أبو يعرب المرزوقي re nils frahm الإسلام السياسي \"بليوناسم\" مفهومي وتاريخي الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 8 - -الفصل الثالث 15 - -الفصل الرابع 21 - -الفصل الخامس 27 -
-- ما الإسلام السياسي؟ هذه الكلمة من جنس ما يسمى بالفرنسية \"بليوناسم\" بمعنى أن إضافة السياسي وصفا للإسلام غير ضرورية إذا انطلقنا من نصيه المرجعيين :القرآن والسنة. فموضوع الإسلام هو نظام حياة الإنسان في الدنيا بمعايير الآخرة أو نظام التعمير بقيم الاستخلاف .وهو إذن سياسة بمستويي شروط التعمير بقيم الاستخلاف: .1سياسة تربوية تكون الفرد ليكون قادرا على التعمير بقيم الاستخلاف بشرعات ومنهاجات متعددة ومتنوعة (المائدة )48وعلامتها ثمرتها التي حددتها سورة العصر بالإيمان والعمل الصالح. .2سياسة حكم تنظم الجماعة لتحقيق شروط تعاون الافراد في التبادل وتفاهمهم في التواصل (الحجرات )13وعلامتها ثمرتها التي حددتها صورة العصر بالتواصي بالحق (في الاجتهاد) والتواصي بالصبر (في الجهاد). لكن إضافة صفة السياسي للإسلام صارت إضافة معقولة عند النظر إلى أمرين: • حقيقة السياسة في العالم الحديث إذ فصل التعمير عن قيم الاستخلاف بصورة مطلقة فصار تدميرا وليس تعميرا. • تاريخ السياسة في بلاد الإسلام منذ سيطرة الانحطاط الذي تصور أن الاستخلاف ممكن من دون التعمير فصارت الدين مقصورا على الوعظ والارشاد والعبادات الفردية. وإذن فالإسلام دين فيه نوعان من العبادات: .1العبادات الفردية وهي ذاتية وتخص تكوين الفرد الروحي والخلقي والوظيفي تكويا يعده ليشارك في الحياة الجماعية تبادلا شرطا في تقاسم العمل وتواصلا شرطا في تقاسم التعارف :سياسة التربية. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- .2العبادات الجماعية وهي موضوعية تخص تكوين الجماعة الروحي والخلقي والوظيفي يعدها للتعايش السلمي في هذا العمل بمستوييه التبادلي والتعارفي وهو المستوى الثاني أو سياسة الحكم. لكن المآل التدميري في السياسة الحديثة أي اللاإسلام أو وهم تعمير دون استخلاف والمآل في الانحطاط الإسلامي أي وهم الإسلام دون تعمير الذي آل إلى التحول إلى عالة يلغيان الإسلام والسياسة .لم يبق عند البشر وجود لا للإسلام ولا للسياسة بل ما يوجد هو جاهلية خالية من حقيقة الدين ومن حقيقة السياسة لأنها مبنية على الاستبداد والفساد في الحالتين: • حالة التدمير المادي • وحالة التدين الشكلي. وما كان هذه كيانه ليس دينا وليس سياسة بل هو حياة مافيات قوية تدمر العالم وحياة شعوب مستعبدة منها مستسلمة .والنتيجة أن ا لبشرية نكصت إلى التاريخ الطبيعي :صراع واقتتال بين المافيات التي تستعمر العالم وتتقاتل على المنافع المباشرة التي هي جوهر الإخلاد إلى الأرض في حالتي الفاعل والمنفعل. فينتج عن كلامي هذا أمر عجب: فسواء اكتفيت بالإسلام أو بالسياسة لا يمكن أن يكون كلامي مختلفا عن دور الديني في الإسلام ودور السياسي في الإسلام .ومعنى ذلك أن الديني في الإسلام سياسي بالجوهر. والسياسي في السياسة إسلامي بالجوهر .طبعا هذا الكلام لا يقبله من يتصور الكاريكاتورين ذوي فكر .وما أعنيه بالكاريكاتورين سبق أن عرفته عديد المرات. ولكن لا بأس من التذكير به: الأول هو كاريكاتور التأصيل: أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- فظنهم أن الدين يقتصر على العبادات إما باستثناء السياسي (وهذا هو التوظيف الذي تقول بها الجامية) أو بضمها إليه (وهذا ما يقول به الإخوان) .وينسون أن العبادات ذات مستويين كلاهما سياسي لكن أحدهما سياسة روحية وخلقية معرفية تتعلق بتربية الافراد والثاني سياسة حكم لتنظيم التبادل والتواصل وتهم حياة الجماعة الاقتصادية والثقافية التي تتجاوز الأفراد وتعدد الأديان والمذاهب أو الشرعات والمنهاجات (المائدة )48لأن الإسلام يعترف بأن الجماعة الكبرى تشمل عدة جماعات صغرى والأولى لا تسيطر على مهام الثانية .فهو يعترف بالأديان الأخرى ويعتبر التعدد مطلوبا من أجل التسابق في الخيرات وذلك لعلتين: • لعدم الإكراه في الدين شرطا في حرية اختياره بعد تبين الرشد من الغي (البقرة.)256 • لضرورة التسابق في الخيرات أي المفاضلة بين الأديان خلال تبين الرشد من الغي شرطها التعدد (المائدة .)48 ومن ثم فالسياسي في الإسلام عبادة شارطة لهذين الامرين :الشروط الكلية للتعايش. والدليل القاطع هو قرآنيا المائدة ( 48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وسنيا دستور الرسول .والعبادة التي هي سياسة شارطة لتعدد الشرعات والحرية العقدية هي سياسة شروط التعايش الكلية وتعود إلى نوعين: • الحماية المشتركة في الداخل وفي الخارج. • الرعاية المشتركة بالتعاون والتبادل والتعاوض العادل. وهذه كلها يجهلها أو يتجاهلها كاريكاتور التأصيل .وهذا التجاهل يوجد خاصة عند أكبر مفكريهم ولا أعني حسن البنا بل السيد قطب .والدليل أنه أسس فكرة المقابلة الفجة بين خيار علي الذي جعله يبدو على حق مطلق ومعاوية الذي جعله يبدو على خطا مطلق. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- ولو فهم هذه المعاني لنسب حكمه وحينها لفضل معاوية على علي لأنه فصل بين هذين المستويين من السياسة :السياسة التربوية لأنها من مهام المجتمع الاهلي والسياسية الحكمية لأنها من مهام الدولة. فأقصى ما يمكن قوله هو أن كلا الرجلين كان مجتهدا ومعاوية كان أقرب في اجتهاده إلى رؤية الإسلام من علي بمقتضى طبيعة العلاقة بين التعبدي السياسي والتعبدي التربوي في الدين .فالإسلام كله سياسة لكن السياسة فيه تعبدية من حيث هي تربية وهي جزئية وهي تعبدية من حيث هي حكم وهو كلي في الجماعة .وما تزال علة العلل في فشل الإخوان هي عدم فهم الفرق بين السياستين وهما كلتاهما عبادة في الإسلام: • سياسة التعبد التربوي ورمزه المرحلة المكية .ومبدؤها \"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\" أو لكم دينكم ولي دين. • وسياسة التعبد الحكمي ورمزه المرحلة المدنية .ومبدؤها شروط العيش المشترك حماية ورعاية وظيفي الدولة أو دستور الرسول. وليس اجتهاد معاوية أقرب إلى رؤية الإسلام لهذين المعنيين من علي لأنه نجح تاريخيا حيث فشل علي بل لأنه كان يدرك ما حدده الغزالي في تعريف شروط السياسي من حيث هو عبادة شروطه الفاعلية وشروطه الغائية .ففي فضائح الباطنية بين أن الحكم ليس بالوصاية بل بالاختيار لكن الاختيار له شروط. وهي شروط كونية من حيث التعليل الفاعلية والتعليل الغائي .ومعنى ذلك أن الاختيار شرطه متعلق بالشوكة والشرعية ولا يغني أي منهما عن الآخر إذ الشوكة وحدها أمر واقع والشرعية وحدها أمر واجب ولا يكون الفعل فعلا ما لم يكن له شيء من هذا وذاك. وعلامة الجمع بينهما \"معتبري الزمان\" بلغة الغزالي. ومعتبرو الزمان مفهوم شديد العمق فهو يعني أن أي جماعة فيها \"زعامات\" هي التي تحقق الغالبيات التي تحدد الاختيار في الحكم والتي لها الشوكة الكافية لمنع الحروب الاهلية أي أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- التي تحقق شروط العيش المشترك السلمي لأن غاية السياسة العبادية في الإسلام هي العيش السلمي المشترك للمتعدد بالطبع. وبهذا الفهم توصل ابن خلدون إلى وضع نظرية \"عدم التأثيم\" في الاجتهاد السياسي لحل معضلة الحرب بين ابن علي وابن معاوية. وهو وضع هذه النظرية لطي صفحة الفتنة الكبرى فعلل الأمر بينهما بالمقابلة بين شرعية بلا شوكة وشوكة بلاشرعية .ما يعني أنه لم يعمق النظرية فحافظ على الفصام الذي أعنيه. والحقيقة هي أن الرجلين لهما شوكة وشرعية والدليل حصول حرب وانتصر أحد الصفين وهزم الصف الثاني ولا تزال الحرب جارية منذئذ وهي سجال .وهذا هو سر الخطأ الذي يقع فيه الإخوان للخلط بين مبدأ السياسة التربوية والسياسة الحكمية .وشرعية الحكم ليست من الاولى بل منها فاعليته لا غير. ما معنى شرعية الحكم ليست من سياسة التربية؟ وما معنى فاعليته منها؟ لنأخذ تجربة المدينة :من سيحكمون بمقتضى الدستور الذي وضعه الرسول هم من رباهم الرسول بقيم الإسلام .فكانت لهم صفات خلقية تؤهلهم للحكم المؤثر الذي يحترم وظيفتي الدولة :الحماية والرعاية مع \"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\". ومعنى ذلك أن الرسول لم يفرض على اليهود شريعة الإسلام بل بالعكس لما احتكموا إليه ردهم وقال لهم طبقوا شريعتكم بينكم ما يعني أن الدولة لا دخل لها في معتقدات الناس وأنها تكتفي بالحماية والرعاية .والحماية داخلية لحماية الناس بعضهم من البعض وخارجية لحماية الجماعة من الأعداء. والرعاية رعاية للقيام المادي بتنظيم التعاون والتبادل والتعاوض ورعاية للقيام الروحي بتنظيم علاقات الناس رغم اختلاف عقائدهم وشرائعهم بفرض الاحترام المتبادل بينهم أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- دون عدوان على عقائد بعضهم البعض وهذان هما الشرطان المقومان للتعايش والتواصل في الجماعة المتعددة والمتنوعة والمتضامنة. أطلت الكلام في كاريكاتور التأصيل ضمن ما يسمى بالإسلام السياسي ورمزه الاخوان. وجميع الفرق الأخرى تستعمل الإسلام في حكمها ولكن ليس بوصفه مبدأ سياستها بل بوصفه مبرر سياستها .لو وصل الاخوان للحكم وطال حكمهم لجعلوه مثل الآخرين مبرر سياستهم وليس مبدأ سياستهم .فالسنن لا تتحول ولا تتبدل والسنة التي أعنيها هنا هي أن الفرق بين الإسلام الذي يتهم الاخوان بالإسلام السياسي سياسي هو بدوره لكنه بمعنى جعل الإسلام مبررا لسياسته لكونه حاكما والاخوان الذين يتهمون الإسلام الحاكم بتوظيف الإسلام بغير مقاصده يفعلون لأنهم معارضون وإذا حكموا فسيكونون مثل الأول. والعلة في الحالتين هي ما لأجله أصفهم جميعا بكونهم ينطلقون من كاريكاتور التأصيل بالخلط بين المستويات وإدخال السياسة التربوية في السياسة الحكمية دون فصل بين الوظيفتين بمجاليهما :فالتربية مجالها قيم تكوين الإنسان والحكم مجاله قيم العيش المشترك الشارط لتعايش التعدد والتنوع القيمي .وسورة العصر تبين ذلك جيد البيان: .1فهدف التربية أن يكون الفرد الإنساني مؤمنا وعاملا صالحا .وهذا متعدد بحسب المنظومات القيمية ويشترك في ما يجعل حياة الجماعة ممكنة بالتواصل والتبادل. .2وهدف الحكم يأتي بالمشاركة :التواصي بالحق في الاجتهاد المعرفي والتواصي بالصبر في الجهاد العملي. ولو فهم السيد قطب ذلك لتغيرت رؤية الإخوان ولفهموا أن خرافة المقابلة بين عصر كان الناس فيه ملائكة (عصر الراشدين) وعصر ما بعد الفتنة الذي أصبح الناس فيه شياطين وأن هدف فكرهم هو إعادة الأمة إلى عصر الملائكة هو سر الطابع الكاريكاتوري لفكرهم وسر هزائمهم وميلهم إلى الرؤية الشيعية للسياسة. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- وهو ميل ساذج .ذلك أن الرؤية الشيعية دليل خبث استراتيجي ورؤيتهم دليل سذاجة عديمة الاستراتيجية .فالرؤية الشيعية لو كانوا يعملون تهدف لإلغاء ثورتي الإسلام بخرافة آل البيت أي بالوساطة الروحية في التربية (التشيع فيه كنيسة) وبالوصاية السياسية في الحكم (التشيع فيه حكم بالحق الإلهي). ففي رسالة ربها يقول لرسوله \"إنما أنت مذكر\" يعني ليست وسيطا بيني وبين المؤمنين أرجع التشيع كنسية الفارسية وفي دين ربه يقول لرسوله \"لست عليهم بمسيطر\" يعني لست وصيا على المؤمنين في أمرهم أرجع التشيع الحكم بالحق الإلهي وهما من ثم إلغاء تام لثورتي الإسلام لتهديمه من الداخل. يأتي من يريد إحياء الحكم الإسلامي -الإخوان -فيأخذوا أفسد رؤية للعلاقة بين التربية والحكم من دون الانتباه إلى ما وراء ذلك من استراتيجية تهديمية لثورتي الإسلام فيصبح الإسلام السياسي على شكلين :في الحكم هو من جنس الوهابية وفي المعارضة هو من جنس الاخوان .وبانعكاس الموقع ينعكس التصور. ما معنى لو انعكس الموقع لانعكس التصور؟ لو حكم الاخوان حكموا لجعلوا دور الإسلام تبريريا لسياستهم مثلما يفعل الوهابيون حاليا .ولو عارض الوهابيون لجعلوا دور الإسلام مبدئيا في سياستهم مثلما يفعل الاخوان حاليا .كلاهما يعتبر الإسلام أداة وليس غاية دون فهم للفرق بين التربية والحكم. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- وختما للفصل الأول فلنوجز في عبارة دقيقة مشكل كاريكاتور التأصيل بمعنييه السلفي والإخواني برده إلى تردد ابن خلدون في وصف العلاقة بين العصر الراشدي والعصر الأموي أو ما قبل الفتنة وما بعدها .فهو تردد بين معنيي \"ما بعث الله رسولا إلا في منعة من قومه\" وبين اعتبار مرحلة الراشدين قد كانت غنية عن الشوكة بحجة أن العصر كان مليئا بالمعجزات لكأن القرآن ليس مليئا بالكلام على الخلافات التي يقصها بين الصحابة وحتى بين بعضهم والرسول. فاعتبر مرحلة الراشدين كانت سياستها غير معتمدة على القانون العام وهو الجمع بين الشوكة والشرعية بسبب المعجزات وأن الامر عاد إلى طبعه بعد الفتنة الكبرى وتكون الدولة الأموية .وهذا خطأ فلسفي فادح لأن السنن التاريخية مثلها مثل القوانين الطبيعية لا تتخلف أبدا. وهو ما فهمه الغزالي. ففي حواره الخيالي بين سني وشيعي حول نظرية الحكم القائلة الشيعية بالوصية ونظرية الحكم السنية القائلة بالاختيار وضع مبدأ التلازم الدائم بين الشوكة والشرعية في الحكم لحسم الجمع بين التعدد الطبيعي في الجماعات البشرية والوحدة الضرورية للنظام بالأغلبية الحاسمة لشروط العيش المشترك. والجميل في علاج الغزالي أنه ضرب مثال حسم تعيين أبا بكر الصديق خليفة .وصف السجال الذي كاد يكون بداية الفتنة الكبرى (وهو في الحقيقة بدايتها كما سنرى) بالتلازم بين الشوكة والشرعية في مفهوم \"معتبري الزمان\" الذين تميل الجماهير حيث تميل .فكانت مبايعة عمر حاسمة رمزا لمعتبري الزمان. بحيث يمكن القول إن أبا بكر كان رمز الشرعية لأن الرسول عينه نائبا عنه في إمامة الصلاة والفاروق كان رمز الشوكة لأن موقه حسم تحقيق الاغلبية .ما يعني أن الأقلية كانت مؤلفة من نوعي الحل الذي عرض قبل استخلاف أبي يكر: أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- • منا أمير ومنكم أمير (جاهلي) • خيار علي (فارسي :وراثة). وكان يمكن للغزالي أن يذهب إلى أبعد من ذلك لكنه أراد أن يضرب مثالا ممن يعارضهم المحاور الشيعي في الخيار بين الوصية والاختيار .فهذان هما العدوان اللدودان للخيار الشيعي والغزالي أدرى المفكرين بذلك وهو كتب الفضائح من أجل إفهام الأمة هذا السرطان الذي يريد تهديم الإسلام من الداخل بتحريفه. كان يمكن أن يشرح كيفية تولي الرسول الحكم في المدينة وكتابة الدستور الأول الذي ميز بين بعدي السياسة في القرآن .ولو كانت هذه الكليات في رؤية القرآن للسياسة ووظيفتيها مفهومة أو عمل بها لما اضطررت للكلام فيها: .1سياسة التربية المعدة لشروط العيش المشترك وهي جوهر الرؤية الإسلامية للكونية القيمية التي تعترف بالتعدد والتنوع القيمي والديني. .2وسياسة الحكم التي تحقق العيش المشترك والتي لا تتجاوز مهمتها ضمان الحماية والرعاية العامة المتعالية على الفروق العرقية والطبقية والجنسية والتي هي من مجال المجتمع الأهلي والتربية وليس من مجال الدولة والحكم. وذلك هو مضمون دستور الرسول في المدينة .فالرسول بويع (اختيار) من مسلمي يثرب بعد أن أصبحوا قوة سياسية تبحث عما يجعلها تتحرر من سلطان يهود يثرب وممن لم يسلم بعد فكان الأمر إذن علاقة بين شوكة ذات شرعية جديدة بالقياس إلى شوكة سابقة ذات شرعية سابقة لم تعد صاحبة القوة السياسة التي تحقق شروط العيش المشترك بقيم كونية .فنصل بذلك إلى حقيقتين: • فلم يكن العصر الراشدي خارجا عن سنن التاريخ .ولم يكن أصحابه ملائكة بل خاضعين لنفس السنن .إذ إن التربية والحكم اللذين وضعهما الإسلام واللذين يسعيان لتحقيق مبدأي النساء 1والحجرات 13أي إن الأخوة البشرية فوق التعدد الديني والمساواة بينهم شرط العيش المشترك. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- • والتلازم بين الشرعية والشوكة ليس ثابت النسبة بينهما فأحيانا تتقدم الشرعية وأحيانا تتقدم الشوكة لكن لا بد منهما معا .وينتج من ثم أنه يمكن أن نقول إن العصر الراشدي كانت الشرعية متقدمة فيه على الشوكة وأن ما بعد الفتنة انعكست الآية لأن التغلب عليها اقتضى ذلك. وبهذا أكون قد فرغت من الكلام على كاريكاتور التأصيل ولم يبق منه إلا نتيجته الأخطر على الأمة .وهي أن الإسلام يكون مبدئيا في المعارضة لكنه يتحول إلى تبريري في الحكم والثاني يكذب الأول .وهذا التكذيب يصح على إيديولوجية الحداثي فهي تبدو مبدئية في المعارضة وتتجلى تبريرية في الحكم .وكان ينبغي ألا يبدو أي منهما أيا منهما بل القيم الكونية في التربية وفي الحكم ينبغي أن تكون قيما بحق لتكون غاية التسابق في الخيرات (المائدة.)48 بدأت بكاريكاتور التأصيل السلفي أو الإخواني لأنه هو الذي في المجمل يصبح ثيوقراطيا (الحكم باسم الله) بالأفعال حتى وإن اختلف عن الشيعي بـالأقوال مدعيا العمل بالرؤية القرآنية بقصد لأن كاريكاتور التحديث ليبراليا كان أو يساريا مثله مثل الأول فيكون انثروبوقرطيا (الحكم باسم الإنسان). وإذن فالكاريكاتوران -وكلاهما مضاعف فيكونوا أربعة-هما الحكم الثيوقراطي واحكم الانثروبوقراطي باسم لله وباسم الإنسان في الظاهر لكنهما في الحقيقة حتى وإن لم يكونوا واعين بذلك هم يحكمون ببعدي دين العجل أي بمعدنه أو المال وبخواره أو أيديولوجيا توظيف مفهوم الله أو مفهوم الإنسان. والمعركة بين الكاريكاتورين يخوضها التأصيلي باسم الله ويخضوها التحديثي باسم الإنسان .ولا علاقة لها بحقيقتهما لأن الحقيقة التي تحكمهما هي حقيقة العجل الذهبي: المال والايديولوجيا أداتين وغايتين: • فهما أداتان لحكم الشعوب. • وهما غايتان لفائدة النخب. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- وكلتا النخبتين تتحول إلى شياطين في الحكم وملائكة في المعارضة .ولذلك فلا تعجب أيها القارئ أن كل ما قلناه على كاريكاتور التأصيل يقال مثله على كاريكاتور التحديث الذي ينقسم هو بدوره إلى ما يناظر السلفي والإخواني في الأول. يوجد سلفيو التحديث واخوانيو التحديث .وغالبا ما يكون سلفيو التحديث في الحكم واخوانيو التحديث في المعارضة وخاصة منذ سقوط السوفيات. وسلفيو التحديث هم الليبراليون أو الرأسماليون واخوانيو التحديث هم اليساريون أو الاشتراكيون .ومثلما أن السلفيين والإخوان في التأصيل يستندون إلى الحكم باسم الله فسلفيو التحديث واخوانيوه يستندون إلى الحكم باسم الإنسان .لكن الإنسان بريء من هؤلاء فلسفيا براءة الله من أولئك إسلاميا. والسر في ذلك نكو ص الحداثة في أوروبا بسبب عاملين :فلسفي وتاريخي. فأما الفلسفي فهو هيجلي وماركسي وأما التاريخي فهو الاستعمار الذي يمرر جرائمه باسم المهمة التحضيرية وهي جزء من الفكر الهيجلي والماركسي الأول على أساس ديني (صراع أرواح الشعوب) والثاني على أساس لا ديني (صراع الطبقات). والنكوصان إلى نفي ما يتعالى على التاريخي الذي صار تاريخا طبيعيا بدا وكأنه ثمرة الثورة على الحكم الثيوقراطي (الحكم باسم الله) من أجل الحكم الانثروبوقراطي أو الديمو قراطي (الحكم باسم الإنسان) انتهيا إلى نفس ما انتهى إليه ما ثارا عليه دين العجل :معدنه الذهبي وخواره الإيديولوجي .فتكون حرب الكاريكاتورين مدارها خمسة أهداف: .1من يحوز المال. .2من يحوز السلطة الاقتصادية. .3بأي إيديولوجيا. .4من يحوز السلطة الثقافية .5والأصل في ذلك كله الحكم باسم ماذا الله أو الإنسان. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- والمال غير السلطة الاقتصادية بل هو جذرها .والأيديولوجيا غير السلطة الثقافية بل هي جذرها. فـما معنى المال جذر القوة الاقتصادية؟ والإيديولوجيا جذر القوة الثقافية؟ ولماذا الاقتصاد والثقافة يمثلان في آن جذر السلطة السياسية وغايتها من حيث هي في خدمة الإنسان؟ ذلك هو مربط الفرس .وهو الذي يعيدنا إلى اعتبار عبارة \"إسلام سياسي\" بليوناسم أي إن كل كلمة منهما مغنية عن الأخرى على الأقل في القرآن والسنة. فسواء قلت إسلام أو قلت سياسة فالمعنى واحد :ذلك أنه لا يمكن أن يعيش الإنسان في سلام من دون سياسة تحقق شروطه التي تترتب على الأخوة (النساء )1والمساواة (الحجرات .)13فهذه المعاني الخمسة هي أيضا رؤية الإسلام في علل الصراع الممكن بين البشر. لكن الإسلام لا يعتبرها تابعة لدين العجل بمقتضى حقيقتها الدينية في الرسالات السماوية بل بسبب تحريفها .ومعنى ذلك أنه لا ينفي أن المال هو جذر الاقتصاد وأن المعتقدات هي جذر الثقافة وأن الحكم لا بد فيه من الله والإنسان بداية وغاية. فالمال الذي هو رزق ينفق بالعدل في الجماعة والاقتصاد الذي هو ثمرة عمل الجماعة يتبادل بتعاوض عادل وأن المعتقدات حرية فكرية لا إكراه فيها ولا خداع وأن الثقافة هي التعدد الفكري والعقدي وأن الحكم طبيعة أمر الجماعة وأسلوبه التشاور فيه بينها بمنطق سورة العصرة كما بينا. وبهذا فالإسلام ينفي الثيوقراطية والانثروبوقراطية لأنهما في الحقيقة ابيسيوقراطية يغطيان على سلطان معدن العجل وخواره اللذين هما تحريف وظيفة المال وتحريف وظيفة الفكر .فبدلا من أن يكونا أداتين للعيش المشترك يصبحان سلطانين لعلاقة تجعل البعض أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- سادة والبقية عبيد لأصحابهما ماديا وروحيا .لا أنكر أن هذه الرؤية ليست عسيرة على الفهم فحسب بل عصية على التطبيق خاصة: • فكيف يمكن أن نحول دون المال والتحول إلى سلطان على المتبادلين؟ • وكيف يمكن أن نحول دون الفكر والتحول إلى سلطان على المتواصلين؟ تلك هي ثورة الإسلام المضاعفة على التربية بالوسطاء والحكم بالأوصياء .إذا استطعت إفهام شباب الثورة بجنسيهم بهذه الرؤية الإسلامية التي لم تطبق أبدا حتى في عهد الراشدين فإني أكون قد أفهمتهم أن الإسلام قدر مر بتجارب عديدة للتحرر من التحريف الذي يجعل المال والفكر أداتي عبودية ليعيدهما إلى دورهما كما يحدده الإسلام ثورة تحرير من سلطان المستبدين بهما. ويمكن أن نقول إن تجربة عصر الراشدين كانت أفضل من كل ما تلاها دون أن نزعم أنها كانت مطلقة وأنها ليست بحاجة لإعادة نظر تبين أنها لم يكن بوسعها أن تحقق ما يطلبه الإسلام لأنها كانت مضطرة لتحقيق خمسة شروط قبل ذلك: .1لوجوده أولا .2لبقائه ثانيا .3لامتحان رؤيته في غياب الرسول. .4ولتكييفها مع الظرف. .5وللاستئناف بكم إن شاء الله. ولا يمكن إذن أن نعيرها حقبة واحدة .فهي مضاعفة مرتين .فمجرها في حياة الرسول مضاعف لأن المكي كان لتحديد أسلوب التربية والمدني لتحديد أسلوب الحكم .ومجراها إلى حد مرساها في الفتنة الكبرى مضاعفة كذلك مما قبل اغتيال الفاروق إلى اغتيال عثمان. فحينها انفجار الفتنة الكبرى للعلن بعد أن كانت تتمثل في السر منذ وفاة الرسول. فهي بدأت يوم وفاته وكان مدارها طبيعة النظام السياسي وشروط القيمين عليه. والمعلوم أن الحاضرين ترددوا بين النظامين اللذين ذكرا في الخصومة قبل حسمها أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- ( .1النظام الجاهلي منا أمير ومنكم أمير .2والنظام الفارسي ترشيح علي بحجة الوصاية وسوء فهم خطبة الغدير) قبل الوصول إلى حل هو أقرب ما يمكن أن يستنتج من الشورى 38أعني نظام الخلافة بآلية البيعة الحرة وشرطي النساء .58 أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- بنيت الفصلين السابقين على محاولة اثبات علة تسميتي اضافة صفة السياسي للإسلام بكونه \"بيلوناسم\" مفهومي بمعنى أنها صفة لا تضيف معنى يخلو منه الموصوف لولا وهمين أحدهما عام يدعي أن الدولة الحديثة فصلت السياسي عن الديني عامة والثاني خاص يدعيه النخب العربية سواء التابعة للأنظمة القبلية أو العسكرية اللتين جعلتا الدين من أدوات السياسة لدى الاستبداد والفساد وليس أصل السياسة وغايتها إذا كانت جمعا بين التعمير والاستخلاف كما يحددها الإسلام. وبيان ذلك يغنيني عن محاولة بيان البليوناسم التاريخي لأن كل تاريخ الإسلام كان وثيق الصلة بالسياسة تاريخيا فضلا عن الصلة الجوهرية مفهوميا وذلك للعلل التالية: .1فهو لم يكن دين شعب مستعبد مثل اليهودية أو دين شعب مستعمر مثل المسيحية. .2وهو دين اختار أن يكون منطلقه من شعب مطلق الحرية ليكون مؤسسا لدولة غير مسبوقة .فالشعب الأول الذي تلقى رسالته من بين الشعوب التي دخلت فيه أفواجا صاحب دولة بل هو أسسها بمقتضاه وبمقتضى رؤاه ومبادئه. .3لذلك فهي لم تكن ثيوقراطية بالمعنى الفارسي (بدين طبيعي) أو البيزنطي (بدين منزل) اللذين كانا سائدين ولا هو ديموقراطي بالمعنى اليوناني القديم (حيث يكون الحكم بيد الاحرار وبقية الشعب عبيد). .4بل هو نظام طبيعة الحكم فيه هي أمر الجماعة وأسلوبه هو الشورى العامة في مجال طلب الحقيقة الاجتهادية (التواصي بالحق) والسعي لتحقيقها الجهادي (التواصي بالصبر). .5ومن ثم فالسياسة هي بدورها عبادة من مستوى ثان :هي عبادة الحكم الذي يحقق شروط التعمير بقيم الاستخلاف التي هي ما يضيفه الاستخلاف من حيث هو تربية للاستخلاف من حيث هو تعمير. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- ويقتضي ذلك في الحالتين اللذين وصفنا في الفصلين السابقين -النظامين الثيوقراطي والانثروبوقرطي المحاربين للأمة ورمزهما إيران وإسرائيل ذراعي الاستعمار الغربي سواء كان ممثلا بروسيا أو بأمريكا -أن يكون الحل واحدا للتحرر من النظامين اللذين هما نظام واحد في بنيته العميقة أعني الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا واجهتان لنفس التحريف الذي يجعل الله والإنسان مجرد غطاءين يخفيان دين العجل والنظام الذي يترتب عليه :نظام سلطان المال وسلطان الخداع الإيديولوجي. الإسلام يوجد بين فكي كماشة :الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا .وهو في تعارض مع بنيتهما العميقة التي هي الأبيسيوقراطيا أو دين العجل الذي حرف دور العملة أو رمز الفعل والاقتصاد ودور الكلمة أو فعل الرمز والثقافة لنقلهما من دور أداة التبادل والتواصل إلى أداة السلطان على المتبادلين والمتواصلين. وقلت أمرين يبدوان متضادين أو حتى متناقضين :إن العهد الراشدي لا يخرج عن سنن السياسة ببعديها تربية وحكما تصحيحا رؤية ابن خلدون المترددة بين القول بنسقية السنن واعتبارها مرحلة محكومة بالخوارق لكنه أفضل المراحل في محاولة التصدي لدين العجل دون أن تطابق المثال الأعلى المطلق. لكن التناقض ظاهري :ذلك أن تأسيس الدول يكون دائما شبه استثناء في مسارها. ومعنى ذلك أن دولة الإسلام في ما يسمى بمرحلة الصدر ينبغي تعريفها بشكل أدق في فلسفة السياسة :هي مرحلة تأسيس الدولة أو مرحلة تخلق الدولة أو مرحلة تحول مشروع الثورة إلى دولة ذات مؤسسات تربية وحكم مستقرة. والنقلة من الثورة إلى الدولة لها بنية خاصة لأنها ترجمة القيم والمعاني التي هي لب الثورة إلى مؤسسات وهنا يبدأ ظهور السنن المحددة للسياسي ببعديه تربية وحكما بصورتها الكونية التي تكون إما أحد هذين الغطاءين للبنية العميقة أو ثورة عليها بدرجات لامتناهية في سلم علاقة الموجود بالمنشود .وهذه النقلة في حالتنا مؤلفة من خمس مراحل: .1صوغ المشروع وهو القرآن والسنة. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- .2تحديد مركزه المكاني (خلافة أبي بكر). .3تحديد مركزه الزماني (خلافة الفاروق). .4تفاعل 2و 3في الاتجاهين من الجغرافيا إلى التاريخ ومنه إليها :الثورة والتراث. .5توحيد نسخ القرآن دستور ختامي (خلافة عثمان). ومهما حدث ويحدث بعد ذلك يبقى في إطار هذه المراحل الناقلة من الثورة إلى الدولة. وأقصد بالإطار الموجب والسالب من وجهي التأطير :فلا يمكن فهم التيار الاغلبي او السني من دون الموجب من هذا الإطار أو فهم السالب منه من دون الرافضين لهذا الإطار: .1الثورة السنية .2الثورة المضادة الشيعية. وهي الوجه الثاني من الثورة المضادة ضد الاستئناف الإسلامي .فبعد معارضة ثورة الإسلام باسم الثيوقراطيا في الفتنة الكبرى جاء دور الفتنة الصغرى بمعارضتها بالانثروبوقراطيا .وكلتاهما تغطي على دين العجل ومن ثم فهما متحالفتان ضد الإسلام الذي تتمثل ثورته في تحرير الإنسانية من دين العجل. لكن هذا هو فك الكماشة الأول وهو الفتنة الكبرى .نحن اليوم أمام فكها الثاني وهو الفتنة الصغرى .فالفك الاول كان حرب الثيوقراطيا وهي الثورة المضادة ضد الثورة الإسلامية باسم النكوص إلى الثيوقراطيا الفارسية التي أصبح خلف علي ضحاياها إلى اليوم .أما الفك الثاني فهو الأنثروبوقراطيا. وما تريد الفتنة الكبرى النكوص إليه حربا على ثورة الإسلام هو إعادة الوساطة في التربية والوصاية في الحكم في النظام الثيوقراطي .وما تريد الفتنة الصغرى العودة إليه حربا على ثورة الإسلام هو إعادتهما في التربية والحكم في النظام الأنثروبوقراطي :ورمز الأولى إيران ورمز الثانية إسرائيل. وليس بالصدفة أن كان كل محرفي الإسلام حلفاء أحد هذين لنهما عدوا الإسلام بالجوهر وهما حليفان في الباطن وكلاهما يطلب دولته التي تقدمت على الإسلام :الصفوية أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- والصهيونية يريدان استعادة ما تقدم على الإسلام في الإقليم وحلفاؤهما من العرب يريدان المحميات التي اقتطعها لهم الاستعمار نهائية. كلهم ومعهم نخبهم من الكاريكاتورين نكصوا إما إلى جاهلية العرب أو إلى مستعمرتي فارس وبيزنطة أي المناذرة والغساسنة .وقد يعجب المرء :ما علاقة بيزنطة بإسرائيل؟ العلاقة وطيدة .فدور يهود الجزيرة قبل الإسلام وبدور روسيا في قوة إسرائيل الحالية تعادل دور الصهيونية المسيحية الأمريكية. اجتمع الفكان بشكل متعاكس :فإيران التي تتغطى بالثيوقراطيا تستند إلى تاريخ ما قبل إسلامي ذي دين لا يدعي الطابع المنزل بل هو دين انثروبوقرطي وإسرائيل التي تتدثر بالأنثروبوقراطية تستند إلى تاريخ ما قبل إسلامي ذي دين منزل محرف. وعملاء العرب المحتمين بهؤلاء أو بأولئك ومعهم نخبهم الذين يمثلون كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث يمثلون المحاربين الآخرين للإسلام والساعين لمنع الاستئناف .ويوحد بين هذا المربع -إيران وتوابعها من العرب وإسرائيل وتوابعها من العرب-مستعمرو دار الإسلام ومحاربو قيمه وثورته في الغرب. وبخلاف ما يعتقد الكثير فإني لا أعتبر ذلك أمرا مخيفا أو مفزعا بل بالعكس :فما كان هؤلاء ليتحالفوا ضد أمر تافه أو ليس بمستوى تحدي كل ما يمثلونه .هم تحالفوا على الإسلام لأن الإسلام هو مستقبل الإنسانية بمقتضى رؤيته التي اكتشفت سر ما وصف به آدم من سفك الدماء وإفساد الأرض وعالجه. اكتشف أن السر هو بعدا العجل الذهبي أي تحويل رمز الفعل (العملة وهي هنا معدن العجل أي الذهب المسروق) وفعل الرمز (الكلمة وهي خوار العجل أي الكلام المزيف للحقائق أو الإيدلوجيا) هما سر الثيوقراطيا (تحريف حقيقة الله) والانثروبوقراطيا (تحريف حقيقة الإنسان) من أجل الاستبداد والفساد. فالعملة أو رمز الفعل تحرف وظيفتها من أداة للتبادل إلى سلطان على المتبادلين وهو الربا .والكلمة أو فعل الرمز تحرف وظيفتها من أداة للتواصل إلى سلطان على المتواصلين أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- وهو الخداع أو الكذب .وهذان هما وسيلتا الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا لسفك الدماء وإفساد الأرض :وتلك علة محاربتهما الإسلام. ومن العجائب التي تكاد تلامس المعجزات أن هذه الحقائق تؤيدها الاحداث التاريخية الدنيوية ضد المحتجين بدين طبيعي والتي تؤيدها النصوص القرآني ضد المحتجين بدين سماوي .فالفرس أجابهم ممثل جيش الفتح في حوابه عن سؤال لماذا جئتمونا :قال لنحرركم من عبادة العباد لتعبدوا رب العباد .واليهود أجابهم القرآن لدحض كذبة شعب الله المختار: .1كل أمة لها رسول بلسانها ومن ثم فلا امتياز لكم بكونهم المخاطبين من الله .فالله يخاطب برسالاته كل الشعوب بلغاتها. .2والله ختم رسالاته بالقرآن بلسان عربي مبين بمبدأ كل البشر اخوة (النساء )1 وبحصر التفاضل في التقوى (الحجرات .)13 ولو لم توجد إلا هذان الحجتان لكانتا كافيتين لإثبات ما حاولت بيانه بتأسيس نظري قد يستصعبه الكثير .لكن دلالة هذين الحجتين ما كانت ليبرز معناها هذا من دون هذا التأسيس النظري بعيد الغور .ذلك أن الكلام على أن الإسلام هو سياسة وأن السياسة السوية لا تكون إلا إسلامية يعسر قبوله. كيف يمكن لمن يعتبرون الفصل بين السياسي والديني أن أقول إن الإسلام سياسي بالجوهر والسياسي إسلامي بالجوهر؟ لو لم أثبت أن السياسي الذي لا يحرر الإنسان من الوساطة والوصاية ليس سياسيا بل هو استعباد وفساد. وأن الإسلامي ليس دينا إذا لم يكن هذا التحرير من الوساطة والوصاية تربية وحكما. والوساطة في التربية والوصاية في الحكم هي الثيوقراطيا التي هي بالأولى كنسية وبالثانية حكم بالحق الإلهي هي في الحقيقة قناع الحكم بدين العجل الذي يحكم بمعدنه أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- وخواره .وهما الانثروبوقرطيا التي لها كنسية هي خوار اعلامها وملاهيها ولها حكم بالحق الطبيعي قوة مافية البنوك وأرباب الربا. أما ما الإسلام الذي هو سياسي بالجوهر وما السياسة التي هي إسلام بالجوهر وذلك بصورة كونية وليس خاصا بالمسلمين وحدهم وهو معنى الدين الفاتح والدين الخاتم والدين عند الله الإسلام هو تحرير رمز الفعل من الربا وتحرير فعل الرمز من الخداع وإزالة الوساطة في التربية والوصاية في الحكم. وهذا البرنامج الذي ينبغي أن يكون برنامج تحقيق شروط استئناف دور الإسلام في التاريخ العالمي لا أحتاج لإطالة الكلام فيه فقد سبق فبينته من خلال شرح سورة هود التي اعتبرها الرسول مشيبة له هي وأخواتها لأنه فهم أنها حددت برنامج العمل الذي هو مطالب بتحقيقه بوصفه الإسلام أو سياسة العالم. فدولة الإسلام ليست بعض الامتداد من المكان وبعض المدة من الزمان بل هي كل المكان وكل الزمان خلال كل تاريخ الإنسان .لذلك فهي سياسة الدنيا لتعميرها بقيم الاستخلاف. ومن لم يفهم الإسلام هذا الفهم لا يعي معنى قول الرسول إن الارض كلها هي مسجد المسلمين وأن دولة الإسلام لا حدود لها. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- ودولة الإسلام الكونية لا تتحقق بالغزو .قد يكون سبق لها أن كانت بالفتح .وأحيانا بالغزو .لكنها كانت في غالب الاحيان بالتسابق في الخيرات .وهو ما ينبغي شرحه لأنه هو المعنى المقصود عند جمع البقرة 256والمائدة .48والاعتراف بأن التعدد في كل شيء من آيات الله لأنه شرط الاختيار الحر. والاختيار الحر في كل شيء هو معنى \"التسابق في الخيرات\" وهو معنى وعد الأديان التي كانت معروفة في زمن نزول القرآن بما وعدتهم به البقرة 62والمائدة .69فإذا آمنوا بالله وباليوم الآخر وعملوا صالحا فلا خوف عليهم ولا يهم يحزنون .ولا يمكن أن يكون الاعتراف بالتعدد الديني أوضح من هذا. ومعنى ذلك أن هذه الرؤية السياسية في التعامل مع الأديان وتعددها هي ثمرة المبدئين اللذين يتعلقان بسياسة المعمورة دون لتدخل في عقائد المنتسبين إلى دولة الإسلام ومن ثم التمييز بين مستويين: .1مستوى وحدة الإنسانية في ما يتعلق بـالعيش المشترك ويخص الدولة. .2ومستوى تعددها في ما يتعلق بقيمها وعقائدها ويخص المجتمع الأهلي. ولأرجع إلى ما ظن غزوا في تاريخ الفتح الإسلامي .فجميع الشعوب التي فتحت بلادها لم تكن سيدة عليها بل كانت خاضعة لاستعمار أجنبي يستعبدهم تقريبا كما هي عليه الآن: وعلى الأقل هذا يصح على الإقليم من الشام إلى حدود المغرب كانت مستعمرات بيزنطية والبقية كانت فارسية. وإذن فما سموه غزوا ونسميه فتحا لم يكن استعمارا لشعوب الإقليم بل كانت تحريرا لها من الاستعمارين البيزنطي والفارسي .ولا يمكن لأحد أن يجادل في ذلك .فالتاريخ قريب ولا يتعلق الأمر بما قبلـه حتى لا نعلم ما كان عليه الإقليم .وحتى اسبانيا فقد طلب أهلها تحريرهم من ظلم الجرمان والوندال وهمجيتهما. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- لنقارن هذه الروح بروح غزو الغرب لأمريكا وما فعلوا بالهنود الحمر أو استعمارهم للعالم وما فعلوا بأهله .ولست بهذا أدافع عن الفتح بل أقص قصته :فالفتوحات اغلبها لم يقم بها العرب بل الشعوب التي دخلت الإسلام حتى وإن كنت القيادات في البداية غالبها عرب ثم بالتدريج صارت الدول والفتح منهم. فجل دول المغرب لم تكن عربية وحتى الأندلس فهي في نصف تاريخها الثاني كانت تجمع بين العرب والأمازيغ وكل أقوام المغرب إلى حدود السنغال .ومثل ذلك في المشرق وحتى الهند ففاتحوه لم يكونوا عربا إلا في البداية لكن بعد ذلك حتى المغول شاركوا في فتحه أما جنوب شرق آسيا فدخل الإسلام دون فتح. ورغم عدم عرفان اعراب سايكس بيكو فإن الإسلام كان يمكن أن ينقرض من الاقليم لولا خمسة شعوب اثنان من الشرق الإسلامي هـم\" الأتراك والأكراد مشرقا وثلاثة من الغرب الإسلامي هم الامازيغ وأهل جنوب الصحراء من العرب وغير العرب وبسبب حروب الصليب ثم بعدها بحروب الاسترداد الاسبانية والبرتغالية والألمانية والوندالية بعد سقوط الأندلس. وهؤلاء جميعا ليسوا غزاة بل هم أبناء الأرض التي حموها بوصفهم هم بقومياتهم وثقافاتهم ولغاتهم لكنهم مسلمون اعتنقوا الإسلام بحرية وقناعة وصاروا أهم المدافعين عنه وأسسوا دولهم وإماراتهم طيلة القرون العشرة الأخيرة من تاريخ الإسلام والتي لم يبق فيه للعرب أدنى دور يذكر أو محدد فيها. وأكثر من ذلك فالدعاة الذين دخلوا الإسلام في الغرب لا يمكن أن يتهموا بأن فرض عليهم بالسيف بل إن ما حببهم فيه بعد فهمه هو كونية قيمه وخاصة الاخوة البشرية (النساء )1والمساواة التي لا تعبأ بالعرق أو بالطبقة أو بالجنس لأنهم يميزون بين المبادئ وتحريفها من المسلمين بسبب الانحطاط .ويوجد رهطان من الحاقدين على الإسلام إضافة إلى ذراعي الاستعمار في الإقليم وتوابعهما من الأنظمة والنخب العربية هما: .1اليمين والقوميين الغربيين. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- .2واليسار القوميين من العرب والمسلمين. وهؤلاء مفهوم حقدهم فهم لا يقبلون القيم الكلية وخاصة الأخوة والمساواة والحرية: كلهم فاشيون للنخاع .وهذا هو الإسلام الذي يحاربونه وهو جوهر السياسة الكونية في الرؤية الإسلامية وفي تاريخ حضارته أو هذه هي السياسة الكونية التي هي جوهر قيم إسلام حتى وإن تعثر في تطبيقها أحيانا :ومع ذلك لم توجد في تاريخ الإسلام كله أي تصفية عرقية أو إفناء السعي لإفناء أحد الشعوب. كلاهما يعني حماية الإنسان ورعايته وحماية شروط بقائه ورعايته ومنه حماية الأرض والمناخ والنبات والحيوان أي كل ما فهمت الحضارة الحديثة بعد أن كادت تدمر كل شيء أنه ضروري وهو من أبجديات الإسلام .الغرب حكم الإقليم قبل الإسلام والغرب حكمه بعد أن انحطت حضارة الإسلام .ومجموع حكمه يقرب من حيث المدة حكم الإسلام له .ولو قارنا بين الحكمين لوجدنا أن الإسلام حافظ على العالم وعلى ساكنيه ألف مرة أفضل منهم في فورتيهم المتقدمة على حكم الإسلام والمتأخرة عنه :والتنوع العرقي والديني والثقافي لم يبق إلا عندنا. سيقال ربما لأنكم ليس لديكم تقدم تقني وعلمي مثله وإذن فليس لكم أسلحة إبادة جماعية وإلا لفعلتم ما فعلوا في الحربين الكبريين وما فعلوا بالحروب الدينية والاستعمارية وبين الشيوعية والنازية والفاشية اليمينة .وهذا كذب .الغرب الذي أفنى شعوب أمريكا لم يكن أكثر تقدما من المسلمين حينها. ففي نفس تلك لمدة فتح الأتراك البلقان :هل أفنوا أهله؟ هل فرضوا عليهم الإسلام؟ هل قالوا لهم من ليس مسلما ليس إنسانا كما فعلت الكنيسة في أمريكا وفي استراليا وفي جنوب أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا؟ ما يقوله الغربيون وعملاؤهم في الإسلام ماضيا مثل اسقاطهم صورتهم علينا في مسألة الإرهاب. لم تكن تركيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أضعف أو أقل تقدما تقينا من اسبانيا والبرتغال والاهماج الذي نفتهم أوروبا في أمريكا في عملية الاستعمار إما بسبب أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- حروبها الدينية بين دولها أو الأهلية بين مذاهبها وكانوا يستعملون الخمر والجدري واسلام لإفناء الهنود الحمر وشعوب أمريكا. وهذا كاف في الكلام على الماضي .فلنتكلم على المستقبل .هل يوجد في الأحزاب التي تدعي أنها ذات مرجعية إسلامية-ما ينبز بلقب الإسلام السياسي-ما منها يمكن أن يدعي أنه يمثل هذه الرؤية التي حاولت وصفها في الفصول الثلاثة السابقة أم هي في الحقيقة ترزح تحت علوم الملة المحرفة والمشوهة للإسلام؟ هل مفهوم السياسة بهذا المعنى الذي يجعلها جوهر السياسي الذي هو بكل دقة مهمة الإنسان المضاعفة أي: .1تعمير الأرض. .2بقيم الاستخلاف. والهدف هو تحقق معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون أي جعل الإنسان يكون \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" بلا وساطة ولا وصاية؟ وبعبارة أوضح :هل يوجد أحزاب ذات مرجعية إسلامية ليست نسخة من المسخ الذي يسمى أحزاب في بلاد العرب خاصة والتي هي من جنس حزب البعث أو حزب عبد الناصر أو أعني فاشيات مثالها هو أن تصبح حاكمة في المحميات العربية كما نرى ذلك مثلا في السودان منذ ثلاثة عقود؟ هل يمكن مثلا في محمية بحجم تونس مثلا -حتى لو فرضنا حكمتها النهضة-يمكن بحق أن تكون تونس ذات قرار مستقل بحيث تستطيع أن تحقق شئيا يذكر إذا لم يرض عنها المتدخلون فيها من كل حدب وصوب وخاصة فرنسا وأمريكا ثم ذراعا الاستعمار في الإقليم أعني إسرائيل وإيران فضلا عن أنظمة الثورة المضادة. إذا كان ذلك كذلك وإنه لكذلك فالإصرار على جعل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إقليمية يعني بالضرورة أنها لا يمكن أن تكون أفضل من الأحزاب الفاشية الحالية أو التي تقدمت على الثورة .ومن ثم فأي حزب ذو مرجعية اسلامية مجرد تحوله إلى حزب قطري أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- يعني القبول بوضع أسوأ مما كان قبل الثورة .فيفسد صورة الإسلام لكأن المنتسبين إليه جعلوا الحكم غاية وليس أداة. ولا يمكن تبرير ذلك بضرورة التمسكن حتى يحصل التمكن لأن الأعداء ليسوا سذجا فيجعلوك تتمكن فضلا عن كون التمكن مستحيل في افطار كلها تحت خط الفقر ومستدانة بصورة لم تبق لها ما يمكنها من رفع رأسها إلى يوم الدين .لذلك فلا نكذب على بعضنا البعض. سيقال وما الحل؟ هل نرفض المشاركة في لحكم ولو بشروط مجحفة؟ إذا كان الحكم بهذه الشروط فالمشاركة فيه تجعله غرقا في ما يحول دون الوصول يوما ما إلى شروط السيادة وخاصة إذا فرطنا في حركة الشباب بجنسيه في جل بلاد العرب منذ عقد تقريبا وخاصة بعد أن لحقت الجزائر والسودان. وعلى كل فالثورة المضادة والذراعان -إيران وإسرائيل معهما-يعملون بصورة إقليمية وليس قطرية .وهم يعملون كذلك لمنع تجاوز الثورة القطرية .ومن ثم فأقلمة الثورة ولو سلبا حاصلة .وقد كنت قبل حركة شباب الجزائر مجاورة لتونس في ليبيا وألان أصحبت محيطة بها من الجوارين. لا بد إذن من استراتيجية تعيد الإسلام السياسي إلى وحدته الاقليمية إيجابا ما دام قد صار إقليميا سلبا .وحتى ناتين ياهو يعلن أن أنظمة لثورة المضادة تطبع مع إسرائيل لأنها تعتبر الإسلام السياسي خطرا عليها .ومثلهم حلفاء إيران .وإذن فهم يعتبرون الثورة إسلامية وخطرا مشتركا عليهم جميعا لمجرد أن أصحابها يريدون حماية كيانهم ومنع العدوان عليهم وصون حرياتهم وكرامتهم وثرواتهم وحضارتهم. وهذه فرصة الإسلام السياسي بوضع استراتيجية للانتقال من المحلية إلى الإقليمية مع أخذ العالمية بعين الاعتبار لأن أعداء الثورة والإسلام السياسي لا يحاربونه في الإقليم فحسب بل وكذلك في العالم كله .من ذلك أن اليمين الأوروبي متحالف معهم ومع إسرائيل أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وإيران بقيادة أمريكا وروسيا وبعض دول أوروبا -وخاصة التي عرفت بقيادة الصليبيات والاستعمار لتشويه الثورة والإسلام. أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- اختم كلامـي على الإسلام السياسي بما ينبغي أن يكون عليه دوره في الثورة وفي مستقبل الأمة إذا عرفناه بكونه يهدف إلى التعجيل باستئناف دور الإسلام الكوني حتى يكون معدلا لنظام العالم الجديد ومعالجة ما ترتب على غيابه بسبب انحطاط الأمة أو على حضوره السلبي بوصفه منفعلا بما يترتب على الضعف. سيقال إن استرداد الدور الذي شرطه الخروج من الانحطاط والضعف يقتضي أن يحكم الإسلاميون حتى يحققوا هذين الشرطين .ولا خلاف في ذلك .لكن إذا حكموا بالشروط التي وصفت في الفصول السابقة فمعناه أنهم سيكونون في محميات يستحيل عليها أن تتحرر من التبعية البنيوية فيكونوا مثلما هم في السودان لا يقلون فسادا عن غيرهم. وكما سبق أن بينت فإن آية الردع أو الأنفال 60ميزت بين القوة عامة والقوة العسكرية وحددت أصناف الاعداء .وما يعنيني أمران :طبيعة القوة عامة وطبيعة الأعداء الذين لا نعلمهم والله يعلمهم .فعبارة \"لا تعلمونهم\" لا تعني أن علمهم من الغيب بل هي تعني أن علمهم غير مباشر مثل النوعين الصريحين والنوعين الضمنيين. فالآية أشارت صراحة إلى نوعين هما \"-1أعداؤكم -2وأعداء الله\" .لكن ذلك يتضمن نوعين آخرين مؤلفين منهما تأليف تعليل-3 :فالنوع الثالث هو من يعادي الله لأنه يعادينا -4والنوع الرابع هو من يعادينا لأنه يعادي الله .وهذان النوعان المركبان أخطر من البسيطين: • الذي يعادينا لعلة دنيوية قد لا يكون عدو الله. • والذي يعادينا لمعاداته ديننا وليس لغرض دنيوي عدو الله. لكن الأخطر هم من لا نعلمهم فهم الأصل فيهم جميعا أي من يندس بينهم وينافق فلا يدعي معاداتنا ولا معاداة الله ولا معاداتنا في الله ولا معاداتنا في الدنيا بل يتظاهر بأنه منا ومن هذا النوع كل العملاء وخاصة مخربو الإسلام المتظاهرين بكونهم منه. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- وإذن فالقصد هو الأعداء الذين لا يُعلمون مباشرة وغالبا ما نكتشفهم بعد فوات الفوت. ولذلك فالقصد الحذر منهم بعلامات هي التي ذكرت والتي لا يمكن الجزم بها لأن بعض الظن اثم .وبعضهم يعرفون أنفسهم بكل هذه العلامات تحت مسمى معلوم هو \"التقية\" التي لا تجتمع أبدا مع التقوى والشرف لأنها جوهر النفاق :فلا أحد خرب من الداخل مثلهم في تاريخ الأمة كله. وهذا التصنيف كلي ولا يمكن أن تخلو منه علاقة أمة بمن ينافسها في المستويين من الوجود الإنساني الدنيوي والمتعالي عليه أي في دنياها وفي دينها أو لنقل في عقائدها سواء كانت دينية أو لادينية علما وأن اللادينية كذبة لأنها دين طبيعي من جنس البوذية أو المجوسية أو الماركسية أو العلمانية. فليس من الضروري أن يكون الدين منزلا والدليل أن القرآن نفسه استعمل كلمة الدين لوصف ثلاثة أديان لا علاقة لها بالمنزل :استعمل الصابئة واستعمل المجوس وحتى \"الذين أشركوا\" في الحج .17والصابئة استعملها في البقرة 62وفي المائدة .69لكن فلنسلم المقابلة دين لا دين تسليما جدليا. فالغاية هي أن الأمم تتنافس وتتعادى إما بدافع دنيوي خالص أو بدافع ديني خالص أو بدافع مزيج يكون الدنيوي علة للديني أو يكون الديني علة للدنيوي .ومن بين كل هؤلاء المندس والجامع لها كلها بتخابث يظهر الصداقة ويضمر العداء .وكم غدر الباطني بالسني الذي يؤمن بأن المؤمن غر فليدغ ألف مرة. ولعل أول الملدوغين الفاروق .فقد اغتيل في المسجد بين أصحابه ومن لدغه لا بد أن يكون موجودا مباشرة في الصف الذي يليه لأنه حتما كان إمام الصلاة .ومن ثم فقد كان من المقربين ليس فيها وحدها بل لا بد وأنه كان من الحاشية .وكم في حواشي الحكم عندما من جاسوس بل كم من حاكم من حكامنا مجرد جاسوس بأجر كأي مرتزق يؤجر ليضطهد شعبه خدمة للأعداء؟ أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- ولأختم الكلام على الاعداء بتعليل النوعين المضمرين :فكيف يمكن أن يكون من يعادينا لأنه يعادي الله ومن يعادي الله لأنه يعادينا؟ علة النوع الأول هو من تحريفه للدين يجعله يعادينا لعدائه للإسلام :العلة هي التحريف. وعلة النوع الثاني هو العنصرية يعادي المسلمين فيعادي الله بمعاداة الإسلام .فيتبين أن هذين النوعين المضمرين لهما صفتان تجتمعان وتفترقان :العداء المذهبي الديني والعداء العنصري: .1والأول مصدره عقائد الكنيسة المسيحية وانتقال العداوة إزاء الإسلام إلى التحريض على المسلمين. .2والثاني مصدره نظرية شعب الله المختار اليهودية أصلا لكل عنصرية تعادي غير الإنسان الأبيض. وإذا اجتمع النوعان كان ذلك صفوية وصهيونية سواء لدى ذراعي الاستعمار أو خاصة عند الصهيونية المسيحية التي توظفهما كلتيهما لكي تسيطر على دار الإسلام لأن الولايات المتحدة من دون دار الإسلام ستصبح قريبا قوة متوسطة لا تضاهي الصين ولا خاصة المسلمين إذا تحقق شرط الاستئناف الثاني. أمر إذن إلى شرط الاستئناف أو عامل القوة الثاني بعد عامل تحديد الأعداء وتحديد أصناف العداوة الخمسة وطبيعتها :إنها حجم الأحياز التي من دونها تمتنع السيادة بمقوميها الذاتيين لها أي الحماية والرعاية اللتين تحققان شروط القيام الحر وغير التابع .فما هي هذا الأحياز؟ وكيف تحقق ذلك؟ فغاية سايكس بيكو كانت تفتيت جغرافية دار الإسلام وخاصة قلبها الذي هو الإقليم الذي كان تحت سيطرة الخلافة الاخيرة .ثم تكليف العملاء الذين ينصبون على فتات هذا القلب ليتموا مهمة تشتت تاريخ دار الإسلام .فتبح كل محمية تبحث عن شرعية تاريخية تنفي الشرعية التاريخية الإسلامية :جرثومة الدولة التي يسمونها قومية وهي مجرد محمية استعمارية حكامها عبيد يستعبدون شعوبهم لصالح حاميهم. أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- وإذا فتت الجغرافيا زالت شروط القوة المادية وتأكدت التبعية في الرعاية والحماية الماديتين (شروط التنمية الاقتصادية والتقنية) وإذا شتت التاريخ زالت شروط القوة الروحية وتأكدت التبعية في الرعاية والحماية الروحيتين (شروط التنمية الثقافية والعلمية) :فتكون كلها محميات مادية وروحية. تصوروا أن ذلك يمكن أن يخرج الإسلام وأهله من التاريخ العالمي -كما توهم هيجل في الفصل الثاني من الباب الرابع الخاص بالعالم الجرماني من فلسفة التاريخ -لكنهم مع ذلك كانوا غير مطمئنين فزرعا قاعدتين ثابتتين معروفتين بالعداء التاريخي الدائم للإسلام هما الصهيونية والصفوية للفصلين البينين الضامنين للتفتيت. فالصفوية التي كانت منذ نشأتها حربا على الخلافة وحلفا مع البرتغال وحروب الاسترداد ضد السنة هدفها الفصل بين الاقليم المركزي في دار الإسلام وبقية دار الإسلام. والصهيونية التي كانت نشأتها مشروطة بالقضاء على الخلافة (وعد بلفوروسايكس بيكو من نفس المصدر) هدفها الفصل بين جناحي الإقليم. لكن ثبات الإسلام وبداية التعافي في مركز دار الإسلام خيبا ظنهم وأفسدا عليهم استراتيجيتهم .فكانت محاولات سايكس بيكو الثانية والتي نراها تجري حاليا والتي سمتها وزيرة خارجية أميركا في عهد بوش مهدم العراق وافغانستان بالفوضى الخلاقة وهي في الحقيقة بداية خطة سايكس بيكو الثانية الحالية التي تعمل بنفس العملاء. ومهما داوروا فإن المستهدف مرة أخرى هو تركيا بوصفها شرط التعافي العام الذي يمكن أن يعيد الإسلام -ولست بحاجة للقول السني لأنه لا يوجد غيره يمكن أن يسمى إسلاما بمقتضى ثورتيه المحررة من الوساطة ومن الوصاية-إلى دوره فتصبح دار الاسلام لها شروط القوة المؤسسة للدور الكوني ماديا وروحيا. وأحمد الله فقد من على تركيا بقيادات حكيمة وشعب غيور على وطنه وهويته مع قيادات ليست غافلة عن أبعاد الخطة وتعمل بحذر كمن يمشي على البيض لأنها تعلم أنها محاطة من كل جانب بالأعداء .وهنا نفهم علة إطالتي الكلام على \"وآخرون لا تعلمونهم الله أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- يعلمهم\" في تصنيف الأعداء :فلولا ستر الله لكان أعداء الداخل قد قضوا على أهم شروط التعافي :حرية الإرادة بالعودة إلى التبعية. الشعب التركي الذي أفشل الانقلاب الأخير صار ضمانة تؤكد أن الله حفظ بداية الاستئناف فمنع تخريب التعافي التركي الذي هو المستهدف الأول في كل ما يجري في الإقليم وخاصة منذ أن تدعم بثورة الشباب في كل الإقليم وما فهم الغرب منها كما بينت ممثلة أوروبا في كلامها على الانقلاب في مصر ونأمل أن يكون الأخير إذ سيسقطه الشعب المصري حتما كما فعل الشعب التركي. والآن اعتقد أن القارئ يفهم علة كلامي على الإسلام السياسي وشروط كونه حقا منتسبا إلى الإسلام أو ليس منتسبا إليه .فإذا كان مسلما بالقطرية الناتجة عن سايكس بيكو والتنصل من الاستئناف فهو أفسد حتى من الانظمة التي ثار عليها الشباب .أما إذا كان متجاوزا لها فليشارك صادقا في الثورة. فإذا اعتبرها فرصته للوصول إلى الحكم الذي يصبح غاية فهو سيكون أفسد من الأنظمة السابقة عليها لأنها لن يترك في الحكم إلا بشروط المشاركة في سايكس بيكو الثانية ولذلك فهو سيكون أكثر عمالة وخيانة من كل الانظمة التي ثار عليها الشباب من اجل الاستئناف شرط شروط مطلبيه :الحرية والكرامة. فمن يعيش في محمية لا يمكن أن يكون حرا ولا كريما لأنه سيكون عبدا لعبد :حكامنا عبيد إما للصفوية أو للصهيونية اللتين هما أداتين لأعداء الإسلام التاريخيين منذ بداية تاريخه فتكون عبوديتنا ذات خمسة مستويات :لحكامنا وذراعي الاستعمار والاستعمار بصنفيه :شرط الحرية والكرامة التحرر منهم. ولا تحرر منهم من دون عودة الأمة إلى حجمها الأصلي شرط دورها الكوني بأحيازها الخمسة :جغرافيتها شرط قوتها المادية وتاريخها شرط قوتها الروحية ومرجعيتها التي أسست لهذا الدور تعميرا واستخلافا .المعركة هي إذن معركة شاملة ولا معنى لحكم وهمي في محميات ليس لها أدنى شروط السيادة التي هي عين شروط الحماية والرعاية أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- الذاتيتين .وهذه الشروط لم تعد ممكنة للأقزام في عصر العماليق .ينبغي أن نصبح عملاقا يستأنف دوره. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 36
Pages: