيات العنصرية الغربية الذين ربوا على ثقافة التوراة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬ونفي المساواة بعقيدة العنصرية والصراع بين أرواح الشعوب والطبقات فهي‬ ‫تنتج عن علاقة وظيفتي الدولة ‪-‬الحماية والرعاية‪-‬بالأحياز الخمسة‪.‬‬ ‫وهذه العلاقة هي موضوع بقية الفصول‪ .‬فالحماية والرعاية هما منطلق تحديد‬ ‫الاستراتيجيات التي يتعامل بها الإنسان مع المكان والزمان وثمرة فعل الأول في الثاني‬ ‫وثمرة فعل الثاني في الأول والأصل الموحد بينها أربعتها‪ .‬وتلك هي الأحياز الجغرافي‬ ‫وثمرته والتاريخي وثمرته والمرجعية أصلا لها أربعتها يوحد بينها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كيف تحدد العلاقة بين وظيفتي الدولة والأحياز الخمسة ‪-‬الجغرافيا والثورة والتاريخ‬ ‫والتراث والمرجعية الروحية‪-‬استراتيجية العلاقات بين الشعوب والأمم في التاريخ‬ ‫الإنساني‪ .‬فمن دون فهم هذه العلاقة لا يمكن تفسير طبيعة الموقف الأمريكي الحالي من‬ ‫الإسلام والمسلمين وتحديد شروط استئناف دورنا‪.‬‬ ‫الولايات المتحدة هي رئيس الجوقة العالمية بعد الامبراطوريات الأوروبية الخمسة‪-‬‬ ‫انجلترا وفرنسا وهولاندا واسبانيا والبرتغال‪-‬في دار الإسلام والعالم غير الغربي لأنها‬ ‫مثلت البديل منها ولكن بسياسة أعمق تتجاوز مجرد الاستفادة المادية من استعمار العالم‬ ‫إلى الوجه السلبي من سياسة الإسلام‪.‬‬ ‫ومن يريد دليلا على ذلك يكفي أن يسأل‪ :‬كيف سمحت أمريكا لبوتين‪-‬وهو يمثل دولة‬ ‫فقيرة وهشة‪-‬أن يسيطر على سوريا؟‬ ‫وكيف سمحت لإيران أن تسيطر معه عليها وعلى العراق وحتى على اليمن؟‬ ‫هل هذا يتوافق مع القائلين إن همها هو حماية البترول وإسرائيل لو كانا فعلا عدوين‬ ‫لإسرائيل ويهددان البترول وليسا حليفين ضد خطر يعتبرانه أهم من حماية البترول‬ ‫لكونه إذا حصل يجعل سلطانها العالمي في مهب الريح؟‬ ‫تفسيري الذي يستند إلى أن الولايات المتحدة لا يقودها حمقى من جنس حكامنا أو نخبنا‬ ‫هو أن هذين اللاعبين في الإقليم يؤديان دورا مفيدا للاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية‬ ‫أي للصهيونيتين المسيحية واليهودية التي تعلم من تمثل رؤيته الكونية النقيض الموجب‬ ‫لرؤيتهم ويجب منعه من العودة ثانية‪.‬‬ ‫إنه ما سمته جونداليزا رايس فوضى خلاقة وكان ينبغي أن يسمى \"فوضى ب ّعاثة\"‪ :‬تبعث‬ ‫من جديد ما حرر منه الإسلام الإقليم من طائفيات وعرقيات وبقايا فارس وبيزنطة وسلطان‬ ‫من كان يسيطر عليه قبل الإسلام شرطا في محو دور الإسلام الماضي الذي فشلت سايكس‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بيكون في محوه لمنع الاستئناف الذي بات راجحا فعلا‪ .‬فالهدف هو سايكس بيكو جديدة تحول‬ ‫دون الاستئناف لأن الأولى لم تف بما كان ينتظر منها‪.‬‬ ‫ما سأشرع فيه الآن يقتضي الكثير من الصبر لمتابعة الاستدلال الموصل إلى أعماق‬ ‫الاستراتيجيا التي تستند إلى توظيف القوة اللطيفة (أفضل هذه التسمية على لغة‬ ‫النواعم) قبل القوة العنيفة من أجل الفوضى البعّاثة‪ .‬وأبدأ بأهم أدوات الهدم الروحي‬ ‫غاية لهذه القوة‪ :‬ويمثله \"مستشرقان\" مختصان في الفرق الغالية‪.‬‬ ‫وأقصد المختص في الحشاشين ‪-‬برنار لويس‪ -‬والمختص في النصيرية ‪-‬لويس ماسينيون‪.‬‬ ‫والأول لا يحتاج مني للتعريف به فهو لا يخفي خبثه وسعيه لتدارك فشل سايكس بيكو‬ ‫بما يقترحه من تفتيت المفتت‪.‬‬ ‫لكن الثاني يبدو أن دراويش التصوف يعتبرونه صديق الإسلام والمسلمين لأنه كتب في‬ ‫الح ّلاجيات ود ّرس في مصر‪.‬‬ ‫وقد كتبت في مسعاه الخبيث وخاصة في تأويله لقصة هاجر وإسماعيل ووصفه المسلمين‬ ‫بأنهم مجذومون تأويلا لما اعتبر نفيا له ولامه من قبل إبراهيم وكون جمعية من مسيحيي‬ ‫مصر بدعوى الحاجة إلى إنقاذ المسلمين من هذا الوضع المجذوم وإرجاعهم إلى \"التبعية\"‬ ‫للمحظوظين وكان من دعاة الصلح بين فرعيهم‪.‬‬ ‫كما سعيت لفضح خرافاته حول الحلاج من خلال ترجمة نص ماكس هرتون الذي فضح‬ ‫جهله بالحلاج ومحاولاته تمسيحه في حين أن كل تصوراته ورؤاه مصدرها الشرق الاقصى‬ ‫وهي في قطيعة تامة مع الاديان المنزلة كلها فضلا عن أن تكون مسيحية أو إسلامية وتلك‬ ‫علة ميل تلميذه شاعر النصيرية الذي علمنا تقدميته وتنويريته من خلال موقفه الطائفي‬ ‫من ثورة سوريا‪.‬‬ ‫أما موقفه من الإسلام فمعلوم لأنه ما يدفعه أملا في ترشيحه لجائزة الأدب‪.‬‬ ‫ولست أنا أول من يتكلم على علاقة التصوف الذي يدعي التفلسف مع الباطنية فأول من‬ ‫وضع المشكل بوضوح هو ابن خلدون الذي قال‪[ :‬وكان سلفهم ‪-‬الصوفية المتفلسفة‪-‬مخالطين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول وإلهية الايمة مذهبا يعرف‬ ‫لأولهم فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم‬ ‫وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن أن‬ ‫يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله]‪( .‬المقدمة فصل التصوف من الباب‬ ‫السادس)‪.‬‬ ‫وكلنا يعلم الدور الذي يؤديه التصوف حاليا في هذه الاستراتيجية الخبيثة‪ .‬وكلنا يعلم‬ ‫أن ماسينيون ضابط مخابرات في الخارجية الفرنسية تداول على المغرب ومصر وسوريا ومثله‬ ‫برنار لويس الذي اختص في الفرق الغالية ‪-‬الحشاشين‪-‬وفي الأتراك والفرس والعرب‬ ‫والأكراد أي في أركان الإقليم الذي يراد اعمال الفوضى البعاثة فيه بإرجاعه إلى ما تقدم‬ ‫على الإسلام‪.‬‬ ‫ولا بد هنا من الاعتراف بأن القوميين العرب والفرس والاتراك والأكراد وبدأ يلحق‬ ‫بهم الأمازيغ هم من أسهم بلا وعي في هذه الاستراتيجية التي فشلت ولله الحمد والتي كان‬ ‫فشلها القادح لنظرية الفوضى البعاثة والتي كان هدفها كما هو بين ضرب الشرق الإسلامي‬ ‫والغرب الإسلامي بالصورة التالية‪.‬‬ ‫أولا منع تركيا من استعادة ذاتها ودورها وكان المؤشر مع أربكان‪ :‬كيف بدأ يفكر في وحدة‬ ‫كبرى للأقطار الكبرى من المسلمين؟‬ ‫ثم لم يجدوا حلا غير محاصرة تركيا بألد أعداء الدولة العثمانية أي تمكين روسيا‬ ‫وإيران والعملاء العرب من سوريا والعراق حتى يوأد طموح تركيا لاستعادة دورها بعد‬ ‫استردادها ذاتها‪.‬‬ ‫وزاد خوفهم بعد أن وصلت الثورة إلى مصر‪ .‬وكان لا بد من عزل الغرب الإسلامي عن‬ ‫الشرق الإسلامي ومن ثم فلا بد من احتلال مصر من قبل إسرائيل وهو الجاري حاليا رغم‬ ‫أن المصريين ما يزالون في معركة سياسية تافهة قد تؤول بهم إلى المشاركة في زوال كيان‬ ‫مصر بزوال دورها لأن كيانها هو دورها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولنذكر الحرب على الرموز‪ :‬فبعد عاصمة الخلافة السنية الرابعة (استنبول) وبعد‬ ‫الثالثة (بغداد) وبعد الثانية (دمشق) يحاولون الآن الإطاحة بالأولى (الحرمان) فضلا‬ ‫عن محاولة ابتلاع المسجد الاقصى وبعد تهديم التراث العمراني الرمزي (الموصل وحلب)‬ ‫بدأوا في تهديم الأبطال الرموز (الحجاج أو صلاح الدين أو طارق بن زياد)‪.‬‬ ‫لا اتهم المحللين الذين يغفلون عن هذه المسائل لأنهم في الغالب صحفيون يعتبرون سلاطة‬ ‫اللسان فكرا‪ .‬لكن منهم من يتصورون أنفسهم علماء فيخلطون بين سطحيات فهمهم وبين ما‬ ‫تبنى عليه الاستراتيجية التي تتعامل مع الظاهرات الإنسانية من منطلق اساسيها العضوي‬ ‫والروحي المتعين في أحياز وجودها‪.‬‬ ‫وهذا ما يعيدنا إلى علاقة وظيفتي الدول بالأحياز‪ :‬فوظيفة الحماية الخارجية التي‬ ‫تساعد على وظيفة الحماية الداخلية في كل بلد يستمد الحكم فيه شرعيته من رضا شعبه‬ ‫عليه تجعلها مثلما كانت الشعوب البدائية ترضي الداخل بسلب الخارج ونهبه‪ :‬مبدأ‬ ‫الاستعمار عند من رؤيته مناقضة لرؤية الإسلام‪.‬‬ ‫ذلك أن التمييز بين مبادئ التعامل في الداخل ومبادئ التعامل مع الخارج يعني نفي‬ ‫المبدئين اللذين تحددهما النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.13‬‬ ‫وفي الحقيقة لا تمييز بين الداخل والخارج في التعامل الأمين لمبدأ الأخوة والمساواة‬ ‫والعادل في الفصل بين الناس بصرف النظر عن دينهم وطبقتهم وجنسهم نفيا لمنطق‬ ‫الاستعمار‪.‬‬ ‫وطبعا لا أدعي أن المسلمين طبقوا هذه المبادئ دائما‪ .‬لكنها كانت على الأقل شعارات‬ ‫الفتح وهي التي تميزه عن الغزو الاستعماري‪ :‬ذلك أن سفير جيش الفتح في فارس أجاب‬ ‫عن سؤال قائد جيش الفرس بأن الإسلام يعني أن يكون لهم ما لنا وعليهم ما عليهم للجميع‬ ‫أي تطبيق النساء ‪ 1‬بمبدأ الحجرات ‪.13‬‬ ‫فما الذي يقتضي الحاجة إلى الحماية بالمعنى الاستعماري؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬من احتلال الجغرافيا شيئين‪ :‬الموقع لدورها الجيواستراتيجي بمنطق الحماية‬ ‫ومنزلتها في الثروة للرعاية المادية أو الثروة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومن احتلال التاريخ شيئين‪ :‬الموقع لدورها الهيستريواستراتيجي بمنطق الحماية‬ ‫ومنزلتها بمنطق الرعاية الروحية أو تراثها‪.‬‬ ‫فتكون العناصر أربعة وهي الأحياز كما سنبين‪ .‬فـمن الاحتلال الأول تفهم معنى حماية‬ ‫الممرات والبترول خاصة‪ .‬ومن الاحتلال الثاني تفهم معنى حماية إسرائيل واليونان عند‬ ‫الأوروبيين والأمريكان خاصة‪ .‬فمن دون التاريخ لا شرعية للأفعال ومن دون الجغرافيا لا‬ ‫فائدة من شرعية لا تمكن من سد الحاجات المادية للجماعة تفقد الدولة شرعيتها الشعبية‪.‬‬ ‫لكن هذه الأحياز الأربعة ‪-‬الجغرافيا جيواستراتيجيا وثروة والتاريخ‬ ‫هستريواستراتيجيا وتراثا‪-‬لا قيام لها من دون مرجعية عقدية سواء كانت دينية أو‬ ‫لادينية‪-‬إسرائيل واليونان وفارس وروسيا‪-‬لتبرير ذلك كله واعتبار المعتدي له الحق في‬ ‫العدوان ببعدي دين العجل الاستعماري‪ :‬الذهب والخوار‪.‬‬ ‫لست غافلا عن الاعتراض الدائم على ما أكتب‪ :‬التعقيد التعقيد‪ .‬لكأني مسؤول عن‬ ‫كون البساطة لا توجد إلا عند البسطاء‪ .‬لا شيء في الوجود بسيط إلا عند من لا يريد أن‬ ‫يتجاوز ذبابة أنفه فيبسط الأمور‪ .‬ما يجري في الأقليم له تعقيد تاريخه وتراثه وجغرافيته‬ ‫وثروته وكونه هو أصل هذا التلازم بين الدولة والأحياز‪..‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وليس التلازم بين وظائف الدولة وأحياز الوجود التي وصفت أمرا يقع بالصدفة بل هو‬ ‫أكبر اكتشاف أسس الدولة والجماعة والاستراتيجيات الهادفة لتحقيق سد الحاجات المادية‬ ‫والحاجات الروحية للإنسان من حيث هو كائن حي (البعد العضوي) له القدرة على التعالي‬ ‫ليجعل نفسه وعالمه موضوع نظره وعمله‪.‬‬ ‫وإذا كان من العسير أن يجادل أحد في تسمية المكان والزمان بالحيز فإن الإشكال هو في‬ ‫تسمية الثورة والتراث بنفس الاسم‪ .‬وطبعا المعنى الغائب في الأمر هو معنى التحيز في‬ ‫الحيز‪ .‬فالإنسان يتحيز في المكان وفي المكان بمعنى إضافي إلى غيره وهو الجوار المتساوق‬ ‫(في المكان) والمتوالي في الزمان‪.‬‬ ‫وكلا التحيزين إضافي إلى الجوار والترتيب ومن ثم فإذا وجد هذان المعنيان في الثروة‬ ‫والتراث كان ذلك كافيا لتسميتهما حيزين‪.‬‬ ‫فمن ينكر أن الثروة ترتب الناس وأنها ترتيبهم بالجوار في كم الثروة ونوعها؟‬ ‫ومن ثم ينكر أن التراث يرتب الناس وأن ترتيبهم بالجوار في الاجيال والأنساب‬ ‫ونوعهما؟‬ ‫وإذن فالثروة والتراث حيزان يتراتب فيهما وبهما البشر‪.‬‬ ‫وتبقى المرجعية‪ :‬فكيف تعتبر حيزا بل وأصلا للأحياز الأربعة المتقدمة عليها؟ لو أخذنا‬ ‫الإسلام فإنه يؤسس النظام الاجتماعي كله على ما ينظم به هذه الاحياز الأربعة أي الجوار‬ ‫في المكان والجوار في الزمان والثورة والتراث وهو إذن يؤسس هذه الأحياز ويعللها بحيز‬ ‫متعال هو عقيدة وشريعة‪.‬‬ ‫وما قلناه عن الإسلام يصح على كل المرجعيات سواء كانت دينية أو لا دينية‪ .‬ومعنى ذلك‬ ‫أن جميع الأمم لها نفس الأحياز وهي حصة من المكان وحصة من الزمان ويتبع تبادل التأثير‬ ‫بينهما الثورة أو ما يسد الحاجات المادية والتراث أو ما يسد الحاجات الروحية وكلها ذات‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫مرجعية إما دينية سوية أو محرفة أو لادينية سوية أو محرفة‪ .‬والتحريف في الحالتين هو‬ ‫توظيفهما للغطاء على نقيضهما‪.‬‬ ‫والتغطية بالدين المحرف لا نحتاج لشرحها فهي بينة سواء عند السنة والظاهرية أو‬ ‫خاصة عند الشيعة والباطنية‪ .‬لكن التغطية باللادين المحرف فهو دعوى الاعتماد على ما‬ ‫يسمى بمنظومة حقوق الانسان المزعومة طبيعية‪ .‬لكن كل الذين يدعونها لا يبقون منها‬ ‫إلى الطبيعي أي القوة أعني سلطان الأقوياء التي ليس فيها من حقوق إلا ما يريده‬ ‫ويفرضه الأقوياء‪.‬‬ ‫وإذن فالمرجعية حيز وأصل للأحياز الأربعة المتقدمة عليها على الأقل من حيث تحديد‬ ‫دورها وطبيعتها وجعلها من مقومات المرجعية في كل جماعة‪ .‬وبذلك نكتشف موضوعات‬ ‫الخصام بين البشر‪ .‬إنها الأحياز الخمسة الشارطة لقيام الإنسان العضوي والروحي في كل‬ ‫الجماعات البشرية‪ :‬وتلك علة التنافس عليها‪.‬‬ ‫فمن دون النساء ‪( 1‬الأخوة البشرية كلنا من نفس واحدة) والحجرات ‪( 13‬كلنا‬ ‫متساوون ولا نتفاضل إلا بالتقوى) يصبح ما كان ينبغي أن يكون مقسوما بين البشر بالولاء‬ ‫لهذين المفهومين وبالعدل مصدر اقتتال لأن الجميع يريد أن يحوزه وحده ويحرم غيره‬ ‫منه‪ .‬والمرجعية تعلل العداوة أو التآخي‪.‬‬ ‫ولما كان الإسلام لا ينسى الأمر الواقع عندما يتكلم على الأمر الواجب فإنه وضع هذين‬ ‫المبدأين ثم اضاف الاحتراز مما قد يترتب على الأمر الواقع فوضع نظرية الردع‬ ‫الاحتياطي لكنه دفاعي دائما حتى عندما يكون للوقاية بمعنى سابق على العدوان كما تسبق‬ ‫الوقاية المرض لتستغني عن العلاج اللاحق‪.‬‬ ‫وذلك هو مضمون الأنفال ‪ 60‬لأن ضرورة ردع العدو يأتي من المهابة التي تنتج عما‬ ‫يعلمه عنك من قدرة وقوة عامة ثم من قدرة وقوة عسكري خاصة‪ .‬وقد صنفت الآية‬ ‫الأعداء إلى خمسة أصناف‪:‬‬ ‫‪ .1‬عدوكم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬عدو الله‬ ‫‪ .3‬عدو يجمع بين العداوتين‬ ‫‪ .4‬من لا تعلمونهم من ‪ 1‬أو من ‪.2‬‬ ‫‪ .5‬أو من لا تعلمونهم من ‪.2+1‬‬ ‫ومن لا تعلمونهم كلهم مفهوم احتياطي بمعنى أن الجماعة مهما فعلت لا تستطيع أن تحدد‬ ‫كل الأعداء بصورة جامعة ومانعة إذ قد ينقلب الصديق عدوا من الأول أو من الثاني أو‬ ‫من الجمع بينهما‪ .‬ومن ثم فالحذر يبقى دائما موجودا ويكون دفاعيا وهو نقيض ما تفعل‬ ‫الولايات المتحدة تعمل بالآية بنقيض معناها‪.‬‬ ‫وهذه الأحياز تتضاعف فتصبح في الاستراتيجيا عشرة ولا تبقى خمسة‪:‬‬ ‫• فالمكان بموقعه وبثروته‬ ‫• والزمان بموقعه وبتراثه‬ ‫• والثروة بكمها وبنوعها‬ ‫• والتراث بدوره في علم الإنسان (معرفة) وفي عمله (قيم)‬ ‫• والمرجعية بعلاقة الإنسان بالإنسان وبعلاقة الإنسان بالعالم بوصفه مصدر قيامه‬ ‫العضوي والروحي‪.‬‬ ‫أدوات الاستراتيجيا هي إذا هذه العشرة‪ .‬لكنها تتضاعف مرة أخرى فتصبح عشرين‪.‬‬ ‫كيف ولماذا؟ وهذا هو ربما سر الأسرار في كل الاستراتيجيات المتعلقة بالتربية وبالحكم والتي‬ ‫يرجع إليها ابن خلدون مفهومه الثوري حقا وهو مفهوم قرآني\" فساد معاني الإنسانية\"‬ ‫الناتج عن عنفهما المادي واللامادي أو الرمزي‪.‬‬ ‫والمضاعفة الثانية علتها أن الأحياز التي تكلمنا علينا واستخرجنا منها الأبعاد الخمسة‬ ‫التي ضاعفناها لا توجد خارج الإنسان فحسب‪ ،‬بل هي توجد في كيان الإنسان ذاته‪.‬‬ ‫فالجغرافيا يناظرها البدن‪ .‬والتاريخ يناظره الروح‪ .‬ويناظر المرجعية الفكر نظرا وعقدا‬ ‫في المعرفة والروح سياسة وشرعا في العمل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فتتوجه الاستراتيجية إلى الأحياز التي توجد خارج كيان الإنسان والتي يستمد منها‬ ‫شروط قيامه العضوي والروحي وهي التي تكلمنا عليها‪ .‬لكن الاستراتيجية الأعمق تتوجه‬ ‫إلى بدن الإنسان ببعديه (الغذاء والجنس) وروحه (ببعديها المعرفة والقيم) وإلى فكره‬ ‫(ببعده النظر والعقد ثم العمل والشرع) لتفسدها‪.‬‬ ‫والإفساد فيها يتعلق بالغذاء والجنس‪ ،‬ثم بالمعرفة والقيم‪ ،‬ثم بالفكر أي النظر والعقد‬ ‫والعمل والشرع‪ ،‬فتكون العشرة الثانية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالمواجهة تصبح ذات عشرة مستويات‬ ‫خارج كيان الإنسان أي في أحياز شروط بقائه من العالم وعشرة مستويات في كيانه ذاته أي‬ ‫في عين بقائه‪ :‬حرب علينا فهم مجراها ومرساها‪.‬‬ ‫ولست آتي بالجديد في هذا الوصف الأمر بل الجديد الوحيد الذي أنسبه إلى نفسي هو‬ ‫استخراج طبيعة منظومتها أي ما يجعلها ليست مجرد اجراءات تحدث بالصدفة بل هي‬ ‫منظومة نسقية ذات استراتيجية واضحة الأهداف والمراجل وشروط الانجاز بالقوتين‬ ‫اللطيفة والعنيفة الأولى تمهد للثانية لاستكمال المهمة بأنباء البلد أنفسهم‪.‬‬ ‫فمثلا لا يكاد يصدق أحد أن تغيير نظام الغذاء أو نظام الجنس جزء من هذه‬ ‫الاستراتيجية‪ .‬فأما الاول فهو يقتضي وساطة بين نوعي الأحياز الخارجية في العالم‬ ‫والداخلية في كيان الإنسان‪ .‬فالزراعة مثلا هي التي تغير نظام الغذاء وهي واسطة بين‬ ‫نوعي الأحياز وهم يقتلون زراعتك بقتل بذورك فرض بذورهم‪.‬‬ ‫فتصبح من حيث لا تدري وطمعا في المزيد من المنتوج تابعا بنيويا لأنك في كل سنة ينبغي‬ ‫أن تشتري منهم البذور ولا تأكل إلا ما ينتج عن بذورهم وقد تكون مسرطنة‪.‬‬ ‫وخذ الجنس‪ .‬كل المجتمعات فيها حرائر وجواري في كل العصور‪ .‬هم يريدون أن يجعلوا‬ ‫كل النساء جواري وأن يزيلوا فصيلة الحرائر من العالم‪.‬‬ ‫تبدو العملية وكأنها تحقق حلا للجنس ولحرية المرأة‪ .‬لكنها في الحقيقة تنزل به إلى‬ ‫الحيوانية مع التخلي عن وظيفته العضوية والاقتصار على وظيفته الاستمتاعية فيكون ذلك‬ ‫بداية مأساتين‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬عزوف المرأة عن الانجاب لكلفته التي هي ثقيلة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وزوال الشخصية السوية لدى جل الأطفال والانقراض المنظور‪.‬‬ ‫وقس عليه النظر والعقد فما يسمى بما بعد الحداثة بدأ بالحداثة الثانية التي أنهت‬ ‫الفلسفة (هيجل) والدين (ماركس) والعودة بالإنسان إلى تاريخ الحيوان بمنطق التاريخ‬ ‫الطبيعي سواء تأسس على وحدة الوجود الذاتوية بالمعنى الهيجلي أو عادت إلى وحدته‬ ‫الطبعانية بالمعنى السبينوزي في الماركسية‪.‬‬ ‫ذلك أن الحداثة الأولى التي يمكن اعتبارها قد بدأت مع ديكارت رغم قولها بنظرية‬ ‫المعرفة ونظرية القيمة المؤسسة على المطابقة التي بدأت مع أفلاطون أرسطو فإنها لم تذهب‬ ‫إلى الوقوع في رد الإنسان إلى التاريخ الطبيعي بوصفه مجرد حيوان حتى وإن لم تؤلهه‬ ‫كما فعلت الحداثة الثانية كحيوان‪.‬‬ ‫وهذه الحداثة الأولى التي يمكن اعتبارها قد انتهت ببداية الثروة الفرنسية سياسيا‬ ‫وبالثورة الكنطية فلسفيا لم تدم طويلا لأن ما تلاها هو الحداثة الثانية التي أنهت قيم‬ ‫الثورة الفرنسية وابستمولوجية الثورة الكنطية‪ .‬ولذلك فكل الحداثيين العرب الحاليين‬ ‫هم مجرد ببغاوات هذه الحداثة الثانية التي بدأت خاصة مع هيجل وماركس‪.‬‬ ‫وحتى ما بعد الحداثة التي يكثرون من الكلام عليها فهم لا يهتمون بدلالتها القيمية‬ ‫والفلسفية بل يكتفون بالموضة مثل بعض النساء البرجوازيات القادرة عليها‪ .‬فـما بعد‬ ‫الحداثة التي هي في الحقيقة ثمرة الحداثة الثانية أدلجت الدين والفلسفة ونكصت‬ ‫بالإنسان إلى التاريخ الطبيعي إما من منطلق روحه (هيجل) أو من منطلق بدنه (ماركس)‬ ‫عادت إلى نفي الفرق الكنطي بين المتناسب مع ذاتية الإنسان وعدم رد الوجود إلى‬ ‫الإدراك أو \"القول بالشيء في ذاته\"‪.‬‬ ‫ما يسمى بما بعد الحداثة لا يكتفي بنفي الشيء في ذاته بالإضافة إلى علم الإنسان بل‬ ‫بصورة مطلقة لأن معنى رد كل شيء إلى السرد يجعل الإنسان ليس ساردا لرؤاه عن شيء‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بل مبدع لشيء وسارد لما وضعه فيه‪ .‬ولا شيء وراء ذلك‪ .‬وهو المعنى الدقيق لفلسفة‬ ‫نيتشة التي تعني أن الجميع سابح في الخيال المطلق أي إنه لا يوجد إلا ما يبدعه خياله‪.‬‬ ‫صحيح أن في ذلك شيئا من الدين بوجه من الوجوه لأن اعتبار الدنيا لا شيء بالقياس‬ ‫إلى الأخرى فيه ما يشبه القول إن الوجود الدنيوي للإنسان مجرد أضغاث أحلام فيكون‬ ‫إبراز أهمية الآخرة بنفي الدنيا قد انتهي إلى نقيضه فنفيت الآخرة وهو المعنى الدقيق لما‬ ‫استعاره نيتشة من هيجل‪ :‬موت الله‪.‬‬ ‫المشكل أن هذه الاستراتيجية لم تعد تستهدفنا وحدنا‪ .‬فهي في الحقيقة تستهدف‬ ‫الإنسانية كلها بل والعالم كله‪ .‬وتلك هي العلة التي تجعلني اعتبر أن الإسلام بات حاجة‬ ‫كونية لأن الداء صار كونيا‪ :‬ما يجري عدوان على الإنسانية وعلى شروط بقائها‪ .‬فهو لا‬ ‫يفصل بين وظيفتي الإنسان من حيث هو إنسان‪ :‬إذ هو يعرفه بوصفه مستعمرا في الأرض‬ ‫بقيم الاستخلاف‪ .‬ولا مفاضلة بين الوظيفتين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبدأ غاية البحث بما يعبر عن التفاؤل‪ .‬فلا أعتقد أن استئناف الإسلام يمكن أن يوقفه‬ ‫أحد وبالذات بسبب نظرية الأحياز التي تمكن للإسلام تمكينا لا يمكن لأي قوة في العالم أن‬ ‫تنتصر عليه وهو ما يثبت لي بصورة لا جدال فيها أن الإسلام منتصر لامحالة لأنه فعلا‬ ‫العلاج المناسب للأمراض الإنسانية‪.‬‬ ‫ولست أقول هذا لأني مسلم أذ لو بقيت مسلما كما كنت قبل أن اغوص في معاني القرآن‬ ‫لشككت في ذلك‪ .‬فما كان يسمى إسلاما هو تراكمات عقد المسلمين بعد أن صاروا مغلوبين‬ ‫ضحايا لتربية وحكم وصفهما ابن خلدون بكونهما مفسدين لمعاني الإنسانية بسبب ما فيهما‬ ‫من عنف مادي ورمزي ذاتي وأجنبي‪.‬‬ ‫وكل من غاص في معاني القرآن يعلم أن هذه الحالة مرضية وهي الحالة التي كان يمكن‬ ‫أن تكون مقبولة بوصفها حالة طوارئ مكنت الامة من الخروج من الحروب الاهلية التي تلت‬ ‫الفتنة الكبرى‪ .‬لكنها بقيت أربعة عشر قرنا لأنها انتقلت من الضرورة التي تبيح المحظور‬ ‫إلى حالة طبيعية كلها تعمل بالمحظور قرآنيا‪.‬‬ ‫وهذا المحظور قرآنيا لم يكن مقصور الاستعمال بين المسلمين بل صار سياسة عامة في‬ ‫الداخل والخارج‪ .‬وقد كتبت ذات مرة أن استراتيجيي الغرب استفادوا أيما استفادة من‬ ‫ذلك ليحيوا في شعوبهم شيئا من العودة إلى الروحي الصليبية التي تحولت إلى استعمار‬ ‫مادي خالص لا يعنى بما وراء المصالح المباشرة‪.‬‬ ‫وقد يعجب القارئ إذا قلت إن ما يسمى بحركات الجهاد الإسلامية أفادت الغرب ألف مرة‬ ‫أكثر من إفادة الإسلام ودليلي في ذلك ظاهرة داعش وقبلها ظاهرة القاعدة‪ .‬فالمسلمون‬ ‫لم يكونوا بحاجة إلى شناعاتهم في حرب التحرير قبل أن يقرر الغرب استعمالهم ليوقظ في‬ ‫شعوبه ثانية روح الصليبية‪.‬‬ ‫فهو الذي كان بحاجة إلى شناعات داعش وهو الذي مكنها من إعلام تعجز دونه الدول‬ ‫وهو الذي مكنها من تسليح تعجز دونه الدول وهو الذي مكنها من التراث الرمزي لكي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يهدمه وهو الذي مكنها من تمكين إيران وإسرائيل وروسيا من تحقيق احتلال الهلال كله ثم‬ ‫اليمن وقد يسقط كل الخليج فيتقاسمانه‪.‬‬ ‫كتبت هذا الكلام أو ما يقرب منه في خلال تحليلي لغباء ما سيموه \"توب تان\" في التصدي‬ ‫للاحتلال الأمريكي للعراق وأنا في ماليزيا‪ .‬فبينت أن توب تان التي تعلق عشرة أمريكان‬ ‫على قناطر العراق لن تفيد تحرير العراق بل تفيد بوش الذي كان بحاجة إلى قاعدة‬ ‫شعبية تدعم حربه على الإسلام‪ .‬لا أشك في أن الكثير من \"الرؤوس الملتهبة\" بالحماسة‬ ‫ستتهمني بأني احمل مسؤولة ما يجري للجهاديين‪ .‬لكني اعتبر الشباب الجهادي بريء من‬ ‫كل ذلك لأنه أحد أثنين‪:‬‬ ‫• إما ضحية فقهاء اغبياء لا يفهمون في الحروب الحديثة فيتصورونها من جنس ما يكفي‬ ‫فيه الشجاعة والحماسة‪.‬‬ ‫• أو ضحية مخابرات الأنظمة العملية وذراعي الغرب والغرب نفسه لما ذكرت من العلل‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا الشباب المجاهد ضحية لأنه لا يوجد من يغامر بحياته من أجل غاية دنيوية‬ ‫إلا إذا كان من أمراء الحرب وهؤلاء إما من جنس الفقهاء الاغبياء أو من الاختراق‬ ‫المخابراتي‪.‬‬ ‫لكن الشباب كان بحق مؤمنا بأن الحل هو في هذا النوع من الجهاد‪.‬‬ ‫ذلك أني لا يمكن ألا أكون مؤمنا بالجهاد المناسب‪ .‬والجهاد المناسب مبني في حالتنا هذه على‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬طبيعة القوتين المتقابلتين نحن والأعداء تقدم تكنولوجي وتأخر بايولوجي عندهم‬ ‫والعكس عندنا تقدم بايولوجي وتأخير تكنولوجي‪.‬‬ ‫ومن ثم لم يستفد من الفارق بين نسق التدارك فيهما ليس أهلا لقيادة الجهاد‪.‬‬ ‫التكنولوجي يسير التدارك والبايولوجي عسيره‪ .‬فكل الغباء هو إضاعة الوقت في التدارك‬ ‫التكنولوجي لتمكين المتقدم فيه من ربح الوقت في تدارك البايولوجي‪ .‬هذا أولا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬والأمر الثاني‪ :‬لا توحد حركة مقاومة في استراتيجية هذا حكمها لا تعتمد على الفصل‬ ‫بين الغازي وشعبه ومن ثم مسالمة شعب الغازي ومحاربته هو حتى يفقد قاعدته الشعبية‪.‬‬ ‫فكل عمل يثير في شعبه نقمة عليك هو لصالح الغازي وهو يريده أكثر منك‪.‬‬ ‫من لم يفهم ذلك يقع في ما أراده من أحدث القاعدة وداعش مدعيا نصرة الإسلام وهو‬ ‫في الحقيقة يريد تهديمه بأيدي الحمى من أبنائه‪ .‬وهذا ما استغلته الأنظمة والذراعان‬ ‫ومن وراء الذراعين أي روسيا وأمريكا وخاصة مع داعش‪ .‬سيقول الكثير أنت يا ابا يعرب‬ ‫تريد أن تخاطبنا بالبارادوكس ‪-‬المفارقات‪-‬فتعكس دلالة كل شيء‪ .‬حسنا سأضيف‬ ‫بارادوكس أكبر‪ :‬كيف تفسرون أن يمين الغرب وقومييه في معاداة الإسلام لا يضاهيه إلا‬ ‫يسار الاقليم وقوميوه في نفس المعاداة؟‬ ‫من لم يجد تفسيرا لهذا اللغز فليسكت وليقبل المفارقات‪.‬‬ ‫ولأعد الآن إلى التقابل في عاملي النصر في كل المعارك‪ .‬فهو مادي ومعنوي‪ .‬والمادي‬ ‫مضاعف إذ هو التكنولوجيا والديموغرافيا والمعنوي مضاعف وهو الإيمان والعلم‪ .‬والأول‬ ‫يحدد القيم التي من اجلها يقبل الإنسان الموت والثاني يحدد الأدوات التي تجعل ذلك‬ ‫مقصورا على الضرورة وهو الاستراتيجيا‪.‬‬ ‫في المعارك التي تخاض في إقليمنا لو كنا ندرك دور كل عنصر من هذه العناصر ثم طبقنا‬ ‫سياسة التنويم التي لا تمكن العدو من أيقاظ ما يشكو من غيابه بدلا من مساعدته في‬ ‫إيقاظه فإننا حينها نكون قد مكناه من النصر الحتم لأنه إذ جمع بين تقدمه التكنولوجي‬ ‫وتداركه البايولوجي فلن يشق له غبار‪ .‬فإذا جمع يمينه ويسارنا صار له سلاحان لا‬ ‫يقهران‪:‬‬ ‫‪ .1‬أحدهما للتخريب الداخلي‪.‬‬ ‫‪ .2‬والثاني للتخريب الخارجي‪.‬‬ ‫وسننتهي إلى حروب صليبية لن تتوقف وسيكون فيها هذه المرة أكثر دراية بما ينخر الأمة‬ ‫من عرقيات وطائفيات وإيديولوجيات تنهي ما به نتفوق عليه وتلغي كل إمكانية لتدارك‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ما به يتفوق عليها نهائيا‪ .‬ولذلك فالغرب يراقب أي بلد إسلامي يحاول أن يعمل بجد‬ ‫للتدارك ما به يتفوق علينا فيهدمه بحرب أهلية داخلية والمثال العراق أمام ناظر كل ذي‬ ‫بصيرة وهم يحاولون نفس الشيء مع تركيا وأكاد اقول إني أخاف عليها وأخاف خاصة مما‬ ‫قد يعتبر تعجلا في التحدي ليس هذا وقته لأن شرط المناعة لم يحصل بعد‪.‬‬ ‫الغرب كله أوروبا خاصة وأمريكا دون ذلك بقليل علة خوفه هو ما يترتب على رؤيته التي‬ ‫حاولت وصفها في الفصول السابقة ويمكن اعتباره وضعه عالميا في شبيها بوضع إسرائيل في‬ ‫الإقليم يعتمد على التكنولوجيا لتعويض البايولوجيا وهذا مستحيل لو كان خصومه أذكياء‬ ‫مثل الصين واليابان والكوريين‪.‬‬ ‫لكنه ممكن عندما يكون خصومه مثل العرب خاصة‪ .‬فمن يكفيه الاستيراد يبقى دائما‬ ‫متخلفا لأن من لم يجرب لا يتعلم في أي ميدان‪ .‬كل الدول العربية عاجزة عن حرب تدوم‬ ‫أكثر من أسبوع حتى في إنتاج الخراطيش‪ .‬يريدون آخر سيارة وآخر طيارة حتى لو كان‬ ‫الطيارون يقلون وفي المعارك يتقافزون بالمظلات‪.‬‬ ‫أمة ما يزال حكامها يتداوون في الخارج بعد قرن من تكوين الجامعات الطبية ليست أهلا‬ ‫للنبس ببنت شفة‪ .‬كل شيء يشرعون في بنائه يبدؤونه من السقف بدل الأساس‪ .‬أمة‬ ‫الاسترداد لأنها ورثت جغرافيا ذات ثروة طبيعية وتاريخ ذي ثروة تراثية يبيعون الخام‬ ‫والخدمات السياحية المتخلفة لا يمكن أن تتحرر‪ .‬يكفيني وجع رأس‪:‬‬ ‫• فحرب المطاولة عرفها ابن خلدون‪-‬الاستنزاف‪-‬وهي لا تحتاج في الحركات الشعبية‬ ‫لأكثر من سلاح خفيف ودراجة نارية وتوسيع المكان لتمديد الزمان والضرب في كل مكان‬ ‫دون تعريض الحاضنة الشعبية لما فعلت المقاومة السورية الغبية التي تريد أن تحارب جيش‬ ‫مقابل جيش في المدن‪.‬‬ ‫• وهي تقتضي ألا تعرض الحاضنة لما لا يطاق‪ .‬فالعدو لا يعنيه أن يحافظ على الحاضنة‬ ‫ولا تعنيه المدن والآثار‪ .‬لذلك فهو يهدمها على رؤوس أصحابها ولا يحتاج حتى لأرسال‬ ‫جيش البراميل تكفي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فالحروب الشعبية طويلة ومن ثم فنبغي أن تحافظ على حاضنتها ولا تكلفها ما يحول دون‬ ‫الصمود الطويل‪ .‬لأن الحروب الشعبية حروب استنزاف بالجوهر والمهم فيها أن تحول دون‬ ‫العدو وراحة البال فتحرمه من النوم بالمفاجئات الصغيرة ماديا الكبيرة معنويا‪ .‬فإذا‬ ‫عرضت حاضنتك الشعبية للحصار فإن الأب والأم التي ترى أبناءها يموتون جوعا لا يلومهم‬ ‫أي إنسان إذا عادوا الثورة والتحرر والتحرير‪.‬‬ ‫فالإنسان كائن هش بدنيا ومهما صمدت الروح فهي في النهاية تستجيب لحاجة البدن‪ .‬ومن‬ ‫يجهل ذلك لا يمكن أن يقود ثورة إلا في عالم روايات أبطالها ملائكة‪ .‬وقد بينت أن قانون‬ ‫هزيمة القوة مطلقة الكبر هو القوة مطلقة الصغر وذلك بتوسط الكلفتين المادية والروحية‪.‬‬ ‫فماديا الأمريكي يحتاج لمليار حتى يضرب موقعا ولمليون حتى يقتل مقاوما‪ .‬لكن المقاوم لا‬ ‫يحتاج إلا لدراجة نارية وكلاشنكوف‪ .‬وروحيا هو يخاف ظله وجنديه مرتزق لا دافع روحي‬ ‫له وأنت تدافع عن شرفك‪.‬‬ ‫أقف عند هذا الحد‪ .‬ومن أراد المزيد فليعد إلى ما كتبته خلال حرب العراق وحرب سوريا‬ ‫وحرب فلسطين وهي كلها حروب شعوب تقاوم وليست حروب دول‪ .‬ذلك أن الدول العربية‬ ‫أكبرها وأثراها أعجزها بعض الحفاة العراة في اليمن‪ .‬كلامي هو على الشعوب ومقاوماتها‪.‬‬ ‫ولا بد أن اختم بملاحظة قد تغضب أصدقائي‪.‬‬ ‫وأقصد أصدقائي في فلسطين‪ .‬فالتحول الخطير في حركات المقاومة جاءت من فلسطين‪ :‬هي‬ ‫التي أفسدت مقاوماتها مفهوم المقاومة عند العرب الذي يمكن أن اعتبر الجزائر رمزه‬ ‫الأقوى‪ .‬صحيح أن الجزائر كانت غاية حروب التحرير الإسلامية التي عمرها أكثر من قرن‬ ‫وثلث‪ .‬لكن اليسار العربي أفسد المقاومة‪.‬‬ ‫وهو أفسدها لأنه فاسد‪ .‬فالتعدد لم يكن لاختلاف الاجتهادات بل لأن المقاومة صارت‬ ‫تجارة‪ .‬واليوم يؤسفني أن أقول إن أمراء الحرب ظاهرة مرضية أزعم أنها نشأت عندنا في‬ ‫فلسطين لما تحولت حركاتها بعدد الاحزاب اليوم في تونس حيث أصبحت السياسة تجارة‬ ‫وعمالة لدى المافيات العربية والدولية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكلما سمعت مقاوما فلسطينيا يفاخر بالصفقات مع إسرائيل أشم رائحة حزب لله الذي هو‬ ‫أكثر عداء للامة حتى من الصهاينة لأن هؤلاء مهما فعلوا لن يفسدوا الإسلام كل ما في‬ ‫الامر أنهم يحتلون أرضا سنحررها‪.‬‬ ‫من يريد احتلال الروح يصبح المحتل هو المدافع عن محتله كما نرى ذلك في العراق ولبنان‬ ‫واليمن‪.‬‬ ‫وآخر ملاحظاتي أن فلسطين هي أكثر بلاد العرب حيازة لثقافة العصر بفضل الأمم‬ ‫المتحدة التي عممت فيها التعليم الحديث‪ .‬لكن ما ألاحظه هو أن جل نخبها مرتزقة إما عند‬ ‫الانظمة العميلة أو عند غيران أو عند الغرب أو عند من هم عملاء هؤلاء وخاصة كبار‬ ‫الطبالين من الصحفيين‪ .‬وهذا لا يليق بشعب حر‪.‬‬ ‫أعلم أن ذلك سيزيد في عدد أعدائي‪ .‬لكن ذلك لا يهمني لأني بلغت سنا لم يعد فيها داعي‬ ‫للمداراة‪ .‬وإذا لم أقل ما أراه صوابا لتحرير فلسطين وشرطا لحصوله‪ .‬وما أخفيت رأيي‬ ‫هذا على قياداتها اينما لقيتهم في دمشق سابقا وفي طهران وفي تونس وفي الدوحة بعضهم‬ ‫في استنبول‪.‬‬ ‫فلا معنى لما أدعيه على الأقل مع نفسي بأني ندبتـها لبيان ما أراه شرطا في استئناف الأمة‬ ‫دورها ليس من منطلق كوني مسلما فحسب بل لأنـي مؤمن بوحدة البشرية‪ .‬والمعلوم أنه‬ ‫من دون استئناف هذا الدور تتحرر فلسطين‪ .‬وأهم شروط تحررها تحرر الهلال من‬ ‫الاستعمار الإيراني والروسي واخراج أمريكا من الاقليم كله لأنها هي التي توظفهم مثل‬ ‫إسرائيل والأنظمة العربية العملية كلها‪ .‬فليس السيسي ولا بشار وحفتر والحوثي‬ ‫والمليشيات إلا سنام الجبل في استراتيجية منع الاستئناف‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫شعرت بأن الوقوف حيث وقفت في الفصل الخامس لم يمكني من اثبات علة تفاؤلي بأن‬ ‫الاستئناف الإسلامي أمر حتمي وأنه آت لا ريب فيه حتى لو تحالف العالم كله وما أظن‬ ‫العالم يصل إلى هذا الحد لأن فيه عقلاء‪ .‬فعقلاؤه يعلمون أن أكبر قوة فيه حاليا تنتحر‬ ‫بحربها عليه لأن الإسلام ليس إيديولوجية لا نازية ولا شيوعية‪.‬‬ ‫ومهما كان المرء أعمى البصيرة فبالبصر وحده يمكن أن يجزم بأنه لا يوجد دين في‬ ‫العالم‪-‬وقد سعيت للمكن من الاطلاع منذ أن بدأت أتساءل عن الرسالة الفاتحة والخاتمة‬ ‫أي الإسلام‪-‬له ما فيه من شروط تمكين البشرية من العيش بسلام ووئام بمجرد تطبيق‬ ‫النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬وما يؤسسهما فيه‪.‬‬ ‫ولو بقيت في الدينين المنزلين الآخرين ‪-‬من السنة الإبراهيمية‪-‬لأمكن القول إنه لا يمكن‬ ‫ليهودي أو لمسيحي أن يدعي الانتساب إليها وألا يستحي من المقارنة بين النصوص لأن الامر‬ ‫في الممارسة سيان حتى في الرؤى العلمانية إذ لا أحد يصدق أن أمريكا تحترم حقوق الأنسان‬ ‫التي تدعي حمل رأيتها فضلا عن احترام كل الرسل والأديان‪.‬‬ ‫لا يوجد دين لا منزل ولا طبيعي يضع الديني بين قوسين عندما يتكلم على الإنسانية‬ ‫بالاقتصار على المحدد الانثروبولوجي ‪-‬شعوب وقبائل ‪-‬ولا يولي أدنى أهمية للأعراق ولا‬ ‫للأديان ولا للطبقات ولا للجنس بل يعتبر الجميع لا يتفاضلون إلا بالتقوى والتعدد في كل‬ ‫ذلك ضرورة للتسابق في الخيرات‪.‬‬ ‫ورغم أنه لا يسلم لنفسه بخرق العادات لأن كتابه اعجازه في الاستدلال بالنظامين‬ ‫الطبيعي والتاريخي دون سواهما وينفي أن يكون الرسول عالما بالغيب أو أن يكون وسطيا‬ ‫روحيا أو وصيا سياسيا على الإنسان ومع ذلك فهو يقر معجزات الأنبياء الآخرين رغم أنها‬ ‫كلها تخرق العادات واعتبارها تخويفية‪.‬‬ ‫ولم أر كتابا دينيا‪-‬من تلقاء نفسه وليس تحت ضغط أعدائه كما يفعل العملاء حاليا‬ ‫تغييرا للثابت من الدين خوفا أو تقربا‪ -‬يضع مبدئين هما جوهر حرية الضمير وحرية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫العقل ويشترط في الإيمان تبين الرشد من الغي ومن ثم يحول دون الإكراه فيه ويعتبر‬ ‫علامة هذا التبين الكفر بالطاغوتين الروحي والسياسي كما هو بين ما ورد بعد الآية ‪256‬‬ ‫من البقرة مع وعد شديد الانفتاح على دينين منزلين ودين طبيعي‪.‬‬ ‫ففي البقرة ‪ 62‬وفي المائدة ‪ 69‬لم يشترط في هذا الوعد {لا خوف عليهم ولاهم يحزنون}‬ ‫إلا ثلاثة شروط هي ما به تكون الأديان متحررة من الاخلاد إلى الأرض وهي في الحقيقة‬ ‫خمسة شروط‪ :‬حرية الضمير (خلقية) وحريقة العقل(معرفية) ثم الثلاثة هي الإيمان‬ ‫بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح والـخامسة هي مضمون سورة العصر‪.‬‬ ‫ولست بحاجة لذكر الدينين المنزلة والدين الطبيعي لأن الآيتين تحددانهما‪ .‬لكنه لما‬ ‫عمم وضم دينين آخرين أحدهما طبيعي مثنوي (المجوسية) والثاني طبيعي مطلق الشرك‬ ‫(والذين أشركوا) لم يعدهما بشي لكنه لم يشر إلى وعيد بل ترك الامر مفتوحا علهم‬ ‫بالتسابق في الخيرات يهتدون‪ :‬الفصل يوم القيامة‪.‬‬ ‫ولماذا اعتبرت الشروط خمسة وليست ثلاثة‪ .‬اضفت حرية الضمير (خلقي) وحرية‬ ‫العقل (معرفي) ثم الإيمان بالله وباليوم الآخر والعمل الصالح؟ لأني وصلت الوعد بما‬ ‫قصدته الآية ‪ 48‬من المائدة التي اعتبرت التعدد الديني شرط التسابق في الخيرات‬ ‫واعتبرته من ثم مقصودا لهذه الغاية لإثبات الحريتين‪.‬‬ ‫وبذلك صارت الوعد محيلا إلى سورة العصر بشروطها الخمسة التي بفضلها يمكن للإنسان‬ ‫أن يستثني نفسه من الخسر الذي هو الإخلاد إلى الأرض والذي هو جوهر العولمة المادية‬ ‫التي جعلت البشرية كلها عبيدا لبعدي العجل‪ :‬لمعدنه (المال) ولخواره (الإيديولوجيا)‬ ‫وذلك هو الخسر والوعي به هو البصيرة‪.‬‬ ‫وعدم الوعي به هو الوصف الذي يناقض تمام المناقضة الآيات الخمس الأولى من‬ ‫الرحمن والذي يعني ما يعنيه وصف عديم البصيرة بكونه ممن يصدق عليهم القول {صم‬ ‫بكم عمي فهم لا يعقلون}‪ .‬لذلك فالشروط الأربعة الباقية هي الإيمان والعمل الصالح‬ ‫والتواصي بالحق (الاجتهاد) والتواصي بالصبر(الجهاد)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فكلا التواصيين فيهما المشاركة ما يعني أنهمـا بحث الجماعة عن الحقيقة (الاجتهاد أو‬ ‫الحرية المعرفية) وعمل الجماعة بالحقيقة (الجهاد أو العرية الخلقية)‪ .‬وقد قدمت‬ ‫السورة عليهما شرطين لا يمكن إلا أن يكونا فرديين بإطلاق أعني الإيمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫والإنسان بما هو خليفة غني عما عدى ذلك‪.‬‬ ‫لكني لست غرا حتى أعتقد أن مجرد بيان الفضل كاف لتحققه أو لنجاحه أو لوصول‬ ‫الإنسانية إلى الاقتناع به إذا لم يكن له أهل لهم القدرة على حمايته ورعايته وإذا لزم‬ ‫الأمر على تطبيق ما يترتب على الأنفال ‪ .60‬وبذلك أعود إلى الاستدلال الأهم‪ :‬لماذا لا‬ ‫يمكن لأمريكا وذراعيها وعملائها هزيمتنا؟‬ ‫أعلم أن الكثير سينظر لي بسخرية‪ :‬ألسنا مهزومين حتى ممن هم دونها؟‬ ‫ألا ترى سيطرة العملاء والذراعين ‪-‬إيران وإسرائيل‪ -‬في الإقليم والذراعين من‬ ‫خارجه‪ -‬روسيا وأوروبا‪-‬وتذهب إلى ادعاء أن أمريكا لن تغلبنا؟‬ ‫والجواب مضاعف فضلا عن كونها خسرت كل حروبها ضدنا وها نحن نراها ترغم على‬ ‫الرحيل من افغانستان بعد سبع عشرة سنة من القتال الذي لم يفلح في شيء رغم الحلف‬ ‫الدولي‪:‬‬ ‫• أولا هي تستعملهم أدوات يحققون ما تريد‪.‬‬ ‫• وثانيا لم يكونوا كافين فتدخلت بأحلاف عالمية‪.‬‬ ‫ومع ذلك فهي لم تحسم أي واحدة منها منذ أن عوضت الغرب الأدنى ‪-‬أوروبا‪-‬لأن امريكا‬ ‫هي الغرب الأقصى بل هي مغول الغرب الحالي وقد جربنا مغول الشرق قبلهم واستوعبناهم‬ ‫في النهاية بعد أن هزمناهم وبالذات هذا الإقليم العربي التركي الكردي الأمازيغي وكله‬ ‫سني لأن البقية تحالفوا مع المغولين‪ .‬ولولا الدليلين التاليين لكان في كلامي شيء من النزعة‬ ‫الإنشائية أو حتى مما يسمى عنتريات‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• ما حصل في الاستدارة حول دار الإسلام في بداية العصر الحديث أو في عصر‬ ‫الاكتشافات الجغرافية لم يعد ممكنا لأن الإسلام انتشر في العالم كله ولا أحد يستطيع الآن‬ ‫استثناءه من أحداث العالم ماديا وروحيا‪.‬‬ ‫• والأهم من هذا هو العامل الثاني‪ .‬فكل استراتيجية الغرب في محاولة منع الاستئناف‬ ‫هي التي تحقق شروطه‪ .‬ف\"خلق\" إسرائيل و\"إعادة الباطنية\" وتشجيع روسيا والحرب علينا‬ ‫كل ذلك كان المهماز الذي حرك الجواد الإسلامي وأعاد له عنفوانه‪.‬‬ ‫ولولا ذلك لبقينا نغط في نوم عميق ولم نخرج من عصر الانحطاط‪ .‬وبعبارة أوضح فالأمر‬ ‫أشبه \"بمكر الله الخير\" أو بـ\"مكر التاريخ\" بالنسبة إلى الملحدين‪ .‬فلا أحد كشف العملاء‬ ‫وهشاشتهم أكثر من الذراعين في الإقليم والذراعين الخارجيين ولكن خاصة ما من الله به‬ ‫علينا من نجاح ترومب الذي يعيرهم يوميا تقريبا بأنه لا وزن لهم وأنهم يوجدون بفضل‬ ‫قواعده‪.‬‬ ‫وإذا اراد أن يجاري العمالقة الجدد في العالم فلن يستطيع تحمل كلفة هذه القواعد وهو‬ ‫واع بذلك وبدأ ينسحب مما لا يعتبره ضروريا على الأقل للإبقاء على قوة أمريكا الحالية‬ ‫التي لن تبقى قادرة على منافسة عمالقة العالم‪ .‬ومن ثم فهو مضطر إما إلى التعاون الندي‬ ‫أو إلى الانتحار في حرب المطاولة‪.‬‬ ‫وفيها تصبح أذرعته عليه وليست له لأنها تحرك كل أقاليم دار الإسلام بين المحيطين‬ ‫الهادي والأطلسي وفي كل العالم لأن دار الإسلام ليست جغرافية فحسب بل هي حيثما وجد‬ ‫مسلمون وطبعا لا أعني بذلك ما يتهمونه بالإرهاب بل ما حددته المائدة ‪ :48‬التسابق في‬ ‫الخيرات فاتح القلوب والعقول في العالم‪.‬‬ ‫وذلك هو العامل الذي بدأت به هذا الفصل في كلامي على ما يمثله الإسلام عندما نحرره‬ ‫من الانحطاط الذي أفسد كل معانيه وخاصة من علوم الملة التي هي تحريف صريح لنظرية‬ ‫المعرفة ولنظرية القيمة القرآنيتين كما بينت في محاولة استخراج نظام القرآن كرسالة‬ ‫للإنسانية لتوحيدها بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أعدت النظر في العلم الرئيس ‪ Architoctonique‬أو التفسير ثم في فروعه الأربعة أي‬ ‫في الكلام والفلسفة في النظر والعقد ثم في الفقه والتصوف في العمل والشرع لإعادة النظر‬ ‫في نظرية المعرفة ونظرية القيمة القرآنية بهدف التحرر من مرض المقابلة بين الإيمان‬ ‫والعلم المرض الذي اصاب الإرادة والعقل بالعقم ومرض المقابلة بين القانون والأخلاق‬ ‫المرض الذي اصاب الإرادة والقدرة بالعقم‪.‬‬ ‫وذلك هو شرط استرداد شروط الريادة في المعرفة وفي القيم‪ .‬ذلك أن الإسلام حرر‬ ‫الإنسان من الوساطة الروحية (التربية الكنسية) ومن الوصاية السياسية (الحكم بالحق‬ ‫الإلهي) حتى تكون جماعة الاحرار حاكمة لنفسها (الشورى ‪ )38‬ومتصلة بربها دون وسيط‬ ‫وبرزقها دون وصي شرطين للإبداع‪.‬‬ ‫والإبداع الذي سيعيد المسلمين لدورهم بعد توحيد الجغرافيا شرط التنمية المادية‬ ‫وتوحيد التاريخ شرط التنمية المعرفية وإحياء المرجعية شرط الحرية الروحية لما يحققوا‬ ‫اعمار الأرض الوجه الأول من تعريف القرآن للإنسان بقيم الاستخلاف الوجه الثاني من‬ ‫تعريفه للإنسان فنشهد بجدارة على العالمين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬