Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore سلسلة تشخيص الفساد وعلاجه - أبو يعرب المرزوقي

سلسلة تشخيص الفساد وعلاجه - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-04-25 06:00:10

Description: سلسلة تشخيص الفساد وعلاجه - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫الأسماء والبيان‬



‫‪1‬‬ ‫المحتويات‬ ‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪2‬‬ ‫الفساد العالمي‪ :‬الاستضعاف والاستتباع‬ ‫‪3‬‬ ‫تشخيص الاستبداد والفساد محليا واقليميا ودوليا‬ ‫‪4‬‬ ‫الفساد البنيوي أو الجوهري‬‫‪9‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪9‬‬ ‫وسائل الاستراتيجيا واهدافها‬ ‫‪9‬‬ ‫أدوات التحكم في العالم بمنطق الاستبداد والفساد‬ ‫‪10‬‬ ‫التحكم في الاحياز الخمسة‬ ‫‪12‬‬ ‫فساد النخب القائدة‬ ‫‪13‬‬ ‫خاتمة‬ ‫‪15‬‬



‫ترددت كثيرا قبل قرار الكتابة في الفساد الذي صار الجميع يريد مقاومته‪ .‬علة ترددي‬ ‫هو اعتقادي بأن الاجماع على المقاومة لا يمكن أن يدل على الصدق‪.‬‬‫فأنا شبه متأكد من أن الفساد بلغ إلى مخ العظام وأنه ينجر الى الكيان وأنه بلغ المرحلة‬ ‫التي سماها ابن خلدون فساد معاني الإنسانية فلم يعد قابلا للعلاج‪.‬‬‫وكل علاج لن يتجاوز التغطية على البنيوي منه بالتصدي للعرضي الذي لا يمكن أن يخلو‬ ‫منه عمران لأنه من علامات ضعف الإنسان في كل مكان وزمان‪.‬‬‫وإذن فما سأقدمه لا يتعلق بالعلاج بل بالتشخيص الذي يبين ما أقصده بمرحلة فساد‬ ‫معاني الإنسانية الذي يحول دون العلاج اللطيف من دون المنطق الثوري‪.‬‬‫ولما كانت تونس لا تتحمل المنطق الثوري فينبغي التسليم بأن مرحلة الانتشار السرطاني‬ ‫التي بلغها الفساد يجعل علاجه تغطية على فساد البنية الجوهري‪.‬‬‫وما سأقوله على تونس يصدق على جل بلاد العرب إن لم يكن عليها كلها‪ .‬والفرق‬ ‫الوحيد هو أن تونس سباقة إلى كشف أدوائها حتى وإن عجزت عن دوائها‪.‬‬‫ولا أصدق أن الجميع سيقاوم الفساد فلو كان ذلك صادقا لما وجد فاسدون‪ .‬إذا كان الكل‬ ‫ينادي بالتصدي للفساد فالمفروض ألا يوجد فساد في الجماعة‪.‬‬‫ولو يتحرك الشباب في بداية العقد الثاني من هذا القرن لكنت مثل ابن خلدون يائسا‬ ‫ولقلت مثله إن الأمة قرب من فساد معاني الإنسانية الآذنة بالانقراض‪.‬‬‫ذلك أن الغالبية الساحقة من الأجيال التي ولت عصر الانحطاطين الذاتي والموروث عن‬ ‫الاستعمار يغلب عليها فساد معاني الإنسانية الخلقي والسياسي‪.‬‬ ‫‪17 1‬‬

‫الفساد الذي يدعي الجميع التصدي له يقصرونه على السياسي والاقتصادي وينسون‬ ‫النفسي والخلقي‪ .‬ذلك أن الأولين من علامات الثانيين التي لا تكذب‪.‬‬‫فكيف ننقل وعي الشباب من المطالبة بالقسط من الموجود مطلبا مباشرا إلى السعي إلى‬ ‫طلب المنشود شرط تحولهم من مطالبين إلى بناة لشروط الاستئناف؟‬‫ذلك أني اعتقد أن مطالب النخب التي تدعي الثورية قد تحول بكذبة مقاومة الفساد‬ ‫دون هذه النقلة لظنها أن المشكل فتبقى الشباب في المباشر والسطحي‪.‬‬‫لو لم يتحرك الشباب لكنت يائسا مثل ابن خلدون ولاعتبرت الاستبداد وعنف الحكم‬ ‫وعنف التربية الذي جمع بين الانحطاطين قد أنهى كل أمل في الاستئناف‪.‬‬‫لكن الأمل رجع بتحرك الشباب على قلة الصادقين من المتكلمين منهم ‪-‬الغالبية صامتة‪-‬‬ ‫ولهذا حاولت المشاركة بما أستطيع عملا ونظرا في هذا التحرك‪.‬‬‫وهذه محاولة في تشخيص داء الفساد الذي هو بالأساس من نتائج فساد معاني الإنسانية‬ ‫المترتب على طول عهد الاستبداد والانحطاط في الحكم والتربية‪.‬‬‫وسأبدأها بإشارة أساسية لم تكن واردة في التشخيص الخلدوني رغم أن ابن خلدون لا‬ ‫يغفل دور السياسة الدولية في السياسة الوطنية حتى في عصره‪.‬‬‫فالفساد والاستبداد اليوم لا يقتصر على السياسية الداخلية في كل دولة على حدة بل‬ ‫هو أيضا ولعله خاصة عام للسياسة الدولة وتبعية الضعفاء للأقوياء‪.‬‬‫لذلك فالتشخيص الذي سأقدمه لا يقتصر على الاستبداد والفساد بل هو يضيف هذا‬ ‫الوجه الثاني أعني الاستضعاف والاستتباع الذي هو استبداد وفساد عالمي‪.‬‬ ‫وهذه الإضافة ستبين أمرين مخيفين‪:‬‬ ‫فالاستبداد والفساد صنفان‪:‬‬ ‫‪-1‬استبداد الصغار والبلداء‬ ‫‪-2‬استبداد الكبار والأذكياء‪.‬‬ ‫وهما متقابلان خلقيا ونفسيا‪.‬‬ ‫‪17 2‬‬

‫فالنوع الأول مجرد خدم عند النوع الثاني‪.‬‬‫وهؤلاء لهم طموح السيادة على العالم وأولئك لا طموح لهم إلا رضا هؤلاء عليهم‬ ‫وفضلات موائدهم‪ :‬فرق نفسي وخلقي‪.‬‬‫لكنهم يتحدون في عدم تجاوز القانون الطبيعي ومن ثم فطموحهم مادي خالص لا يتجاوز‬ ‫السلطان الطبيعي الذي لا يختلف عن الحيوان بمنطق التاريخ الطبيعي‪.‬‬‫وهذا النوع من السلطان يسيطر على العالم بالنوع الأول من المافيات العالمية وبخدمهم‬ ‫على الشعوب الضعيفة او التي ضعفت بعد قوة (النوع الثاني)‪.‬‬‫وإذن فنحن سنشخص مستويين من الفساد في العالم وفي أوطاننا التي صارت ضعيفة وتمنع‬ ‫من استرداد قوتها بأصحاب المستوى المحلي خدم المستوى العالمي‪.‬‬‫ولنميز الاستبداد والفساد البنيويين عن الظرفيين (بلغة الفلسفة الحديثة وما بعدها)‬ ‫أو الجوهريين عن العرضيين (بلغة الفلسفة القديمة والوسيطة)‪.‬‬‫فالظرفي أو العرضي من الاستبداد والفساد من أعراض البنيوي أو الجوهري إذا‬ ‫اعتبرناهما مرضين يصيبان الجماعات فيفقدانها معاني الإنسانية خلدونيا‪.‬‬‫وقد حان حصرما يعنيه ابن خلدون بمعاني الإنسانية التي عددها في كلامه على التربية‬ ‫التي قاس عليها الحكم بعدي السياسة بمعناها الشامل في الجماعة‪.‬‬‫وقد اعتبر فساد معاني الإنساني مرادفا لمفهوم ديني ورد في نفس الفقرة هو \"الرد إلى‬ ‫أسفل سافلين\" أي إن من فسدت فيه هو من فقد أحسن التقويم‪.‬‬‫وبلغة تجمع الصيغتين الخلدونيتين (فساد معاني الإنسانية والنكوص إلى أسفل سافلين)‬ ‫نقول‪ :‬فقدان أحسن التقويم دينيا وفقدان القانون الخلقي فلسفيا‪.‬‬‫والترجمة الفلسفية هي النكوص إلى القانون الطبيعي والترجمة الدينية هي النكوص‬ ‫لحكم الملائكة في آدم‪ :‬سفك الدماء والفساد في الأرض‪ :‬وتلك هي الحال‪.‬‬‫وهذا هو البنيوي بلغة الفلسفة الحديثة وما بعدها والجوهري بلغة الفلسفة الوسيطة‬ ‫وما قبلها في تشخيص الاستبداد والفساد محليا واقليميا ودوليا‪.‬‬ ‫‪17 3‬‬

‫وبأوجز عبارة يمكن القول إن الظاهرة تقبل الصوغ الجامع بين الفلسفي والديني‬ ‫بالقول إن الإنسانية تفقد معانيها إذا نكصت فردت الشرائع إلى الطبائع‪.‬‬‫وكون الرد أسفل سافلين أو فقدان معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون ظاهرة طبيعية‬ ‫يسقط فيه كل مجتمع انحط بمفعول الاستبداد والفساد لا يُجادل فيه‪.‬‬‫لكن ما أريد بيانه هو أن هذا الامر الواقع الذي يقع فيه كل جماعة انحطت يتضاعف‬ ‫عندما يتحول من أمر واقع إلى أمر واجب بتضاعف الانحطاط كحالنا‪.‬‬‫ذلك أن الانحطاط المضاعف عندنا أي الموروث عن ماضينا والموروث عن الاستعمار جعل‬ ‫النخب تنقسم إلى جزبين استئصاليين كل منهما يلغي فضائل الثاني‪.‬‬‫فلم يبق منهما إلا رذائلهما أي ما تقتضيه حرب الاستئصال المتبادل فيكون الحداثي‬ ‫الدعي حربا على الإسلام ويكون الأصولي الدعي حربا على الحداثة‪.‬‬‫فما يجري اليوم هو صدام حضارات داخلي بدعم من صدام حضارات خارجي يجعل بعض‬ ‫الأمة يهدم أفضل الأصيل وبعضها الآخر يحارب أفضل الحديث‪ :‬تهديم نسقي‪.‬‬‫وهذا هو الفساد البنيوي أو الجوهري لأنه يتعلق بالنفسيات والأخلاقيات التي تحرك‬ ‫النخب بصنفيها فتنكص إلى أسفل سافلين وتفسد معانيها الإنسانية‪.‬‬‫‪-38‬وحتى لا يساء فهم ما أعنيه بالنفسيات والأخلاقيات فينبغي أن يفهم ذلك بمعنى ما‬ ‫يجعل الإنسان ينكص إلى محركات التاريخ الطبيعي فيه كحيوان‪.‬‬‫فهو حينها لا يفقد العقل (حيوان عاقل) بل يصبح العقل أداة الحيوان فيه ولا يفقد‬ ‫البيان (خلق الإنسان علمه البيان) بل يصبح البيان أداة التحيل لديه‪.‬‬‫وحينها يصبح العلم أداة سيطرة لأنه أصل كل قوة مادية ويصبح الدين أداة تحيل لأنه‬ ‫أصل كل قوة روحية‪ .‬وتلكما هما القوتان الناكصتان أسفل سافلين‪.‬‬‫ولأورد الآن نص ابن خلدون‪\" :‬ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك‬‫أو الخدم سطا عليه القهر وضيق على النفس انبساطها ودعاه إلى الكسل وحمل على‬‫الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه‬ ‫‪17 4‬‬

‫وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي‬‫له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله وصار عيالا‬‫على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن‬‫غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين‪ .‬وهكذا وقع لكل أمة حصلت في‬‫قبضة القهر ونال منها العسف واعتبره في كل من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة‬‫رفيقة به وتجد ذلك فيهم استقراء وانظره في خلق اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق‬‫السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث‬ ‫والكيد وسببه ما قلناه\"‪( .‬المقدمة – الفصل الاربعون)‬ ‫فما النفسي هنا؟‬‫ضيق النفس بدل الانبساط وكسل النفس عن العمل والكسل الخلقي أو انقباض النفس‬ ‫عن غايتها ومدى إنسانيتها‪ :‬تسفيل ال ِخلقة الفطرية‪.‬‬ ‫وما الخلقي؟‬‫الكذب والخبث والتظاهر بغير ما في الضمير بسبب الخوف والمكر والخديعة وفساد معاني‬ ‫الإنسانية بدلالة ثورية‪ :‬من حيث الاجتماع والتمدن‪.‬‬‫وقد شرح ابن خلدون هذا المعنى شرعا بديعا‪ :‬فقدان الحمية والمدافعة عن النفس‬ ‫والمنزل الصيرورة عالة على الغير بكملة خلق التبعية حماية ورعاية‪.‬‬‫من يمكن أن يجادل في مطابقة هذين المعنيين النفسي والخلقي حال الأمة التي جعلتها‬ ‫مستضعفة ومستتبعة للخارج خاضعة للاستبداد والفساد في الداخل؟‬‫قد يظن البعض أن ما أقدمه فيه اعتداد بالرأي‪ .‬وفي الحقيقة فما أقوله مما يبدو من‬ ‫الحكمة ليس لي فيه إلا فضل التذكير به لأنه عمل علماء متقدمين‪.‬‬‫صحيح أن وصف حال الأمة عند الغزالي وابن تيمية وابن خلدون بلغ ذروة الحكمة‬ ‫العقلية والنقلية لكنه بقي شتاتا لأنه لم يجد من يسقي بذراتهم لتينع‪.‬‬‫وإذا ما استثنينا بقدر ابن خلدون فإن الحرب بين نوعي الاستئصال كادت تقضي على ما‬ ‫زرعوه لأن الأول والثاني وقع تشويههما بدعوى عدائهم للفلسفة‪.‬‬ ‫‪17 5‬‬

‫وحتى ابن خلدون فالكثير منهم يقزمه إما بمحاولة تقويمه بالمقارنة مع ما يتصورونه‬ ‫سبقا في الاجتماعيات أو بمحاولة حصره في عصره ونظرية العصبية‪.‬‬‫فدورهم النقدي مر بثلاث‪ :‬الفلسفي والديني المجردين (الغزالي) والمطبقين (ابن‬ ‫تيمية) والتجاوز إلى التنظير العلمي للفلسفة العملية والنظرية‪.‬‬‫فكانوا بذلك مؤسسين للمدرسة النقدية التي قرأت قراءة القرآن لفلسفة الدين وفلسفة‬ ‫التاريخ تأسيسا لهذا النقد وبداية جديدة للإنسانية بالحريتين‪.‬‬‫والحريتان الروحية والسياسية وظيفتهما تحرير التربية والحكم من السلطة المستبدة‬ ‫سواء كانت سلطة روحية (الكنسية) أو مادية (الحكم بالحق الإلهي)‪.‬‬‫ذلك هو الفساد البنيوي أو الجوهري الذي يغطي عليه الكلام على الفساد الظرفي أو‬ ‫العرضي في كل المجتمعات البشرية‪ :‬نحاسب صغار اللصوص لحماية كبارهم‪.‬‬‫كبار اللصوص هم المستبدون بالسلطان الروحي والسلطان السياسي والمتحالفون في‬ ‫الداخل (الاستبداد والفساد) وفي الخارج (الاستضعاف والاستتباع)‪.‬‬‫فالاستبداد والفساد عالميان بالجوهر والقرآن ثورة عالمية عليهما‪ :‬إلغاء الكنسية والحكم‬ ‫بالحق الإلهي لافتتاح تاريخ يتحرر من الرد إلى أسفل سافلين‪.‬‬‫والرد إلى أسفل سافلين دينيا هو النكوص إلى التاريخ الطبيعي فلسفيا‪ :‬فيكون الحكم‬ ‫بين البشر هو ما وصفه ابن خلدون نفسيا وخلقيا كما بينا قبل قليل‪.‬‬‫وشروط استعادة التقوم الأحسن‪ :‬الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي‬ ‫بالصبر ضمن أخوة البشر (النساء ‪ )1‬والمساواة بينهم (الحجرات ‪.)13‬‬‫ولست غافلا على أن هذا العلاج يتهم بالسذاجة‪ .‬لكن من يرى ما يجري في العالم اليوم‬ ‫يدرك أن كل الأبواب سدت أمام البشر بسبب سيطرة الحل المقابل‪.‬‬‫وفي الحقيقة فإن الموقف المقابل أكثر سذاجة لأنه لم يدرك آثار هذا الانسداد‪ .‬أما‬ ‫العلاج الذي يشخص حال الإنسانية بالنكوص للقانون الطبيعي فمنطقي‪.‬‬‫ذلك أن نكوص الإنسانية إلى قانون الانتخاب الطبيعي في الصراع المادي على ما كان‬ ‫ينبغي أن يكون وسيلة لا غاية آن له أن ينتهي فقد استنفذ غرضه‪.‬‬ ‫‪17 6‬‬

‫وغرضه هو نصف حقيقة الإنسان‪ :‬وحد البشرية سلبا في معركة استعمارها في الأرض‪.‬‬ ‫وأهمل ما يحول دون السلب بجعله استخلافا بأخوة الأحرار المتساوين‪.‬‬‫والإنسانية التامة عرفها القرآن برسالة آدمية هي الاستعمار في الأرض بالاستخلاف‪.‬‬ ‫العولمة شوهت الإنسان بالحد من القانون الخلقي والرد إلى الطبيعي‪.‬‬ ‫للعولمة وجهان‪:‬‬ ‫عولمة مرضية يراد فيها رد الإنسان إلى مجرد حيوان خاضع للقانون الطبيعي‪.‬‬ ‫وعولمة سوية تحرر الأولى بالقانون الخلقي لتحريره منها‪.‬‬‫ذلك هو دور الإسلام عندما يتحرر اهله من الانحطاط الذاتي الذي نتج عن ترك‬ ‫الدستور القرآني والوقوع في حالة طوارئ لم تتوقف منذ الفتنة الكبرى‪.‬‬‫لكن ذلك لا يكفي لأن الامة تعاني كذلك من الانحطاط الاستعماري الذي ورثته النخب‬ ‫التي تدعي الحداثة والتي تحارب هذا الدستور لتواصل استعمار الأمة‪.‬‬‫ذلك أن الاستعمار الغربي ليس حداثة بل هو في نسبته إلى الحداثة كنسبة الانحطاط‬ ‫الذاتي إلى الإسلام‪ :‬كلاهما تحريف لثورة روحية وعقلية هي المطلوب‪.‬‬‫بهذا الفهم نقاوم الاستبداد والفساد البنيويين لا الظرفيين في الداخل وسندهما من‬ ‫الاستضعاف والاستتباع في الخارج بدلا من تغطيتهما بالعرضيين‪.‬‬ ‫‪17 7‬‬

17 8

‫لما قلت انتهى الكلام على الفساد قصدت الفساد البنيوي أو أصل الداء‪ .‬ويبقى من‬‫الواجب أن أتكلم على الفساد الظرفي أو العرضي الذي علاجه تسكيني‪ .‬وقد وصفت في‬‫كلامي على الفساد البنيوي مقاومته المباشرة بكونها غطاء لإخفاء الفساد البنيوي الذي‬ ‫من أعراضه الفساد الظرفي والاقتصار على التسكين‪.‬‬‫وما قد لا يصدقه القارئ هو أن الذين يدعون التصدي له بالعنتريات التي يصدق عليها‬ ‫الوصف بالإرهاب هم أيضا من المشاركين في التغطية على البنيوي‪.‬‬‫ذلك أن أفعالهم ‪ -‬بقصد من اخترقهم من مخابرات الأعداء أو بغير قصد ممن تعميهم‬‫الحماسة على الاستراتيجيا التي تمكن من مقاومته ‪ -‬يخدمون أعداء الامة‪ .‬فهم بوعي‬‫أو بغير وعي يفسدون استراتيجية المقاومة التي يمكن أن تحقق الغاية رموزها وأفعالها‬ ‫فتصبح الخلافة داعش وقيم الإسلام نكوصا إلى الجاهلية‪.‬‬‫ولست ضد استعمال القوة في المقاومة وإنما أنا ضد سوء الاستعمال الذي لا يتبع‬ ‫استراتيجيات المقاومة بقيم الإسلام‪ :‬تحرير البشر لا مجرد تنفيس الغضب‪.‬‬‫فلا وجود لثورة بالأقوال دون الأفعال واستعمال القوة من أهم أبعاد الأفعال بشرط أن‬ ‫يكون ككل الأفعال عنصرا من عناصر الاستراتيجية الموصلة للغاية‪.‬‬‫ولهذه العلة فالاستراتيجيا تهدف إلى تكوين الجيل الذي يمكن أن يجمع بين القوتين‬‫المعرفية والقتالية بقيم الشرف والفروسية كما في النشأة الأولى‪ .‬وهي لا يمكن أن‬‫تكونهم إذا لم تكن قد حددت الهدف الأسمى ومراحل تحقيقه والموانع الحائلة دونه أو‬ ‫التي وضعها الأعداء للحيلولة دون تحقيقه‪.‬‬ ‫‪17 9‬‬

‫ولا يكون ذلك إلا بالقياس إلى النشأة الأولى‪ :‬استراتيجيتها وهدفها وما حصل لإفساد‬ ‫استراتيجيتها والحؤول دون هدفها باستعمال حوائل الأحياز والنخب‪.‬‬‫فهذين النوعين من الحوائل بالأحياز وبالنخب هي التي يتعلق بها الفساد العرضي الذي‬ ‫ينتج عن الفساد البنيوي والذي يتكلم المغطون عنه عن أعراضها‪.‬‬‫ويمكن القول إن من يدعون المقاومة حاليا بالفكر والجهاد ليسوا إلا من علامات التعبير‬‫القاصر عن حاجة صارت حتمية‪ :‬فلا بد من علاج هذين العائقين‪ .‬لكن ليس بهذه الطرق‬‫البدائية التي تتصور الاستئناف ممكنا بنفس طرق النشأة الأولى حتى وإن ظل الهدف‬ ‫واحدا لأن فساد معاني الإنسانية داء جديد‪.‬‬‫ومعنى ذلك أن الجاهلية وما حولها من أمم كانت مسيطرة على العالم حينها لم تكن قد‬ ‫وصل فيها سرطان الفساد إلى النخاع كالحال في عصر العولمة‪.‬‬‫فأولا لم تتحد البشرية ماديا ولا روحيا بل كانت جزائر متنوعة ولا يوجد نظام عالمي‬ ‫يفرض عليهم الانتخاب الطبيعي نموذجا للتنافس على شروط الحياة‪.‬‬‫لم يكن الاقتصاد وثمراته ذات مركزية مسيطرة تستخدم البقية تحت مظلتها حماية‬ ‫ورعاية ومن ثم تبعية استعباد كل البشر بإيديولوجية إلغاء العبودية‪.‬‬‫لذلك كان يمكن لحركة إصلاح ديني (الإسلام إصلاح ديني بنصه وليس دينا جديدا)‬ ‫بقيادة جماعة تعتبر على هامش التاريخ أن تحقق ثورة كونية بفضل الله‪.‬‬ ‫استئناف هذه الحركة يكون بمنطق العصر‪.‬‬‫فلم يعد فيه أحد يعيش على هامش الحضارة الإنسانية لتكون حركته في غفلة من‬ ‫المسيطرين على العالم بالأداتين‪.‬‬ ‫والأداة الأولى هي التحكم في الأحياز الخمسة‪:‬‬ ‫‪-1‬المكان‬ ‫‪-2‬الزمان‬ ‫‪-3‬أثر الزمان في المكان‪ :‬الثروة‬ ‫‪17 10‬‬

‫‪-4‬وأثر المكان في الزمان‪ :‬التراث‬ ‫‪-5‬ومرجعية وحدة الأحياز شرط قيام الجماعة‬‫والأداة الثانية هي النخب القائدة لإرادة الجماعة ومعرفتها وقدرتها وحياتها ووجودها‬ ‫أي الساسة والعلماء والاقتصاديون والفنانون وأصحاب الرؤى‪.‬‬‫تلك هي أدوات التحكم في العالم بمنطق الاستبداد والفساد من خلال جعل ذلك كله‬ ‫خاضعا لقانون التاريخ الطبيعي حتى يكون البشر في حرب أهلية دائمة‪.‬‬‫وهم يسمون موضوعات الصراع في الحرب الاهلية بمنطق التنافس الحر على المرأة‬‫والثروة والمعرفة والحكم والرؤى الوجودي التي ينتظم بها وجود الإنسان‪ .‬فمنطق‬‫التنافس الحر يفترض أن في الصراع على هذه الموضوعات غائية كامنة في مجرى الأمور‬ ‫دون أن يكون للمجرى ما يتعالى على قانون الانتخاب الطبيعي‪.‬‬‫كل شيء يخضع لقانون السوق دون أن يكون لهذا القانون قيمة تعلو عليه عدا صراع‬‫القوى التي تلتقي فيه التقاء \"حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت\"‪ .‬وحتى هذا القانون‬‫فهو مغشوش لأن المؤسسات التي تراقب السوق لمنع تدخل الاستبداد والفساد فيه كذبة‬ ‫كبرى بل هي التي تغطي الفساد البنيوي الأصلي‪.‬‬‫فالقانون الدولي لا يقل خضوعا للاستبداد والفساد من القانون المحلي وهو في الحقيقة‬‫يضفي الشرعية عليهما باسم قانون لا ينطبق إلا على الضعفاء‪ .‬والدليل أن حكام العرب‬‫الذين يستبدون ويفسدون ملجأ مسروقاتهم موجود في الغرب نفسه وقانون الاقوياء‬ ‫أولا ثم القانون الدولي ثانيا يحمونهم دائما‪.‬‬‫ولولا خضوع العالم لهذا النظام لما أمكن للسيسي وبشار وإيران وميلشياتها أن يفعلوا‬ ‫كل الجرائم التي نرى والتي وظيفتها حماية الاستبداد والفساد‪.‬‬‫هذا هو المناخ الذي ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في ثورة الاستئناف بالطرق اللطيفة‬ ‫والعنيفة حتى نتمكن من إزاحة هذين العائقين‪ :‬الأحياز والنخب‪.‬‬‫لا ينبغي أن يفهم القارئ أني أبحث عن أعذار للفسدة من نخبنا بأصنافها الخمسة لأن‬‫من لهم السلطان منهم ليسوا نخبنا بل هم عملاء لمافيات العالم‪ .‬وهؤلاء هم إذن قد‬ ‫‪17 11‬‬

‫اختاروا الخضوع لأخطبوط المافيات العالمية ولذلك فهم في حرب على المقاومة عامة أعني‬‫على تحرير الإنسانية من الفساد البنيوي وهذه المقاومة ليست منا فحسب‪ ،‬بل إن كل‬‫المجتمعات فيها خيرون يسعون لمقاومة الوضع الذي وصفت في كلامي على الفساد البنيوي‬ ‫قانون العولمة الطبيعي‪.‬‬‫وهم من ينبغي أن يكوّن حلفاء الاستئناف الإسلامي وشرطه تجاوز سخافة العداء للغرب‪:‬‬ ‫فليسوا كلهم سواء كما يقول القرآن على من ماثلهم في النشأة الأولى‪.‬‬‫وبذلك نتحرر من تصور المعركة وكأنها بين المسلمين والغرب تصورا أفقد المسلمين كونية‬‫القيم القرآنية والقيم الحديثة بتأويل سخيف بمفهوم الصليبية فالداء لا يقتصر على‬‫المسلمين بل هو يستهدف كل المستضعفين وكل فكر يعارض الاستبداد والفساد حتى في‬ ‫بلاد الغرب‪ :‬بهذا تعود لثورة الإسلام جاذبيته‪.‬‬‫وإذا تواصل الشرق الأدنى (نحن) منفصلا عن الغرب الأدنى (أوروبا) فإن العالم‬ ‫كله سيصبح مستعمرات للشرق الأقصى (الصين) والغرب الأقصى (أمريكا)‪.‬‬‫فلنفهم الآن ما فعلته مافيات الاستعمار بالعالم وخاصة بنا لكي تسيطر عليه وعلى نخبه‬ ‫بمنطق الاستبداد والفساد أداتي حكم وتربية للبشرية كلها‪.‬‬‫وليكن البدء بنظرية الأحياز التي وضعتها لشرح كيف استعملها الغرب الاستعماري‬ ‫ليسود العالم ويستعبد البشرية انطلاقا من مثال حصل في دار الإسلام‪.‬‬‫ثم النخب بأصنافها الخمسة (السياسية والعلمية والاقتصادية والفنية وأصحاب الرؤى)‬ ‫وبنسبها المضاعف (التأصيل والتحديث) وعدائها لثورة الشباب‪.‬‬‫وهنا يصدق قول روسو‪ :‬فالصراع الأول بدأ حول المكان أو حول حوز الأرض أو الانتقال‬ ‫من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة والصراع على حوز المكان‪.‬‬‫والعلة هي أن الأرض هي مصدر الغذاء ومصدر كل ثروة إما بما في سطحها أو تحته أو‬ ‫فوقه أو حوله‪ .‬والقوة التي تفتكها تزداد بها فتصبح جيوستراتيجة‪.‬‬‫لكن الصراع على الأرض للزيادة في الحظ منها علته في الحقيقة الصراع على الزمان‬ ‫للزيادة في مدة البقاء‪.‬‬ ‫‪17 12‬‬

‫ذلك أن الثروة هي مصدر القيام والديمومة‪.‬‬‫وإذا كانت حصة المكان من الأرض هي مصدر الثروة فإن حصة الزمان من البقاء فيها‬ ‫هي مصدر التراث الذي يضفي المعنى على الحوز ويعلل هذا البقاء‪.‬‬‫وعندما يصبح هذان المطلبان الدافعان للصراع أفق الوجود كله ويعتقد أنه مكتف‬ ‫بنفسه وليس له ما وراءه يقع الإنسان في لامتناهي هيجل الزائف‪.‬‬‫ذلك أن الزيادة الكمية من المكان ومن الزمان لا يمكن مهما ارتفعت أن تستوفيه فيكون‬ ‫تراكم الثروة وتأصيل التراث ممثلين لهذا اللامتناهي الزائف‪.‬‬‫وهذان هما مصدر الاستبداد‪ :‬فالأول يسميه ابن خلدون حب التأله عند المستبد الذي‬ ‫يوهم نفسه بإمكان إطلاق إرادته وعلمه وقدرته وحياته ووجوده‪.‬‬‫وهذا هو الفساد الوجودي يغذيه فساد وجودي آخر هو عكسه تماما حول من يوهم‬ ‫المستبد بأن له ذلك فعلا وهم بقية النخب المحيطة به‪ :‬حب العبودية‪.‬‬‫وهذا هو فساد معاني الإنسانية الخلدوني والفلسفي المناظر لمفهوم الرد إلى أسفل‬ ‫سافلين الديني‪ .‬وهو مرض بنيوي يعتبر ما عداه من أعراضه‪.‬‬ ‫فكيف يعرض؟‬‫التفسير الديني صيغ في قصة رمزية لتحول من حررهم موسى من العبودية للمتأله أي‬ ‫المستبد المسيطر على الرزق والقوة إلى عبادة رمزهما‪ :‬العجل الذهبي‪.‬‬‫فالعجل الذهبي رمز القوة والسلطة على الضمائر لكونه يمثل اللامتناهي الزائف هو‬ ‫وسيلة المتأله أو المستبد لاستتباع النخب بأصنافها الخمسة‪.‬‬‫ويكون الاستتباع ‪-‬كما وصفته آل عمران‪-‬بتوظيف صاحب القدرة (صاحب العجل)‬ ‫للنخبتين الممثلتين للسلطانين الروحي والزماني أو الحكم الخلقي والسياسي‪.‬‬‫المافية المالية توظف ممثلي الرؤى (الدين والفلسفة) وممثلي الإرادة (الساسة‬ ‫وأدواتهم العنيفة) ليضفوا الشرعية على القانون الطبيعي قيمة عمرانية‪.‬‬‫وهؤلاء‪-‬أصحاب الرؤى والإرادة‪-‬يوظفون نخبتي أدوات التأثير المعرفي (العلماء)‬ ‫والجمالي (الفنانون) على ضمائر الناس توطيدا لهذا النظام الاجتماعي‪.‬‬ ‫‪17 13‬‬

‫ولما كان هذا النظام شديد الفاعلية بمنطق التنافس على الغزو المادي والرمزي فإنه‬ ‫يكون جماعات عدوانية تسيطر بالتدريج على الجغرافيا والتاريخ‪.‬‬‫ويمكن تجوزا أن نسمي هذا النظام الخاضع للقانون الطبيعي أو لقانون الانتخاب‬ ‫الطبيعي بالنظام الرأسمالي الذي يسيطر على العالم كله بمقتضى منطقه‪.‬‬‫وهذا النظام بالاستعارة الدينية هو نظام العجل الذهبي محاربا للتحرير من العبودية‬ ‫بمعنييها‪ :‬حرب العجل الذهبي على الحريتين الروحية والسياسية‪.‬‬‫فبه حسمت المعركة بين الإسلام والغرب الحديث لصالح الغرب الذي حقق شروط القوة‬ ‫والثروة فسيطر على العالم مكانه وزمانه بمنطق التاريخ الطبيعي‪.‬‬‫وقد حسم الصراع الوسيط بين المسلمين والغرب لصالح الغرب لعقم نخبتي الوجود‬ ‫(فقهاء ومتكلمون) والإرادة (عسكر ومرتزقة) وفهمهم السطحي للإسلام‪.‬‬‫كان الاستبداد والتأله الذي خدموه بدائيا بأدوات لا تحقق القوة والسيطرة على‬ ‫الطبيعة بل اكتفوا بسيطرة أدت إلى فقدان معاني الإنسانية الخلدونية‪.‬‬‫فكان من الطبيعي أن يستعمر التأله بأسبابه التأله بنفيها‪ :‬فالتأله الذي سيطر في‬ ‫حضارتنا كان تعبيرا عن إرادة القوة البدائية التي تقضي على شروطها‪.‬‬ ‫ولما كانت شروطها ذات مستويين‪:‬‬ ‫▪ تأله بأدوات القوة الطبيعية‪.‬‬ ‫▪ وتأله أرقى يضيف إليها أدوات القوة الخلقية‪.‬‬ ‫فإن الأولى عينة عن الثانية بخلاف العكس‪.‬‬ ‫فكان فساد معاني الإنسانية ذا معنيين‪:‬‬ ‫▪ فعلي بأسباب القوة الطبيعية(الغرب) فاستعمر العالم‪.‬‬ ‫▪ وانفعالي عند من توهم أسباب القوة الخلقية ممكنة من دونها‪.‬‬‫فساد معاني الإنسانية الانفعالي عندنا علته أن المستبدين كانوا مستبدين على البشر‬ ‫وعاجزين عن الطبيعة والأول يلغي الإبداعين العلمي والفني‪.‬‬ ‫‪17 14‬‬

‫وفساد معاني الانسانية الفعلي في الغرب علته عبادة العجل الذهبي أي منطق الانتخاب‬ ‫الطبيعي‪ .‬لكن نفس هذا المنطق ينقل المعركة إلى البايولوجيا‪.‬‬‫لذلك فهزيمة الغرب باتت مؤكدة بايولوجيا خاصة وقد تدارك الإسلام ما فات من خلال‬ ‫حيازة شروط السلطان على الطبيعة بأسبابه لم يتخل عما يتجاوزها‪.‬‬‫الاستئناف الإسلامي يصبح ممكنا إذا فهمنا منطق البعدين الإنسانيين‪ :‬فالإسلام يعرف‬ ‫الإنسان بكونه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها‪ .‬وهذا مشروط بذاك‪.‬‬‫ممثلو الإرادة كانوا اميين (عسكر ومرتزقة) وممثلو الوجود عكسوا فصلت ‪ 53‬لم يطلبوا‬ ‫حقيقة القرآن في الآفاق والانفس فوضعوا علوما زائفة للإسلام‪.‬‬ ‫ترك أصحاب الرؤى ما يعلم واهتموا بما لا يعلم فأصبح علمهم تخريفا‪.‬‬ ‫فبدل العلم بحقيقة القرآن في آيات الآفاق والأنفس رجموا بالغيب المحجوب‪.‬‬‫ثم لا يستحون عندما يقولون إن الإسلام يجمع بين الدين والدنيا‪ .‬ذلك أنهم حصروا‬ ‫الدنيا في ظاهرها دون نظر علمي مكتفين بتجربة غفلة وصناعة بدائية‪.‬‬ ‫نسوا الأنفال ‪ :60‬أعدوا لهم ما استطعتم من قوة أولا ومن رباط الخيل ثانيا‪.‬‬ ‫والأولى شرط الثانية فهي العلم والاقتصاد علامتي الاستعمار في الأرض‪.‬‬‫ولسوء الحظ لا زلنا نتصور النتائج ممكنة بدون مقدماتها‪ .‬فكل ما يطلبه دعاة التأصيل‬ ‫والتحديث صار عائقا دون التأصيل والتحديث لعدم الوعي بالشروط‪.‬‬‫فالكلام على التصدي للفساد بهذا المنطق ليس عزما على علاجه بل هو سعي للتغطية‬ ‫على علله العميقة‪ :‬فالنخب الخمس فاسدة بالجوهر لأنها اسم بلا مسمى‪.‬‬ ‫وببيان القصد من الاسم دون مسمى في هذه الحالات الخمس نختم هذا البحث‪:‬‬ ‫فمسمى السياسي هو تمثيل ارادة جماعته التي ينوبها في رعاية الشأن العام‪.‬‬‫هل رأى أحد منكم سياسيا عربيا يمثل إرادة جماعته ويرعى الشأن العام نيابة عنها؟‬ ‫هل لجماعته وجود في ذهنه أم هو رهن إرادة خارجية وهمه بقاء كرسيه؟‬ ‫‪17 15‬‬

‫مفهوم الاستئمان على إرادة الجماعة ومفهوم الحكم بالعدل مقومي الحكم في نظر القرآن‬ ‫(النساء ‪ ،)58‬من يعمل بهما من بين النخبة السياسية العربية؟‬ ‫ماذا بقي للسياسي أو نخبة الإرادة غير الاسم؟‬‫فهل نعجب من أن يكون الاستبداد والفساد بديلين من الشرعية التي لا يمكن أن تحصل‬ ‫من دون المسمى؟‬‫لكن ذلك ينبغي أن يصحبه مآزر رمزي هو موقف نخبة الوجود أو أصحاب الرؤى من‬ ‫المتكلمين باسم العقل والنقل‪ :‬فلاسفة وعلماء دين في حضارتنا إلى الآن‪.‬‬‫فإلى الآن ما يزال الغالب عليهم الحلف مع هؤلاء الحكام حتى لو حاول البعض منهم‬ ‫التعليل بمنطق الضرورة التي تبيح المحظور‪ :‬كضرورة شرعية المتغلب‪.‬‬‫فكبار علماء الدين الرسميين يرشقون الشباب الثائر بحمم اللعنات والتهم متصورين أن‬ ‫الأنظمة بلغت من الصلاح ما جعل الأعداء يتآمرون عليهم بالثورة‪.‬‬‫فإذا كانت مؤسسة عريقة مثل الازهر في مصر أو مثل كبار العلماء في الخليج تعتبر‬ ‫الشباب الذي ثار للحرية والكرامة بيادق تآمرية‪ ،‬فهل غريب ما يحدث؟‬‫وهل كان ذلك يكون كذلك لو لم يكن الفساد المستشري قد عم بمنطق الحلف الذي‬ ‫تشير إليه آل عمران بين كهنوت وطاغوت هما مشرعو الفساد البنيوي والظرفي؟‬‫أما النخبتان اللتان تزينان الاستبداد والفساد فهما نخبة المعرفة (الجامعيون) والحياة‬ ‫(الفنانون) فهؤلاء سكين الكهنوت والطاغوت وشوكتهم‪.‬‬‫وكلهم خواتم في أصابع أصحاب العجل التابع (في الداخل) والمتبوع (في الخارج) أي‬ ‫المافيات التي استعمرت العالم بسبب غيبوبة المسلمين وانحطاطهم‪.‬‬‫والله لا يحاسب المجرمين وحدهم بل يحاسب من تركهم يجرمون‪ :‬إذا أراد الله أن يهلك‬ ‫قرية(بكاملها)لم يقتصر على مترفيها بل معهم من مكنهم من ذلك‪.‬‬‫وحساب الله بخلاف ما يتوهم الكثير ليس أخرويا فحسب‪ ،‬فهو دنيوي أيضا وهو دائما‬ ‫نتيجة لمخالفة النواميس الكونية والتاريخية التي يتجاهلها الكثيرون‪.‬‬ ‫‪17 16‬‬

‫أمة يحكمها الأميون والعملاء ونخبها في خدمة الاستبداد والفساد هل يكون مسارها‬ ‫محكوما بالرشاد؟‬ ‫فمن فسدت فيه معاني الإنسانية يرد أسفل سافلين‪.‬‬ ‫والشباب يمثل ثمالة ما بقي حيا في ضمير الامة‪.‬‬‫إنه يحاول الخروج من الفساد البنيوي ويحتاج لرؤية العلاقات العميقة بين السطح‬ ‫والعمق في التاريخ‪.‬‬‫فالسطح هو الفساد السياسي والاقتصادي‪ ،‬لكن العمق أبعد غورا‪ :‬إنه فساد وجودي‬ ‫وخلقي هو حال الإنسانية الحالية‪ :‬ملتقى فلسفة الدين وفلسفة التاريخ‪.‬‬‫فلا المتكلمون باسم الإسلام يحترمون قيمة ولا المتكلمون باسم الحداثة يحترمون قيمها بل‬ ‫كلاهما كاريكاتور مما يتكلم باسمه ليخفي طبيعة المرض‪.‬‬‫ذلك ما أسعى لبيانه آملا أن يكون ذلك عونا للشباب الذي اعتقد أنه البصيص الوحيد‬ ‫المتبقي من روح الإسلام في سعيه لاستئناف يشمل الإنسانية كلها‪.‬‬ ‫‪17 17‬‬



5



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook