Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore مفهوم الدولة، بين الجزئية والكلية ونظرية الإنسان القرآنية - أبو يعرب المرزوقي

مفهوم الدولة، بين الجزئية والكلية ونظرية الإنسان القرآنية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-08-06 17:42:12

Description: مفهوم الدولة، بين الجزئية والكلية ونظرية الإنسان القرآنية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫مفهوم الدولة‬ ‫بين الجزئية والكلية ونظر ية‬ ‫الإنسان القرآنية‬ ‫الأسماء والبيان‬





‫المحتويات ‪2‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪11 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪18 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪25 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪33 -‬‬ ‫‪ -‬خاتمة ‪39 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫في كلامي السابق على الدولة ذكرت أمرين يبدوان منافيين للمعتاد في الفلسفة السياسية‬ ‫التي يكررها جهابذة الاختصاص ممن نكصوا إلى القول بنظرية المعرفة والقيمة المطابقتين‬ ‫ويعتبرون ما يدركونه حقيقة مطلقة لأنه مطابق لما يسمونه \"الواقع\" الذي اعتبره وثن‬ ‫الحداثيين والإسلاميين في آن \"هبل\" جاهلية العرب الثانية‪.‬‬ ‫فما قلته في الدولة ويعتبر غريبا لكني لا ادعي أنه حقيقة مطلقة ولا أزعم أنه مطابق‬ ‫لواقع ما لأني لا أفهم معنى الواقع ما لم يكن بمعنى الأمر الواقع الذي هو \"فاكتوم\" أي‬ ‫فرض على الذهن مؤقتا بوصفه \"كذا هو هكذا\" أي ما لا حيلة له في قبوله ومحاولة تغييره‬ ‫بإبداع \"حيل\" رمزية تعيد فهمه فهما يمكن من تغيير رؤيته دون الجزم بعلم حقيقته‪.‬‬ ‫وما أشير إليه لا يتعلق بما قلته في التعليق على تعريف أحد الزملاء لمفهوم الدولة‬ ‫بالثلاثية الشهيرة ‪-‬الشعب والأرض والحكم‪-‬إذ أضفت عنصرين آخرين غالبا ما يقع‬ ‫اغفالهما وهما طبيعة علاقة الشعب بالأرض (ملكيتها) وطبيعة علاقته بحكمها (السيادة‬ ‫عليها)‪ .‬فيكون تعريفها حتى بالمفهوم التقليدي ينقصه مقومان يجعلان كل «الدول»‬ ‫العربية ليست دولا إذا أخذناهما بعين الاعتبار بل هي محميات لأن الشعب لا يملكها وليس‬ ‫سيدا عليها‪.‬‬ ‫فاستكمال التعريف التقليدي ما أظنه مدعاة للاعتراض لأني اعتقد أن أصحابه إما‬ ‫يفترضونه ضمنيا في الثلاثة إذا كانوا يفهمون معنى الشعب السيد أو يتخلون عنه فيسمون‬ ‫دولة بمثلث الشعب الذي لا يملك الأرض وعديم السيادة في حكمها بحكام تابعين لمستعمر‬ ‫مثل المحميات العربية‪ .‬وهو سبب إضافتي للمقومين لأني لا أعتبرها دولا أصلا‪.‬‬ ‫وما كنت لأضيف هذين المقومين اللذين يميزان الدولة عن المحمية‪-‬مثلما كانت تونس‬ ‫\"دولة\" محمية من دولة حامية هي فرنسا في اتفاقية باردو المعلومة والامر باق كما كان لأن‬ ‫الاستقلال كان ورقة لا تحقق الشرطين اللذين أضفتهما أعني ملكية الأرض وسيادة الحكم‪-‬‬ ‫لو لم يكن منطلقي ضمنيا ذا مرجعية فكرية تعرف الدولة تعريفا أعمق حتى من هذا المعنى‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الذي يضيف الملكية والسيادة وهو ما أريد الكلام فيه ود سبق أن قلته في المحاولات السابقة‬ ‫ويبدو غريبا لأنه غير معتاد لمن كان يفهم الإسلام فهما يجعله دينا من بين الأديان وليس‬ ‫الديني في كل دين‪.‬‬ ‫فعندما نعتبر الإسلام دينا من بين الأديان فإنه يكون محرفا بالقياس إلى الديني في كل‬ ‫دين بنص القرآن نفسه‪ .‬ذلك أن مراجعة القرآن لجميع الأديان السابقة ‪-‬وقد صنفها‬ ‫فأرجعها إلى خمسة (وهنا أعرض فلسفة القرآن الدينية ولست أعبر عن موقف شخصي له‬ ‫أو عليه حتى يكون البحث كما أريده خطابا موجها للإنسان من حيث هو إنسان قبل اختيار‬ ‫عقيدة معينة يتبناها عن اقتناع أي بعد تبين الرشد من الغي بذاته وليس باتباع سلطة‬ ‫فكرية معينة مفروضة عليه)‪:‬‬ ‫‪1‬و ‪-2‬اثنان منزلان هو اليهودية والمسيحية‪.‬‬ ‫‪ 3‬و‪-4‬واثنان طبيعيان هما الصابئية والمجوسية‪.‬‬ ‫‪-5‬وأصل واحد لها جميعا بالسلب هو الشرك الذي يقابل الإسلام الذي هو الديني في كل‬ ‫دين أو التسليم لرب العالمين‪ .‬وذلك حتى ينقد ما طرأ عليها من تحريف أبعدها عن الديني‬ ‫في كل دين أو دين الله أو الإسلام الفطري أو دين البداية الذي يذكر به دين الغاية أو‬ ‫الإسلام المحمدي مستعملا منهج التصديق والهيمنة‪.‬‬ ‫وهذا المنهج يعني المراجعة التي تصدق ما فيها من الديني لأن الإسلام مؤتمن عليه وتهيمن‬ ‫به عليها لإصلاحها وتخليصها من التحريف وهذا يمثل خمس القرآن‪ .‬والأخماس الأربعة‬ ‫الباقية هي للتعريف بالمرسل (الله) والمرسل إليه (الإنسان) والرسول (الخاتم وكل الذين‬ ‫نحن مطالبون بالإيمان بهم) ومنهج التبليغ (الغاشية ‪ )22-21‬ومضمون الرسالة أي مهمة‬ ‫الإنسان تعميرا واستخلافا في الأرض وتجهيزه ليكون قادرا عليهما‪ :‬بالنظر والعقد لتصور‬ ‫الاجتهاد وبالعمل والشرع لإنجاز الجهاد‪.‬‬ ‫ولا أشك أن الاعتراض سيكون‪ :‬ها أنت إذن تنطلق من عقيدتك الإسلام ولست تفكر‬ ‫بصورة مجردة عن خيار عقدي معين‪ .‬ومن ثم فموقفك عقدي وليس فلسفيا فلا يقبل حجة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حتى عند المسلمين لأن ما اتهمتهم أنت بالتحريف يعتقدون أن فهمهم مطابق للإسلام‬ ‫ورؤيتك هي المحرفة‪.‬‬ ‫فالإسلام دين من الأديان وليس الديني في الأديان كما تتصور إذ تعتبره أصلا حرف فيها‬ ‫وغاية تسعى إليها‪ .‬لذلك فسأضيف إلى هذا المدخل مدخلا يعسر أن يجادل فيه من يعتقد‬ ‫أن انطلاقي من الإسلام للكلام على رؤية كونية علته الموقف العقدي الذاتي وليس نص‬ ‫القرآن نفسه وفهمه التيمي والخلدوني ما يعني أني لا أنسب هذا الفهم لكونية الإسلام‬ ‫إلى نفسي بل أكاد أزعم أنه لا يوجد مفسر لم يقل بكونه الديني في الأديان صراحة أو‬ ‫ضمنا حتى وإن لم يعمل به أحد منهم عندما ينتقل من تحديد الرؤية إلى تطبيقاتها في‬ ‫علوم الملة وأعمالها‪.‬‬ ‫والمدخل الثاني شديد الغرابة‪ .‬إنه قولي إن الامريكان مثلا يفهمون ذلك جيد الفهم لأن‬ ‫تصورهم هو عين تصور الإسلام بعد حذف احدى المهمتين اللتين كلف بهما الإنسان‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهم يؤمنون بأن تعمير الأرض يفترض وحدتها وشموليته لها ولا يكتفون بالإيمان بل‬ ‫يحققونه فعلا في التاريخ الفعلي‪.‬‬ ‫‪ .2‬لكنهم لا يرون علاقة بين ذلك وبين المهمة الثانية أعني مهمة الاستخلاف أعني تحقيق‬ ‫قيمه‪.‬‬ ‫ولست أقول ذلك اعتمادا على ما يحصل فعلا فحسب بل وكذلك لأن ذلك هو عين العلة‬ ‫العميقة لحربهم على الإسلام باعتباره المنافس بل والعدو لهذه العلة أي بقيمه التي لا‬ ‫تقبل بالتعمير من دون الاستخلاف لأنه يكون تدميرا كما نراه في العولمة للأرض والبشر‬ ‫ولتنوع الثقافات واللغات والحضارات وليس تعميرا يحافظ عليها بوصفها من آيات الخلق‬ ‫وثرائه‪ :‬أي إنه يرفض الكونية السلبية التي تحقق الوحدة النافية للتعدد فيها جميعا‪.‬‬ ‫نأتي الآن إلى القولين الغريبين اللذين سأحاول أثباتهما على غرابتهما اعتمادا على‬ ‫التناظر التعاكسي بين النموذجين الإسلامي والأمريكي من منظور الإسلام في ما يشبه‬ ‫النظام الأمريكي ومن منظور الأمريكي في ما يشبه النظام الإسلامي الذي أعتقد أنهم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يفهمونه أكثر من المسلمين وإلا لما اعتبروه عدوا منافسا مثل الشيوعية‪ .‬وهو فهم قاصر‬ ‫لتوهم الإسلام إيديولوجيا مثل الشيوعية‪.‬‬ ‫فهذا الظن ليس خطأ فحسب بل هو ليس جديدا في الرؤية الغربية للإسلام فهي بدأت‬ ‫منذ نشأته‪ .‬فالكنيسة التي قد تكون تضاءل دورها في التاريخ من حيث احداثه ما يزال‬ ‫دورها أساسيا في التاريخ من حيث أحاديثه‪ .‬فدورها ما يزال التأثير على الرؤى الغربية‬ ‫حتى وإن إخفاءه الشكل المعلمن والمفلسف الذي يخفي الطبية الدينية للمواقف الغربية‬ ‫الحالية‪ .‬ومن يدرس هيجل وماركس وخاصة الانتقال من الأول إلى الثاني يفهم القصد‬ ‫وقد شرحت ذلك عندما تكلمت على مفهوم المصالحة الهيجلية بين الله والعالم ‪Die‬‬ ‫‪.Versöhnung‬‬ ‫فالكنيسة كانت ولا تزال تنفي عن الإسلام أن يكون دينا منزلا بحق بل هو عند كبار‬ ‫المتكلمين حتى بعد الاصلاح الذي أخذ منه الكثير (لوثر) من صنع العقل الإنساني بصياغة‬ ‫محمدي‪ .‬وأكثر من ذلك فحتى التنويريون و\"التييست\" (الربوبيون) الغربيون كانوا‬ ‫يعتقدون أن الإسلام دين عقلي وطبيعي وليس من جنس الأديان المنزلة ويقصدون أنه‬ ‫ليس من جنس المسيحية‪.‬‬ ‫ومن ذلك قياس الأمريكان الإسلام على المنافس الشيوعي بوصفه ايديولوجيا إنسانية ما‬ ‫يعنيهم في حربهم عليه هو تطبيقاتها الدنيوية وليس الوجه التعبدي منه وليس دينا سماويا‬ ‫مثل المسيحية‪ .‬وهو خطأ سعيد‪ :‬ذلك أن توهمهم الإسلام مجرد إيديولوجيا دنيوية‬ ‫يحاربونها هو الذي يجعلهم يختارون استراتيجية علمنته أو تصويفه بمعنى أنهم لا يحاربون‬ ‫ما فيه من عبادات بل ما يتوهمون أنه من استعماله الإيديولوجي في السياسة‪.‬‬ ‫وكل ذلك طبعا بسبب القياس الخاطئ‪ :‬فهم لا يستطيعون فهم الظاهرة التي يعتقدون‬ ‫أنها غير موجودة في المسيحية‪-‬التي كانت عقيدة شعب تحت الاستعمار الروماني في دولة‬ ‫تشريعاتها يضعها النظام الروماني بحسب مراحله بين الدكتاتورية والجمهورية‪ -‬أعني‬ ‫السياسة من حيث هي فرض عين في الإسلام ومن ثم فهي ذروة العبادات الإسلامية‪ .‬ذلك‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أن الإسلام دين شعب حر وجوهر حريته ليست روحية فحسب بل هي روحية مطبقة في‬ ‫التاريخ الفعلي من ثم فـجوهر السياسة هو بعدا العبادات‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهي اجتهاد في مستوى الفكر النظري والعقدي لعلاج علاقة الإنسان بالإنسان وبالعالم‬ ‫من اجل التعمير‪ .‬ويمكن أن نعتبر ذلك مجال التربية الذي لا توجد فيه وساطة بين المؤمن‬ ‫وربه‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهي جهاد في مستوى الفكر العملي والشرعي لتنظيم هذا العلاج بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫ويمكن أن نعتبر ذلك مجال الحكم الذي لا توجد فيه وصاية بين المؤمن وأمره‪.‬‬ ‫ويجمع بينهما مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحقيق وظيفتي الإنسان‬ ‫المحددتين لمنزلته الوجودية في الكون أي التعمير والاستخلاف بالاجتهاد والجهاد معرفيا‬ ‫وقيميا ذهنيا وعينيا‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فحرب أمريكا على الإسلام لا تخيفني ما دمت اعلم أنهم لا يفهمون سر قوة‬ ‫الإسلام‪ .‬فهي حرب خاسرة ألف في المائة لأنها مبنية على جهل بهذا السر الذي يخفى حتى‬ ‫على علماء الإسلام ونخبه ما يجعلهما أحيانا بدون وعي وأحيانا عمالة يسهمون مع اعداء‬ ‫الإسلام في الحرب عليه‪ .‬فـمن يحارب عدوا وهو يجهل سر قوته يكون كمن يسهم في تقويته‬ ‫إذ هو بحربه ينبه المسلمين لما ينقصهم حتى يهزموه‪ .‬ونحن هازموهم لا محالة‪ .‬ولا يخامرني‬ ‫أدنى شك في أن الضاحك الأخير بحق سيكون نحن لأننا أقدر على حرب المطاولة من أي أمة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫وإذا كان مارلو بونتي قد قال في ماكيافال إنه لو كان ماكيافيليا لما فضح السر في كتاب‬ ‫الأمير فإنـي سأقول إن فهمي للقرآن بوصفه بحق استراتيجية بديلة من الاستراتيجيات‬ ‫الأربع التي وصفتها في كلامي على الاستراتيجيا لا يعتبر كشفا لسر بل هو محاولة لأقناع‬ ‫أعداء الإسلام بأن كل الاستراتيجيات تفشل أمام استراتيجية الإسلام لأنها ليست عدوانية‬ ‫بل هي سعي دائب لتوحيد الإنسانية حول حقيتها وقيمتها الكونية التي يشترك فيها كل‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫البشر ولذلك فالقرآن يخاطبهم جميعا وابن خلدون في مقدمته لم يعنون عمله بالوظيفتين‬ ‫وبمستويي البشرية بالصدفة ‪ « :‬العمران والاجتماع موضوعا والبشري والإنساني نسبا »‪.‬‬ ‫استراتيجية الإسلام السياسية هي تحقيق مبدأين لا ثالث لهما هما البداية والغاية وهما‬ ‫جوهر الإسلام‪:‬‬ ‫‪ .1‬البداية هي النساء ‪ 1‬أي الاخوة البشرية والحجرات ‪ 13‬أي المساواة بين البشر مع‬ ‫اعتبار الاختلاف العرقي واللوني واللساني والثقافي والجنسي آية وليس ضديدا للمساواة‬ ‫وحصر التفاضل في التقوى‪.‬‬ ‫‪ .2‬والغاية هي نفس البداية وما بين البداية والغاية هي تحرير الإنسانية من المعيقات‬ ‫التي تحول دون الأخوة والمساواة والاستراتيجية هي إذن إزالة ما يمنع تحقيقهما وذلك‬ ‫بتحرير الإنسانية مما يدفع للصراع عليها (اقتصاد الخوف من العوز) ومما يكرسها (ثقافة‬ ‫الاستحواذ والاستبداد)‪.‬‬ ‫ولذلك فالمقابل الضديد هو الرؤية الأمريكية التي لا تؤمن بالأخوة البشرية ولا بالمساواة‬ ‫بين البشر ومن ثم فالكونية فيها ليست كونية الإسلام بل عكسها تماما إنها كونية تجمع في‬ ‫آن بين المعنى الهيجلي والمعنى الماركسي أي بين صراع أرواح الشعوب (عنصرية الحضارة‬ ‫وضمنها العرقية التي تفسر اختلاف الحضارات) وصراع طبقاتها (وهي عنصرية ترد إلى‬ ‫الأولى)‪.‬‬ ‫وقد يظن الكثير أني بسذاجة أقابل ا لمثال بالواقع لكأني أتكلم على اماني وليست أصف‬ ‫رؤيتين ماثلتين أمام ناظر الجميع‪ :‬فلست أدري ما الذي يحوج الأمريكان للحرب على الإسلام‬ ‫لولا الوعي الدقيق بهذا الدافع الحقيقي لطبيعة المقابلة بين فلسفتين دينيتين وتاريخيتين‬ ‫من لم يكن مدركا لأبعاد التقابل بينهما لا يمكن أن يفهم ما ينبغي أن نعالجه ليصبح‬ ‫الاستئناف الحضاري الإسلامي ممكنا بوصفه فرصة ثانية للإنسانية حتى تخرج من التدمير‬ ‫الذي يبدو تعميرا ومن العبودية التي تبدو حرية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وبهذا المعنى يتبين أن دحض العلاج الهيجلي بفهم التاريخ الثقافي بالتاريخ الطبيعي جاء‬ ‫في النساء ‪( 1‬الأخوة البشرية ولا معنى لأرواح الشعوب) ودحض العلاج الماركسي بفهم‬ ‫التاريخ الاقتصادي بالتاريخ الطبيعي جاء في الحجرات ‪( 13‬المساواة بين البشر) من حيث‬ ‫البداية التي يمكن أن تكون الغاية للاستراتيجية التي تحرر الإنسانية ليس بجدل الصراع‬ ‫بل بسياسة تكون فيها التربية دون وساطة والحكم دون وصاية لأن الوساطة والوصاية هما‬ ‫علة تحريف الواحد بين الديني والفلسفي‪ .‬وهو معنى كون الإسلام من حيث هو ا الديني‬ ‫في كل دين والفلسفي في كل فلسفة ينبغي أن يكون فاتحا وخاتما‪ :‬فهو فاتح بالمبدأين في‬ ‫التعمير بقيم ا لاستخلاف (الأخوة والمساواة) وخاتم بالسعي لتحقيقهما الفعلي‪ .‬والسعي‬ ‫لتحقيقهما الفعلي لا يمكن ان يكون إلا بمقتضى نظرية التاريخ الإنساني مخمس الأبعاد‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالماضي حدث وحديث ولا يمكن فيه إلا أن نصلح الحديث لتأويل فاعلية الحدث الذي‬ ‫حصل وانتهى‪.‬‬ ‫‪ .2‬والمستقبل حديث وحدث وفيه يمكن أن نصلح البعدين بأن نبدأ بالحديث لتوجيه‬ ‫الحدث‪.‬‬ ‫‪ .3‬والحاضر هو فاعلية السياسة هذه ببعديها أي بالتربية المتحرر من الوساطة بين الإنسان‬ ‫وربه (الكنسية وما يعوضها في العلمنة) والوصاية بين الإنسان وشأنه (الحكم بالحق الإلهي‬ ‫وما يعوضه في العملنة)‪ .‬وقد درست أن الشكل الأول هو الثيوقراطيا والثاني هو‬ ‫الانثروبوقراطيا وهما وجهان لعملة واحدة هي الأبيسيوقراطيا أي التربية والحكم ببعدي‬ ‫دين العجل‪ :‬ربا الأقوال (خوار العجل) وربا الأموال (معدن العجل)‪ .‬وتلك هي علة‬ ‫وضعي للمفهومين الغريبين اللذين اضيفهما إلى نظرية الدولة كما يحددها القرآن وكما‬ ‫ينبغي أن تحددها الفلسفة كذلك لوحدة الديني والفلسفي الكونيين‪:‬‬ ‫• أولا الدولة كانت ولا تزال دائما كونية واليونان لم يعرفوا الدولة بل عرفوا أنظمة‬ ‫الحكم والفرق بين الأمرين شاسع وظل خفيا حتى ظهرت النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.13‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• ثانيا الدولة بنية مجردة ذات خانات وظيفية كونية خالية لا تصبح ذات فاعلية إلا‬ ‫بتعيين القيمين عليها وتلك هي مهمة الانظمة السياسية التي تختلف تاريخيا بحسب نضوج‬ ‫الوعي بوظائف الدولة الكونية‪.‬‬ ‫فتعيين القيمين هو الذي تتمايز به الأنظمة لكن بنية الدولة المجردة واحدة وكونية‪.‬‬ ‫فالدول من حيث البنية المجردة حتى قبل أن تصل إلى الكونية ‪-‬دولة واحدة في العالم كله‬ ‫لأن أهلها هم البشرية كلها باعتبارهم اخوة متساوين يرثون الأرض بثرواتها وبتراثها إما‬ ‫بالفعل أو بالقوة فضلا عن كون الثروة والتراث حصيلة الإنسانية كلها حتى خلال مراحل‬ ‫انقسامها‪ .‬ولا تفاضل بينهم عند الله إلا بالتقوى أي بالتعمير بقيم الاستخلاف موضوع‬ ‫الرسالة الفاتحة والخاتمة (الإسلام)‪.‬‬ ‫والاستدلال على هذه الرؤية سيكون أولا بالذهاب مما يبدو منافيا لها أعني من الدولة‬ ‫الجزئية أي دولة جزئية يتوفر فيها التعريف الذي قدمته بإضافة الصفتين أي الملكية‬ ‫والسيادة لأن ما سأقوله لا ينطبق على المحميات التي لا يملك شعبها الأرض وليس له سيادة‬ ‫على حكمها‪ .‬فهؤلاء ليس لهم دولة أصلا وهم ليسوا أحرارا بل هو مثل المحمية التي‬ ‫يعيشون فيها تحت تصرف الحامي‪.‬‬ ‫فالدولة حتى وهي جزئية‪ -‬أي تملك قطعة من الأرض خلال مدة من الزمان‪-‬ولها شيء‬ ‫من السيادة وجودها نفسه يثبت أنها تكون مقصورة على حدود ما تملكه من الأرض ليس‬ ‫بوصفها دولة بل بوصفها واحدة من الدول التي لها القوة على تقاسم الأرض وتقاسم‬ ‫السيادة عليها في مدة من الزمن‪.‬‬ ‫ومن ثم فهي تشعر دائما بأنها دون حقيقتها وأن وجودها بالفعل ناقص بالقياس إلى‬ ‫وجودها بالقوة والعلة هي توازن القوى في تقاسم المكان وتقاسم الزمان بين الدول الجزئية‬ ‫التي تسعى كل واحدة منها إلى أن تكون الدولة الكونية‪.‬‬ ‫وذلك هو منطق ما يمكن اعتباره جوهر السياسة الدولية وعلة الحروب بين الشعوب‪ .‬وفي‬ ‫الحقيقة فإنه لا يوجد تاريخ جزئي‪ :‬كل التاريخ كوني‪ .‬فلا توجد لحظة منه يمكن فهمها‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من دون كل ما تقدم عليها حديثا وحديثا وما تأخر عليها حديثا وحدثا‪ .‬التاريخ الإنساني‬ ‫كما يعرضه القرآن الكريم وكما يعرض بذاته في الوجود الفعلي كوني بالجوهر‪ .‬وبذلك‬ ‫فالكلام على الخصوصية لا يكون إلا فكلور حول الفلكلور وليس فلسفة ولا دين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والأغرب من ذلك أن ما قلته عن الدولة الجزئية يصح حتى على الأفراد‪ .‬فتقاسم‬ ‫الفضاء في القرية أو في المدينة أو في الوطن بين الناس هو الموضوع الأول للتنافس على‬ ‫تحقق الذات‪ .‬فالكل يريد أن يملك أكبر قدر ممكن منها أو مما يرمز للقدرة على امتلاكها‬ ‫أي إن الفرد يتمنى أن تسع ملكيته كل شيء وأن يكون مالكا للمكان كله في الزمان كله‪.‬‬ ‫وهذا الذي يسمى \"ظلما\" بالاصطلاح القانوني لأن فيه تجاوزا على حقوق الغير هو في‬ ‫الحقيقة نفس الـحقوق ما يعني أن كل ظالم يشعر بأنه ظالم لأنه مباشرة يشعر بأنه كان‬ ‫يمكن أن يكون في مكانه أمام من هو أقوى منه فيكون ذلك عين معيار العدل‪ .‬فكل فرد‬ ‫يتمنى أن يكون \"رب\" العالم وهو معنى حب التأله من حيث دلالته الوجودية وهو عين نسيان‬ ‫أن منزلة الإنسان هي الخلافة وليس الربوبية‪.‬‬ ‫وإذن فتعريف الإنسان باستعماره في الأرض لو اقتصرنا عليه من دون الاستخلاف وقيمه‬ ‫يصبح عين الايديولوجيا الأمريكية وهو الحقوق والواجبات الناتجة ليس عن هذه القيم‬ ‫بل عن توازن القوى بين المتنافسين على نفس الشيء فلا يبقى محركا غير القوة وتوازناتها‬ ‫وهو المعنى الفاسد من السياسة التي يعارض معناها الإسلامي من حيث هو استراتيجية‬ ‫توحيد البشرية بالأخوة والمساواة‪ .‬وحقيقة ما يفعله الأمريكان حقيقة يقرها القرآن‬ ‫بوصفها نصف الحقيقة التي يقرها والتي يكون نصفها الثاني هو علاج نصفها الأول لأنه‬ ‫من دونه يجعل ما يظن تعميرا تدميرا‪ .‬ذلك أن الإسلام وضع فوق الاستعمار في الأرض‬ ‫شرط جعلها خاضعة لنظام يخضع له هذا النصف المنحرف بانفصاله عن قيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫فالإنسان ليس مكلفا بالاستعمار في الأرض فحسب بل هو مكلف بالاستعمار فيها بقيم وضعها‬ ‫خالقه وفوض له تحقيقها‪ .‬وذلك هو معنى الاستخلاف ووظيفته‪ .‬والسياسة هي استراتيجية‬ ‫الإسلام في التربية دون وساطة وفي الحكم دون وصاية لإيصال الإنسان إلى هذه الرؤية‬ ‫عقدا وتحقيقا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫خطأ المسلمين الحاليين هو أنهم ظنوا قيم الاستخلاف يمكن أن يحققها فاقد الشرط الأول‬ ‫أي تعمير الأرض‪ .‬الاستخلاف القرآني لا يتحقق لمن كان أعزل‪ .‬ومن ثم فلن نستطيع‬ ‫الصمود أمام مدمري الأرض أو من يتوهمون تعميرها من دون قيم الاستخلاف بمجرد قيم‬ ‫الاستخلاف العزلاء بل لا بد من تحقيق المهمتين معا‪.‬‬ ‫وذلك هو معنى دفع الله الناس بعضهم ببعض لمنع الفساد في الأرض والصراع الديني‪.‬‬ ‫وهو مفهوم أخطأ الإسلاميون فجعلوه من جنس الصراع الهيجلي والماركسي بمجرد أن‬ ‫عوضوه بمفهوم يتنافى معه تماما أعني مفهوم التدافع‪ .‬فالمشاركة فيه تعني نفي دور الله في‬ ‫التاريخ إذ المتدافعان في هذه الحالة يتدافعان دون طرف ثالث فوقهما ولا يمكن حينئذ أن‬ ‫نعلم لا علته ولا التمييز بين الظالم والمظلوم حتى تحسم القوة بينهما‪.‬‬ ‫والآيتان اللتان تقران الجهاد القتالي الهجومي وليس الدفاعي فحسب بمعنى جنيس لحق‬ ‫التدخل في القانون الدولي الحديث بشرط أن يكون صادقا لا تتعلقان بالتدافع بل بدفع‬ ‫الله الناس بعضهم ببعض‪ .‬وله علتان لا غير‪:‬‬ ‫‪ .1‬الفساد في الأرض وأهمه الاستضعاف‪.‬‬ ‫‪ .2‬وتهديم المعابد أيا كان الدين‪.‬‬ ‫وتلك هي دلالة آية الردع أو إرهاب الأعداء بمعنى فرض السلم أو الهدنة المؤقتة بين‬ ‫البشر للانتقال من التنافس العنيف على تقاسم الأرض والسلطان عليها إلى البداية التي‬ ‫هي الغاية أي ما حددته النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬لأن الإنسانية أمة واحدة ولأن تعميرها‬ ‫بقيم الاستخلاف فرض عين على كل إنسان‪.‬‬ ‫وبذلك أفهم ظاهرة غريبة‪ .‬وهي أنه حتى أعداء الإسلام لا يمكنهم أن يفعلوا إلى بعض‬ ‫ما يأمر به وخاصة النصف الأول من مهمة الإنسان أي التعمير حتى وإن اكتفوا بوجهه المادي‬ ‫فيفرضون على المسلمين محاكاتهم فيها ولا يستطيعون إزهادهم في القسم الثاني من مهمة‬ ‫الإنسان لأنها هي الغاية والباقي أدوات‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فيمكنني مثلا أن أدرس في فرنسا وأن أرسل إبني للدراسة في أمريكا إذا كنت قد غذيته‬ ‫بقيم الاستخلاف كما حددها القرآن قبل ذلك ولا أخاف عليه من أن ينحرف خلال تحصيله‬ ‫ما ينقصنا حاليا أي شروط تعمير الأرض لأن علماءنا‪ -‬هداهم الله‪ -‬تصوروا علوم الدين‬ ‫لا تتضمن علوم الدنيا شرطا في كونها علوما‪.‬‬ ‫وليس هذا من اختراعي‪ .‬فالقرآن الكريم صرح بأن تبين حقيقة القرآن لا يكون بشرح‬ ‫ألفاظ نصه بل برؤية آيات الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) والأنفس (تفاعلهما في كيان‬ ‫الإنسان وفي الحضارة التي يبدعها) لكنهم تركوا فصلت ‪ 53‬وغرقوا في ما نهوا عنه في آل‬ ‫عمران ‪ 7‬بدعوى الرسوخ في العلم لكان الرسوخ مهما بلغ يمكن أن يصبح محيطا فيقبل‬ ‫العطف على علم الله‪.‬‬ ‫فكان المآل هو ما وصفته آل عمران ‪ 7‬أي سيطرة زيغ القلوب وابتغاء الفتنة ومعارك‬ ‫الديكة بين أدعياء الرسوخ في العلم بتكديس الخرافات التي يسمونها علوما وهي من أتفه‬ ‫ما يمكن للعقل الإنسان أن يفكر فيه إذا كان مدركا لحدوده فلا يدعي الرجم بالغيب حتى‬ ‫لو كان ملحدا فضلا عمن يقرأ القرآن ليلا نهارا أو يسمعه على الأقل خمس مرات في اليوم‪.‬‬ ‫وهذه العاهة أصابت بعض الشباب الذين وجدوا في \"الدعوة\" أصلا تجاريا فصاروا يفتون‬ ‫في كل خلطا بين حفظ بعض المدونات والاطلاع على بعض الكتابات والعلم وهي نكبة لا‬ ‫دواء لها لأنها في آن صارت مصدرا للوجاهة والثروة مثل كرة القدم‪ :‬وسأسميها من اليوم‬ ‫كرة اللسان والهذيان‪.‬‬ ‫والنتيجة هي أن الأمة صارت عزلاء فلم تعد مالكة للأرض لأنها عاجزة عن حمايتها وهي‬ ‫عاجزة عن ذلك لأن من لم يعمرها لن يجد بماذا يحميها‪ .‬وذلك هو معنى التراتب في‬ ‫الانفال ‪ .60‬فالقوة بالمعنى الذي ينتج عن التعمير والاستخلاف ثم رباط الخيل بمعنى أن‬ ‫القوة التي تحمي ما تحصله القوة الأولى من سلطان على ملكية بعض المكان بما فيه من‬ ‫شروط القيام لبعض الزمان‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وملكيتك لبعض الأرض مؤقتة لأنها ذات حدود تتقاسمها مع مالك آخر ينافسك عليها‬ ‫لأن الغاية عنده وعندك واحدة وهي ملكية الأرض كلها بوصفكما إنسانين استعمركما الله‬ ‫فيهـا واستخلفكما عليها‪ .‬فإذا لم تكن مسلما فتحققه بتقاسم الأخوة والمساواة يكون ذلك‬ ‫بالصراع عليها سواء كنت البادئ أو هو‪ .‬ولذلك فـحدود الملكية للأفراد أو للجماعات أو‬ ‫للدول متغيرة دائما بتغير توازن القوى في غياب قيم الاستخلاف التي تلغيها بجعل البشر‬ ‫إخوة ومتساوين‪.‬‬ ‫يوجد إذن منطقان لتحقيق هذه الغاية‪ :‬إما منطق الغزو وهو الحالي ويؤدي إلى التدمير‬ ‫المتبادل وخاصة الآن إذ لو حدثت حرب فإنها ستكون نووية ومن ثم فهي تدمير متبادل‬ ‫مطلق يشمل المعمورة أو منطق الفتح المتبادل الذي شرع فيه الإسلام وانحرف عنه بسبب‬ ‫تغليب السياسي على الروحي فيه كما هو معلوم‪.‬‬ ‫فقد صار الحكام يفضلون بقاء الناس غير مسلمين حتى لا تقل الجباية ومن ثم صار الفتح‬ ‫غزوا‪ .‬ومعنى ذلك أن الفاتح لم يعد يستطيع أن يقول صادقا‪:‬‬ ‫‪ .1‬جئنا لنحرركم من عبادة العباد‪.‬‬ ‫‪ .2‬إلى عبادة رب العباد‪.‬‬ ‫‪ .3‬فإن أسلمتـم كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا‪.‬‬ ‫‪ .4‬وإلا فالجزية وإن منعتونا من الفتح‪.‬‬ ‫‪ .5‬كان الحل هو الحسم بقانون القوة‪.‬‬ ‫طبعا هذا الفهم المخمس للفتح لم يكن بهذا الوعي إلا بصورة مبهمة عند رسول جيش‬ ‫الفتح لقائد الفرس لكن ما فيه يوجب أن يكون القصد من \"لكم ما لنا وعليكم ما علينا\" هو‬ ‫معنى النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬حتى وإن كان الفقهاء بسخفهم اعتبروا ما يترتب عليهما في‬ ‫البقرة ‪ 62‬والمائدة ‪ 69‬والحج ‪ 17‬قد نسخ‪.‬‬ ‫ونسخ معه البقرة ‪ 256‬ونسخ معه المائدة ‪ 48‬أي مفهوم التسابق في الخيرات المشروط‬ ‫بتعدد الشرعات والمنهاجات وبالتعدد الديني حتى يختار الإنسان دينه الذي لا يمكن أن‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يكره عليه لأن شرطه أن يتبين له الرشد من الغي فيكفر بالطاغوت ويؤمن بالله‪ :‬أي شعار‬ ‫الفتح‪ :‬من عبادة العباد إلى عبادة ربهم‪.‬‬ ‫وأسلم بأن الفكرتين عسيرتا الاستيعاب‪ .‬فكرة حقيقة الدولة أنها كونية وموجودة بالقوة‬ ‫في الدولة الجزئية وكونيتها هي عين بدايتها وعين غايتها كما يعرفها الإسلام وهي بنية‬ ‫مجردة ثابتة وما يتطور هو النظام الذي يعين نظام القوامة وسلطان القيمين عليها وهو ما‬ ‫حدده اليونان‪.‬‬ ‫والفكرة الثانية هي أن مفهوم الدولة الكونية بداية وغاية موجود بالقوة في الدولة‬ ‫الجزئية وبالفعل في مفهومها وفي غاية تاريخها لم يسبق أحد الإسلام فيها ولم يتبعه فيها‬ ‫إلى الآن أحد بمن في ذلك علماء الإسلام رغم أن التاريخ الكوني يثبتها في الدولة الجزئية‬ ‫وفي الدولة الكونية التي هي الآن حاصلة في ما يسمى عولمة وإن بتجسد منقوص‪.‬‬ ‫فيمكن اعتبار الأمم المتحدة محاولة لشيء يشبه الـدولة الكونية التي تشمل الإنسانية‬ ‫ولكن بتجسد منقوص ويمكن اعتبار الكلام على السلم الكونية عند كنط يوحي بشيء من‬ ‫الفكرة ‪-‬لأن السلم الكونية مستحيلة التحقق من دون سلطة كونية يعتبرها هيجل سخافة‪-‬‬ ‫رغم أن كنط لم يشفع فكرته بالكلام على دولة كونية‪ .‬والامم المتحدة ليست دولة كونية‬ ‫في غياب شرطي الدولة اللذين أضفتهما لتحديد الدولة أي ملكية الأرض والسيادة عليها‬ ‫وهما شرطان حاصلان للأقوياء فيها وهم فعلا مالكون للأرض وذوو سيادة عليها بمنطق‬ ‫توازن القوى وليس بمنطق الأخوة والمساواة‪ .‬واثبات الفكرتين له مستويان‪:‬‬ ‫‪ .1‬بيان الوجود وهو أمر تاريخي يسير العلاج‪.‬‬ ‫‪ .2‬بيان وجوبه وهو أمر مفهومي عسير العلاج‪.‬‬ ‫فلا أحد يمكن أن يشكك في وجود شيء من الفكرة الأولى في القرآن ونظرية الفتح‪ .‬ولا‬ ‫أحد يمكن أن يشكك في وجود الأمم المتحدة وفي طموح الكثير بالا تبقى أداة سيطرة بيد‬ ‫الأقوياء بل أمل الجميع أن تكون دولة كونية يحتكم إليها الجميع لتحقيق العدل والمساواة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والمشكل هو إذن مع المفهوم أي مع ما يتضمن دلالة لا تكتفي بوجود الواقعة بل بشرعية‬ ‫وجودها من حيث مفهومها أو من حيث التناغم بين المفهومي والتاريخي أو بلغة ابن تيمية‬ ‫دلالة المعاني الكلية الرامزه في الأذهان لما تشير إليه في الاعيان بصورة يشترك فيها بنو‬ ‫الإنسان من ذوي الوجدان والفرقان‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أن خطابي لا يتوجه إلى المسلمين وحدهم بل لكل إنسان من ذوي الوجدان‬ ‫‪-‬مدرك قيم المعاني‪-‬والفرقان‪-‬مدرك المعاني‪-‬من حيث هي رامزة لما يدركه الإنسان من‬ ‫حيث هو إنسان بوصفه المرموز في الوجود من شروط قيام الإنسان من حيث هو إنسان مكلف‬ ‫بالتعمير والاستخلاف ومجهز لتحقيقهما فطرة واكتسابا‪.‬‬ ‫وهو في الحقيقة ليس خطابي بل هو خطاب بدأ في مستوى الفكر الفلسفي منذ أن كتب‬ ‫ابن خلدون المقدمة واختار لها ذلك العنوان العجيب \"علم العمران البشري و(علم)‬ ‫الاجتماع الإنسان\" مشفوعا بتعريف للإنسان جدير بالملاحظة لكونه غير مسبوق في تاريخ‬ ‫الفكر الإنسان بل وغير ملحوق لأنه النفي القطعي لرؤية هيجل وماركس \"رئيسا بطبعه‬ ‫بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" وبمفهوم \"معاني الإنسانية\" صلاحا وفسادا‪.‬‬ ‫فمن يتمعن هذه المعاني الخلدونية يفهم أنه لم يترك لي شيئا أضيفه غير وصل هذه‬ ‫الأمور لأستخرج منها ما لزم عنه ما فيها وما يلزم عما فيها وما فيها الواصل بين شرطه‬ ‫ومشروطه فنعلم أن المقدمة ترجمة علمية لمفهوم الدولة الكونية مطبق على الدولة الجزئية‬ ‫أيا كانت بمنطق وحدة الديني والفلسفي‪ .‬ووحدة الديني والفلسفي نوعان‪:‬‬ ‫• تلك التي يقول بها هيجل والتي يكفي فيها رد التاريخ الحضاري للتاريخ الطبيعي‬ ‫للإنسان فردا وجماعة ووصفه بكونه صراع أرواح الشعوب‪.‬‬ ‫• وتلك التي يقول بها ابن خلدون نقيض تام لرؤية هيجل وماركس كما يتبين من‬ ‫استراتيجية تحرير الإنسانية من هذا الصراع بالنساء ‪ 1‬والحجرات‪.13‬‬ ‫وهذا التقابل هو تقابل الاستراتيجيات الأربع التي درستها سابقا والتي تقابلها‬ ‫استراتيجية الإسلام الواحدة والتي تحرر منها بمجرد ردها إلى استراتيجية دين ا لعجل في‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫التربية والحكم وهي مشتركة بين الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا التي هي ثيوقراطيا‬ ‫معلمنة‪ .‬فيرد التقابل إلى فلسفتين في الدين والفلسفة وفي رؤيتهما للتاريخ الإنساني إما‬ ‫بوصفه مردودا إلى التاريخ الطبيعي أو متحررا منه‪:‬‬ ‫‪ .1‬استراتيجية ترد التاريخ الخلقي للإنسانية إلى التاريخ الطبيعي بمعنى تقديم‬ ‫الضرورة الشرطية على الحرية الشرطية‪.‬‬ ‫‪ .2‬واستراتيجة تسمو على هذا الرد فتقدم الحرية الشرطية على الضرورة‬ ‫الشرطية لئلا يصبح التاريخ الطبيعي تدميرا بدلا التعمير لأنه ليس استخلافيا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫عندي إذن خمس معان رامزة لمرموز واحد في رؤية وحدة الديني والفلسفي عند ابن‬ ‫خلدون‪:‬‬ ‫‪ .1‬وحدة الديني والفلسفي‪.‬‬ ‫‪ .2‬ما تلزم عنه‪.‬‬ ‫‪ .3‬ما يلزم عنها‪.‬‬ ‫‪ .4‬معاني الإنسانية‪.‬‬ ‫‪ .5‬مفهوم الإنسان‪.‬‬ ‫وهذه المعاني الرامزة هي مضمون المقدمة ويمكن استنتاجها بيسر من انثروبولوجيته أو‬ ‫من مفهوم الإنسان كما عرفهما بهما‪.‬‬ ‫فهو يعرف الإنسان بكونه \"رئيسا بطبعه (الفلسفي) بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له‬ ‫(الديني)\"‪ .‬وقد قدم \"بطبعه\" على \"بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" بوصفه متعلقا‬ ‫بأدوات الرئاسة أي التجهيز الإنساني ليكون رئيسا في مهمتيه ومؤخرا الثاني عن الأول‬ ‫بوصفه الغاية التي اقتضت ذلك التجهيز لتحقيق تلك الغاية بتلك الأداة‪.‬‬ ‫لا وجود لما يثبت أن ذلك كان بوعي بين بهذه العلاقات‪ .‬لكني لا أتصور أبن خلدون غافلا‬ ‫عن دلالة ما يكتب‪ .‬ومن ثم فسأفترض انه قصد ما كتب‪ .‬وقد لا أكون بحاجة إلى‬ ‫الافتراض لأن مفهوم \"معاني الإنسانية\" وخاصة فسادها يثبتان أن الرجل كان شديد الوعي‬ ‫بهذه العلاقات وحتى وإن لم ترد نصا في المقدمة لأنها كما بينت مسودة نظرية وليست‬ ‫نظرية أتم صاحبها صوغها النسقي‪.‬‬ ‫فاتباع \"بطبعه\" بـ\"بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" من عجائب الجمع بين الفلسفي‬ ‫والديني‪ .‬لكنه جمع يحدد التراتب بين البعدين من خلال كلمة بـ\"مقتضى\"‪ .‬فالمعنى أن‬ ‫الرئاسة بالطبع يقتضيها كون الإنسان خليفة فيصبح الاستخلاف غاية وبالطبع أداة‪ .‬وما‬ ‫بالطبع تابع للضرورة الشرطية وما بالاستخلاف تابع للحرية الشرطية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فيكون القانون الطبيعي أداة السنة التاريخية‪ .‬وهو قلب تام للنظرية التي تجعل التاريخ‬ ‫الخلقي للإنسان تابعا للتاريخ الطبيعي‪ .‬ولهذه العلة اعتبرته ممثلا لضديد الهيجلية‬ ‫والماركسية‪ .‬ومن ثم فما في الإنسان من تجهيز طبيعي وما في العالم من قوانين طبيعية وهي‬ ‫من الضرورة الشرطية قابلة كلها لأن تكون أدوات للسنن الخلقية وهي من الحرية الشرطية‬ ‫لأن الإنسان خلق للخلافة (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني)‪.‬‬ ‫فإذا عكس فصار الاستخلاف أداة والتعمير غاية حصل الخسر الذي هو فقدان \"التقويم‬ ‫الأحسن\"‪-‬ومن ثم فهو ليست تعميرا بل تدمير وهو معنى النزول من التاريخ الذي تحكمه‬ ‫الحرية الشرطية إلى التاريخ الذي تحكمه الضرورة الشرطية أو من تاريخ الإنسان‬ ‫بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له إلى تاريخ الإنسان الذي يكون بطبعه سيدا لا رئيسا‬ ‫بـمعنى صراع السيد والعبد الهيجلي والماركسي‪.‬‬ ‫ومعلوم أن ابن خلدون يميز بين الرئاسة والسيادة‪ .‬فالأولى تراتب خلقي ينتج عن‬ ‫الاستخلاف وهو ينصدر عمن يصف غيره بالرئاسة اعترافا بسموه الخلقي وليس خضوعا‬ ‫لعنف قوته‪ .‬والثانية تراتب قوى ينتج عن صراعها‪ .‬وتلك هي علة رفضي لعبارة \"التدافع\"‬ ‫التي يكررها الإسلاميون ولا يدرون أنهم يرددون مفهوما هيجليا ماركسيا‪ .‬فالمشاركة في‬ ‫التدافع صراع في غياب سلطان أعلى الذي هو الله الدافع في القرآن‪.‬‬ ‫والقرآن كما هو معلوم وبين يستعمل في حالتي معنى الدفع وبنسبته إلى الله كما في‬ ‫التاريخ الخلقي ولم يتكلم على تدافع بين متصارعين كما في التاريخ الطبيعي‪ .‬والتنافس‬ ‫يستعمله القرآن بدلالة التسابق في الخيرات وليس بمعنى الصراع من أجل شيء‪ .‬لكن‬ ‫المعلوم أن الإسلاميين يتوهمون بحمق أن زعماءهم السياسيين علماء أيضا أو أن علماءهم‬ ‫زعماء سياسيون أيضا‪ .‬وذلك هو سر كل نكباتهم في كل تاريخهم السياسي نظرا وممارسة‪.‬‬ ‫كيف يثبت مفهوم معاني الإنسانية وخاصة مفهوم فسادها أن ابن خلدون كان شديد‬ ‫الوعي بما نحن بصدده؟‬ ‫ألم يرد فساد معاني الإنسانية إلى التربية والحكم العنيفين؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ألم يعتبر فساد معاني الإنسانية نفيا لرئاسة الإنسان بالطبع وبمقتضى الاستخلاف الذي‬ ‫خلق له أي قتلا لأدوات التعمير ولغايات الاستخلاف؟‬ ‫أليست التربية والحكم هما وظيفتا الدولة من أجل الرعاية والحماية وبهما يعلل ابن‬ ‫خلدون حاجة الإنسان إلى الدولة والسياسة؟ وهل يمكن للدولة والسياسة أن تعتبر الحدود‬ ‫الترابية كافية لمنع التداخل بين مفاعيلها ومفاعيل جنسائها عند الأمم الأخرى ذات الدول‬ ‫المحيطة بها في المكان وفي الزمان؟‬ ‫فالسياسي والثقافي مثله مثل الأنواء والامراض لا يعرفان الحدود بين المتساوقين‬ ‫والمتوالين في تاريخ البشرية وذلك بسبب وحدة المكان والزمان وما يترتب على تفاعلهما‬ ‫من وحدة الثورة والتراث في المعمورة رغم تعدد الدول ا لجزئية والمرجعيات المختلفة‪.‬‬ ‫وكلما سمعت متكلما يبالغ في إيلاء أهمية زائدة عن اللزوم للخصوصيات أعلم أنه يخلط بين‬ ‫الفلكلور الأسلوبي ووحدة الديني والفلسفي التي هي معان كلية لا يمكن تصورها عائدة‬ ‫إلى الخصوصيات‪ .‬ولذلك فكل دولة لها وجهان مثل جانوس‪:‬‬ ‫• وجه للداخل‪.‬‬ ‫• ووجه للخارج‪.‬‬ ‫وهو معنى الحدود التي لا تحد من شيء في مجال التفاعل بين المتساوقين والتوالين في‬ ‫الزمان والمجاورين أو المباعدين في المكان‪ .‬فليس المكان فحسب بل وكذلك في الزمان كلاهما‬ ‫لا تحدهما حدود في تاريخ الإنسانية‪ .‬فكل جماعة زمانيا ليست في علاقة بمعاصـريها فحسب‬ ‫بل هي وريثة من سبقها وموروثة من يليها‪ .‬وكل جماعة مكانيا ليست في علاقة بأجوارها‬ ‫فحسب بل هي وريثة كل البشرية في كل ما أبدعته مما يسد حاجتها من حيث هي من شروط‬ ‫وجود الأنسان وبقاء النوع‪ .‬وإذن فكل دولة مهما كانت جزئية فـمكانها كل المعمورة وزمانها‬ ‫كل تاريخ الإنسانية‪ .‬وذلك بالقوة على الأقل‪.‬‬ ‫وإذن فاعتبار الإسلام أول من عرف الدولة بكونها لا تكون إلا كونية بداية وغاية وأنها‬ ‫حتى في ما بين البداية والغاية عندما تكون جزئية هي جزئية من حيث الوجود بالفعل لكنها‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من حيث الوجود بالقوة كونية وهي في صيرورة دائمة وقد تكون مناوسة بين الزيادة‬ ‫والنقصان لأنها ليست دون كونيتها إلا بسبب توازن القوى في تقاسم المكان والزمان بين‬ ‫الأمم وليس بسبب ذاتي‪.‬‬ ‫وما سميته ثورتي الإسلام في القرآن هو بعدا الاستراتيجية التي وضعها القرآن لتخليص‬ ‫الإنسانية من الانحطاط إلى التاريخ الطبيعي بالمعنى الهيجلي (صراع الأرواح وهو مصدر‬ ‫العنصرية التي تبدأ ثقافية وتنتهي عضوية) أو الماركسي (صراع الطبقات الذي يبدأ‬ ‫اقتصاديا وينتهي عضويا) من خلال بديلين هما الأخوة البشرية (النساء ‪ )1‬والمساواة بين‬ ‫البشر (الحجرات ‪.)13‬‬ ‫وذلك على النحو التالي الذي بياني له ليس لي فيه أدنى فضل لأنه في الحقيقة مجرد‬ ‫شرح لعنوان المقدمة ولتعريف الإنسان فيها وهو تعريف قرآني خالص ومتجاوز للأديان‬ ‫والفلسفات المحرفة‪ .‬ومن ثم فهو ما أقصده بوحدة الديني في كل دين والفلسفي في كل‬ ‫فلسفة بعد أن نحررهما من التحريف‪.‬‬ ‫فالدولة الكونية الواحدة المرسومة في ما فطر عليه الإنسان بداية والتي يسعى التاريخ‬ ‫السياسي والخلقي لجعلها حاصلة في الأعيان غاية بنية مجردة كما أسلفت تكون وظائفها‬ ‫خانات خالية‪-‬تنتظر الملء في التاريخ بالأنظمة السياسية التي تعين القيمين على تلك‬ ‫الخانات والقائمين بالوظائف التي أعدت لها‪ -‬فالأمم تملؤها بأنظمة تعيين القيمين عليها‬ ‫ونقد التحريف القرآني بمنهج التصديق والهيمنة للأديان يتعلق بها‪.‬‬ ‫وهي بذلك وكأنها تحقق الإنسان الرئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف فتنقله مما فطر‬ ‫عليه فطرة مرسومة في كيانه العضوي والروحي ليصبح متحققا في التاريخ الفعلي وذلك هو‬ ‫مجال الاستراتيجيا السياسية تربية وحكما‪ .‬وهو ما به عرفت القرآن الكريم بوصف الرسالة‬ ‫التي يبلغها للإنسانية هي \"استراتيجية التوحيد القرآنية ومنطق السياسة المحمدية\"‪.‬‬ ‫لكن تصنيف هذه الأنظمة القرآنـي غير التصنيف اليوناني كما في مسدس أرسطو الذي‬ ‫بناه بشكل بنيوي ‪-‬مصفوفة ماتريس‪-‬بعد تعديل طفيف لأفلاطون الذي عرضه بشكل‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫تكويني في الجمهورية‪ .‬فحاصل الضرب الديكارتي لأصناف عدد من بيدهم الحكم (ثلاثة‬ ‫امكانات واحد فقلة فكثرة) في أخلاقهم (امكانيتان فاضل راذل) يعطينا ستة أنظمة ثلاثة‬ ‫صالحة وهي الملكية والأرستوقراطية والجمهورية وثلاثة فاسدة هي أضدادها وهي‬ ‫الاستبداد والاوليغارشية والديموقراطية‪ .‬فتكون الديموقراطية أفسد الانظمة في نظر‬ ‫أفلاطون وأرسطو رغم بعض التلطيف الأرسطي للموقف الأفلاطوني منها‪.‬‬ ‫لكن القرآن صنف الأنظمة فقسمها إلى نوعين متقابلين كلاهما متنكر في بنية عميقة‬ ‫واحدة يشتركان فيها وينتجان اثنين آخرين بتفاعلهما ولهما أصل واحد هو إما دين العجل‬ ‫أو ما يحرر منه بمقتضى الاستراتيجيا القرآنية التي تلغي الوساطة في التربية والوصاية في‬ ‫الحكم‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأنظمة التي تدعي سياسة الجماعة باسم الله تربية (الوساطة) وحكما‬ ‫(الوصاية)‪ :‬مثالها إيران‪.‬‬ ‫‪ .2‬الأنظمة التي تدعي سياسة الجماعة باسم الإنسان تربية وحكم بنفس الوساطة‬ ‫والوصاية معلمنتين‪ :‬مثالها إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ .3‬أثر الثانية في الأولى في العمق لأن الله فيها صنم للخداع‪ :‬مثالها السعودية وكل‬ ‫الأنظمة العربية القبلية التي الدين فيها صنم‪.‬‬ ‫‪ .4‬الأولى في الثانية في العمق لأن الإنسان فيها صنم للخداع‪ :‬مثالها سوريا وكل‬ ‫الانظمة العسكرية التي الإنسان فيها صنم‪.‬‬ ‫‪ .5‬والأصل هو البنية العميقة أو الأبيسوقراطيا أي التربية والحكم ببعدي العجل‬ ‫وهو البنية العميقة للأربعة‪.‬‬ ‫وهذه البنية الخفية هي التي سميتها قياسا على نوعي الأنظمة كما يسميها أصحابها‬ ‫(ثيوقراطيا وانثروبوقراطيا أو ديموقراطيا) سميتها أبيسيوقراطيا (الأبيس هو العجل‬ ‫باليونانية) وأي نظام التربية والحكم ببعدي العجل معدنه وخواره‪ .‬و هو المشترك بين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الثيوقراطيا والانثربوقراطيا‪ :‬مثال ذلك إيران واسرائيل‪ .‬والأولى تعتمد خرافة الأسرة‬ ‫المختارة والثانية خرافة الشعب المختار‪.‬‬ ‫ويوجد نظامان آخران دون هذين في زعم السياسة باسم الله والسياسة باسم الإنسان‬ ‫لكنهما مثلهما يعودان إلى نظام العجل‪ .‬وهذان هما الموجودان عند العرب أعني الأنظمة‬ ‫التي تدعي القومية والأنظمة التي تدعي الإسلام‪ .‬فكلاهما مثل السابقين ولكن كأمر‬ ‫واقع‪ .‬فلا الإنسان ولا الله يغطي سوأتهما‪.‬‬ ‫ومزية هذا التحليل أنه يجعلني شبه غني عن ضرب الأمثلة من عندي لأن الأمثلة ماثلة‬ ‫للعيان‪ .‬ومن يدعي أنه لم يرها فهو أعمى البصر وليس البصيرة فـحسب‪ :‬نظام إيران‬ ‫وإسرائيل ونظام سوريا ونظام السعودية أمثلة الأولان صريحان والثانيان سوأتهما لا لا‬ ‫يمكن لأصحابهما أن يخفياها لا بالله ولا بالانسان‪ .‬والثانيان تابعان دائما للأولين‪.‬‬ ‫‪-20‬ويمكن أن أضيف نظاما سادسا وهو ليس نظاما مستقلا بل هو أصلها وهي فروعه إنه‬ ‫النظام الجامع للأربعة فيكون نظام العجل ببعديه المال والخوار هو البنية العميقة لهذه‬ ‫الأنظمة الخمسة التي ذكرتها‪ .‬وبذلك فما يقوله اليونان غير صحيح‪ .‬فعدد الأنظمة واحد‬ ‫لأنها جميعا واحدة ولا تختلف إلا في الظاهر‪ .‬واستراتيجية القرآن تحرر الإنسانية منها‬ ‫أيضا بنظام واحد يعالجها بوصفها تحريفات للديني والفلسفي‪.‬‬ ‫كيف ذلك؟‬ ‫يعالجها بردها جميعا إلى بنيتها الواحدة التي هي الابيسيوقراطيا التي وضعها السامري‬ ‫خلال غياب موسى عليه السلام‪ .‬وهو في القرآن هو محقق الحرية السياسة ضد عبودية‬ ‫السياسة بعمل الحرية الشرطية التي كانت رمز الثورة على الدكتاتورية السياسية تماما‬ ‫كان نوح محقق الحرية الاجتماعية بعلم الضرورة الشرطية التي كانت ثورة على‬ ‫الدكتاتورية الطبيعية‪.‬‬ ‫وكل هذه الانظمة السلبية وخاصة البنية العميقة في الإيراني والإسرائيلي والسوري‬ ‫والسعودي تجتمع في النظام الأمريكي فهو ثيوقراطي عقيدة وانثروبوقراطي ممارسة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وانثروبوقراطيته طائفية مثل السوري وثيوقراطيته مخالفة لدستوره مثل السعودية لأن‬ ‫السعودية لو كانت تطبق شرع الله كما تزعم لما كان حكمها مستبدا‪.‬‬ ‫وفي هذا النظام الجامع بينها كلها‪-‬الامريكي‪-‬تتجلى بوضوح الابيسوقراطية أعني أن‬ ‫السياسة فيها هي فعل لا يتجاوز سلطان المال وسلطان الخوار‪ .‬والغريب مال العالم كله صار‬ ‫خاضعا لعملتهم وفكر العالم كله صار خاضعا لخوارهم‪ .‬هم إذن العجل وهم يمثلون ربا‬ ‫الأموال وربا الأقوال‪ .‬وكلنا يعلم موقف الإسلام منهما‪.‬‬ ‫لذلك فالولايات المتحدة بوعي أو بغير وعي لا يمكن ألا تعتبر الإسلام ‪-‬على الأقل لموقفه‬ ‫من ربا الأموال‪-‬نظام البورصة والبنك العالمي‪-‬وربا الأقوال ‪ -‬نظام الإعلام والملاهي‬ ‫العالمي ‪-‬عدوها اللدود وأن تحاربه لكونه البديل الممكن لتحرير الإنسانية منهما‬ ‫باستراتيجية الأخوة والمساواة‪.‬‬ ‫وقد سبق فشرحت الثورتين التحريريتين اللتين تحرران الإنسان من استبداد الطبيعة‬ ‫واستبداد السياسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬فنوح حرر الإنسانية من عبودية الطبيعة بعلم الضرورة الشرطية فصنع الفلك‬ ‫واستنبت الزوجين من كل شيء‪.‬‬ ‫‪ .2‬وموسى حرر الإنسانية من عبودية السياسة بعمل الحرية الشرطية فبشر بدين‬ ‫الحرية وأسس الهجرة حلا للتحرر وهو معلوم في الإسلام ولا يحتاج للشرح‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بقي فصلان في المحاولة وخاتمة‪.‬‬ ‫وعلينا أن نحدد البنية المجردة الثابتة بالمعنيين‪ .‬فهي بنية واحدة في كل الحضارات وفي‬ ‫كل مراحل التاريخ‪ .‬وهي واحدة سواء في الدولة الجزئية أو في الدولة الكونية‪ .‬وهي بنية‬ ‫خالية من التعين في شعب معين بقيمين معينين يملؤون خاناتها الخالية أي بنظام معين غالبا‬ ‫ما يخلط بها وذلك ما اهتم به فكر اليونان‪ :‬الخلط بين نظام الحكم والدولة‪.‬‬ ‫وهذا الخلط هو كذلك ما ورثه فكرنا الفلسفي الوسيط‪ .‬وما ورثه الفكر الغربي الحديث‬ ‫لأن بنية الدولة المجردة عامة من حيث هي جهاز آلي يمكن الزعم بأنها فكرة لم تصبح‬ ‫موضوعا فلسفيا بحق إلى عند فشته‪ .‬وقد ورث فكرنا الفلسفي الحديث المعنى الغامض‬ ‫الذي يخلط بين الدولة ونظام الحكم الذي يستحوذ عليها‪.‬‬ ‫وقد أصبح الإسلاميون قابلين به باعتباره تأشيرة المشاركة في الحكم بالمنطق الذي وصفت‬ ‫والذي تدل عليه عبارة \"التدافع\" الهيجلية الثقافية الماركسية الاقتصادية أعني رد التاريخ‬ ‫الخلقي إلى الطبيعي‪ .‬ولولا هذا المآل في المرحلتين الوسيطة والحالية والذي اعتبره تخليا‬ ‫غير مسؤول عن ثورتي الإسلام اللتين بقتا غير مفهومتين لما كتبت حرفا في المسألة‪.‬‬ ‫ذلك أني أعلم أن ما اكتبه سيظل صيحة في واد ما لم يستعد المسلمون ثقتهم في أنفسهم‬ ‫ويتخلصوا من عقد من جهله بذاته في بحث المغلوب عن الغالب الدائم‪ .‬فتوهم الخيار‬ ‫الديموقراطي في شكله الغربي الحالي أعني نظام دين العجل (سلطان ربا الأموال وربا‬ ‫الأقوال) حلا يمكن أن يمكن المسلمين من الاستئناف إذا لم يكن مجرد بداية تنقلنا إلى‬ ‫مفهوم الدولة الكونية التي تناسب رؤية الإسلام فإن الكلام على إسلام سياسي لا معنى له‪.‬‬ ‫وسأبدأ ببيان هذه البنية بصورة عامة‪ .‬ثم أبين أنها عين البنية التي يحددها القرآن‬ ‫بمنطق طلب أي شيء حول حقيقة الرسالة خارجه أي في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس‬ ‫وليس في آيات نص الرسالة التي وصفتها بالسبابة المشيرة إلى حيث علينا أن نجتهد لفهم‬ ‫ممكن للوجود ونجاهد للتعامل معه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وأول عنصر من البنية المجردة هو أنه لا توجد جماعة بدون دستور هو نظام عوائدها‬ ‫وتقاليدها في كل أوجه حياتها المتصلة بالتعمير وقيمه في علاقتين متعامدتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬أفقية تنظم علاقات البشر داخل نفس الجماعة وخارجها مع الجماعات الأخرى‬ ‫المساوقة والسابقة واللاحقة في الزمان والمجاورة أو المقاسمة للمعمورة عامة في المكان‪.‬‬ ‫‪ .2‬عمودية تنظم علاقاتهم مع العالم الطبيعي والتاريخي في مكانهم وزمانهم‬ ‫وخارجهما بمعنى أن الجماعة بتوسط الانتساب إلى الإنسانية تحمل كل ثمراتها في علاقتها‬ ‫بالعالم جغرافيا وتاريخيا وليست في علاقة منفردة بهما‪.‬‬ ‫وهذا هو المفهوم الحقيقي للدستور سواء كان مكتوبا أو عرفا رغم أن الدساتير الحالية‬ ‫تكتفي بالعلاقة الأفقية في الغالب وهو امر يخالف صريح النصوص القرآنية التي تعتبر‬ ‫الفساد في الأرض لا يقتصر عليها بل يشمل الثانية‪ .‬لكن تطور العلاقة بالعالم وخاصة‬ ‫بسبب التلوث والمناخ جعل إدخال العلاقة العمودية ضرورة لا بد منها وصار لها قوى سياسية‬ ‫تدافع عنها بحيث إن الدساتير ستتضمن في المستقبل هذه العلاقة‪.‬‬ ‫فلنعتبر هذه الخانة الأولى ‪-‬الدستور بهذا المعنى‪-‬مستمدا من شيئين قبله ومصدرا‬ ‫لشيئين بعده‪ .‬فما قبله؟ شيئان هما‪:‬‬ ‫‪ .1‬خانة القوى السياسية وهي دائما متعددة رغم أن الجماعة واحدة وهي أيضا خانة‬ ‫خالية بمعنى أن ما يلؤها أو قيمها تتعين بحسب الجماعات مثال ذلك ان القوى السياسية‬ ‫كانت في الغالب العصبيات القبلية وصارت الأحزاب لكنها لم تلغ العصبيات القبلية وحتى‬ ‫المناطقية والطبقية إلخ‪ ...‬من أنواع الاتحاد المكون للقوى السياسية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وخانة المرجعية التي تجعلها ممثلة لإرادة الجماعة التمثيل الذي يتأسس في‬ ‫المرجعية التي بها ترى الجماعة نفسها نفس الجماعة في المكان وفي الزمان وغالبا ما تكون‬ ‫هوية ثقافية وهي تترجم عن نفسها إما بتصورات دينة أو فلسفية أو ما شئت من أنواع‬ ‫الترجمة وهي تترجم عن نفس الشيء أعني المرجعية التي تجعل الجماعة تعتبر نفسها‬ ‫نفس الجماعة خلال المكان والزمان‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وما بعده؟‬ ‫خانتان خاليتان كذلك يترتبان على القوى السياسية وعلى المرجعية بمقتضى الدستور‪:‬‬ ‫‪ .3‬نظام خانات خالية لسياسة الشأن العام حكما ومعارضة بحضور القوى السياسية‬ ‫المؤدية لهذين الدورين‪.‬‬ ‫‪ .4‬نظام خانات خالية تحدد وظائف الدولة العشر وكلها خانات خالية كالمتغيرات‬ ‫يملؤها قيمون بنظام تعيينها الذي هو نظام الحكم‪.‬‬ ‫‪ .5‬والقلب هو الدستور أو البنية العامة التي تترتب على ما قبلها ويترتب عليها ما‬ ‫بعدها وهي تعبر عن رؤية الجماعة للدولة رؤية غائمة تترجمها في النظام التي هو الانتقال‬ ‫من هذه الرؤية الغائمة للبنية المجردة إلى نظام معين ينظم حياتها السياسية بمعنى نظام‬ ‫تكوين أجيالها وتموينهم من أجل رعاية ذاتها وحمايتها بإبداع شروط الرعاية والحماية‪.‬‬ ‫وسنرى أن فلسفة السياسة اليونانية‪ -‬وهي بنحو ما لم تتغير إلى الآن‪ -‬تتعلق خاصة‬ ‫بأنظمة الحكم وليس بالدولة بالمعنى الذي أعرفه هنا‪ .‬فالدولة من جنس العبارة الرياضية‬ ‫ذات المتغيرات التي تتعين في أنظمة حكم مختلفة وهذه الانظمة التي تشبه قيم المتغيرات‬ ‫هي التي تتطور وتتغير‪ .‬لكن العبارة الرياضية المجردة هي التي أصف ثابتة ولا تتغير‬ ‫لأنها عين شروط وجود الإنسان القائمة في ذاته وفي العالم أعني كيانه العضوي ووعيه‬ ‫بذاته أو كيانه الروحي في علاقة بما يقيمه في العالم بشرط التعمير بقيم الاستخلاف أو‬ ‫بعدها فيكون تدميرا رغم كونه يبدو تعميرا‪ .‬فلنتقدم في الوصف‪.‬‬ ‫والسؤال الآن هو‪ :‬كيف تتحدد وظائف الدولة ليس من حيث تعيين القيمين عليها بل من‬ ‫حيث هي صورة خالية من القيمين أعني خانات خالية ‪-‬كاز فيد ‪ -Cases vides‬تؤدي وظيفة‬ ‫المتغيرات في العبارات الرياضية؟ وقيمها هي ما يحدده نظام الحكم الذي يحدد نظام تعيين‬ ‫القيمين عليها بملئها بمن يقوم بوظائف الدولة نيابة عن الشعب‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وتلك هي عناصر المفهوم الحقيقي أو المعاني الرامزة إليه بالاصطلاح التيمي عناصر‬ ‫الشأن العام الذي يـرمز إلى مفهوم الإنسان فردا وجماعة في الداخل والخارج ومن حيث‬ ‫هو لا يستمد حياته إلا‪:‬‬ ‫‪ .1‬من المكان أصل الثروة خلال زمان العمل المنتج في جماعة معينة تعمل بما تراكم‬ ‫لديها من جهاد الإنسانية كلها للتعمير‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومن الزمان أصل التراث في نفس المكان لجماعة معينة تعمل بما تراكم لديها من‬ ‫اجتهاد الإنسانية كلها للاستخلاف‪.‬‬ ‫ويوحد هذه العناصر الأربعة التي هي أحياز وجود الجماعة المرجعية التي تجعلها تلك‬ ‫الجماعة الواحدة في المكان \"الواحد\" أي جغرافية الجماعة والزمان «الواحد» أي تاريخ‬ ‫الجماعة ليس بحد ذاتها بل بوصفها تلك الجماعة مع ما ورثته من شروط الحياة والبقاء‬ ‫المادي والروحي للإنسانية كلها‪.‬‬ ‫فالإنسان يستمد حياته من المكان (الغذاء والماء والهواء) ومن الزمان (تواصل النوع)‪.‬‬ ‫وهذان أمران يجمعان بين الداخل والخارج ولا يفرقان بينهما بالحدود بين الجماعات إذ‬ ‫الداخل يمكن أن يكون على ما كانت عليه قبائل جاهلية العرب في حرب دائمة عليهما ويمكن‬ ‫أن يكون من جنسه بين الدول المتجاورة لأن الحروب علتها تقاسم المكان والزمان‪.‬‬ ‫وحتى أشرح ذلك وضعت نظرية الأحياز الخمسة‪:‬‬ ‫‪ .1‬المكان‬ ‫‪ .2‬والزمان‬ ‫‪ .3‬وأثر المكان في الزمان أو الثروة التي هي ذخيرة للبقاء العضوي (الاقتصاد)‬ ‫‪ .4‬وأثر الزمان في المكان أو التراث الذي هو ذخيرة للبقاء الروحي (الثقافة)‪.‬‬ ‫‪ .5‬وما كانت هذه الأحياز الأربعة تفعل مفعولها من دون تحقيق وحدة المكان ووحدة‬ ‫الزمان وتلك هي وظيفة المرجعية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فالمرجعية أيا كان شكلها هي دائما تحديد للعلاقتين الأفقية بين البشر داخل الجماعة‬ ‫وخارجها والعمودية بينهم وبين العالم داخل الجماعة وخارجها‪ .‬وللعلاقتين وما وراء ما‬ ‫سواء كان دينا أو فلسفة ومن ثم فالأحياز خمسة والمرجعية هي أصل الاربعة الأولى التي‬ ‫هي فروع عنها وهي خانات خالية تحدد وظائف الدولة تحديدا مجردا في شكل خانات تملؤها‬ ‫الجماعات بأنظمتها السياسية تربية وحكما لتكون قادرة على التعمير بقيم الاستخلاف أو‬ ‫بدونها فيصبح تعميرها تدميرا من حيث لا تعلم‪ :‬والقرآن يعتمد في الدعوة الى الله‬ ‫بالمقابلة بين هذين السلوكين في تاريخ البشرية‪.‬‬ ‫فما هي خانات وظائف الدولة الخالية من القيمين عليها والتي تملؤها الجماعات بفضل ما‬ ‫يحدده نظامها السياسي في تقسيم عمل القيمين على الشأن العام كما حدده الدستور الذي‬ ‫هو نظام العادات والتقاليد في الجماعة الحرة والمستقلة أي ما حصل في تاريخها من تجربة‬ ‫لرعاية شأنها بنفسها من دون عقد مغلوب بغالب؟‬ ‫لا أحد يمكن أن يتدخل في عادات الولايات المتحدة وتقاليدها فيغيرها عنوة رغم إرادة‬ ‫شعبها ونخبها كالحال عندنا مثلا‪ .‬فتلك هي العلامة الحاسمة في تحديد معنى السيادة وهي‬ ‫ما ينقص العرب اليوم ليس سياسيا فحسب بل روحيا بمعنى أنهم يعانون من عقدة الحاجة‬ ‫إلى تقليد غالب حتى لو كان دونهم حضاريا‪.‬‬ ‫اعتذر للقراء‪ .‬فلا يمكنني أن أبسط الأمر أكثر مما أفعل رغم علمي أن الأمر شديد‬ ‫التعقيد عندما أتكلم على بنية مجردة خالية من المضمون عملا بنظرية ابن تيمية في‬ ‫المقدرات الذهنية التي هي لغة المعاني الرامزة للأشياء وليست مقومات للأشياء لأن هذه‬ ‫المقومات لا يعلمها إلى الله وما نعلمه هو رموز إلى ما نعتبره مقوما ثم نغيره عندما نكتشف‬ ‫ما يمكن أن يعبر بصورة أفضل عما نعتبره مقوما وهكذا بلا توقف لأن كل تصور وراءه‬ ‫تصور أفضل كما يرى ذلك ابن تيمية لأن علمنا ليس محيطا فضلا عن وجود الغيب‪.‬‬ ‫فهذه البنية ترمز للبنية المجردة لمعادلة الدولة ولا أدعي أنها حقيقتها بل هي ما أراه‬ ‫معبرا عنها من معان ترمز إلى ما أعتبره ممثلا للدولة الكونية إذا اعتمدنا رؤية القرآنية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الانثروبولوجية أو نظرية الإنسان فيه من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف عليها من‬ ‫حيث كيان واحد جغرافيا ومتحدا زمانيا‪.‬‬ ‫وأعتذر أكثر من القراء لأن ما أقوله يبدو وكأني أنسب بمقتضاه لنفسي إبداعا ذاتيا‬ ‫غير مسبوق في حين أني اكتفي بقراءة ابن تيمية وابن خلدون في ضوء تفسيري الفلسفي‬ ‫للقرآن الكريم الذي يستطيع الجميع الرجوع إليه للتأكد من أني اكتفيت بفصلت ‪ 53‬وآل‬ ‫عمران ‪ 7‬ومنظومة هود لمراجعة رؤى الأولين‪.‬‬ ‫وسيتبين من شرح الشورى ‪ 38‬أن هذه البنية المجردة للدولة قرآنية خالصة‪ .‬وهي تصدق‬ ‫على الدولة الجزئية صدفها على الدولة الكونية لأن الجزئية كونية بالقوة والدولة الكونية‬ ‫كونية بالفعل وأنها تتكون من بنية مجردة فيها العناصر الـخمسة التي يعرفها القرآن‬ ‫تعريفا مجردا دون تحديد لدين أو فلسفة معينين مع أفضل نظام‪.‬‬ ‫فالآية ‪ 38‬من الشورى تتلكم على الاستجابة للرب مرجعية والمعلوم أن الرب مفهوم يشمل‬ ‫الإنسانية كلها بخلاف مفهوم الله الذي هو معنى الربوبية عندما تصبح رؤية خاصة بدين‬ ‫معين يختاره الإنسان بحرية‪ .‬ومن المفروض أن يكون المعنى واحدا في الإسلام بوصفه‬ ‫الدين الفاتح والخاتم والكوني لأنه الديني في الأديان وليس دينا من بين الأديان‪.‬‬ ‫لكن‪-‬فلاترك هذه المسالة التي سبق البحث فيها‪ -‬ولأختم بالكلام في العنصر الخامس أي‬ ‫وظائف الدولة بصورة مجردة أعني دون نظام تعيين القيمين عليها‪ .‬فهذه الوظائف كما‬ ‫أسلفت عشر‪ .‬وتنقسم إلى خمس للرعاية وخمس للحماية‪ .‬وأبدأ بالرعاية لأنها هي شرط‬ ‫وجود للحماية في حين أن الحماية هي شرط بقاء للرعاية والتشارك بينهما يقدم الرعاية‪.‬‬ ‫فالقرآن قدم الرعاية على الحماية‪ .‬فسورة قريش تقدم \"أطعمهم من جوع\" على \"آمنهم‬ ‫من خوف» لعلة بينة‪.‬‬ ‫فالخوف في الغالب ليس على الحياة مباشرة بل على ما منه تستمد الحياة أي على حماية‬ ‫الملكية التي هي شرط الحياة‪ .‬وبها تنتهي الآية التي تحدد بنية الدولة الكونية والنظام‬ ‫السياسي المناسب لها أعني الشورى ‪ 38‬أعني الانفاق من الرزق‪ .‬وهو ما يجعل القانون‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الجنائي القرآني لا يتسامع مع المس بالملكية ويطلب العفو حتى في النفس من أهلها ويلزم‬ ‫الدولة بدفع الدية عمن يعجز إذا قبلت اسرة القتيل العفو عن القاتل‪ .‬والرعاية نوعان‬ ‫كلاهما مضاعف مع أصل تتفرع عنه أربعتها‪.‬‬ ‫فالرعاية التكوينية هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬التربية النظامية لتكوين الأجيال بالتعليم‬ ‫‪ .2‬والتربية الاجتماعية لتكون الأجيال بالمشاركة في العمل المنتج ماديا ورمزيا‪.‬‬ ‫والرعاية التموينية هي‪:‬‬ ‫‪ .3‬الانتاج الثقافي أو زاد الجماعة الروحي‬ ‫‪ .4‬والانتاج الاقتصادي أو زاد الجماعة المادي‪.‬‬ ‫لكن هذه الوظائف الأربع لا يمكن تصورها ممكنة من دون أصل تتفرع عنه وتستمد منها‬ ‫ما به تعمل‪:‬‬ ‫‪ .5‬إنه البحث والإعلام العلميان‪.‬‬ ‫ولا توجد جماعة مهما كانت بدائية يمكن تصورها من دون هذه الوظائف الأربعة‬ ‫وتفرعها عن أصلها هذا‪ .‬فهو موجود فيها حتى بشكل السحر والتجربة العامية في التوليد‬ ‫والطبابة والزراعة‪.‬‬ ‫لكن هذه الوظائف تجعل الجماعة صارت مالكة لـما تخاف عليه فتحتاج إلى الحماية بعد‬ ‫الرعاية‪ .‬وكلنا يعلم أن المجتمعات البدائية تكون الإغارة في ما بينها متعلقة بمصدري الحياة‬ ‫العضوية خاصة أي غذاء الإنسان وماؤه وغذاء ما يغتذي منه وماؤه (الكلأ والماء مثلا)‬ ‫والنساء بسبب الحاجة للولد وليس للمتعة الجنسية فحسب‪ .‬والحماية فيها أربع وظائف‪:‬‬ ‫• اثنتان للحماية الداخلية‬ ‫• واثنتان للحماية الخارجية‬ ‫• ثم أصلها جميعا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وأبدأ بالأصل لأنه فرع عن البحث والإعلام العلميين إذا كان بحق يقوم بالوظيفة التي‬ ‫تحتاج إليها الجماعات الحرة وليس من جنس الاستعلامات والإعلام السياسيين عند العرب‪.‬‬ ‫فهو عندنا يعمل في اتجاه عكسي ليس لحماية الجماعة بل لاستعبادها لصالح المافية الداخلة‬ ‫والخارجية التي تحميها‪.‬‬ ‫فهو ليس الجهاز العصبي للحماية الداخلية التي تمكن الدولة من حماية الموطنين بعضهم‬ ‫من البعض بالقضاء والأمن ولا حماية الوطن والمواطنين من العدوان الخارجي‬ ‫بالدبلوماسية والدفاع بل هو يحمي أنظمة عميلة مباشرة لكونها في خدمة مستعمر نصبهم‬ ‫على شعوبهم رغم أنفهم لنهب ثرواتهم وإلغاء حرياتهم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أستطيع في الفصل الخامس والأخير اثبات أن هذه البنية هي عينها البنية التي ندها في‬ ‫نظرية الدولة الكونية في الإسلام بدحض النظرية اليونانية وبيان قصورها‪ .‬فأكون قد‬ ‫قفزت على مرحلة ضرورية تنتج عن الخلط بين بين الدولة المجردة وأنظمة الحكم التي‬ ‫تعين القيمين عليها والتي لم يتجاوزها الفكر اليوناني‪.‬‬ ‫ولست بحاجة لدحض عناصر المنظومة المسدسة للأنظمة واحدا واحدا بل يكفي أن أدحض‬ ‫المبدأين اللذين ينتجانها‪:‬‬ ‫‪ .1‬فلا يوجد نظام يحكمه فرد صالحا كان أو طالحا إذ حتى الله قد جعل ذلك من خاصياته‬ ‫الذاتية في الخلق والأمر إذ هو اعتبر العالم بحاجة إلى قوتين وتفاعلهما في الاتجاهين رمز‬ ‫لأحدهما بالإنسان والثاني بالشيطان‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولا يوجد نظام يحكمه كل العقلاء صالحين كانوا أو طالحين إذ لا يمكن أني كون كل‬ ‫أهله صالحين أو طالحين لأن القوى السياسية كما بينا متعددة بالطبع في كل الجماعات إما‬ ‫للتنافس على الخيرات و للتسابق في تحقيقها‪.‬‬ ‫بل لا بد من الستة معا ولكن بمراحل خفية‪ .‬وقد حاول أفلاطون بيان هذه المراحل في‬ ‫المقالتين الاخيرتين من الجمهورية بصورة تكوينية متنازلة تبدأ بالأفضل وتنتهي إلى‬ ‫تناقص الفضيلة وتزايد الرذية من خلال تردي الأخلاق في الجماعة بسبب التربية والحكم‪.‬‬ ‫وهو تقريبا النظام الذي حاول ابن خلدون استعماله لبيان مراحل حياة \"الدولة\" الجزئية‬ ‫ويقصد \"نظام حكم معين\" وليس الدولة من حيث هي كونية بالقوة أو بالفعل لأننا سنرى‬ ‫مفهومها عنده أوسع وهو مفهوم يتخلل هذه الأنظمة وغايته الكونية بالفعل‪.‬‬ ‫ما اكتشفه ابن خلدون ولم يتفطن إليه غيره قبله ليس الدولة بالمعنى الذي أحاول بيانه‬ ‫بل أساس هذه الرؤية أعني مراحل العصبية التي تبدأ بمرحلة عصبية الدم وتنتهي إلى‬ ‫عصبية الدين الخاتم دون أن يقول صراحة أنها المثال الممكن من الغاية أعني الدولة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الكونية‪ .‬وبينهما ثلاث مراحل هي التي ركز عليها في المقدمة وأستثنى ما يفضي إلى الهرج‬ ‫فيحول دون البداية ويمثل نهاية الغاية (الترف)‪.‬‬ ‫فما يفضي إلى الهرج فيحول دون بداية الدولة من حيث هي منظومة خانات خالية يملؤها‬ ‫النظام الأول هو العصبية أي عصبية الدم الغالبة هو تعدد العصبيات في أمة واحدة تعددا‬ ‫يؤدي إلى حرب أهلية دائمة فيحول دون المرحلة الأولى أو دون استقرارها وبقائها‪.‬‬ ‫وهما ليستا حالتين نظريتين بل هما شبه وصف مطابق لما كان عليه العرب قبل الإسلام وما‬ ‫صاروا عليه بعد الفتنة الكبرى‪ .‬بحيث إن هذه المرحلة من بداية دولة الإسلام إلى الفتنة‬ ‫الكبرى تمثل عنده قوسين غير عاديين لأنهما النموذج المثالي للدولة الكونية في تعين‬ ‫يحاكيها بمحدودية في المكان والزمان‪.‬‬ ‫وهنا أسجل أول تكذيب لاوغست كونت الذي ادعى أنه أول من اكتشف دور القوة في‬ ‫السياسة‪ .‬فابن خلدون يقصد بالعصبية ليس القوة فحسب بل القوة بمعناها السياسي اي‬ ‫بمعنى الفاعل السياسي‪ .‬وهي قوة من جنس حصيلة القوى أو مجموع السهام الحاملة في‬ ‫متوازي اضلاع القوة لتعددها في نفس الجماعة وقد قدم نموذجها‪.‬‬ ‫لم يقدم النموذج في المقدمة بل قدمه في سيرته الذاتية ‪-‬التعريف بابن خلدونه ورحلته‬ ‫غربا وشرقا‪-‬بمثال من ديناميكا السوائل إذ اعتبر تفاعل العصبيات من حيث هي قوى‬ ‫سياسية في الجماعة بما يحصل عندما نرمي حصوات في بركة ماء فتتراكب الأمواج الناتجة‬ ‫عن رمي الحصوات في الماء‪ .‬وهو نموذج فيزيائي من ديناميكا الماء‪.‬‬ ‫وإذن فبداية ظهور البنية المجردة للدولة الكونية هي الملء الأول لخاناتها الخالية بنظام‬ ‫عصبية الدم أو عصبية القبيلة الغالبة‪ .‬وظهور الدولة التاريخي في شكلها الجزئي الذي هو‬ ‫كلي بالقوة في حضارة الإسلام ليس دولة الرسول والراشدين بل هو الدولة الأموية لأنه‬ ‫وضع العصر الراشدي بين قوسين باعتباره تعالى على هذا القانون بشبه معجزة إسلامية‬ ‫قصيرة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهنا يأتي القانون الأول المستمد من الانثروبولوجيا الخلدونية التي تعتبر الحاكم‬ ‫بمقتضى مبدأ \"حب التأله\" يريد أن يستفرد بالمجد فيبعد أهل عصبيته لأن لهم فضلا في‬ ‫النشأة وهو ليستفرد به يحتاج لمعاونين لا فضل لهم فيها عليه فتتكون عصبية الولاء النفعي‬ ‫أو الموالي‪ .‬وهي عصبية أدت إلى زوال دولة بني أمية‪.‬‬ ‫لكن الموالي سرعان ما \"يمدون يدهم إلى الزنبيل بعد أن ركبوا على البهيم\" (بالتونسي)‬ ‫أي يطمعون في تولي الحكم بعد أن يصبح الحاكم معزولا عن عصبيته فيفقد قوته‪ .‬فيفيق‬ ‫متأخرا كما فعل هارون الرشيد بالعودة إلى عصبية قومية أوسع من قبيلته ضد الموالي‪.‬‬ ‫لكن توسيع العصبية القومية لم ينفع‪.‬‬ ‫فتبدأ عصبية تشمل عدة قوميات لأن الإسلام يصبح موحدا للعصبيات التي تطمح إلى‬ ‫الحكم باسمه فصارت على الأقل ثلاث عصبيات قومية هي العرب والفرس والأتراك في‬ ‫الشرق الإسلامي ثم العرب والأمازيغ وسودان افريقيا في الغرب الإسلامي‪.‬‬ ‫وهو ما جعل دولة الاسلام فوق دول القوميات التي هي كلها متحدة رمزيا بالخلافة حتى‬ ‫وإن تعددت فعليا بالسلطنات‪ .‬لكنها لم تصل إلى ما يشبه البداية التي يمثلها القوسان أو‬ ‫الخلافة الراشدة‪-‬ليس بالضرورة في الأحداث بل في الأحاديث أي في رؤى المسلمين وليس‬ ‫في واقعهم الفعلي‪ .‬فأصبحت الخلافة نوعين‪.‬‬ ‫والنوعان هما الخلافة الراشدة وخلافة الملك العضوض‪ .‬لكن الغاية تختلف عنهما في‬ ‫التاريخ الفعلي لأن ما يبدو وكأنه ضعف في الخلافة التي كانت ملكا عضوضا صار عين قوتها‬ ‫لأن صارت سلطة رمزية من جنس سلطة ملكة بريطانيا في نظام الفصل بين سلطة الحاكم‬ ‫الفعلي والحاكم الرمزي أو الخليفة والسلطان‪.‬‬ ‫كان قصدي من الجمع بين التحليل المفهومي والتمثيل التاريخي هو مساعدة القارئ على‬ ‫استيعاب الأول بالثاني والأهم من ذلك كان مساعدة شباب الأمة على الخروج من خرافة‬ ‫المقابلة بين العصر الراشدي وما بعده من تاريخنا فلا الأول كانوا ملائكة ولا الثانون كانوا‬ ‫شياطين بل هي سنن التاريخ بين الكونية والجزئية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكان آخر أشكال أنظمة الحكم الذي وصفه ابن خلدون في المقدمة هو تقاسم السلطة بين‬ ‫الخليفة والسلطان بما يشبه تقاسم السلطة بين الرمزي والفعلي والأول يمثل رمز وحدة‬ ‫الدولة والثاني يمثل رمز فاعلية الحكم المباشر للشؤون العامة الفعلية من جنس النظام‬ ‫الألماني مع محافظة صورية على البيعة‪.‬‬ ‫وأعلم أن المتسرعين سيستغربون مقارنة نظام الحكم الإسلامي التاريخي في شكله الأخير‬ ‫الذي وصفه ابن خلدون مع نظام بريطانيا وألمانيا لأنهم ينسون أن الديموقراطية فيهما لم‬ ‫تكن \"سيفراج إنيفارسال\" من البداية بل تطورت إذ كانت تعتمد على حصرها في دافعي‬ ‫الضرائب أي الأثرياء وفي الذكور إلى عهد قريب‪ .‬ومن ثم فالكلام على التوجه والمنحني‬ ‫التطوري لا الحاضر‪.‬‬ ‫وصحيح أن تغير السلاطين كان يحصل بما يشبه الانقلابات العسكرية وليس بالانتخابات‪.‬‬ ‫لكن المنقلبين كانوا من منتخبين من الاجهزة التي تحقق الانقلاب سواء كانت قبلية أو‬ ‫عسكرية‪ .‬فلا يمكن للتغير السياسي أن يحصل من دون مستوى معين من الانتخاب سواء‬ ‫شمل الجماعة أو بعضها أو الجهاز أو بعضه‪ .‬وقد اعتبر الغزالي الحكم هو دائما من اختيار‬ ‫من يسميهم \"معتبري الزمان\" ولا يصبح حاكما بالفعل إلا إذ حصل على الأغلبية بمعنى‬ ‫الغلبة بالفعل أو بالقوة لأن النظام لا يستقر ما لم يتوقف الهرج ويستقر الامر للذي يحدث‬ ‫التغير‪( .‬فضائح الباطنية في الفصل المخصص لدحض نظرية الوصية الشيعية ضد نظرية‬ ‫الاختيار السنية)‪.‬‬ ‫وسأحير المتسرعين في الحكم على هذه الأفكار أكثر عندما أبين لهم ان هذا النظام كان‬ ‫أفضل حتى مما يماثله في بريطانيا وفي ألمانيا في بدايته‪ .‬لماذا؟‬ ‫لأنه كان يحرر وظائف تكوين الإنسان وتموينه وسلطان المرجعية الروحية من تحكم القوى‬ ‫السياسية لكونها كانت تابعة للخليفة وليس للسلطان وتعتبر رمزية ومقدسة وهي البعد‬ ‫الشعبي من السياسة لأنها تعتبر من مقومات شرعية الدولة في حين أن ما عداها يعتبر من‬ ‫مقومات شوكتها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وسأضرب مثالين من الوظائف التي صرنا نعتبرها \"محايدة\" لا مقدسة ولا غير مقدسة‬ ‫أعني التكوين والتموين‪ .‬فالتربية كانت تابعة للخلافة والمجتمع الأهلي وليس للسلطان‬ ‫والتموين كذلك بحيث إن السلطان دوره مقصور على الإدارة ووظائف الحماية تماما كما‬ ‫جاء في دستور الرسول‪ .‬وهما شرطا الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫ذلك أنه ما أن تسيطر السلطة التنفيذية ‪-‬السلطان‪-‬على هذه التكوين والتموين حتى‬ ‫يصبح الجميع عبيدا لأن صاحب السلطة الفعلية يستطيع بالشوكة المادية أن يفرض ما‬ ‫يريد على حرية الإنسان وكرامته بخلاف صاحب السلطة الرمزية والشرعية فإنه يكون‬ ‫أول المحافظين عليها لأن وجودها سر سلطانه الرمزي‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فكل استبداد يبدأ بفقدان الجماعة سلطانها على التكوين والتموين لأنها‬ ‫تصبح خاضعة لإرادة من بيده القوة والمسيطر على شروط القيام والبقاء ماديا وروحيا‪.‬‬ ‫وهذا هو الفرق بين يوسف القرآني ويوسف التوراتي‪ .‬فالأخير نصح فرعون باحتكار‬ ‫الغذاء خلال السنوات السمان لاستعماله خلال السنوات العجاف استعمالا جعل الشعب‬ ‫المصري يصبح أقنانا‪.‬‬ ‫أما يوسف القرآني فهو قد نصح فرعون بـالعكس وطبقه أي جعل الشعب كله يدخر خلال‬ ‫السنوات السمان للسنوات العجاف ونظم توزيع الثروة بالعدل بين الأحرار الذين لم‬ ‫يتحولوا إلى عبيد أقنان لأن فرعون بالنصيحة التوراتية صارب مالك الأرض وهم‬ ‫\"خماسة\"(بالتونسي أقنان أي عبيد الطبقة المالكة أي فرعون وجنوده)‪ .‬ولذلك ينصح ابن‬ ‫خلدون بأمرين ينبغي أن يتبعا الخليفة ولا يبقيا بيد السلطان‪:‬‬ ‫‪ .1‬استقلال العملة فلا تصك إلا باسم الخليفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬استقلال الموازين والمثاقيل والمقاييس التي ينبغي أن تبقى مجال الحسبة‪ .‬وطبعا مع‬ ‫استقلال التكوين والتموين والوظائف الدينية المناصفة في سلطة القضاء والجهاد‪ .‬والعلة‬ ‫بينة‪ :‬فالقضاء يستمد فاعليته الرمزية أي شرعية أحكامه من سلطة التشريع وهي تابعة‬ ‫للتعليم والفقه التابع للخليفة وفاعليته التنفيذية من شوكة السلطان‪ .‬وكذلك الأمر في‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الجهاد أي الحروب سواء كانت للدفع أو للطلب‪ :‬فهي مثل القضاء مناصفة لأن شرعيتها من‬ ‫الخليفة وفاعليتها من السلطان‪.‬‬ ‫وختاما فإني ينبغي أن أتوقف فقد تجاوزت الحدود في شرح ما ينبغي للشباب أن يفخر به‬ ‫لئلا يتوهم الاستئناف مشروطا بـاستيراد انظمة غير مطابقة للرؤية التي هي أكبر ثورة‬ ‫إنسانية أسس لها الإسلام بتحرير البشرية من البنية العميقة للثيوقراطيا‬ ‫والانثروبوقراطيا أعني من الابيسوقراطيا بدل من تحسين ما حصل في التجربة التاريخية‬ ‫للأمة‪ .‬والغاية هي استرداد الثقة في الذات والتحرر من العقد الناتجة عن تصديق تفوق‬ ‫الغير الكاذب‪ .‬والتفوق الصادق لا إشكال فيه لأن المطلوب هو \"طلب الحقيقة ولو في‬ ‫الصين\"‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لا بد من خاتمة لهذه المحاولة نبين فيها كيف تصبح هذه الرؤية للدولة الكونية بنية ذات‬ ‫حركية محققة للغاية بطريقتين مراجعة أحداث التاريخ الديني ومراجعة التاريخ السياسي‬ ‫الذي يبتعد عن قيم الاستخلاف في تعمير الأرض الذي يصبح تدميرا لها وللإنسان بسبب‬ ‫عدم الانتقال السليم من بدايتها في ما فطر عليه الأنسان إلى غايتها في التحقق الفعلي‬ ‫برؤية يتحد فيها الديني والفلسفي‪.‬‬ ‫وما قصدته بإطلاق اسم \"استراتيجية التوحيد القرآنية ومنطق السياسة المحمدية'‬ ‫تعريفا للرسالة الخاتمة في تحديدها‪:‬‬ ‫‪ .1‬للمرسل (الله)‬ ‫‪ .2‬والمرسل إليه (الإنسان)‬ ‫‪ .3‬والرسول (الخاتم ومن تقدم عليه من الرسل)‬ ‫‪ .4‬ومنهج التذكير (وهو السياسة ببعديها‪ :‬التربية دون وساطة والحكم دون وصاية)‬ ‫‪ .5‬ومضمون الرسالة (مهمتي الإنسان وما جهز به من نظر وعقد وعمل وشرع معمرا‬ ‫ومستخلفا في الأرض)‪.‬‬ ‫فيكون القرآن هو البنية المجردة لهذه الدولة ليس من حيث هي كيان جامد بل من حيث‬ ‫فاعلية استراتيجية هدفها سياسة الإنسانية بتربية دون وساطة وحكم دون وصاية حتى‬ ‫تحقق هذه الدولة الكونية التي يكون فيها الناس اخوة لأنهم من نفس واحدة (النساء ‪)1‬‬ ‫ومتساوين لأنهم خلقوا للتعارف وليس للتناكر (الحجرات ‪ )13‬فلا يبقى بذلك الفراغ الذي‬ ‫يملأه الصراع بين الدول الجزئية المتصارعة على الأحياز الخمسة بسبب غياب قيم‬ ‫الاستخلاف هذه‪.‬‬ ‫فالصراع بين الدول الجزئية علته المسافة الفاصلة بين بين جزئيتها بالفعل وكليتها بالقوة‬ ‫وهي كل التاريخ الإنساني من حيث هو امتحان لأهلية الإنسان للاستخلاف‪ .‬وما يقتضي‬ ‫عدم ثبات الحدود المكانية والزمانية بسبب الصراع على ما في الأرض والزمان ككل من‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ثروة وتراث وحاجة ذلك كله إلى الحماية من الأجوار الذين لا يتعارفون بل يتناكرون‬ ‫لأن كل واحد يريدها كلها له وحده لان كيانه ومهمته تعمير الأرض والزمان والاستخلاف‬ ‫فيهما وكأنه هو الإنسانية كلها‪.‬‬ ‫والصراع في الدول الجزئية هو بين الأنظمة التي تعين القيمين لملء خانات الدولة التي‬ ‫هي بنية مجردة خالية من القيمين والتي تصبح معلومة بهذا التعيين تماما كما تعلم تعينات‬ ‫المتغيرات في الدالة الرياضية بتحديد قيمها وبين القيمين في ما بينهم في نفس الجماعة ثم‬ ‫بين القيمين في الجماعات المختلفة على أبعاد الدولة الجزئية والكلية الـخمسة‪.‬‬ ‫والصراع بين القوى السياسي على تأويل المرجعية وصياغة الدستور والسلطة السياسية‬ ‫حكما ومعارضة وعلى الوظائف العشر التي وصفت له علاقة بمسالة الأحياز وتقاسمها أي‪:‬‬ ‫‪ .1‬المكان‬ ‫‪ .2‬والزمان‬ ‫‪ .3‬والثروة‬ ‫‪ .4‬والتراث‬ ‫‪ .5‬والمرجعية موضوعا للتنافس الداخلي والخارجي فتكون الإنسانية في حرب أهلية‬ ‫لا تتوقف لغياب استراتيجية التوحيد التي هي تذكير بالأخوة الإنسانية والمساواة بين‬ ‫البشر والسعي لتحقيقها وتلك هي السياسة القرآنية التي كانت سياسة الرسول عينا منها‪.‬‬ ‫فما يحصل من دون هذه السياسة هو توحيد كذلك لكنه بمنطق القانون الطبيعي أي‬ ‫بتنافس القوى على الأخيار من دون قيم الاستخلاف وليس بتسابق الخيرات بقيم الاستخلاف‬ ‫(المائدة ‪.)48‬‬ ‫ولذلك فالقرآن يراجع التاريخ الديني وما يحدث من تحريفات الديني في التاريخ‬ ‫السياسي ليشرح علل هذا الصراع ويعتبره ناتجا عن النظاميين الثيوقراطي‬ ‫والانثروبوقراطي (سورة آل عمران) لأنهما وجهان لعملة واحدة‪ .‬والبنية العميقة‬ ‫الواحدة لهذين النظامين وما يترتب عليهما من صراع هي الابيسيوقراطية (نظام دين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫العجل) بمعنى أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا (او الديموقراطيا) هما في العمق‬ ‫أبيسيوقراطيا أي إنهما ليسا حكما باسم الله ولا باسم الإنسان إلا في الظاهر لاخفاء‬ ‫حقيقتهما الفعلية التي هي حكم بدين العجل أي ربا الأموال وربا الأقوال كما بينت في‬ ‫المحاولة‪.‬‬ ‫وهذا هو أصل التحريف في الأديان (فلسفة الدين وتاريخه) وفي السياسات (فلسفة‬ ‫السياسة وتاريخها) وهو تحريف في الأديان وجاهلية في السياسة أو تحريف الرموز القيمية‬ ‫والعقدية وتحريف الوقائع الاقتصادية والثقافية من أجل استعباد الإنسان‪ .‬والذروة هي‬ ‫خرافة تأليه المسيح (آل عمرا ‪ )79‬وكيف يدحضها القرآن من أجل تحرير الإنسان من‬ ‫الوساطة علة الاستبداد الروحي والعنف التربوي والوصاية علة الاستبداد المادي والعنف‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫لذلك فالقرآن كما أسلفت مخمس الاهتمام‪:‬‬ ‫‪ .1‬خمس أول لعلاج التحريف في الدين وتاريخه وفلسفته والجاهلية في السياسة‬ ‫وتاريخها وفلسفتها‪ .‬والغاية في التاريخين هي الوصول إلى الوعي التام بالدين الخاتم الذي‬ ‫يذكر بالدين الفاتح وبالسياسة التي توحد الإنسانية بالدولة الكونية التي تطبق مبدأين‪:‬‬ ‫الأخوة الإنسانية والمساواة بين البشر المتحررين من الوساطة الروحية في التربية والوصاية‬ ‫المادية في الحكم‪.‬‬ ‫‪ .2‬والأربعة الباقية لتحديد ما تذكر به الرسالة وتعرفه أي‪:‬‬ ‫• المرسل (الله)‬ ‫• والمرسل إليه (الإنسان)‬ ‫• والرسول (الخاتم وكل الرسل قبله)‬ ‫• ومنهج التبليغ (سياسة التربية والحكم)‬ ‫• ومضمون الرسالة أو دولة البداية ودولة الغاية تعميرا واستخلافا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪41‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولمساعدة الإنسان في تحقيق مهمتيه ‪-‬التعمير بقيم الاستخلاف‪-‬جهز بالنظر والعقد‬ ‫للمعرفة وتطبيقاتها وبالعمل والشرع للقيمة وتطبيقاتها وأعلم بأن المخلوقات خلقت بقدر‬ ‫أي إن علمها يكون بالرياضيات والتجربة وصورت بقيم إن عملها يكون الأخلاقيات‬ ‫والسياسة‪ .‬وتلك هي شروط البنية المجردة‪.‬‬ ‫فماذا يحرف الإنسان عن مهمتيه؟‬ ‫أو ما الذي ينقله من أحسن التقويم إلى الخسر؟‬ ‫إنه الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا التي هي ثيوقراطيا معلمنة في التربية بالوساطة وفي‬ ‫الحكم بالوصاية‪ .‬والوساطة تصبح خوار العجل أو ربا الاقوال‪ .‬والوصاية معدن العجل أو‬ ‫ربا الأموال في العمق أو الابيسيوقراطيا‪.‬‬ ‫فالتربية والحكم هما بعدا السياسة من حيث هي استراتيجية تحقق بها القوى السياسية‬ ‫ذات الـمرجعية التي توحد بينها حسب تأويل دستوري يحدد قواعد التنافس بينها على‬ ‫السلطة المحدودة بأحكامه العرفية أو النصية لرعاية الجماعة وحمايتها بتنويب حر لوجهين‬ ‫منه من يحكم بالفعل وبالقوة أو المعارضة للإشراف بوظائف الدولة‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فتصنيف اليونان لأنظمة الحكم لا يعني أنهم كانوا على بينة من مفهوم‬ ‫الدولة وذلك لأنهم (الفارابي أضاف الكونية لمفهوم الجماعة عندهم وقد كانوا يرونها‬ ‫ذات ثلاثة مستويات الاسرة والقرية والمدينة ومنه اشتقوا اسم الدولة لأنه هو الأسمى‬ ‫عندهم) لم يتجاوزوا \"الدولة المدينة\" أو الامبراطورية بسلطة قومية لا الدولة الكونية‪.‬‬ ‫وكل دولة جزئية كانت تكون كونية لولا تقاسم المكان والزمان وثمراتهما والمرجعية بمعيار‬ ‫القوة‪.‬‬ ‫وحتى الدولة الجزئية فإنها خاضعة لبنية الدولة الكونية كما وصفتها وإن بالقوة وليس‬ ‫بالفعل ومن ثم فخرافة الأنظمة الستة بمعيار عدد من يحكم وأخلاقهم لا معنى لها لأن‬ ‫الواحد والأكثرية لا يمكن أن يحكمـا ويعارضـا بل من يفعل أقلية لأنها جزء ممن يهتم‬ ‫بالشأن العام وهـم دائما أقلية لأنه ليس فرض عين وعبادة كما في الإسلام‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪42‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فالله نفسه اعتبر صيرورة العالم إلى الغاية منه لا يكون بيد الواحد بل هو جعله أشبه‬ ‫بمسرحية يحرك بطلبيها على ركح التاريخ‪-‬الإنسان وإبليس‪-‬وجعل بينهما تحديا لاختبار‬ ‫أهلية الأول في تعمير الأرض بقيم الاستخلاف معتبرا ذلك عين ما خلقهما لأجله (الجن‬ ‫والإنس)‪ .‬نظام الواحد خاص بالله وحده‪.‬‬ ‫ونظام الكل بنفس الدور مستحيل لأن ذلك يعني نفي النظام إذ النظام يعني بالضرورة‬ ‫التراتب‪ .‬فيكون النظام بالضرورة هو التراتب في الوظائف‪ .‬ومن هنا كان مفهوم الدولة‬ ‫هو نظام الوظائف المجرد أعني منظومة خانات خاوية يملؤها قلة من القيمين تنتخبهم‬ ‫الكثرة بحرية للرعاية والحماية إذا كانت دولة بشر أحرار‪.‬‬ ‫فيكون الفرق المميز للأنظمة ليس عدد القيمين ولا أخلاقهم فهم دائما قلة أكثر من واحد‬ ‫وأقل من الكل رغم أن الدولة من حيث البنية تقتضي أن يكون الكل مشاركا في قيامها‬ ‫باعتبار القيمين أنفسهم مفروزين‪ .‬وهنا يأتي الفرق الوحيد‪ :‬هل الفرز حر أم مضطر‪.‬‬ ‫وهل الحرية فعلية أم خداع فتكون اضطرارا خفيا‪.‬‬ ‫كل الاستراتيجية السياسية تعود إذن إلى تربية وحكم غير مخادعين للحصول على نيابة‬ ‫الجماعة في هذين البعدين بصورة تجعل ما هو فرض عين يتحول إلى فرض كفاية‪ :‬ففي‬ ‫التربية ما هو فرض عين هو أن يكون المتعلم ذا علاقة مباشرة بموضوع التعلم ولا يعتبر‬ ‫المعلم وسيطا بينه وبينه لأن طلب الحقيقة فرض عين‪.‬‬ ‫وفي الحكم ما هو فرض عين منه هو اختيار من ينوب الجماعة ومراقبته وعزله إن لم‬ ‫يحترم المرجعية وما استمد من دستور وتلك هي العلاقة المباشرة بين المواطن والشأن العام‪.‬‬ ‫فإذا صار النواب يختارهم غيره ويراقبهم غيره ويعزلهم غيره فهو يكون قد تخلى عن‬ ‫فرض عين لحصول وصاية عليه في ذلك‪.‬‬ ‫وذلك ما يحصل في النظام الثيوقراطي والنظام الانثروبوقراطي‪ .‬وكان الكثير يتوهم‬ ‫أن الثاني غير الأول بل هم يتصورونه ضديده‪ .‬لكنهما في الحقيقة وجهان لعلمة واحدة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪43‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ندركها عندما نبحث في ما ينظمان به ملء خانات الدولة بالقيمين عليها‪ :‬فالمحدد لا الله ولا‬ ‫الإنسان بل بعدا العجل أي ربا الأموال (رمزه معدن العجل أو الذهب المسروق) وربا‬ ‫الأقوال (رمزه خوار العجل أو الخداع الإيديولوجي)‪.‬‬ ‫فتكون الانثروبوقراطيا هي الثيوقراطيا المعلمنة حيث يصبح الإنسان بديلا من الله‬ ‫للتغطية على بعدي العجل ربا الأموال وربا الأقوال‪ .‬وهذا بين في إيران وفي إسرائيل وفي‬ ‫كل الأنظمة التي تزعم ديموقراطية وهو أبين في الأنظمة العسكرية التي تدعي‬ ‫الانثروبوقراطية والقبلية العربية التي تدعي الثيوقراطية‪ .‬وكلها متنافية مع نظرية‬ ‫الدولة في الإسلام‪ :‬والسر هو علاقة المسارين مسار التحريف والجاهلية ومسار التعديل‬ ‫والتصحيح بسياسة التذكر تربية دون سلطة وساطة روحية وحكما دون وصاية سلطة مادية‪.‬‬ ‫ففي الحكم لا بد من فرض كفاية يقوم به القيمون نوابا للجماعة منفذين لإرادتها‪ .‬لكن‬ ‫فرض العين يبقى للجماعة كلها وهو عبادة تتمثل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫مطبقين في التعيين والمراقبة والعزل للقيمين بمعيار المرجعية التي صيغت في الدستور وفي‬ ‫ضوء القيام بالوظائف العشر فنيا وخلقيا‪.‬‬ ‫وبهذا المعنى فكل الإسلاميين الذين يعتبرون الشورى هي الديموقراطية لم يفهموا لا‬ ‫الديموقراطية ولا الشورى‪ .‬الشورى لا يمكن أن تكون خاضعة لبعدي العجل لأنها حينئذ‬ ‫تصبح غير مختلفة عن الثيوقراطية المعلنة لإخفاء دين العجل إما باسم الله أو باسم‬ ‫الإنسان‪ .‬وفي الحالتين الله والإنسان دورهما فيهما للخداع‪.‬‬ ‫وأعتقد أن فضل النظام الأمريكي أنه يفضح هذا الخداع‪ .‬فدور ربا الأموال فيه لا‬ ‫يحتاج إلى بيان وخاصة في الانتخابات وما يعود إلى لوبيات المال فيه معلوم للجميع‪ .‬ودور‬ ‫ربا الأقوال لا يحتاج إلى بيان كذلك وخاصة في الانتخابات مع يعود إلى لوبيات الإعلام‬ ‫والملاهي‪ .‬وكل دعاوى \"أخلقة\" هذه السياسة خدع لتمرير خداع دين العجل‪.‬‬ ‫فإذا لم يكن الإسلام علاجا لهذه الأمراض وإنقاذا للإنسانية من دين العجل الذي يتنكر‬ ‫سواء في الثيوقراطيا أو في الأنثروبوقراطيا وهو في الحالتين سلطان ربا الأموال وربا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪44‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫الأقوال فلا معنى لكونه الرسالة الخاتمة والاستراتيجية التوحيدية‪ .‬ذلك ما أحاول أفهامه‬ ‫لشباب الأمة من أجل الاستئناف‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪45‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪46‬‬ ‫الأسماء والبيان‬