أبو يعرب المرزوقي re nils frahm في المعاني الكلية بين تقويم الأشياء والرمز إليها الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 7 - -الفصل الثالث 14 - -الفصل الرابع 22 - -الفصل الخامس 29 - -خاتمة 35 -
-- العناية بالحدث وحاضر التاريخ لا ينبغي أن يصبح حائلا دون مواصلة البحث في بعض أسرار العلاقة بين المشائية ومحاولات التخلص منها في المدرسة النقدية التي هي موضوع اهتمامي منذ 1979عندما سجلت في رسالة دكتورا الدولة في شكلها الفرنسي القديم قبل أن يصبح نظامها محاكيا للانجلو سكسوني. فما لم يزل محيرا لي هو المقابلة بين \"المعاني الكلية المقومة\" سواء بالمعنى الأفلاطوني المفارق أو بالمعنى الأرسطي المحايث و\"المعاني الكلية التي تعتبر رموزا\" من جنس الألفاظ ورسوم الكتابة وليست مقومة لما ترمز إليه. فما طبيعة هذه الرموز وكيف تمكن من التعامل مع الأشياء معاملة ذات فاعلية؟ ماذا يقصد ابن تيمية لما انتهى إلى هذه الملاحظة العجيبة بعد أن ميز بين علم المعاني الكلية التي هي مقدرات ذهنية قابلة لأن يكون علمها \"كليا ومحضا وبرهانيا\" وعلم الأشياء الخارجية التي ينفي عنه هذه الصفات الثلاث فقال: \"فتدبر هذا فإنه من أسرار عظائم العلوم التي يظهر لك به ما يجل عن الوصف من الفرق بين الطريقة الفطرية العقلية السمعية الشرعية الإيمانية وبين الطرقية القياسية المنطقية الكلامية\" (المنطق ص 73-72.مجموع الفتاوى الجزء )9؟ ما عظائم العلوم التي \"تظهر\" بفضل هذا التمييز بين نوعي العلم المتصف بما ذكرت والمنفية عنه تلك الصفات :الكلية والمحظية والبرهانية؟ هذا هو الأمر الذي يحيرني ولم أجد له حلا يمكن من فهم هذه الأنفاء الثلاثة دون أن يترتب عليها أن تزول فاعلية علم لا علاقة له بموضوعه الخارجي (المقدرات الذهنية) وحصره في دور المعاني الكلية التي تؤدي دور الرمز اللساني ومع ذلك فلا يمكن لعلم لا يتصف بصفاته ألا يكون علما من دونه. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- بوضوح أكبر :كيف للمنطق والرياضيات -وهما مثالا ابن تيمية عما يسميه المقدرات الذهنية -أن يكونا ضروريين لعلمية العلوم التي موضوعها خارجي دون أن تكون المعاني الكلية التي هي موضوعهما مقومة للموضوع العلوم التي لا تكون علوما من دونها؟ هذا هو السر \"الميستار\" المحير الذي علينا فهمه. فيم تتمثل \"عظائم العلوم\" التي تحصل بمجرد التخلص من الطريقة \"القياسية المنطقية الكلامية\"؟ وهي صفات ثلاث منفية عن علم المعاني الكلية المقدرة ذهنيا أولا لأنها هي التي تمكن من بيان فسادها ومنفية ثانيا عن الطريقة الفطرية العقلية السمعية الشرعية الإيمانية. لكن ما علة هذا النفي الثاني؟ فبين أن المرء يمكن أن يفهم أن علم المقدرات الذهنية لا يستعمل \"الطريقة القياسية المنطقية الكلامية\" لكن كيف يمكن أن يفهم اعتبار \"الطريقة الفطرية العقلية السمعية الشرعية الإيمانية\" لا تستعمل الطريقة القياسية المنطقية الكلامية أي طريقة الرازي رمز الكلام هنا وفي كل محاورات ابن تيمية غير المقصورة على درء التعارض كما في الرد على المنطقيين الذي يتجاوز المتكلمين إلى الفلاسفة عامة. ولنبدأ بتوضيح نوعي العلوم الواردة في هذا الاستثناء الذي يميزها عن الطريقة القياسية المنطقية الكلامية: .1الطريقة الفطرية العقلية. .2السمعية الشرعية الإيمانية. فهذه سلسلة من المعاني التي تحتاج إلى توضيح بصورة قد لا تخطر على بال القارئ المتسرع عندما تغيب عن ذهنه المقابلة المقصودة فيها .فقصد ابن تيمية أن \"الطريقة الفطرية العقلية\" لها استعمالان وصف كل واحد منهما بثلاث صفات: .1هو حقيقتها (سمعية شرعية إيمانية). .2علة فسادها. أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .3الذي يبعدها عن حقيقتها (قياسية منطقية كلامية). وإذن فالأمر يتعلق بنظرية المعرفة مطبقة على علوم الدين لنفي ردها إلى علوم الفلسفة بالتأويل .فنعجب حينئذ من بداية تشمل العلاقة بين علم المقدرات الذهنية عامة وعلم الموضوعات الخارجية عامة ومن غاية تكتفي بالمقابلة في محاولات رد النقلي إلى العقلي في علم الكلام خاصة وهو رد يطبقه فلاسفة الإسلام كلهم بدعوى الرسوخ في العلم والقول بنظرية المطابقة. فهل القصد الاقتصار على الغاية؟ ولا أنكر أن غرض ابن تيمية الأساسي هو بيان عدم فاعلية \"طريقة القياس المنطقي الكلامي\" لدحض رد النقل إلى العقل .لكن لو كان ذلك وحده غرضه لما وضع المعيارين اللذين ينفيان أن يكون العقل والنقل يمكن أن يتعارضا .فيترتب على ذلك أن الوحي ليس فيه علم الغيب بل ما فيه هو الأعلام بوجوده لا علمه وإلا لكان الاعتراض بأن هذا الرد لا يأخذ في حسبانه الغيب. وهنا تتضح أهمية الوصل بين هذه البداية وهذه الغاية :فما قيل عن علم الموجودات الخارجية من استحالة أن يكون \"كليا ومحضا وبرهانيا\" لا ينطبق على العقليات وحدها بل ينطبق على النقليات كذلك انطباقه على العقليات ولا يزعم أن هذه الحدود التي وضعها لعلوم الطبيعة مثلا بالمقابل مع الرياضيات لا يضعها كذلك لعلوم النقل لكونه بدعوى الوحي الذي يعلم الغيب الذي يتعلق بالخارج وليس بالمقدرات الذهنية. بعبارة أوضح ابن تيمية لا يستثني علوم النقل مما اعتبره مستحيلا لعلوم العقل إذا لم تكن علوما لمقدرات ذهنية وكانت علوما لموضوعات خارجية .وإلى الآن لم افهم عدم الانتباه إلى هذه الظاهرة الغريبة :كيف لابن تيمية ان ينفي التعارض بين العلقي والنقلي إذا لم يكن يسلم بأن النقلي لا يتضمن ما يتجاوز العقلي؟ أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- فيكون العلم فلسفيا كان أو دينيا خاضعا لنظرية معرفة واحدة تميز بين التقدير الذهني من حيث هو علم يتصف بالكلية والمحظية والبرهانية عن أي علم موضوعه خارجي سواء كان فلسفيا أو دينيا ولا أحد منهما له أي من هذه الصفات. وتلك هي أهمية ثورته :فاستحالة أن يكون العلم ذو الموضوع الخارجي -فلسفيا كان أو دينيا-كليا ومحضا وبرهانيا هو معنى تغيير نظرية المعرفة التي تنفي المطابقة بين العلم والموضوع وتبقي المسافة بينهما والتي عبر عنها بأن كل تصور وراءه تصور أفضل وأدق وأتم بغير حد معلوم لاستحالة الإحاطة. ولما كان ذلك كذلك فلا علم للخارجيات فلسفية كانت (الطبيعة) أو دينية (الوحي) إلا وهو اجتهاد غير كلي وغير محظ وغير برهاني لأنه ليس علما محيطا ما يعني أن عدم الإحاطة لا تقتصر على الغيب بل هي تشمل حتى عالم الشهادة .ومن ثم فكل ما نتوهمه مقوما للموضوع ليس مقوما له بل هو مقوم لصورتنا عنه أو هو مقوم لـما نرمز إليه به تقويما ذريعيا. هل من حل لهذا اللغز؟ فلا وجود لعلم إنساني يمكن لصاحبه أن يدعي أنه مطابق لحقيقة موضوعه التي لا تقبل الرد إلى ما نرمز إليه به من المعاني الكلية كلية تقدير ذهني وليست كلية مطابقة لمقومات الشيء الخارجي .فلو اعتبرناها لعبة رمزية فنحسب التقدير الذهني في المقدم مطابقا لما وضعناه مضمونا وجوديا لها فيمكننا أن ندعي مطابقة التالي .إذ حينها نكون نحن الذين صنعنا المقدر الذهني من حيث هو موضوع الترميز ومن حيث هو الرمز المحيل عليه إحالة دال إلى مدلول كلاهما من وضع المستدل. لكن في الموجودات الخارجية يمكن أن يكذبنا التالي دائما بما لا يطابق فيه ما تصورناه مقوما رمزنا إليه متصورين أنه مختلف من حيث الطبيعة عن الرمز الذي نشير إليه به. وذلك هو سر تغير النظريات العلمية بقانون نقيض التالي يترتب عليه نقيض المقدم. والمشكل مع المشائية هو أن المقدم يعتبر معطى حدسي وهو التعريفات والحدود التي لا أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- برهان عليها بل هي حدوس تتسلم (الفصل الأخير من التحليلات الأواخر في الحد) .وذلك هو ما ينفيه ابن تيمية لأنه يعتبر عناصر الحد غير مقومة لأنه ينفي أن تكون عناصر التعريف ذات وجود يتجاوز كونها أسماء لما اخترناه من أعراض الشيء لتمييزه عن غيره مع عدم الاعتراف بالمقابلة بين العرض العام والعرض الذاتي. التعريفات والحدود إذا لم تكن مجرد معاني كلية ترمز إلى ما به نعبر عما ندركه مما نعتبره أعراضا ممثلة للشيء وتصورناه مقوما له أصبح من الواجب عدم تغييرها لأن ذلك يعني أنها لم تعد مقومة .لكن الحقيقة هي أنها من البداية ليست مقومة بل هي معان رامزة لما تصورناه علامات دالة عليه. وهنا نصل إلى مشكل المشاكل وإلى سر الأسرار الذي يحير في فكر ابن تيمية .فمن أين تأتينا العلامات التي نعتبرها دالة على \"شيء\" في الشيء ليس من صنعنا كما يكون الأمر عليه في المقدرات الذهنية ومع ذلك فهذه العلامات هي من اختيارنا ومن ثم فهي فحاصلها من صنعنا إذ هو عين المعنى الكلي الذي نستعمله رمزا للدلالة عليه؟ ما سر هذا التمانع بين المقوم والرامز في وظيفة المعنى الكلي عند ابن تيمية عند مقارنة علم المقدرات الذهنية بعلم الموجودات الخارجية؟ فنعود إلى مسألة نظرية المعرفة :فهل المعنى الكلي موجود قائم بذاته ومقوم لموضوع المعرفة يتلقاه الإنسان من خارجه فيعبر عنه بمعنى كلي يصنعه بوصفه ناطقا (فلسفة) أو مبينا (دين) أم إن الإنسان يصنع ما يبدو متلقيه مثلما يصنع ما يعبر به فيكون قول ابن تيمية جامعا بين التلقي والبث في عملية المعرفة؟ هل معنى ذلك أن معرفة الوجود الخارجي تقدير ذهني مطبق على منتخبات من العلامات يقتضيها الترميز الذي هو في آن رمز دال ورمز مدلول؟ هل العلم هو رمز لرمز الأول دال والثاني مدلول في تواصل المستدلين؟ سأنطلق منه هنا. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- والآن ليس ابن تيمية هو من يتكلم بل أنا وكلامي إذن لا يلزمه بل هو محاولة مني لافتراض ما يمكن أن يفهمنا ما يشبه هذه العملية التي تجعل الإنسان مبدعا لما يبدو وكأنه تلقاه من خارج ومبدعا لما يعبر به عما تلقاه ليبثه أو يرسله لنفسه ولغيره خلال التواصل حول \"معرفة\" الشيء موضوع الفكر :فمن دون ذلك لا يمكن أن يكون العلم رمزا لرمز بهذا المعنى وليس علما مطابق لشيء خارجي بل هو مطابق لمنتخب من أعراضه بوصفه معرفا له فرضيا. وأبدأ بأوضح مثال يبدو جامعا بين وجه مؤيد لفهم لنظرية ابن تيمية هذا ووجه مؤيد للفهم المقابل في نظرية الكليات عند أرسطو والتي تعتبر مقومات جوهرية للموضوع محايثة فيه .وما يؤيد أحدهما يدحض الثاني .وأعني مثال إدراكي لنفسي وتعبيري عنها .فعندي الحالتان. فالمقابلة بين: • تعبيري عن أفعالي الحرة. • وعيي المضطر بواقعة وجودي. فأفعالي أنا صانعها وصانع تعبيري عنها .فيكون ذلك مؤيدا لابن تيمية ودحضا لأرسطو. لكن وجودي ووعيي به لست صانعهما .لكني صانع لتعبيري عنه إذا طابقه .فيكون ذلك مؤيدا لأرسطو وداحضا لابن تيمية. فكيف الخروج من المأزق؟ فإذا نفينا إرادية أفعالنا صار أرسطو محقا في الحالة التي تبدو مؤيدة لابن تيمية .وإذا شككنا في مطابقة علمنا بوجودنا لوجودنا صار ابن تيمية محقا في الحالة التي تؤيد أرسطو. وإذن فالمثال المتعلق بالمقابلة بين الأفعال والوجود للفصل بين التقويم والترميز ليس كافيا لحسم الخلاف بينهما. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- أعود إلى كلامي على أفعالي ودعوى تأييدها لابن تيمية ودعوى دحضها لأرسطو وإلى كلامي على وجودي المؤيد لأرسطو والداحض لا بن تيمية .فكلاهما ناقص .ذلك أن أفعالي ليس كلها حر بل بعضها مضطر .ووعيي بوجودي ليس كله مضطرا بل بعضه حر .ومن ثم فما قلته يبقى على المشكل كاملا ولا يحل إشكالية المعاني الكلية لمعرفة هل هي مقومة كما يرى أرسطو ورامزة دون ان تكون مقومة كما يرى أبن تيمية. يبدو أن بعضها مقوم وبعضها للشيء وبعضها غير مقوم لما أتلقاه من الشيء .فهو يبدو مقوما له وما ابثه هو للتعبير عنه وهو رامز كذلك لأني أرمز به إليه .فما الحل إذن؟ أشرت إلى أن ما أبدو قد تلقيته من الشيء لا شيء يثبت أنه مقوم له حتى وإن صدقنا أني ليست صانعه كما أصنع تعبيري عنه .ولكن هل أنا متأكد من أني أنا صانع حتى التعبير عنه؟ ألست في الحقيقة قد تلقيته من ثقافة الشعب الذي أنتسب إليه؟ ويكفي أن أتذكر كيف تعلمت اللغة من أمي واسرتي لأعلم أن الكلام على الأشياء بدءا بتسميتها ليس لي فيه كبير دور بل هو أيضا مما تلقيته من الجماعة التي انتسب إليها وأتواصل معها حول \"الأشياء\" بما نرمز به إليها أو بما نعتقد أنه مستمد من مقوماتها. فلو عدنا أدراجنا إلى مرحلة تكون الإنسانية فيها كالطفل مثلا وطبقنا ذلك على الجماعة ألا يكون التراث المتعلق بما نعبر به عن الأشياء هو حصيلة ما تراكم من هذا التلقي عند كل فرد والبث في الجماعة حول ما نعتبره مقوما للأشياء؟ ولعله ليس مقوما لها بل مجرد علامات تصورتها البشرية خلال تاريخها دالة على شيء في الأشياء دون أن يكون مقوما لها لأنها لم تكن تعلم الفرق بين المقوم وغير المقوم واكتفت بما كان ذا تأثير عليها حينها. لم نتقدم كثيرا .فقد انتقلنا مما كان علاقة الفرد بذاته وبما يتلقاه ويبثه إلى علاقة الجماعة بذاتها تلقيا وبثا وبعالمها فتكون المقابلة وكأنها بين الطبيعة باعتباره العالم الموضوعي الذي لم يصنعه الإنسان والحضارة باعتبارها العالم الذاتي الذي صنعه أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- الإنسان .ولنسمه تـاريخ الحضارة التي هي ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة .لكن التاريخ من حيث تعينه في الاعمال الحضارية يصبح ذا وجود موضوعي خارج الذوات والطبيعة بفضل ذلك بالذات يصبح لها وجود ذاتي اذ هي تمتزج مع الحضاري و \"تتحضر\" بما يدخله عليها الإنسان من تغيير. صرنا أمام قطبين -الحضارة والطبيعة أو التاريخ والطبيعة -وجدنا فيهما ما وجدنا في الفرد الإنسان من ازدواجية بين ما يبدو موضوعيا هو الوجود الخارجي الذي ليس هو من فعله وما يبدو ذاتيا وهو الوجود الداخلي الذي يبدو من فعله .لكن الأمر الواحد الثابت في الأمرين هو عدم التأكد من المطابقة بين ما في الأذهان وما في الأحيان في حالتي الفرد والجماعة .وأصبحنا أمام أربعة أقطاب: .1الفرد المتلقي والبثا. .2الجماعة المتلقية والباثة. .3المعنى الكلي الرامز أداة التلقي والبحث. .4المعنى الكلي المرموز مضمون التلقي والبث. .5وفي القلب نضيف أمرا خامسا هو ما سميناه سابقا بالمرآة ذات الوجوه العاكسة لنظام المعاني الكلية الرامزة والعاكسة لنظام المعاني الكلية المرموزة في ذاتها وفي كيان الفرد وفي كيان الجماعة خلال التواصل مع الذات الفردية ومع الغير ولما تدركه الجماعة بنفس البعدين رامزا ومرموزا تواصليين. كنا أمام سر واحد فصرنا أمام خمسة أسرار: .1في الفرد لكيف يتواصل الفرد مع ذاته وغيره حول \"الاشياء\" بثا وتلقيا. .2نفس السؤال بالنسبة إلى الجماعة. .3نفس السؤال حول المعنى الرامز في علاقته بهما وبـنظام \"الأشياء\". .4نفس السؤال حول المعنى المرموز في علاقته بهما وبنظام الرموز. .5والمرآة المعقدة التي تتوسط ذلك كله وتمكن من حصول التعاكس بينها. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- فهي لم تعد ذات سطحين عاكسين بل خمسة سطوح مع الاربعة ومع ذاتها مرآة عاكسة خمس مرات لنظام الرموز ولنظام المرموزات ولبث الجماعة وتلقيها ولبث الفرد وتلقيه. وكل ذلك في المكان والزمان وبين الألسن المختلفة بتوسط الترجمة بين الألسن والحضارات الإنسانية وبين الحضارات والطبيعة. ما يعني أن شيئا ما يمر في كل ما ذكرنا بينها ومع الطبيعة والتاريخ .ذلك هو السر الذي علينا فهمه بالقدر الممكن فرضيا دون زعم معرفيه يقينيا .وقد كانت مسألة هذا السر من أيسر الأمور عندما كانت نظرية المعرفة تعتبر الوجود شفافا ينعكس على الفكر الذي يتلقف بأمانة ما ينعكس عليه وكأنه مرآة صقيلة فيحصل التطابق بين ما يرد إلى الفكر وما يدركه الفكر ولا يبقى إلى مسألة التعبير عما يدركه تعبيرا أمينا وهو ما كان يسمى علما تماما كما نتصور أن الحواس تتلقى أشياء من الخارج موجودة بالفعل خارج الإنسان المدرك لها بحواسه على ما هي عليه في إدراكه بحيث نعتبر ما في الأذهان صورة أمينة عما في الأعيان .وهذا هو تقريبا ما يؤمن به الإنسان العادي الذي لا يعترف بـ\"التفلفس\". طبعا كنا نميز بين السليم والسوي من الحواس وغير السليم وغير السوي بسبب المعيقات التي تبدو أساسا للاعتراض على هذه النظرية في المعرفة .وكنا نميز بين الصفات الأولية والثانوية وبين الذاتي والموضوعي والعلم هو المطابقة مع وأكبر وهم هيجلي تمثل في الظن أن الجدل يخلصه من المقابلة بينهما فيتحدان بالعلاقة الجدلية. وهو حل سحري لفظي استعمله هيجل مع وحدة وجود روحانية وماركس مع وحدة الوجود مادية اللذين هام بحلهما المثقفون -الذين قال فيهم راميون هارون معارضة لخرافة الدين أفيون الشعوب بوصفه الماركسية أفيون المثقفين .وعلته رد ما في الوجود من تنوع لا متناه في سلم الكيان إلى المقابلة بين حدين متنافيين عندهما كلاهما لا دليل على وجوده فيه ما يعني أنهما اسقاط لمنطق الخطاب الجدلي عليه بين متناظرين كلاهما يدعي نقيض ما يدعيه الثاني .لكن التعدد الوجودي لا متناه وقد يكون سيلانا أبديا ليس له بداية ولا أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- غاية إلا بتسليم أنه متناه وأنه واحد ومحدود بما هو من قوانين عقلنا أو من شروط التعامل مع اللامتناهي بفرض بنية المتناهي عليه حتى يتحقق التطابق الموهوم. فتكون المعاني التي ليست ذاتية مقومة لأنها في الشيء نفسه والمعاني الذاتية غير مقومة لأنها من أخطاء الإدراك الإنساني وتأتي خرافة كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي وهي شعار الهيجلية لدعواه أنه وصل إلى العلم المطلق. لكن المعرفة كلما تقدمت جعلت ما كان يظن مقوما موضوعيا غير مقوم أو تكشف أن ما اعتبر مقوما بديلا منه شيئا آخر وليس لنا دليل على أن هذه البدائل متناهية وأنه توجد لحظة خاتمة تنهي هذا التجاوز الدائم لما ظنناه مقوما إلى بديل صار مقوما وهكذا إلى غير غاية. ولنفترض أنه توجد لحظة بداية حتى وإن سلمنا بعدم وجود لحظة نهاية لهذه العملية التراكمية للعلاقات الخمس المنعكسة على المرآة التي وضعناها في قلب المربع والتي هي في الحقيقة كل واحد من الأربعة المتعاكسة لما يشعل محل المرآة وهو يصبح مرآة عندما ينعكس على ذاته كذلك بـحيث يلتقي قطرا المربع الواصلان بين أقطابه الأربعة لنحصل على أربع علاقات داخل المربع وأربعة ترسم المربع مع عوداتها جميعا على ذاتها. فنكون أمام شبكة شديدة التعقيد نفترض أنها تكون في بداية العملية -وكأنها في حالة الطفل لحظة بداية حياته في الجماعة -تمثل خانات خالية مستعدة لأن تمتلئ بمضامين التواصل تلقيا وبثا فتتراكم فيها نتائج التي تتألف منها العناصر المقومة للشبكة وفي قطع المستقيم الواصلة بينها وفي عودة كل واحد منها على ذاته .وهذا المضمون هو في آن نظام المرموزات ونظام الرموز في الجماعة وفي الذات الفردية وبينها اربعتها نظام التواصل الذي سميناه المرآة والذي يقوم في كل واحد من هذه العناصر الاربعة وله قيام ذاتي مفترض شرطا لإمكان التواصل. فلو قطعنا هذه العملية-بروسيسيس-لكانت لنا شريحة من الشبكة تمكننا من تحديد ما يدور في خطوط التواصل بين العناصر وبين كل عنصر وذاته وهي تمثل عالم من صنع أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- الإنسان فردا وجماعة سواء صنعا ذا قيام مادي (مثل كل معالم العمران في الجماعة) أو ذات قيام رمزي (مثل الإبداعات الفكرية التي تحايث في أشياء مادية خلال وجودها في الأعيان وفي الأذهان قبله وبعده). والتمييز بين المادي وغير المادي لا تعني أن الثاني مطابق للأول ولا أن الأول هو ما ندركه منه بحواسنا ونصفه بكونه ماديا لأن حمله لما هو ليس ماديا ليس ماديا وهو \"رامزية\" العلامات التي تحمل اللامادي مثل الرسم أو الصوت أو المعنى الكلي الذي سماه ابن تيمية رمزا مثلهما أي الألفاظ ورسوم الكتابة. والمقابلة بين المادي واللامادي مقابلة بين أمرين كلاهما مجهول الطبيعة والكيف وهي في الحقيقة ناتجة عن إطلاق الـمقابلة بين المحسوس واللامحسوس وكلاهما علامة بالقياس إلى مداركنا وليس مقوما للشيء المحسوس .فعلاقته بنا ليست مقومة له بل مقومة للتعالق بينه وبين إدراكنا .والتعالق هو إذن تعالق علامات في الأذهان وفي الأعيان فنفترضها مقومة لـ\"الشيء\" ونميزها عن إدراكاتنا التي نفترضها فينا عاكسة لـما نفترضه مقوما للشيء كـ\"كشيء\". وكل إنسان يتعامل مع كل إنسان من حيث هو \"شيء\" يدركه بحواسه و\"شيء\" لا يدركه بحواسه مثل ذاته التي لا يدركها بحواسه بل يدرك كيانه البدني ولا يدري طبيعة علاقة إدراكه لكيانه البدني بكيانه البدني عدى كونه يدركه بحواسه الخارجية من الخارج وبحواسه الباطنية من الداخل (مثل الشعور بالألم أو بالجوع أو بالظمأ) ويحس ما يفعل بدنه بذاته (من الافعال المضطرة) وما يفعل بأمر منه (من الأفعال الحرة) دون فهم لعلة الفرق بين نوعي الأفعال. وهو خلاف كبير في علم الكلام حول أفعال العباد وقد حاولت الخروج من مأزق الحل الأشعري بتعريفه تعريفا أكثر قابلية للفهم من الكسب فسميته بالمقابل مع الضرورة الشرطية بالحرية الشرطية .فالحرية الشرطية تعني أن الإنسان بعلم شرطية الضرورة أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- يحصل على الحرية من خلال تغيير شرطية الضرورة لتغييرها وتلك هي الحرية أو الكسب بالمفهوم الأشعري الذي هو أكثر عقلانية من خرافة الحرية الاعتزالية. فمن الآمر ومن المأمور في أفعالنا \"الحرة\" لأننا نميز بينها وبين أفعالنا المضطرة مثل دورة الدم أو التنفس أو حتى أفعال الجهاز الهضمي إدخالا واخراجا وهي كلها نعبر عنها بعلامات نعتبرها مقومة لأنها تبدوا \"موضوعية\" أي ليست من أفعال الذات الاختيارية على الاقل جزء منها وليس كلها. والكثير من \"الأشياء\" تبدو لنا خالية من أي سر وأنها لا تختلف عما نعلمه منها بمعنى أننا نعتقد أن ما نعلمه منها مطابق لما تتقوم به بصرف النظر عن علمنا ونتصور أن علمنا قد اكتشفها فيها ولم يبدعها هو .وهذه الإشكالية إذا لم تحسم فإن الفصل بين أرسطو وابن تيمية يصبح مستحيلا .فالتواصل بين الإنسان وعالمه مشكل لا يفهم من دون حسم هذه الإشكالية. ومعنى ذلك أنه توجد أشياء نعتقد أن علمنا بها نهائي .ومن ثم نتوهم أن ما نعلمه منها هو عين ما تتقوم به .فيكون كلام ابن تيمية على أن المعاني الكلية ليست مقومة للأشياء بل هي رموز لما اخترناه للإشارة إليها فتبدو وكأنها مدلولاتها وليست مرموزاتها كلاما غير معقول .ولهذه العلة فالكثير يعتبر رفضه المقابلة بين الـحقيقة والمجاز في الألسن غير معقول لكأنه يقول إنه لامعنى للحقيقة في الرموز وأن اللسان كله «مواضعات تواصلية» لا علاقة لها بحقيقة موضوع التواصل من حيث طبيعته. وفعلا فلو كانت المعاني الكلية مقومة كما تقول الفلسفة القديمة والوسيطة وكمات صارت تقول بعد هيجل وماركس لصدقت المقابلة بين الحقيقة والمجاز .ولو كانت المعاني الكلية غير مقومة كما يقول ابن تيمية بل هي مواضعات دالة للإشارة إلى مواضعات مدلولة هي بدورها وهي ما اخترناه مما لا يتناهى من أعراض \"الأشياء\" لتكون علامات نسميها بها أو نصفها فلا يوجد فرق بينها من حيث هي مرموزة ومن حيث هي رامزة .ومن ثم فالعلم ليس أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- هو شيئا آخر غير رمز لرمز أو مواضعة دالة للدلالة على مواضعة مدولة لجماعة متواصلة حول ما انتخبته من العالم علامات تفترضها فيها تتكلم عليها بعلامات تفترضها معبرة عنها. وهذا هو جوهر الإشكال :كيف يكون العلم رمزا لرمز وكيف يكون قادرا على الفعل في \"الشيء\" برمز لرمز؟ ولماذا ليس كل رمز لرمز يكون فاعلا؟ ما الذي يجعل نوعا من الرمز للرمز يكون علميا ذا فاعلية فنعتبره علما بحق ونوع آخر من الرمز للرمز لا نعتبره علميا بل نعتبره خطأ وليس علما لأنه فاقد للفاعلية. ما الفرق بين الرمز الذي نعتبره علميا والرمز الذي نعتبره خرافيا؟ وتلك هي العلة في جرأتي على وضع مفهوم جديد هو التقدير الذهني الأدبي أو العملي قياسا على التقدير الذهني الرياضي أو النظري .فصحيح أن الرمز الخرافي يبدو متميزا عن الرمز العلمي بالفاعلية .لكن أليس الرمز الخرافي أكثر فاعلية من الرمز العلمي في حياة البشر وخاصة في دور الحرية الشرطية التي تفعل بعلم الضرورة الشرطية فتكون المعاني الكلية العملية أكثر فاعلية من المعاني الكلية النظرية في تاريخ البشرية؟ أليس لإيدلوجيات والخرافة والأوهام تأثير فاعل لأنه تأثير رمزي في مستعملي أدوات التأثير المادي؟ أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- قبل البحث في المسألة التي ختمت بها الفصل الثاني-فاعلية العلم وفاعلية الخرافة -لابد من التذكير بما أدخلته من تغيير على نظرية الثالوث اللساني الذي اعتبرته لا يفي بالحاجة .وضعت نظرية بديلة تجعله مخمسا .ولهذا التخميس اللساني علاقة بينة بالنوع الثاني من المعاني الكلية العملية التي هي أعم المعاني الكلية النظرية بوصف هذه إحدى تطبيقاتها على الضرورة الشرطية وتحل مشكل العلاقة بين فاعليتي الإنسان والترميز في الضرورة الشرطية في الحرية الشرطية. فالحرية الشرطية كما بينت هي ما بفضله يحقق الإنسان بالاعتماد على تغيير شرط الضرورة ليغير مشروطها .وذلك هو معنى الفاعلية النظرية المشروطة في علم الطبيعة والتي بعلمها يصبح للإنسان شرط الحرية الشرطية الفعلي :وتلك هي خاصية للإنسان هي الترميز ا لذي يجعله يعلو على الأشياء في ما يرمز لها به مبدعا صورة عن الشيء وصورة عن العبارة عنه وبذلك يكون العلم رمز رمز. فالفاعلية الحرة شرطها معرفة الفاعلية المضطرة .ومعرفة الفاعلية المضطرة إبداع خيالي لما يفترض مقومات الشيء مرموزا ولما يفترض رمز تلك الفاعلية رامزا يمكن من قولها .وذلك هو العلم من حيث هو رمز رمز .وشرط ذلك أن يكون للإنسان القدرة على وضع رموز ليس لها مرجعية محددة لأنها رمز لخانات خالية -مثل المتغيرات في الهندسة- يتحدد مرموزها برمز ثان هو قيمة معينة للرمز الأول .وهذه العملية على نوعين: .1نوع المعاني الكلية الذهنية التي تكلم عليها ابن تيمية وهي من جنس الرياضيات- وتتعلق بالضرورة الشرطية الخالية من المضمون أو القابلة لعدة مضامين قيما لتلك الخانات. .2نوع المعاني الكلية الذهنية التي قستها عليها وهي من جنس الادبيات -وتتعلق بالحرية الشرطية الخالية من المضمون أو القابلة لعدة مضامين قيما لتلك الخانات. وبهذا المعنى تصبح علوم الألسن خمسة بعد أن كانت ثلاثة: أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- .1يبقى منطق الرمز من حيث هو رمز وهو السنتاكس بحسب أنواع الألسن الطبيعية أو الصناعية. .2علم الدلالة وهو علاقة الرمز بمدلول معين محدد بمعنى أن اللسان له دلالة أي مرجعية هي علاقة الرمز بالمرموز بحسب عادات الجماعات. .3علم المعنى وهو رديفه يتعلق بالرمز الذي ليس له مدلول معين وهو سليم لسانيا ويمكن أن يؤول بتأويلات تشبه الخرافة والأحلام أي تشبه ما لا ينطبق على عالمنا الذي نسميه واقعا .ولعل هذه هي التي ينتج عنها ما يسمى بالمقابلة حقيقة مجاز. .4علم التداول المتعلق باستعمال علم الدلالة. .5علم التداول المتعلق باستعمال علم المعنى. وهذا هو الذي يبين نوعي الفاعلية .وهو يشمل نوعي المعاني الكلية النظرية أو أساس المعرفة العلمية للضرورة الشرطية والمعاني الكلية العملية أو الادبية وهو أساس المعرفة العملية للحرية الشرطية .ولأعد الآن على بحثي الحالي .فقد سميت القلب الذي يتلقى فيه قطرا المربع المؤلف من الفرد والجماعة والرمز والمرموز (الشكل الذي أجسم به القضية كاملة-سميته المرآة التي تتعاكس عليها هذه العناصر بما فيها القلب نفسه الذي هو خانة افتراضية يشغلها كل واحد من الأربعة الباقية ليؤدي وظيفة سطح التعاكس بما فيها سطح التعاكس نفسه وكانه هو بدوره كائن مثل الأربعة. فلنفرض الآن أن هذا القلب يعلو بالتدريج ليصبح المربع هرما يكون ذلك القلب قمته فلا يبقى مركزا لمربع محله تقاطع قطري المربع بل قمة هرم قاعدته الأربع الباقية أي الفرد والجماعة والرمز والمرموز علما وأن كل واحد منها يشغل الموقعين أي يمكن أن يكون رامزا ويمكن أن يكون مرموزا بسبب التعاكس بين وجهي كل منهما رامز لذاته ومرموزها. وأوضح مثال لهذا التعاكس هو الفرد الإنساني في علاقته بذاته .فهو رامز ذاته ومرموزها دون أدنى يقين بأن ما منه رامز لذاته وما منه مرموز لها متحدان ومتطابقان بل أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- إن المسافة بينهما تبقى مما لا يتناهى وهي حقيقة السر أو الميستار الذي نريد فهمه ولأن هذه المسافة باقية هي هي رغم أن حديه أي الرامز والمرموز متغيران. وكل عنصر من هذه العناصر الأربعة التي تمثل القاعدة والخامس الذي هو رأس الهرم متعاكس .لذلك فلنرمز لهذا التعاكس بهرم آخر مقلوب ينطلق من القاعدة في اتجاه مقابل للهرم الأول فيتقابل رأسا الهرمين اللذين يتلامسان بقاعدتهما .ونصل الرأسين بمستقيم يمر بالقلب حيث يتقاطع قطرا القاعدتين. وهذا القلب الذي يمر به الوصل بين الرأسين مضاعف لأن القاعدتين المتلامستين كلتاهما فيها قلب هو تقاطع قطريهما .فيصبح لدينا أربع نقاط هي الرأسان والقلبان وبينها أربعتها حركة الترائي أو التعاكس بينها جميعا .وهذه هي شبكة الإشكالية بين رؤيتي أرسطو وابن تيمية. فلنفرض الآن عناصر كل هرم متحركة ومتداولة على شغل الرأس أي دور المرآة التي يتم التعاكس على سطحها بما فيه هي فسيكون الوصل بين النقاط الأربع وما يجري فيه من حركة تعاكسية وكأنه حصيلة التعاكسات كلها وقد حصلت فيه بالإسقاط عليه .وتلك هي حركة شبكة الترميز مثل شبكة نقل طاقة الكهرباء. وليكن مثالنا الفرد عندما يكون هو هذه المرآة العاكسة التي ترى كل ما عداها أيضا مرايا عاكسة أو في دور المرايا العاكسة .وسنفهم حينها أننا أمام عالم كله رموز أو عالم كله آيات كل واحدة منها تحيل لذاتها ولكل ما عدها في شبكة من الإحالات المتبادلة اللامتناهية التي لا ندري حقيقة ما وراءها وحتى ما يحيل وما يحال عليه فيها. ولا ندري حقيقة ما وراءها هو معنى أن كل تصور وراءه تصور أفضل وأدق بغير نهاية في رؤية ابن تيمية لأن النهاية مستحيلة الحصول إذ هي تعني أننا لكي نعلم أي شيء بعينه لا بد أن نعلم كل لوازم لوازمه من تعلقاته بكل ما عداه في الوجود بأسره وذلك هو العلم المحيط .هذا بلغة ابن تيمية .لكن أرسطو يحل المشكل بالتمييز الذاتي والعرضي فيجعل أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- اللاتناهي في العرضي والتناهي في الذاتي بمعنى الجوهري ويهمل ما عداه باعتباره ما لا يعلم.. ومثاله في كتاب الميتافيزيقا أن المهندس لما يبني البيت مثلا ينشغل بمقومات البيت ولا يعنى بأثره المتنوع على نفوس من سيسكنه والذي يكاد يتعدد بتعدد الساكنين .وطبعا فهذا أدنى أنواع العرض العام الذي لا يقبل العلم .لكن ما اختاره من عرض ذاتي ومن مقوم للهوية أي الجواهر الثواني هي موضوع الإشكال لأن ابن تيمية ينفي تميزها عن عما عداها مما يمكن أن يقوم مقامها في رؤية اخرى. وطبعا فهذا التمييز يجعل فن هندسة البيوت بمعزل عن تأثيره في نفوس سكانه .ولو صح ذلك لكانت البيوت كلها بشكل واحد تحدده الهندسة .وطبعا فما يبدو أكثر عقلانية هو رؤية أرسطو التي تميز بين الهندسي من حيث هو هندسي والذوق الإنساني للانتفاع به. لكن السؤال هو هل الذوق الإنسان ليس فيه ما هو ذاتي وما هو عرضي هو بدوره إن قبلنا بالتمييز الأرسطي؟ فإذا كان فيه هذه المقابلة فكان ينبغي أن نقول إن البيت يبنى بنوعين من الذاتي (بمعنى اسنسيال لا سبجاكتيف) الذاتي للبيت من حيث مقوماته المادية والذاتي للبيت من حيث مقوماته الذاتية بمعنى المتعلق بذوق صاحبها. فالذاتي لمادة البيت شيء والذاتي لذوق ساكنه شيء ثان .فكيف نميز بين الذاتيين من حيث هما ما هما مقومين لبيتيه البيت للبيت ككل من حيث كيانه المادي ومن حيث كيانه المنسوب إلى ذوق صاحبه؟ سيقال الأول تحدده الجاذبية أي شروط قيام البيت وعدم سقوطه ما يقتضي تعاملا مع المواد والفضاء بشروط تثبت أركانه في حين أن الثاني يحدده \"كيان\" الإنسان النفسي والشعوري. وهذا هو المشكل .هل عدم تطابق نوعي الذاتي أي الجوهري لقيام البيت والجوهري لذوق ساكنه من الأعراض الذاتية أم من الأعراض العامة؟ أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- لكن حينها ما الذي يجعل الذاتي لقيام البيت من حيث نسبته إلى مادة بنائه وشروطها المضطرة يزعم واحدا والثاني من حيث نسبته إلى ذوق صاحبه وشروطه الحرة يزعم متعددا؟ أليس لأننا في الحالة الثانية نتكلم على عين الأذواق وفي الحالة الأولى على نتكلم على كلي المواد وكلي ظرف البناء؟ أليست مواد البناء متعددة هي أيضا وظروفه متعددة أيضا؟ وهل الجاذبية تتدخل في المواد بنفس الطريقة؟ وهل النفوس والشعورات لا تتأثر بالجاذبية؟ عندما نقارن بين صورة البناء ومادة الذوق يحصل ما يبدو لنا الفرق بين الجوهري والعرضي .ولا ننتبه إلى أن ما اعتبرناه جوهريا قد يصبح عرضيا إذا غيرنا المواد وظرف البناء (كأن يكون خارج مفعول الجاذبية) وما اعتبرناه عرضيا قد يصبح جوهريا مثل علاقة القاعدة والشذوذ في غالب الظاهرات المتطورة حيث قد يصبح ما كان يعتبر شاذا هو القاعدة. فكم من شاذ يصبح قاعدة وكم من قاعدة تصبح شاذة وخاصة في وصفنا للظاهرات وصفا هو في الغالب من نوع العادات في الثقافات المختلفة إذا كان متعلقا بالحضارات أو من نوع القوانين في الطبائع إذا كان متعلقا بالعوالم المختلفة بمعنى أن ما يصح في الارض قد لا يصح عندما نصبح وراء غلافها الجوي. والمغزى هو أن المقابلة الحادة بين نوعي الجوهري والعرضي قابلة للتنسيب .وهو تنسيب إذا ذهبنا به إلى الغاية نفهم رفض ابن تيمية لكل مفهومات ميتافيزيقا أرسطو التي يؤسس عليها رؤيته لنظرية المعرفة ولنظرية الوجود والمطابقة بينهما ردا للثانية إلى الأولى برد موضوعها إلى موضوعها قولا بالمطابقة التامة. ولما كان ابن تيمية ينفي إمكانية القول بالمطابقة التامة من دون الإحاطة فإنه يبقي على الفرق بين الوجودي والمعرفي ويجعل الثاني دائما قاصرا دون الإحاطة بالأول ما لم يصبح أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- الإنسان ربا بمعنى ما لم يكن علمه بأي شيء علما بكل الوجود كما بين من التناسج الوجودي بين شيء وبقية الموجودات وذلك هو أصل مفهوم الغيب .فالغيب مفهوم حد ديني يعني ما يترتب على عدم العلم المحيط عند الإنسان .لكن الله ذا العلم المحيط لا يوجد غيب بالنسبة إليه. الآن تقدمت لحل لغز الرؤية التيمية وأصبح من اليسير أن نفهم أن المعاني الكلية ليست مقومة للشيء كما تفترضها نظرية أفلاطون وأرسطو مفارقة عند الأول ومحايثة عند الثاني بل هي بدورها رموز مثل ألفاظ اللغة ورسوم الكتابة. أعني ثورته التي أنهت الفلسفة القديمة نهائيا حتى وإن بقيت ثورة مجهولة. كيف ذلك؟ إذا كانت المعاني الكلية التي تعمل عمل الرموز في كلامي على الأشياء فكيف تكون في آن وكأنها مقوماتها إذ هي تعمل فعلا عمل المقومات لأنها تبدو مؤثرة فيها؟ الجواب بات واضحا :فما اختاره مما أدركه من أعراض الأشياء ليكون علامات ما اعتبره حقيقتها هو عينه ما أرمز لها به. وبذلك أكون صانع المرموز والرمز في آن .أوهم نفسي بأن ما أدركه من الشيء هو الشيء .ثم أجعله مقومات للشيء .ثم اعتبر المقومات علامات دالة عليه .ثم أرمز إليه بها .ومعنى ذلك أني في الحالتين \"أرمز\" .فـما أراه من الشيء هو عين ما أرمز به للشيء وما أراه منه انتخاب أولي بحسب لحظة الإدراك وتجهيزه الإدراكي الذي يتغير كلما تقدمت المعرفة .وما أراه منه غيره .لكني اخترته للدلالة عليه قد وأغيره. وليكن أبسط مثال خارطة الأرض .فهل الأرض كرة حقا؟ وهل خطوط الطول والعرض لها وجود فعلي في سطحها-وأين التضاريس الفعلية مما نرمز إليه بالألوان مثلا أو بالإسقاط الهندسي لخلق وهم التضاريس؟ ألسنا نتصور ما في الخارجة مقوم للأرض في حين أنه هو بدروه رمز لما اعتبرناه مقوما في حدود علمنا الفرضي للأرض مع تبسيط برد المعقد الوجودي إلى البسيط المعرفي؟ أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- سيقال وماذا تقول في الصورة الشمسة للأرض؟ أليست مطابقة لما نراه منها؟ والجواب هو أيسر من هناك :فلماذا نحتاج للاستدلال بالصورة الشمسة والعين نفسها مصورة شمسية؟ فهل ما نراه بالعين له وجود فعلي في الأرض كما نراه أم أن ما نراه هو ما تنتجه الحاسة الباصرة؟ وكيف تتحول هذه المبصرات خلال بثها في التواصل بين اقطاب الأرض :ففي أي شكل تنتقل ثم تعود إلى الشكل الذي نبصره مباشرة قبل إرسالها فيتلقاها غيرنا ويراها كما نراها؟ والإشكال هو ما حيقتها في ذاتها بالمقارنة هي هي في ما نراه مباشرة وفي ما نراه بعد انتقالها أم في ما هي عليه كأمواج وذبذبات خلال انتقالها؟ ولو أخذ أفلاطون وأرسطو بعين الاعتبار هذه الظاهرة ولم تحجبه عنهما فكرة المطابقة لفهموا سر تغير المعرفة الإنسانية بحسب \"مايراه\" الإنسان من علامات دالة على \"الشيء\" ينتخبها بفعل التجريد الذي لا يأخذ كل \"صفات الشيء\" بل بعضها باعتباره جديرة بالاعتبار ويهمل ما عداها للتخلص من اللاتناهي بالتناهي. والقول بنظرية المعرفة المطابقة علته اغفال منطق هذه العملية .ينسى الفيلسوف أنه في تعريف الشيء انتخب علامات وأهمل غيرها واعتبرها مقومة لجوهر الشيء ينسى أنها ثمرة فعل الاختيار الذي اعتمده لتوصيف الشيء بعلامات جعلها دليلا هو مدلولها .وبذلك فما كان علمية ترميزية تـحول إلى عملية وجودية في الشيء. هل كان ابن تيمية مدركا لأبعاد رمزية المعاني الكلية وعدم تقويميتها؟ لو لم يكن مدركا لها لما تكلم على عظائم العلوم وسر فساد القياس المنطقي الكلامي وعلى التمييز بين علم المقدرات الذهنية الذي هو كلي ومحظ وبرهاني وعلم الموجودات الخارجية الذي لا يمكن أن يكون كليا ولا محضا ولا برهانيا. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- لا يخامرني أدنى شك في أن \"حداثيينا\" لن يرضيهم ما قدمت عليه هذه الأدلة ولا حتى تقليديونا .فأولئك لا يفهمون هذه المعاني بعضهم لعجز فكري وكلهم لمرض أيديولوجي. لا يمكن لمن يرونه زعيما لدى من يعتبرونهم ظلاميين أن يكون صاحب ثورة فلسفية. وهؤلاء قل أن يوجد فيهم من يفهم هذه المعاني ليس لعجز فكري عند البضع منهم ولكن لفساد تعليمهم جميعا وخلطهم بين حفظ المدونات دون تفكير والمعرفة العلمية التي لا يكفي فيها سرد الموجود. لكني لو كنت أولي أهمية لتخريف الأولين الايديولوجي ولعقم تكوين الثانين التعليمي لما أقدمت على البحث في هذه القضايا بعد أن استعددت لها الاستعداد الواجب بدأ بالتخصص في فلسفة أرسطو وختما بدراسة أقطاب الفلسفة الحديثة المتحررين من إيديولوجيا هيجل وماركس والعناية بنظرية المعرفة والسيميوتكس. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- ما النتيجة الثورية لهذه الرؤية؟ تاريخ المعرفة الإنسانية ليس هو شيئا آخر غير تاريخ الترميز بالمعنيين أي: .1انتخاب العلامات الدالة عناصر للماصدقات ونظامها الوجودي. .2مفهومات النظرية التي تعبر عنها عبارة رمزية بنظامها المعرفي. وكل وهم القائلين بالمطابقة تصور الماصدقات تتحدد فعلا بمقومات هي التي تمسيها المفهومات وليست هي بدورها نظام تصورات تعتبر ممثلة للأشياء وهي مستوى أول من الترميز يليه الترميز التي يعبر عنه ممثلا بنظام اللغة التي تقول تلك المفهومات. وهو ما يعني أن الإبداع العلمي إبداع للغات الرمزية التي هي في آن ترجمة مضاعفة. فهي ترجمة للوجود بما يدركه الإنسان منه وترجمة لما ينتخبه للعبارة عن ذلك الإدراك. فترجمة الوجود تكون بـانتخاب الأعراض التي تعتبر دوال على ما في الوجود .والمعرفة ترجمة لسانية لهذه الدوال المنتخبة بنظام رمزي: .1فنظام الأعراض المنتخبة يعتبر ترميزا لما ندركه من للوجو. .2نترجمه ثانية بنظام لغوي يمكن من التواصل حولها. .3فيكون العلم ترميزا أول لما ننتخبه مما ندركه من الوجود وترميزا ثانيا لما ننتخبه من عبارة رمزية لقوله. ولا أعجب من موقف من يفضل الحل الأرسطي على الحل التيمي .فالجميع ينسون أن الأعراض الدالة على ما ندركه من الوجود ليست بالضرورة حقيقة الموضوع بل هي ا ينتخبه الإنسان مما يدركه منه بأدوات إدراك تبدأ بالحواس وتنتهي بما يضاف إليها من وسائل تدقيق وتعميق إدراكها لأنهم يتصورون أن كونها مؤثرة ومفيدة معرفيا دليل على أنها مقومة ولا يخطر ببالهم أنها مؤثرة ومفيدة في حدود ما انتخبت لأجله وأنها تتغير بمقتضى تقدم المعرفة. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- ثورية الحل التيمي تتمثل في عدم نسيان ذلك وعدم الغفلة عنه والتنبيه إليه .فكان الحل هو اعتبار المعاني الكلية ليست إلا ترميزا أولا يترتب على انتخاب الأعراض التي تظن دالة على مقومات حقيقة الشيء .لكنها في الحقيقة لا تدل إلا على ما انتخبناه للدلالة على ما اعتبرناه كذلك بحسب القصدية من فعلي الترميز المترجم للشيء بالأعراض المنتخبة والمعبر عن هذه الترجمة باللسان المنتخب. فكل \"شيء\" من الوجود يمثل لنا بحضور تحدده علاقتنا به وعلاقته بنا .وما ننتخبه للدلالة عليه وعلى ما نظنه مقومات حقيقته هو ما يتميز به ذلك الحضور والمثول أمام مداركنا .علمنا لا يتعلق بالشيء في ذاته بل بالشيء من حيث علاقة التحاضرين :حضوره لنا وحضورنا له .وكلاهما متضايف مع التحاضر والمتحاضرين .فيكون الأمر كله مردودا لعملية التواصل ببعديه: .1الأفقي بين البشر. .2والعمودي بينهم وبين الوجودين الطبيعي والتاريخي. وهذان الوجودان هو الوسط المغذي الذي تحيا فيهما وبهما لبشرية مثلما يعيش السمك في الماء. وتلك هي آيات الآفاق والأنفس التي تبين لنا حقيقة القرآن إذا نحن رأيناها (فصلت )53فيكون القرآن أيضا من جنس تلك المرآة التي تكملنا عليها في الهرمين المتناظرين والمتماسين بقاعدتهما. وبذلك أعود إلى الهرمين وعناصرهما وشبكة العلاقات بينها وخاصة إلى الوصل الداخلي بين رأسي الهرمين وقلبيهما المتلامسين في لقائهما بقاعدتيهما إذ هما متلامسان بهما. كانت الرؤية اليونانية -ممثلة بغايتها في الحل الأفلاطوني والأرسطي -تعتبر التواصل العمودي بين البشر والعالم حاصلا بعلاقة شفافة بين الوجود والإنسان الأول باث والثاني متلق فيكون الإدراك انفعالا يعكس ما يأتيه من فعل العالم ومثاله المدارك الحسية :صورة العالم في فكرنا مطابقة لحقيقته إذا حررناها من اخطاء الحواس ومن أخطاء المنطق. أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- وكان السوفسطائيون قد استنتجوا من ذلك أن الإنسان مقياس كل شيء في الوجود موجوده ومعدومه .لكنهم كانوا أمناء فقالوا إن ذلك لا يعني أن العالم مردود إلى ما يعلمه منه الإنسان بل إن ذلك لا ينطبق إلى على ما يعلمه دون نفي أنه قد يوجد فيه ما لا يعلمه .وهذه الأمانة فقدت عند الفيلسوفين .ذلك أنهما اعتبرا قول السوفسطائين لا يصح إلا على حالتين: .1إما على الإنسان الذي له عيب في مداركه الحسية أو العقلية إن كان صادقا أو في أخلاقه إن كان مخادعا.. .2أو على المدارك عامة إذا لم تتبع منهجا عقليا بأرجانون الجدل (أفلاطون) أو المنطق (ارسطو). ثم وضعوا نظرية المعرفة المطابقة بهذين الشرطين إما بالمفارقة أو بالمحايثة وابن تيمية يرفضهما .ولذلك فلا عجب إذا كان جواب ابن رشد لو جاء بعده كما فعل مع الغزالي بأن ابن تيمية قد عاد لحل السوفسطائيين .وكثير من سخفاء المتكلمين والأميين من الكتبة في الصحافة أو ممن تسكرهم زبيبة فيصبحون دعاة يتهموني بهذه التهمة لأني شككت في الطابع الكلي لمبادئ العقل الثلاثة التي وضعها أرسطو والتي من دونها يسقط تخريف المتكلمين والفلاسفة المؤمنين بها والقائلين بالمطابقة. فكل الذين يزعمون الكلام في ابن تيمية من خريجي المدارس التقليدية والذين يزعمون الكلام في ابن رشد من خريجي المدارس الهيجلية الماركسية أي من القائلين بنظرية المعرفة المطابقة لا يمكن ألا يعتبروا ما أنا بصدد بيانه عودة إلى السوفسطائية لأنهم ينسون احترازهم أولا وترجمته التيمية ثانيا. احتراز السوفسطائيين يتمثل في قولهم إن حكمهم بأن الإنسان مقياس كل شيء يقتصر على ما يعمله ولا ينفي وجود ما لا يعلمه أو ما لا يقبل الإدراك الإنساني يؤمكن أن يؤسس لنظرية في المعرفة تنفي المطابقة وتميز بين الوجودي والمعرفي وتلك هي الإضافة التيمية أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- التي تبدو نكوصا إلى السوفسطائية .ولو صح أن ذلك نكوص إلى السوفسطائية لكان القرآن أيضا سوفسطائيا لأنه يميز بين نوعين من العلم: .1العلم الإلهي وهو العلم المحيط دون سواه وفيه يمكن الكلام على المطابقة بين العلم والوجود. .2العلم الإنساني وهو علم لا محيط وفيه لا يمكن الكلام على المطابقة لتعالي الوجود دائما على العلم بما فيه من غيب. والخلط ببين العلمين هو ما يدعيه المتصوف الذي يدعي علما لدنيا بالكشف والفيلسوف والمتكلم عندما يدعي التفلسف مثل الرازي فيزعم ان الرسوخ في ا لعلم يمكن من عطف تأويلهم للمتشابه على تأويل الله (آل عمران 7التي يقرأون واوها عطفية لا استئنافية). وما مبادئ العقل الأرسطية (الماهية والعدم التناقض والثالث المرفوع) إلا مواضعات لجعل التواصل بين البشر ممكنا .لكنها ليست ضرورية للتواصل بين الإنسان والعالم إلا من حيث إخضاع هذا التواصل الثاني لشروط التواصل الأول بوصفهما كليهما عملا رامزا لانتخاب علامات الشيء أولا وللتعبير عنها ثانيا فضلا عن الكلام على الذات الإلهية وغيرها من الغيبيات .والغيب غير الغائب ولا يمكن أن يقاس على الشاهد لأن الغائب الذي يقاس على الشاهد ممكن الحضور بخلاف الغيب الذي لا يحضر إلا في عالم يصبح فيه البصر حديدا .فيكون مدار الإشكال ليس المطابقة بل التناسب بين نوعي الترميز: .1الترميز الذي يمكن من \"الحوار التواصلي\" بين الإنسان والعالم أعني العالم الطبيعي والعالم الحضاري الذي هو ما أضافته الإنسانية إلى الطبيعة فيها أو حولها أو إلى جانبها. .2الترميز الذي يمكن من \"الحوار التواصلي\" بين بالبشر من حيث هم بشر ومن حيث دور \"الحوار التواصلي\" الأول في هذا التواصل لأنه رهان التنافس المعرفي والقيمي بينهم. وهنا يتدخل مستوى آخر من \"الحوار التواصلي\" بين العالمين الطبيعي والتاريخي وما يفترض ما بعدين لهما متممين للتواصل الحواري الأول ومن \"الحوار التواصلي\" بين البشر أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وهذين الماورائين .أولهما هو ما وراء الطبيعة والثاني هو ما وراء التاريخ .وهذه التواصلات الأربعة هي التي أوحت لي بنظرية المعادلة الوجودية. فلا يمكن أن نفهم هذه التواصلات الأربعة من دون تواصل متقدم عليها جميعا هو علاقة مباشرة بين الإنسان وما يعتبره ربا له أي بينه من حيث هو خليفة لرب وليس ربا يليه التواصل معه بوساطة الطبيعة وما بعدها وبوساطة التاريخ وما بعده فيتطابق المابعدان مع العلاقة المباشرة لأنهما يعيدان الإنسان إليها .وهكذا نكون أمام المعادلة الوجودية التالية: .1قلبها العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه وهو ما أسميه الوحدة بين الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات. .2وعلى يمين هذا القلب نجد الطبيعة وما بعدها. .3وعلى يساره التاريخ وما بعده. .4ولما يلتقي المابعدان نجد القلب مرة ثانية. .5فيلتقي رأسي المعادلة اللامباشرين مثل راسي الهرمين لو طابقنا بينهما. وهكذا نكون أمام المعادلة الوجودية التالية :قلبها العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه أي الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات وعلى يمينه نجد الطبيعة وما بعدها وعلى يساره التاريخ وما بعده .ولما يلتقي المابعدان نجد القلب مرة ثانية فيلتقي رأسا المعادلة اللامباشرين مثل راسي الهرمين. وهذه المعادلة كونية .فلا يمكن تصور إنسان من دونها أيا كانت حضارته .ومن ثم فاختلاف الحضارات لا يتعلق بالمعادلة بنية وعناصر البنية بل بأساليب التعبير عنها .ولولا ذلك لاستحالت الترجمة بين اللغات والتواصل بين الشعوب وبين الحضارات بل وبين الأجيال في نفس الحضارة بل بين الإنسان وذاته .وهذا وحده كاف لدحض خرافة صدام الحضارات الجوهري تصادمها لا يتجاوز الأساليب. وهو ما يثبت صحة الاستراتيجية القرآنية في توحيد الإنسانية .فالأخوة البشرية هي المنطلق (النساء .)1والغاية هي المساواة بالتعارف معرفة ومعروفا (الحجرات .)13ولا أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- تفاضل بينهم إلا بالتقوى التي هي هذه العلاقة المباشرة بين الإنسان وربه أولا وغير المباشرة بينهما مابعدين الطبيعة والتاريخ. وعلاقة المابعدين هي علاقة الاستخلاف .فالمابعد الرئيسي هو المستخلف .والمابعد الثانوي هو الخليفة .لكن هذه العلاقة سرعان ما ينساها الإنسان وهو ما يولد عنده حب التأله الذي يدعي فيه صاحب السلطة السياسية أو المعرفية أو الفنية منزلة تتجاوز كونه إنسان خليفة إلى رب كقوة سلطان دون عدل. وقد خصص ابن خلدون فصولا مطولة لتفسير أهم خاصية للسياسة والتصوف والعلم والفن لأن أصحابها كلهم يصابون بداء حب التأله فيدعون سلطانا مطلقا أو علما محيطا إما بالكشف أو بالعقل أو إبداعا شبه إلهي وكلها ترد في الحقيقة إلى نظرية المطابقة بين المعرفة والوجود وهو حب جوهر التأله فيها جميعا. ولذلك فهو وإن لم يكن له عمق ابن تيمية في دحض نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة فهو يقول بها دون أن يؤسسها لأنه يعتبر داء الفلسفة والكلام المحرفين متمثلا في القول بها أي في رد الوجود إلى الإدراك .وحتى في إطار الفلسفة الأرسطية فهي ينسب عدم المطابقة إلى استحالة رد المادة إلى الصورة. وهنا نكتشف سر دلالة النص الذي بدأنا به هذه المحاولة :فالتمييز بين علم المقدرات الذهنية الذي يتصف بالكلية والمحظية والبرهانية وعلم الموجودات الخارجية التي ليست كلية ولا محضة ولا برهانية يشمل العلوم التي توصف بكونها عقيلة والعلوم التي توصف بكونها نقلية وهو وصف لا يقبل به. وعلة عدم القبول به هي سطحية المقابلة :فلا يوجد علم عقلي للوجود الخارجي ليس فيه بعد نقلي هو مضمونه التجريبي ولا يوجد علم نقلي للوجود الخارجي ليس فيه بعد عقلي هو شكله المستمد من المقدرات الذهنية التي هي كلية ومحضة وبرهانية. وهو ما فرض علي وضع نظرية المقدرات الذهنية العملية نظير المقدرات الذهنية النظرية .وما يميز هذا النوع الذي افترضته قياسا على ما تكلم عليه ابن تيمية هو أن أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- المقدرات الذهنية في الأديان عقدية وليست فرضية مثل الفلسفية .لكن الفلسفة جعلت هذه عقدية دون وعي فأطلقتها مثل تلك. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- أستطيع القول في غاية هذه المحاولة إني الآن أمام معضلة شخصية :لما وضعت مفهوم المقدرات الذهنية العملية وسميتها أدبية أو خلقية قياسا على المقدرات الذهنية النظرية في تصور ابن تيمية وهي الرياضيات والمنطق وضعت نفسي في مأزق أشار إليه ابن تيمية عندما قال إن الكليات لا توجد بحق إلا في المقدرات الذهنية وفي المعاني الدينية. وهذه هي المعضلة الشخصية :فهل المعاني الدينية كليات ذهنية؟ هل يمكن اعتبار الأديان من المقدرات الذهنية العملية أو الأدبية أو الخلقية فتكون من جنس الفنون والسياسة؟ وما الذي يضيفه صفها بـالإيمانية لهذه المقدرات الذهنية العملية حتى يميزها عن صفة الافتراض في المقدرات الذهنية النظرية؟ وماذا يميز البرهان في العمل وكلياته الذهنية عن البرهان الذي ينسبه ابن تيمية للكليات الذهنية في النظر بخلاف علوم الوجود الخارجي .هل علوم الكليات الذهنية ينبغي أن يكون فرضي المقدم بداية ويبقى من ثم فرضي التالي غاية؟ وما وضع العلوم الدينية التي يسلم ابن تيمية بتضمنها كليات دون أن يحدد هل هي ذهنية أم خارجية. ما الفرق بين الحقيقة العلمية واليقين الديني؟ فهل العلم يهتم بالحقيقة التي يكون العقد فيها فرضيا وليس يقينيا؟ وهل الدين يهتم بالحقيقة التي يكون العقد فيها إيمانيا وليس فرضيا؟ فيكون المميز بين نوعي المقدرات الذهنية هو مسلمات التأسيس المعرفي والقيمي بطبيعة العقد؟ هل معنى هذا أن المشكل في نظرية المعرفة يتعلق بـالموقف القضوي-أي مستويات العقد- وليس في القضوي بذاته؟ وهل يتحرر العلم من الموقف القضوي بجعل المضمون القضوي فرضيا بمعنى أنه يعتبر نتائج الاستدلال معلقة على القبول بمضمون مقدماته قبولا فرضيا -وليس عقديا كما كان عليه الامر في الفلسفة القديمة أي إنهم لا يعتبرون ما ينتخب من علامات لتعريف الأشياء أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- مثلا فرضيا ومن ثم قابلا لتغيير إذا كذبته التجربة فيطبق مقتضى الشرطية المتصلة اي إن نقيض التالي يفيد نقيض المقدم؟ هل معنى ذلك أن هذا المقياس لا يصح في العقد الديني الذي لا يتغير ويقتصر على العقد العلمي الذي هو عقد مشروط بالاحتكام إلى التجربة فيكون عقدا مؤقتا دائما أي إن بقاءه مشروط ببقاء تأييد التجربة. هل معنى ذلك أن الاديان لا تحتكم إلى التجربة؟ المسألة بعيدة الغور وتهم القيم والعمل اللذين يمثلان أصلها الحقيقي. فلنفرض أن القيم والعمل تحتكمان إلى التجربة ألا يكون معنى ذلك أن الأمر الواقع يصبح هو المثال ومن ثم يكون هذا الموقف رفضا للتمييز بين المنشود والموجود فيصبح لا فرق بين \"الآتر\" و\"الدوفوار آتر\" أي بين الموجود وما ينبغي أن يوجد فتصبح كل القيم أوهام إنسانية و\"الواقع\" هو المرجع الوحيد وما عده وهم خاتم. وهنا نعود إلى علم \"الواقع\" المزعوم .فإذا تصورنا أنه مطابق كان عملنا مطابقا للواقع في حين أنه مطابق لما نعلم من الواقع .ومن ثم فكل من يقول بعدم التمييز بين المنشود والموجود ينبغي أن يقول بإطلاق العلم وبأن علم هذه اللحظة لا يمكن تجاوزه إلى ما ليس معلوما فينتفي كل مجهول في \"الواقع\" أو أن يدعي أن علمه مطلق ومحيط. فهل من يقول مثل هذا الكلام يمكن أن نصفه بكونه عاقلا؟ من يزعم أن البشرية يمكن أن تكون قد تقدمت لو لم تكن دائما مميزة بين الموجود بوصفه أمرا واقعا والمنشود بوصفه أمرا وجبا وأن السعي الإنساني هو دائما تغيير الموجود في ضوء ما تعبره المنشود قيميا حتى لو تغير الأمران لاحقا. وتلك هي العلة التي جعلتني اعتبر كل حداثيي العرب إما هيجليين (الليبراليون منهم) أو ماركسيين (اليساريون منهم) أو يأكلون من القصعتين معا (القوميون منهم) لأنهم يعتقدون أن \"الواقع عقلي والعقلي واقع\" (خرافة هيجلية) وأن ذلك هو جوهر المادية الجدلية المزعومة التي ليس لها ما وراء وهو جوهر الرؤية الهيجلية. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- والأغرب من ذلك هو أن القائلين بعلم متجاوز لما يدعيه الفلاسفة سواء باللدنية (الكشف) أو حتى بالوحي (علم الغيب) إذا اعتبروه مطابقا فإنهم لا يختلفون عن أفلاطون وأرسطو قديما وسيطا وعن هيجل وماركس حديثا وما بعد حديث لأنهم جميعا يؤمنون بأمرين مستحيلين: .1المطابقة بين الإدراك والوجود. .2ونفي أي تعال على العالم الذي يظن وحيدا. فالتأويل الفلسفي أو الكلامي \"للماهناك بالرد إلى الماهنا\"(عبارة هيجلية) هو اعتبار ما يصح على علمنا لهذا العالم-حتى لو سلمنا بكونه يمكن أن يدرك حقيقته على ما هي عليه- يصح على أي عالم أو أنه لا يوجد إلا عالم وحيد هو هذا العالم وأنه ليس له ما وراء. وأكبر عيوب علم الكلام والفلسفة بكل مراحلها حتى آخراتها أعني خرافة السرديات التي ترد المسرود إلى السرد. وأغرب ما في الأمر هو موقف الحداثيين العرب .فهم يظنون أنهم يعبرون بذلك عن علمانيتهم وهم لا يدرون أن هذه الرؤية الهيجلية التي تبناها ماركس وإن اعتبرها مادية جدلية (اي نفي البعد الروحي منها) هي نظرية الصلح الهيجلة (الصلح بين الله والعالم )Die Versöhnungتأويلا للمسيحية بتوسط وحدة الوجود السبينوزية بعد أن أضاف إليها بعد التذويت أو اعتبار الجوهر ذاتا. إنها وحدة الوجود السبينوزية التي يعيب عليها أنها جوهرانية لخلوها من دور الذاتية أو الروحية -الغايست-فأضافها ليؤول المسيحية أو حلول الله في العالم برمز المسيح ومن ثم صار الواقع الطبيعي والتاريخي هما الوجودان الوحيدان وليس لهما ما وراء لأن الماهناك وهم إنساني ولا يوجد إلا الماهنا. وهذا يعتبر في الإسلام الأصل الحقيقي لما يسميه الإخلاد إلى الأرض الذي يجعل الإنسان كالكلب يلهث دائما سواء حملت عليه أو لم تحمل .وفعلا فالإنسان في الرؤية التي تبناها أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- الحداثيون العرب هو ما يجعلهم كلهم مخلدين إلى الأرض لا منشود عندهم إلى ما ينشده الكلاب أي اللهيث الدائم وراء الفاني. لكن الأمر ليس مقصورا عليهم .فحتى الإسلاميون فهم صاروا من جنسهم لأن ظنهم أن الانثروبوقراطيا تخلتف عن الثيوقراطيا أو المناوسة بينهما فيهما فرق يثبت أنهم ليسوا من المخلدين إلى الارض علته جهلهم بأنهما في العمق أبيسيوقراطيا وهي دافعهم الحقيقي في ما يسمونه سياسة إسلامية. لليس عندي حل لهذه المعضلة .هل الإنسان لا يستطيع التخلص من بعدي دين العجل-أي ربا الأموال وربا الأقوال-ومن ثم فالبديل الذي يقدمه الإسلام مجرد يتوبيا كما اعتبره هيجل أم إن هذه اليتوبيا (رؤية الإسلام التي يقيسها على رؤية الثورة الفرنسية) هـي في الحقيقة ما يصبو إليه كل البشر ومن ثم فهي التعبير الفعلي عن منزلة الإنسان الوجودية: الأخوة والمساواة. فبعدا العجل -الذهب والخوار -أي الحكم بالنظام البنكي البورصي والتربية بإعلام الإيديولوجيا والملاهي أصبحا وكأنهما مما لا بد منه ولا بديل عنه وهو ما يسعى إليه الإسلاميون مثل العلمانيون ومن ثم فكلامهم عن سياسة إسلامية كذبة كبيرة ودليل ذلك أنهم ما أن يحكموا حتى يخلدوا إلى الأرض. معضلتي الشخصية ليست شخصية في الحقيقة بل هي معضلة كونية .هل الإنسان تجعله هشاشة وضعه الوجودي عبدا لبعدي العجل بسبب حاجاته الحيوية-فيقبل مرغما بربا الأموال وربا الأقوال-لأن بدنه عبد للحاجة العضوية وروحه عبد للحاجة النفسية ولأن الحاجتين لا تقبلان التأجيل ومن ثم فالإنسان عبد العاجل الذي ينسيه في الآجل دائما فيدين بالعجل. لكن مآل الإنسانية الحالي -العولمة-بين فشل هذه الرؤية لأن التمانع بين البشر على ثروات الطبيعة وتراثات التاريخ لوثهما وولد الندرة التي هي ليست حقيقة فعلية بل هي كذلك من رموز هذا الاخلاد إلى الأرض فأصبح الإنسان بدلا من التعمير بقيم الاستخلاف أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- يقوم بالتدمير بنفيها وهو ما يؤدي إلى أن المنجاة الوحيدة للإنسانية لا تتحقق إلا بالكفر بدين العجل معدنه وخواره. والنموذج الأمريكي هو ما ابتدعه السامري أي دين العجل :فعملتهم ونظامهم البنكي هي معدن العجل واعلامهم وملاهيهم هي خواره .والبشرية كلها اليوم عبيد لأصحاب هذا الدين المسيطر على العالم .وكل شباب العالم بدأ يفهم اللعبة ويريد أن يتحرر منها بدأ بمحاولة إنقاذ ا لطبيعة والثقافة من التلويثين المادي والروحي. وبذلك يتبين أن التناقض الفلسفي الحقيقي في العالم اليوم هو الفلسفة المشتقة من دين العجل والفلسفة المشتقة من الإسلام الذي فضح دين العجل باعتباره اساس كل تحريف للدين والفلسفة في كل تاريخ البشرية ومن ثم فلا يمكن أن تقبل أمريكا بعودة الإسلام لدوره التاريخي الكوني :من هنا حربها عليه. الحرب التي تخوضها أمريكا على الإسلام تخاض باسم دين العجل أي باسم سلطان ربا الأموال (معدن العجل وهو مسروق صار مجرد ورق في أمريكا) وربا الأقوال (وهو خوار العجل وهو خداع صار مجرد صورة في أمريكا) على الإنسان وشروط بقائه بصورة تجعل الإنسان مفسدا في الأرض وسافكا للدماء. وأعجب ما في الأمر هو أن من يدعي مقاومته من المسلمين هم أكثر الناس تأييدا لخططه وعملا بها سواء كانوا عملاء ظاهرا وباطنا مثل كل الانظمة لا سنية العربية أو عملاء في الباطن وأدعياء ممانعة في الظاهر مثل كل الأنظمة والمليشيات الطائفية العربية (شيعية وعلومية ومسيحية وهلم جرا.)... وقد أردت في خاتمة هذه المحاولة أن أصل المسألة النظرية التي أبحث فيها وتخص نظرية المعرفة والقيمة أن أقدم نماذج من تطبيقاتها في التاريخ الفعلي فتكلمت على الوضع الحالي للعالم من حيث صلته بالإسلام لأن الإسلام لا يمكن أن يتعلق بالعالم إلى من حيث الدين الكوني الفاتح والـخاتم. أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- والقصد بالفاتح والخاتم هو أن الختم تذكير بالفتح :فالإسلام يتحدد بكونه الديني في كل دين وكون الأديان بكل أصنافها لا تختلف عنه إلا بتحريفها وتحريف التاريخ بمقتضى تحريفها :والاول هو تحريف الرسالة والثاني هو جاهلية التاريخ الإنساني وتلك هي حقيقة العولمة الأمريكية ببعدي دين العجل. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- خاتمة البحث أخصصها لحصيلة المحاولة في المعاني الكلية ودورها بين كونه مقوما لحقائق الأشياء في النظرية الفلسفية القديمة والوسيطة وكونه مجرد اصطلاح يختار بعض أعراض الأشياء مما ندركه منها ليكون رمزا للدلالة على ما نعتبره حقيقتها نتعامل معها ونعبر عنها برمز ثان هو لغة العلم فنبدع نظامين كلاهما رمز. نظام ما نرمز إليه بما نفترض أنه يحدد منزلته في نظام الأشياء المجهول دائما ولا نعلم منه إلا ما نعلم إلى سبيل الفرض ووالذي نريد معرفته ونظام ما نفترض أنه يمثل اللغة التي بالتعامل معها نكونه وكأننا نتعامل مع النظام الأول بحيث إننا نعتبر منطق النظام الثاني قابلا للإسقاط على منطق النظام الأول ونمتحن ما يستنتج من الثاني بالأول .فكل الحدوس العلمية تأتينا: .1إما مما يوحي به نظام الرموز المعبر عن نظام المرموزات التي هي بدورها رموز بما فيه من عدم تناسق. .2أو مما يوحي به عدم التناسق بين نظام الرموز المعبرة ونظام الرموز المعبر عنها بوصفها ما اخترناه من أعراض الأشياء وافترضناه «دلالة» المعبر على المعبر عنه. وهذا بالضبط ما يجري في علاقة الرياضيات التي نختارها نظاما رمزيا للتعبير والطبيعيات التي نتكلم عليها من خلال ما اخترناه من علامات ننظمها بها .وهو ما جعلها تصبح علما أي إنها تبدع صورة فرضية عن الشيء وتصوغها بعبارة رياضية فرضية هي بدورها .ثم تمتحن العبارة بسلوك ما وضعته فرضيا وكأنه الشيء في ضوء ما يترتب على الصورة في سلوكه وما يترتب علـى العبارة في سلوك العبارة عنه .وإلى حد الآن يبدو الأمر مفهوما لأنه حقيقة ما يجري في العلم الحديث .لكن هذه العملية تنسب أمرين للذهن يصعب فهمهما: .1فكيف نفهم قدرة الفكر على التخلص من ظهور الموجود واعتباره غير ضروري وافتراض غيره ممكنا وافتراضه على عدة صور ممكنة منه؟ أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- .2وكيف يمكن لهذه المفروضات أن تفعل رغم أنه لا شيء يثبت أنها مقومة بدليل استبدالها عندما تقتضي الضرورة التي تتجلى بعدم التناسق الأول أو الثاني. وهذا هو المشكل الذي أريد أن اختم به البحث في المعاني الكلية النظرية لعلوم الضرورة الشرطية وما اقتضته من اضطراري لوضع مثيل لها هو المعاني الكلية العملية لعلوم الحرية الشرطية وسميتها المعاني الكلية الأدبية أو الخلقية مثلما تسمى الأولى المعاني الكلية الرياضية أو المنطقية. وكان ذلك يكون دون إشكال لولا المعاني الكلية الدينية التي قد يظن أن وصفها بالذهنية قد يعني تشكيكا في وجودها في الأعيان .وطبعا هذا التشكيك يبدر إلى ذهن من يتصور المقدرات الذهنية الرياضية مقصورا وجودها على الأذهان لأنه يعتبر الوجود الخارجي مقصورا على الأعيان القابلة للإدراك الحسي. والمشكل هو :هل تسليم ابن تيمية بأن الكليات لا توجد إلا في المقدرات الذهنية وفي المعتقدات الدينية يعني أن هذه مثل تلك فتكون مقدرات ذهنية وقابلة من ثم لأن تكون \"كلية ومحضة وبرهانية\" لكنها لا تنطبق على الوجود الخارجي الديني إلا انطباق الأولى على الوجود الخارجي الطبيعي مثلا؟ ولهذه الإشكالية عدة أجوبة بالإيجاب وبالنفي .وهذه الأخيرة تكتفي بعكس تلك. ودحضها يسير لأنه عين دحض نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة ونظرية الكليات المقومة ونظرية العالم الواحد المقصور على عالم المدارك الحسية وخاصة اعتبارها هي «الواقع» الذي يعتبر ما عداه منتجات الخيال والخرافة. وطبعا فقائل ذلك بخصوص المقدرات الذهنية الدينية يشبه من يعتبر المقدرات الذهنية الرياضية من الخيال والخرافة .فبالإيجاب يمكن القول إن \"الأشياء\" الدينية مجانسة في العمل لـ «لأشياء الرياضية» في النظر من حيث هي \"اشياء مثالية\" ليس ك\"مثلها شيء\" في الوجود الخارجي .وهو ما يمنع الكلام عليها بلغة الكلام على المدرك المعيش بالمدارك الحسية وكأنه قلب للعلاقة بين المثال والمقيس عليه. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- فلا وجود في الخارج لأي شيء مطابق حقا لـمفهوم رياضي مهما كان بسيطا فمثلا لا توجد دائرة كما يحددها الرياضي في الوجود الخارجي رغم أن الأشياء الخارجية الطبيعية كما يدركها الحس الإنساني لا يمكن أن تعلم من دونها لغة للعبارة عن الصورة التي يتعامل معها العلم بوصفها ممثلة للشيء. وكذلك لا وجود لأي مفهوم ديني رغم أن الأشياء الخارجية الدينية كما يدركها الحس لا يمكن أن تعمل من دونها .فتكون نسبة المعاني الدينية إلى الظاهرات التاريخية والحرية الشرطية مناظرة لنسبة المعاني الرياضية إلى الظاهرات الطبيعية والضرورة الشرطية. وهذا هو الأمر الذي أضفته لرؤية ابن تيمية والذي يتجاهله الكثير للظن أن المعاني الكلية تابعة للنظر والعلم دون العمل والفنون والآداب. وإذن فلا خوف من تهمة نفي وجود الأشياء الدينية بهذا القياس لأنه من السخف أن يتصور الإنسان أن الأشياء الرياضية التي ليس لها مثيل في الوجود الخارجي ليست موجودة بوجود يخصها يختلف عن الوجود المحسوس .فالأمر لا يتعلق بالوجود في الحالتين بل بنوعه وبالدور في النظر وبالدور في العمل .لكأننا قلنا بحاجة العمل مثل النظر لمقدرات ذهنية تكون كلية ومحضة وبرهانية مثلها. فيبقى مخرج \"ليس كمثله شيء\" مشكلا لأنها تتعلق بنوع الوجود مع انطباقها على إثباته وعلى نفيه .فيقع الخلط بين المثالي الذي ليس \"كمثله شيء\" في الوجود الخارجي والخيالي الذي ليس \"كمثله شيء\" في الوجود الخارجي .وغالبا ما يتصور الكثير أن المعاني الكلية الدينية هي من النوع الثاني أي إنها من الوجود الخيالي وخاصة عند الحداثيين العرب الذين لا يعترفون إلا بما يشاركون فيه الدود :خلط المثالي بالخيالي. هل كان ابن تيمية مدركا لهذه الإشكالية عندما حصر وجود الكليات في المعاني الدينية التي سميتها المقدرات الذهنية العملية والمعاني الكلية في المقدرات الذهنية النظرية؟ هل كان يعني أن وجود المعاني الكلية فيهما من نفس الطبيعة أي إنها هي الوجود المثالي المشروط في الوجود الخارجي المدرك بالحواس الخارجية أو بالحواس الباطنية. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- ذلك ما فهمته من الكلام على الكليات في الأديان وما بفضله سمحت لنفسي بقراءة كلمة \"العقلي الصريح\" بمعنى العقلي المحض وليس بمعنى المعبر عنه بصراحة أي إنه يقصد الصراح لا الصريح فيكون المعنى هو الكليات الذهنية النظرية -في المعرفة العلمية- والكليات الذهنية العملية -في المعرفة الدينية-لا تتعارضان أبدا وأن النقل الصحيح فيهما متطابق .فهو يصف الأولى بكونها كلية ومحضة وبرهانية .ولما كانت الثانية كليات فهي مثلها ذهنية ولها هذه الخصائص الثلاث من حيث هي علم. ولأسلم إذن أن العقلـي \"الصراح\" والنقلي \"الصراح\" من طبيعة واحدة عند النظر إليهما بمنظور خصائص المعرفة .فيكونا مشتركين في كون علمهما \"كليا ومحضا وبرهانيا\" .إذا كان الأمر متعلقا بالمدرات الذهنية سواء كانت نظرية أو عملية فيبدو لي أمرا بينا بنفسه لأن الأمر يتعلق بالمثل التي من دونها يمتنع أن نفترض للوجود الخارجي سواء كان علميا أو عمليا صورة معينة قابلة للعبارة عنها بهما ويكون كل تعين من جنس «القيمة» التي تجعل المتغير في الرياضيات ينطبق على شيء محدد. فأقبل أن يكون علم العقلـي الصراح لا يعارض علم النقلـي الصراح ومن ثم فلهذا مثل ما لذاك من مقدرات ذهنية هي معانيه المثالية التي يستند إليها في علم الوجود الخارجي سواء كان طبيعيا أو دينيا .لكن كيف لي أن أقبل أن يكون النقلـي الصحيح واحدا فيهما خلال تطبيقهما على مجاليهما النظري والعملي؟ ذلك ما أزعم أن ابن تيمية يقصده بعدم تعارض النقلـي الصحيح مع علم العقلـي للوجود الخارجي .فعلم الوجود الخارجي ليس \"كليا ولا محضا ولا برهانيا\" فيكون من جنس النقلـي بمعنى أنه في الحقيقة ذو مضمون تاريخي حتما وهو مختلف في تعيناته رغم وحدته في مثاله .فهو تاريخ ما نصنعه من صور عن الوجود المجهول بالطبع خلال تعاملنا معه. فما نطبق عليه الرياضيات في الطبيعيات ليس من جنس الرياضيات بل هو من جنس ما لا يقبل الصوغ الرياضي التام مهما تقدمت علوم الرياضيات وهو متغير دائما لأنه مضمون نحاول صوغه ببناء صورة منه والتعبير عنه بعبارة رياضية .فنكون نحن صناع الصورة التي أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- نعتبرها ممثلة للموضوع وهو المستوى الأول من الترميز ثم صناع العبارة وهو المستوى الثاني من الترميز. وقد نصل إلى مرحلة نكتفي فيها بالمستوى الثاني من الترميز فنتعامل مع الطبيعيات النظرية وكأنها رياضيات خالصة .ويمكن كذلك أن نفترض فنا يتعامل مع العمل على هذا النحو ولعل اليتوبيات من هذا الجنس .وهو هدف بعيد الحصول بصورة تامة في الحالتين وخاصة في الثانية لوجوب الاحتكام إلى التجربة التي هي الحكم النهائي على صحة الفيزياء والتاريخ حتى النظرية بمعنى أن المشتق من الفرضيات يبقى معلقا في منزلة الفرضية حتى لو أيدته التجربة في لحظة ما لأن التجارب المقبلة قد تنقضها إذا تقدم العلم فاكتشف بدائل أدق وهو ما عبر عنه ابن تيمية بالقول إن كل تصور وراء تصور بلا حد. فاستنتاج النسبية الكلية مثلا يبقى فرضية بسبب الحاجة إلى حكم تقدم المعرفة وتقدم وسائل إدراك المعطى الطبيعي بالتجربة الفعلية وليس بالتجربة الافتراضية الذهنية. وبهذا المعنى فهمت فصلت :53فتبين حقيقة القرآن تكون بما يرينا الله من آياته في الآفاق والأنفس التي نحتكم إليها في فهمنا لنصه .وبذلك أعود الآن إلى بيت القصيد: .1مقدرات ذهنية لا تعلم الضرورة الشرطية في الطبائع إلا علما نسبيا ولا بد لها من تطبيق نموذج علمها على علمها. .2مقدرات ذهنية لا تعلم الحرية الشرطية في الشرائع إلا علما نسبيا ولا بد لها من تطبيق نموذج علمها على علمها. والضرورة الشرطية للطبائع .والحرية الشرطية للشرائع .والمشكل أن الإنسان من حيث هو في علاقة بالطبائع لا بد له من علم مثالي للمقدرات الذهنية النظرية (كلي ومحظ وبرهاني) نموذجا لعلمها علما نسبيا .ومن حيث هو في علاقة بالشرائع لا بد له من علم مثالي للمقدرات الذهنية العملية (كلي ومحظ وبرهاني) نموذجا لعلمها علما نسبيا :مجالان لا يتعارضان بل يتكاملان بتراتب لأن الحرية الشرطية فوق الضرورة الشرطية إذا أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- اعتبرنا الطبيعة نفسها ثمرة خيارات تجعلها تكون على ما هي عليه إذ لا شيء يثبت أنها كذلك بصورة لا بديل عنها .فيمكن تصور الطبيعة على نحو آخر. وهذا من أهم أدلة الغزالي ضد تصور الفلاسفة للسببية باعتباره علية الضرورة ولا يتصورونها ناتجة عن علية الحرية التي هي أسمى منها .فما يبدو ضروريا بالنسبة إلينا يمكن أن يكون حرا بالنسبة إلى خالقه بمعنى أننا نستطيع تصور ا لعالم بنظام مختلف عما نشهده منه .وظن الفلاسفة أن ذلك مستحيل (ابن رشد مثلا) يسميه الغزالي ضيق الحوصلة. فهما لا يتعارضان بالعقل الخالص أو الصراح .فالأولى مقدرات ذهنية نظرية كلية ومحضة وبرهانية (كلام ابن تيمية على الرياضيات والمنطق) .والثانية التي قستها عليها مقدرات ذهنية عملية كلية ومحضة وبرهانية (كلامي قياسا على كلام ابن تيمية) :المستوى المثالي من معرفة موضوعها يحدده شكلها. وهما لا يتعارضان بالتطبيق النسبي للعقلـي الصراح .فتطبيق المقدرات الذهنية النظرية على الطبيعة مثلا لا يبقى كما هو في المثال بل يصبح محتكما إلى الضرورة الشرطية في الطبيعة وهو من ثم نسبي إلى ما يحصل تاريخيا من خبرة عن الموضوع وتقدم في إدراك أعراضه وانتخاب ما يظن ممثلا لمقوماته. وما قلناه عن تطبيق المقدرات الذهنية النظرية على الطبيعة يقال مثله على تطبيق المقدرات الذهنية العملية على التاريخ .فهو لا يبقى كما هو في المثال بل يصبح محتكما إلى الحرية الشرطية في التاريخ وهو نسبي إلى ما يحصل تاريخيا من خبرة عنه وتقدم في إدراك أعراضه وانتخاب ما يظن مقوما له. أعتقد صادقا أني تخلصت من مأزقي الذي لا أحمل ابن تيمية مسؤوليته .فهو لم يفترض مقدرات ذهنية عملية رغم أنه وضع مبدأها .أنا وحدي أتحمل مسؤولية هذا المفهوم .لكنه سلم بوجود كليات العقائد الدينية .وهي إذن من جنس المعاني الكلية المقدرة ذهنيا .والكلي والمحض والبرهاني لم يعد مقصورا على النظر بل تعداه إلى العمل وهو أصل الديني. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- وبهذا أكون في نفس الوقت قد برهنت على مفهوم وحدة الديني والفلسفي في هذا المستوى وليس في مستوى تاريخهما. فيمكن إذن أن أقول دون خوف من اتهامي بالخروج عن الملة إن المعاني الكلية الدينية مقدرات ذهنية مثل المعاني الكلية الرياضية وهو أمر لا يتعلق بالتشكيك في وجودها بل هي جوهر الوجود المتعالي عند من تحرر من الذهن العامي الذي يتصور الوجود على المدرك حسيا لا غير .علم المثال شرط علم المحسوس. وحصيلة رؤية ابن تيمية :إذا كان علم الضرورة الشرطية -قانون الطبيعة-يحتاج إلى الرياضيات والمنطقيات علما للمقدرات الذهنية النظرية الذي هو كلي ومحظ وبرهاني فإن علم الحرية الشرطية -قانون التاريخ-يحتاج إلى الأخلاقيات والدينيات علما للمقدرات الذهنية العملية الذي هو كلي ومحظ وبرهاني. ولما كان الإنسان مكلفا بالتعمير بقيم الاستخلاف فإن المهمة الأولى التعمير يسيطر عليها قانون الضرورة الشرطية والمهمة الثانية قيم الاستخلاف يسيطر عليها قانون الحرية الشرطية وكانت المهمة الأولى شرطا أداتيا لقيام الإنسان والثانية شرطا غائيا لوجوده فإن الأولى تابعة للثانية. وإذن فالحرية الشرطية تسيطر على الضرورة الشرطية غائيا سيطرة الضرورة الشرطية على الحرية الشرطية أداتيا ما يعني أن الإبداع العلمي في المقدرات الذهنية التي من جنس المعاني الكلية النظرية شرط أداتي للإبداع العملي في المقدرات الذهنية التي من جنس العملية :الديني غاية والفلسفي أداة. والغاية مستحيلة من دون أداتها .وهذا هو ما غاب عن اذهان علماء الدين في الإسلام فأفسدوا الدنيا والدين .والأداة ممكنة من دون الغاية وهذا ما جعل التعمير يصبح تدميرا للإنسان والعالم .ومسؤولية المسلمين على الأمرين كبيرة :فهم تخلوا عن شرط مقاومة التدمير الذي طلبته الأنفال 60أي الردع. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
وهكذا فقد أدركت ما كنت أسعى إليه :وهو بيان أن القضية كلها تعود إلى قلب علماء الإسلام دلالة فصلت 53من الأمر إلى النهي وإلى قلب آل عمران 7من النهي إلى الأمر فكان أن أهملوا شروط فهم العلاقة بين الحرية الشرطية والضرورة الشرطية فلم يعمروا ولم يخلفوا بل اكتفوا بالأقوال دون أفعال. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 46
Pages: