أبو يعرب المرزوقي منزلة الفكر وفخ \"مؤمنون بلا حدود\" الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - تمهيد1 : الفصل الأول 2 -الفصل الثاني 9 - تمهيد9 : الفصل الثاني 10 -الفصل الثالث 16 - -الفصل الرابع 26 - تمهيد26 : الفصل الرابع 26 -الفصل الخامس 34 - تمهيد34 : الفصل الخامس والأخير 34
-- (سنورده مع كل فصل من فصول المحاولة الخمسة): هذه محاولة تحتاج إلى تمهيد لأنها عرض لثمرات دراسة بعنوان \"حب التأله والجاه في الأنثروبولوجيا الخلدونية\" تمت برمجتها في قسم العلوم الإسلامية ببيت الحكمة منذ ما قبل الصيف وعرضت يوم الخميس .2018.11.15وصادف أن حصل في نفس اليوم حدثان مهمان يتعلقان بمثال عيني حدث فعلا وله صلة بهذه القضية الأساسية في تحديد حب التأله والجاه المحدد لأوضاع \"المفكرين\": .1تنظيم يوم الفلسفة السنوي الذي لم أدع إليه ولم أحضره. .2ما حصل للمسؤول الأردني على \"مؤمنون بلا حدود\". فلوضع \"المفكرين\" في تونس وفي كل بلاد العرب اليوم صلة وطيدة بهذه المنظمة ومثيلاتها في علاقة بالحدث التاريخي الأهم في بلاد العرب أو ما يسمى بثورة الشباب بجنسيه وبالثورة المضادة التي تحاربها ليس بالجيوش والمال فحسب بل بالحلف مع أعداء الشعوب في العالم وخاصة بالمنظمات التي تبدو في ظاهرها فكرية وهي في باطنها مخابراتية في خدمة مخابرات هؤلاء الأعداء. لذلك فهذه المحاولة بفصولها الخمسة ليس الهدف منها الكلام على الظرفيتين بل بيان أهمية \"نظرية ابن خلدون في التأله والجاه\" لفهم أوضاع الفكر الديني والفلسفي في كل عصر بمقتضى نظرياته في الأنثروبولوجيا التي هي في آن فلسفية ودينية لأنه يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بالطبع (فلسفة) بمقتصى الاستخلاف الذي خلق له (دين)\". أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- الكثير يتصور المتكلمين باسم الفلسفة قديمهم وحديثهم في بلادنا العربية خاصة والإسلامية عامة ممثلين للعقلانية في مقابل اللاعقلانية التي يمثلها المتكلمون باسم الدين فيهما. لكني مع ذلك وصفت كلا النوعين من المتكلمين باسميهما بالكاريكارتورين من الفكرين الفلسفي والديني في آن :فما العلة؟ ألا أبدو متجنيا عليهما ومميزا لنفسي بمنطق خالف تعرف؟ أريد أن أجيب عن هذا السؤال لأني علمت ان \"فلاسفة تونس\" أغلبهم من زبائن \"مؤمنون بلا حدود\" مع غيرهم من زبائنها قد نظموا أمس يوم الفلسفة في ما بينهم لأن غيرهم حتى وإن كان مهنيا على الاقل من \"الطائفة\" يعتبر من الظلاميين الذين لا يدعون لانهم ليسوا مثلهم من العقلانيين. وطبعا فقد يبدو الوصل بين هذه المحاولة والمناسبة شبه رد فعل على الاستثناء. لكن ذلك مجرد استسناح فرصة للكلام في الموضوع .ذلك أن الاستثناء ليس جديدا ومن ثم فلا يستحق الرد عليه ،كما أن استعمالي لمفهوم الكاريكاتورين وصفا لأصحاب دعوى التحديث الفلسفي والتأصيل الديني ليس ابن هذه المناسبة ،بل هو ملازم دائم لوصفي ازمة فكرنا منذ عقود. والملازمة لا صلة لها بالظرفيات ولا بالمناسبات بل هي ناتجة عن تعليل لأزمة الفكر الفلسفي والديني في حضارتنا وسيطه (ما يسمى بعصر فكرنا الذهبي) وحديثه (ما يسمى بفكر العرب منذ بداية ما يسمى بالنهضة-بتعليلين: • ابستمولوجي (نظرية المعرفة). • وأكسيولوجي (نظرية القيمة). في هذين الفكرين وهما بخلاف ما يبدو في الظاهر شديدا التضامن والتكامل ولوحدة الموقفين المعرفي والقيمي وصلتهما بمجال انطباقهما في تاريخ الإنسان الحضاري .وأفترض أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- أن المتابعين لكلامي في السياسة يذكرون بياني الوحدة البنيوية العميقة بين النظامين الثيوقراطي (الحكم باسم الله) والانثروبوقرطي (الحكم باسم الإنسان) وراء ظاهر الصراع بينهما أعني الحكم الديني والحكم العلماني المزعومين :وهذه البنية العميقة سميتها النظام الأبيسيوقراطي (دين العجل). ما أسميه بالكاريكاتورين من الفكرين الديني (أصحاب التأصيل الروحاني) والفلسفي (أصحاب الحديث العقلاني) رغم كونهما ليسا ممثلين للنظام الثيوقراطي والنظام الانثروبوقراطي فهما تابعان لهما بمعنى أنهما الفكر المعبر عنهما والمبرر لأفعالهما حتى وإن كانا غير داريين بأنهما من \"اصحاب\" الأقوال التابعين لظاهر النظامين بمنطق دين العجل. وهذه المعضلة-اصحاب الأقوال (هذا مصطلح وضعه الفارابي لوصف المتكلمين ويستثني منه طبعا من يسميهم علماء بالعلم الذي تم ولم يبق إلا أن يعلم ويتعلم ليستثني المشائين) -لم يضع العلامات الأولى لعلاجها الفلسفي بحق إلا ابن خلدون في ثلاثة فصول من المقدومة 10و 27و 31من الباب السادس. فدراسة هذه الفصول الثلاثة واكتشاف ما بينها من صلات هي التي تبين علة الدغمائية في كاريكاتور الفكر الفلسفي الذي يدعي العقلانية وكاريكاتور الفكر الديني الذي يدعي الروحانية والتي تبدأ بفساد نظرية المعرفة وتنتهي بفساد نظرية القيمة في فكر الكاريكاتورين المسيطر على فكرنا وسيطا وحديثا. وسأبدأ بتعريف فساد هذين النظريتين ثم أشرح الوصل الذي يثبت ذلك في فصول ابن خلدون الثلاثة عشر لعلم الكلام والسابع والعشرين للإلهيات والحادي والثلاثين وهو الخاتم والمبين لهذه العلاقة التي جعلته يسمي الثالث \"إبطال الفلسفة وفساد منتحليها\". وينبغي إضافة \"هذه الفلسفة\" السائدة في عصره. ما الجامع بين \"الفلسفي\" الذي يبطله ابن خلدون ويبين فساد منتحله :يبطله معرفيا ويستفسده قيميا؟ أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- إنها نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ونظرية القيمة القائلة بما يترتب على المطابقة الحاصرة للوجود في الإدراك من حصر القيم في اللذة المزعومة عقلية فينتج :حصر الوجود في الدنيوي معرفيا وقيميا. ومن له دراية بفلسفة ارسطو التي هذا هو جوهرها يعلم أمرين: في محاولة تأسيس نظرية المعرفة المطابقة كان عليه حل مشكلة نظرية المعرفة بالتمييز بين الإدراك العفوي والإدراك العلمي حتى يدحض القول بالرؤية السوفسطائية في الإدراك بالتمييز بين الفردي الذاتي والنوعي الذي ظنه موضوعيا. بعبارة أخرى إذا نحن خلصنا الإدراك من الفروق الفردية الناتجة عن عدم إخضاعه إلى معايير كلية وكونية -وهي موضوع المنطق الذي كان أول واضعيه-فإن الإدراك الخاضع لها يكون مطابقا للوجود ومن ثم فهو علم يعتمد على القول بالمطابقة بين ما نعلم من الوجود والوجود :نصل إلى علم العلم المحيط. وهذا هو مربط الفرس في الفلسفة القديمة كلها وهو الذي وجه إليه الغزالي الطعنة الأولى التي لم يستطع أحد تجاوزها إلا من حيث صوغها النهائي عند كنط :العقل المدرك لذاته يدرك أنه يعلم ويدرك أنه يعلم أن علمه ليس محيطا حتى لو كان ما يتجاوز إدراكه فرضيا من جنس مفهوم \"طور ما وراء العقل\". صحيح أن الغزالي تراجع بمعنيين: .1تصور أن طور ما وراء العقل يمكن أن يصح على \"الكشف\" الصوفي بمعنى أن ما يعجز دونه العقل يمكن للكشف أن يتداركه فتكون للإنسان إحاطة بالوجود \"على ما هو عليه\" ومن ثم فالقول بالمطابقة ممكن .2حل المنقذ وهو عودة الثقة بـ\"الأوليات\" بنور يقذفه الله في القلب. ومعنى ذلك أن الغزالي عاد إلى الفلسفة-الثقة بالأوليات-عن طريق \"الكشف\" أي إن العقلانية أو الإيمان بأن العقل يعلم الأشياء على ما هي عليه بمقتضى الأوليات التي عادت أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- الثقة بها بفضل نور كاشف يفيد بأن أوليات العقل تستحق الثقة ومن ثم فهي تصل إلى معرفة الأشياء على ما هي عليه :المطابقة. ولذلك فالغزالي بهذا -المنعرج-أسس لنظرية المطابقة في الفلسفي وفي الديني وأصبح بالوسع القول إنه هو الذي \"فلسف\" التصوف والكلام بإدخال المنطق الارسطي .ومن له دراية بالمنطق الأرسطي المقصود في هذه الحالة ليس مضمون التحليلات الاوائل (الحساب المنطقي الصوري) بل مضمون الأواخر. فالمقصود هو شروط تحقيق المطابقة أو نظرية العلم في التحليلات الأواخر :وذلك هو ما أدخله حتى في أصول الفقه إذ هو قدم للمستصفى بنظرية البرهان والحد أي بنظرية العلم الارسطية التي هي موضوع التحليلات الأواخر والتي لا يمكن أن تفهم من دون كل ميتافيزيقا أرسطو والـهيلومورفية. والهيلومورفية جمع بين عليتا فيزياء أرسطو الأساسيتين -المادة والصورة-على مثال الصناعات قيسا للعلة في الوجود الطبيعي وحتى التاريخي على التقنيات البدائية التي يكون فيها النجار مثلا مصورا للكرسي (الصورة) من الخشب (المادة) بفاعلية خارجية هي الفن أو الصناعة وتقاس عليها الطبيعة. والكثير يتصور أن ارسطو يعتبر هذه الفاعلية كامنة في طبائع الأشياء الفردية أو حتى النوعية أو حتى الجنسية وهو دليل جهل مطبق بالأرسطية .فلا يمكن للمادة العينية أن تتغير بذاتها ولا للصورة العينية أن تغير بذاتها حتى وإن بدا أن الموجود الذي بالفعل من النوع أو الجنس يحرك الموجود الذي بالقوة ففعل الطبيعة كما يفعل النجار. لكن ذلك غير صحيح. فلا بد من أن يدخل فاعلان موجودان بالفعل كونيان أو الطبيعة الشاملة الموجودة بالفعل يمكن وصف الفاعل الصورة (الله) والفاعل المادي حركات السماء وكلاهما سرمدي. الأفلاك تتحرك فتضج المادة التي بالقوة في العالم الأدنى أو عالم ما دون القمر وفيه القوة التي في المادة الأولى تتصور بما فيها من شوق لمحاكاة الحركة الكونية وبما في الحركة أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- الكونية من شروط الإنضاج لتحقيق التصوير الطبيعي مثلا في النبات والاشجار تغير الفصول من شروط الإنضاج. ولو أخذ هيجل مثل هذه الظاهرة التي تفطن لها أرسطو مقدما نظام الحركة الكلي على الحركة العينية بعين الاعتبار لاستحال أن يقول بالجدل لأنه لا وجود لتناقض في ذات الشيء تجعله ذاتي الحركة كما لا توجد طبيعة في العين تجعلها ذاتية الحركة بل الحركة شرطها بنيوي وهو نظام العالم كله بمادته أو كيان الأشياء وبصورته أو قوانين علاقات الأشياء. وهذا هو اساس دحضي للمنطق الجدلي الذي يجعل الماهيات متحركة بما فيها من تناقض جدلي .فالشيء لا يتحرك بما في ماهيته أو كيانه من تناقض بل هو يتحرك بما له من منزلة في النظام العام. ومنزلته في النظام العالم ليست خاصية ذاتية للأعيان بل هي نظام القوانين التي تجعلها متعالقة ولسنا حتى بحاجة لاعتبار الأشياء ذات ماهية وجوهر مؤلف من الاثبات والنفي في له بقاء مستمد من جوهره بل بقاؤه ليس مضمونا لأنه نتيجة تعالق ما بين ما يملأ الشبكة التعالقية في النظام بكامله. ولو قسنا الأمر على نظرية ابن خلدون سواء في مثاله عن العصبيات أو عن الدول لفهمنا ذلك فهما أوضح .فهو شبه العصبيات في تفاعلها بصرف النظر عن اعيانها المتغيرة على الدوام بما ينتج عن رمي حصوات في بركة ماء .فالناتج هو حصول تموجات دائرية تتقاطع وتتراكب في ماء البركة (وسط التفاعل أو حيزه) وتتغالب بسبب ليس منها بل من الحصوات المرمية ومن قوانين حركة الماء الحامل للموجات. والدول هي العصبيات وهي الأمواج وقوانين التاريخ السياسي هي قوانين حركة الأحياز لأن وسط الحركة ليس الماء بل هو الجغرافيا والتاريخ وثمرة العمل الإنسان في الجغرافيا خلال تاريخ الإنسان وثمرة العمل الإنساني في التاريخ في إطار جغرافيا معينة سكنها أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- الإنسان .والفكر سواء كان دينيا أو فلسفيا وهو لا يكون إلا دينيا وفلسفيا في آن رغم غلبة الأول على التاريخ والثاني على الطبيعة يخضع لنفس المنطق الذي وصفت. ولهذه العلة كان موقف ابن تيمية من الغزالي الذي ظنه الحمقى من حداثيي العرب عدوا للعقل-لأنهم يعتبرون هذه الفلسفة عقلانية-ومن نظرية المعرفة الأرسطية القائلة بالمطابقة بحرز المنطق .فبين أن حرز المنطق ليس قطعا مع قول السفسطة بأن الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه بل تأكيد لها. فيكون نقد ابن تيمية ليس لمنطق الصوري الذي يعتبره حالة خاصة من الحساب الرياضي ولا ينكره بل من نظرية المعرفة التي وضعها أرسطو في التحليلات الأواخر :القول بالمطابقة أي علم الشيء على ما هو عليه يعني رد الوجود إلى إدراك الإنسان له :تعميم للنظرية السوفسطائية :الإنسان مقياس الوجود. وقد بين ذلك بصورة \"الطرفة\" شرحا لعبارة من تمنطق فقد تزندق .فشرحها بالقول إن القصد هو هذا المعنى ثم أضاف :من تمنطق فقد تزندق في النظر وتقرمط في العمل أي إن نظرية المعرفة عنده سوفسطائية بمعنى اعتبار الإنسان مقياس الوجود وقرمطية أي ان نظرية القيمة عنده دنيوية بمعنى الإلحاد الديني. يمكن القول إن خاتمة المسار من الغزالي إلى ابن تيمية كانت عند ابن خلدون في هذه النصوص الثلاثة التي سأحاول بيان دلالتها في حسم هذه القضية التي تؤدي إلى ضرورة ابطال هذه \"الفلسفة\" المشتركة بين الكلام والتصوف والفلسفة بمعنى الفن الفلسفي وليس الرؤية التي توصف بكونها فلسفية. لكن قبل ذلك ينبغي أن أحدد النظير الحالي لهذا المعنى الذي ينبغي إبطاله وفساد منتحليه كما فعل ابن خلدون مع النظري الوسيط الذي سيطر على فكر المتكلمين والمتصوفة والفلاسفة في فكرنا الوسيط .فما كانت تمثله رؤية أفلاطون وأرسطو لعصرهم صارت تمثله رؤية هيجل وماركس لعصرنا. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- ورؤية هيجل وماركس أفسد معرفيا وأقبح قيميا من رؤية أفلاطون وأرسطو .فأفلاطون وأرسطو رغم قولهما بالمطابقة -وإن بتفاوت لأن أفلاطون ينفي إطلاقها بسبب المحافظة على الفرق بين المثال والنسخ بخلاف أرسطو -فإن هيجل دون أفلاطون قولا بوجاهة المثالية وماركس فوق أرسطو قولا بجلافة المادية. والقصد بتفضيل أفلاطون على هيجل أنه لا يرد المثال لحكم الواقع فيسمي ذلك عقلانية وبتفضيل أرسطو على مارسك أنه لا يرد الواقع إلى المادة فيسمى ذلك علما .ومعنى ذلك أن هيجل وماركس يضيقان أفق الإنسان فيعتبران بمصطلح هيجل التاريخ الحكم النهائي ردا لقانون الروحي منه إلى قانون الطبيعي واعتباره تيوديسيا أو نظرية في العدل الإلهي. ومعنى ذلك أن نكوص هيجل إلى القول بنظرية المعرفة المطابقة رفضا للنقد الكنطي يجعل الفكر الحديث في نسخته المثالية (يمين هيجل) وفي نسخته المادية (يسار هيجل) وكل ما تلاهما ذهاب إلى الغاية بأحد الموقفين بمن في ذلك نيتشة واصحاب السرديات أنهى ما يسميه هيجل الفرق بين الديسزايت Disseitوالينزايت .Jenseit أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- (نورده مع كل فصل من فصول المحاولة الخمسة): هذه محاولة تحتاج إلى تمهيد لأنها عرض لثمرات دراسة بعنوان \"حب التأله والجاه في الأنثروبولوجيا الخلدونية\" تمت برمجتها في قسم العلوم الإسلامية ببت الحكمة منذ ما قبل الصيف وعرضت يوم الخميس .2018.11.15وصادف أن حصل في نفس اليوم حدثان مهمان يتعلقان بمثال عيني حدث فعلا وله صلة بهذه القضية الأساسية في تحديد حب التأله والجاه المحدد لأوضاع \"المفكرين\": .1تنظيم يوم الفلسفة السنوي الذي لم أدع إليه ولم أحضره. .2ما حصل للمسؤول الأردني على \"مؤمنون بلا حدود\". فلوضع \"المفكرين\" في تونس وفي كل بلاد العرب اليوم صلة وطيدة بهذه المنظمة ومثيلاتها في علاقة بالحدث التاريخي الأهم في بلاد العرب أو ما يسمى بثورة الشاب بجنسيه وبالثورة المضادة التي تحاربها ليس بالجيوش والمال فحسب بل بالحلف مع أعداء الشعوب في العالم وخاصة بالمنظمات التي تبدو في ظاهرها فكرية وهي في باطنها مخابراتية في خدمة مخابرات هؤلاء الأعداء. لذلك فهذه المحاولة بفصولها الخمسة ليس الهدف منها الكلام على الظرفيتين بل بيان أهمية \"نظرية ابن خلدون في التأله والجاه\" لفهم أوضاع الفكر الديني والفلسفي في كل عصر بمقتضى نظرياته في الأنثروبولوجيا التي هي في آن فلسفية ودينية لأنه يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بالطبع (فلسفة) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (دين)\". أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- فنفي هيجل للينزايت (ماوراء العالم الطبيعي والتاريخي) وراء الديسزايت (العالم الطبيعي والتاريخي) هو الأفق المطلق للفكر الحديث بعد كنط سواء كان دينيا أو فلسفيا لأن الأول انتقل من الثيولوجيا التي يكون الإنساني تابعا فيها للإلهي إلى الانثروبولوجيا التي يكون فيها الإلهي تابعا للإنساني. الينزايت (ذاك الوجه أو الجانب) والديسزايت (هذا الوجه أو الجانب) لم يعودا عالمين بل عالم واحد أحدهما في الاعيان (هذا الوجه) والثاني في الأذهان (ذاك الوجه) وكلاهما في العالم الطبيعي والتاريخي كأحداث طبيعية وتاريخية وكأحاديث نفس يعيشها الإنسان إما بوصفها علما عقليا أو عملا روحيا. الفرق بين الفكر القديم والوسيط دينيا كان أو فلسفيا والفكر الحديث والمعاصر سواء كان فلسفيا أو دينيا هو في قلب المركز :كان الله متبوعا والعالم تابعا والإنسان جزء من العالم التابع ويتجاوزه بالوعي بالتبعية وصار العالم متبوعا والله تابعا والإنسان من العالم المتبوع ويتجاوزه بالوعي بذلك. لكن التعليل واحد رغم انقلاب علاقة التبعية :فالمتبوع صار تابعا والتابع صار متبوعا بسبب الموقف الإبستمولوجي (القول بالمطابقة) وما يترتب عليه من موقف أكسيولوجي :علم الإنسان مطابق لموضوعه ومن ثم فالوجود يرد إلى الإدراك .فلا يكون العلم علة لذاته بل وكذلك لموضوعه في ذاته. والثورة النقدية التي تنسب إلى كنط في الفكر الحديث كانت عائقا لهذا الموقف ومن ثم فلا يمكن تصور هيجل وماركس وكل المثالية الألمانية التي أوصلت هيجل لنفي الشيء في أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- ذاته بعد محاولات فشته وشيلنج من دون النكوص إلى ما قبل كنط والعودة إلى القول بالمطابقة ونفي الشيء في ذاته. وبذلك نرى أن ما حصل في الفكر المعاصر أي من هيجل إلى اليوم هو المقابل التام لما حصل في المدرسة النقدية العربية وخاصة عند ابن تيمية وابن خلدون .فالهدف كان شبيها بالهدف الذي تحقق عند كنط أعني التخلص مما سماه ابن خلدون وهم الفلسفة الاكبر :رد الوجود إلى الإدراك رؤية مشتركة للفكرين. من أصفهم بالكاريكاتورين أعني كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث هما ممثلي النكوصين: .1فكاريكاتور التأصيل عندنا نكص إلى القول بالمطابقة ورد الوجود إلى الإدراك بالمعنى الأفلاطوني والأرسطي. .2وكاريكاتور التحديث عندنا نكص إلى نفسي القول بالمطابقة وكلن بالمعنى الهيجلي الماركسي. ونكوص كاريكاتور التأصيل عودة إلى ما قبل النقد التيمي (للأرسطية في نظرية المعرفة خاصة والقيمة بالتبعية) والخلدوني (في نظرية القيمة خاصة والمعرفة بالتبعية) ونكوص كاريكاتور التحديث عودة إلى ما قبل النقد الكنطي الجامع بين النقدين التيمي والخلدوني أي الإبستمولوجي والأكسيولوجي. ومن هنا الأهمية الكبرى التي أوليها لابن تيمية وابن خلدون في نقد الكاريكاتور التأصيلي ولكنط في نقد الكاريكاتور التحديثي. ويمكن لتوضيح موقفي أن أقول إني اعتبر الحداثيين من العرب موقفهم من هيجل وماركس شبيه بموقف الفارابي من أفلاطون وأرسطو\" :العلم اكتمل ولم يبق إلا أن يعلم ويتعلم » (الحروف). أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- في الحقيقة أدعياء العقلانية من تحديثيي العرب هم رموز كاريكاتور العقلانية وأدعياء الروحانية من تأصيليي العرب هم رموز كاريكاتور الروحانية .فلا أولئك ممثلون للفكر الفلسفي المدرك لشروطه وحدوده (هيوم وكنط) ولا هؤلاء ممثلون للفكر الديني المدرك لشروطه وحدوده (ابن تيمية وابن خلدون). ويمكن أن نعتبر البداية في التفطن لقدم أخيل في الفكر الفلسفي القديم والوسيط وأثره في الفكر الديني أعني نظرية المعرفة وما يترتب عليها في نظرية القيمة كان الغزالي وسيطا وديكارت حديثا. ومن تجاوز القول بالمطابقة فيهما في النظر والعمل هما ابن تيمة وابن خلدون شرقا وهيوم وكنط غربا. وحتى لا نقع في فخ التمييز بين الحداثة وما بعدها في قضية القول بالمطابقة فينبغي أن نعلم أن إزالة أحد حدي العلاقة لا يلغي كونها تصبح تعريفا للحد الباقي فتكون المطابقة مع الذات :إلغاء ما بعد الحداثة مرجعية السردية يعني أنها من جنس الإبداع الادبي وهو نظرية نيتشه :لا مرجعية للإبداع الفني. والنتيجة التخريف الفلسفي الذي يعتبر أصحابه توارد الخواطر فكرا بمنطق توارد دلالات الالفاظ على الطريقة الهيدجرية أو ما يشبه الفيلولوجيا الأفلاطونية الساخرة من الفكر السوفسطائي بالايتمولوجيا التحكمية نكون قد انتقلنا من المطابقة مع الموضوع الممتنعة إلى مطابقة سردية الهذيان لذاتها. وينتج عن ذلك سذاجة الموقف الذي يزعم أن \"العلم لا يفكر\" بمعنى أن اخضاع الفكر إلى معايير شكلية ودرجات مطابقة غير إطلاقية مع مرجعية تحرر الخطاب من حديث النفس والخواطر التي لا تخضع لا إلى الانتظام المنطقي ولا إلى الاحتكام التجريبي يجعل الفكر الفلسفي سرديات هذيانية تسمى حرية الفكر. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- لكن نزوات الغرائز قد تعتبر حرية متقدمة على القانون السياسي والخلقي لأنها قانون طبيعي متقدم عليهما في الجماعة البشرية .والتحرر من المعايير الشكلية (المنطق والرياضيات) والمضمونية (تجربة ما بين ذاتية)متحرر من الأبستمولوجي والأكسيولوجي لأنه حديث نفس وهذيان لغوي ولغو إذ ليس كل لاغ نيتشة فليس كل كلام يعجب إعلاميي الموضة الثقافية وشعاراتها فلسفة فضلا عن أن يكون علما أو عملا على علم. صحيح أن ما يتقدم على القانون السياسي والخلقي حرية طبيعية وما يتقدم على المنطق والتجربة حرية \"فنية\" في التعبير الحر .وعندما يصبح التفكير هو التعبير الحر والتدبير هو اتباع النزوات فإن ذلك قد يبدو توسيعا لآفاق الإبداع .والنتيجة الأكيدة هي العكس تماما :عودة البداوة والسرديات الشعبية. والبداوة والسرديات الشعبية لا يحكمها إلا ما دون المائدة والسرير فتكون في أولى مراحل الوجود الإنساني لم تصل إلى المائدة والسرير ولا إلى ما دون فن المائدة وفن السرير ولا فن المائدة والسرير وتريد أن تقفز إلى ما بعد فن المائدة والسرير .وتلك حال كاريكاتور الحداثة وما بعدها عند عقلانينا. والفرق بينهم وبين كاريكاتور التأصيل هو أن ما يعيشه أولئك في \"الديسزايت \"Disseitيعيشه هؤلاء في \"الينزايت :\"Jenseitما يحلم به كاريكاتور الحداثة العقلانية قيميا في الدنيا يحلم به كاريكاتور الأصالة الروحانية في الآخرة .فلهما نفس الرؤية المعرفية (المطابقة) ويترتب عليها نفس الرؤية القيمية. والعالمان لا يختلفان في الحقيقة إلا في الأقوال لأن الأفعال واحدة :فكلاهما عابد لنفس الأوثان والفرق أن أدعياء الحداثة يعيشونها كأحلام في الدنيا وأدعياء الأصالة كأحلام في الأخرى .والسبيل إلى تحقيق تلك الأحلام في الدنيا عندهما واحدة وهي التبعية لصاحب السلطة والمال :الجاه بالمعنى الخلدوني. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- وها نحن قد وقعنا على الوصل بين هذين الكاريكاتورين والبنية العميقة لنوعي الأنظمة السياسية :الثيوقراطيا (الحكم باسم الله) والانثروبوقراطيا (الحكم باسم الإنسان) .فقد عرفت هذه البنية بكونها دين العجل :عبادة معدن العجل (المال) وخوار العجل (الإيديولوجيا المؤسسة للعبودية روحيا وسياسيا). فالكاريكاتوران التحديثي والتأصيلي عند النخب العربية علامتهما المشتركة عبادة العجل أي المال والإيديولوجيا المغالطية لخدمة أصحاب السلطة والثروة في انظمة الاستبداد إما بالمشاركة بالأقوال أو حتى بادعاء الحياد السياسي وتجنب \"قذارة\" السياسة بطرية منافقة تصل إلى حد الدجل الصوفي وزائف البرج العاجي أو التأفف من « هموم العامة ». دين العجل أو وثنية الذهب والخوار (معدن العجل وصوته) هو الدين الذي يؤمن به الكاريكاتوران التحديثي والتأصيلي من النخب العربية التي تدعي العقلانية والروحانية. والمشترك الأبستمولوجي هو نظرية المعرفة التي تطلق علمهم بدعوى المطابقة بين علمهم بالشيء على ما هو عليه ومن ثم الدغمائية. والدغمائية التي تنتج عن القول بالإحاطة العلمية هي الت تولد الدغمائية القيمية التي تجعل كلا الصفين لا يمكن أن يلتقيا إلا في حرب أهلية بين دغمائيتين تبدوان متناقضتين ظاهريا مثل الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا (دين علمانية) وهم في الباطن لا يدينون إلا بحكم العجل الذهبي ذي الخوار. وبما أنهم يدينون بدين العجل الذهبي ذي الخوار فهم لا يمكن ألا يكونوا في خدمة اصحاب السلطانين السياسي والاقتصادي فيكون عبيدا بالجوهر ولا يختلفون إلا بما يصفون به تبريرهم لأفعال اصحاب الفضل عليهم أي أصحاب السلطانين :بمنظور \"روحي\" يسمونه دينيا و\"فلسفي\" بسمونه عقليا. لكن لا الروحي روحي لأنه ليس دينيا ولا العقلي عقلي لأنه ليس فلسفيا .ذلك أن الديني والفلسفي كلاهما أدرك حدود إدراكه فلا يرد الوجود إلى الإدراك الأول إيمانا بوجود أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- الغيب والثاني اكتشافا لحدود العلم .إنه النقد الديني والفلسفي أعني سدى القرآن ولحمته شرطي حرية الإنسان روحيا وسياسيا. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- هذا الفصل الثالث لم أبدأه بالتمهيد بخلاف الفصلين السابقين والفصلين اللاحقين بل بالكلام على أمر ذي صلة بظاهرة تحدد دور النخب التي حاولت وصفها في إطار كلامي على مفهوم التأله والجاه عند ابن خلدون وصلتها بـحادثة \"يونس قنديل\" وقد أفردتها بالنشر قبل هذا الفصل لأن التعليق على الحدث كان ينبغي أن يكون قريبا من زمن الحدث. والحادثة لا تعنيني بذاتها ولا تستحق التعليق لو لم تكن أحسن تمثيل لموضوع المداخلة التي قدمتها في ندوة علم الكلام والتي نظمها قسم العلوم الإسلامية ببيت الحكمة بتاريخ الخامس عشر من نوفمبر .2018 فهذه المحاولة تعالج \"حب التأله وعلاقته بحقيقة الإنسان\" .وقد كتبت بخصوص هذه الحادثة ما يجعلني أرفع الحكم في صدق يونس قنديل أو كذبه لأنه من الصعب على عربي أن يصدق المخابرات عامة والمخابرات العربية خاصة .لكن ما يجعلني أرفع الحكم أيضا هو ما دار بين يونس قنديل وبيني في ثاني لقاء بيننا يفصل بينه وبين أول لقاء 16سنة لأننا لم نلتق إلا مرة أولى في برلين ومرة ثانية في عمان. وموقفي المتحفظ علته ما سأصف هنا وهو وصف سيرد في الفصل الثالث من المحاولة واستخرجه منها مساهمة في الجدل الجاري حول الحادثة. فوصل بحثي في \"حب التأله والجاه عند ابن خلدون\" بهذا الحدث الثاني (حادثة قنديل) بعد كلامي على علاقتها بالحدث الأول (يوم الفلسفة) هدفه التمثيل للنظرية الخلدونية .Illustration ففي الحالتين يتعلق الأمر بما بين البنيوي والظرفي من تواصل يكون فيه الثاني شبه تمثيل عيني من العلاج الكلي .فالحدث الأول يتعلق بممثلي الفلسفة في يوم الفلسفة وغالبهم من زبناء مؤمنون بلا حدود .والحدث الثاني هو ما لعلاقة ممثليها بـ\"مؤمنون بلا حدود\" من دلالة على أمرين: أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- .1منزلة الفكر لدى أصحابها ودوره في المنعرجات التاريخية بصورة عامة والتي تبين حقيقة ما تخفيه شعارات أصحابه مما أوضحه ابن خلدون في نظرية الإنسان الفلسفية والدينية. .2دورهم في الخيار التاريخي المعين في اللحظة العربية الحالية أي الموقف من ثورة الشباب من أجل الحرية والكرامة ومن إغراءات الثورة المضادة التي يحكمها دين العجل أي معدنه وخواره. وهذا موقفي من حادثة يونس قنديل وتعليله ،فأنا لا أصدق المخابرات الأردنية ولا أكذبها .وليس لي دليل على صدق قنديل ولا على كذبه .ومن العسير على أي عاقل أن يصدق المخابرات عامة والمخابرات العربية خاصة .لكن التكذيب لا يمكن أن يستثني إمكانية التصديق وإلا لفقدت المخابرات عامة وحتى العربية خاصة وظيفتها :فأحيانا مهما قلت تصدق بشرط أن يوجد في الأمر ما لا يستثني الاحتمال الضئيل لصدقها. والاحتمال هنا له علاقة بالطرف الثاني .فالرجل لا أعرفه معرفة عميقة إذ لم التقه إلا مرتين واحدة في برلين سنة 2002وكان حينها طالبا استقبلني مع ثلة من شباب تونس من الطلبة العرب في ألمانيا والثانية في عمان هذه السنة قبل رمضان بقليل بمناسبة ندوة حول القومية العربية .وعجبت مما جعلني أشك في نواياه عندما قدم نفسه على أنه هو ممول مؤمنون بلا حدود وأنه رجل أعمال .وهذا ليس كافيا لأحجم عن إبداء رأي له أو عليه في ما حدث. لكن الأمر الثاني هو الذي جعلني لست قادرا على موقف حاسم له أو عليه .ففي خلال حديث حول الترجمة ادعى بصلف أني لا أترجم من الألمانية مباشرة بل بتوسط الفرنسية موحيا بأنه أدرى بالألمانية مني لأنه عاش في ألمانيا وتعلم .وقد يكون ذلك صحيحا فلست بحاجة لادعاء ما أنا في غنى عنه إذ تكفيني العربية وقد تساعد الفرنسة والإنجليزية بما يغني عن الألمانية. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- ولما سألته عن مثال من الترجمة التي يعتبرني استأنست فيها بترجمة فرنسية كان من الأمثلة التي ضربها نص لا يوجد إلا في الألمانية وترجمته الأولى عربية وهي التي ترجمت منها سبعة فصول مع مقدمة المحقق (الأستاذ زند كولر) وشارك المسكيني والعونلي في البقية أي ثلاثة للأول واثنين للثاني :نص المثالية الألمانية .ما يعني أنه غير صادق في دعواه. لكن ذلك ليس دليلا على أنه كاذب في كل دعاويه فقد يكون صادقا في الحادثة .فالكذب في مثل هذه الحالات يغلب على المخابرات عامة والعربية خاصة أكثر منه على إنسان عادي. لكن إذا كان موظفا في خدمة مخابرات أخرى فأي المخابراتين سأصدق؟ لذلك أرفع حكمي في الحادثة. وطبعا فمن هو في سني لا يمكن أن يؤاخذ شابا بسبب تعجله وصلفه -وهذا من حب التأله الذي تكلم عليه ابن خلدون أو الكبر والأنفة ودعوى التفرد بالنبوغ عند المتعجلين من الشباب-ربما بسبب وظيفته وهذا من الجاه الذي يصله ابن خلدون بحب التأله أيضا-أو بسبب موقف موظيفه مني-ولتأخره في اتمام دراسته الجامعية إذ أعلمني أنه يعد رسالة حول القرآن مع استاذة أعرفها جيدا وترجمت لها إحدى مقالاتها وهي مكتوبة بالألمانية وليست مترجمة إلى لغة أوروبية أخرى وراجعتها بنفسها فلم تغير منها حرفا واحدا عدا كملة الوضع في السياق التي استبدلتها بالتسييق ويصعب على أي تونسي يعلم دلالتها العامية أن يقبلها فضلا عن عدم مطابقتها للذوق الاشتقاقي في العربية .وتجنبا للخصومة طالبته بأن يراجع ما يعيبه على ترجماتي-وهو تحد قد يجد الآن فرصة فيرد عليه إذ هو سيعفى من وظيفته وقد يتفرغ للبحث العلمي غير الموظف إيديولوجيا في الحرب على الإسلام السياسي بتمويل من الثورة المضادة الخليجية فينجز رسالته حول القرآن بأسلوب تسميح الإسلام كما فهمت مما حكى لي تبعا لمذهب ممولي منظمته -فكان رده بنفس الصلف بأن له مهام أهم لعلها العناية بهذه المنظمة التي أدعى انه هو مـمولها. كنت أتصور أن دراسته في ألمانيا يمكن أن تمكنه من أن يصحح الأخطاء التي يعتقد أنها موجودة في ترجماتي -ولا بد أن الكثير منها موجود حتى لو كان المترجمون لا يعتبرون أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- الخلاف في تأويل النص الأصلي المترجم منه في النص الفرعي المترجم إليه خطأ بل اجتهاد في الفهم لكن الاجتهاد في الفهم لا يغطي على الأخطاء التي تحصل فعلا -فيستفيد القراء لعلمي أن الترجمة العلمية والفلسفية خاصة في العالم كله تتقدم بتوالي المحاولات كما حدث عندنا في حركة الترجمة في بداية حضارتنا وفي الغرب في الحضارة الحالية. لكن موقفي من المنظمة حاسم بخلاف موقفي منه .فقد كنت دائما متوجسا منها وما شاركت أبدا في نشاطها رغم المغازلات التي بدرت من ممثليها في البداية ورغم علمي إلى أن التنافس على التوظف لديها بين خدمها في تونس وعلى عطاياها بلغ إلى حد القطيعة شبه المطلقة بين من كنت أظنهم \"راسين في قرطلة\" . وكانت أولى المغازلات في أبو ظبي بالذات سنة 2013لما حضرت ضيفا بمناسبة حصول المسكيني على جائزة الترجمة وكان الثاني ولحق به العونلي فكان الثالث في الحصول على جائزة الشيخ زائد في الترجمة الفلسفية عن الالمانية. وهذا التوجس السابق تدعم بنوع المنتسبين إليها أولا وبنوع البحوث التي تركز عليها وبمصدر التمويل وصلته بما يشبهه في المنظمة المنافسة لمنظمة العلماء المسلمين التي كفروها .لذلك فـحكمي على \"مومنون بلا حدود\" لم ينتظر هذه الحادثة ولم أكن أعلم حينها أن يونس قنديل من المشرفين على نشاطها .لذلك فقد حكمت عليها قبل هذه الحادثة ولم أخفه منذ خمس :فقد وصفت العاملين فيها ومعها والكتبة في مجلتها والمحاضرين في ندواتها بوصف آخر أصدق على ما هم عليه لأن البحوث المقدمة فيها لا علاقة لها بالعلم ويكفي مثال واحد هو فعلا فضيحة ليس لها مثل أعني ما كتب حول قراءات القرآن وما كان أصحابه يتصورونه بحمق قابل لأن يصبح مصدرا للتشكيك في القرآن لكأنهم يجهلون أن قراءات القرآن لم تنتظرهم لتوجد أولا وأن علماءها لم ينفوا \"التعدد\" الذي كانوا لا يعتبرون وجوده داعيا للتشكيك في القرآن بل هو من دلالة تعدد مخاطبيه وليس من دلالة تعدد دلالات خطابه :وذلك هو الفرق بين المعنى والدلالة فالشيء الوحيد يمكن أن يكون أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- له أكثر من اسم فتختلف الأسماء بالمعنى وتبقى الدلالة واحدة .لذلك وصفتهم\":بالمؤمنين بالنقود بلا حدود\". ولما كنت أعرف الكثير من هؤلاء بلاد العرب عامة وفي تونس خاصة ولما كنت قد دعيت للمشاركة فيها ورفضت لعلمي بطبيعتها فإني أستطيع أن أقول إنها من علامات دين العجل: معدنه وخواره .فمعدنه هو الدافع وخواره هو المطلوب من \"الدافع\" .وبه يمكن معرفة كاريكاتور التحديث في بلاد العرب. فالذين بنوا الحداثة في الغرب ليسوا ممن تشترى ذمته ببعض الملاليم بل هم من \"خلق\" الثروة بإبداع شروطها العلمية والتقنية وقيمها الخلقية والسياسية .لذلك فما يسمى حداثة عند \"مفكري\" العرب هو الاستفادة من ثمراتها التي ترد إلى بعدي العجل :المال غاية والخوار بضاعة أو خدمة تباع وتشترى. وطبعا الفكر المبدع هو بدوره بضاعة أو خدمة لكنه ليس من جنس الخوار :الخوار في الفكر من جنس المصنوعات الصينية التي هي نسخ ممسوخة من البضاعة والخدمة المبدعة في الفكر الذي يصنع الحداثة ولا يخلط بينها وبين إيديولوجيتها .كاريكاتور الحداثة بضاعته صناعة صينية في الاسواق الشعبية. لما رأيت المتهافتين على \"مؤمنون بلا حدود\" وكانوا من المؤمنين بالنقود بلا حدود\" أدركت أن ثورة الشباب بجنسيه في الشعوب العربية تعاني من مأزق يعسر الخروج منه .ذلك أن شعوبا يغلب على نخبها عبادة \"دين العجل معدنه وخواره\" لا يمكن أن تكون ذات قيادات تؤمن بالمشترك بين الديني والفلسفي. وما أسميه المشترك بين الديني والفلسفي يمكن بشيء من التبسيط اعتبار الوجه الإبستمولوجي منه فلسفيا والوجه الأكسيولوجي منه دينيا رغم الاول لا يخلو من الثاني والثاني من الاول وإنما الامر متعلق بما يغلب عليه أو بصورة أدق بما يمثل بدايته وما يمثل غايته .وبداية أحدهما هي غاية الثاني. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- فالديني يتقدم فيه الأكسيولوجي على الابستيمولوجي لكنه لا يخلو من الثاني بل هو غايته بمعنييه معرفة العالم ومعرفة ما ورائه .والفلسفي يتقدم فيه الابستيمولوجي على الأكسيولوجي لكنه لا يخلو من الثاني بل هو غايته تقييما للوجود الذاتي والكوني .ومن ثم فكلاهما يعالج نفس القضايا بترتيب مختلف. وعندما نعمق العلاقة نجد هذا التقابل في الترتيب بين الإبستمولوجي والأكسيولوجي في الديني والفلسفي أكثر التحاما بنيهما في فعليهما المقومين لهما كليهما :فالفعل المعرفي مشروط بالفعل القيمي إذ إن النظر مشروط بالعقد .والفعل العملي مشروط بالفعل المعرفي إذ العمل مشروط بالشرع. فلا يوجد فعل فلسفي نظري وعملي من دون فعل ديني عقدي وشرعي ولا يوجد فعل ديني عقدي وشرعي من دون فعل فلسفي نظري وعملي .وكل من يعجز عن فهم هذا الترابط الذاتي لكل منهما بالثاني ليس أهلا للفكر لا فلسفيا ولا دينيا وهو في الحقيقة يخلط بين خوار العجل وحكمة العقل وعلم الروح. وليس بالصدفة أن أشار الغزالي في مقدمة التهافت أنه لا يرد على الفلاسفة بل على المتشبهين بهم وأن كبار الفلاسفة يؤمنون بالمبدأين الأساسيين في الدين :وجود الله واليوم الآخر على الأقل على وجه الإمكان أو عدم الاستحالة العقلية ما يحول دون دغمائية الملحدين الذي يدعون نفي امكانهما الحجاج العقلي: .1يعلمون حدود علم الإنسان فيستنتجون وجود ذي العلم المحيط. .2ويدركون فناء حياة الإنسان فيستنتجون وجود الحياة الباقية. ولهذه العلة فكلما قل العلم ازدادت دغمائية من يدعي العقلانية وكلما قل الإيمان ازدادت دغمائية من يدعي الروحانية .ومعنى ذلك أن الدغمائية علتها كما وصف الغزالي ذلك الجهل العلمي والفقر الروحي .فالعلم يفتح آفاق الممكن الفعلي والإيمان آفاق الممكن الروحي فيقللان من وثوقية الدغمائية. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وفي هذا الإطار يكرر سخفاء العلمانيين العرب واغلبهم ملحدون أو بصورة أدق دنيويون خرافة فيورباخ حول الإنسان الذي خلق الله ومنها روبافايكا تاريخ الله المزعومة يمضغونها وكأنه اكتشاف في حين أنها مبينة على خلط بين خلق الإنسان تصوراته عن الله وخلق الله في حين أنه لا يستطيع حتى خلق جناح ذبابة. فكل ما يزعم من تقدم علمي وتكنولوجي يبقى دائما صنعا لكائنات جامدة أدنى موجود عضوي مهما كان متدني البنية أكثر تعقيدا من كل تكنولوجيا البشر .فمخ الإنسان وحده كاف لأثبات ذلك وهو دون الطبيعة والعالم العالم عظما وتعقيدا .فإذا فرضوها حلة نفسها -كاوزا سوي-فسيميزون فيها بين الطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة ومن ثم فهم يؤلهون وجها من وجوهها كالحال في القائلين بوحدة الوجود الطبعانية مثل خرافة ابن عربي القائلة بأن العالم هو عين الله (إما بمعنى ما يبصر به أو بمعنى ما هو هو). فالعلماني الذي يحارب الدين باسم العقلانية هو في الحقيقة بلا عقل لأنه يدعي بذلك أن ما يعلمه هو الحقيقة المطلقة وأن عقله محيط بالخلق علميا والمتدين الذي يحارب الفلسفة باسم الروحانية هو في الحقيقة بلا روح لأنه يدعي بذلك أن ما يعتقده هو الروحي المطلق وأن روحه محيطة بالأمر عمليا. فيكون كلاهما من حيث لا يدري قد ادعى الالوهية: .1اعتبر علمه بالخلق مطابقا له فيكون محيطا بالخلق .2واعتبر عمله بالأمر مطابقا له فيكون محيطا بالأمر. ولما كان الخلق والامر كلاهما ليسا في قدرة الإنسان لا في خلق ذاته وامرها ولا في خلق العالم وأمره بل هما متعاليان فقد ادعيا الألوهية. ومفهوم التأله درسه ابن خلدون درسا مستفيضا وبين أنه ذو مستويين: .1الأول متعلق بالسلطة السياسية والاقتصادية أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- .2والثاني متعلق بالسلطة المعرفية والإبداعية .وكلاهما يدعي التأله ويسعى للتفرد بالسلطان المادي (الحكام والمتمولون) وبالسلطان الرمزي (الفلاسفة والمتصوفة). والبقية توابع بالجاه. ولأني لست غافلا عن اللجوء إلى الفصل بين الفن والأخلاق-بخلاف حقيقتهما التي تجعلهما متلازمين كما يبين ذلك فريدرش شللر-والذهاب حتى إلى الفصل بين العلم ولأخلاق بدعوى التمييز قيمة الإبداع في ذاته شرا كانت حصيلته كان أو خيرا فإني سأتغاضى عن ذلك وأتكلم على هذا المعنى :التأله الأصلي والجاه تأله فرعي تابع للتأله الأصلي. واعتمادي في ذلك سيكون مبنيا على نظرية ابن خلدون في العلاقة بين التأله والجاه والوصل بينهما هو عبودية التابعين من حيث هم تجار خوار العجل من التابعين مقابل معدنه المتأله .فالظاهرة خصها ابن خلدون بدراسة لا يكاد يخلو باب من أبواب المقدمة الستة من أحد وجوه تأثيرها في التاريخ. هي إذن ظاهرة انثروبولوجية يعرفها ابن خلدون بحب التأله وعلاقتها بتعريف الإنسان بمعنيين أحدهما فلسفي والثاني ديني إذ يعرف الإنسان قائلا \"الإنسان رئيس بالطبع (معنى فلسفي) بمقتضى الاستخلاف (معنى ديني) الذي خلق له\" .ومعنى ذلك أن نظرية الإنسان فلسفيا ودينيا تحتوي على حب التأله بقصدين. فبالقصد الاول المتأله هو صاحب السلطة الأصلية سياسية كانت أو اقتصادية وبالقصد الثاني هو صاحب الجاه المستمد من علاقة بصاحب السلطة الأصلية والذي يستمد منه السلطتين على من دونه فيكون طاغية معهم وعبدا لمن هم فوقه في سلم السلطة السياسة والاقتصادية ماديا والسلطة العلمية والروحية رمزيا. والتعليل الخلدوني صحيح عامة لكنه يقتصر على ما يجري في نفس الجماعة .فإذا عممناه في العالم وجدنا أن أصحاب السلطة السياسية والاقتصادية ليسوا بالضرورة هم الاصل أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- بصورة عامة بشرط أن يكونوا في جماعة ذات سيادة أي حامية وراعية لنفسها بنفسها .لكن في غياب السيادة يتغير المعيار. مثال ذلك أن المتأله بمعنى المتجبر والطاغية والمستبد في بلاد عديمة السياسة يكون في آن عبدا لمن يحميه ويرعاه من خارج الجماعة ليمكنه من التجبر والاستبداد بالجماعة وذلك في السلطتين السياسية والاقتصادية وما يتولد عنهما من استبداد وتجبر نـاتجين عن الجاه مصدرا للسلطة المادية والرمزية على بقية الجماعة. ونحن العرب اليوم نعيش افتضاح هذه الظاهرة وصيرورتها علنية بعد ثورة الشباب بجنسيه .السيسي وصاحب المنشار وبشار حفتر ومن كانوا يحكمون قبلهم تبين الآن أنهم توابع لسيد خارجي ذي مستويين :الذراعان إيران وإسرائيل ومن وراء الذراعين روسيا وأمريكا ونسبيا مستعمر الأمس كما في المغرب والخليج العربيين .ولهم توابع في كل أنشطة المجتمع والدولة يستمدون منهم جاها يجعلهم يستبدون بها ويفسدون فيها ويسفكون الدماء حدمة لهم ولحماتهم ولذواتهم طبعا .فصارت المجتمعات العربية اقطاعيات لمافيات بعدد مجالات النشاط في الجماعة :في التعليم في الاقتصاد في الثقافة وفي كل شيء. وما يصح على الحكام يصح على المتمولين وعلى النخب الجامعية والاقتصادية والفنية واصحاب الرؤى من المفكرين سواء ادعوا التفكير الفلسفي أو التفكير الديني وخاصة ما يدعون ملكية مشروعات فكرية إصلاحية هي تابعة لمن سميتهم كاريكاتور التأصيل أو كاريكاتور التحديث :كلهم جاههم ناتج عن تبعية. علاجنا إذن ليست \"اخلاقوية\" تعير النخب بغير ما ينبغي أن تعير به بل هي دراسة انثروبولوجية يصفها ابن خلدون بمفهوم التأله (طغيان صاحب السلطة المادية بالقصد الاول وطغيان من يستمد منه جاها يجعله طاغية لمن هو دونه وعبدا لمن هو فوقه) منطلقا على السلطتين المادية والرمزية في اي جماعة. والشيء الوحيد الذي أضفته هو أني اعتبرت هذا التحليل الخلدوني قابل للتعميم بتجاوز ما يجري بمقتضاه في الجماعة الوحدة إلى علاقة الجماعات كالحال اليوم عند العرب أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- حيث إن الجماعة فاقدة السيادة يمكن أن يكون من يطغى عليها منها تابعا هو بدره لسلطة فوفقه فيكون سيدا علها وعبدا لمن يحميه منها. وأقصد بـ\"يحميه من جماعته\" حتى يكون سيدا عليها بسنده وبذلك فهو عبد له وسيد على جماعته بالاستبداد والفساد وخدمة سيده على حساب جماعته التي يحميه من ثورتها عليه لأن الجماعة بشرية ولأن الإنسان \"رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق\" فيثورون لحريتهم وكرامتهم محتميا منهم بسيده لأنه عبد. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- (سنورده مع كل فصل من فصول المحاولة الخمسة): هذه محاولة تحتاج إلى تمهيد لأنها عرض لثمرات دراسة بعنوان \"حب التأله والجاه في الأنثروبولوجيا الخلدونية\" تمت برمجتها في قسم العلوم الإسلامية ببت الحكمة منذ ما قبل الصيف وعرضت يوم الخميس .2018.11.15وصادف أن حصل في نفس اليوم حدثان مهمان يتعلقان بمثال عيني حدث فعلا وله صلة بهذه القضية الأساسية في تحديد حب التأله والجاه المحدد لأوضاع \"المفكرين\": .1تنظيم يوم الفلسفة السنوي الذي لم أدع إليه ولم أحضره. .2ما حصل للمسؤول الأردني على \"مؤمنون بلا حدود\". فلوضع \"المفكرين\" في تونس وفي كل بلاد العرب اليوم صلة وطيدة بهذه المنظمة ومثيلاتها في علاقة بالحدث التاريخي الأهم في بلاد العرب أو ما يسمى بثورة الشاب بجنسيه وبالثورة المضادة التي تحاربها ليس بالجيوش والمال فحسب بل بالحلف مع أعداء الشعوب في العالم وخاصة بالمنظمات التي تبدو في ظاهرها فكرية وهي في باطنها مخابراتية في خدمة مخابرات هؤلاء الأعداء. لذلك فهذه المحاولة بفصولها الخمسة ليس الهدف منها الكلام على الظرفيتين بل بيان أهمية \"نظرية ابن خلدون في التأله والجاه\" لفهم أوضاع الفكر الديني والفلسفي في كل عصر بمقتضى نظرياته في الأنثروبولوجيا التي هي في آن فلسفية ودينية لأنه يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بالطبع (فلسفة) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (دين)\". أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- كيف ارجع ابن خلدون هذه التألهات ليس بمعنى العبادة لله بل بمعنى الطغيان وعبادة الذات ونزواتها إلى تاله تأله المستبدين والمستفردين بالمجد إما مباشرة أو بتوسطهم عند الحاصلين على الجاه لديهم\" :وإذا تعين له (للحاكم) ذلك فمن الطبيعة الحيوانية خلق الكبر والأنفة فيأنف حينئذ من المساهمة والمشاركة في استتباعهم (المحكومين) والتحكم فيهم .ويجيء خلق التأله الذي في طباع البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد الحكم لفساد الكل باختلاف الحكام \"لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (الأنبياء ( \")22الباب 3 الفصل )10وهذه الخاصية تعم بتوسط الجاه الذي ينقل السلطة من المتفرد إلى توابعه من الحاصلين على السلطة المستمدة من سلطته. والسلطة المستمدة من سلطته نوعان :سلطة سياسية واقتصادية تابعة بتفويض من صاحب السلطة الأول وسلطة رمزية يستمدها خدمه منه أو من النوع الثاني وهم العلماء والفقهاء والادباء والشعراء .لكن المتصوفة والفلاسفة يدعون مصدرا آخر للسلطة قد يجعلهم يبدون وكأنهم منافسون للنوعين الأولين. وهؤلاء يسميهم ابن خلدون ذوي الكبر والأنفة ممن يتصورون غيرهم بحاجة إلى علمهم أو أدبهم أو منزلتهم المعنوية لدى العامة (وخاصة الفقهاء والمتصوفة) بسبب علاقتهم بالوساطة مع رب السماء الذي ينافسه رب الأرض .فيكون هؤلاء مستمدين سلطانهم من \"جاه\" مستمد من رب السماء. الآن بوسعي أن أجيب عن السؤال :كيف يفسر ابن خلدون هذه الظاهرة بردها إلى العلاقة بينها وبين الأبستمولوجي والاكسيولوجي في المستوى المعرفي والقيمي؟ هنا أعود إلى الفصول الثلاثة التي أشرت إليها .ففي الفصل 27من الباب السادس يبين كيف أن الكلام والتصوف المتأخرين صارا \"فلسفيين\". وصيرورتهما فلسفيين يعني أنهما صارا يقولان بنظرية المعرفة القائلة بالمطابقة الأرسطية وبنظرية القيمة القائلة بالتحسين والتقبيح العقلين الأرسطيين .والأولى تجعل أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- علم الإنسان محيطا والثانية تجعل العقل هو المحدد للقيم لكأن القيم صفات ذاتية للأشياء المقيمة وهو قول بالمطابقة العملية. وهذه هي الفلسفة التي يبطلها-بمعنى أن الفلسفي يقصد في احدى تعيناته وليس فيه من حيث كليه-والتي يبين فساد منتحلها: .1المطابقة المعرفية (رد الوجود إلى الإدراك والعلم الإنساني) .2المطابقة القيمية (رد القيم إلى التحسين والتقبيح الإنساني) يعني نفي ما يتجاوز العقل النظري والعقل العملي .والنتيجة: • دعوى قابلية ما ليس من مجال التجربة الممكنة للعلم برده إليه. • اعتبار النعيم هو ما يحصل من علم بالماورائيات بفضل هذه المعارف للوجود الطبيعي وما يقاس عليه من وجود روحي .فيكون \"الإبطال\" بيان استحالته أولا ويكون ثانيا \"الفساد\" ما يؤدي إليه القول بهما أي نفي البعث البدني والفردي .وهذا بالذات رأي أرسطو في الفصل الثالث من مقالة اللام التي مدارها حول الألوهية وفيها كلام على بقاء النفس المجردة عن البدنDie Seele z.B. ist wielleicht von dieser Beschaffenheit, nicht : die gesammte, sondern der Geist; denn dass die ganze Seele verbleibe , ist \" .\"wohl unmöglichفالنفس مثلا هي ربما ليست بكاملها على هذه الصفة (بقاء صورة التعين) بل الروح (العقل) منها فحسب هو المتصف بها .فالأرجح أن بقاء النفس بكاملها غير ممكن\". والمعلوم أن البقاء هنا هو الكون الذي هو عكس الفساد بالمعنى الأرسطي بمعنى تغير الجوهر المتردد بين الوجود (الكون) والعدم (الفساد) .وما كان مجرد ترجيح عند أرسطو صار بالتدريج عقيدة وحقيقة نهائية عند الفلاسفة إما بالزعم أن بقاء البدن وانبعاثه غير قابل للتصور (راجع المقالات الثلاث الاخيرة في التهافت والتي بها يكفر الفائلين بها من الفلاسفة وليس كل الفلاسفة منها قضية بعث الجسد) أو بالتأكيد على استحالته. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- والأساس هو المطابقة النظرية وما يترتب عليها في المطابقة العملية من حصرها في ما يحسنه العقل ويقبحه ومن ثم حصر البعث في ما يتعلق بحامل الصفات التي تليق بالروحي وليس بحامل ما لا يليق إلى بالبدني الذي لا يبقى .وهذا هو القصد بـ\"فساد منتحله\" أي فساد رؤيتيه المعرفية والقيمية أو الباطنية. والباطنية جامعة بين السفسطة في النظريات والقرمطة في العلميات المترتبتين على الرؤية المشائية التي تقول بالمطابقة فتدعي العلم الوجود على ما هو عليه ردا للغيب إلى الشهادة بمقتضى سذاجة معرفية تتوهم أن الذاتية تقتصر على الإدراك الفردي وليست خاصة نوعية للإنسان من حيث هو إنسان لمحدودية علمه (بالمصطلح التيمي). ودحض المطابقة النظرية تؤدي إلى فتح الباب لتجاوز التحسين والتقبيح العقليين. والأول يفهمنا وجود الغيب فلسفيا والثاني يمكننا من تصور السعادة الاخروية التي لا يستطيع العقل استساغة بعدها البدني مع الروحي أمرا ممكنا على الأقل عقلا وهو ما يجعلها حقيقة إيمانية لا تنافي العقل. وبالفصل 27تبين كيف الكلام والتصوف مشاركين للفلسفة في رؤيتها المعرفية (نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة) وفي رؤيتها القيمية (التحسين والتقبيح العقليان) ودحض هذه الرؤية بوصفها عينا من أعيان الرؤى الفلسفية الممكنة الفصل 31يصبح الآن بالإمكان فهم \"لطيفة\" ابن خلدون في الفصل العاشر. و\"لطيفة\" ابن خلدون في فصل الكلام استطراد بدأ به عرضه لعلم الكلام في الفصل العاشـر من الباب السادس والأخير من المقدمة .وفيه يقدم رؤيته للحل البديل عن علم الكلام بعد أن بين نهايته المضاعفة: .1فقد وظيفته الدفاعية لأن الدين استقر ولم يعد يخاف عليه من الملاحدة. .2لأنه تحول إلى فلسفة بعد الرازي وهو تحول متدرج ومواز للكلام من بدايته على نهايته. أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- فهذا التحول كان متدرجا من البداية إلى الغاية .ففي بدايته الأولى كان اعتماد بعض الشذرات من الفلسفة القديمة مقدمات لبناء نسق علم الكلام .ويمكن التمييز بين مرحلتين استنادا إلى مفهوم \"الجوهر\" في هذه المقدمات: الأولى كان مفهوم الجوهر فيها هو \"الجوهر الفرد\" ومن ثم فهو فلسفة رواقية بالأساس وليست مشائية. الثانية كان مفهوم الجوهر فيها هو \"الجوهر\" المؤلف من مادة وصورة ومن ثم فهو مشائية بالأساس. وهذا معيار الذي أقدمه أكثر دقة من معيار ابن خلدون الذي ميز بين القدامى والمحدثين في الكلام بالعلاقة بين الدليل والمدلول ودخول المنطق الأرسطي جاعلا بداية التحول مع الغزالي .لكن التحول الأخير كان إلى هذه الفلسفة المشائية التي دحضها ابن خلدون وبين فساد منتحليها بمعنى الفلسفة التي تناقض الدين بدعوى المطابقة أو علم الحقيقة المطلق الذي يجعل كل ما جاء في الدين مما لا تستسيغه هذه الرؤية ظاهر الحقيقة الذي ينبغي رده إلى باطن هو علمهم العقلي المزعوم للحقيقة. وإذن فالفلسفة بهذا المعنى الدقيق والمعين وليس الفلسفة بإطلاق-وقد صار الكلام والتصوف المتأخرين قائلين بما تقول-هي جوهر الفكر الباطني الذي يدعي أن الإسلام ظاهر باطنه هو هذا العلم الفلسفي الذي يعلم الحقيقة على ما هي عليه والذي يمكن \"الراسخين\" في العلم-بلغة ابن رشد في المناهج من التأويل الذي يرد الظاهر الباطن (الفلسفي) .وميز ابن خلدون في دحضه خمسة مستويات: .1علم الطبائع الشاهدة بحسب الرؤية الأرسطية في شكلها النهائي عند المسلمين أعني في الفلسفة السينوية. .2محاولة تطبيق نفس هذا العلم على ما ليس من الشاهد بتوسط نظرية المحركة الأول ووسائطه الفلكية أو ما فوق القمر. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- .3بيان استحالة الثاني ونقصان الأول حتى في المجال المحسوس لأن ما يعتبر علما فيه ليس ما يستنتج بالمنطق المجرد بل لا بد فيه من المعاينة التجريبية. .4محاولة الزعم بأن السعادة الأخروية هي ثمرة هذين العلمين والمضمر في ذلك هو نظرية في البعث تنفي بعث الجسد وتكذيب الرؤية القرآنية والفائدة الخلقة والتربوية للوعد والوعيد. .5ومن ثم فالفلسفة بهذا المعنى وليس كل فلسفة هي بالجوهر رؤية باطنية تعتبر الاديان كما هو بين عند الفارابي \"إيديولوجيا\" أو ترجمة شعبية هي ظاهر الحقيقة الباطنة التي يعلمها الفلاسفة علما مطابقا. إذا حيزنا دلالة النص الخلدوني نستطيع أن نقول إن كل محاولة لبيان أن التوفيق بين الفلسفة بهذا المعنى والإسلام مستحيلة لأنها تؤدي إلى موقف باطني مبني على اعتبار الإنسان مقياس كل شيء بالمعنى الذي شرحنا في الفصل الأول في النظر والعقد وفي العمل والشرع فتنفي الغيب وتدعي الإحاطة علميا وعمليا. لكن معناها الفلسفي العام الذي يحدد الدلالة المتجاوزة للفلسفات العينية هو أن هذا النوع من الفلسفة هو الشكل البدائي الذي تصور أرسطو أنه قد تجاوز به الموقف السفساطي (الإنسان مقياس الوجود) بمجرد الانتقال من الافراد إلى النوع .لكن ابن خلدون وقبله ابن تيمية يفيدان بأنه يبقى ذاتيا. ومعنى ذلك أن الذاتية ليست فردية فحسب (فروق بين زيد وعمرو مثلا) بل هي كذلك نوعية لأن الإدراك الإنساني إنساني وهو خاص بالنوع وليس محيطا بالوجود .ومن ثم فدعوى \"علم الشيء على ما هو عليه \"كذبة ينبغي أن نقول \"علم الشيء على ما هو في نسبته إلى إدراك الإنسان\" وليس عملا محيطا به في ذاته. وما قلناه عن العلم نقول مثله عن العمل :لا يمكن أن نقول إن العقل يحسن ويقبح بصورة تجعل تقييماته عين قيم الشيء في ذاته بل هي تقييمات إضافية للإنسان بل وأكثر أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- لأصناف المواقف القيمية الإنسانية وقد نصل إلى اعتبار المعرفة إذن منظورية بمعنى فقدانها لكلي جامع كما تقول ما بعد الحداثة. فلا يوجد علم أو عمل إنسانيين يمكن أن يتحقق فيهما شرط الكمال المشروط في المطابقة لأن المؤثرات في الموضوع لا متناهية والعلم والعمل لا يعتبر منها إلى ما في متناوله وهو دائما في نسبة المتناهي إلى اللامتناهي ومن ثم فالعلم كله (فضلا عن العمل الذي هو أكثر تعقيدا من النظر) إذا صار له مضمون وجودي ولم يكن مقصورا على علاقات الرموز الخاوية في التقديرات الذهنية لا يكون إلى إحصائيا وليس مطابقا أبدا. وحتى من دون ما بعد الحداثة فلا يوجد عالم جدي يتصور أن الكلي المعرفي يتجاوز من حيث الشمول ما يتواضع عليه جماعة المختصين في درس موضوع معين .فالعلم هو ما يتفق علماؤه على معاييره وعلى مضامينه وعلى مناهج التأكد من مطابقته للمعايير وليس للموضوع :المطابقة وهم أدعياء العقلانية العرب. ذلك أن هؤلاء بتوسط النكوص الهيجلي إلى ما قبل النقد الكنطي وخاصة بتوسط اليسار الهيجلي عادوا إلى القول بنظرية المعرفة المطابقة متوهمين أن الوجود قابل للرد إلى الإدراك وأن ما كان يمثله الله في علم الكلام القديم صار ممثله الإنسان فجعلوا الفلسفة تصبح علم كلام وهو علم الكلام الجديد -هيجلي ماركسي-ولا يختلف في شيء عن سذاجة الباطنية :لكنها علنية لأن رؤيتهم تعتبر الإنسان خالقا لله وليس العكس خلطا بين تصورات الإنسان وموضوعها وهو معنى المطابقة. ونفي الموضوع وراء التصور برد الوجود إلى الإدراك ينتهي طبعا إلى القول النيتشوي ونظرية السردية ما بعد الحداثية :لا شيء وراء السرد .وطبعا يبقى الإنسان السارد خارج اللعبة .فهم يوثنون هذا الإنسان ليصبح عين التوثين لله في الميثولوجيات القديمة: والميثولوجيا الحديثة هي التاريخ وسردياته. لذلك فأقلهم علما وأدناهم عقلا أكثرهم ادعاء وصلفا وخاصة إذا كان من المتفلسفين الذين تخرجوا من الآداب العربية وبالذات من قسم الحضارة فيها ولم يتحرروا من دجالهم أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- الأكبر وأكثرهم كذبا وقلة حياء .فهؤلاء ومن صار من زبائنهم من دارسي الفلسفة يعتبرون زعماء الفكر الحداثي عند العرب ونقاد الأديان وهم لم يتجاوزوا حجب العلم الثلاثة التي حددها ابن خلدون .وأختم هذا الفصل بمفارقة كبيرة في اللطيفة الخلدونية (المقدمة الباب السادس الفصل العاشر في علم الكلام): .1لم يشكك في ضرورية العلاقة السببية مثل الغزالي بل شكك في قابليتها للمعرفة كما وكيفا .وهو أمر جديد ويعني في النهاية هدم أساس نظرية العلم الأرسطية التي من شرطها قطع الدور والتسلسل في العلية الوجودية (العلة الأولى) والمعرفية (الأوليات). وذلك هو جوهر التحليلات الأواخر .وبين ان السببية تقضي هذا أو ذاك وهي مجهولة كما كيفا. .2والأغرب من ذلك أنه أراد بذلك يثبت التوحيد باستحالة علم السببية .والمعلوم أن الفلاسفة والمتكلمين وحتى المتصوفة لا يثبتون التوحيد بالسببية حتى يثبت هو التوحيد بعدم قابليتها للعلم .هم يثبتون بالسببية وجود الله لا وحدته. وإذن فليس قصد ابن خلدون اثبات التوحيد بنفي السببية بل بيان أن أساس العلم العقلي غير قابل للعلم ومن ثم فلا يمكن أن يزعم أصحابه اثبات شيء به بل هو مجرد مسلمة عقلية للشروع في معرفة العالم الشاهد بافتراض قطع التسلسل والدور في السببية التي لا نعلم طبيعة لها حدا ولا تأثيرها :فهي متسلسلة أو دورية وتأثير السبب في المسبب مجهول. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- (سنورده مع كل فصل من فصول المحاولة الخمسة): هذه محاولة تحتاج إلى تمهيد لأنها عرض لثمرات دراسة بعنوان \"حب التأله والجاه في الأنثروبولوجيا الخلدونية\" تمت برمجتها في قسم العلوم الإسلامية ببت الحكمة منذ ما قبل الصيف وعرضت يوم الخميس .2018.11.15وصادف أن حصل في نفس اليوم حدثان مهمان يتعلقان بمثال عيني حدث فعلا وله صلة بهذه القضية الأساسية في تحديد حب التأله والجاه المحدد لأوضاع \"المفكرين\": .1تنظيم يوم الفلسفة السنوي الذي لم أدع إليه ولم أحضره. .2ما حصل للمسؤول الأردني على \"مؤمنون بلا حدود\". فلوضع \"المفكرين\" في تونس وفي كل بلاد العرب اليوم صلة وطيدة بهذه المنظمة ومثيلاتها في علاقة بالحدث التاريخي الأهم في بلاد العرب أو ما يسمى بثورة الشاب بجنسيه وبالثورة المضادة التي تحاربها ليس بالجيوش والمال فحسب بل بالحلف مع أعداء الشعوب في العالم وخاصة بالمنظمات التي تبدو في ظاهرها فكرية وهي في باطنها مخابراتية في خدمة مخابرات هؤلاء الأعداء. لذلك فهذه المحاولة بفصولها الخمسة ليس الهدف منها الكلام على الظرفيتين بل بيان أهمية \"نظرية ابن خلدون في التأله والجاه\" لفهم أوضاع الفكر الديني والفلسفي في كل عصر بمقتضى نظرياته في الأنثروبولوجيا التي هي في آن فلسفية ودينية لأنه يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بالطبع (فلسفة) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (دين)\". أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- والنتيجة التي انتهت إليها \"لطيفة\" ابن خلدون في بداية فصل الكلام العاشر من الباب السادس من المقدمة أن التوحيد بخلاف التوحد أو تأله الطغاة الذين يتصورون أنفسهم آلهة سواء بالقوة المادية السياسية والاقتصادية المباشرين أو غير المباشرين بتوسط الجاه أو بالقوة الرمزية التابعة والمحاكية للمادية. فالتوحيد بمعناه الديني السوي هو ما ينتج عن وعي الإنسان بحدود إرادته وبحدود علمه العقلي النظري (ورمز هذه الحدود استحالة العلم بالسببية كما لعدم تناهي سلستها ودورها وكيفا وبعدم فهم طبيعة تأثير السبب في المسبب) والعملي (ورمزه حدود القدرة) وبحدود قدرته وبحدود حياته وبحدود وجوده .والحدود أو التناهي في مقومات ذاته عصارتها هي العجز أمام ألغاز الوجود فيكون \"العجز عن الإدراك إدراكا (بحدود الإدراك)\" كما قال الصديق. لكن هذا العجز لا يؤدي إلى اللاأدرية بل إلى تجربة روحية والوعي بـ\"صدورنا عنه\" والصدور عن الله هو المخلوقية أو شعور الإنسان بأنه مخلوق وليس خالقا لذاته وهذا مفهوم أشمل من السببية وهو الشعور بأن بوجود الممكن أو غير الواجب في كل صفاته هو عين الشعور بوجود الواجب شرط قيام الحاصل من الممكن .وهذا الشعور ليس استدلالا منطقيا بل هو تجربة وجودية. وكل التجارب التي يحصل فيها هذا الشعور والتي يعتمد عليها القرآن هي من هذا النوع ولعل أبرز الأمثلة الأحوال التي يعيش فيها الإنسان أي خطر وكل تقلبات حياته وخاصة في ظروف الخطر عليها سواء في الأمراض والضراء عامة أو حتى في ركوب البحر رغم أن الإنسان ينسى ذلك كل حالات الضراء لما يكون في حالات السراء. وهذا أحد وجوه الشعور الاستخلافـي أو حاجة الخليفة لمستخلفه :لكأن الإنسان من حيث هو واع بذلك هو جوهر كل الأدلة على وجود لله .وهو بذلك خليفة لأنه شبه علامة دالة على ما يعلو عليها بمجرد وعيها بكونها ليست الاعلى .الوعي بالتعالي هو صفة الاستخلاف. والتعالي أصل مقومات وجود الإنسان الخمسة المتناسبة مع صفات الله الذاتية. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- فأي إنسان يعي أنه مريد لكنه يعي في آن أن إرادته محدودة ونه عالم لكن علمه محدود وأنه قادر لكن قدرته محدودو وأنه حي لكن حياته محدودة وأنه موجود بكل ذلك لكن وجوده محدود .وما كان ليعلم محدوديته في ذلك كله لو لم يكن له وعي بما يتعالى عليه: دليل ديكارت على وجود الله المطلق في كل ذلك. ما أضافه هيجل في ضميمة دروسه في فلسفة الدين (راجع ترجمتي وتعليقاتي على الضميمة) جنيس لما سبقه إليه ابن خلدون هو اعتبار استدلال الإنسان على وجود الله هو الدليل على وجوده وليس الأدلة نفسها أو نتيجة الاستدلال الذي يحاول الإنسان أن يثبت به وجود الله .فنتيجة الاستدلال هي نتيجة مقدمات منطقية لا تثمر اثبات وجود الله لأنها جميعا مصادرة على المطلوب .Pétition de principeلكن كما بين كنط لا يوجد استدلال منتج على وجود الله. فكل الأدلة المعروفة تنبني على مصادرة على المطلوب في المقدمات .فإذا سلمت بأن العالم حادث مثلا وهو دليل لا بد من محدث للحادث-أو باللغة المعتادة البعثرة تدل على البعير أو الاستدلال بالسببية التي بين ابن خلدون استحالة علمها-إذا سلمت بحدوث العالم فقد صادرت على المطلوب بحاجته إلى علة. وحتى لو فعلت لاستحال علي أن أوفق بين اعتبار مبدأ العلية مبدأ كليا ثم استثني ما هو أو من سأجعله علة للعالم .لماذا أتوقف عند علة العالم ولا أعتبرها هي بدورها محتاجة إلى تعليل فاقع في التسلسل .ومن هنا قال ابن خلدون قولته الشهيرة :السببية غير قابلة للعلم للاتناهيها ولجهل الأثر السببي. فيكون طلب الدليل لدى الإنسان هو الدليل .فالمتناهي إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا يبحث عن اللامتناهي إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا .إنه الوعي الإنساني بعلاقته بوجود المتعالي عليه .وذلك هو الدليل :لا يوجد إنسان مهما تأله وتجبر وتكبر لم يشعر في وضعية ما بأنه ليس \"الأكبر\" :وتلك هي بداية الوعي بـ\"الله أكبر\". أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- وهذا أفعل التفضيل المطلق :فله دلالتان إضافية إلى الذات (لست الأكبر) إلى كل متناه (لا أكبر من الأكبر الذي هو الله) .ومن كانت الشهادة الأولى \"لا إله إلا الله\" .ويمكن ترجمتها لا أكبر من الله ويوجد ما يستحق التأليه فيعبد عداه .ومن ثم فلا يمكن أن أكون حرا بحق إلا بهذه الشهادة أي بكوني لا أخضع لغير الله خلقه وأمره. وتلك هي العبادة أو طلب الحق في الدين وفي الفلسفة .وطلب الحق في النظر والعقد غايته العلم وفي العمل والشرع غايته العمل الخاضعين كلاهما للوعي بأن المتعالي الوحيد الخلق والامر الإلهيين .وقانون الخلق والأمر كلاهما تابع للخالق والآمر :الخلافة لها معنى النظر والعقد ومعنى العمل والشرع. وطلب الحق عبادة سواء تعلق بالمعرفة الدينية أي بالاستخلاف أو بالمعرفة الدنيوية أو التعمير :فالقرآن يعتبر الإنس-مثلهم مثل الجن-لم يخلقوا إلا للعبادة واعتبر الإنسان مكلفا بمهمة تعمير الأرض بقيم الاستخلاف .والأول تابع للخلق والطبيعة والثاني تابع للأمر والشريعة. والقرآن يعتبر الخلق والطبيعة ذات ذوي قوانين رياضية وتجريبية (كل شيء خلقانه بقدر مع الكلام على دور المدارك الحسية) ويتبر الأمر والشرعية ذوي سنن سياسية وخلقية (سنن لا تتبدل وهي متعلقة بالحكم والتربية) وإذن فطلب الحقيقة يتعلق بالنظر والعقد وبالعمل والشرع :وكلاهما مؤلف من أداة وغاية. فالنظر أداة والعقد غاية والعمل أداة والشرع غاية .والغاية هنا ليست أشرف من الأداة لأنهما تستمدان الشرف من الوظيفة .فمن دون نظر تكون العقائد خرافات ومن دون العمل تكون الشرائع شعارات .ما يحرر من الخرافات والشعارات كما في الكاريكاتورين التأصيلي والتحديث هو النظر السليم والعمل القويم. والنظر السليم والعمل القويم حددتما سورة العصر :ففي مستوى الفرد حددتهما بالإيمان والعمل الصالح وفي مستوى الجماعة حددتهما بالتواصي بالحق (للنظر والعقد) أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- والتواصي بالصبر (للعمل والشرع) .فيكون ما يحدد حقيقة النظر والعقد والعمل والشرع هو الواحد بين الديني والفلسفي في المعرفي والقيمي. وكل ما أعرضه هنا مبني على نسق بنيوي كل ما فيه متناسق مع بقية العناصر لكأنه بنيان مرصوص لا يمكن أن تجد فيه فجوة إلا إذا توهمت أن علمك وعملك مطلق المطابقة مع الحقيقة المطلقة في المعرفة وفي القيم .لكنه لا يتعلق بالحقيقة المطلقة في المعرفة وفي القيم بل بالحقيقة الإضافية للتواصيين. والتواصيان يعنيان الاجتهاد والجهاد :فالتواصي بالحق اجتهاد والتواصي بالصبر جهاد. وكلاهما فرض عين أي إن كل إنسان من حيث هو إنسان حتى عندما يتجبر ويطغى ويتكبر فهو أولا يعلم أنه يكذب على نفسه لأنه يمرض وينام ويصحو ويأكل ويتغوط ويعطش ويروى وكل ذلك يذكره بالتواصي معرفة وقيمة. وهنا أصل إلى أهم نتيجة لم يذكرها ابن خلدون صراحة لكنها ضمنية في منظومة كلامه على التأله بمعنى الكبر والطغيان الذي له أساس في سلطة سياسية واقتصادية أي في قوة مادية وفعلية وفي سلطة فكرية وإبداعية فعلية أو في ما يترتب على ما يضفه الجاه المستمد منهما عمن يتملق أصحابهما ويعبدهما. فكل واحد من هذه كما أسلفت نظائر كاريكاتورية منها .وهي من أهم الظاهرات في واقعنا العربي خاصة :فالحاكم والاقتصادي الذي تنفتح أوداجهم وترى على صدورهم علامات الابهة السلطانية وهو يتطاوسون على شعوبهم في حين أنهم أذل من كلب أمام أي مبعوث من سيدهم الذي يحميهم ويحمي استبدادهم بشعوبهم. فهم على نوعين وكلاهما لا يقدس لله بل بعضهم لناتن ياهو وسنده الأمريكي وبعضهم الآخر للملالي وسندهم الروسي .وهم جميعا طراطير ولا سيادة لهم بل جعلوا بلدانهم محميات مستباحة ليس بجيش الأعداء فحسب بل حتى بالمليشيات والبلاك ووتر .لا سيادة لهم لا في الحماية ولا في الرعاية :دمى ذليلة وجل بقية النخبة السياسية والمعرفية الاقتصادية والفنية والرؤيوية توابع لهم. أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- فبقية النخب التي لها الاسم دون المسمى تقاس عليهم سواء كانت في الإرادة وفي العلم وفي القدرة المادية والثقافية وفي الحياة (الفنون) وفي الوجود (الرؤى) .كلهم لهم درجة إضافية من العبودية لغير الحق بالمعنيين المشار إليهما في هذا الفصل فهم توابع للحكام والمتمولين في الداخل وكذلك لأسياد أسيادهم في الخارج كل بحسب مجاله. والسؤال هو ما الجامع بين هؤلاء المتألهين على الشعوب العربية بمعاني التكبر عليهم وإذلالهم واضطهادهم في الحكم والتربية والاقتصاد والثقافة والرؤى؟ هنا يقدم ابن خلدون المعنى الجامع :هم من فسدت فيهم معاني الإنسانية التي يلخصها في التنكر لمفهوم الإنسان \"رئيسا بالطبع (معنى فلسفي) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (معنى ديني)\". فلهم جميعا أخلاق العبيد :يذل لمن فوقه ويستذل من دون في السلم السياسي بزائف الإرادة وفي السلم المعرفي بزائف العلم وفي السلم الاجتماعي بزائف الثروة في السلم الذوقي بزائف الفن وفي سلم الرؤى بزائف الوجود أي التظاهر بما ليس عند أو بانتحال صفة ليست فيه. ولعل أبرز صورة لكل هذا الأشكال من الزيف ما تراه على صدور جنرالات العرب وحكامهم من شارات البطولة وهم أجبن خلق الله فيكون الواحد منهم ماريشالا وما حارب يوما في حياته وإذا صادف فاستعمل السلاح فهو ضد شعبه ولتهديم بلاده .ونفس الشيء في الفكر فلا يهدمون إلى قيم شعوبهم ومرجعياتها. وقد شرح ابن خلدون فساد معاني الإنساني في المستوى النفسي والخلقي والروحي والسياسي والمدني وجمع كله في ما سماه الدر أسفل سافلين بمعنى أن الإنسان يفقد \"الرئاسة بالطبع والتي له بمقتضى الاستخلاف\" فلا يبقى فيه شيء من الحرية والكرامة :وتلك علة محالفة أغلبهم للثورة المضادة. ولهذه العلة تكلمت على \"مؤمنون بلا حدود\" .فكل هؤلاء المتثاقفين الذين يصولون ويجولون في دعوى التنوير بلغوا من الذل والمهانة أنهم يشترون بأبخس الأثمان :فاقدون أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- لحرية الإرادة ولصدق العلم ولخير القدرة ولجمال الحياة ولجلال الوجود :العبودية والكذب والشر والقبح والذل\" :فساد معاني الإنسانية\" بالمعنى الخلدوني. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 44
Pages: