أبو يعرب المرزوقي re nils frahm مفهوم الدولة بين الجزئية والكلية ونظر ية الإنسان القرآنية الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 11 - -الفصل الثالث 18 - -الفصل الرابع 25 - -الفصل الخامس 33 - -خاتمة 39 -
-- في كلامي السابق على الدولة ذكرت أمرين يبدوان منافيين للمعتاد في الفلسفة السياسية التي يكررها جهابذة الاختصاص ممن نكصوا إلى القول بنظرية المعرفة والقيمة المطابقتين ويعتبرون ما يدركونه حقيقة مطلقة لأنه مطابق لما يسمونه \"الواقع\" الذي اعتبره وثن الحداثيين والإسلاميين في آن \"هبل\" جاهلية العرب الثانية. فما قلته في الدولة ويعتبر غريبا لكني لا ادعي أنه حقيقة مطلقة ولا أزعم أنه مطابق لواقع ما لأني لا أفهم معنى الواقع ما لم يكن بمعنى الأمر الواقع الذي هو \"فاكتوم\" أي فرض على الذهن مؤقتا بوصفه \"كذا هو هكذا\" أي ما لا حيلة له في قبوله ومحاولة تغييره بإبداع \"حيل\" رمزية تعيد فهمه فهما يمكن من تغيير رؤيته دون الجزم بعلم حقيقته. وما أشير إليه لا يتعلق بما قلته في التعليق على تعريف أحد الزملاء لمفهوم الدولة بالثلاثية الشهيرة -الشعب والأرض والحكم-إذ أضفت عنصرين آخرين غالبا ما يقع اغفالهما وهما طبيعة علاقة الشعب بالأرض (ملكيتها) وطبيعة علاقته بحكمها (السيادة عليها) .فيكون تعريفها حتى بالمفهوم التقليدي ينقصه مقومان يجعلان كل «الدول» العربية ليست دولا إذا أخذناهما بعين الاعتبار بل هي محميات لأن الشعب لا يملكها وليس سيدا عليها. فاستكمال التعريف التقليدي ما أظنه مدعاة للاعتراض لأني اعتقد أن أصحابه إما يفترضونه ضمنيا في الثلاثة إذا كانوا يفهمون معنى الشعب السيد أو يتخلون عنه فيسمون دولة بمثلث الشعب الذي لا يملك الأرض وعديم السيادة في حكمها بحكام تابعين لمستعمر مثل المحميات العربية .وهو سبب إضافتي للمقومين لأني لا أعتبرها دولا أصلا. وما كنت لأضيف هذين المقومين اللذين يميزان الدولة عن المحمية-مثلما كانت تونس \"دولة\" محمية من دولة حامية هي فرنسا في اتفاقية باردو المعلومة والامر باق كما كان لأن الاستقلال كان ورقة لا تحقق الشرطين اللذين أضفتهما أعني ملكية الأرض وسيادة الحكم- لو لم يكن منطلقي ضمنيا ذا مرجعية فكرية تعرف الدولة تعريفا أعمق حتى من هذا المعنى أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- الذي يضيف الملكية والسيادة وهو ما أريد الكلام فيه ود سبق أن قلته في المحاولات السابقة ويبدو غريبا لأنه غير معتاد لمن كان يفهم الإسلام فهما يجعله دينا من بين الأديان وليس الديني في كل دين. فعندما نعتبر الإسلام دينا من بين الأديان فإنه يكون محرفا بالقياس إلى الديني في كل دين بنص القرآن نفسه .ذلك أن مراجعة القرآن لجميع الأديان السابقة -وقد صنفها فأرجعها إلى خمسة (وهنا أعرض فلسفة القرآن الدينية ولست أعبر عن موقف شخصي له أو عليه حتى يكون البحث كما أريده خطابا موجها للإنسان من حيث هو إنسان قبل اختيار عقيدة معينة يتبناها عن اقتناع أي بعد تبين الرشد من الغي بذاته وليس باتباع سلطة فكرية معينة مفروضة عليه): 1و -2اثنان منزلان هو اليهودية والمسيحية. 3و-4واثنان طبيعيان هما الصابئية والمجوسية. -5وأصل واحد لها جميعا بالسلب هو الشرك الذي يقابل الإسلام الذي هو الديني في كل دين أو التسليم لرب العالمين .وذلك حتى ينقد ما طرأ عليها من تحريف أبعدها عن الديني في كل دين أو دين الله أو الإسلام الفطري أو دين البداية الذي يذكر به دين الغاية أو الإسلام المحمدي مستعملا منهج التصديق والهيمنة. وهذا المنهج يعني المراجعة التي تصدق ما فيها من الديني لأن الإسلام مؤتمن عليه وتهيمن به عليها لإصلاحها وتخليصها من التحريف وهذا يمثل خمس القرآن .والأخماس الأربعة الباقية هي للتعريف بالمرسل (الله) والمرسل إليه (الإنسان) والرسول (الخاتم وكل الذين نحن مطالبون بالإيمان بهم) ومنهج التبليغ (الغاشية )22-21ومضمون الرسالة أي مهمة الإنسان تعميرا واستخلافا في الأرض وتجهيزه ليكون قادرا عليهما :بالنظر والعقد لتصور الاجتهاد وبالعمل والشرع لإنجاز الجهاد. ولا أشك أن الاعتراض سيكون :ها أنت إذن تنطلق من عقيدتك الإسلام ولست تفكر بصورة مجردة عن خيار عقدي معين .ومن ثم فموقفك عقدي وليس فلسفيا فلا يقبل حجة أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- حتى عند المسلمين لأن ما اتهمتهم أنت بالتحريف يعتقدون أن فهمهم مطابق للإسلام ورؤيتك هي المحرفة. فالإسلام دين من الأديان وليس الديني في الأديان كما تتصور إذ تعتبره أصلا حرف فيها وغاية تسعى إليها .لذلك فسأضيف إلى هذا المدخل مدخلا يعسر أن يجادل فيه من يعتقد أن انطلاقي من الإسلام للكلام على رؤية كونية علته الموقف العقدي الذاتي وليس نص القرآن نفسه وفهمه التيمي والخلدوني ما يعني أني لا أنسب هذا الفهم لكونية الإسلام إلى نفسي بل أكاد أزعم أنه لا يوجد مفسر لم يقل بكونه الديني في الأديان صراحة أو ضمنا حتى وإن لم يعمل به أحد منهم عندما ينتقل من تحديد الرؤية إلى تطبيقاتها في علوم الملة وأعمالها. والمدخل الثاني شديد الغرابة .إنه قولي إن الامريكان مثلا يفهمون ذلك جيد الفهم لأن تصورهم هو عين تصور الإسلام بعد حذف احدى المهمتين اللتين كلف بهما الإنسان: .1فهم يؤمنون بأن تعمير الأرض يفترض وحدتها وشموليته لها ولا يكتفون بالإيمان بل يحققونه فعلا في التاريخ الفعلي. .2لكنهم لا يرون علاقة بين ذلك وبين المهمة الثانية أعني مهمة الاستخلاف أعني تحقيق قيمه. ولست أقول ذلك اعتمادا على ما يحصل فعلا فحسب بل وكذلك لأن ذلك هو عين العلة العميقة لحربهم على الإسلام باعتباره المنافس بل والعدو لهذه العلة أي بقيمه التي لا تقبل بالتعمير من دون الاستخلاف لأنه يكون تدميرا كما نراه في العولمة للأرض والبشر ولتنوع الثقافات واللغات والحضارات وليس تعميرا يحافظ عليها بوصفها من آيات الخلق وثرائه :أي إنه يرفض الكونية السلبية التي تحقق الوحدة النافية للتعدد فيها جميعا. نأتي الآن إلى القولين الغريبين اللذين سأحاول أثباتهما على غرابتهما اعتمادا على التناظر التعاكسي بين النموذجين الإسلامي والأمريكي من منظور الإسلام في ما يشبه النظام الأمريكي ومن منظور الأمريكي في ما يشبه النظام الإسلامي الذي أعتقد أنهم أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- يفهمونه أكثر من المسلمين وإلا لما اعتبروه عدوا منافسا مثل الشيوعية .وهو فهم قاصر لتوهم الإسلام إيديولوجيا مثل الشيوعية. فهذا الظن ليس خطأ فحسب بل هو ليس جديدا في الرؤية الغربية للإسلام فهي بدأت منذ نشأته .فالكنيسة التي قد تكون تضاءل دورها في التاريخ من حيث احداثه ما يزال دورها أساسيا في التاريخ من حيث أحاديثه .فدورها ما يزال التأثير على الرؤى الغربية حتى وإن إخفاءه الشكل المعلمن والمفلسف الذي يخفي الطبية الدينية للمواقف الغربية الحالية .ومن يدرس هيجل وماركس وخاصة الانتقال من الأول إلى الثاني يفهم القصد وقد شرحت ذلك عندما تكلمت على مفهوم المصالحة الهيجلية بين الله والعالم Die .Versöhnung فالكنيسة كانت ولا تزال تنفي عن الإسلام أن يكون دينا منزلا بحق بل هو عند كبار المتكلمين حتى بعد الاصلاح الذي أخذ منه الكثير (لوثر) من صنع العقل الإنساني بصياغة محمدي .وأكثر من ذلك فحتى التنويريون و\"التييست\" (الربوبيون) الغربيون كانوا يعتقدون أن الإسلام دين عقلي وطبيعي وليس من جنس الأديان المنزلة ويقصدون أنه ليس من جنس المسيحية. ومن ذلك قياس الأمريكان الإسلام على المنافس الشيوعي بوصفه ايديولوجيا إنسانية ما يعنيهم في حربهم عليه هو تطبيقاتها الدنيوية وليس الوجه التعبدي منه وليس دينا سماويا مثل المسيحية .وهو خطأ سعيد :ذلك أن توهمهم الإسلام مجرد إيديولوجيا دنيوية يحاربونها هو الذي يجعلهم يختارون استراتيجية علمنته أو تصويفه بمعنى أنهم لا يحاربون ما فيه من عبادات بل ما يتوهمون أنه من استعماله الإيديولوجي في السياسة. وكل ذلك طبعا بسبب القياس الخاطئ :فهم لا يستطيعون فهم الظاهرة التي يعتقدون أنها غير موجودة في المسيحية-التي كانت عقيدة شعب تحت الاستعمار الروماني في دولة تشريعاتها يضعها النظام الروماني بحسب مراحله بين الدكتاتورية والجمهورية -أعني السياسة من حيث هي فرض عين في الإسلام ومن ثم فهي ذروة العبادات الإسلامية .ذلك أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- أن الإسلام دين شعب حر وجوهر حريته ليست روحية فحسب بل هي روحية مطبقة في التاريخ الفعلي من ثم فـجوهر السياسة هو بعدا العبادات: .1فهي اجتهاد في مستوى الفكر النظري والعقدي لعلاج علاقة الإنسان بالإنسان وبالعالم من اجل التعمير .ويمكن أن نعتبر ذلك مجال التربية الذي لا توجد فيه وساطة بين المؤمن وربه. .2وهي جهاد في مستوى الفكر العملي والشرعي لتنظيم هذا العلاج بقيم الاستخلاف. ويمكن أن نعتبر ذلك مجال الحكم الذي لا توجد فيه وصاية بين المؤمن وأمره. ويجمع بينهما مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق وظيفتي الإنسان المحددتين لمنزلته الوجودية في الكون أي التعمير والاستخلاف بالاجتهاد والجهاد معرفيا وقيميا ذهنيا وعينيا. ولهذه العلة فحرب أمريكا على الإسلام لا تخيفني ما دمت اعلم أنهم لا يفهمون سر قوة الإسلام .فهي حرب خاسرة ألف في المائة لأنها مبنية على جهل بهذا السر الذي يخفى حتى على علماء الإسلام ونخبه ما يجعلهما أحيانا بدون وعي وأحيانا عمالة يسهمون مع اعداء الإسلام في الحرب عليه .فـمن يحارب عدوا وهو يجهل سر قوته يكون كمن يسهم في تقويته إذ هو بحربه ينبه المسلمين لما ينقصهم حتى يهزموه .ونحن هازموهم لا محالة .ولا يخامرني أدنى شك في أن الضاحك الأخير بحق سيكون نحن لأننا أقدر على حرب المطاولة من أي أمة أخرى. وإذا كان مارلو بونتي قد قال في ماكيافال إنه لو كان ماكيافيليا لما فضح السر في كتاب الأمير فإنـي سأقول إن فهمي للقرآن بوصفه بحق استراتيجية بديلة من الاستراتيجيات الأربع التي وصفتها في كلامي على الاستراتيجيا لا يعتبر كشفا لسر بل هو محاولة لأقناع أعداء الإسلام بأن كل الاستراتيجيات تفشل أمام استراتيجية الإسلام لأنها ليست عدوانية بل هي سعي دائب لتوحيد الإنسانية حول حقيتها وقيمتها الكونية التي يشترك فيها كل أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- البشر ولذلك فالقرآن يخاطبهم جميعا وابن خلدون في مقدمته لم يعنون عمله بالوظيفتين وبمستويي البشرية بالصدفة « :العمران والاجتماع موضوعا والبشري والإنساني نسبا ». استراتيجية الإسلام السياسية هي تحقيق مبدأين لا ثالث لهما هما البداية والغاية وهما جوهر الإسلام: .1البداية هي النساء 1أي الاخوة البشرية والحجرات 13أي المساواة بين البشر مع اعتبار الاختلاف العرقي واللوني واللساني والثقافي والجنسي آية وليس ضديدا للمساواة وحصر التفاضل في التقوى. .2والغاية هي نفس البداية وما بين البداية والغاية هي تحرير الإنسانية من المعيقات التي تحول دون الأخوة والمساواة والاستراتيجية هي إذن إزالة ما يمنع تحقيقهما وذلك بتحرير الإنسانية مما يدفع للصراع عليها (اقتصاد الخوف من العوز) ومما يكرسها (ثقافة الاستحواذ والاستبداد). ولذلك فالمقابل الضديد هو الرؤية الأمريكية التي لا تؤمن بالأخوة البشرية ولا بالمساواة بين البشر ومن ثم فالكونية فيها ليست كونية الإسلام بل عكسها تماما إنها كونية تجمع في آن بين المعنى الهيجلي والمعنى الماركسي أي بين صراع أرواح الشعوب (عنصرية الحضارة وضمنها العرقية التي تفسر اختلاف الحضارات) وصراع طبقاتها (وهي عنصرية ترد إلى الأولى). وقد يظن الكثير أني بسذاجة أقابل ا لمثال بالواقع لكأني أتكلم على اماني وليست أصف رؤيتين ماثلتين أمام ناظر الجميع :فلست أدري ما الذي يحوج الأمريكان للحرب على الإسلام لولا الوعي الدقيق بهذا الدافع الحقيقي لطبيعة المقابلة بين فلسفتين دينيتين وتاريخيتين من لم يكن مدركا لأبعاد التقابل بينهما لا يمكن أن يفهم ما ينبغي أن نعالجه ليصبح الاستئناف الحضاري الإسلامي ممكنا بوصفه فرصة ثانية للإنسانية حتى تخرج من التدمير الذي يبدو تعميرا ومن العبودية التي تبدو حرية. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- وبهذا المعنى يتبين أن دحض العلاج الهيجلي بفهم التاريخ الثقافي بالتاريخ الطبيعي جاء في النساء ( 1الأخوة البشرية ولا معنى لأرواح الشعوب) ودحض العلاج الماركسي بفهم التاريخ الاقتصادي بالتاريخ الطبيعي جاء في الحجرات ( 13المساواة بين البشر) من حيث البداية التي يمكن أن تكون الغاية للاستراتيجية التي تحرر الإنسانية ليس بجدل الصراع بل بسياسة تكون فيها التربية دون وساطة والحكم دون وصاية لأن الوساطة والوصاية هما علة تحريف الواحد بين الديني والفلسفي .وهو معنى كون الإسلام من حيث هو ا الديني في كل دين والفلسفي في كل فلسفة ينبغي أن يكون فاتحا وخاتما :فهو فاتح بالمبدأين في التعمير بقيم ا لاستخلاف (الأخوة والمساواة) وخاتم بالسعي لتحقيقهما الفعلي .والسعي لتحقيقهما الفعلي لا يمكن ان يكون إلا بمقتضى نظرية التاريخ الإنساني مخمس الأبعاد: .1فالماضي حدث وحديث ولا يمكن فيه إلا أن نصلح الحديث لتأويل فاعلية الحدث الذي حصل وانتهى. .2والمستقبل حديث وحدث وفيه يمكن أن نصلح البعدين بأن نبدأ بالحديث لتوجيه الحدث. .3والحاضر هو فاعلية السياسة هذه ببعديها أي بالتربية المتحرر من الوساطة بين الإنسان وربه (الكنسية وما يعوضها في العلمنة) والوصاية بين الإنسان وشأنه (الحكم بالحق الإلهي وما يعوضه في العملنة) .وقد درست أن الشكل الأول هو الثيوقراطيا والثاني هو الانثروبوقراطيا وهما وجهان لعملة واحدة هي الأبيسيوقراطيا أي التربية والحكم ببعدي دين العجل :ربا الأقوال (خوار العجل) وربا الأموال (معدن العجل) .وتلك هي علة وضعي للمفهومين الغريبين اللذين اضيفهما إلى نظرية الدولة كما يحددها القرآن وكما ينبغي أن تحددها الفلسفة كذلك لوحدة الديني والفلسفي الكونيين: • أولا الدولة كانت ولا تزال دائما كونية واليونان لم يعرفوا الدولة بل عرفوا أنظمة الحكم والفرق بين الأمرين شاسع وظل خفيا حتى ظهرت النساء 1والحجرات .13 أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- • ثانيا الدولة بنية مجردة ذات خانات وظيفية كونية خالية لا تصبح ذات فاعلية إلا بتعيين القيمين عليها وتلك هي مهمة الانظمة السياسية التي تختلف تاريخيا بحسب نضوج الوعي بوظائف الدولة الكونية. فتعيين القيمين هو الذي تتمايز به الأنظمة لكن بنية الدولة المجردة واحدة وكونية. فالدول من حيث البنية المجردة حتى قبل أن تصل إلى الكونية -دولة واحدة في العالم كله لأن أهلها هم البشرية كلها باعتبارهم اخوة متساوين يرثون الأرض بثرواتها وبتراثها إما بالفعل أو بالقوة فضلا عن كون الثروة والتراث حصيلة الإنسانية كلها حتى خلال مراحل انقسامها .ولا تفاضل بينهم عند الله إلا بالتقوى أي بالتعمير بقيم الاستخلاف موضوع الرسالة الفاتحة والخاتمة (الإسلام). والاستدلال على هذه الرؤية سيكون أولا بالذهاب مما يبدو منافيا لها أعني من الدولة الجزئية أي دولة جزئية يتوفر فيها التعريف الذي قدمته بإضافة الصفتين أي الملكية والسيادة لأن ما سأقوله لا ينطبق على المحميات التي لا يملك شعبها الأرض وليس له سيادة على حكمها .فهؤلاء ليس لهم دولة أصلا وهم ليسوا أحرارا بل هو مثل المحمية التي يعيشون فيها تحت تصرف الحامي. فالدولة حتى وهي جزئية -أي تملك قطعة من الأرض خلال مدة من الزمان-ولها شيء من السيادة وجودها نفسه يثبت أنها تكون مقصورة على حدود ما تملكه من الأرض ليس بوصفها دولة بل بوصفها واحدة من الدول التي لها القوة على تقاسم الأرض وتقاسم السيادة عليها في مدة من الزمن. ومن ثم فهي تشعر دائما بأنها دون حقيقتها وأن وجودها بالفعل ناقص بالقياس إلى وجودها بالقوة والعلة هي توازن القوى في تقاسم المكان وتقاسم الزمان بين الدول الجزئية التي تسعى كل واحدة منها إلى أن تكون الدولة الكونية. وذلك هو منطق ما يمكن اعتباره جوهر السياسة الدولية وعلة الحروب بين الشعوب .وفي الحقيقة فإنه لا يوجد تاريخ جزئي :كل التاريخ كوني .فلا توجد لحظة منه يمكن فهمها أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- من دون كل ما تقدم عليها حديثا وحديثا وما تأخر عليها حديثا وحدثا .التاريخ الإنساني كما يعرضه القرآن الكريم وكما يعرض بذاته في الوجود الفعلي كوني بالجوهر .وبذلك فالكلام على الخصوصية لا يكون إلا فكلور حول الفلكلور وليس فلسفة ولا دين. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- والأغرب من ذلك أن ما قلته عن الدولة الجزئية يصح حتى على الأفراد .فتقاسم الفضاء في القرية أو في المدينة أو في الوطن بين الناس هو الموضوع الأول للتنافس على تحقق الذات .فالكل يريد أن يملك أكبر قدر ممكن منها أو مما يرمز للقدرة على امتلاكها أي إن الفرد يتمنى أن تسع ملكيته كل شيء وأن يكون مالكا للمكان كله في الزمان كله. وهذا الذي يسمى \"ظلما\" بالاصطلاح القانوني لأن فيه تجاوزا على حقوق الغير هو في الحقيقة نفس الـحقوق ما يعني أن كل ظالم يشعر بأنه ظالم لأنه مباشرة يشعر بأنه كان يمكن أن يكون في مكانه أمام من هو أقوى منه فيكون ذلك عين معيار العدل .فكل فرد يتمنى أن يكون \"رب\" العالم وهو معنى حب التأله من حيث دلالته الوجودية وهو عين نسيان أن منزلة الإنسان هي الخلافة وليس الربوبية. وإذن فتعريف الإنسان باستعماره في الأرض لو اقتصرنا عليه من دون الاستخلاف وقيمه يصبح عين الايديولوجيا الأمريكية وهو الحقوق والواجبات الناتجة ليس عن هذه القيم بل عن توازن القوى بين المتنافسين على نفس الشيء فلا يبقى محركا غير القوة وتوازناتها وهو المعنى الفاسد من السياسة التي يعارض معناها الإسلامي من حيث هو استراتيجية توحيد البشرية بالأخوة والمساواة .وحقيقة ما يفعله الأمريكان حقيقة يقرها القرآن بوصفها نصف الحقيقة التي يقرها والتي يكون نصفها الثاني هو علاج نصفها الأول لأنه من دونه يجعل ما يظن تعميرا تدميرا .ذلك أن الإسلام وضع فوق الاستعمار في الأرض شرط جعلها خاضعة لنظام يخضع له هذا النصف المنحرف بانفصاله عن قيم الاستخلاف. فالإنسان ليس مكلفا بالاستعمار في الأرض فحسب بل هو مكلف بالاستعمار فيها بقيم وضعها خالقه وفوض له تحقيقها .وذلك هو معنى الاستخلاف ووظيفته .والسياسة هي استراتيجية الإسلام في التربية دون وساطة وفي الحكم دون وصاية لإيصال الإنسان إلى هذه الرؤية عقدا وتحقيقا. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- خطأ المسلمين الحاليين هو أنهم ظنوا قيم الاستخلاف يمكن أن يحققها فاقد الشرط الأول أي تعمير الأرض .الاستخلاف القرآني لا يتحقق لمن كان أعزل .ومن ثم فلن نستطيع الصمود أمام مدمري الأرض أو من يتوهمون تعميرها من دون قيم الاستخلاف بمجرد قيم الاستخلاف العزلاء بل لا بد من تحقيق المهمتين معا. وذلك هو معنى دفع الله الناس بعضهم ببعض لمنع الفساد في الأرض والصراع الديني. وهو مفهوم أخطأ الإسلاميون فجعلوه من جنس الصراع الهيجلي والماركسي بمجرد أن عوضوه بمفهوم يتنافى معه تماما أعني مفهوم التدافع .فالمشاركة فيه تعني نفي دور الله في التاريخ إذ المتدافعان في هذه الحالة يتدافعان دون طرف ثالث فوقهما ولا يمكن حينئذ أن نعلم لا علته ولا التمييز بين الظالم والمظلوم حتى تحسم القوة بينهما. والآيتان اللتان تقران الجهاد القتالي الهجومي وليس الدفاعي فحسب بمعنى جنيس لحق التدخل في القانون الدولي الحديث بشرط أن يكون صادقا لا تتعلقان بالتدافع بل بدفع الله الناس بعضهم ببعض .وله علتان لا غير: .1الفساد في الأرض وأهمه الاستضعاف. .2وتهديم المعابد أيا كان الدين. وتلك هي دلالة آية الردع أو إرهاب الأعداء بمعنى فرض السلم أو الهدنة المؤقتة بين البشر للانتقال من التنافس العنيف على تقاسم الأرض والسلطان عليها إلى البداية التي هي الغاية أي ما حددته النساء 1والحجرات 13لأن الإنسانية أمة واحدة ولأن تعميرها بقيم الاستخلاف فرض عين على كل إنسان. وبذلك أفهم ظاهرة غريبة .وهي أنه حتى أعداء الإسلام لا يمكنهم أن يفعلوا إلى بعض ما يأمر به وخاصة النصف الأول من مهمة الإنسان أي التعمير حتى وإن اكتفوا بوجهه المادي فيفرضون على المسلمين محاكاتهم فيها ولا يستطيعون إزهادهم في القسم الثاني من مهمة الإنسان لأنها هي الغاية والباقي أدوات. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- فيمكنني مثلا أن أدرس في فرنسا وأن أرسل إبني للدراسة في أمريكا إذا كنت قد غذيته بقيم الاستخلاف كما حددها القرآن قبل ذلك ولا أخاف عليه من أن ينحرف خلال تحصيله ما ينقصنا حاليا أي شروط تعمير الأرض لأن علماءنا -هداهم الله -تصوروا علوم الدين لا تتضمن علوم الدنيا شرطا في كونها علوما. وليس هذا من اختراعي .فالقرآن الكريم صرح بأن تبين حقيقة القرآن لا يكون بشرح ألفاظ نصه بل برؤية آيات الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) والأنفس (تفاعلهما في كيان الإنسان وفي الحضارة التي يبدعها) لكنهم تركوا فصلت 53وغرقوا في ما نهوا عنه في آل عمران 7بدعوى الرسوخ في العلم لكان الرسوخ مهما بلغ يمكن أن يصبح محيطا فيقبل العطف على علم الله. فكان المآل هو ما وصفته آل عمران 7أي سيطرة زيغ القلوب وابتغاء الفتنة ومعارك الديكة بين أدعياء الرسوخ في العلم بتكديس الخرافات التي يسمونها علوما وهي من أتفه ما يمكن للعقل الإنسان أن يفكر فيه إذا كان مدركا لحدوده فلا يدعي الرجم بالغيب حتى لو كان ملحدا فضلا عمن يقرأ القرآن ليلا نهارا أو يسمعه على الأقل خمس مرات في اليوم. وهذه العاهة أصابت بعض الشباب الذين وجدوا في \"الدعوة\" أصلا تجاريا فصاروا يفتون في كل خلطا بين حفظ بعض المدونات والاطلاع على بعض الكتابات والعلم وهي نكبة لا دواء لها لأنها في آن صارت مصدرا للوجاهة والثروة مثل كرة القدم :وسأسميها من اليوم كرة اللسان والهذيان. والنتيجة هي أن الأمة صارت عزلاء فلم تعد مالكة للأرض لأنها عاجزة عن حمايتها وهي عاجزة عن ذلك لأن من لم يعمرها لن يجد بماذا يحميها .وذلك هو معنى التراتب في الانفال .60فالقوة بالمعنى الذي ينتج عن التعمير والاستخلاف ثم رباط الخيل بمعنى أن القوة التي تحمي ما تحصله القوة الأولى من سلطان على ملكية بعض المكان بما فيه من شروط القيام لبعض الزمان. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- وملكيتك لبعض الأرض مؤقتة لأنها ذات حدود تتقاسمها مع مالك آخر ينافسك عليها لأن الغاية عنده وعندك واحدة وهي ملكية الأرض كلها بوصفكما إنسانين استعمركما الله فيهـا واستخلفكما عليها .فإذا لم تكن مسلما فتحققه بتقاسم الأخوة والمساواة يكون ذلك بالصراع عليها سواء كنت البادئ أو هو .ولذلك فـحدود الملكية للأفراد أو للجماعات أو للدول متغيرة دائما بتغير توازن القوى في غياب قيم الاستخلاف التي تلغيها بجعل البشر إخوة ومتساوين. يوجد إذن منطقان لتحقيق هذه الغاية :إما منطق الغزو وهو الحالي ويؤدي إلى التدمير المتبادل وخاصة الآن إذ لو حدثت حرب فإنها ستكون نووية ومن ثم فهي تدمير متبادل مطلق يشمل المعمورة أو منطق الفتح المتبادل الذي شرع فيه الإسلام وانحرف عنه بسبب تغليب السياسي على الروحي فيه كما هو معلوم. فقد صار الحكام يفضلون بقاء الناس غير مسلمين حتى لا تقل الجباية ومن ثم صار الفتح غزوا .ومعنى ذلك أن الفاتح لم يعد يستطيع أن يقول صادقا: .1جئنا لنحرركم من عبادة العباد. .2إلى عبادة رب العباد. .3فإن أسلمتـم كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا. .4وإلا فالجزية وإن منعتونا من الفتح. .5كان الحل هو الحسم بقانون القوة. طبعا هذا الفهم المخمس للفتح لم يكن بهذا الوعي إلا بصورة مبهمة عند رسول جيش الفتح لقائد الفرس لكن ما فيه يوجب أن يكون القصد من \"لكم ما لنا وعليكم ما علينا\" هو معنى النساء 1والحجرات 13حتى وإن كان الفقهاء بسخفهم اعتبروا ما يترتب عليهما في البقرة 62والمائدة 69والحج 17قد نسخ. ونسخ معه البقرة 256ونسخ معه المائدة 48أي مفهوم التسابق في الخيرات المشروط بتعدد الشرعات والمنهاجات وبالتعدد الديني حتى يختار الإنسان دينه الذي لا يمكن أن أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- يكره عليه لأن شرطه أن يتبين له الرشد من الغي فيكفر بالطاغوت ويؤمن بالله :أي شعار الفتح :من عبادة العباد إلى عبادة ربهم. وأسلم بأن الفكرتين عسيرتا الاستيعاب .فكرة حقيقة الدولة أنها كونية وموجودة بالقوة في الدولة الجزئية وكونيتها هي عين بدايتها وعين غايتها كما يعرفها الإسلام وهي بنية مجردة ثابتة وما يتطور هو النظام الذي يعين نظام القوامة وسلطان القيمين عليها وهو ما حدده اليونان. والفكرة الثانية هي أن مفهوم الدولة الكونية بداية وغاية موجود بالقوة في الدولة الجزئية وبالفعل في مفهومها وفي غاية تاريخها لم يسبق أحد الإسلام فيها ولم يتبعه فيها إلى الآن أحد بمن في ذلك علماء الإسلام رغم أن التاريخ الكوني يثبتها في الدولة الجزئية وفي الدولة الكونية التي هي الآن حاصلة في ما يسمى عولمة وإن بتجسد منقوص. فيمكن اعتبار الأمم المتحدة محاولة لشيء يشبه الـدولة الكونية التي تشمل الإنسانية ولكن بتجسد منقوص ويمكن اعتبار الكلام على السلم الكونية عند كنط يوحي بشيء من الفكرة -لأن السلم الكونية مستحيلة التحقق من دون سلطة كونية يعتبرها هيجل سخافة- رغم أن كنط لم يشفع فكرته بالكلام على دولة كونية .والامم المتحدة ليست دولة كونية في غياب شرطي الدولة اللذين أضفتهما لتحديد الدولة أي ملكية الأرض والسيادة عليها وهما شرطان حاصلان للأقوياء فيها وهم فعلا مالكون للأرض وذوو سيادة عليها بمنطق توازن القوى وليس بمنطق الأخوة والمساواة .واثبات الفكرتين له مستويان: .1بيان الوجود وهو أمر تاريخي يسير العلاج. .2بيان وجوبه وهو أمر مفهومي عسير العلاج. فلا أحد يمكن أن يشكك في وجود شيء من الفكرة الأولى في القرآن ونظرية الفتح .ولا أحد يمكن أن يشكك في وجود الأمم المتحدة وفي طموح الكثير بالا تبقى أداة سيطرة بيد الأقوياء بل أمل الجميع أن تكون دولة كونية يحتكم إليها الجميع لتحقيق العدل والمساواة. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- والمشكل هو إذن مع المفهوم أي مع ما يتضمن دلالة لا تكتفي بوجود الواقعة بل بشرعية وجودها من حيث مفهومها أو من حيث التناغم بين المفهومي والتاريخي أو بلغة ابن تيمية دلالة المعاني الكلية الرامزه في الأذهان لما تشير إليه في الاعيان بصورة يشترك فيها بنو الإنسان من ذوي الوجدان والفرقان. وهو ما يعني أن خطابي لا يتوجه إلى المسلمين وحدهم بل لكل إنسان من ذوي الوجدان -مدرك قيم المعاني-والفرقان-مدرك المعاني-من حيث هي رامزة لما يدركه الإنسان من حيث هو إنسان بوصفه المرموز في الوجود من شروط قيام الإنسان من حيث هو إنسان مكلف بالتعمير والاستخلاف ومجهز لتحقيقهما فطرة واكتسابا. وهو في الحقيقة ليس خطابي بل هو خطاب بدأ في مستوى الفكر الفلسفي منذ أن كتب ابن خلدون المقدمة واختار لها ذلك العنوان العجيب \"علم العمران البشري و(علم) الاجتماع الإنسان\" مشفوعا بتعريف للإنسان جدير بالملاحظة لكونه غير مسبوق في تاريخ الفكر الإنسان بل وغير ملحوق لأنه النفي القطعي لرؤية هيجل وماركس \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" وبمفهوم \"معاني الإنسانية\" صلاحا وفسادا. فمن يتمعن هذه المعاني الخلدونية يفهم أنه لم يترك لي شيئا أضيفه غير وصل هذه الأمور لأستخرج منها ما لزم عنه ما فيها وما يلزم عما فيها وما فيها الواصل بين شرطه ومشروطه فنعلم أن المقدمة ترجمة علمية لمفهوم الدولة الكونية مطبق على الدولة الجزئية أيا كانت بمنطق وحدة الديني والفلسفي .ووحدة الديني والفلسفي نوعان: • تلك التي يقول بها هيجل والتي يكفي فيها رد التاريخ الحضاري للتاريخ الطبيعي للإنسان فردا وجماعة ووصفه بكونه صراع أرواح الشعوب. • وتلك التي يقول بها ابن خلدون نقيض تام لرؤية هيجل وماركس كما يتبين من استراتيجية تحرير الإنسانية من هذا الصراع بالنساء 1والحجرات.13 وهذا التقابل هو تقابل الاستراتيجيات الأربع التي درستها سابقا والتي تقابلها استراتيجية الإسلام الواحدة والتي تحرر منها بمجرد ردها إلى استراتيجية دين ا لعجل في أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- التربية والحكم وهي مشتركة بين الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا التي هي ثيوقراطيا معلمنة .فيرد التقابل إلى فلسفتين في الدين والفلسفة وفي رؤيتهما للتاريخ الإنساني إما بوصفه مردودا إلى التاريخ الطبيعي أو متحررا منه: .1استراتيجية ترد التاريخ الخلقي للإنسانية إلى التاريخ الطبيعي بمعنى تقديم الضرورة الشرطية على الحرية الشرطية. .2واستراتيجة تسمو على هذا الرد فتقدم الحرية الشرطية على الضرورة الشرطية لئلا يصبح التاريخ الطبيعي تدميرا بدلا التعمير لأنه ليس استخلافيا. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- عندي إذن خمس معان رامزة لمرموز واحد في رؤية وحدة الديني والفلسفي عند ابن خلدون: .1وحدة الديني والفلسفي. .2ما تلزم عنه. .3ما يلزم عنها. .4معاني الإنسانية. .5مفهوم الإنسان. وهذه المعاني الرامزة هي مضمون المقدمة ويمكن استنتاجها بيسر من انثروبولوجيته أو من مفهوم الإنسان كما عرفهما بهما. فهو يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بطبعه (الفلسفي) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له (الديني)\" .وقد قدم \"بطبعه\" على \"بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" بوصفه متعلقا بأدوات الرئاسة أي التجهيز الإنساني ليكون رئيسا في مهمتيه ومؤخرا الثاني عن الأول بوصفه الغاية التي اقتضت ذلك التجهيز لتحقيق تلك الغاية بتلك الأداة. لا وجود لما يثبت أن ذلك كان بوعي بين بهذه العلاقات .لكني لا أتصور أبن خلدون غافلا عن دلالة ما يكتب .ومن ثم فسأفترض انه قصد ما كتب .وقد لا أكون بحاجة إلى الافتراض لأن مفهوم \"معاني الإنسانية\" وخاصة فسادها يثبتان أن الرجل كان شديد الوعي بهذه العلاقات وحتى وإن لم ترد نصا في المقدمة لأنها كما بينت مسودة نظرية وليست نظرية أتم صاحبها صوغها النسقي. فاتباع \"بطبعه\" بـ\"بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" من عجائب الجمع بين الفلسفي والديني .لكنه جمع يحدد التراتب بين البعدين من خلال كلمة بـ\"مقتضى\" .فالمعنى أن الرئاسة بالطبع يقتضيها كون الإنسان خليفة فيصبح الاستخلاف غاية وبالطبع أداة .وما بالطبع تابع للضرورة الشرطية وما بالاستخلاف تابع للحرية الشرطية. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- فيكون القانون الطبيعي أداة السنة التاريخية .وهو قلب تام للنظرية التي تجعل التاريخ الخلقي للإنسان تابعا للتاريخ الطبيعي .ولهذه العلة اعتبرته ممثلا لضديد الهيجلية والماركسية .ومن ثم فما في الإنسان من تجهيز طبيعي وما في العالم من قوانين طبيعية وهي من الضرورة الشرطية قابلة كلها لأن تكون أدوات للسنن الخلقية وهي من الحرية الشرطية لأن الإنسان خلق للخلافة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني). فإذا عكس فصار الاستخلاف أداة والتعمير غاية حصل الخسر الذي هو فقدان \"التقويم الأحسن\"-ومن ثم فهو ليست تعميرا بل تدمير وهو معنى النزول من التاريخ الذي تحكمه الحرية الشرطية إلى التاريخ الذي تحكمه الضرورة الشرطية أو من تاريخ الإنسان بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له إلى تاريخ الإنسان الذي يكون بطبعه سيدا لا رئيسا بـمعنى صراع السيد والعبد الهيجلي والماركسي. ومعلوم أن ابن خلدون يميز بين الرئاسة والسيادة .فالأولى تراتب خلقي ينتج عن الاستخلاف وهو ينصدر عمن يصف غيره بالرئاسة اعترافا بسموه الخلقي وليس خضوعا لعنف قوته .والثانية تراتب قوى ينتج عن صراعها .وتلك هي علة رفضي لعبارة \"التدافع\" التي يكررها الإسلاميون ولا يدرون أنهم يرددون مفهوما هيجليا ماركسيا .فالمشاركة في التدافع صراع في غياب سلطان أعلى الذي هو الله الدافع في القرآن. والقرآن كما هو معلوم وبين يستعمل في حالتي معنى الدفع وبنسبته إلى الله كما في التاريخ الخلقي ولم يتكلم على تدافع بين متصارعين كما في التاريخ الطبيعي .والتنافس يستعمله القرآن بدلالة التسابق في الخيرات وليس بمعنى الصراع من أجل شيء .لكن المعلوم أن الإسلاميين يتوهمون بحمق أن زعماءهم السياسيين علماء أيضا أو أن علماءهم زعماء سياسيون أيضا .وذلك هو سر كل نكباتهم في كل تاريخهم السياسي نظرا وممارسة. كيف يثبت مفهوم معاني الإنسانية وخاصة مفهوم فسادها أن ابن خلدون كان شديد الوعي بما نحن بصدده؟ ألم يرد فساد معاني الإنسانية إلى التربية والحكم العنيفين؟ أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- ألم يعتبر فساد معاني الإنسانية نفيا لرئاسة الإنسان بالطبع وبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له أي قتلا لأدوات التعمير ولغايات الاستخلاف؟ أليست التربية والحكم هما وظيفتا الدولة من أجل الرعاية والحماية وبهما يعلل ابن خلدون حاجة الإنسان إلى الدولة والسياسة؟ وهل يمكن للدولة والسياسة أن تعتبر الحدود الترابية كافية لمنع التداخل بين مفاعيلها ومفاعيل جنسائها عند الأمم الأخرى ذات الدول المحيطة بها في المكان وفي الزمان؟ فالسياسي والثقافي مثله مثل الأنواء والامراض لا يعرفان الحدود بين المتساوقين والمتوالين في تاريخ البشرية وذلك بسبب وحدة المكان والزمان وما يترتب على تفاعلهما من وحدة الثورة والتراث في المعمورة رغم تعدد الدول ا لجزئية والمرجعيات المختلفة. وكلما سمعت متكلما يبالغ في إيلاء أهمية زائدة عن اللزوم للخصوصيات أعلم أنه يخلط بين الفلكلور الأسلوبي ووحدة الديني والفلسفي التي هي معان كلية لا يمكن تصورها عائدة إلى الخصوصيات .ولذلك فكل دولة لها وجهان مثل جانوس: • وجه للداخل. • ووجه للخارج. وهو معنى الحدود التي لا تحد من شيء في مجال التفاعل بين المتساوقين والتوالين في الزمان والمجاورين أو المباعدين في المكان .فليس المكان فحسب بل وكذلك في الزمان كلاهما لا تحدهما حدود في تاريخ الإنسانية .فكل جماعة زمانيا ليست في علاقة بمعاصـريها فحسب بل هي وريثة من سبقها وموروثة من يليها .وكل جماعة مكانيا ليست في علاقة بأجوارها فحسب بل هي وريثة كل البشرية في كل ما أبدعته مما يسد حاجتها من حيث هي من شروط وجود الأنسان وبقاء النوع .وإذن فكل دولة مهما كانت جزئية فـمكانها كل المعمورة وزمانها كل تاريخ الإنسانية .وذلك بالقوة على الأقل. وإذن فاعتبار الإسلام أول من عرف الدولة بكونها لا تكون إلا كونية بداية وغاية وأنها حتى في ما بين البداية والغاية عندما تكون جزئية هي جزئية من حيث الوجود بالفعل لكنها أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- من حيث الوجود بالقوة كونية وهي في صيرورة دائمة وقد تكون مناوسة بين الزيادة والنقصان لأنها ليست دون كونيتها إلا بسبب توازن القوى في تقاسم المكان والزمان بين الأمم وليس بسبب ذاتي. وما سميته ثورتي الإسلام في القرآن هو بعدا الاستراتيجية التي وضعها القرآن لتخليص الإنسانية من الانحطاط إلى التاريخ الطبيعي بالمعنى الهيجلي (صراع الأرواح وهو مصدر العنصرية التي تبدأ ثقافية وتنتهي عضوية) أو الماركسي (صراع الطبقات الذي يبدأ اقتصاديا وينتهي عضويا) من خلال بديلين هما الأخوة البشرية (النساء )1والمساواة بين البشر (الحجرات .)13 وذلك على النحو التالي الذي بياني له ليس لي فيه أدنى فضل لأنه في الحقيقة مجرد شرح لعنوان المقدمة ولتعريف الإنسان فيها وهو تعريف قرآني خالص ومتجاوز للأديان والفلسفات المحرفة .ومن ثم فهو ما أقصده بوحدة الديني في كل دين والفلسفي في كل فلسفة بعد أن نحررهما من التحريف. فالدولة الكونية الواحدة المرسومة في ما فطر عليه الإنسان بداية والتي يسعى التاريخ السياسي والخلقي لجعلها حاصلة في الأعيان غاية بنية مجردة كما أسلفت تكون وظائفها خانات خالية-تنتظر الملء في التاريخ بالأنظمة السياسية التي تعين القيمين على تلك الخانات والقائمين بالوظائف التي أعدت لها -فالأمم تملؤها بأنظمة تعيين القيمين عليها ونقد التحريف القرآني بمنهج التصديق والهيمنة للأديان يتعلق بها. وهي بذلك وكأنها تحقق الإنسان الرئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف فتنقله مما فطر عليه فطرة مرسومة في كيانه العضوي والروحي ليصبح متحققا في التاريخ الفعلي وذلك هو مجال الاستراتيجيا السياسية تربية وحكما .وهو ما به عرفت القرآن الكريم بوصف الرسالة التي يبلغها للإنسانية هي \"استراتيجية التوحيد القرآنية ومنطق السياسة المحمدية\". لكن تصنيف هذه الأنظمة القرآنـي غير التصنيف اليوناني كما في مسدس أرسطو الذي بناه بشكل بنيوي -مصفوفة ماتريس-بعد تعديل طفيف لأفلاطون الذي عرضه بشكل أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- تكويني في الجمهورية .فحاصل الضرب الديكارتي لأصناف عدد من بيدهم الحكم (ثلاثة امكانات واحد فقلة فكثرة) في أخلاقهم (امكانيتان فاضل راذل) يعطينا ستة أنظمة ثلاثة صالحة وهي الملكية والأرستوقراطية والجمهورية وثلاثة فاسدة هي أضدادها وهي الاستبداد والاوليغارشية والديموقراطية .فتكون الديموقراطية أفسد الانظمة في نظر أفلاطون وأرسطو رغم بعض التلطيف الأرسطي للموقف الأفلاطوني منها. لكن القرآن صنف الأنظمة فقسمها إلى نوعين متقابلين كلاهما متنكر في بنية عميقة واحدة يشتركان فيها وينتجان اثنين آخرين بتفاعلهما ولهما أصل واحد هو إما دين العجل أو ما يحرر منه بمقتضى الاستراتيجيا القرآنية التي تلغي الوساطة في التربية والوصاية في الحكم: .1الأنظمة التي تدعي سياسة الجماعة باسم الله تربية (الوساطة) وحكما (الوصاية) :مثالها إيران. .2الأنظمة التي تدعي سياسة الجماعة باسم الإنسان تربية وحكم بنفس الوساطة والوصاية معلمنتين :مثالها إسرائيل. .3أثر الثانية في الأولى في العمق لأن الله فيها صنم للخداع :مثالها السعودية وكل الأنظمة العربية القبلية التي الدين فيها صنم. .4الأولى في الثانية في العمق لأن الإنسان فيها صنم للخداع :مثالها سوريا وكل الانظمة العسكرية التي الإنسان فيها صنم. .5والأصل هو البنية العميقة أو الأبيسوقراطيا أي التربية والحكم ببعدي العجل وهو البنية العميقة للأربعة. وهذه البنية الخفية هي التي سميتها قياسا على نوعي الأنظمة كما يسميها أصحابها (ثيوقراطيا وانثروبوقراطيا أو ديموقراطيا) سميتها أبيسيوقراطيا (الأبيس هو العجل باليونانية) وأي نظام التربية والحكم ببعدي العجل معدنه وخواره .و هو المشترك بين أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- الثيوقراطيا والانثربوقراطيا :مثال ذلك إيران واسرائيل .والأولى تعتمد خرافة الأسرة المختارة والثانية خرافة الشعب المختار. ويوجد نظامان آخران دون هذين في زعم السياسة باسم الله والسياسة باسم الإنسان لكنهما مثلهما يعودان إلى نظام العجل .وهذان هما الموجودان عند العرب أعني الأنظمة التي تدعي القومية والأنظمة التي تدعي الإسلام .فكلاهما مثل السابقين ولكن كأمر واقع .فلا الإنسان ولا الله يغطي سوأتهما. ومزية هذا التحليل أنه يجعلني شبه غني عن ضرب الأمثلة من عندي لأن الأمثلة ماثلة للعيان .ومن يدعي أنه لم يرها فهو أعمى البصر وليس البصيرة فـحسب :نظام إيران وإسرائيل ونظام سوريا ونظام السعودية أمثلة الأولان صريحان والثانيان سوأتهما لا لا يمكن لأصحابهما أن يخفياها لا بالله ولا بالانسان .والثانيان تابعان دائما للأولين. -20ويمكن أن أضيف نظاما سادسا وهو ليس نظاما مستقلا بل هو أصلها وهي فروعه إنه النظام الجامع للأربعة فيكون نظام العجل ببعديه المال والخوار هو البنية العميقة لهذه الأنظمة الخمسة التي ذكرتها .وبذلك فما يقوله اليونان غير صحيح .فعدد الأنظمة واحد لأنها جميعا واحدة ولا تختلف إلا في الظاهر .واستراتيجية القرآن تحرر الإنسانية منها أيضا بنظام واحد يعالجها بوصفها تحريفات للديني والفلسفي. كيف ذلك؟ يعالجها بردها جميعا إلى بنيتها الواحدة التي هي الابيسيوقراطيا التي وضعها السامري خلال غياب موسى عليه السلام .وهو في القرآن هو محقق الحرية السياسة ضد عبودية السياسة بعمل الحرية الشرطية التي كانت رمز الثورة على الدكتاتورية السياسية تماما كان نوح محقق الحرية الاجتماعية بعلم الضرورة الشرطية التي كانت ثورة على الدكتاتورية الطبيعية. وكل هذه الانظمة السلبية وخاصة البنية العميقة في الإيراني والإسرائيلي والسوري والسعودي تجتمع في النظام الأمريكي فهو ثيوقراطي عقيدة وانثروبوقراطي ممارسة أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- وانثروبوقراطيته طائفية مثل السوري وثيوقراطيته مخالفة لدستوره مثل السعودية لأن السعودية لو كانت تطبق شرع الله كما تزعم لما كان حكمها مستبدا. وفي هذا النظام الجامع بينها كلها-الامريكي-تتجلى بوضوح الابيسوقراطية أعني أن السياسة فيها هي فعل لا يتجاوز سلطان المال وسلطان الخوار .والغريب مال العالم كله صار خاضعا لعملتهم وفكر العالم كله صار خاضعا لخوارهم .هم إذن العجل وهم يمثلون ربا الأموال وربا الأقوال .وكلنا يعلم موقف الإسلام منهما. لذلك فالولايات المتحدة بوعي أو بغير وعي لا يمكن ألا تعتبر الإسلام -على الأقل لموقفه من ربا الأموال-نظام البورصة والبنك العالمي-وربا الأقوال -نظام الإعلام والملاهي العالمي -عدوها اللدود وأن تحاربه لكونه البديل الممكن لتحرير الإنسانية منهما باستراتيجية الأخوة والمساواة. وقد سبق فشرحت الثورتين التحريريتين اللتين تحرران الإنسان من استبداد الطبيعة واستبداد السياسة: .1فنوح حرر الإنسانية من عبودية الطبيعة بعلم الضرورة الشرطية فصنع الفلك واستنبت الزوجين من كل شيء. .2وموسى حرر الإنسانية من عبودية السياسة بعمل الحرية الشرطية فبشر بدين الحرية وأسس الهجرة حلا للتحرر وهو معلوم في الإسلام ولا يحتاج للشرح. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- بقي فصلان في المحاولة وخاتمة. وعلينا أن نحدد البنية المجردة الثابتة بالمعنيين .فهي بنية واحدة في كل الحضارات وفي كل مراحل التاريخ .وهي واحدة سواء في الدولة الجزئية أو في الدولة الكونية .وهي بنية خالية من التعين في شعب معين بقيمين معينين يملؤون خاناتها الخالية أي بنظام معين غالبا ما يخلط بها وذلك ما اهتم به فكر اليونان :الخلط بين نظام الحكم والدولة. وهذا الخلط هو كذلك ما ورثه فكرنا الفلسفي الوسيط .وما ورثه الفكر الغربي الحديث لأن بنية الدولة المجردة عامة من حيث هي جهاز آلي يمكن الزعم بأنها فكرة لم تصبح موضوعا فلسفيا بحق إلى عند فشته .وقد ورث فكرنا الفلسفي الحديث المعنى الغامض الذي يخلط بين الدولة ونظام الحكم الذي يستحوذ عليها. وقد أصبح الإسلاميون قابلين به باعتباره تأشيرة المشاركة في الحكم بالمنطق الذي وصفت والذي تدل عليه عبارة \"التدافع\" الهيجلية الثقافية الماركسية الاقتصادية أعني رد التاريخ الخلقي إلى الطبيعي .ولولا هذا المآل في المرحلتين الوسيطة والحالية والذي اعتبره تخليا غير مسؤول عن ثورتي الإسلام اللتين بقتا غير مفهومتين لما كتبت حرفا في المسألة. ذلك أني أعلم أن ما اكتبه سيظل صيحة في واد ما لم يستعد المسلمون ثقتهم في أنفسهم ويتخلصوا من عقد من جهله بذاته في بحث المغلوب عن الغالب الدائم .فتوهم الخيار الديموقراطي في شكله الغربي الحالي أعني نظام دين العجل (سلطان ربا الأموال وربا الأقوال) حلا يمكن أن يمكن المسلمين من الاستئناف إذا لم يكن مجرد بداية تنقلنا إلى مفهوم الدولة الكونية التي تناسب رؤية الإسلام فإن الكلام على إسلام سياسي لا معنى له. وسأبدأ ببيان هذه البنية بصورة عامة .ثم أبين أنها عين البنية التي يحددها القرآن بمنطق طلب أي شيء حول حقيقة الرسالة خارجه أي في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس وليس في آيات نص الرسالة التي وصفتها بالسبابة المشيرة إلى حيث علينا أن نجتهد لفهم ممكن للوجود ونجاهد للتعامل معه. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وأول عنصر من البنية المجردة هو أنه لا توجد جماعة بدون دستور هو نظام عوائدها وتقاليدها في كل أوجه حياتها المتصلة بالتعمير وقيمه في علاقتين متعامدتين: .1أفقية تنظم علاقات البشر داخل نفس الجماعة وخارجها مع الجماعات الأخرى المساوقة والسابقة واللاحقة في الزمان والمجاورة أو المقاسمة للمعمورة عامة في المكان. .2عمودية تنظم علاقاتهم مع العالم الطبيعي والتاريخي في مكانهم وزمانهم وخارجهما بمعنى أن الجماعة بتوسط الانتساب إلى الإنسانية تحمل كل ثمراتها في علاقتها بالعالم جغرافيا وتاريخيا وليست في علاقة منفردة بهما. وهذا هو المفهوم الحقيقي للدستور سواء كان مكتوبا أو عرفا رغم أن الدساتير الحالية تكتفي بالعلاقة الأفقية في الغالب وهو امر يخالف صريح النصوص القرآنية التي تعتبر الفساد في الأرض لا يقتصر عليها بل يشمل الثانية .لكن تطور العلاقة بالعالم وخاصة بسبب التلوث والمناخ جعل إدخال العلاقة العمودية ضرورة لا بد منها وصار لها قوى سياسية تدافع عنها بحيث إن الدساتير ستتضمن في المستقبل هذه العلاقة. فلنعتبر هذه الخانة الأولى -الدستور بهذا المعنى-مستمدا من شيئين قبله ومصدرا لشيئين بعده .فما قبله؟ شيئان هما: .1خانة القوى السياسية وهي دائما متعددة رغم أن الجماعة واحدة وهي أيضا خانة خالية بمعنى أن ما يلؤها أو قيمها تتعين بحسب الجماعات مثال ذلك ان القوى السياسية كانت في الغالب العصبيات القبلية وصارت الأحزاب لكنها لم تلغ العصبيات القبلية وحتى المناطقية والطبقية إلخ ...من أنواع الاتحاد المكون للقوى السياسية. .2وخانة المرجعية التي تجعلها ممثلة لإرادة الجماعة التمثيل الذي يتأسس في المرجعية التي بها ترى الجماعة نفسها نفس الجماعة في المكان وفي الزمان وغالبا ما تكون هوية ثقافية وهي تترجم عن نفسها إما بتصورات دينة أو فلسفية أو ما شئت من أنواع الترجمة وهي تترجم عن نفس الشيء أعني المرجعية التي تجعل الجماعة تعتبر نفسها نفس الجماعة خلال المكان والزمان. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- وما بعده؟ خانتان خاليتان كذلك يترتبان على القوى السياسية وعلى المرجعية بمقتضى الدستور: .3نظام خانات خالية لسياسة الشأن العام حكما ومعارضة بحضور القوى السياسية المؤدية لهذين الدورين. .4نظام خانات خالية تحدد وظائف الدولة العشر وكلها خانات خالية كالمتغيرات يملؤها قيمون بنظام تعيينها الذي هو نظام الحكم. .5والقلب هو الدستور أو البنية العامة التي تترتب على ما قبلها ويترتب عليها ما بعدها وهي تعبر عن رؤية الجماعة للدولة رؤية غائمة تترجمها في النظام التي هو الانتقال من هذه الرؤية الغائمة للبنية المجردة إلى نظام معين ينظم حياتها السياسية بمعنى نظام تكوين أجيالها وتموينهم من أجل رعاية ذاتها وحمايتها بإبداع شروط الرعاية والحماية. وسنرى أن فلسفة السياسة اليونانية -وهي بنحو ما لم تتغير إلى الآن -تتعلق خاصة بأنظمة الحكم وليس بالدولة بالمعنى الذي أعرفه هنا .فالدولة من جنس العبارة الرياضية ذات المتغيرات التي تتعين في أنظمة حكم مختلفة وهذه الانظمة التي تشبه قيم المتغيرات هي التي تتطور وتتغير .لكن العبارة الرياضية المجردة هي التي أصف ثابتة ولا تتغير لأنها عين شروط وجود الإنسان القائمة في ذاته وفي العالم أعني كيانه العضوي ووعيه بذاته أو كيانه الروحي في علاقة بما يقيمه في العالم بشرط التعمير بقيم الاستخلاف أو بعدها فيكون تدميرا رغم كونه يبدو تعميرا .فلنتقدم في الوصف. والسؤال الآن هو :كيف تتحدد وظائف الدولة ليس من حيث تعيين القيمين عليها بل من حيث هي صورة خالية من القيمين أعني خانات خالية -كاز فيد -Cases videsتؤدي وظيفة المتغيرات في العبارات الرياضية؟ وقيمها هي ما يحدده نظام الحكم الذي يحدد نظام تعيين القيمين عليها بملئها بمن يقوم بوظائف الدولة نيابة عن الشعب. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- وتلك هي عناصر المفهوم الحقيقي أو المعاني الرامزة إليه بالاصطلاح التيمي عناصر الشأن العام الذي يـرمز إلى مفهوم الإنسان فردا وجماعة في الداخل والخارج ومن حيث هو لا يستمد حياته إلا: .1من المكان أصل الثروة خلال زمان العمل المنتج في جماعة معينة تعمل بما تراكم لديها من جهاد الإنسانية كلها للتعمير. .2ومن الزمان أصل التراث في نفس المكان لجماعة معينة تعمل بما تراكم لديها من اجتهاد الإنسانية كلها للاستخلاف. ويوحد هذه العناصر الأربعة التي هي أحياز وجود الجماعة المرجعية التي تجعلها تلك الجماعة الواحدة في المكان \"الواحد\" أي جغرافية الجماعة والزمان «الواحد» أي تاريخ الجماعة ليس بحد ذاتها بل بوصفها تلك الجماعة مع ما ورثته من شروط الحياة والبقاء المادي والروحي للإنسانية كلها. فالإنسان يستمد حياته من المكان (الغذاء والماء والهواء) ومن الزمان (تواصل النوع). وهذان أمران يجمعان بين الداخل والخارج ولا يفرقان بينهما بالحدود بين الجماعات إذ الداخل يمكن أن يكون على ما كانت عليه قبائل جاهلية العرب في حرب دائمة عليهما ويمكن أن يكون من جنسه بين الدول المتجاورة لأن الحروب علتها تقاسم المكان والزمان. وحتى أشرح ذلك وضعت نظرية الأحياز الخمسة: .1المكان .2والزمان .3وأثر المكان في الزمان أو الثروة التي هي ذخيرة للبقاء العضوي (الاقتصاد) .4وأثر الزمان في المكان أو التراث الذي هو ذخيرة للبقاء الروحي (الثقافة). .5وما كانت هذه الأحياز الأربعة تفعل مفعولها من دون تحقيق وحدة المكان ووحدة الزمان وتلك هي وظيفة المرجعية. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- فالمرجعية أيا كان شكلها هي دائما تحديد للعلاقتين الأفقية بين البشر داخل الجماعة وخارجها والعمودية بينهم وبين العالم داخل الجماعة وخارجها .وللعلاقتين وما وراء ما سواء كان دينا أو فلسفة ومن ثم فالأحياز خمسة والمرجعية هي أصل الاربعة الأولى التي هي فروع عنها وهي خانات خالية تحدد وظائف الدولة تحديدا مجردا في شكل خانات تملؤها الجماعات بأنظمتها السياسية تربية وحكما لتكون قادرة على التعمير بقيم الاستخلاف أو بدونها فيصبح تعميرها تدميرا من حيث لا تعلم :والقرآن يعتمد في الدعوة الى الله بالمقابلة بين هذين السلوكين في تاريخ البشرية. فما هي خانات وظائف الدولة الخالية من القيمين عليها والتي تملؤها الجماعات بفضل ما يحدده نظامها السياسي في تقسيم عمل القيمين على الشأن العام كما حدده الدستور الذي هو نظام العادات والتقاليد في الجماعة الحرة والمستقلة أي ما حصل في تاريخها من تجربة لرعاية شأنها بنفسها من دون عقد مغلوب بغالب؟ لا أحد يمكن أن يتدخل في عادات الولايات المتحدة وتقاليدها فيغيرها عنوة رغم إرادة شعبها ونخبها كالحال عندنا مثلا .فتلك هي العلامة الحاسمة في تحديد معنى السيادة وهي ما ينقص العرب اليوم ليس سياسيا فحسب بل روحيا بمعنى أنهم يعانون من عقدة الحاجة إلى تقليد غالب حتى لو كان دونهم حضاريا. اعتذر للقراء .فلا يمكنني أن أبسط الأمر أكثر مما أفعل رغم علمي أن الأمر شديد التعقيد عندما أتكلم على بنية مجردة خالية من المضمون عملا بنظرية ابن تيمية في المقدرات الذهنية التي هي لغة المعاني الرامزة للأشياء وليست مقومات للأشياء لأن هذه المقومات لا يعلمها إلى الله وما نعلمه هو رموز إلى ما نعتبره مقوما ثم نغيره عندما نكتشف ما يمكن أن يعبر بصورة أفضل عما نعتبره مقوما وهكذا بلا توقف لأن كل تصور وراءه تصور أفضل كما يرى ذلك ابن تيمية لأن علمنا ليس محيطا فضلا عن وجود الغيب. فهذه البنية ترمز للبنية المجردة لمعادلة الدولة ولا أدعي أنها حقيقتها بل هي ما أراه معبرا عنها من معان ترمز إلى ما أعتبره ممثلا للدولة الكونية إذا اعتمدنا رؤية القرآنية أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- الانثروبولوجية أو نظرية الإنسان فيه من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف عليها من حيث كيان واحد جغرافيا ومتحدا زمانيا. وأعتذر أكثر من القراء لأن ما أقوله يبدو وكأني أنسب بمقتضاه لنفسي إبداعا ذاتيا غير مسبوق في حين أني اكتفي بقراءة ابن تيمية وابن خلدون في ضوء تفسيري الفلسفي للقرآن الكريم الذي يستطيع الجميع الرجوع إليه للتأكد من أني اكتفيت بفصلت 53وآل عمران 7ومنظومة هود لمراجعة رؤى الأولين. وسيتبين من شرح الشورى 38أن هذه البنية المجردة للدولة قرآنية خالصة .وهي تصدق على الدولة الجزئية صدفها على الدولة الكونية لأن الجزئية كونية بالقوة والدولة الكونية كونية بالفعل وأنها تتكون من بنية مجردة فيها العناصر الـخمسة التي يعرفها القرآن تعريفا مجردا دون تحديد لدين أو فلسفة معينين مع أفضل نظام. فالآية 38من الشورى تتلكم على الاستجابة للرب مرجعية والمعلوم أن الرب مفهوم يشمل الإنسانية كلها بخلاف مفهوم الله الذي هو معنى الربوبية عندما تصبح رؤية خاصة بدين معين يختاره الإنسان بحرية .ومن المفروض أن يكون المعنى واحدا في الإسلام بوصفه الدين الفاتح والخاتم والكوني لأنه الديني في الأديان وليس دينا من بين الأديان. لكن-فلاترك هذه المسالة التي سبق البحث فيها -ولأختم بالكلام في العنصر الخامس أي وظائف الدولة بصورة مجردة أعني دون نظام تعيين القيمين عليها .فهذه الوظائف كما أسلفت عشر .وتنقسم إلى خمس للرعاية وخمس للحماية .وأبدأ بالرعاية لأنها هي شرط وجود للحماية في حين أن الحماية هي شرط بقاء للرعاية والتشارك بينهما يقدم الرعاية. فالقرآن قدم الرعاية على الحماية .فسورة قريش تقدم \"أطعمهم من جوع\" على \"آمنهم من خوف» لعلة بينة. فالخوف في الغالب ليس على الحياة مباشرة بل على ما منه تستمد الحياة أي على حماية الملكية التي هي شرط الحياة .وبها تنتهي الآية التي تحدد بنية الدولة الكونية والنظام السياسي المناسب لها أعني الشورى 38أعني الانفاق من الرزق .وهو ما يجعل القانون أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- الجنائي القرآني لا يتسامع مع المس بالملكية ويطلب العفو حتى في النفس من أهلها ويلزم الدولة بدفع الدية عمن يعجز إذا قبلت اسرة القتيل العفو عن القاتل .والرعاية نوعان كلاهما مضاعف مع أصل تتفرع عنه أربعتها. فالرعاية التكوينية هي: .1التربية النظامية لتكوين الأجيال بالتعليم .2والتربية الاجتماعية لتكون الأجيال بالمشاركة في العمل المنتج ماديا ورمزيا. والرعاية التموينية هي: .3الانتاج الثقافي أو زاد الجماعة الروحي .4والانتاج الاقتصادي أو زاد الجماعة المادي. لكن هذه الوظائف الأربع لا يمكن تصورها ممكنة من دون أصل تتفرع عنه وتستمد منها ما به تعمل: .5إنه البحث والإعلام العلميان. ولا توجد جماعة مهما كانت بدائية يمكن تصورها من دون هذه الوظائف الأربعة وتفرعها عن أصلها هذا .فهو موجود فيها حتى بشكل السحر والتجربة العامية في التوليد والطبابة والزراعة. لكن هذه الوظائف تجعل الجماعة صارت مالكة لـما تخاف عليه فتحتاج إلى الحماية بعد الرعاية .وكلنا يعلم أن المجتمعات البدائية تكون الإغارة في ما بينها متعلقة بمصدري الحياة العضوية خاصة أي غذاء الإنسان وماؤه وغذاء ما يغتذي منه وماؤه (الكلأ والماء مثلا) والنساء بسبب الحاجة للولد وليس للمتعة الجنسية فحسب .والحماية فيها أربع وظائف: • اثنتان للحماية الداخلية • واثنتان للحماية الخارجية • ثم أصلها جميعا. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- وأبدأ بالأصل لأنه فرع عن البحث والإعلام العلميين إذا كان بحق يقوم بالوظيفة التي تحتاج إليها الجماعات الحرة وليس من جنس الاستعلامات والإعلام السياسيين عند العرب. فهو عندنا يعمل في اتجاه عكسي ليس لحماية الجماعة بل لاستعبادها لصالح المافية الداخلة والخارجية التي تحميها. فهو ليس الجهاز العصبي للحماية الداخلية التي تمكن الدولة من حماية الموطنين بعضهم من البعض بالقضاء والأمن ولا حماية الوطن والمواطنين من العدوان الخارجي بالدبلوماسية والدفاع بل هو يحمي أنظمة عميلة مباشرة لكونها في خدمة مستعمر نصبهم على شعوبهم رغم أنفهم لنهب ثرواتهم وإلغاء حرياتهم. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- أستطيع في الفصل الخامس والأخير اثبات أن هذه البنية هي عينها البنية التي ندها في نظرية الدولة الكونية في الإسلام بدحض النظرية اليونانية وبيان قصورها .فأكون قد قفزت على مرحلة ضرورية تنتج عن الخلط بين بين الدولة المجردة وأنظمة الحكم التي تعين القيمين عليها والتي لم يتجاوزها الفكر اليوناني. ولست بحاجة لدحض عناصر المنظومة المسدسة للأنظمة واحدا واحدا بل يكفي أن أدحض المبدأين اللذين ينتجانها: .1فلا يوجد نظام يحكمه فرد صالحا كان أو طالحا إذ حتى الله قد جعل ذلك من خاصياته الذاتية في الخلق والأمر إذ هو اعتبر العالم بحاجة إلى قوتين وتفاعلهما في الاتجاهين رمز لأحدهما بالإنسان والثاني بالشيطان. .2ولا يوجد نظام يحكمه كل العقلاء صالحين كانوا أو طالحين إذ لا يمكن أني كون كل أهله صالحين أو طالحين لأن القوى السياسية كما بينا متعددة بالطبع في كل الجماعات إما للتنافس على الخيرات و للتسابق في تحقيقها. بل لا بد من الستة معا ولكن بمراحل خفية .وقد حاول أفلاطون بيان هذه المراحل في المقالتين الاخيرتين من الجمهورية بصورة تكوينية متنازلة تبدأ بالأفضل وتنتهي إلى تناقص الفضيلة وتزايد الرذية من خلال تردي الأخلاق في الجماعة بسبب التربية والحكم. وهو تقريبا النظام الذي حاول ابن خلدون استعماله لبيان مراحل حياة \"الدولة\" الجزئية ويقصد \"نظام حكم معين\" وليس الدولة من حيث هي كونية بالقوة أو بالفعل لأننا سنرى مفهومها عنده أوسع وهو مفهوم يتخلل هذه الأنظمة وغايته الكونية بالفعل. ما اكتشفه ابن خلدون ولم يتفطن إليه غيره قبله ليس الدولة بالمعنى الذي أحاول بيانه بل أساس هذه الرؤية أعني مراحل العصبية التي تبدأ بمرحلة عصبية الدم وتنتهي إلى عصبية الدين الخاتم دون أن يقول صراحة أنها المثال الممكن من الغاية أعني الدولة أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- الكونية .وبينهما ثلاث مراحل هي التي ركز عليها في المقدمة وأستثنى ما يفضي إلى الهرج فيحول دون البداية ويمثل نهاية الغاية (الترف). فما يفضي إلى الهرج فيحول دون بداية الدولة من حيث هي منظومة خانات خالية يملؤها النظام الأول هو العصبية أي عصبية الدم الغالبة هو تعدد العصبيات في أمة واحدة تعددا يؤدي إلى حرب أهلية دائمة فيحول دون المرحلة الأولى أو دون استقرارها وبقائها. وهما ليستا حالتين نظريتين بل هما شبه وصف مطابق لما كان عليه العرب قبل الإسلام وما صاروا عليه بعد الفتنة الكبرى .بحيث إن هذه المرحلة من بداية دولة الإسلام إلى الفتنة الكبرى تمثل عنده قوسين غير عاديين لأنهما النموذج المثالي للدولة الكونية في تعين يحاكيها بمحدودية في المكان والزمان. وهنا أسجل أول تكذيب لاوغست كونت الذي ادعى أنه أول من اكتشف دور القوة في السياسة .فابن خلدون يقصد بالعصبية ليس القوة فحسب بل القوة بمعناها السياسي اي بمعنى الفاعل السياسي .وهي قوة من جنس حصيلة القوى أو مجموع السهام الحاملة في متوازي اضلاع القوة لتعددها في نفس الجماعة وقد قدم نموذجها. لم يقدم النموذج في المقدمة بل قدمه في سيرته الذاتية -التعريف بابن خلدونه ورحلته غربا وشرقا-بمثال من ديناميكا السوائل إذ اعتبر تفاعل العصبيات من حيث هي قوى سياسية في الجماعة بما يحصل عندما نرمي حصوات في بركة ماء فتتراكب الأمواج الناتجة عن رمي الحصوات في الماء .وهو نموذج فيزيائي من ديناميكا الماء. وإذن فبداية ظهور البنية المجردة للدولة الكونية هي الملء الأول لخاناتها الخالية بنظام عصبية الدم أو عصبية القبيلة الغالبة .وظهور الدولة التاريخي في شكلها الجزئي الذي هو كلي بالقوة في حضارة الإسلام ليس دولة الرسول والراشدين بل هو الدولة الأموية لأنه وضع العصر الراشدي بين قوسين باعتباره تعالى على هذا القانون بشبه معجزة إسلامية قصيرة. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- وهنا يأتي القانون الأول المستمد من الانثروبولوجيا الخلدونية التي تعتبر الحاكم بمقتضى مبدأ \"حب التأله\" يريد أن يستفرد بالمجد فيبعد أهل عصبيته لأن لهم فضلا في النشأة وهو ليستفرد به يحتاج لمعاونين لا فضل لهم فيها عليه فتتكون عصبية الولاء النفعي أو الموالي .وهي عصبية أدت إلى زوال دولة بني أمية. لكن الموالي سرعان ما \"يمدون يدهم إلى الزنبيل بعد أن ركبوا على البهيم\" (بالتونسي) أي يطمعون في تولي الحكم بعد أن يصبح الحاكم معزولا عن عصبيته فيفقد قوته .فيفيق متأخرا كما فعل هارون الرشيد بالعودة إلى عصبية قومية أوسع من قبيلته ضد الموالي. لكن توسيع العصبية القومية لم ينفع. فتبدأ عصبية تشمل عدة قوميات لأن الإسلام يصبح موحدا للعصبيات التي تطمح إلى الحكم باسمه فصارت على الأقل ثلاث عصبيات قومية هي العرب والفرس والأتراك في الشرق الإسلامي ثم العرب والأمازيغ وسودان افريقيا في الغرب الإسلامي. وهو ما جعل دولة الاسلام فوق دول القوميات التي هي كلها متحدة رمزيا بالخلافة حتى وإن تعددت فعليا بالسلطنات .لكنها لم تصل إلى ما يشبه البداية التي يمثلها القوسان أو الخلافة الراشدة-ليس بالضرورة في الأحداث بل في الأحاديث أي في رؤى المسلمين وليس في واقعهم الفعلي .فأصبحت الخلافة نوعين. والنوعان هما الخلافة الراشدة وخلافة الملك العضوض .لكن الغاية تختلف عنهما في التاريخ الفعلي لأن ما يبدو وكأنه ضعف في الخلافة التي كانت ملكا عضوضا صار عين قوتها لأن صارت سلطة رمزية من جنس سلطة ملكة بريطانيا في نظام الفصل بين سلطة الحاكم الفعلي والحاكم الرمزي أو الخليفة والسلطان. كان قصدي من الجمع بين التحليل المفهومي والتمثيل التاريخي هو مساعدة القارئ على استيعاب الأول بالثاني والأهم من ذلك كان مساعدة شباب الأمة على الخروج من خرافة المقابلة بين العصر الراشدي وما بعده من تاريخنا فلا الأول كانوا ملائكة ولا الثانون كانوا شياطين بل هي سنن التاريخ بين الكونية والجزئية. أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- وكان آخر أشكال أنظمة الحكم الذي وصفه ابن خلدون في المقدمة هو تقاسم السلطة بين الخليفة والسلطان بما يشبه تقاسم السلطة بين الرمزي والفعلي والأول يمثل رمز وحدة الدولة والثاني يمثل رمز فاعلية الحكم المباشر للشؤون العامة الفعلية من جنس النظام الألماني مع محافظة صورية على البيعة. وأعلم أن المتسرعين سيستغربون مقارنة نظام الحكم الإسلامي التاريخي في شكله الأخير الذي وصفه ابن خلدون مع نظام بريطانيا وألمانيا لأنهم ينسون أن الديموقراطية فيهما لم تكن \"سيفراج إنيفارسال\" من البداية بل تطورت إذ كانت تعتمد على حصرها في دافعي الضرائب أي الأثرياء وفي الذكور إلى عهد قريب .ومن ثم فالكلام على التوجه والمنحني التطوري لا الحاضر. وصحيح أن تغير السلاطين كان يحصل بما يشبه الانقلابات العسكرية وليس بالانتخابات. لكن المنقلبين كانوا من منتخبين من الاجهزة التي تحقق الانقلاب سواء كانت قبلية أو عسكرية .فلا يمكن للتغير السياسي أن يحصل من دون مستوى معين من الانتخاب سواء شمل الجماعة أو بعضها أو الجهاز أو بعضه .وقد اعتبر الغزالي الحكم هو دائما من اختيار من يسميهم \"معتبري الزمان\" ولا يصبح حاكما بالفعل إلا إذ حصل على الأغلبية بمعنى الغلبة بالفعل أو بالقوة لأن النظام لا يستقر ما لم يتوقف الهرج ويستقر الامر للذي يحدث التغير( .فضائح الباطنية في الفصل المخصص لدحض نظرية الوصية الشيعية ضد نظرية الاختيار السنية). وسأحير المتسرعين في الحكم على هذه الأفكار أكثر عندما أبين لهم ان هذا النظام كان أفضل حتى مما يماثله في بريطانيا وفي ألمانيا في بدايته .لماذا؟ لأنه كان يحرر وظائف تكوين الإنسان وتموينه وسلطان المرجعية الروحية من تحكم القوى السياسية لكونها كانت تابعة للخليفة وليس للسلطان وتعتبر رمزية ومقدسة وهي البعد الشعبي من السياسة لأنها تعتبر من مقومات شرعية الدولة في حين أن ما عداها يعتبر من مقومات شوكتها. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- وسأضرب مثالين من الوظائف التي صرنا نعتبرها \"محايدة\" لا مقدسة ولا غير مقدسة أعني التكوين والتموين .فالتربية كانت تابعة للخلافة والمجتمع الأهلي وليس للسلطان والتموين كذلك بحيث إن السلطان دوره مقصور على الإدارة ووظائف الحماية تماما كما جاء في دستور الرسول .وهما شرطا الحرية والكرامة. ذلك أنه ما أن تسيطر السلطة التنفيذية -السلطان-على هذه التكوين والتموين حتى يصبح الجميع عبيدا لأن صاحب السلطة الفعلية يستطيع بالشوكة المادية أن يفرض ما يريد على حرية الإنسان وكرامته بخلاف صاحب السلطة الرمزية والشرعية فإنه يكون أول المحافظين عليها لأن وجودها سر سلطانه الرمزي. ولهذه العلة فكل استبداد يبدأ بفقدان الجماعة سلطانها على التكوين والتموين لأنها تصبح خاضعة لإرادة من بيده القوة والمسيطر على شروط القيام والبقاء ماديا وروحيا. وهذا هو الفرق بين يوسف القرآني ويوسف التوراتي .فالأخير نصح فرعون باحتكار الغذاء خلال السنوات السمان لاستعماله خلال السنوات العجاف استعمالا جعل الشعب المصري يصبح أقنانا. أما يوسف القرآني فهو قد نصح فرعون بـالعكس وطبقه أي جعل الشعب كله يدخر خلال السنوات السمان للسنوات العجاف ونظم توزيع الثروة بالعدل بين الأحرار الذين لم يتحولوا إلى عبيد أقنان لأن فرعون بالنصيحة التوراتية صارب مالك الأرض وهم \"خماسة\"(بالتونسي أقنان أي عبيد الطبقة المالكة أي فرعون وجنوده) .ولذلك ينصح ابن خلدون بأمرين ينبغي أن يتبعا الخليفة ولا يبقيا بيد السلطان: .1استقلال العملة فلا تصك إلا باسم الخليفة. .2استقلال الموازين والمثاقيل والمقاييس التي ينبغي أن تبقى مجال الحسبة .وطبعا مع استقلال التكوين والتموين والوظائف الدينية المناصفة في سلطة القضاء والجهاد .والعلة بينة :فالقضاء يستمد فاعليته الرمزية أي شرعية أحكامه من سلطة التشريع وهي تابعة للتعليم والفقه التابع للخليفة وفاعليته التنفيذية من شوكة السلطان .وكذلك الأمر في أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- الجهاد أي الحروب سواء كانت للدفع أو للطلب :فهي مثل القضاء مناصفة لأن شرعيتها من الخليفة وفاعليتها من السلطان. وختاما فإني ينبغي أن أتوقف فقد تجاوزت الحدود في شرح ما ينبغي للشباب أن يفخر به لئلا يتوهم الاستئناف مشروطا بـاستيراد انظمة غير مطابقة للرؤية التي هي أكبر ثورة إنسانية أسس لها الإسلام بتحرير البشرية من البنية العميقة للثيوقراطيا والانثروبوقراطيا أعني من الابيسوقراطيا بدل من تحسين ما حصل في التجربة التاريخية للأمة .والغاية هي استرداد الثقة في الذات والتحرر من العقد الناتجة عن تصديق تفوق الغير الكاذب .والتفوق الصادق لا إشكال فيه لأن المطلوب هو \"طلب الحقيقة ولو في الصين\". أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- لا بد من خاتمة لهذه المحاولة نبين فيها كيف تصبح هذه الرؤية للدولة الكونية بنية ذات حركية محققة للغاية بطريقتين مراجعة أحداث التاريخ الديني ومراجعة التاريخ السياسي الذي يبتعد عن قيم الاستخلاف في تعمير الأرض الذي يصبح تدميرا لها وللإنسان بسبب عدم الانتقال السليم من بدايتها في ما فطر عليه الأنسان إلى غايتها في التحقق الفعلي برؤية يتحد فيها الديني والفلسفي. وما قصدته بإطلاق اسم \"استراتيجية التوحيد القرآنية ومنطق السياسة المحمدية' تعريفا للرسالة الخاتمة في تحديدها: .1للمرسل (الله) .2والمرسل إليه (الإنسان) .3والرسول (الخاتم ومن تقدم عليه من الرسل) .4ومنهج التذكير (وهو السياسة ببعديها :التربية دون وساطة والحكم دون وصاية) .5ومضمون الرسالة (مهمتي الإنسان وما جهز به من نظر وعقد وعمل وشرع معمرا ومستخلفا في الأرض). فيكون القرآن هو البنية المجردة لهذه الدولة ليس من حيث هي كيان جامد بل من حيث فاعلية استراتيجية هدفها سياسة الإنسانية بتربية دون وساطة وحكم دون وصاية حتى تحقق هذه الدولة الكونية التي يكون فيها الناس اخوة لأنهم من نفس واحدة (النساء )1 ومتساوين لأنهم خلقوا للتعارف وليس للتناكر (الحجرات )13فلا يبقى بذلك الفراغ الذي يملأه الصراع بين الدول الجزئية المتصارعة على الأحياز الخمسة بسبب غياب قيم الاستخلاف هذه. فالصراع بين الدول الجزئية علته المسافة الفاصلة بين بين جزئيتها بالفعل وكليتها بالقوة وهي كل التاريخ الإنساني من حيث هو امتحان لأهلية الإنسان للاستخلاف .وما يقتضي عدم ثبات الحدود المكانية والزمانية بسبب الصراع على ما في الأرض والزمان ككل من أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- ثروة وتراث وحاجة ذلك كله إلى الحماية من الأجوار الذين لا يتعارفون بل يتناكرون لأن كل واحد يريدها كلها له وحده لان كيانه ومهمته تعمير الأرض والزمان والاستخلاف فيهما وكأنه هو الإنسانية كلها. والصراع في الدول الجزئية هو بين الأنظمة التي تعين القيمين لملء خانات الدولة التي هي بنية مجردة خالية من القيمين والتي تصبح معلومة بهذا التعيين تماما كما تعلم تعينات المتغيرات في الدالة الرياضية بتحديد قيمها وبين القيمين في ما بينهم في نفس الجماعة ثم بين القيمين في الجماعات المختلفة على أبعاد الدولة الجزئية والكلية الـخمسة. والصراع بين القوى السياسي على تأويل المرجعية وصياغة الدستور والسلطة السياسية حكما ومعارضة وعلى الوظائف العشر التي وصفت له علاقة بمسالة الأحياز وتقاسمها أي: .1المكان .2والزمان .3والثروة .4والتراث .5والمرجعية موضوعا للتنافس الداخلي والخارجي فتكون الإنسانية في حرب أهلية لا تتوقف لغياب استراتيجية التوحيد التي هي تذكير بالأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر والسعي لتحقيقها وتلك هي السياسة القرآنية التي كانت سياسة الرسول عينا منها. فما يحصل من دون هذه السياسة هو توحيد كذلك لكنه بمنطق القانون الطبيعي أي بتنافس القوى على الأخيار من دون قيم الاستخلاف وليس بتسابق الخيرات بقيم الاستخلاف (المائدة .)48 ولذلك فالقرآن يراجع التاريخ الديني وما يحدث من تحريفات الديني في التاريخ السياسي ليشرح علل هذا الصراع ويعتبره ناتجا عن النظاميين الثيوقراطي والانثروبوقراطي (سورة آل عمران) لأنهما وجهان لعملة واحدة .والبنية العميقة الواحدة لهذين النظامين وما يترتب عليهما من صراع هي الابيسيوقراطية (نظام دين أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- العجل) بمعنى أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا (او الديموقراطيا) هما في العمق أبيسيوقراطيا أي إنهما ليسا حكما باسم الله ولا باسم الإنسان إلا في الظاهر لاخفاء حقيقتهما الفعلية التي هي حكم بدين العجل أي ربا الأموال وربا الأقوال كما بينت في المحاولة. وهذا هو أصل التحريف في الأديان (فلسفة الدين وتاريخه) وفي السياسات (فلسفة السياسة وتاريخها) وهو تحريف في الأديان وجاهلية في السياسة أو تحريف الرموز القيمية والعقدية وتحريف الوقائع الاقتصادية والثقافية من أجل استعباد الإنسان .والذروة هي خرافة تأليه المسيح (آل عمرا )79وكيف يدحضها القرآن من أجل تحرير الإنسان من الوساطة علة الاستبداد الروحي والعنف التربوي والوصاية علة الاستبداد المادي والعنف السياسي. لذلك فالقرآن كما أسلفت مخمس الاهتمام: .1خمس أول لعلاج التحريف في الدين وتاريخه وفلسفته والجاهلية في السياسة وتاريخها وفلسفتها .والغاية في التاريخين هي الوصول إلى الوعي التام بالدين الخاتم الذي يذكر بالدين الفاتح وبالسياسة التي توحد الإنسانية بالدولة الكونية التي تطبق مبدأين: الأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر المتحررين من الوساطة الروحية في التربية والوصاية المادية في الحكم. .2والأربعة الباقية لتحديد ما تذكر به الرسالة وتعرفه أي: • المرسل (الله) • والمرسل إليه (الإنسان) • والرسول (الخاتم وكل الرسل قبله) • ومنهج التبليغ (سياسة التربية والحكم) • ومضمون الرسالة أو دولة البداية ودولة الغاية تعميرا واستخلافا. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- ولمساعدة الإنسان في تحقيق مهمتيه -التعمير بقيم الاستخلاف-جهز بالنظر والعقد للمعرفة وتطبيقاتها وبالعمل والشرع للقيمة وتطبيقاتها وأعلم بأن المخلوقات خلقت بقدر أي إن علمها يكون بالرياضيات والتجربة وصورت بقيم إن عملها يكون الأخلاقيات والسياسة .وتلك هي شروط البنية المجردة. فماذا يحرف الإنسان عن مهمتيه؟ أو ما الذي ينقله من أحسن التقويم إلى الخسر؟ إنه الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا التي هي ثيوقراطيا معلمنة في التربية بالوساطة وفي الحكم بالوصاية .والوساطة تصبح خوار العجل أو ربا الاقوال .والوصاية معدن العجل أو ربا الأموال في العمق أو الابيسيوقراطيا. فالتربية والحكم هما بعدا السياسة من حيث هي استراتيجية تحقق بها القوى السياسية ذات الـمرجعية التي توحد بينها حسب تأويل دستوري يحدد قواعد التنافس بينها على السلطة المحدودة بأحكامه العرفية أو النصية لرعاية الجماعة وحمايتها بتنويب حر لوجهين منه من يحكم بالفعل وبالقوة أو المعارضة للإشراف بوظائف الدولة. ولهذه العلة فتصنيف اليونان لأنظمة الحكم لا يعني أنهم كانوا على بينة من مفهوم الدولة وذلك لأنهم (الفارابي أضاف الكونية لمفهوم الجماعة عندهم وقد كانوا يرونها ذات ثلاثة مستويات الاسرة والقرية والمدينة ومنه اشتقوا اسم الدولة لأنه هو الأسمى عندهم) لم يتجاوزوا \"الدولة المدينة\" أو الامبراطورية بسلطة قومية لا الدولة الكونية. وكل دولة جزئية كانت تكون كونية لولا تقاسم المكان والزمان وثمراتهما والمرجعية بمعيار القوة. وحتى الدولة الجزئية فإنها خاضعة لبنية الدولة الكونية كما وصفتها وإن بالقوة وليس بالفعل ومن ثم فخرافة الأنظمة الستة بمعيار عدد من يحكم وأخلاقهم لا معنى لها لأن الواحد والأكثرية لا يمكن أن يحكمـا ويعارضـا بل من يفعل أقلية لأنها جزء ممن يهتم بالشأن العام وهـم دائما أقلية لأنه ليس فرض عين وعبادة كما في الإسلام. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- فالله نفسه اعتبر صيرورة العالم إلى الغاية منه لا يكون بيد الواحد بل هو جعله أشبه بمسرحية يحرك بطلبيها على ركح التاريخ-الإنسان وإبليس-وجعل بينهما تحديا لاختبار أهلية الأول في تعمير الأرض بقيم الاستخلاف معتبرا ذلك عين ما خلقهما لأجله (الجن والإنس) .نظام الواحد خاص بالله وحده. ونظام الكل بنفس الدور مستحيل لأن ذلك يعني نفي النظام إذ النظام يعني بالضرورة التراتب .فيكون النظام بالضرورة هو التراتب في الوظائف .ومن هنا كان مفهوم الدولة هو نظام الوظائف المجرد أعني منظومة خانات خاوية يملؤها قلة من القيمين تنتخبهم الكثرة بحرية للرعاية والحماية إذا كانت دولة بشر أحرار. فيكون الفرق المميز للأنظمة ليس عدد القيمين ولا أخلاقهم فهم دائما قلة أكثر من واحد وأقل من الكل رغم أن الدولة من حيث البنية تقتضي أن يكون الكل مشاركا في قيامها باعتبار القيمين أنفسهم مفروزين .وهنا يأتي الفرق الوحيد :هل الفرز حر أم مضطر. وهل الحرية فعلية أم خداع فتكون اضطرارا خفيا. كل الاستراتيجية السياسية تعود إذن إلى تربية وحكم غير مخادعين للحصول على نيابة الجماعة في هذين البعدين بصورة تجعل ما هو فرض عين يتحول إلى فرض كفاية :ففي التربية ما هو فرض عين هو أن يكون المتعلم ذا علاقة مباشرة بموضوع التعلم ولا يعتبر المعلم وسيطا بينه وبينه لأن طلب الحقيقة فرض عين. وفي الحكم ما هو فرض عين منه هو اختيار من ينوب الجماعة ومراقبته وعزله إن لم يحترم المرجعية وما استمد من دستور وتلك هي العلاقة المباشرة بين المواطن والشأن العام. فإذا صار النواب يختارهم غيره ويراقبهم غيره ويعزلهم غيره فهو يكون قد تخلى عن فرض عين لحصول وصاية عليه في ذلك. وذلك ما يحصل في النظام الثيوقراطي والنظام الانثروبوقراطي .وكان الكثير يتوهم أن الثاني غير الأول بل هم يتصورونه ضديده .لكنهما في الحقيقة وجهان لعلمة واحدة أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- ندركها عندما نبحث في ما ينظمان به ملء خانات الدولة بالقيمين عليها :فالمحدد لا الله ولا الإنسان بل بعدا العجل أي ربا الأموال (رمزه معدن العجل أو الذهب المسروق) وربا الأقوال (رمزه خوار العجل أو الخداع الإيديولوجي). فتكون الانثروبوقراطيا هي الثيوقراطيا المعلمنة حيث يصبح الإنسان بديلا من الله للتغطية على بعدي العجل ربا الأموال وربا الأقوال .وهذا بين في إيران وفي إسرائيل وفي كل الأنظمة التي تزعم ديموقراطية وهو أبين في الأنظمة العسكرية التي تدعي الانثروبوقراطية والقبلية العربية التي تدعي الثيوقراطية .وكلها متنافية مع نظرية الدولة في الإسلام :والسر هو علاقة المسارين مسار التحريف والجاهلية ومسار التعديل والتصحيح بسياسة التذكر تربية دون سلطة وساطة روحية وحكما دون وصاية سلطة مادية. ففي الحكم لا بد من فرض كفاية يقوم به القيمون نوابا للجماعة منفذين لإرادتها .لكن فرض العين يبقى للجماعة كلها وهو عبادة تتمثل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبقين في التعيين والمراقبة والعزل للقيمين بمعيار المرجعية التي صيغت في الدستور وفي ضوء القيام بالوظائف العشر فنيا وخلقيا. وبهذا المعنى فكل الإسلاميين الذين يعتبرون الشورى هي الديموقراطية لم يفهموا لا الديموقراطية ولا الشورى .الشورى لا يمكن أن تكون خاضعة لبعدي العجل لأنها حينئذ تصبح غير مختلفة عن الثيوقراطية المعلنة لإخفاء دين العجل إما باسم الله أو باسم الإنسان .وفي الحالتين الله والإنسان دورهما فيهما للخداع. وأعتقد أن فضل النظام الأمريكي أنه يفضح هذا الخداع .فدور ربا الأموال فيه لا يحتاج إلى بيان وخاصة في الانتخابات وما يعود إلى لوبيات المال فيه معلوم للجميع .ودور ربا الأقوال لا يحتاج إلى بيان كذلك وخاصة في الانتخابات مع يعود إلى لوبيات الإعلام والملاهي .وكل دعاوى \"أخلقة\" هذه السياسة خدع لتمرير خداع دين العجل. فإذا لم يكن الإسلام علاجا لهذه الأمراض وإنقاذا للإنسانية من دين العجل الذي يتنكر سواء في الثيوقراطيا أو في الأنثروبوقراطيا وهو في الحالتين سلطان ربا الأموال وربا أبو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
الأقوال فلا معنى لكونه الرسالة الخاتمة والاستراتيجية التوحيدية .ذلك ما أحاول أفهامه لشباب الأمة من أجل الاستئناف. أبو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
أبو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 50
Pages: