أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
عجبت من تفسير ابن خلدون للفتنة الكبرى رغم إعجابي بالمخرج الثوري الذي حدد الخلاف السياسي بما يشبه جعله بمعزل عن الخير والشر :مبدأ عدم التأثيم.لكن عجبي الأشد يتعلق بعودة كل الأمراض التي عاشتها حضارتنا وما صاحبها منعداوات للإسلام ،دينا وحضارة ،مما جرى فيها وفي محيطها من منافسيها .فأعداءالاستئناف الإسلامي ليسوا من الحاضر فحسب ،بل اجتمعت فيهم العداوات الماضية فيه (الفرق الغالية) ومن هزمهم خلال تأسيس دولته ومنافسيه التاريخيين.ومن يسمون أنفسهم عربا في العصر الحديث ،يبدون وكأنهم قد اعتبروه ماضيا انتهى دوره ،وبحثوا عن شرعيات لما يسمونه دولا متقدمة عليه أو متأخرة عنه. وإذن فمن يناصب استئناف الإسلام خمسة:وبين هؤلاء ،يمكن القول إن من بين الخمسة ،يمكن التوكيد على أن الصنفين الأكثر تأثيرا لدورهم المباشر ،ثم بتوسط تأثيرهم في البقية ،هما الأعدى بإطلاق. والصنفان هما: -1صنف من سلبهم الإسلام سلطانهم السياسي التاريخي في الإقليم. -2صنف من سلبهم سلطانهم الروحي ،وما بعد التاريخي فيه وفي العالم. ومن سلب سلطانه السياسي والتاريخي في الإقليم ،هم فارس وبيزنطة. ومن سلب سلطانه الروحي وما بعد الروحي ،هم اليهود والمسيحيون. 41
فبم يتمايزون؟فالقوتان اللتان ليس لهما إلا نوع واحد من السلطانين-السياسي والتاريخي لفارس، والروحي وما بعد التاريخي لليهود-اختاروا الحرب اللطيفة من الداخل.أما القوة التي جمعت بين القوتين ،أعني بيزنطة ومسيحيي أوروبا ،فقد أقدموا على الصدام الفعلي ،فكانت حربا سجالا ،حسموها لصالحهم مؤقتا بالاستعمار.والخصومات القبلية التي فسر بها ابن خلدون الفتنة الكبرى (المقدمة الباب 3فصل ولاية العهد) هي من أدوات هذه القوى الثلاثة ،بآلية الفرق الغالية.فما يجري الآن في الإقليم ،وخاصة في الخليج والهلال ،ذو صلة مباشرة بما وصفت ،لأنجل مليشيات الحرب على الإسلام(السنة) هم من الفرق العربية الغالية .فبعضهم من فتاتالدولة العبيدية والباطنية والقرامطة ،وهم في البداية أدوات الدس الفارسي واليهوديفي عملية التخريب للثأر من فقدان سلطانهم .وجلهم من أحفاد القبائل التي فسر ابنخلدون بموقفها من قريش ودولة الإسلام ،أعني من مناذرة العرب وغساسنتهم الذين صاروا بالدس روافض وباطنية.هدف المحاولة ،الوصل بين ما نتج عن إحياء عداوات الماضي سلاحا للتخريب الداخلي،وما ينتج عن استفادة السعاة إلى الثأر من الإسلام من الاستعمار .فإيران وإسرائيل يحيونعداوات الماضي ويستفيدون من الاستعمار لاسترداد سلطانهم ،أي امبراطورية متقدمة على الإسلام ،ومعهم مناذرة وغساسنة عرب خونة. دون تعيين ،ففي كل أقاليم ما نسميه بالوطن العربي دويلة تمثلهم: 42
تلك هي خارطة أعداء الاستئناف ،لكن العدوان قابل للرد إلى أصلين في الحرب على الأمة لمنعه بالحيلولة دون الدور الكوني للأمة الإسلامية في الحاضر.فطالبوا بالثأر من الإسلام وحضارته-إيران وإسرائيل-واكتسبوا القدرة لاستعمال القوتين المادية والرمزية ،وازداد عدد الخونة العرب القابلين للتوظيف.والغرب كانت له القوتان من البداية ،وظل في صراع معنا إلى أن ربح المعركة بالاستعمار، لكنه بدأ يشعر بالحاجة إلى استعمال صاحبي الثأر وعملاءهم.وهذا الوصف مطابق للوضعية الراهنة التي تفهمها أجندة إيران وإسرائيل بمساعدةوريثة بيزنطة الشرقية (روسيا) والغربية (أمريكا) وعملائهم العرب .فروسيا وأمريكايستعملان إيران وإسرائيل ،وهذان يستعملانهما في استراتيجية واحدة هي السيطرة على الإقليم ،ولكل منهم عملاء عرب مناذرة وغساسنة.الحالة المعقدة لا تعالجها حماسة الشباب مهما صدق ،خاصة ومناورات بعض فاشية القوميين واليساريين الذين هم عملاء مخابرات الأعداء قد سرطنوهم.لهذا تجردت ونذرت نفسي للعمل التوعوي الذي يحدد معالم استراتيجية ،لا أستطيع أنأفصح عن غاياتها البعيدة ،وأكتفي بخطاب يقلب كل معطيات الوضعية .وأهم عناصر هذاالخطاب هو الفصل بين الشرق والغرب الأدنيين ،والشرق والغرب الأقصيين ،لتوحيد إقليم ملتقى القارات الثلاث .أي حضارتي ابداع الحداثة.فهذا التوحيد هو من ثمرات التاريخ المديد لمحيط الأبيض المتوسط .فهو وحد الحضارتين المتنافستين منذ القرون الوسطى ديموغرافيا وثقافيا.وبهذا الخطاب ،يتجاوز المسلمون الإشكالية الزائفة بين التأصيل والتحديث ،وينهي إحياء عداوات الماضي ،فيلتفت إلى المستقبل لنجدة البشرية المهددة.ذلك أن الحضارتين المتنافستين منذ القرون الوسطى ،هما اللتان حققتا بتبادل وتواصل بطيئين لكن حقيقيان ،رؤية دينية وفلسفية تجاوزت ما يفصل بينهما.فلقائهما شرقا (تركيا والبلقان) ،وغربا (المغرب واسبانيا) ،والتمازج الديموغرافي والثقافي ،والتشابك الاقتصادي ،وحتى السياسي ،ستتغلب على التطرفين. 43
فإرهاب اليمين الأوروبي ،أو الإسلاموفوبيا ،وإرهاب اليمين الإسلامي أو الأوروفوبيا، كلاهما تطرف أقلي لا يمثل اتجاه التاريخ الغالب في الجماعتين.ولست أشك لحظة واحدة أن الأوروبيين قد فهموا أنهم في وضع لا يختلف كثيرا عنا فينظر روسيا وأمريكا ،وأنهم مثلنا مهددون بذراعيهما وعملائهما .ولما كان لهم منالاستراتيجيين من لا تفوته دلالة القسمة بين غرب أدنى وغرب أقصى ،جنيسة للقسمة بين شرق أدنى وشرق أقصى ،فإنه سيرى فكي الكماشة.فالشرق الأقصى يهدد النموذج الاجتماعي الأوروبي بتدني منزلة الإنسان ،والغربالأقصى يهدد النموذج القيمي الأوروبي بثقافة الرعاع ورعاة البقر .فلا يبقى للأوروبيينمن هم أقرب لهم منا ،ولا لنا من هم أقرب لنا منهم ،على الاقل في الرؤية الدينية والفلسفية لمنزلة الإنسان وقيم الثقافة.صحيح أن كاريكاتور التأصيل أبعد قيم الإسلام عن الحداثة ،وكاريكاتور التحديث أبعدقيم الحداثة عن قيم الإسلام ،لأنهما يخلطان بين الكاريكاتور والحقيقة .لكن ثورتيالإسلام ،أي الحرية الروحية (لا وساطة بين الفرد وربه) والحرية السياسية (السيادةلجماعة الأحرار) لم يقترب منهما أحد أكثر من أوروبا .وكبارهم من العلماء ،وحتى منرجال الدين والفلاسفة ،لا ينكرون دينهم لنا ،وعلينا ألا ننكر ديننا لهم ،خاصة إذا فهمنا أن المعين واحد :إبراهيم وسقراط.وهذا الصلح الحضاري هو الخطاب الذي سيعيد للإسلام جاذبيته ،فيكون في الغاية بداية توحيد الإقليم الجامع بين الحضارتين والملتفت إلى المستقبل. 44
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 10
Pages:
