الأسماء والبيان
أود أن اشكر المشرفين على هذه الدعوة الكريمة.لما قرأت عنوان المداخلة التي طُلب مني أن أقدمها استنتجت منها انها تنطبق على قراءة او تحديد لمفهوم الربيع العربي بوصفه كان حركة إصلاحية للدولة وللنظام الإقليمي. واستنتجت من السؤال \"هل ما يزال\" ان هناك فرضية مضاعفة: ▪ الأولى تجزم بانه كان حركة إصلاحية. ▪ الثانية تشكك في انه مازال. ومن ثم فان القضية هي هل التعريف الأول صحيح؟ وهل التشكيك في كونه ما زال ،صحيح؟ هذان هما السؤالان اللذان اريد ان اجيب عنهما.اعتقد ان تعريف الربيع العربي بوصفه حركة إصلاحية نتج عن اللحظة الأولى منالربيع العربي قبل ان يصبح بشرعية شعبية معبرا عن إرادة أصبح فيها ما يسمى \"بالإسلام السياسي\" ممثلا لهذه الإرادة.عندئذ تغيرت المواقف من الأنظمة العربية كلها بصنفيها العسكري وغير العسكري وحتىمن صف المقاومة الذي رحب بها في البداية ثم لما وصلت الى سوريا تغير الموقف ولما ُسمحللإسلاميين بأخذ الحكم بشرعية شعبية ديمقراطية وقع عكس ما كان ينتظر من هذه الحركةوهو ان الثورة المضادة هي التي وحدت ساحة الصراع فاعتبرت ما يحدث خطرا عليها ،ثمانها استطاعت – ربما لأخطاء وقعت فيها الحركة الإسلامية – اقناع القوى التي لها دور فيالإقليم بان الخطر بتهدد العالم كله وليس فقط الإقليم .وعندئذ لا استطيع ان اعرّفالربيع العربي بكونه يحدد افق الاصلاح للدولة و للنظام الإقليمي و انما اعتبره افقالتأويل لما يحدث في الإقليم و في العالم في علاقة بالإقليم هو افق التأويل لان المواقف التي 31
كانت تتصارع في الإقليم و تتخفى بأجندات تغطي على الاجندات الفعلية أصبحت صريحةالإعلان عن هذه الاجندات فيكون فضل الربيع العربي في انه اخرج الى العلن ما كانيعيشه العرب من حرب أهلية باردة فصارت حامية و ما كانت تؤدي اليه هذه الحرب الاهليةمن تغول لطموحات امبراطورية متقدمة على الإسلام لها رمزان واضحان :الرمز الإسرائيلي والرمز الإيراني.وهذان الرمزان يحتميان برمزين اخرين يمثلان علاقة دولية مسرحها بالأساس استعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.ومن ثم فان ازمة الدولة القطرية ليست خاصة بالإقليم وانما هي تجمع بين اقليمينالشرق الأوسط وأوروبا العتيقة التي كانت منقسمة على بعضها ثم لما سقط القطبالسوفياتي أصبحت بالفعل او بالقوة مثل إقليم شرق الأوسط خاضعة لسلطة امبراطورية فاقدة لدلالة السيادة بحق.ونحن نلاحظ ان أوروبا العتيقة الان بدأت تخشى على مفهوم الدولة الوطنية والدليلخروج بريطانيا ومحاولات اليمين الغربي اخراج الدول الأوروبية خوفا على سيادتهاالوطنية من سلطة فوقها هي السلطة الأوروبية التي هي في الحقيقة الترجمة السياسية للتوحيد الناتج عن حلف الأطلسي.اذن في الحقيقة ما يجري حاليا وما يساعد الربيع العربي على قراءته لا يتعلق بأزمةالدولة العربية وانما بأزمة الدولة الوطنية في العالم وخاصة في الأقلية من الشرق الأوسطوأوروبا العتيقة وبأزمة النظام الدولي العالمي ولذلك نلاحظ ان وراء الطموحينالامبراطوريين حاجة الى السند المستند الى صاحب السيطرة على العالم .فالطموحالامبراطوري الإيراني الذي يريد استعادة الإمبراطورية المتقدمة على الإسلام احتاج الىالطموح الامبراطوري الروسي الذي كان له دور أساسي في الإطاحة بالإمبراطوريةالعثمانية او بتقزيمها والإمبراطورية التي لها سيد هو أمريكا تستند اليها إسرائيل لنفسالغاية \"الطموح الامبراطوري المتقدم على الإسلام\" .بحيث ان المعركة أصبحت تدور حولطموح امبراطوري لما بقي من المسلمين إذا استثنينا إيران .ومن هنا فان الحرب في الحقيقة 32
ليست موجهة الى الغرب وحدهم وانما هي موجهة الى العرب والى الترك أي الى بداية الطموح الامبراطوري الإسلامي :العرب والى غايته :الترك.والربيع العربي في الحقيقة لم يعترف به بوصفه حركة تقدمية الا دولتان :قطر وتركيا.اما باقي الدول العربية فقد اعتبرته خطرا عليها فيما تسميه دولة وطنية وهو ليس دولة وطنية وانما هو محميات أوروبية وغربية.واريد ان اختم بملاحظة تتعلق بما قاله صديقي حول العقدة القرطاجنية لأنها عقدة تونسية باللغة الحديثة وتتعلق بالربيع العربي.الربيع العربي ب ّين ان العقدة القرطاجنية ليست عندنا وانما عند الغرب وهذه العقدة تبين ان ما فعلته روما بقرطاج أصبح مستحيلا.منذ ان تكونت الإمبراطورية الإسلامية حاول الغرب الحروب الصليبية و بحروبالاسترداد و بالإحاطة بالعالم الإسلامي عندما اكتشف العالم الجديد و بالحروبالاستعمارية ان يلغي دور الإسلام من التاريخ حتى ان هيغل في الجزء الرابع من كتابهفلسفة التاريخ الفصل الثاني ،تكلم على ان الإسلام خرج من التاريخ ولم يبقى منه الاذيل صغير و يتحدث عن الجزء الأوروبي بتركيا وهذا الذيل الصغير لم يبقى موجودا الا لان الدول الأوروبية تتحاسد على افتكاكه.ولكن التاريخ اثبت بعد هيغل ،في 1831أي بعد وفاته ،ان العالم الإسلامي ازداد اتساعاوازداد عنفوانه وازداد قوة واليوم المعركة ليست بين الإسلام والمسيحية ولا بين شرقأوسط وأوروبا وانما هي على ازمة تعيشها أوروبا ويعيشها الشرق الأوسط وهي ازمةالدولة الوطنية التي قضت عليها العولمة واثنت النظام العالمي الذي لم يعد يتحدد فيالحضارة الغربية بمعناها الشرقي والغربي وانما أصبح يتحدد بين الحضارة الغربية وشرق اسيا والشرق الأقصى. 33
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages: