أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
بعد الكلام في الإصلاح الديني واعتباره لا يصح على الإسلام بل على ما بني على تحريفه من علوم زائفة وبعد تأصيل علومه ،نشرع في تأصيل أعماله.تأصيل أعمال الإسلام ليس هو شيئا آخر غير تأصيل وظائف دولته .فالديني حقيقة واحدة ذات وجهين: -إنه في الأذهان عقد وشرع. -وهو في الأعيان سياسة وعمل.والعقد غاية النظر والشرع غاية العمل .وإذن ،فالديني أصله فلسفة حقيقة الإنسان الناظر والعامل ،وثمرته سياسة تحقيقها بالتربية والحكم.الديني بمفهومه في الإسلام المصحح لكل الأديان خلال عرضه لأحداثها وأحاديثها فلسفة نقدية في النظر والعمل من أجل سياسة نقدية في التربية والحكم.لكن التأصيل الفلسفي للعقد والشرع في الإسلام والاستثمار السياسي في التربية والحكم يرد إلى مفهومين هما قطبا المعادلة الوجودية :الله والإنسان.أصلنا علوم الملة على علاقة هذين القطبين المباشرة أو بتوسط الطبيعة والتاريخ أي بما يتجلى فيهما من آيات الأول للثاني نموذجين للنظر والعمل.ونريد الآن أن نؤصل لأعمال الملة أي لوظائف الدولة كسياسة يحددها التأصيل الأول بوظيفتيها التربية (للرعاية) والحكم (للحماية) :وظيفتي الدولة.فيكون علينا أن نعرف الدولة وأن نحدد وظيفتيها بفروع كل واحدة منها وهي عشرة. خمسة لكل وظيفة: -خمسة للرعاية -وخمسة للحماية 61
كلها تحتاج للتأصيل. فيتألف البحث في المسألة من احدى عشرة فصلا: -هذا الأول للتمهيد وتعريف مفهوم الدولة، -وعشرة للوظائف: خمسة للرعاية. وخمسة للحماية. فيتم التأصيل النظري والعملي.تعريف الديني في الاسلام كما صغناه أعلاه ،شرط لفهم القرآن بما هو استعراض نقدي نظري وعملي للأديان يهدف لإصلاح السياسة تربية وحكما.والهدف من النقد هو بيان التحريفات التي تعوق الحريتين الروحية والسياسية بدور سلطتين روحية هي الوساطة الكنسية ،ومادية هي الوساطة السياسية.الأولى تلغي حرية الإنسان الروحية بالتوسط بينه وبين ربه ،والثانية تلغي حريته السياسية بالتوسط بينه وبين العالم وهو الأمر الذي هو أمر الجماعة.ذلك هو مضمون الشورى .38ومدار أمر الجماعة هو السلطة الروحية والسياسة والسلطة الاقتصادية في علاقة الإنسان بربه والعالم الطبيعي والتاريخي.فالقرآن فلسفة نظر وعمل من أجل فلسفة تربية وحكم .إنه مرجعية دولة تحقق شروط استعمار الإنسان في الأرض بقيم العلاقة بين الله والإنسان :الاستخلاف.وتلك هي الدولة التي تتعين فيها السياسة بهذا المعنى تربية للإنسان وحكما يؤهله لأن يكون ذاتا حرة ومسؤولة في مجالي الحرية الروحية والسياسية.وهو ما يقتضي التحرر من الكنسية ومن الحق الإلهي في الحكم سواء كعقيدة صريحة أو بتوسط قانون التغلب الذي هو النكوص إلى الحق الطبيعي للقوة.تعين النكوص إلى الكنسية والحق الإلهي أمرا واجبا كتحريف شيعي للإسلام ،وتعين النكوص الخفي إليهما أمرا واقعا كتحريف سني بعد عصر الراشدين. 62
ومنذئذ فسدت وظيفتا الدولة أي التربية والحكم الذين أصبحا ملغيين للحرية الروحية والحرية السياسية شرطي وجود الفرد الحر والمسؤول دنيا وآخرة.وهذا ملغ لمعنى الاستخلاف وقد اعتبره ابن خلدون فساد معاني الإنسانية الناتج عن العنف في التربية وفي الحكم إلغاء لمقومات الذات الخمسة.فيقتلان إرادة الفرد وعلمه وقدرته وحياته ووجوده كرئيس بالطبع (ابن خلدون) ويقلبان الوجه الموجب من القيم إلى وجهها السالب أخلاقا عامة للجماعة.فحرية الإرادة تصبح جبرا ،وحقيقة العلم تصبح باطلا ،وخيرية القدرة تصبح شرا، وجمال الحياة يصبح قبحا ،وجلال الوجود يصبح ذلا :إنه مآل الأخلاق لدينا.ومن يعاند فلا يعتبر بهذا التشخيص يواصل الكذب على النفس ومن ثم فهو لن يشرع في تحقيق شروط الاستئناف الذي يخرج الأمة من هذا التردي القيمي.والفرصة التاريخية الكونية حاليا فرصة الإسلام لعلاج هذا المرض الكوني رغم بلوغه الذروة عندنا لأننا فقدنا السيادة فصرنا تابعين للعنف الكوني.كل المسلمين رعايا لمحميات وليسوا مواطنين في دول لأن التربية والحكم فيها صارا خاضعين لكونية العنف الذي يمثله أصحاب قلب القيم الخمس التي وصفت.وبعبارة وجيزة يمكن القول إن كونية العنف -أمريكا -هي النقيض التام لكونية الإسلام :تنفي النساء 1والحجرات 13كأمر واجب لا كمجرد أمر واقع.فليس البشر عندها اخوة (النساء )1وليسوا متساوين (الحجرات )13بل هو نظام عنصري وطبقي بالجوهر ويعتبر ذاته في خطر ما ظل الإسلام قائما.ويصحب هذه العلاقة بالطبيعة ظاهرة الاسقاط :نظام ارهابي بالجوهر يفرض بالعنف المادي والرمزي رؤاه للعالم فيسقط صفاته على مقاومي تسلطه الكوني.ودول المسلمين وهي محميات لهذا التسلط الكوني سيحاول بها أدوات لمنع المفهوم القويم لدولة الإسلام باستعمال عنف نوابه فيها وباختراق معارضيهم.فتشوه دولة الإسلام مرتين بحرب مادية ورمزية :عند نواب الاستعمار الذين يدعون صفة الحكام في المحميات وعند معارضيهم الذين يدعون صفة معارضيهم. 63
وبذلك يتبين أن ما يجري ليس فيه شيء هو مجرد مصادفة بل له أصل بنيوي في طبيعة العلاقة بين الإسلام والتاريخ الكوني وأصل ظرفي في وضعية العالم. فكيف يعرف الإسلام دولته؟ ولم هي كونية؟ ولم هي منافية لكونية الطاغوت الدولي في العولمة؟ ولماذا صار المسلمون تابعين حكما ومخترقين معارضة؟فتبعية الحكام ومخترقيه المعارضة كلتاهما تحقق التشويه القصدي للإسلام وأولاهما جزء من الحرب العنيفة والثانية من الحرب اللطيفة :بالفاعليتين.تبعية الحكام مهمتها يغلب عليها التشويه بالعنف المادي .واختراق المعارضة (بنوعيها التأصيلي والتحديثي) يغلب عليه التشويه بالعنف الرمزي.ومجموعهما يفسد معاني الإنسانية بالعنفين :فالحكم يفسد قيم الإسلام الفعلية والمعارضة تفسد قيمه الرمزية :بعدا الحرب على حكم الإسلام وتربيته.ولا يظنن أحد أن هذا الكلام لا علاقة له بالسياسة حكما وتربية لغياب موضوعه أي الشؤون الدنيوية وإنما هو فلسفة من يعيش في يتوبيا الفكر السياسي.فلندقق ما يلغي هذا الفهم السطحي لما نحن بصدده :وذلك بفهم أهداف محاربي الإسلام واستراتيجيتهم الكونية ودور الحكم التابع والمعارضة المخترقة.فلنحاول فهم طبيعة حكم المحميات التابعة ودورها وطبيعة معارضاتها المخترقة ودورها في الحرب التي تحمي مصالح أصحاب العولمة المحاربين للإسلام.ولا نفهم المصالح المحركة لأصحاب العولمة المحاربة للإسلام إلا من خلال الاستراتيجية التي تحقق حمايتها بالمحميات حكما تابعا ومعارضة مخترقة.ولنفهم أولا هذه الظاهرة :فالأنظمة العسكرية تدعي مقاومة الغرب لكن معارضتها تحتمي به .والأنظمة القبلية تحتمي بالغرب لكن معارضتها تدعي مقاومته.إنها الحيلة الاستراتيجية القصوى عند من يفهم الحرب الحديثة :فتقسيم حكم المحميات ومعارضته إلى صنفين محتم ومقاوم هو أداة تأجيج الحرب الأهلية. 64
كل جماعة وقعت في الحرب الأهلية تصبح أيسر لاستتباع حكامها واختراق معارضتها ومن ثم فوضعية المحميات تصبح وضعية شبه أبدية :أهم أداة استراتيجية.وهذا الوصف أمين للوضعية العربية والإسلامية الحالية في نظام العالم الذي يحقق مصالح المحارب للإسلام بتفتيت جسده (الجغرافيا) وروحه (التاريخ).فتفتيت جغرافيته يجعل دوله محميات وتفتيت تاريخه يجعلها تبحث عن شرعية أساسها نفي وحدتها المكانية والزمانية فيفقد الحماية والرعاية الكونيتين.لتأخذ ثروات الأمة المادية والرمزية ينبغي أن يسيطر على حيزيها المكاني والتاريخي لتفقدها الوحدتين المادية والروحية شرطي حمايتها ورعايتها.وجود المحميات حكما ومعارضة صار شرط الاستحواذ على ثروات الأمة وموقعها من العالم لئلا تتمكن من منع نهبها باستتباع الانظمة واختراق المعارضات.ويقتضي ذلك أن تصبح الأمة في حرب أهلية بين الانظمة والمعارضة ليس على تحقيق شروط التحرير من هذه الاستراتيجيا بل على الدورين في خطة صاحبها.فيتضح أن الأمر ليس يتوبيا فلسفية بل محاولة لتجاوز سطح الأحداث إلى عللها :فالحرب على الإسلام ليست بدوافع دينية بل بدوافع مصلحية استراتيجية.لكن جل النخب العربية-لسوء الحظ -فقدت القدرة على وصل النتائج بمقدماتها بسبب التكوين السطحي الذي لم يعد يتجاوز التقريب الجمهوري أو الصحافي.فيعتقدون أن فصل الاختصاصات في المعرفة يعني فصل موضوعاتها في الوجود :فيتصورون الدين والفلسفة والسياسة والاقتصاد منفصلات كما في النظرية.الحرب على الإسلام يقاوم بها استراتيجيو الغرب فلسفة الإسلام السياسية التي تقاوم غزو كيانه المادي والرمز (داره وتاريخه) لإضعاف الأمة ونهبها.فالحرب الحديثة (كل حرب) لا بد أن تتأسس على سلاحين رمزي يخرب تاريخ الأمة المستهدفة ومادي يخرب جغرافيتها بإحداث كيانات طفيلية تحتمي بالغازي.ولا تبقى هذه الكيانات وتدوم إلا بحرب اهلية على خدمة الغازي بين الانظمة وبين المعارضات ثم بينهما وهو ما نراه بأم العين جاريا منذ الانحطاط. 65
فإذا أردنا أن نفهم ذلك فلا بد من دراسة الاستراتيجية الغازية ونقاط الضعف التي ينفذ منها الغازي ثم البحث عن العلل التي أحدثت نقاط الضعف.فالحرب مهما تقدمت الاستراتيجيا يبقى جوهرها من جنس الصيد الذي تمثل خططه جوهر الاستراتيجيا البايولوجيا في التاريخ الطبيعي الخارجي والداخلي.فأما الخارجي فهو الصراع على مصادر الرزق وأما الداخلي فهو من جنسه ويتمثل في صراع البدن مع الجراثيم والفيروسات التي تعيس بالاغتذاء من البدن. فتكون الاستراتيجيا الحربية بين البشر جامعة بين التقنيتين: -حرب خارجية بغزو المكان. -وحرب داخلية بتكوين شروط تضعف أهله ليكونوا خدما للغازي.والخدم للغازي سلاح بايولوجي يكون فيه الحاكم والمعارض والحرب الأهلية بين الحكام وبين المعارضين ثم بين الصفين جراثيم وفيروسات تمنع مقاومته.إن بيان كل هذه العلاقات عسير الفهم .وقد يظن تحليقا في يتوبيا الفلسفة السياسية. لكن شباب الثورة تجاوز سطحية نخب الحكم والمعارضة خادمة الغزاة.لا أهتم كثيرا بحكام المحميات ومعارضاتهم وميليشياتهم بالقلم والسيف وسأوصل ما اعتبره ضروريا لجعل الثورة الحالية بداية تستأنف ثورة الإسلام.أطلت في عرض الإشكالية فلم أعرف الدولة بمفهومها الإسلامي .اخرته للبداية في الكلام على تأصيل وظائفها بدءا بتأصيل مفهومها في الفصول المقبلة. 66
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 12
Pages: