--الجغرافيا وما تختزنه \"روحه\" مما تستمده من حيز التاريخ) في رؤية وجودية دينية وفلسفية دائما للتلازم بين النظر (العلم) والعقد (الإيمان) دائما.ولا معنى للنظر والعقد إلى لتأسيس العمل والشرع .وهذه الشروط الأربعة هي التيتحقق التعالق بين نوعي الاحياز أحياز العالم وأحياز الإنسان .فالنظر والعقد شرطانلعلاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة لأنه لا يستطيع أن يأخذ منها ما لم يعلم قوانينها :شرط التسخير.وتطبيق النظر والعقد لتحقيق التسخير شرط في تحقيق معنى الرئاسة بالطبع أو التمكنمن المائدة والسرير بالعمل والشرع .ولا يمكن تصور عملا وشرعا لتنظيم حياة الجماعةالتي تتعاون للحماية والرعاية بقيم التبادل من دون أن يتقدم على ذلك قيم التواصل التي تمكن البشر من التلاقي بدل الاقتتال.مع القليل من التدخل والإضافات التي ليس إتيانا بما ليس موجودا في المقدمة بل وصلابين عناصرها التي تعاني من عدم النسقية النظرية لأن ابن خلدون لم يدع أنها عمل تام لا يحتاج إلى الاستكمال بدليل ما قاله في خاتمتها .ونأمل المزيد منا أو من غيرنا.أبو يعرب المرزوقي 47 الأسماء والبيان
--لما شرعت في علاج إشكالية \"علاقة الجنسين بمنظور \"نحلة العيش\" لم أكن أتوقع أن الأمرسيتطلب أكثر من فصلين .لكن اقتضى أن يتجاوز حتى الخمسة المعتادة لأن ضعفها .إذ بقيفصلا اخران غير الأربعة التي نشرت في شكل مقالات ومثلها لم ينشر بعد لكنها صدرت مسودتها في شكل تغريدات.فقد يظن أن استعارتي \"المائدة\" و\"السرير\" توحيان بالجمع بين قراءتين \"ماركسية\"و\"فرويدية\" بمعنى أن الأولى لها علاقة بالاقتصاد أو القراءة الاقتصادية والثانية لهاعلاقة بالجنس أو القراءة التحليلية .وكان ذلك يكون كذلك لو أني لم أبين أن السلسلة المؤلفة منهما تناظرها سلسلة تحول دون هذا الظن.ولبيان تعجل هذا الارتسام أشير إلى إن مجرد الجمع بين الأمرين ينفي عنهما كليهما أنيكون أي منهما محافظا على الدلالة التي له لما يكون وحيدا ومستفردا بزعمه المبدأ المعلللسلوك الإنسان فردا وجماعة وكافيا ليؤسس فلسفة التاريخ التأسيس الأتم الذي أنسبه إلى ابن خلدون بمفهوم \"نحلة العيش\".فالتفسير الاقتصادي والتفسير العضوي كلاهما لم يخرج من الرؤية الجدلية الجوهرانيةصنفها المادي رغم أن الصريح في رؤيتهما ليس نفسه لأن جدلية الرؤية صريحة عند ماركسوجوهرانيتها صريحة عند فرويد ويتفقان على المادية المشتركة في هذين العاملين :تقديم الاجتماعي الاقتصادي أو العضوي النفسي.ومعنى ذلك أن الفرد لا يكون مجودا في الرؤية الماركسية والجماعة لا تكون موجودة فيالرؤية الفرويدية والنفي الأول هو في قلبت مفهوم الوعي والنفي الثاني هو الطابع السلبيللجماعة في تكون الشخصية بل وفي الطابع السلبي المتعلق بكل ما يمكن أن يعتبر حضارة بوصفها تصعيدا للمكبوت.فيكون ما أنسبه إلى ابن خلدون بخلاف ما هو بين عند ماركس هو حضور الفرد البارزوبخلاف ما هو بين عند فرويد هو رفض نظرية بنية النفس الثابتة وعدم سلبية الحضاريأبو يعرب المرزوقي 48 الأسماء والبيان
--من حيث هو حضاري بل مستواه المتجاوز في المرحلة الاخيرة عندما يصبح ترفا ليس كابتا للعضوي بل مفلتا لغرائزه ضد المكتسب الحضاري.لا أنكر أن هذه الدقائق عسيرة الملاحظة لدى العجلين في المقارنات السطحية ومن ثمفهم يجدون وجوه شبه كما ينظر عن بعد للأشياء التي فيها وجوه شبه بمجرد ردها إلىصورة كاريكاتورية عامة حيث كما يقول هيجل \"كل الابقار رمادية\" في الغروب إذا نظرنا إليها عن بعد وببصر ضعيف دون بصيرة.فهذه الفروق التي يستطففها من يكتفي بالمقارنات السطحية هي التي تميز بين فلسفاتالتاريخ أو بصورة أدق بين الخيارات القيمية التي تحدد مقومات الأحداث وتقدر وزنها فيتحديد وجهات المآل الإنساني فتمكن من تفسير مراحل تاريخه التي يهملها التبسيط الجدلي بدل التعقيد البنيوي كما في الطبيعة.ولما كانت سنن التاريخ أعقد من قوانين الطبيعة إذ هو يجمع بينها وبين ما يتجاوزها -ولهذه العلة فالعلوم الإنسان أكثر تعقيدا وأعسر تفسيرا-فإن العلاج الوحيد هو البنىالتي تشبه ما تتأسس عليه الرياضيات المطبقة على الطبيعيات .ولا بد أن يوجد ما يجانسها للانطباق على الإنسانيات.ولهذه العلة بينت أن نسبة البنى الرياضية إلى الطبيعيات في علم قوانين العالم الطبيعيلها نظير في علم العالم التاريخي أو الحضاري هي نسبة البنى الأدبية إلى الإنسانيات فيعلم سنن العالم التاريخي .والأدبيات هنا تعني الإبداعات التي يخلو منها أدبنا لزعمه الواقعية.فما يسمونه أدبا واقعيا ينهي الإبداع الأدبي المتعلق بالممكن عامة -وهو القصدالأرسطي-لانه يجعله من التاريخ الأدنى .فهذا ليس إبداعا أدبيا وهو من جنس الخلط بينالرياضيات والقيس العامي للمقادير والكميات :نسبة هؤلاء الكتاب إلى الأدب تجانسمماثلة لنسبة حساب العطار إلى الرياضيات أي إنها لم تصل حتى البناء الذي يطبقأبو يعرب المرزوقي 49 الأسماء والبيان
--الهندسة البسيطة في فن البناء .إنه حكاية أحوال نفس الكاتب وانطباعاته الساذجة التي يتوهمها \"واقعا\".فمن يبحث عن المعاني الأدبية الممكنة من فهم سنن التاريخ يشبه من يبحث عن المعانيالرياضية لفهم قوانين الطبيعي بقيس الأشكال المرسومة فعليا فيحدد سمك المستقيمواستدارة الدائرة حتى في البسيط من الهندسة .ولو اعتمد اقليدس هذه الطريقة لاستغنى عن تعريف الأشكال والبرهان المنطقي خصائصها.وبهذا المعنى فلسنا متخلفين في علوم الطبيعة بسبب تخلفنا في الرياضيات ومن ثم عجزناعن معرفة قوانين الطبيعة وتطبيقاتها التقنية فحسب بل نحن متخلفون في علوم التاريخبسبب تخلفنا في الآداب ومن ثم عجزنا عن معرفة سنن التاريخ وتطبيقاتها الخلقية :الكلام على آدابنا فيه الكثير من الوهم.لكن هذا التمييز قد لا يقنع من يكتفي بسطحي المقارنات العجلى فضلا عن كونه قديفهم وكأنه ذو نزعة دفاعية ضد القراءات التي تمدح الماركسية والفرويدية باسمخصوصيات حضارية وخاصة عند من لا يعلم موقفي من الآراء القائلة بالخصوصية في الفلسفي والديني وتوكيدي على الكوني والكلي.فليس لأني مسلم أو لأن ابن خلدون يكثر من استعمال الشواهد القرآنية أميل إلى فلسفةالتاريخ التي يقول بها لأنه هو نفسه لا يقول بالخصوصيات وخاصة في الفلسفة والعلموبهذا المعيار يميز بين ما يسميه علوم العلوم وبها يبدأ الباب السادس والعلوم الكونية التي يعتبرها عقلية تجريبية التأسيس.ولأمر الآن إلى الحجة الأساسية في الرؤية البنيوية الخلدونية .وسأستعمل مصطلحات لميستعملها لكني وضعتها حتى أستطيع أن أصل المنفصل في ومضاته فكره الإبداعية التي لميكمل عملها التنسيقي إذ هي مجرد مسودة كتبها في أقل من نصف سنة ولم يراجع منها إلا بعض الشواهد التمثيلية من التاريخ.أبو يعرب المرزوقي 50 الأسماء والبيان
--وما كنت لأسمح لنفسي بذلك لو لم أجد في المنفصلات من ومضاته إشارات لهمزة الوصلالنظري بينها كإشارته في اسم الباب الأول من المقدمة بعبارة \"العمران على الجملة\" بمعنىأن ما فيها يشمل العمرانين البدوي والحضري ما يعني أنه أشار إلى أن هذا الباب ينطبق على مسائل المقدمة كلها من أولها إلى آخرها.فالعمران سواء كان بدويا أو حضريا لا بد له من مسائل الباب الأول الخمسة بتفاوت الدور الذي يؤديه عناصرها الخمسة بمنظور ثابت هو \"نحلة العيش\": .1عامل الجغرافيا الطبيعية .2وعامل الرؤية الوجودية التي يقابلها بها الإنسان فردا وجماعة .3وأثر العامل الأول في الثاني وفي الإنسان صاحبه .4وأثر الثاني في الأول ودور الإنسان الناتج عن التفاعل .5والحصيلة النهائية وهي مسار الحضارة الإنسانية بوصفها حصيلة هذه العناصرالمقومة لوجود الإنسان الدنيوي وما يترتب عليه من رؤية متعالية لوجود متجاوز له أو أخروي في كل الحضارات البشرية.ومنظور \"نحلة العيش\" يمكن بتجاوز تأويلي لهذه الرؤية إرجاعها إلى مفهومين يعرفان الإنسان بمقتضى مقومات كيانه ومهمتيه في التاريخ في المقدمة وفي القرآن الكريم: .1فالإنسان يعرفه ابن خلدون بمقتضى مقومات كيانه فيعتبره \"رئيسا بالطبع (فلسفيا) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (دينيا)\". .2ويعرفه بمقتضى المهمتين اللتين كلف بهما وهما الاستعمار في الأرض أي تكليفهبتعمير الأرض والاستخلاف فيها أي تكليفه بأن يجعل التعمير يتم بقيم متعالية هي التي لأجلها كرم أبناء آدم.ومن دون تحقيق المهمة الأولى يصبح الإنسان تابعا للطبيعة ومن يعمرها بدلا منه فلايكون حرا ولا كريما لأنه يصبح تابعا فلا يبقى رئيسا بالطبع .ومن دون تحقيق المهمةأبو يعرب المرزوقي 51 الأسماء والبيان
--الثانية ينكص الإنسان إلى الحيوانية فيصحب خاضعا للقانون الطبيعي ويسيطر سلطان الصراع بين البشر.والجمع بين هذين الأمرين يؤدي إلى فساد معاني الإنسانية فلا تبقى نحلة العيشمنتظمة بالتعاون والتبادل العادل ولا بالتواصل الذي من شرطه التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين بشر يؤمنون بالله فوق الجميع ويعملون صالحا.وما كنت لأجرأ مع ذلك لهذه الإضافات التي استنتجها من روح المقدمة دون الخروج علىصريح نصها لو لم يختم المقدمة بهذه العبارة الجميلة\" :ولعل من يأتي بعدنا مما يؤيده اللهبفكر صحيح وعلم مبين يغوص في مسائله على أكثر مما كتبنا فليس على مستنبط الفن احصاءمسائله وإنما عليه تعيين موضع العلم وتنويع فصوله وما يتكلم فيه والمتأخرون يلحقون المسائل من بعده.\"..وأهم كملة تعنيني في هذه الخاتمة الجميلة هي \"تعيين موضع العلم\" .فكلمة موضع تعنيحيز في منظومة .ومن له دراية بمواضع العلوم في الفلسفة التي كانت سائدة في عصر ابنخلدون منذ أرسطو لا تعطي للتاريخ وفلسفته أي موضع لأنه لا يقبل العلم النظري بل هو دون الأدب حسب أرسطو.ولما كانت الإشارة لهمزة الوصل في الباب الأول هي أوضح الإشارات فإني قد انطلقتمنها لاكتشاف البنية الأساسية التي بنيت عليها مسائل المقدمة كلها وسميتها بمصطلحاتوضعتها لهذا الغرض :موضوع الباب الأول هو نوعا الأحياز المحيطة عينيا والمحاطة ذهنيا في العالم وفي الإنسان فردا وجماعة.وهذا الموضع لا وجود له في الفلسفة السائدة حينها لأن التاريخ وفلسفته لم يكن موجوداأصلا بسبب كونه عندهم لا يدرس إلا العيني الحاصل بخلاف الشعر الذي يدرس الممكنالذي هو أقرب إلى الكلي الموضوع الوحيد للفلسفي .فيكون بيان الموضوع غير ممكن إلا بأحد طريقين أو بهما معا.أبو يعرب المرزوقي 52 الأسماء والبيان
--وابن خلدون \"خلق\" الموضع وأبانه بالطريقتين :أولا غير موضوع الفلسفة أو الكلي وغيرمفهوم أساس علم التاريخ أو بصورة أدق أساس علم نقد التاريخ الذي يصبح ممكنا بعدتغيير مفهوم الكلي .فالمعلوم أن الكلي لاتاريخي في الفلسفة القائلة بالمطابقة بمعنى أن الكلي في الذهن مطابق للكلي في الوجود :وكلاهما ثابت لا يتغير.فيكون العلم إذا طابقه مثله غير تاريخي .وكل ما لا يطابقه من العلم فهو خطأ وليسعلما .لكن إذا تحررنا من القول بالمطابقة فإن العلم يصبح تراكميا أي إن الكلي المعلوم هوكلي معرفي-بمعنى ما اتفق العلماء على أنه علمي في لحظة من اللحظات -دون أن يكون كلياوجوديا إذ لو كأنه لكان نهائيا ولن يتطور .ذلك فهو بالضرورة حصيلة التراكم المعرفي وبذلك يصبح العلم العقلي هو بدوره تاريخيا.ومن ثم فالمنطلق كان محاولة تأسيس علمية التاريخ التي نفيت عنه العلمية لأنه لا يعلمالكلي وانتهت إلى بيان أن الكلي الفلسفي هو بدروه تاريخي لأن العلم المحيط مستحيل وكلعلم هو تراكم المعرفة المبنية على بنى عقلية ومعطيات تجريبية يجمع بينهما الاستدلال المنطقي والبناء الرياضي.فلم يعد ابن خلدون مكتفيا بتحديد موضع علمه الجديد بل هو حدد منظومة الـمواضعالـجديدة التي كانت الفلسفة نفسها محتاجة للتموضع فيها .وبذلك انتقلنا من علم رئيس-أرشيتاكتونيك -يحدد المواضع كان اسمه \"ما بعد الطبيعة\" إلى علم رئيس بديل هو \"ما بعدالتاريخ\" أو \"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني\" .والفلسفة قسمها إلى علوم يقبلهاوسماها علوم العقل أو الحكمة التي اراد أن يجعل التاريخ أحدها-وتلك مهمة ما بعدالتاريخ أو علم العمران البشري والاجتماع الإنساني-وعلوم زائفة على رأسها الميتافيزيقا.وذلك هو موضوع الفصل 31من الباب السادس بعنوان \"إبطال الفلسفة وفساد منتحلها\" ضمن الفصول المخصصة للعلوم الزائفة.تلك هي الثورة التي لم يكن ابن خلدون نفسه واضح الوعي بها .لكنها تجاوزت مجردتأسيس علم نقد الخبر إلى قلب نظام العلوم نفسه وتحديد مواضع جديدة كانت قبلهأبو يعرب المرزوقي 53 الأسماء والبيان
--\"ارشيتاكتونيك=علم رئيس\" ميتافيزيقية .فصارت بفضل ثورته \"ارشيتاكتونيك=علم رئيس\" ميتاتاريخية وهو ما سنحلله في الفصل العاشر والأخير من هذه المحاولة.أبو يعرب المرزوقي 54 الأسماء والبيان
--مفهوم الأحياز المضاعف -ورغم كون ابن خلدون لم يستعمل المصطلح فهو قد استعملمدلوله دون تسميته في تحديده للعمران على الجملة في الباب الأول .وهذه الأحياز ومنطقتفاعلها بنية ثابتة في كل المسائل التي يدرسها ابن خلدون في المقدمة وترجع إلى \"نحلة العيش\".ومن ثم فكل ما أضفته هو الإطار النظري المفهومي في شبه عودة على عمل ابن خلدونلنقله من الصوغ الأول المتقدم على الصوغ الثاني موضوعا له وانتقالا به من الحدسالنظرية إلى نسقية النظرية مرحلة نحو تحويل نظريات ابن خلدون إلى نسق أكسيومييقبل الاستنتاج من عدد قليل من الحدود العنصرية والقوانين التأليفية بينها لتصبح علما حقيقيا.فقد الباب الأول بالجغرافيا الطبيعية والمناخ .ومن ثم فهو بذلك يعني محددات المكان والزمان لوجود حضارة الإنسان .وكلامه على إثرها يقتضي النوع الثاني منها.فما في الإنسان من متفاعل مع الطبيعة مكانها وزمانها نظير فيه هو ما منه من جنسالمكان الطبيعي المؤثر فيه ومن جنس الزمان الطبيعي المؤثر فيه .والاول هو بدنه والثانيهو وعيه بما حوله وبذاته الواعية بما حولها ولنسم ذلك روحه .فهذان إذن زوجان من الحيز المحيط والمحاط في وجود الإنسان.عندنا إذن بنية مربعة يتلقى فيها حيزان حول كيان الإنسان وحيزان هما كيان الإنسان.وينتج عن تفاعل هذه الأحياز الأربعة حيزان آخران في عالم الإنسان وحيزان آخران فيكيان الإنسان تحصل أربعتها عن التفاعل بين الأحياز الأربعة الأولى وبنفس التناظرالعجيب بين ما في كيان العالم المحيط بالإنسان وما في كيان الإنسان المحاط بها في الأعيانوالمحيط بها في الأذهان :أي إنها حاضرة في ذهن الإنسان دائما حضور كيانه أو حضور حاجة كيانه لها وتفاعله معها.أبو يعرب المرزوقي 55 الأسماء والبيان
--وبهذه الأحياز الأربعة الناتجة عن اللقاء بين الأربعة الأولى يتغير كل شيء فالجغرافياالطبيعية تتضاعف بجغرافيا حضارية والتاريخ الطبيعي بتاريخ حضاري والبدن الطبيعيبتضاعف ببن حضاري والروح الطبيعية بروح حضارية :وهي أحياز أربعة تضع بين الإنسانوالعالم الطبيعي والعالم التاريخي تفاعلهما المادي والرمزي الذي هو من فعل الإنسان وهو معنى الثقافة.وهذه الأحياز الثمانية تجتمع بذاتها وبتفاعلاتها في ما سماه ابن خلدون \"نحل العيش\".وتلك هي البنية الأساسية التي يبني عليها ابن خلدون فلسفة التاريخ التي تمثل لحمة علمالعمران والاجتماع الإنساني وسداه .وهي إذن بنية شديدة التعقيد لما فيها من تشاجن الأحياز الثمانية وتفاعلها .فما الأحياز الأربعة الثانية؟ ماذا ينتج عن الانتقال من الجغرافيا الطبيعية إلى الجغرافيا الحضارية؟الثروة أو التراث المادي .وما ينتج عن الانتقال من التاريخ الطبيعي أي التاريخ الحضاري؟ التراث أو الثروة الرمزية. وماذا ينتج عن الانتقال من البدن الطبيعي إلى البدن الحضاري؟الزاد المادي في البدن نفسه وهو من جنس \"الشحن\" في الهاتف الجوال يمكن من العمل لمدة محدودة. وماذا ينتج عن الانتقال من الروح الطبيعي إلى الروح الحضاري؟الزاد الروحي وهو جزء من التراث الرمزي مثلما أن الزاد المادي في البدن هو جزء منالثروة المادية .ويتبين ذلك عندما يفقد الإنسان ما تتطلبه المائدة والسرير .فهو يأكل منبدنه كما نرى ذلك في المجاعات وما تؤدي إليه من هزال ويضاجع حتى نفسه في غياب الجنس الثاني وهما معوضا التبادل والتواصل العاديين في غياب شرطهما.وهو ما يعني أن المائدة هي رمز التبادل بين الإنسان والطبيعة وأصل كل تبادل آخربينهما والسرير هو رمز التواصل بين الإنسان والإنسان وأصل كل تواصل آخر بينهما .فهماأبو يعرب المرزوقي 56 الأسماء والبيان
--محددان لما دونهما ولما بهما كفاية ولما بهما زيادة عن الكفاية ولما بعدهما وهو مرحلة الترف القاتلة للحضارة عند ابن خلدون.ولما يدرك الإنسان آثار العبودية المباشرة للجغرافيا الطبيعية والتاريخ الطبيعي-إمالعدم وجودهما أصلا كما في البداية أو لظرف قاهر كما يحصل لمن يضل طريقه في الصحراءمثلا-فإنه يصبح حريصا على الزادين خارج ذاته (الثروة والتراث) وفي ذاته قيام بدنه وقيام روحه بوصفهما زادا محايثين لكيانه.فيكون هذا الحرص متضمنا لأمرين :توقع نفاد الزادين ما يعني السعي لضمان توفرهمابحيازة قسط من الجغرافيا الطبيعية وتحويلها إلى جغرافيا حضارية بجعلها مجالا حيويايستمد منه ما يرعى به ذاته ويسعى لحمايته فيكون ذلك بداية تكون الجماعات التي تتبادل وتتواصل لعلاج اشكاليتي الزادين.وما كان يمكن للإنسان أن يصل إلى هذا الوعي من دون أن تكون قد حدثت مجاعاتومن دون أن تكون قد حدثت حروب على المجالات الحيوية التي يستمد منه الإنسان شروطبقائه .فيكون التراث الأول مضمون التاريخ الحضاري بالجوهر درامي وتراجيدي فينتجعن ذلك رؤية وجودية للعالم فيها أمل التوقع وخوف عدمه ولعل أبرز مثال على ذلكموقف المزارع من فصول المطر هطولا أو عدم هطول :وليس بالصدفة أن كان علم الفلكوعلم الطب أول علمين عرفتهما أقدم الحضارات .وليس بالصدفة كذلك أن كان للنساءالدور الأول في الكهانة وتوقع المستقبل في المجتمعات الأولى لأن لهن بحكم اقتسام العملالأول وظيفة الرعاية وللرجال وظيفة الحماية :والأولى أكثير شعور بالخوف من المستقبل(نقاد الغداء) والثانية من الحاضر (هجوم الأعداء) ومن ثم فللنساء هم التفكير فيالمستقبل والفراغ له أكثر من الرجال .كما أنهن أكثر اعتقادا من الرجال وخاصة في التنجيم والسحر وكل ما يكون الخيال ومبدأ الرغبة فيه غالبا على مبدا الواقع.وهذا هو المعنى الأول الذي استمد منه ابن خلدون بداية الأديان والعلوم اللذين همافي آن ثمرة أمل التوقع وخوفه ويصحب الأول العرفان لـ\"أمر\" يعتبر صاحب النعم التيأبو يعرب المرزوقي 57 الأسماء والبيان
--تجعل شروط القيام حاصلة في العالم ويصحب الثاني الاستعداد لمفاجآت هذا الأمر بما يشبه ما نصح به موسى فرعون للسنوات العجاف.وهكذا يتبين أن البنية العامة التي تنطبق على نوعي العمران في المقدمة والتي عرضهاابن خلدون في الباب الاول من المقدمة تجمع بين الاقتصادي والثقافي والسياسي بمعنىالحماية والسياسي بمعنى الرعاية والرؤى الوجودية بمعنى العرفان لكائن متعال والخوفمن مفاجآته أي الأديان والعلوم .وبهذا المعنى نفهم علة مضمون الباب الأول :ففيه قسمان متفاعلان وحصيلة: .1القسم الجغرافي المناخي ممثلا للعالم الطبيعي .2القسم الديني العلمي الممثل للعالم الثقافي. .3أثر الأول في الإنسان في تكوين بدنه وروحه. .4أثر الثاني في الأول لاستمداد في تشكيله لتحقيق ذلك. .5مرجعية لاحمة للجماعة هي في آن تراث روحي وثروة مادية في الأعيان وفي الأذهان ومن دونها لا يمكن فهم معنى جماعة متجانسة أو أمة متلاحمة.وهذه البنية صالحة في الشكلين الأبرزين من العمران أي البدوي والحضري بمعيار يميزبينهما بتقدم الدورين .ففي البدوي المتقدم في الفاعلية هو العالم الطبيعي أي تأثيرالطبيعة الخارجية والداخلية في الإنسان .وفي الحضري المتقدم هو العالم الثقافي أي تأثيرالإنسان في الطبيعة الخارجية بأحيازها الخمسة (المكان والزمان وأثر المكان في الزمان أوالتراث وأثر الزمان في المكان أو الثروة والعالم الطبيعي) وفي الطبيعة الداخلية بأحيازها الخمسة (البدن والروح وتأثر البدن بالثروة وتأثر الروح بالتراث والعالم التاريخي). وحتى يتضح لنا ذلك فلنضع الباب الأول الذي حدد البنية العامة جانبا. وللنظر في الأبواب الخمسة الباقية .ماذا نلاحظ؟أبو يعرب المرزوقي 58 الأسماء والبيان
--إذا ذهبنا من الثاني (البوادي) إلى الرابع (الحواضر) نمر بالثالث (الدولة) يتناقصتأثير الطبيعة .وإذا عدنا من السادس(العلوم) إلى الرابع نمر بالخامس(الصنائع) يتناقص تأثير الثقافة.وفي كل نقطة من هذا المسار في الاتجاهين نجد تناسبا بين ربو دور الثقافي ونقصان دورالطبيعي من البداية (الفصل الثاني) إلى الغاية (الفصل السادس) والعكس أي تناقصدور الثقافي (الباب السادس) وربو دور الطبيعي (الثاني) .والمدينة تمثل الحد الأوسطبين تناقص الطبيعي وتناقص الثقافي حيث يكون الأول شبه غائب بعد المدينة فيكون تابعاللعمران الحضري والثاني شبه غائب قبل المدينة فيكون تابعا للعمران البدوي .وتكونالمدينة جامعة بين نوعي العمران في القلب الحضري وفي المحيط البدوي .وهذا قانون عامفي كل مدن العالم وفي كل عصور الحضارات بعد أن تكون قد وصلت إلى مواد الباب السادس من المقدمة.هبنا واصلنا المسار الأول حتى نصل إلى السادس فنصل إلى المرحلة التي يكاد كل شيءفي حياة البشر يصبح في قطيعة مع الطبيعة وكأنه صار كله ثقافيا والذهاب به إلى الاقصىهو الترف وهو القاتل للحضارات لأنه ملغ للطبيعي في حياتها .وإذا عكسنا نجد أقصى البداوة وهو التوحش المطلق لسلطان الطبيعة.فتكون الحواضر (المدن) هي الحد الأوسط حيث تلتقي الفاعليتان الذاهبة من الطبيعيإلى الثقافي والعائدة من الثقافي إلى الطبيعي .ولذلك فلا توجد مدينة ليست في آنحضرية في الوسط وبدوية في أحوازها أو ما يحيط بها من أحياء قصديرية يسكنها النازحون الذين سيتمدنون بمفعول الزمن.لكن ما من مرحلة تخلو من التفاعل بين الطبيعي والثقافي في مجالي تعينهما أعني فيالمائدة والسرير إذ يبقى المضمون الدافع فيهما طبيعيا دائما والشكل الرافع فيهما ثقافيادائما .لكن الثقافي لا أعني به الفلكلور أي ما به تتمايز حضارة عن حضارة بل الكلي في الشكل :وهو الدلالة التجميلية.أبو يعرب المرزوقي 59 الأسماء والبيان
--والفلكلوري في الدلالة التجميلية لا تتعلق بالشكل الجمالي بل بالحامل للجمالي وهومستمد من قيم المضامين في الجماعة .فالطعوم في المائدة والجمال في السرير مختلفة منحضارة إلى حضارة بل ومن مرحلة من كل حضارة إلى مرحلة أخرى لكنها واحدة كقيمة حتى وإن تعدد حامل القيمة غذاء وأبدانا.ففي المائدة لا يهم المأكول بل قيمته الذوقية عند الجماعة .وهذا قانون عام وكوني ولايختلف فيه شعب عن شعب .ما يختلف بين الشعوب هو حامل القيمة الذوقية .فما يستلذهالعربي مثلا في زمن ما غير ما يستلذه الفرنسي .لكن المعيار الغذائي هو ذوق الطعم. ونفس الأمر في السرير المهم القيمة الجمالية أي ما يستملحه الجنسان كلاهما من كليهما.ومعنى ذلك أن أحد الأوهام حول المقابلة بين الطبيعي والثقافي يسقط :ليس الطبيعيوحده هو الكلي بل الثقافي أيضا فيه ما هو كلي .وكل من يتكلم على الخصوصيات يخلط بينالثقافي والفلكلوري .فكون العربي مثلا يحب المرأة الممتلئة لا يعني أن معيار اختياره مختلف عن معيار من يحب الهزيلة .المعيار واحد :الاستـملاح.واختلاف حوامل المستملح لا يتعلق بها بما يحمله من علاقة بما بين الجنس والأكل منإيحاءات متبادلة .فالمخيال فيهما واحد ويمكن أن نتكلم على أحدهما بما نتكلم به علىالآخر .والملذوذ فيهما رغم كونه تعينه في الحوامل ثقافي بحسب ما يتوفر في الطبيعة وفيالجماعة من حوامل هي في الغالب حصيلة العاملين الطبيعي والثقافي :والكوني فيهما منجنس الكوني في الألسن :فهو لا يقتصر على الصوت (الطبيعي) ولا حتى على آليات الإفادة (طبيعية أو كونية) بل على نسبها التي تحافظ على كلي ليس طبيعيا بل هو ثقافي.مثال ذلك أن اللغة اللغات الاعرابية اشتقاقية في الغالب واللغات غير الإعرابية نحتيةفي الغالب .لكنه لا توجد لغة خالية من الخاصيتين حتى وإن كان خيار الكتابة هو الذييخفي الطابع النحتي في اللغات الاشتقاقية .فالاشتقاق نحت بين الأصل والزياداتالصدرية أو الذيلية او الحشوية .وهذه ليست طبيعية بل ثقافية ولعلها تفهم بما يفسر به الفارابي نشأة اللغات بالعادات الأولى في الجماعة.أبو يعرب المرزوقي 60 الأسماء والبيان
--يمكن أن نشرح الاختلاف في حامل الجمال بما بين المائدة والسرير من تفاعل .وليسبالصدفة أن كانت كل استعارات الجنس وكل استعارات الغذاء من طبيعة واحدة بمعنى أنالذوق بالمعنى الغذائي والذوق بالمعنى الجنسي وما يتبعهما من ذوق بالمعنى الالتذاذيوالجمالي في نفس النسبة عند جميع البشر .ففي الجنس يوجد تعالق بين المأكول والمنكوحومن ثم بين الذوقين سواء عند الرجل إزاء المرأة أو عند المرأة إزاء الرجل وليس طبعابالمعنى الحقيقي بل بالمعنى المجازي رغم أن فيه شيئا من الحقيقة كما في التقبيل والعض الخفيف والرضاب وكل الصور التي يتكلم عليها شعراء الغزل.وفي الأمر شيء من التعويض .فالبدوي يحب المرأة الممتلئة لأن مائدته في الغالب خاوية.والحضري يحب المرأة الأقل امتلاء لأن مائدته في الغالب ممتلئة .لكأن الترادع بين المائدةوالسرير يقتضي هذا التعاوض بينهما بحسب العلاقة بين المائدة والسرير .ولست أدري كيف يمكن فهم البدانة عند الأغنياء.فبدانة النساء في مصر مثلا مفهومة بهذا المعيار .لكنها غير مفهومة في أمريكا .لكن ربماالجواب في عموم البدانية بين الجنسين فيها .لكن عندئذ هي يعني ذلك أنه يوجد تناسبعكسي بين المائدة والسرير في أمريكا؟ هل يعني ذلك أن الجنس يضمر في هذه الحالة فنفهم غلبة الفرجة على الفعل نفسه؟أبو يعرب المرزوقي 61 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 62 الأسماء والبيان
Search