أبو يعرب المرزوقي re nils frahm في الدين بين استخدامه وخدمته في السياسة الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 5 - -الفصل الثالث 10 - -الفصل الرابع 15 - -الفصل الخامس 19 -
-- لن أعرض بأحد .ولن أتعرض لأحد .سأكتفي بعرض موقف ابن خلدون من رأيه في مسألة استخدام الدين في السياسة وخدمته بها .ذلك أن هذه القضية صارت من الظاهرات الحارقة في مناخ تتصادم فيه رؤيتان لهذه العلاقة كانتا ولا تزالان محركتين لتاريخ الأمة منذ الفتنة الكبرى وما ترتب عليها من حروب أهلية لم تتوقف طيلة القرون الأربعة عشر التي هي قرون تاريخ السياسة في دار الإسلام بمرجعية إسلامية لها أو عليها. لو كنت أنوي التعريض بأحد لسألت الرئيس الذي يصلي هل كان يصلي لما كان في خدمة نظام ابن علي؟ لكن حتى في حالة الجواب بالنفي وهو المنتظر لأن نظام ابن علي كان يسجن أو يسحل من كان يصلي وخاصة إذا صلى الفجر فإن التوبة ممكنة في أي لحظة من العمر فيصبح الإنسان مصليا بعد أن لم يكن. ولو كنت أريد أن أعترض لقلت إن التمييز بين خدمة الدين واستخدامه حتى وإن كانت من خبايا السرائر فإن لها علامات لا تغيب عن ذوي الفطنة وكم رأيت منها في \"معابد\" السياسة ممن ليس من العسير فهم أنهم يستخدمون الدين ولا يخدمونه .لكني اعترف بأن حكم السرائر لا يعلمه إلا علام الغيوب وسأقبل بالحكم بالظاهر لأن الله هو الذي يتولى السرائر. سأكتفي إذن بالكلام في نظرية ابن خلدون النسقية في المسألة وأبدأ بالإشارة إلى فهم بعض الحمقى لنظريته .فكلامه موهم خلال رده على ابن سينا في مسألة الحاجة إلى الرسل والانبياء للتشريع لدحضه تأسيس الحكم السياسي في المجتمعات البشرية .فالحمقى خلطوا بين كلامه على استغناء السياسة عن الأديان المنزلة واستغنائها عن الأديان عامة لكأن الأديان النبوية والرسولية هي النوع الوحيد من الأديان ويهملون أن الأديان الطبيعية أكثر انتشارا حتى الآن. فابن خلدون أشار إلى وجود السياسة والدول والتشريع عند الأمم التي لم تعرف الأديان المنزلة وهي خاصية سامية متلازمة مع فكرة الأنبياء والرسل وقد انتشرت لاحقا لكنها تبقى مع ذلك متعايشة مع أمم ليس لها علاقة بها ولها مع ذلك أديان من جنس آخر مثل الصين والهند وبعض أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- القبائل البدائية التي ما تزال وثنية وهي أديان طبيعية ولعل العلمانية واحدة منها لأن ما تنفيه هو الأديان المنزلة وليس الاعتقادي عامة. وبهذا المعنى الذي يتعلق بالدين عامة وليس بمعناه الحصري الذي فكر فيه ابن سينا ورفضه ابن خلدون يمكن القول إن ابن خلدون وضع مبدأين ثوريين يحددان علاقة الديني بالسياسي: .1الديني لا يؤسس السياسي بل القوة والعصبية هي التي تؤسسه وتؤسس الدول وفي مضمار هذه الرؤية نفهم كل ما كتبه للسخرية من كل من يريد الثورة باسم الدين من دون أن تكون له عصبية( .المقدمة الباب الثالث الفصل السادس :في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم) .2لكن الديني يزيد السياسي والدول قوة على قوتها لأنه يضيف شرعية القناعة الداخلية أو الوازع الذاتي كما يسميه إلى شرعية القوة الخارجية التي تفرض القانون أو الوازع الأجنبي كما يسميه( .المقدمة الباب الثالث الفصل الخامس :في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها) ولا يمكن أن يكون هذا الكلام كافيا .فالعصبية هي بدورها بحاجة إلى منا يجعلها قادرة على الفعل السياسي إذ إن مفهوم العصبية بحد ذاته يتعلق بنظام التحكم في أفعال الإنسان – الجهاز العصبي -وهي من ثمة تحدد طبيعة القوة التي تمثلها بوصفها قوة تحكم أو سياسة. ولما كانت عنده ليست مقصورة على العصبية العضوية أو عصبية الدم فإنها تصبح رابطة منظمة للجماعة حتى تكون قوة قادرة على الفعل السياسي .فيكون لها مبدأ ما لا يقتصر على العضوي منها .وبذلك تصبح الرابطة الناظمة لفعل التحكم السياسي في مفهوم العصبية أعم منها وهي بذلك قد تجعل الديني عامة ليس شرطا تاليا بل قد يكون شرطا متقدما بمعنى أن الرابطة الروحية مقدمة على الرابطة العضوية. لكن ذلك ليس مهما بل المهم هو هذا التلازم بين نوعي السلطان السياسي وكلاهما يستخدم الثاني ويخدمه .فنكون أمام خمسة عناصر أصل له أربعة فروع: .1السياسي الخالص أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .2الديني الخالص .3استخدام الديني للسياسي .4استخدام السياسي للديني .5الأصل وهو السلطان الإنساني مادي وروحي وهما في آن سلطان سياسي ذو أداة روحية وذو أداة مادية والأولى أرجعها ابن خلدون إلى الوازع الذاتي والثانية أرجعها إلى الوازع الأجنبي .ويمكن أن نسمي الأول الوازع الخلقي أو سلطان إرادة الذات على ذاتها والثاني الوازع القانوني المعبر على سلطان إرادة الأقوى على سلطان إرادة الأضعف. وما سأحاول درسه في هذا البحث هو العلاقة بين البعدين من السلطان السياسي بعد قوة الشرعية أو السلطان النابع من الذات وشرعية القوة أو السلطان النابع من غير الذات في كل الأنظمة الإنسانية ليس السياسية فحسب بل الاقتصادية والثقافية أعني مجالي السياسي عامة لأن السياسي هو بالأساس سلوك الإنسان فردا وجماعة لسد حاجاته البدنية وحاجاته الروحية .والأولى هي مادة القيم الاقتصادية والثانية هي مادة القيم الثقافية. والسياسة هي الاستراتيجيا الفردية والجماعية لتحقيق شروط الوجود والبقاء للإنسان فردا وجماعة من خلال إيجادهما أولا وحمايتهما ثانيا من العدوان الداخلي بين المشاركين في تحقيقهما ومن العدوان الخارجي من الطامعين فيهما. وإذن فما ينطبق على السياسة الداخلية هو عينه ما ينطبق على السياسة الخارجية لأن الصراع بين البشر علته سد الحاجات المادية والروحية التي هي شروط بقاء الإنسان فردا وجماعة .وبهما يعلل ابن خلدون وجود السياسة والدول ويسخر من الرؤى المثالية التي تعتقد أنه يمكن تخيل مجتمع فاضل يستغني عن الدولة او ما يسميه الوازع الأجنبي لجعل العيش المشترك يكون سلميا. ولذلك فكل من يتصور الوجود البشري مبنيا على المثاليات ويتكلم على مجتمع القانون ودولة القانون ينسى أن ما يسمى مجتمع القانون هو ما يسميه ابن خلدون بالوازع الذاتي ودولة القانون هو ما يسميه ابن خلدون بالوازع الأجنبي .وللأول علاقة بالدين وللثاني علاقة بالسياسية عند أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- الفصل بينهما وهو أمر مستحيل عند ابن خلدون لأن أيا منهما غير كاف للعيش المشترك بين الأفراد في الجماعة وبين الجماعات في العالم. والمشكل هو ما الشيء الذي يعتبر أداة والشيء الذي يعتبر غاية؟ فإذا صار الوزع الذاتي في خدمة السياسة صار هندسة الوعي المستبدة وليس وعيا حرا وهو استخدام الدين الذي يصبح أداة للسياسة .وحينها تصبح السياسة استبدادية وهو ما نفاه القرآن نفيا قاطعا في الغاشية 22-21منعا للرسول من تجاوز دور المذكر والتحول إلى وسيط بين المؤمن وربه ومن تجاوز دور الحكم والتحول إلى وصي على المحتكمين إليه. وهو نهي عن استعمال الدين أداة سياسية بدلا من استعمال السياسة تربية وحكما أداة لتكوين الإنسان الحر والكريم كما عرفه ابن خلدونه \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". فيكون الوازع الذاتي نابعا من الذات وليس مفروضا بهندسة الوعي كما هي الحال في الرؤية التي تجعل السلطة الروحية وسيطة بين المؤمن وربه (الكنسية) والوازع الأجنبي نابعا من الجماعة وليس مفروضا بهندسة السلطة كما هي الحال التي تجعل السلطة السياسية وصية على الجماعة (الحكم بالاستبداد الروحي بالحق الإلهي أو بالاستبداد المادي). وهذا هو الفرق بين الرؤيتين القرآنية التي ألغت الوساطة والوصاية والرؤية التي تخربها والتي نكصت فاستعادتهما وهو النظام الثيوقراطي أو النظام العلماني وكلاهما يعتمد على النظام الأبيسيوقراطي أو نظام العجل ببعديه أي معدنه وخواره. وقد سبق فشرحت دلالة البعدين في التنظيم السياسي المسيطر على العالم سواء كان يدعي الثيوقراطية أو الديموقراطية .وهما يجمعان على التأسيس الديني العنصري: • إما بشكل شعب الله المختار (إسرائيل). أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- استخدام الدين في السياسة يتردد بين موقفين معلومين للجميع: .1حصره في العبادات التي تصل إلى حد تحولها إلى الغاية الوحيدة منه كالحال في توظيفه الصوفي والجامي في الأنظمة المستبدة. .2أو حصره في المستوى الأدنى من الوظيفة الاجتماعية التي تتمثل في تحول ما هو من واجبات الجماعة إلى رشوة الناخب مقابل ولائه السياسي. لكن التوظيفين يجتمعان عادة حتى يطابق المظهر ما يضفي عليه قابلية التصديق في اخفاء الباطن .فتصبح العبادات التي هي التوظيف الأول أداة التوظيف الثاني الذي هو الغاية الحقيقية من توظيف الدين: • والتوظيف الأول يهدف إلى تأسيس الوساطة بين المؤمن وربه :التصوف نموذجا بزعم الولاية والتصرف في الأكوان وبزعم علم الغيب وهو غاية الكذب على الله الذي يدعون حاجة إلى وسيط بينه وبين المؤمنين الذين يستغفلونهم وهو يقول إنه أقرب إلينا من حبل الوريد. • والتوظيف الثاني هو يهدف إلى تأسيس الوصاية بين المؤمن وشأنه :شعب الله المختار في الصهيونية والأسرة المختارة في الصفوية هما غاية الخداع الذي يستعملونه لفرض العبودية الطوعية بتأييد من الكذبة الأولى. ولهذه العلة فلن استغرب إذا سمعنا قريبا أن رئيس تونس سيستعمل التوظيف الثاني وأن طباليه سيدعون التوظيف الأول ليضفوا الشرعية على الكذبتين. فما يجري لا يمكن فهمه من دون رده إلى سياسة باطنية استطاع بها ملالي إيران احتلال العراق وسوريا انطلاقا من قاعدة لبنان التي كانت هي بدورها قاعدة تشييع إيران نفسها في مرحلة تأسيس الصفوية في القرن السادس عشر. وذلك هو أصل تحريف الدين عامة وفي حالتنا تحريف الإسلام بإلغاء ثورتيه على التحريف المبني على التمييز العنصري بين البشر سواء بخرافة شعب الله المختار أو بخرافة أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- أسرة الله المختارة .وقد خصص القرآن جل آيات آل عمران لمسألة الحلف بين العلماء والأمراء التي كان مآلها إلى تأليه عيسى عليه السلام حتى يؤسسوا سلطان الكهنوت الروحي المؤيد لسلطان الطاغوت السياسي وذلك هو جوهر الفرعونية. لكن السورة تبرئ عيسى عليه السلام من هذا التزييف بقوله تعالىَ \" :ما كَانَ ِلبَشَ ٍر َأن يُ ْؤتِيَ ُه ال َّلهُ الْ ِك َتابَ َوا ْلحُكْ َم َوال ُنّبُوَّةَ ُثمَّ يَ ُقو َل ِللنَّاسِ ُكونُوا ِعبَادًا ّلِي مِن دُو ِن ال َّلهِ َو ٰلَ ِكن ُكو ُنوا َربَّا ِن ِّيي َن ِب َما كُنتُمْ تُعَ ِّلمُونَ الْكِ َتا َب َوبِ َما ُكن ُتمْ َت ْدرُسُونَ (\".)79 ولهذه العلة فإني أريد أن أشرح بكامل الدقة هذه العملية التي يؤسس عليها القرآن نقده للأديان التي تعتمد على هذين الآليتين في إلغاء حقيقة الدين الذي جعل لتحرير الإنسان بشعار :تحرير الإنسانية من عبادة العباد بعبادة رب العباد. لكن قبل ذلك فلأحسم القول في علة كتابتي هذه المحاولة بوصفي قد غادرت العمل السياسي المباشر ولست منتسبا لحزب النهضة بل أنا من المؤمنين بالنهضة التي هي حركة النهوض بالأمة وهي بهذا المعنى متقدمة على \"النهضة\" بالمعنى الحزبي وحتى على الإخوان المسلمين عامة. وأعلم أنه لا توجد قوة سياسية ذات مرجعية دينية -سواء كانت حزبا أو فرقة دينية - أو حتى بمرجعية تدعي فصل السياسي عن الديني تخلو من توظيف الدين بهذين المعنيين إلى حد معين فإن الشهادة لله تفرض علي أن أقول إن المخلصين ممن ضحوا بشبابهم وبمستقبل أسرهم في كامل القرن الماضي وبدايات القرن الحالي من الإسلاميين وخاصة من لم يصل منهم إلى الحكم لا يمكن أن يتهمهم أحد بأنهم يوظفون الدين بل كانوا في خدمته ضد من أرادوا أن يزيحوه لأن الحرب على الإسلام هي التي كانت ولا تزال مسيطرة على الإقليم. كما أني لا أنكر أني شاهدت الكثير ممن صار يدعي الانتساب إليهم بعد الثورة سواء في مصر أو في تونس أو في ليبيا أو حتى في العراق وفي الجزائر لا يمكن أن ينزههم أحد عن استخدام الدين لمغالطة المناضلين الشجعان الذين لم يفنهم العدوان عليهم خلال العهود أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- السابقة .وهو أمر طبيعي لأن كل قوة سياسية قربت من الحكم يكثر من حولها الانتفاعيون. وما كنت لأشهد لو انتسبت إلى النهضة مثلا لأن ذلك يجعلني وكأني ابرئ نفسي من هذا السلوك. لم أشأ الانضمام إلى حزب النهضة لأني لم أشارك فيها لما كانت تعاني من الظلم كله والحيف كله .وهي لا تزال تعاني من نفس العداء .فمن صاروا اليوم يعتبرونها خطرا على \"حظهم\" في الوصول إلى الحكم لعلمهم أن الشعب يعلم من هم وخاصة الآن وقد صار يختار بحرية من يراه أهلا لحكمه ما يزالون على مذهب ابن علي :استئصال الإسلاميين. وبعد أن أقصى الشعب كل من يعتبرهم أعداء قيمه ودينيه وحتى شروط حياته الكريمة لتحالفه مع المافيات التي حكمت منذ بداية عهد ابن علي ازداد العداء والضغينة .فقد غزوا حزب بورقيبة منذ انقلاب ابن علي أعني الذين يسمون أنفسهم قوميين ويساريين - وقد كانوا خصوم بورقيبة والمنتسبين إلى حزبه -لأنه لم يكن مثلهم خصيما للهوية بل كان مجددا بقدر الاجتهاد في الظرف المعلوم. وأقول يسمون أنفسهم قوميين لأنهم كانوا يناصبون بورقيبة العداء ثم صاروا أزلام ابن علي وعملاء المافيات التي خربت التربية والأخلاق والاقتصاد والثقافة في تونس بصورة تكاد تكون بلا رجعة. ولا يمكن أن أصدق من يدعي القومية وهو مؤيد للسيسي أو لبشار أو لحفتر وحتى قبلهم لمن كانوا يسمونهم زعماء القومية لأن أدنى حد للفهم يجعلهم هم سر تهديم العروبة وجعلها اضحوكة التاريخ حتى انقسمت إلى نوعين من العبيد لذيلي الاستعمار إيران وإسرائيل: فأي قومية تسمح لهم بأن يصفقوا لبشار الذي ساهم في احتلال إيران للهلال كله؟ وأي قومية تسمح لهم بأن يصفقوا للسيسي الذي يسهم في احتلال إسرائيل لمصر والخليج الذي صدق مسافة السكة؟ أما من يسمون أنفسهم يسارا فالكل يعلم أنهم كانوا يناصبون بورقيبة العداء مثل القوميين مع تحولهم إلى أداة ابن علي الإيديولوجية والبوليسية فأسسوا ما يسمونه سياسة أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- تجفيف المنابع وسياسة التصفية البدنية لكل إسلامي ومن لم يقدروا عليه يحاولون حصاره جاعلين من الغباء والبهامة أداة للسيطرة على الثقافة والجامعة والفضاء العام بمساعدة من أمهم فرنسا وعملائها في البلاد. ثم جاء السبسي فتصور نفسه ممثلا للبورقيبية وهو في الحقيقة تبنى سياسة ابن علي فكان أن أسس لكوكتال مولوتوف هو الحزب الذي سماه النداء فصار نداء الشؤم عليه إذ أنهى عهده بما يمحو أثره من تاريخ تونس الذي أراد أن يعتبر من رموزه بالالتصاق ببورقيبة. ولا أنكر أني عملت بما أستطيع للإسهام في وصوله إلى هذه النتيجة واستبعاد المرزوقي الذي اعتبره كان سينهي الثورة بعجلته .فقد كنت من الداعين لترك الخليط الذي كونه السبسي -خليط جماعة ابن علي والقوميين واليساريين -يعود بسرعة حتى يذهب بسرعة .وهو قد انقرض لأن حجمهم حددته الانتخابات الأخيرة :فهم لا يتجاوزون أربعة نواب واحد للجبهة وواحد للقوميين واثنان لصاحب البسكلات لأن البقية هي بالبقايا وهذا لن يدوم إذ سيتغير القانون الانتخابي فينقرضون كما انقرضت الجبهة وغيرها من عملاء الاستبداد والفساد. ذهب السبسي رحمه الله .لكنه ترك لنا نكبة علينا علاجها قبل فوات الفوت .ففي غفلة من حراس الدولة من الدفاع الاستعلامي سيطر موظفو الدين بالجوهر من القائلين بالوساطة (كنسية المراجع الباطنية) والوصاية (حكم الأسرة المختارة) .وهما الكذبتان اللتان تستعملها الباطنية لتخريب ثورة الإسلام الكونية التي نهت عن هذين التحريفين في الغاشية \" :22-21فذكر إنما أنت مذكر\" أي ليست وسيطا بين المؤمن وربه\" .لست عليهم بمسيطر\" أي لست وصيا على المؤمن في أمره. وإذا كان دور الرسول للتذكير حصرا ونفي السيطرة فذلك يعني أن الدين لا ينبغي أن يصبح أداة لجعل المؤمن خاضعا لسلطة روحية أو سياسية بل هو مكلف فرض عين بأن يكون سيد نفسه كما حددت ذلك سورة العصر: أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- .1فالفرد يحقق الإيمان .2والفرد يثبته بالعمل الصالح. .3والجماعة تحققه بالتواصي بالحق في الاجتهاد .4وتثبته بالتواصي بالصبر في الجهاد. .5والاجتهاد والجهاد كلاهما فرض عين وهو في السياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يجعل التربية والحكم للجماعة وليس لسلطة روحية أو لوصاية سياسة من أكبر الدجالين باسم الدين أعني باطنية التصوف ودجالة الحكم المتظاهرين بالإيمان في شكل عبادات هي من علامات التقية وليست من علامات التقوى. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- خصصت الفصل الأول لتنزيل مسألة استخدام الدين أو خدمته في العلاقة بين الدين والسياسة وفي حيزهما ووجودهما في الأعيان انطلاقا من الموقفين المتقابلين لدى السنة (لا وساطة ولا وصاية) والشيعة (وساطة ووصاية). وبينت فيه أن الموقف الثاني في تقابله مع الموقف الأول يعتبر نكوصا عن الرؤية القرآنية التي تتعلق بالبعدين المشتركين بين الديني والسياسي أعني: .1التربية في الدولة عامة :هل المربي وسيط بين المؤمن وربه أم هو مذكر بما يوجد في ما فطر عليه ونسي؟ الغاشية 22 – 21 .2والحكم في الدولة عامة :هل الحاكم وسيط بين المؤمن وشأنه أم هو ينوب الجماعة في ما لابد فيه مما يحتاج لفرض الكفاية مع فرض العين؟ ولم يكن القصد بالمقابلة بين الموقفين السني والشيعي أن توظيف الدين خاص بهؤلاء دون أولئك .إذ الفرق بينهما هو أن التوظيف ظرفي عند السني ويعتبر غير شرعي وهو جوهر النفاق في حين أنه بنيوي ويعتبر مقوما من العقيدة وهو جوهر التقية. لكن حتى الملحدون يوظفون الدين بمنطق فولتار لأن من شروط الوجاهة في الجماعة ترضية العامة التي هي في الغالب مؤمنة حتى بالخرافات .وهذا الأمر صار من شروط المشاركة في السياسة حكما أو معارضة بعد أن أصبحت أصوات الناخبين ضرورية لذلك ولا يمكن نيل الاغلبية للحكم أو حتى الأقلية للمعارضة من دون رضا العامة وتلك هي علة رفض أفلاطون للديموقراطية التي يعتبرها حكم النزوات والغرائز لا العقل. ولذلك فالأمر لا يتعلق باستعمال الدين والله أساسا للحكم في نظام ثيوقراطي بل حتى في الحكم الذي يستعمل العلمانية والإنسان أساسا للحكم في نظام انثروبوقراطي سواء كان علمانيا في جماعة ملحدة قسرا مثل الماركسية أو حتى علمانيا في جماعة لا يفرض عليها الإلحاد بل لها حرية المعتقد مثل الرأسمالية ويبقى التظاهر باتباع نظام القيم العام من أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- شروط المشاركة في السياسة أعني من شروط الوجاهة أو إن صح التعبير عدم مصادمة الرأي العام الشعبي. ولم يشذ عن هذه البدهيات إلا الحمقى من العلمانيين العرب .وتلك علة حاجتهم للحلف مع الاستبداد والفساد في الأفعال حتى وإن كانوا من المبالغين في التغني بالديموقراطية وحقوق الإنسان بالأقوال. ذلك أنهم لا يمكن أن يكونوا وجهاء في الجماعة وهم أكثر الناس احتقارا لشعوبهم بعد أن استعمروا ذهنيا وصاروا يتصورون أنفسهم من علية القوم لأن أحد المستعمرين ربت على أكتفاهم وجعلهم يتوهمون أنهم بديل عنه في التعامل مع الأمة بوصفها \"انديجان\" وهم مكلفون بتحضير الشعوب رغم أنوفهم. ولما كان هذا الشذوذ المرضي عند نخب العرب الذين يدعون العلمانية سواء كانوا ماركسيين أو ليبراليين تفسيره من أيسر الأمور لأن أصحابه ممن يريدون ممارسة السياسة سيزولون بمجرد انتصار الشعوب على الاستبداد والفساد السياسي فيذهبون معه لأنهم يمثلون إحدى تجلياته الثقافية فلن أطيل الكلام فيه أو عليه .وقد يصبحون أكثر الناس تظاهرا باحترام تقاليد الشعوب وقيمها حتى إنهم يصبحون من ممارسي الخرافة وعباد الأولياء ودجالي التصوف. لن أطيل الكلام في هذه الظاهرة التي هي من المفاعيل الثانوية للاستبداد والفساد السياسي في المجال الثقافي والفكري .وسأمر مباشرة إلى البحث في علل هذه الحاجة لتوظيف القيم الروحية والمنازل الخلقية التي هي من شروط العمل السياسي في الشعوب الحرة أي التي لرؤيتها دور في اختيار من يمثل إرادتها سواء كانت هذه القيم ذات مرجعية دينية أو غير دينية في السياسة. والسؤال هو كيف نفهم تجاوز الاقتصار على القيم المادية والمنازل الاقتصادية لنحدد علل استخدام هذه القيم الروحية والخلقية أو خدمتها؟ أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- بمعنى :ما شروط استعمالها المنافق لمخادعة الناخبين واستعمالها الصادق لترقية أخلاق الجماعة في التربية والحكم؟ وطبعا لو لم تكن شرطا ضروريا دون أن يكون كافيا لما وجد النفاق. فالنفاق من علامات الحاجة إليها بمعنى أنه حتى من لا يؤمن بها يجد نفسه مضطرا للتظاهر بها حتى ينال الوجاهة الضرورية ليكون مقبولا عند الرأي العام الذي تتحدد منزلة من يريد ممارسة العمل السياسي بمقدار حصوله على مقدار الوجاهة والسمعة التي تنقله من مجرد إنسان عادي إلى إنسان يمكن أن يثق فيه الناس فيرشحونه لتمثيل إرادتهم :وأتكلم في حالة جماعة الأحرار لأن الجماعة المستعبدة لا أحد يستمد منها شرعيته بل هو يستمدها ممن يستبعدهم .والمشكل في النخب العربية الحالية هو أنها تعتبر شعوبها عبيدا مرتين: • فهي عبيد لمن اختاره حاميه من يحتمون به لفرض فكرهم المريض الذي يتصور نفسه وصيا على الجماعة ومطالب بتحضيرهم رغم أنفهم بالحرب على ثقافتهم وتعويضها بالثقافة التي صار يعتبرها عين الحقيقة التي تلغي ما سواها. • وهي عبيد لمن يستعبد من يحتمون به بمعنى أن من يحتمون به قد يستبدلهم بغيرهم إذا عن له ذلك فيحتمون بمن يحميه فيفرضهم عليه ويصبح هو من يختار بطانة الحاكم العربي من \"مثقفي\" بلاده وإعلامييه وحقوقييه والمتكلمين باسمه وباسم عهده .والكثير منهم ليسوا بالضرورة من ابناء البلاد بل هم \"خبراء\" مستوردون خبراء في الدجل والكذب. لذلك فليس هؤلاء هم من سأهتم بهم في بحثي عن علل استخدام القيم الروحية والخلقية سواء كانت ذات مرجعية دينية أو لا دينية حتى أحدد علل الحاجة السياسية لتجاوز القيم المادية والمصلحية المباشرة ما يعني أن السياسة لا يمكن أن تنحط إلى هذين وحدهما من دون أن تفقد صفتها السياسية وأكبر الأدلة على هذه الحاجة هي النفاق والكذب: فلو لم يكن وجودها ضروريا ضرورة الماكياج للمرأة لاستغنى عنها. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- فمثلما أن المرأة القبيحة لا يمكن أن تستغني عن الماكياج ما يجعل المرأة الجميلة هي بدورها بحاجة إليه على الأقل بحكم التنافس مع القبيحة على استخدام الجمال أو خدمته فكذلك السياسي الفاسد لا يمكن أن يستغني عن النفاق ما يجعل السياسي الصالح هو بدروه بحاجة إلى شيء منه على الأقل بحكم التنافس على استخدام الخير أو خدمته. ولعل من علامات ذلك الحاجة أحيانا للقبول بشيء من الخرافة والوثنية في سياسة المسلم لئلا يصادم العامة التي تؤمن بالأولياء وتظنهم صالحين وبزيارة القبور. ولعل النفور الذي يلقاه ابن تيمية علته مبالغته في جعل الدين مطلق التجريد بصورة تفقده مفعوله على الوعي الشعبي لكأن كل البشر على قدر من الوعي بالمعاني المجردة التي يرجع إليها الإيمان الصادق والصافي. وما أصفه هنا ليس نفاقا بل هو مداراة مجانسة للمداراة التي يحتاج إليها المربي في تدريج المتعلم من الأمثلة التي يستعملها لإفهامه المعاني المجردة إلى ان يوصله إلى التمييز بين المثال الذي يضرب لتجسيم المعنى والمعنى الذي لا يتجسم في الاعيان بل هو معنى لا تدركه إلا الـأذهان. ولولا ذلك لاعتبرنا المسلمين يعبدون الحجر الأسود والأوثان في الحج. بقاء شعائر الحج لها هذه الدلالة ومن الحمق ظن بعض المسلمين أن الهنود يعبدون البقر بل هم يعبدون رؤية معينة للإلهي حتى وإن كانت هذه الرؤية هي بدورها وثنية لأنها ترده إلى سيلان الحياة الأبدي والتناسخ. وإذن فاستخدام الدين في السياسة أو خدمته بالسياسة لا ينتجان عن السياسي من حيث هو سياسي فحسب بل ينتجان كذلك عن كون المعاني المجردة لا يمكن تلقيها من دون تعينها في صور محددة في الأعيان بحسب الثقافات المختلفة وبحسب المستويات المختلفة للأذهان المتلقية في نفس الثقافة. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- ذلك أن الإنسان لا يرى المعاني إلى متعينة في صور يعتبرها دالة عليها سواء كانت هذه الصور من جنس ما يتجسم في الأقوال أو في الافعال أو المقولات أو في المفعولات وكلها أشياء ذات وجود مادي فعلي تدركها الحواس وتؤولها العقول. وبمعنى ما فلا يوجد انسان ليس فيه بعض من الوثنية لأن المعنى المجرد لا يتلقى إلى بوصفه متعينا في تمدد ما (المكان) لمدة ما (الزمان) بمدد ذاتي له أو مستمد من غيره فيكون كل أمر ندركه فيه إحالة إلى معنى لكونه من حيث قيامه في ساحة وعينا يعتبر رمزا لذاته ولما وراءها .فما من شيء نراه حيا كان او جامدا إلا وهو في آن رامز لذاته ولما وراءها إليه يرد وجوده ومعناه. وبهذا المعنى فكل البشر من حيث هم بشر يستخدمون الدين والمعاني القيمية ويخدمونها طوعا أو كرها. والظاهرة ليست من جنس الأدوات التي يمكن أن نختار استعمالها أو عدم استعمالها بل هي ملازمة لكيان الإنسان وخياره الوحيد ليس بين استعمالها وعدمه بل بين استعمالها الخير واستعمالها الشرير أي بين الصدق في استعمالها لما أهلت له أو استعمالها للخداع من أجل وجاهة كاذبة وهذا هو الغالب على الساسة المتحيلين .وغالبهم كذلك. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- بعد ان بينا أن السياسي من حيث هو سياسي لا يمكن أن ينفصل على نوعي القيم المادية الاقتصادية والروحية الخلقية سواء كانت من طبيعة دينية أو من طبيعة لا دينية فلا وجود لسياسة حتى في الانظمة الاستبدادية تخلو من التلازم بين النوعين من القيم. لكن السؤال المضاعف هو تحديد طبيعة النوعين ودلالة توظيف أحدهما ليكون خادما والثاني مخدوما لأن السياسي من حيث هو سياسي يتحدد توجهه ورؤيته التي تجعله محققا لطبيعته الغالبة ولوظيفته المميزة له أو منافيا لهما بهذا المعيار الذي يبين: .1تقديم الروحي والخلقي على المادي والاقتصادي أو العكس. .2استخدام الأول أداة للثاني أو العكس. فيكون هذا المعيار صادقا في حالة الطرد ومنافقا في حالة العكس. ويكون في الحالة الأولى معيارا ذا دلالة فعلية على ما وصفنا في 1و 2وفي الحالة الثانية على عكسهما بمعنى أنه: .1يوظف الروحي والخلقي للتغطية بالأقوال على ما ينافيهما في الأفعال. .2وإذن فالروحي والخلقي يستخدم من أجل المادي والاقتصادي. وخلال البحث عن هذه الحالة وهي الغالبة على السياسي تبين أن بنية النظامين السياسيين الذي يدعي التربية بالوساطة الروحية والحكم بالحق الإلهي او النظام الثيوقراطي والذي يدعي التربية باسم بالوساطة باسم الإنسان والحكم بالحق الإنساني أو النظام العلماني (وخاصة الملحد) كلاهما يعتمد بنية عميقة واحدة هي النظام الذي يحكم بقوة معدن العجل ويربي بقوة خواره. وهذا هو النظام الأبيسيوقراطي (نظام العجل). ويمكن أن نسمي النظامين بنظامي العبودية إما باسم السماء أو باسم الأرض .ومن هنا لا بد أن نحدد المقصود بالمرجعية التي تتجنب هذين الأساسين الديني واللاديني في آن بمعنى أنها تعتمدهما مرجعية لكنها لا تستمد منهما قيما ليست في كيان الإنسان نفسه بل أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- تستمد منهما ما يتحدد بما سميته المعادلة الوجودية التي هي في كيان الإنسان وفي كيان عالمه الذي يتحيز فيه طبيعيا وتاريخيا: .1ففي كيان الإنسان يوجد العامل الطبيعي والعامل التاريخي .ويمكن اعتبار كيانه العضوي ممثلا للعامل الطبيعي وكيانه اللاعضوي ممثلا للعامل التاريخي أي لما يدرك كيانه العضوي دون أن يدركه لأنه هو ما يدرك به ويدرك أنه يدرك به ولا يحسه بأي من حواسه متجسما فيه أو خارجه مثل بدنه .ويمكن أن نعتبره ما لا ندركه من كياننا العضوي ويمكن أن نعتبر كياننا العضوي هو ما نعلمه من كياننا الروحي. .2وهذا الكيان العضوي والروحي هو دائما في علاقة ما يتعالى عليه بصوفه مثالا أعلى من ذاته أو باعتباره الكائن الكامل والمطلق الذي ننسب إليه كل كمال فينا وننزهه من كل نقص فينا ونعتبره مطلقا من حيث الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .ولنسم هذا المثال الله أو الرب أو أي كائن مطلق لا نستطيع عنه فكاكا لأن نفيه هو بنفسه إحالة عليه. .3وعلى يمين هذا التلازم بين الإنسان وربه نجد علاقة الإنسان بالطبيعة التي يستمد منها ما يسد حاجته العضوية. .4وعلى يسار هذا التلازم بين الإنسان وربه نجد علاقة الإنسان بالتاريخ الذي يستمد منه ما يسد حاجته الروحية. .5وهذان الاستمدادان يصلانه بصورة غير مباشرة بما وراء لهما يجعلهما موصولين بما تتصل به نفسه مباشرة لأنه لا يستطيع أن يرد ما يستمده منهما إلى نفسه أو إلى الإنسانية فلا يستطيع الاستغناء عن المارواء المباشر واللامباشر وكل حياته هي محاولة فهم هذين الماورائين المباشر بينه وبين ربه واللامباشر بينه وبين عالميه الطبيعي و التاريخي على الأقل بما فيهما مما لا يمكنه إلا كذبا نسبته إلى نفسه .وحتى مهرب الصدفة فهو لا يخلصه منهما لأنها تبقى كذلك ما وراء لا سلطان له عليه ويشعر أن تابع له مهما فعل للتحرر منه حتى لو بلغ سخافات التصوف أو الوجودية التي تدعي التعين الوجودي متقدما على أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- الكيان الماهوي (المقابلة السارترية السخيفة بين الوجود الماهوي – الأسنس أو الزاين -أو الوجود المتعين -الاكزيستن أو الدزاين .)- وحتى أشرح نظرية العجل الذهبي ودورها من حيث هي بنية عميقة للنظامين الثيوقراطي (الحكم باسم الله) والأنثروبوقراطي (الحكم باسم الإنسان) أي بينة النظام الأبيسيوقراطي (الحكم باسم العجل) واعتبارا للسياسي مؤلفا دائما من بعدين هما بعد التربية وبعد الحكم شرطين لسد الحاجات الروحية الخلقية والمادية الاقتصادية وضعت نظرية الرمزين بوصفهما أداتي كل سياسي من حيث هو سياسي: .1رمز الفعل أو العملة وهي رمز التبادل بين الناس في القيم المادية والاقتصادية في كل جماعة لان الرمز هو ما من دونه يستحيل التبادل الناجع .فالمقايضة لا تكون إلا مباشرة ولا تمكن من التبادل إلا في الحالات البسيطة ولا تحل مشكل التبادل غير المباشر .ومن ثم فهي تحول دون تطوره ونجاعته لرهن التبادل على العين بدل النقد .فتحول من ثم دون تراكم الثروة في شكلها الرمزي الذي يحرر الإنسان من سلطان المكان والارتباط الدائم بالعيني. .2فعل الرمز أو الكلمة وهي التواصل بين الناس في القيم الروحية والخلقية في كل جماعة إما في ذاتها أو حول التبادل ومن ثم فهي الشرط الأول لأن هذا الرمز هو ما من دونه يستحيل التواصل الناجع .فالإشارة التي هي من جنس المقايضة لا تكون إلا مباشرة ولا تمكن من التواصل إلا في الحالات البسيطة ولا تحل مشكل التواصل غير المباشر في المكان وفي الزمان .ومن ثمة فهي تحول دون تطوره ونجاعته .ولا تحل مشكل التواصل غير المباشر .فهي لا تصلح إلا للتواصل العيني والحيني فتحول من ثم دون تراكم التراث في شكله الرمزي الذي يحرر الإنسان من سلطان الزمان والارتباط الدائم بالحاضر. وليس بالصدفة أن كان هذان الرمزان هما عينهما بعدا العجل: .1فمعدنه كان دائما رمز العملة على الأقل إلى حدود اتفاقية بروتن وودس أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- .2وخوراه كان دائما ولا يزال رمز الكلمة المغشوشة التي تجعلها لا تجلي الحقيقة بل تخفيها وهو معنى الخوار الإيديولوجي والإعلامي والملاهي في الفنون الأكثر تمثيلا لسلوك الإنسان. وبذلك انتقلنا من أشكال سياسية للتربية والحكم -وهما بعدا السياسي في كل حضارة: .1والتربية وظيفتها علاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة وما يترتب عليها من علاقات بين البشر بتطوير ما يسميه ابن خلدون بالوازع الذاتي أي سلطان الإنسان على نفسه بنفسه -جوهر الأخلاق الفردية للتعايش -شرطا في قيام الجماعة وتواصلها بما تنتجه من تراث لذاته وبوصفه شرط قدرة الإنسان على إنتاج أدوات علاقة بالطبيعة. .2والحكم وظيفته علاج العلاقة الأفقية بين الإنسان والإنسان وما يترتب عليها من علاقات بينهم وبين الطبيعة بتطوير ما يسميه ابن خلدون بالوازع الاجنبي أو سلطة القانون -جوهر الاخلاق الجماعية لإخضاع التعايش للقانون -حماية الجماعة بعضها من البعض ومن الحكم بسلطة القانون وقدرة تنفيذه ومن العدوان الخارجي عليها. وبذلك فالدولة من حيث هي جهاز عام لا تصبح فاعلة إلا بما يؤدي وظائف الجهاز ممن يملأ مؤسساته ملأ يكون فيه القيمون على المؤسسات نوابا للجماعة في إدارة شأنها إذا كانت جماعة حرة روحيا ليس بينها وبين ربها وسيط وحرة سياسيا ليس بينها وبين شأنها أو أمرها وصي. تلك هي الإشكالية التي علينا حسمها في الفصل الاخير من المحاولة لبيان كيف تتحول هذه الوظائف إلى نقائضها ما يجعل الدولة تفقد ما لأجله أنشئت أعني الحماية والرعاية شرطي كل سيادة فعلية لجماعة الأحرار. والجماعة التي تفقد هذه الشروط يسميها ابن خلدون بالعالة وأفرادها عيالا. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وصلنا الآن إلى غاية المحاولة .وفيها سأبين الخفي وراء هذا التلازم بين جنسي القيم المادية والاقتصادية والقيم الروحية والثقافية سواء كانت ذات مرجعية دينية أو لا دينية. وبيان تعين الجنسين في أداتي التبادل (للاقتصاد أو العملة) والتواصل (للثقافة أو الكلمة) .وقد حاولت في الفصول السابقة ربط ذلك بكيان الإنسان ذاته: .1من حيث هو كائن عضوي لا بد له من سد الحاجة العضوية وذلك هو مصدر حاجته إلى القيم المادية والاقتصادية. .2ومن حيث هو كائن لاعضوي لا بد له من سد الحاجة اللاعضوية وذلك هو مصدر حاجته إلى القيم الروحية والثقافية. وسبق أن بينت أننا لا نعلم طبيعة العلاقة بين مكوني كيان الإنسان العضوي والروحي. وكل ما يمكن افتراضه هو أن البدني هو المرئي من الروحي وأن الروحي هو اللامرئي من البدني إذا قبلنا بأن حقيقة كيان الإنسان من الغيب المجهول .وهي ما وراء هذين الوجهين المرئي واللامرئي من الكيان. كما بينت أن سد الحاجتين لا يمكن أن يحصل من دون تعاون وتبادل من شرطه التعاوض العادل بين المتبادلين .وتلك هي علة الحاجة إلى نظام قانوني يجعل ذلك ممكنا باعتباره وازعا أجنبيا هو سلطة القانون بشرط أن تؤيده سلطة قادرة على تنفيذه وذلك هو معنى كونها اجنبية أي من خارج طرفي النزاع إن حصل. لكن هذا النظام لا بد أن يكون له سند من نظام خلقي في ضمير كلا الطرفين يجعله قناعة ذاتية باعتباره وازعا ذاتيا هو سلطة الأخلاق .وقد يغيب هذا الوازع إذا كان الإنسان هو المعتدي لكنه سرعان ما يرجع عندما يكون هو المعتدى عليه. وبذلك يتبين أن السياسة تحتاج إلى هذين الوزعين كما عرف ذلك أبن خلدون مفضلا الأول على الثاني .لكنه يعتبره غير كاف .ويعتبر الثاني في غياب الأول هو جوهر الاستبداد .والذاتي منهما هو مهمة التربية خاصة .والأجنبي منهما هو مهمة الحكم خاصة. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- وكلاهما يشترط فيه ابن خلدون ألا يكون عنيفا .ومن ثم فلا سياسة من دون التلازم بين نوعي القيم في الجماعة ونظامي تحقيقهما في كيان الإنسان وفي شروط الاستجابة إليهما أي إلى حاجاته الفردية والجماعية. والحاجات الفردية والجماعية هي المحرك الفعلي لكل نشاط إنساني .والسياسي هو الجامع بين كل الأنشطة الإنسانية .ومنهما يستمد الرمزان رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (الكلمة) فاعليتهما في سلوك البشر سواء كان سلوك الفاعل أو سلوك المنفعل في المعاملات. وحتى أبين هذا السر الخفي في الفاعلية السياسية ودور نوعي القيم فيها إما بهما مباشرة أو بما يرمز إليهما أي العملة والكلمة بصورة غير مباشرة لا بد من دراسة أمرين أحدهما يحدد طبيعة دورهما العادل والظالم والثاني يضرب مثالا من تأثير الدورين: .1الأول هو كيف تتحول العملة من مجرد أداة تبادل إلى أداة سلطان على المتبادلين؟ وكيف تتحول الكلمة من مجرد أداة تواصل إلى أداة سلطان على المتواصلين؟ والمطلوب هو فهم كيف أصبح احتكار الثروة في شكل رمز الفعل -أو العملة -واحتكار التراث في شكل فعل الرمز -أو الكلمة -وكيف أصبحا أهم أدوات الحكم والتربية للسيطرة على سد الحاجتين العضوية والروحية في حياة البشر .فهما تمثلان كل ما يسدها تمثيلا مجردا وكليا دون تعين ما يجعل صاحبها متحررا من تعين الثروة والتراث والتحكم في الأسواق الاقتصادية والثقافية. .2والثاني هو بيان ذلك في الفعل من خلال مثال تاريخي حقيقي حصلت بمقتضاه هذه النقلة بصورة علنية لأنها حاصلة في النظامين السابقين عليه بصورة خفية كما سأبين .وهذه هي اللحظة التي تسمى بالثورة البرجوازية خلال: • الانتقال من تقدم دور القيم الاقتصادية القارة إلى تقدم القيم المنقولة بفضل دخول ربا الأموال والانتقال من تقدم العملة الذهبية في الثقافة المسيحية إلى العملة الورقية بعد الإصلاح (الثروة السائلة). أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- • والانتقال من تقدم دور القيم الروحية القارة لأنها تعتبر سماوية وأخروية إلى تقدم القيم الروحية المنقولة لأنها تعتبر أرضية ودنيوية فنشأ ربا الأموال بتعميم العملة الورقية في اقتصاد البلاد المسيحية وربا الأقوال والكلمة الورقية في ثقافة البلاد المسيحية بتعميم الكتاب (المطبعة). ولا بد إذن من بيان علاقة العملة والكلمة بحاجتي الإنسان المادية والروحية بوصفهما يمثلان المعنى الكلي الذي يجعل التعامل سواء كان تبادلا أو تواصلا لا يلزم صاحبهما بملكية ثروة أو تراث عينيين قائمين بذاتهما من حيث هما بل يكفي بما للعملة من قدرة على تمثيل الثروة عامة دون تعيين والكلمة على تمثيل التراث عامة دون تعيين حتى يكون صاحبهما ذا سلطان على من يملك منهما شيئا معينا لا يستطيع استعماله إلا إذا وجد من يحتاج إليه حين حاجته هو إلى ما عنده في المقابل. وهذا التحرر من التعين هو جوهر التجريد والكلية وهو أقوى سلاح في الانتقال من الخصوصية إلى الكلية ومن التعدد إلى الوحدة ومن العوالم الحضارية المتعددة إلى عالم ذي نمط حضاري واحد يفرض نفسه على البقية ويلغي التعدد الحضاري والثقافي إلغاءه للتعدد الاقتصادي. وذلك هو جوهر العولمة التي لم يعد فيها دين العجل خفيا بل صار بعداه علنيين في العالم كله :سلطان معدن العجل (العملة الورقية ورمزها الدولار) وخواره (ورمزه الإعلام والملاهي الأمريكية). فيكون الانتقال من الاقتصار على دور الأداة في التبادل بالنسبة إلى العملة وعلى دور التواصل بالنسبة إلى الكلمة ليس قرارا تحكميا بل هو ناتج ضرورة عن الطابع المجرد الذي يضفي حرية شبه مطلقة على فاعلية صاحب العملة في التبادل .فهو متحرر من تعين الحاجة المادية .وتحرر فاعلية صاحب الكلمة في التواصل .فهو متحرر من تعين الحاجة الروحية. ويقاس التحرر التبادلي بالمقارنة بين تبادل المقايضة وتبادل العملة في التجارة كما يقاس التحرر التواصلي بالمقارنة بين تواصل الإشارة وتواصل الكلمة في العبارة. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- وما كان ذلك ليكون ذا فائدة لو لم تكن الحاجة العضوية والحاجة الروحية من جوهرهما أن تكونا مباشرتين ولا تقبلان الانتظار أو التأجيل وخاصة عند المحتاج إليهما ممن ليس له القدرة على ادخار ما يغنيه عن العجلة .وحتى من له القدرة على ادخارهما فهو لا يختلف كثيرا عن العاجز دون ذلك لأن إلحاح الحاجة ليس أمرا موضوعيا بل هو أمر ذاتي وفيه شبه إدمان على المزيد الذي لا يتوقف وهو من جنس اللامتناهي الزائف. ومعنى ذلك أن الإنسان مهما ملك يبقى دائما متشوقا للمزيد فيكون إلحاح الحاجة ملازما له حتى لو كان أغنى الأغنياء في الثروة وفي التراث .فالإنسان لا يتوقف أبدا عن طلب المزيد منهما ولا يريد أن يفوت الفرصة خاصة إذا كان تاجرا في القيم المادية أو في القيم الروحية فيريد التبادل أو التواصل الحيني لئلا تفوت عليه فرصة الصفقة :وذلك مستحيل في المقايضة تبادليا وفي الإشارة تواصليا. والآن فما مصدر الحاجتين؟ إنه ما رمزت إليه رمزا جامعا بين الاستعارة والكناية في آن أعني بسلطان المائدة (الغذاء وما يتبعه) وبسلطان السرير (الجنس وما يتبعه) في مستوى أول. وأما المستوى الثاني فدوره أقوى من دور المستوى الأول. إنه ما رمزت إليه بفن المائدة وبفن السرير .فالفقراء غالبا ما يكون همهم سد حاجة المائدة وحاجة السرير بالقدر الموجود دون تفنن في الاختيار الذي ليس في متناولهم. لكن سد الحاجات الأولية أمر عسير وعسير جدا بالنسبة إلى غالبية البشر لأن الثروة والتراث تتراكم عند الأقلية دائما وهي لو وزعت بالعدل لاستحال تراكمها .لكن ما يعني الأغنياء ليس المائدة و لا السرير لأنهما متوفران بل التنافس بينهم هو في فن المائدة وفن السرير .وليس لهما حد ولا معيار .فهو في الأخير غاية الترف والمجون في كل المجتمعات ويصحبه التبذير في المائدة .لكن التبذير في السرير ممكن للمرأة وغير ممكن للرجل لعلل عضوية معلومة .ولهذه العلة فالمرأة أقوى من الرجل دائما مهما توهم الرجل. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- وينبغي هنا أن نعلم أن علاقة الرجل بالمرأة هذه هي العلة الفاعلة في كل ما تقدم بمعنى أن ضعف الرجل وقوة المرأة هي العلة الغائية الأساسية في الانتاجين وهو أمر قلما يعترف به الرجال. ففن المائدة وفن السرير هما المحددان الأساسيان لكل ما يتعلق بالذوقين العضويين واللاعضويين أو بالذوق في الغذاء والجنس وفي الفنون الجميلة كلها معمارية كانت أو هندامية .ويجمع بين الامرين ما يتعلق بالجماليات الطبيعية أو الاستكمالية لما هو طبيعي مثل كل أدوات الزينة وهي بالاساس انثوية حتى عندما يتبناها الرجال. وهذه الظاهرة المتنوعة هي العلة الغائية للاقتصاد والثقافة مباشرة بما قدمت وبصورة غير مباشرة بما لهما من تأثير في العلة الفاعلة لأن العلة الغائية تعود على العلة الفاعلة فتكون فاعلة فيها .وهذه العلاقة المعقدة هي التي تجعل أدوات الاولى غاية الثانية. فالمدرسة والمعبد أي مؤسستا البحث العلمي الطبيعي والإنساني وفي ما بعدهما المتعالي عليهما كلاهما يمثل الشرط الضروري والكافي لإنتاج أدوات ما يسد الحاجات ومناهجه لأنه اكتشاف لقوانين الطبيعة وسنن التاريخ وعلاقتهما بالديني والفلسفي عند كل الجماعات البشرية. والاقتصاد والثقافة ليس لهما من هم ومن محرك غير هذه العناصر الأربعة التي هي العلة الغائية لكل إنتاج إنساني .ومن ثم فهو أيضا علة العلة الفاعلة بمعنى أن سد الحاجات للاستجابة إليها غاية .لكنه في آن علة فاعلة للعلة الفاعلة التي هي أداة أدواتها كما في مثال الدافع إلى الترحال في القبائل البدائية من أجل البحث عن الماء والكلاء .ولا يزال الأمر على ما هو عليه حتى عند الشعوب المتحضرة الحالية مثل البحث عن اكتشاف المواد والطاقة. وتلك هي أسرار الحياة الجمعية ومحرك الحياة السياسية .وكل ما عدا ذلك يمكن أن نعتبره من التبرير الإنساني للتبرؤ الإنساني مما في الإنسان من حيواني .وليس معنى ذلك أني لا أصدق بوجود ما يتعالى على الحيواني في الإنساني بل معناه أن الحط من الحيواني أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- في الإنساني ليس إلا نتيجة للتحريف الذي يخرجه من التعالي وهو أصل التحريف الإنساني للمتعاليات. فعندما يعتبر أفلاطون المادة مصدر الشر فالنتيجة التي تترتب على ذلك هي اعتبار البدن مصدرا للشر في حياة الإنسان .ثم بالتدريج يصبح الجنس مدنسا .ويترتب عليه احتقار المرأة .لذلك فقلما تجد فيلسوفا يعتبر المرأة كائنا جديرا بالاحترام .وبخلاف خرافات الحداثيين العرب فإن منزلة المرأة معدومة أو تكاد في الفلسفة وهي لم تصبح ذات معنى إلا في الإسلام رغم أن أغبياء الفقهاء ومفسري القرآن صدقوا الإسرائيليات التي تعتبرها عاهرة بالجوهر ومن ضلع أعوج إلخ ..وكل ذلك يتنافى تماما مع أول نص لا يخاطب الرجال وحدهم بل لا بد من مخاطبة النساء معهم وأول رسول وضعها في منزلة الصلاة والطيب قربا إلى قلبه. وهذا العامل هو أساس الدافع الذوقي لكل حياة اقتصادية وثقافية في أي جماعة .ومن يتجاهل ذلك لا يمكن أن يفهم دور المرأة في السياسة مباشرة تربية وحكما وبتوسط دوريها في الاقتصاد والثقافة دفعا للذائقة المادية والفنية .لكن التصور المحرف للديني في المسألة هو الذي أنتج ما يسمى بالخطيئة الموروثة Die Erbsündeفي التراث اليهودي المسيحي الذي تبناه المفسرون والفقهاء والمتكلمون والمتصوفة مع تبني الرؤية التي تعتبر المادة مدنسة في حين أن القرآن يعتبر آدم الذي هو من تراب أسمى منزلة وجودية من الملائكة وبرأ آدم وحواء ولم يعتبر اخراجهم من الجنة عقابا بل فرصة ثانية لإثبات جدارتهما بالاستخلاف. وبمجرد تحول العملة والكلمة أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين يزول كل تبادل وتواصل غيرهما فتفقد المرأة دورها المتجاوز للأداة الاقتصادية والثقافية فلا يبقى لها دور ذاتي لها تكون فيه غاية بدلا من أن تكون أداة .وأولى ضحايا هذه النقلة تهديم الأسرة لأن معنى التبادل والتواصل المتعاليين على التقدير بالقيم المادية يزولان فلا يبقى التقدير بالقيم الروحية وتصبح الأسرة وكأنها شركة اقتصادية ومن ثم فهي في حرب دائمة أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- بين الجنسين .ويصبح المعنى المجرد للقيم المادية وللقيم الروحية معاني عديمة المضمون العيني فيزول معنى الأبوة والأمومة والطفولة والبنوة .ويصبح الجميع في أشبه ما يكون من علاقة الأجير والمؤجر .وكل ذلك علته القيم البرجوازية. وفي هذه القيم تصبح المرأة مجرد بضاعة أو زينة للوجاهة عند رجال الأعمال والسياسيين أو واسطة للإغراء والخداع .فهي عند الأولين وسيلة تسويق ووساطة تجارية وعند الثانين وسيلة استعلامات ووساطة علاقات .ويتحول التجار والحكام إلى مجرد قوادة يستعملون القيم الحقيقية طمعا في القيم المزيفة .وأولى القيم الحقيقية الحب الذي يتحول إلى اغراء خداعي إما للوساطة أو للاستعلام .والسعي لتحرير البشرية من هذه الأدواء كما حددها الإسلام هي التي يعسر فهمها حاليا ما ظلت النخب السطحية تعتبر محاكاة الانحطاط الروحي والخلقي تقدما. والحلول التي يقدمها الإسلام وما تعتمد عليه من تبرئة الجنس الذي هو جوهر النصيب من الدنيا لتحقيق التوازن النفسي للإنسان هي علة عدم فهم علماء الكلام المسيحي رؤية الإسلام الوجودية .لذلك فهم قد اعتبروا الرسول أبيقوريا لأنه برأ الجنس واعتبر من حق الإنسان ألا ينسى نصيبه من الدنيا وبرر التعدد المتساوق للرجال والمتوالي للنساء (بتحليل الطلاق وحفظا للأنساب) .فقد كانوا بمنطق الكنسية يعللون \"العزوبية\" باعتبارها من شروط التمحض لعبادة الرب ولا يرون أنها \"ضد الطبيعة = كونترو ناتور\" .ومن ثم فقد اعتبر القرآن عزوبية الكهنوت من أدلة أن أكثرهم من الفاسقين إذ هم يجعلون المثلية الذي لا يخلو منها عمران الحل الوحيد لإشباع الحاجة الجنسية الطبيعية فضلا عن التحنف الكاذب والزائف. ولذلك فالعملة والكلمة هما أداتا الحكم والتربية بعدي السياسة في جميع المجتمعات وأداتا التسلط الذي يفسد القيم الروحية المتعالية على القيم المادية .وبهذه الصفة فهما يمكن أن تكونا أداتين للتبادل والتواصل الضروريين للحكم .ويمكن أن تصبحا أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين .لذلك اختم هذا القسم الأول من سر التلازم بين نوعي القيم في أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- السياسي لأنهما مرتبطان بكيان الإنسان وبشرطي وجوده في الطبيعة (مصدر الرزق المادي) وفي التاريخ (مصدر الرزق الروحي) واستحالة سد هذين النوعين من الحاجة من دون التعاون الذي يترتب عليه التبادل بسبب قسمة العمل. والتبادل يقتضي التعاوض والتعاوض لا يكون مقبولا إلا إذا كان عادلا .ومن ثم فلا بد من وجود الوازعين الذاتي وهو غاية التربية والأجنبي وهو غاية الحكم .والوازعان هما شرط العيش المشترك لأنهما يحميان الناس بعضهم من البعض ويؤسسان للثقة المتبادلة كما يحمياهم من الحكام ومن العدوان الخارجي وتلك هي سلطة القانون وسلطة ما ينسب إليه من شرعية وعدل: -1فلا يمكن تصور التبادل من دون عملة لعجز التقايض خارج البضائع والخدمات العينية في محدود المكان. -2ولا يمكن تصور التواصل من دون كلمة لعجز التشاور خارج اللقاءات الحية في حاضر الزمان. وتلك هي القوة التي تجعل العملة والكلمة تصبحان قابلتين للانتقال من كونهما أداتي تبادل وتواصل إلى أداتي سلطان على المتبادلين والمتواصلين وهما ثمرة ربا الأموال وربا الأقوال .وسلطان ربا الأموال في التبادل وسلطان ربا الأقوال في التواصل هما أداتا دين العجل اللذان يمثلان أداتي نوعي الأنظمة السياسية الأشهرين: .1الثيوقراطيا أو التربية بالوساطة والحكم بالوصاية نيابة عن الآلهة. .2الانثروبوقراطيا أو التربية بالوساطة والحكم بالوصاية نيابة عن البشر. أما البديل منهما -وهو ما يقترحه الإسلام -فليس هو موضوعي هنا لأني خصصت له دراسات سابقة فهو متعلق بهذين الانتقالين وكيفية التصدي لهما بالتربية والحكم بمعنى أن التربية والحكم يعتمدان على علاج هذا الانتقال من اداة التبادل إلى أداة السلطان على التبادلين أو ربا الأموال ومن أداة التواصل إلى أداة السلطان على المتواصلين أو ربا الأقوال. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- وأمر الآن إلى المثال الذي يمكن أن يوضح المسألة في مجراها التاريخي. فما حصل في الانتقال من النظام الذي يحقر منه عادة ويسمى النظام الفيودالي إلى النظام الذي يكثر الناس من مدحه ويسمى النظام البرجوازي يعطينا مثالا حيا من هذا التحول في دور العملة والكلمة وسر العلمانية .وطبعا لست من مادحي النظام الفيودالي لأنه هو النظام الثيوقراطي ولا من مادحي النظام البرجوازي لانه هو النظام الانثروبوقراطي :فكلاهما في عمقه ليس إلا دين العجل. وقد بينت أن لهما نفس البنية وهي بنية دين العجل رغم أن الأول يبدو متحررا من سلطان العملة والكلمة .ولا بد هنا من بيان أن سلطانهما يمكن أن يتخذ شكلين: .1الشكل الذي يكذب على السماء وهو ربا الجزاء على الأفعال وعلى الاقوال في الغيب. وهو الذي كان سائدا في العصر الفيودالي والثيوقراطي وهو يشبه الجزاء الورقي بمعنى أنه جزاء كاذب. .2والشكل الذي يكذب على الأرض وهو ربا الفائدة على الأفعال والأقوال في الشاهد. وهو الذي يسود في العصر البرجوازي بالعملة والكلمة الورقيتين بمعنى أنه ثروة كاذبة. ولما كانت هذه الثروة لم تصبح مؤثرة فعلا إلا بعد أن أصبح الربا حلالا في المجتمع الأوروبي وخاصة بعد الإصلاح في الرأسمالية الدنيوية صارت ممكنة وبديلا حاضرا في الآن والهنا بدلا من الرأسمالية الاخروية في يوم الدين رأسمالية الجزاء فإن الأشراف - اشراف الجبة واشراف السيف -لم يعد لهم القدرة على منافسة أصحاب العملة والكلمة الورقية في عالم الشاهد. فصار الأشراف يبيعون ثروتهم القارة مقابل الثورة المتنقلة ويزوجون بناتهم للبرجوازية التي تشتري الأملاك القارة بالأملاك المتنقلة ويشترون الالقاب وأصبح السلطان الفعلي على سد الحاجتين بيدهم وتلك هي النقلة من دين العجل الخفي إلى دين العجل العلني في النظام البرجوازي الذي هو نظام مافية معدن العجل ومافية خواره بفضل السيطرة على أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- حاجة المائدة وحاجة السرير وخاصة على حاجة فنيهما فصارت البشرية كلها عبيد دين الأرض أو العجل بعدما كانوا عبيد الله أو دين السماء. انتهى البحث. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 32
Pages: