Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الإسلام السياسي، بليوناسم مفهومي وتاريخي - أبو يعرب المرزوقي

الإسلام السياسي، بليوناسم مفهومي وتاريخي - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-08-24 18:56:45

Description: الإسلام السياسي، بليوناسم مفهومي وتاريخي - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫الإسلام السياسي‬ ‫\"بليوناسم\" مفهومي وتاريخي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪8 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪15 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪21 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪27 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫ما الإسلام السياسي؟‬ ‫هذه الكلمة من جنس ما يسمى بالفرنسية \"بليوناسم\" بمعنى أن إضافة السياسي وصفا‬ ‫للإسلام غير ضرورية إذا انطلقنا من نصيه المرجعيين‪ :‬القرآن والسنة‪.‬‬ ‫فموضوع الإسلام هو نظام حياة الإنسان في الدنيا بمعايير الآخرة أو نظام التعمير بقيم‬ ‫الاستخلاف‪ .‬وهو إذن سياسة بمستويي شروط التعمير بقيم الاستخلاف‪:‬‬ ‫‪ .1‬سياسة تربوية تكون الفرد ليكون قادرا على التعمير بقيم الاستخلاف بشرعات‬ ‫ومنهاجات متعددة ومتنوعة (المائدة ‪ )48‬وعلامتها ثمرتها التي حددتها سورة العصر‬ ‫بالإيمان والعمل الصالح‪.‬‬ ‫‪ .2‬سياسة حكم تنظم الجماعة لتحقيق شروط تعاون الافراد في التبادل وتفاهمهم في‬ ‫التواصل (الحجرات ‪ )13‬وعلامتها ثمرتها التي حددتها صورة العصر بالتواصي بالحق (في‬ ‫الاجتهاد) والتواصي بالصبر (في الجهاد)‪.‬‬ ‫لكن إضافة صفة السياسي للإسلام صارت إضافة معقولة عند النظر إلى أمرين‪:‬‬ ‫• حقيقة السياسة في العالم الحديث إذ فصل التعمير عن قيم الاستخلاف بصورة مطلقة‬ ‫فصار تدميرا وليس تعميرا‪.‬‬ ‫• تاريخ السياسة في بلاد الإسلام منذ سيطرة الانحطاط الذي تصور أن الاستخلاف ممكن‬ ‫من دون التعمير فصارت الدين مقصورا على الوعظ والارشاد والعبادات الفردية‪.‬‬ ‫وإذن فالإسلام دين فيه نوعان من العبادات‪:‬‬ ‫‪ .1‬العبادات الفردية وهي ذاتية وتخص تكوين الفرد الروحي والخلقي والوظيفي تكويا‬ ‫يعده ليشارك في الحياة الجماعية تبادلا شرطا في تقاسم العمل وتواصلا شرطا في تقاسم‬ ‫التعارف‪ :‬سياسة التربية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬العبادات الجماعية وهي موضوعية تخص تكوين الجماعة الروحي والخلقي والوظيفي‬ ‫يعدها للتعايش السلمي في هذا العمل بمستوييه التبادلي والتعارفي وهو المستوى الثاني أو‬ ‫سياسة الحكم‪.‬‬ ‫لكن المآل التدميري في السياسة الحديثة أي اللاإسلام أو وهم تعمير دون استخلاف والمآل‬ ‫في الانحطاط الإسلامي أي وهم الإسلام دون تعمير الذي آل إلى التحول إلى عالة يلغيان‬ ‫الإسلام والسياسة‪ .‬لم يبق عند البشر وجود لا للإسلام ولا للسياسة بل ما يوجد هو جاهلية‬ ‫خالية من حقيقة الدين ومن حقيقة السياسة لأنها مبنية على الاستبداد والفساد في‬ ‫الحالتين‪:‬‬ ‫• حالة التدمير المادي‬ ‫• وحالة التدين الشكلي‪.‬‬ ‫وما كان هذه كيانه ليس دينا وليس سياسة بل هو حياة مافيات قوية تدمر العالم وحياة‬ ‫شعوب مستعبدة منها مستسلمة‪ .‬والنتيجة أن ا لبشرية نكصت إلى التاريخ الطبيعي‪ :‬صراع‬ ‫واقتتال بين المافيات التي تستعمر العالم وتتقاتل على المنافع المباشرة التي هي جوهر‬ ‫الإخلاد إلى الأرض في حالتي الفاعل والمنفعل‪.‬‬ ‫فينتج عن كلامي هذا أمر عجب‪:‬‬ ‫فسواء اكتفيت بالإسلام أو بالسياسة لا يمكن أن يكون كلامي مختلفا عن دور الديني في‬ ‫الإسلام ودور السياسي في الإسلام‪ .‬ومعنى ذلك أن الديني في الإسلام سياسي بالجوهر‪.‬‬ ‫والسياسي في السياسة إسلامي بالجوهر‪ .‬طبعا هذا الكلام لا يقبله من يتصور الكاريكاتورين‬ ‫ذوي فكر‪ .‬وما أعنيه بالكاريكاتورين سبق أن عرفته عديد المرات‪.‬‬ ‫ولكن لا بأس من التذكير به‪:‬‬ ‫الأول هو كاريكاتور التأصيل‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فظنهم أن الدين يقتصر على العبادات إما باستثناء السياسي (وهذا هو التوظيف الذي‬ ‫تقول بها الجامية) أو بضمها إليه (وهذا ما يقول به الإخوان)‪ .‬وينسون أن العبادات ذات‬ ‫مستويين كلاهما سياسي لكن أحدهما سياسة روحية وخلقية معرفية تتعلق بتربية الافراد‬ ‫والثاني سياسة حكم لتنظيم التبادل والتواصل وتهم حياة الجماعة الاقتصادية والثقافية‬ ‫التي تتجاوز الأفراد وتعدد الأديان والمذاهب أو الشرعات والمنهاجات (المائدة ‪ )48‬لأن‬ ‫الإسلام يعترف بأن الجماعة الكبرى تشمل عدة جماعات صغرى والأولى لا تسيطر على‬ ‫مهام الثانية‪ .‬فهو يعترف بالأديان الأخرى ويعتبر التعدد مطلوبا من أجل التسابق في‬ ‫الخيرات وذلك لعلتين‪:‬‬ ‫• لعدم الإكراه في الدين شرطا في حرية اختياره بعد تبين الرشد من الغي‬ ‫(البقرة‪.)256‬‬ ‫• لضرورة التسابق في الخيرات أي المفاضلة بين الأديان خلال تبين الرشد من الغي‬ ‫شرطها التعدد (المائدة ‪.)48‬‬ ‫ومن ثم فالسياسي في الإسلام عبادة شارطة لهذين الامرين‪ :‬الشروط الكلية للتعايش‪.‬‬ ‫والدليل القاطع هو قرآنيا المائدة ‪( 48‬لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وسنيا دستور‬ ‫الرسول‪ .‬والعبادة التي هي سياسة شارطة لتعدد الشرعات والحرية العقدية هي سياسة‬ ‫شروط التعايش الكلية وتعود إلى نوعين‪:‬‬ ‫• الحماية المشتركة في الداخل وفي الخارج‪.‬‬ ‫• الرعاية المشتركة بالتعاون والتبادل والتعاوض العادل‪.‬‬ ‫وهذه كلها يجهلها أو يتجاهلها كاريكاتور التأصيل‪ .‬وهذا التجاهل يوجد خاصة عند أكبر‬ ‫مفكريهم ولا أعني حسن البنا بل السيد قطب‪ .‬والدليل أنه أسس فكرة المقابلة الفجة بين‬ ‫خيار علي الذي جعله يبدو على حق مطلق ومعاوية الذي جعله يبدو على خطا مطلق‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولو فهم هذه المعاني لنسب حكمه وحينها لفضل معاوية على علي لأنه فصل بين هذين‬ ‫المستويين من السياسة‪ :‬السياسة التربوية لأنها من مهام المجتمع الاهلي والسياسية الحكمية‬ ‫لأنها من مهام الدولة‪.‬‬ ‫فأقصى ما يمكن قوله هو أن كلا الرجلين كان مجتهدا ومعاوية كان أقرب في اجتهاده إلى‬ ‫رؤية الإسلام من علي بمقتضى طبيعة العلاقة بين التعبدي السياسي والتعبدي التربوي في‬ ‫الدين‪ .‬فالإسلام كله سياسة لكن السياسة فيه تعبدية من حيث هي تربية وهي جزئية وهي‬ ‫تعبدية من حيث هي حكم وهو كلي في الجماعة‪ .‬وما تزال علة العلل في فشل الإخوان هي‬ ‫عدم فهم الفرق بين السياستين وهما كلتاهما عبادة في الإسلام‪:‬‬ ‫• سياسة التعبد التربوي ورمزه المرحلة المكية‪ .‬ومبدؤها \"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\"‬ ‫أو لكم دينكم ولي دين‪.‬‬ ‫• وسياسة التعبد الحكمي ورمزه المرحلة المدنية‪ .‬ومبدؤها شروط العيش المشترك حماية‬ ‫ورعاية وظيفي الدولة أو دستور الرسول‪.‬‬ ‫وليس اجتهاد معاوية أقرب إلى رؤية الإسلام لهذين المعنيين من علي لأنه نجح تاريخيا‬ ‫حيث فشل علي بل لأنه كان يدرك ما حدده الغزالي في تعريف شروط السياسي من حيث‬ ‫هو عبادة شروطه الفاعلية وشروطه الغائية‪ .‬ففي فضائح الباطنية بين أن الحكم ليس‬ ‫بالوصاية بل بالاختيار لكن الاختيار له شروط‪.‬‬ ‫وهي شروط كونية من حيث التعليل الفاعلية والتعليل الغائي‪ .‬ومعنى ذلك أن الاختيار‬ ‫شرطه متعلق بالشوكة والشرعية ولا يغني أي منهما عن الآخر إذ الشوكة وحدها أمر واقع‬ ‫والشرعية وحدها أمر واجب ولا يكون الفعل فعلا ما لم يكن له شيء من هذا وذاك‪.‬‬ ‫وعلامة الجمع بينهما \"معتبري الزمان\" بلغة الغزالي‪.‬‬ ‫ومعتبرو الزمان مفهوم شديد العمق فهو يعني أن أي جماعة فيها \"زعامات\" هي التي تحقق‬ ‫الغالبيات التي تحدد الاختيار في الحكم والتي لها الشوكة الكافية لمنع الحروب الاهلية أي‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫التي تحقق شروط العيش المشترك السلمي لأن غاية السياسة العبادية في الإسلام هي‬ ‫العيش السلمي المشترك للمتعدد بالطبع‪.‬‬ ‫وبهذا الفهم توصل ابن خلدون إلى وضع نظرية \"عدم التأثيم\" في الاجتهاد السياسي لحل‬ ‫معضلة الحرب بين ابن علي وابن معاوية‪.‬‬ ‫وهو وضع هذه النظرية لطي صفحة الفتنة الكبرى فعلل الأمر بينهما بالمقابلة بين شرعية‬ ‫بلا شوكة وشوكة بلاشرعية‪ .‬ما يعني أنه لم يعمق النظرية فحافظ على الفصام الذي‬ ‫أعنيه‪.‬‬ ‫والحقيقة هي أن الرجلين لهما شوكة وشرعية والدليل حصول حرب وانتصر أحد الصفين‬ ‫وهزم الصف الثاني ولا تزال الحرب جارية منذئذ وهي سجال‪ .‬وهذا هو سر الخطأ الذي‬ ‫يقع فيه الإخوان للخلط بين مبدأ السياسة التربوية والسياسة الحكمية‪ .‬وشرعية الحكم‬ ‫ليست من الاولى بل منها فاعليته لا غير‪.‬‬ ‫ما معنى شرعية الحكم ليست من سياسة التربية؟‬ ‫وما معنى فاعليته منها؟‬ ‫لنأخذ تجربة المدينة‪ :‬من سيحكمون بمقتضى الدستور الذي وضعه الرسول هم من رباهم‬ ‫الرسول بقيم الإسلام‪ .‬فكانت لهم صفات خلقية تؤهلهم للحكم المؤثر الذي يحترم وظيفتي‬ ‫الدولة‪ :‬الحماية والرعاية مع \"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا\"‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الرسول لم يفرض على اليهود شريعة الإسلام بل بالعكس لما احتكموا إليه‬ ‫ردهم وقال لهم طبقوا شريعتكم بينكم ما يعني أن الدولة لا دخل لها في معتقدات الناس‬ ‫وأنها تكتفي بالحماية والرعاية‪ .‬والحماية داخلية لحماية الناس بعضهم من البعض‬ ‫وخارجية لحماية الجماعة من الأعداء‪.‬‬ ‫والرعاية رعاية للقيام المادي بتنظيم التعاون والتبادل والتعاوض ورعاية للقيام الروحي‬ ‫بتنظيم علاقات الناس رغم اختلاف عقائدهم وشرائعهم بفرض الاحترام المتبادل بينهم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫دون عدوان على عقائد بعضهم البعض وهذان هما الشرطان المقومان للتعايش والتواصل‬ ‫في الجماعة المتعددة والمتنوعة والمتضامنة‪.‬‬ ‫أطلت الكلام في كاريكاتور التأصيل ضمن ما يسمى بالإسلام السياسي ورمزه الاخوان‪.‬‬ ‫وجميع الفرق الأخرى تستعمل الإسلام في حكمها ولكن ليس بوصفه مبدأ سياستها بل‬ ‫بوصفه مبرر سياستها‪ .‬لو وصل الاخوان للحكم وطال حكمهم لجعلوه مثل الآخرين مبرر‬ ‫سياستهم وليس مبدأ سياستهم‪ .‬فالسنن لا تتحول ولا تتبدل‬ ‫والسنة التي أعنيها هنا هي أن الفرق بين الإسلام الذي يتهم الاخوان بالإسلام السياسي‬ ‫سياسي هو بدوره لكنه بمعنى جعل الإسلام مبررا لسياسته لكونه حاكما والاخوان الذين‬ ‫يتهمون الإسلام الحاكم بتوظيف الإسلام بغير مقاصده يفعلون لأنهم معارضون وإذا حكموا‬ ‫فسيكونون مثل الأول‪.‬‬ ‫والعلة في الحالتين هي ما لأجله أصفهم جميعا بكونهم ينطلقون من كاريكاتور التأصيل‬ ‫بالخلط بين المستويات وإدخال السياسة التربوية في السياسة الحكمية دون فصل بين‬ ‫الوظيفتين بمجاليهما‪ :‬فالتربية مجالها قيم تكوين الإنسان والحكم مجاله قيم العيش‬ ‫المشترك الشارط لتعايش التعدد والتنوع القيمي‪ .‬وسورة العصر تبين ذلك جيد البيان‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهدف التربية أن يكون الفرد الإنساني مؤمنا وعاملا صالحا‪ .‬وهذا متعدد بحسب‬ ‫المنظومات القيمية ويشترك في ما يجعل حياة الجماعة ممكنة بالتواصل والتبادل‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهدف الحكم يأتي بالمشاركة‪ :‬التواصي بالحق في الاجتهاد المعرفي والتواصي بالصبر في‬ ‫الجهاد العملي‪.‬‬ ‫ولو فهم السيد قطب ذلك لتغيرت رؤية الإخوان ولفهموا أن خرافة المقابلة بين عصر كان‬ ‫الناس فيه ملائكة (عصر الراشدين) وعصر ما بعد الفتنة الذي أصبح الناس فيه شياطين‬ ‫وأن هدف فكرهم هو إعادة الأمة إلى عصر الملائكة هو سر الطابع الكاريكاتوري لفكرهم‬ ‫وسر هزائمهم وميلهم إلى الرؤية الشيعية للسياسة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهو ميل ساذج‪ .‬ذلك أن الرؤية الشيعية دليل خبث استراتيجي ورؤيتهم دليل سذاجة‬ ‫عديمة الاستراتيجية‪ .‬فالرؤية الشيعية لو كانوا يعملون تهدف لإلغاء ثورتي الإسلام‬ ‫بخرافة آل البيت أي بالوساطة الروحية في التربية (التشيع فيه كنيسة) وبالوصاية‬ ‫السياسية في الحكم (التشيع فيه حكم بالحق الإلهي)‪.‬‬ ‫ففي رسالة ربها يقول لرسوله \"إنما أنت مذكر\" يعني ليست وسيطا بيني وبين المؤمنين أرجع‬ ‫التشيع كنسية الفارسية وفي دين ربه يقول لرسوله \"لست عليهم بمسيطر\" يعني لست وصيا‬ ‫على المؤمنين في أمرهم أرجع التشيع الحكم بالحق الإلهي وهما من ثم إلغاء تام لثورتي‬ ‫الإسلام لتهديمه من الداخل‪.‬‬ ‫يأتي من يريد إحياء الحكم الإسلامي ‪-‬الإخوان‪ -‬فيأخذوا أفسد رؤية للعلاقة بين التربية‬ ‫والحكم من دون الانتباه إلى ما وراء ذلك من استراتيجية تهديمية لثورتي الإسلام فيصبح‬ ‫الإسلام السياسي على شكلين‪ :‬في الحكم هو من جنس الوهابية وفي المعارضة هو من جنس‬ ‫الاخوان‪ .‬وبانعكاس الموقع ينعكس التصور‪.‬‬ ‫ما معنى لو انعكس الموقع لانعكس التصور؟‬ ‫لو حكم الاخوان حكموا لجعلوا دور الإسلام تبريريا لسياستهم مثلما يفعل الوهابيون‬ ‫حاليا‪ .‬ولو عارض الوهابيون لجعلوا دور الإسلام مبدئيا في سياستهم مثلما يفعل الاخوان‬ ‫حاليا‪ .‬كلاهما يعتبر الإسلام أداة وليس غاية دون فهم للفرق بين التربية والحكم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وختما للفصل الأول فلنوجز في عبارة دقيقة مشكل كاريكاتور التأصيل بمعنييه السلفي‬ ‫والإخواني برده إلى تردد ابن خلدون في وصف العلاقة بين العصر الراشدي والعصر‬ ‫الأموي أو ما قبل الفتنة وما بعدها‪ .‬فهو تردد بين معنيي \"ما بعث الله رسولا إلا في منعة من‬ ‫قومه\" وبين اعتبار مرحلة الراشدين قد كانت غنية عن الشوكة بحجة أن العصر كان مليئا‬ ‫بالمعجزات لكأن القرآن ليس مليئا بالكلام على الخلافات التي يقصها بين الصحابة وحتى‬ ‫بين بعضهم والرسول‪.‬‬ ‫فاعتبر مرحلة الراشدين كانت سياستها غير معتمدة على القانون العام وهو الجمع بين‬ ‫الشوكة والشرعية بسبب المعجزات وأن الامر عاد إلى طبعه بعد الفتنة الكبرى وتكون‬ ‫الدولة الأموية‪ .‬وهذا خطأ فلسفي فادح لأن السنن التاريخية مثلها مثل القوانين الطبيعية‬ ‫لا تتخلف أبدا‪.‬‬ ‫وهو ما فهمه الغزالي‪.‬‬ ‫ففي حواره الخيالي بين سني وشيعي حول نظرية الحكم القائلة الشيعية بالوصية ونظرية‬ ‫الحكم السنية القائلة بالاختيار وضع مبدأ التلازم الدائم بين الشوكة والشرعية في الحكم‬ ‫لحسم الجمع بين التعدد الطبيعي في الجماعات البشرية والوحدة الضرورية للنظام‬ ‫بالأغلبية الحاسمة لشروط العيش المشترك‪.‬‬ ‫والجميل في علاج الغزالي أنه ضرب مثال حسم تعيين أبا بكر الصديق خليفة‪ .‬وصف‬ ‫السجال الذي كاد يكون بداية الفتنة الكبرى (وهو في الحقيقة بدايتها كما سنرى) بالتلازم‬ ‫بين الشوكة والشرعية في مفهوم \"معتبري الزمان\" الذين تميل الجماهير حيث تميل‪ .‬فكانت‬ ‫مبايعة عمر حاسمة رمزا لمعتبري الزمان‪.‬‬ ‫بحيث يمكن القول إن أبا بكر كان رمز الشرعية لأن الرسول عينه نائبا عنه في إمامة‬ ‫الصلاة والفاروق كان رمز الشوكة لأن موقه حسم تحقيق الاغلبية‪ .‬ما يعني أن الأقلية‬ ‫كانت مؤلفة من نوعي الحل الذي عرض قبل استخلاف أبي يكر‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• منا أمير ومنكم أمير (جاهلي)‬ ‫• خيار علي (فارسي‪ :‬وراثة)‪.‬‬ ‫وكان يمكن للغزالي أن يذهب إلى أبعد من ذلك لكنه أراد أن يضرب مثالا ممن يعارضهم‬ ‫المحاور الشيعي في الخيار بين الوصية والاختيار‪ .‬فهذان هما العدوان اللدودان للخيار‬ ‫الشيعي والغزالي أدرى المفكرين بذلك وهو كتب الفضائح من أجل إفهام الأمة هذا‬ ‫السرطان الذي يريد تهديم الإسلام من الداخل بتحريفه‪.‬‬ ‫كان يمكن أن يشرح كيفية تولي الرسول الحكم في المدينة وكتابة الدستور الأول الذي‬ ‫ميز بين بعدي السياسة في القرآن‪ .‬ولو كانت هذه الكليات في رؤية القرآن للسياسة‬ ‫ووظيفتيها مفهومة أو عمل بها لما اضطررت للكلام فيها‪:‬‬ ‫‪ .1‬سياسة التربية المعدة لشروط العيش المشترك وهي جوهر الرؤية الإسلامية‬ ‫للكونية القيمية التي تعترف بالتعدد والتنوع القيمي والديني‪.‬‬ ‫‪ .2‬وسياسة الحكم التي تحقق العيش المشترك والتي لا تتجاوز مهمتها ضمان الحماية‬ ‫والرعاية العامة المتعالية على الفروق العرقية والطبقية والجنسية والتي هي من مجال‬ ‫المجتمع الأهلي والتربية وليس من مجال الدولة والحكم‪.‬‬ ‫وذلك هو مضمون دستور الرسول في المدينة‪ .‬فالرسول بويع (اختيار) من مسلمي يثرب‬ ‫بعد أن أصبحوا قوة سياسية تبحث عما يجعلها تتحرر من سلطان يهود يثرب وممن لم يسلم‬ ‫بعد فكان الأمر إذن علاقة بين شوكة ذات شرعية جديدة بالقياس إلى شوكة سابقة ذات‬ ‫شرعية سابقة لم تعد صاحبة القوة السياسة التي تحقق شروط العيش المشترك بقيم‬ ‫كونية‪ .‬فنصل بذلك إلى حقيقتين‪:‬‬ ‫• فلم يكن العصر الراشدي خارجا عن سنن التاريخ‪ .‬ولم يكن أصحابه ملائكة بل‬ ‫خاضعين لنفس السنن‪ .‬إذ إن التربية والحكم اللذين وضعهما الإسلام واللذين يسعيان‬ ‫لتحقيق مبدأي النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬أي إن الأخوة البشرية فوق التعدد الديني‬ ‫والمساواة بينهم شرط العيش المشترك‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• والتلازم بين الشرعية والشوكة ليس ثابت النسبة بينهما فأحيانا تتقدم الشرعية‬ ‫وأحيانا تتقدم الشوكة لكن لا بد منهما معا‪ .‬وينتج من ثم أنه يمكن أن نقول إن العصر‬ ‫الراشدي كانت الشرعية متقدمة فيه على الشوكة وأن ما بعد الفتنة انعكست الآية لأن‬ ‫التغلب عليها اقتضى ذلك‪.‬‬ ‫وبهذا أكون قد فرغت من الكلام على كاريكاتور التأصيل ولم يبق منه إلا نتيجته الأخطر‬ ‫على الأمة‪ .‬وهي أن الإسلام يكون مبدئيا في المعارضة لكنه يتحول إلى تبريري في الحكم‬ ‫والثاني يكذب الأول‪ .‬وهذا التكذيب يصح على إيديولوجية الحداثي فهي تبدو مبدئية‬ ‫في المعارضة وتتجلى تبريرية في الحكم‪ .‬وكان ينبغي ألا يبدو أي منهما أيا منهما بل القيم‬ ‫الكونية في التربية وفي الحكم ينبغي أن تكون قيما بحق لتكون غاية التسابق في الخيرات‬ ‫(المائدة‪.)48‬‬ ‫بدأت بكاريكاتور التأصيل السلفي أو الإخواني لأنه هو الذي في المجمل يصبح ثيوقراطيا‬ ‫(الحكم باسم الله) بالأفعال حتى وإن اختلف عن الشيعي بـالأقوال مدعيا العمل بالرؤية‬ ‫القرآنية بقصد لأن كاريكاتور التحديث ليبراليا كان أو يساريا مثله مثل الأول فيكون‬ ‫انثروبوقرطيا (الحكم باسم الإنسان)‪.‬‬ ‫وإذن فالكاريكاتوران ‪-‬وكلاهما مضاعف فيكونوا أربعة‪-‬هما الحكم الثيوقراطي واحكم‬ ‫الانثروبوقراطي باسم لله وباسم الإنسان في الظاهر لكنهما في الحقيقة حتى وإن لم يكونوا‬ ‫واعين بذلك هم يحكمون ببعدي دين العجل أي بمعدنه أو المال وبخواره أو أيديولوجيا‬ ‫توظيف مفهوم الله أو مفهوم الإنسان‪.‬‬ ‫والمعركة بين الكاريكاتورين يخوضها التأصيلي باسم الله ويخضوها التحديثي باسم‬ ‫الإنسان‪ .‬ولا علاقة لها بحقيقتهما لأن الحقيقة التي تحكمهما هي حقيقة العجل الذهبي‪:‬‬ ‫المال والايديولوجيا أداتين وغايتين‪:‬‬ ‫• فهما أداتان لحكم الشعوب‪.‬‬ ‫• وهما غايتان لفائدة النخب‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكلتا النخبتين تتحول إلى شياطين في الحكم وملائكة في المعارضة‪ .‬ولذلك فلا تعجب أيها‬ ‫القارئ أن كل ما قلناه على كاريكاتور التأصيل يقال مثله على كاريكاتور التحديث الذي‬ ‫ينقسم هو بدوره إلى ما يناظر السلفي والإخواني في الأول‪.‬‬ ‫يوجد سلفيو التحديث واخوانيو التحديث‪ .‬وغالبا ما يكون سلفيو التحديث في الحكم‬ ‫واخوانيو التحديث في المعارضة وخاصة منذ سقوط السوفيات‪.‬‬ ‫وسلفيو التحديث هم الليبراليون أو الرأسماليون واخوانيو التحديث هم اليساريون أو‬ ‫الاشتراكيون‪ .‬ومثلما أن السلفيين والإخوان في التأصيل يستندون إلى الحكم باسم الله‬ ‫فسلفيو التحديث واخوانيوه يستندون إلى الحكم باسم الإنسان‪ .‬لكن الإنسان بريء من‬ ‫هؤلاء فلسفيا براءة الله من أولئك إسلاميا‪.‬‬ ‫والسر في ذلك نكو ص الحداثة في أوروبا بسبب عاملين‪ :‬فلسفي وتاريخي‪.‬‬ ‫فأما الفلسفي فهو هيجلي وماركسي وأما التاريخي فهو الاستعمار الذي يمرر جرائمه باسم‬ ‫المهمة التحضيرية وهي جزء من الفكر الهيجلي والماركسي الأول على أساس ديني (صراع‬ ‫أرواح الشعوب) والثاني على أساس لا ديني (صراع الطبقات)‪.‬‬ ‫والنكوصان إلى نفي ما يتعالى على التاريخي الذي صار تاريخا طبيعيا بدا وكأنه ثمرة‬ ‫الثورة على الحكم الثيوقراطي (الحكم باسم الله) من أجل الحكم الانثروبوقراطي أو‬ ‫الديمو قراطي (الحكم باسم الإنسان) انتهيا إلى نفس ما انتهى إليه ما ثارا عليه دين‬ ‫العجل‪ :‬معدنه الذهبي وخواره الإيديولوجي‪ .‬فتكون حرب الكاريكاتورين مدارها خمسة‬ ‫أهداف‪:‬‬ ‫‪ .1‬من يحوز المال‪.‬‬ ‫‪ .2‬من يحوز السلطة الاقتصادية‪.‬‬ ‫‪ .3‬بأي إيديولوجيا‪.‬‬ ‫‪ .4‬من يحوز السلطة الثقافية‬ ‫‪ .5‬والأصل في ذلك كله الحكم باسم ماذا الله أو الإنسان‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والمال غير السلطة الاقتصادية بل هو جذرها‪ .‬والأيديولوجيا غير السلطة الثقافية بل‬ ‫هي جذرها‪.‬‬ ‫فـما معنى المال جذر القوة الاقتصادية؟‬ ‫والإيديولوجيا جذر القوة الثقافية؟‬ ‫ولماذا الاقتصاد والثقافة يمثلان في آن جذر السلطة السياسية وغايتها من حيث هي في‬ ‫خدمة الإنسان؟‬ ‫ذلك هو مربط الفرس‪ .‬وهو الذي يعيدنا إلى اعتبار عبارة \"إسلام سياسي\" بليوناسم أي‬ ‫إن كل كلمة منهما مغنية عن الأخرى على الأقل في القرآن والسنة‪.‬‬ ‫فسواء قلت إسلام أو قلت سياسة فالمعنى واحد‪ :‬ذلك أنه لا يمكن أن يعيش الإنسان في‬ ‫سلام من دون سياسة تحقق شروطه التي تترتب على الأخوة (النساء ‪ )1‬والمساواة‬ ‫(الحجرات ‪ .)13‬فهذه المعاني الخمسة هي أيضا رؤية الإسلام في علل الصراع الممكن بين‬ ‫البشر‪.‬‬ ‫لكن الإسلام لا يعتبرها تابعة لدين العجل بمقتضى حقيقتها الدينية في الرسالات‬ ‫السماوية بل بسبب تحريفها‪ .‬ومعنى ذلك أنه لا ينفي أن المال هو جذر الاقتصاد وأن‬ ‫المعتقدات هي جذر الثقافة وأن الحكم لا بد فيه من الله والإنسان بداية وغاية‪.‬‬ ‫فالمال الذي هو رزق ينفق بالعدل في الجماعة والاقتصاد الذي هو ثمرة عمل الجماعة‬ ‫يتبادل بتعاوض عادل وأن المعتقدات حرية فكرية لا إكراه فيها ولا خداع وأن الثقافة هي‬ ‫التعدد الفكري والعقدي وأن الحكم طبيعة أمر الجماعة وأسلوبه التشاور فيه بينها بمنطق‬ ‫سورة العصرة كما بينا‪.‬‬ ‫وبهذا فالإسلام ينفي الثيوقراطية والانثروبوقراطية لأنهما في الحقيقة ابيسيوقراطية‬ ‫يغطيان على سلطان معدن العجل وخواره اللذين هما تحريف وظيفة المال وتحريف وظيفة‬ ‫الفكر‪ .‬فبدلا من أن يكونا أداتين للعيش المشترك يصبحان سلطانين لعلاقة تجعل البعض‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫سادة والبقية عبيد لأصحابهما ماديا وروحيا‪ .‬لا أنكر أن هذه الرؤية ليست عسيرة على‬ ‫الفهم فحسب بل عصية على التطبيق خاصة‪:‬‬ ‫• فكيف يمكن أن نحول دون المال والتحول إلى سلطان على المتبادلين؟‬ ‫• وكيف يمكن أن نحول دون الفكر والتحول إلى سلطان على المتواصلين؟‬ ‫تلك هي ثورة الإسلام المضاعفة على التربية بالوسطاء والحكم بالأوصياء‪ .‬إذا استطعت‬ ‫إفهام شباب الثورة بجنسيهم بهذه الرؤية الإسلامية التي لم تطبق أبدا حتى في عهد‬ ‫الراشدين فإني أكون قد أفهمتهم أن الإسلام قدر مر بتجارب عديدة للتحرر من التحريف‬ ‫الذي يجعل المال والفكر أداتي عبودية ليعيدهما إلى دورهما كما يحدده الإسلام ثورة‬ ‫تحرير من سلطان المستبدين بهما‪.‬‬ ‫ويمكن أن نقول إن تجربة عصر الراشدين كانت أفضل من كل ما تلاها دون أن نزعم‬ ‫أنها كانت مطلقة وأنها ليست بحاجة لإعادة نظر تبين أنها لم يكن بوسعها أن تحقق ما يطلبه‬ ‫الإسلام لأنها كانت مضطرة لتحقيق خمسة شروط قبل ذلك‪:‬‬ ‫‪ .1‬لوجوده أولا‬ ‫‪ .2‬لبقائه ثانيا‬ ‫‪ .3‬لامتحان رؤيته في غياب الرسول‪.‬‬ ‫‪ .4‬ولتكييفها مع الظرف‪.‬‬ ‫‪ .5‬وللاستئناف بكم إن شاء الله‪.‬‬ ‫ولا يمكن إذن أن نعيرها حقبة واحدة‪ .‬فهي مضاعفة مرتين‪ .‬فمجرها في حياة الرسول‬ ‫مضاعف لأن المكي كان لتحديد أسلوب التربية والمدني لتحديد أسلوب الحكم‪ .‬ومجراها إلى‬ ‫حد مرساها في الفتنة الكبرى مضاعفة كذلك مما قبل اغتيال الفاروق إلى اغتيال عثمان‪.‬‬ ‫فحينها انفجار الفتنة الكبرى للعلن بعد أن كانت تتمثل في السر منذ وفاة الرسول‪.‬‬ ‫فهي بدأت يوم وفاته وكان مدارها طبيعة النظام السياسي وشروط القيمين عليه‪.‬‬ ‫والمعلوم أن الحاضرين ترددوا بين النظامين اللذين ذكرا في الخصومة قبل حسمها‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪( .1‬النظام الجاهلي منا أمير ومنكم أمير‬ ‫‪ .2‬والنظام الفارسي ترشيح علي بحجة الوصاية وسوء فهم خطبة الغدير)‬ ‫قبل الوصول إلى حل هو أقرب ما يمكن أن يستنتج من الشورى ‪ 38‬أعني نظام الخلافة‬ ‫بآلية البيعة الحرة وشرطي النساء ‪.58‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫بنيت الفصلين السابقين على محاولة اثبات علة تسميتي اضافة صفة السياسي للإسلام‬ ‫بكونه \"بيلوناسم\" مفهومي بمعنى أنها صفة لا تضيف معنى يخلو منه الموصوف لولا وهمين‬ ‫أحدهما عام يدعي أن الدولة الحديثة فصلت السياسي عن الديني عامة والثاني خاص‬ ‫يدعيه النخب العربية سواء التابعة للأنظمة القبلية أو العسكرية اللتين جعلتا الدين من‬ ‫أدوات السياسة لدى الاستبداد والفساد وليس أصل السياسة وغايتها إذا كانت جمعا بين‬ ‫التعمير والاستخلاف كما يحددها الإسلام‪.‬‬ ‫وبيان ذلك يغنيني عن محاولة بيان البليوناسم التاريخي لأن كل تاريخ الإسلام كان وثيق‬ ‫الصلة بالسياسة تاريخيا فضلا عن الصلة الجوهرية مفهوميا وذلك للعلل التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهو لم يكن دين شعب مستعبد مثل اليهودية أو دين شعب مستعمر مثل المسيحية‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهو دين اختار أن يكون منطلقه من شعب مطلق الحرية ليكون مؤسسا لدولة غير‬ ‫مسبوقة‪ .‬فالشعب الأول الذي تلقى رسالته من بين الشعوب التي دخلت فيه أفواجا صاحب‬ ‫دولة بل هو أسسها بمقتضاه وبمقتضى رؤاه ومبادئه‪.‬‬ ‫‪ .3‬لذلك فهي لم تكن ثيوقراطية بالمعنى الفارسي (بدين طبيعي) أو البيزنطي‬ ‫(بدين منزل) اللذين كانا سائدين ولا هو ديموقراطي بالمعنى اليوناني القديم (حيث يكون‬ ‫الحكم بيد الاحرار وبقية الشعب عبيد)‪.‬‬ ‫‪ .4‬بل هو نظام طبيعة الحكم فيه هي أمر الجماعة وأسلوبه هو الشورى العامة في‬ ‫مجال طلب الحقيقة الاجتهادية (التواصي بالحق) والسعي لتحقيقها الجهادي (التواصي‬ ‫بالصبر)‪.‬‬ ‫‪ .5‬ومن ثم فالسياسة هي بدورها عبادة من مستوى ثان‪ :‬هي عبادة الحكم الذي يحقق‬ ‫شروط التعمير بقيم الاستخلاف التي هي ما يضيفه الاستخلاف من حيث هو تربية‬ ‫للاستخلاف من حيث هو تعمير‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويقتضي ذلك في الحالتين اللذين وصفنا في الفصلين السابقين ‪-‬النظامين الثيوقراطي‬ ‫والانثروبوقرطي المحاربين للأمة ورمزهما إيران وإسرائيل ذراعي الاستعمار الغربي سواء‬ ‫كان ممثلا بروسيا أو بأمريكا‪ -‬أن يكون الحل واحدا للتحرر من النظامين اللذين هما نظام‬ ‫واحد في بنيته العميقة أعني الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا واجهتان لنفس التحريف الذي‬ ‫يجعل الله والإنسان مجرد غطاءين يخفيان دين العجل والنظام الذي يترتب عليه‪ :‬نظام‬ ‫سلطان المال وسلطان الخداع الإيديولوجي‪.‬‬ ‫الإسلام يوجد بين فكي كماشة‪ :‬الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا‪ .‬وهو في تعارض مع‬ ‫بنيتهما العميقة التي هي الأبيسيوقراطيا أو دين العجل الذي حرف دور العملة أو رمز‬ ‫الفعل والاقتصاد ودور الكلمة أو فعل الرمز والثقافة لنقلهما من دور أداة التبادل‬ ‫والتواصل إلى أداة السلطان على المتبادلين والمتواصلين‪.‬‬ ‫وقلت أمرين يبدوان متضادين أو حتى متناقضين‪ :‬إن العهد الراشدي لا يخرج عن سنن‬ ‫السياسة ببعديها تربية وحكما تصحيحا رؤية ابن خلدون المترددة بين القول بنسقية السنن‬ ‫واعتبارها مرحلة محكومة بالخوارق لكنه أفضل المراحل في محاولة التصدي لدين العجل‬ ‫دون أن تطابق المثال الأعلى المطلق‪.‬‬ ‫لكن التناقض ظاهري‪ :‬ذلك أن تأسيس الدول يكون دائما شبه استثناء في مسارها‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن دولة الإسلام في ما يسمى بمرحلة الصدر ينبغي تعريفها بشكل أدق في فلسفة‬ ‫السياسة‪ :‬هي مرحلة تأسيس الدولة أو مرحلة تخلق الدولة أو مرحلة تحول مشروع الثورة‬ ‫إلى دولة ذات مؤسسات تربية وحكم مستقرة‪.‬‬ ‫والنقلة من الثورة إلى الدولة لها بنية خاصة لأنها ترجمة القيم والمعاني التي هي لب‬ ‫الثورة إلى مؤسسات وهنا يبدأ ظهور السنن المحددة للسياسي ببعديه تربية وحكما بصورتها‬ ‫الكونية التي تكون إما أحد هذين الغطاءين للبنية العميقة أو ثورة عليها بدرجات‬ ‫لامتناهية في سلم علاقة الموجود بالمنشود‪ .‬وهذه النقلة في حالتنا مؤلفة من خمس مراحل‪:‬‬ ‫‪ .1‬صوغ المشروع وهو القرآن والسنة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬تحديد مركزه المكاني (خلافة أبي بكر)‪.‬‬ ‫‪ .3‬تحديد مركزه الزماني (خلافة الفاروق)‪.‬‬ ‫‪ .4‬تفاعل ‪2‬و ‪ 3‬في الاتجاهين من الجغرافيا إلى التاريخ ومنه إليها‪ :‬الثورة والتراث‪.‬‬ ‫‪ .5‬توحيد نسخ القرآن دستور ختامي (خلافة عثمان)‪.‬‬ ‫ومهما حدث ويحدث بعد ذلك يبقى في إطار هذه المراحل الناقلة من الثورة إلى الدولة‪.‬‬ ‫وأقصد بالإطار الموجب والسالب من وجهي التأطير‪ :‬فلا يمكن فهم التيار الاغلبي او السني‬ ‫من دون الموجب من هذا الإطار أو فهم السالب منه من دون الرافضين لهذا الإطار‪:‬‬ ‫‪ .1‬الثورة السنية‬ ‫‪ .2‬الثورة المضادة الشيعية‪.‬‬ ‫وهي الوجه الثاني من الثورة المضادة ضد الاستئناف الإسلامي‪ .‬فبعد معارضة ثورة‬ ‫الإسلام باسم الثيوقراطيا في الفتنة الكبرى جاء دور الفتنة الصغرى بمعارضتها‬ ‫بالانثروبوقراطيا‪ .‬وكلتاهما تغطي على دين العجل ومن ثم فهما متحالفتان ضد الإسلام‬ ‫الذي تتمثل ثورته في تحرير الإنسانية من دين العجل‪.‬‬ ‫لكن هذا هو فك الكماشة الأول وهو الفتنة الكبرى‪ .‬نحن اليوم أمام فكها الثاني وهو‬ ‫الفتنة الصغرى‪ .‬فالفك الاول كان حرب الثيوقراطيا وهي الثورة المضادة ضد الثورة‬ ‫الإسلامية باسم النكوص إلى الثيوقراطيا الفارسية التي أصبح خلف علي ضحاياها إلى‬ ‫اليوم‪ .‬أما الفك الثاني فهو الأنثروبوقراطيا‪.‬‬ ‫وما تريد الفتنة الكبرى النكوص إليه حربا على ثورة الإسلام هو إعادة الوساطة في‬ ‫التربية والوصاية في الحكم في النظام الثيوقراطي‪ .‬وما تريد الفتنة الصغرى العودة إليه‬ ‫حربا على ثورة الإسلام هو إعادتهما في التربية والحكم في النظام الأنثروبوقراطي‪ :‬ورمز‬ ‫الأولى إيران ورمز الثانية إسرائيل‪.‬‬ ‫وليس بالصدفة أن كان كل محرفي الإسلام حلفاء أحد هذين لنهما عدوا الإسلام بالجوهر‬ ‫وهما حليفان في الباطن وكلاهما يطلب دولته التي تقدمت على الإسلام‪ :‬الصفوية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والصهيونية يريدان استعادة ما تقدم على الإسلام في الإقليم وحلفاؤهما من العرب يريدان‬ ‫المحميات التي اقتطعها لهم الاستعمار نهائية‪.‬‬ ‫كلهم ومعهم نخبهم من الكاريكاتورين نكصوا إما إلى جاهلية العرب أو إلى مستعمرتي‬ ‫فارس وبيزنطة أي المناذرة والغساسنة‪ .‬وقد يعجب المرء‪ :‬ما علاقة بيزنطة بإسرائيل؟‬ ‫العلاقة وطيدة‪ .‬فدور يهود الجزيرة قبل الإسلام وبدور روسيا في قوة إسرائيل الحالية‬ ‫تعادل دور الصهيونية المسيحية الأمريكية‪.‬‬ ‫اجتمع الفكان بشكل متعاكس‪ :‬فإيران التي تتغطى بالثيوقراطيا تستند إلى تاريخ ما‬ ‫قبل إسلامي ذي دين لا يدعي الطابع المنزل بل هو دين انثروبوقرطي وإسرائيل التي‬ ‫تتدثر بالأنثروبوقراطية تستند إلى تاريخ ما قبل إسلامي ذي دين منزل محرف‪.‬‬ ‫وعملاء العرب المحتمين بهؤلاء أو بأولئك ومعهم نخبهم الذين يمثلون كاريكاتور التأصيل‬ ‫وكاريكاتور التحديث يمثلون المحاربين الآخرين للإسلام والساعين لمنع الاستئناف‪ .‬ويوحد‬ ‫بين هذا المربع ‪-‬إيران وتوابعها من العرب وإسرائيل وتوابعها من العرب‪-‬مستعمرو دار‬ ‫الإسلام ومحاربو قيمه وثورته في الغرب‪.‬‬ ‫وبخلاف ما يعتقد الكثير فإني لا أعتبر ذلك أمرا مخيفا أو مفزعا بل بالعكس‪ :‬فما كان‬ ‫هؤلاء ليتحالفوا ضد أمر تافه أو ليس بمستوى تحدي كل ما يمثلونه‪ .‬هم تحالفوا على‬ ‫الإسلام لأن الإسلام هو مستقبل الإنسانية بمقتضى رؤيته التي اكتشفت سر ما وصف به‬ ‫آدم من سفك الدماء وإفساد الأرض وعالجه‪.‬‬ ‫اكتشف أن السر هو بعدا العجل الذهبي أي تحويل رمز الفعل (العملة وهي هنا معدن‬ ‫العجل أي الذهب المسروق) وفعل الرمز (الكلمة وهي خوار العجل أي الكلام المزيف‬ ‫للحقائق أو الإيدلوجيا) هما سر الثيوقراطيا (تحريف حقيقة الله) والانثروبوقراطيا‬ ‫(تحريف حقيقة الإنسان) من أجل الاستبداد والفساد‪.‬‬ ‫فالعملة أو رمز الفعل تحرف وظيفتها من أداة للتبادل إلى سلطان على المتبادلين وهو‬ ‫الربا‪ .‬والكلمة أو فعل الرمز تحرف وظيفتها من أداة للتواصل إلى سلطان على المتواصلين‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهو الخداع أو الكذب‪ .‬وهذان هما وسيلتا الثيوقراطيا والانثروبوقرطيا لسفك الدماء‬ ‫وإفساد الأرض‪ :‬وتلك علة محاربتهما الإسلام‪.‬‬ ‫ومن العجائب التي تكاد تلامس المعجزات أن هذه الحقائق تؤيدها الاحداث التاريخية‬ ‫الدنيوية ضد المحتجين بدين طبيعي والتي تؤيدها النصوص القرآني ضد المحتجين بدين‬ ‫سماوي‪ .‬فالفرس أجابهم ممثل جيش الفتح في حوابه عن سؤال لماذا جئتمونا‪ :‬قال لنحرركم‬ ‫من عبادة العباد لتعبدوا رب العباد‪ .‬واليهود أجابهم القرآن لدحض كذبة شعب الله‬ ‫المختار‪:‬‬ ‫‪ .1‬كل أمة لها رسول بلسانها ومن ثم فلا امتياز لكم بكونهم المخاطبين من الله‪ .‬فالله‬ ‫يخاطب برسالاته كل الشعوب بلغاتها‪.‬‬ ‫‪ .2‬والله ختم رسالاته بالقرآن بلسان عربي مبين بمبدأ كل البشر اخوة (النساء ‪)1‬‬ ‫وبحصر التفاضل في التقوى (الحجرات ‪.)13‬‬ ‫ولو لم توجد إلا هذان الحجتان لكانتا كافيتين لإثبات ما حاولت بيانه بتأسيس نظري قد‬ ‫يستصعبه الكثير‪ .‬لكن دلالة هذين الحجتين ما كانت ليبرز معناها هذا من دون هذا‬ ‫التأسيس النظري بعيد الغور‪ .‬ذلك أن الكلام على أن الإسلام هو سياسة وأن السياسة‬ ‫السوية لا تكون إلا إسلامية يعسر قبوله‪.‬‬ ‫كيف يمكن لمن يعتبرون الفصل بين السياسي والديني أن أقول إن الإسلام سياسي‬ ‫بالجوهر والسياسي إسلامي بالجوهر؟‬ ‫لو لم أثبت أن السياسي الذي لا يحرر الإنسان من الوساطة والوصاية ليس سياسيا بل هو‬ ‫استعباد وفساد‪.‬‬ ‫وأن الإسلامي ليس دينا إذا لم يكن هذا التحرير من الوساطة والوصاية تربية وحكما‪.‬‬ ‫والوساطة في التربية والوصاية في الحكم هي الثيوقراطيا التي هي بالأولى كنسية‬ ‫وبالثانية حكم بالحق الإلهي هي في الحقيقة قناع الحكم بدين العجل الذي يحكم بمعدنه‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وخواره‪ .‬وهما الانثروبوقرطيا التي لها كنسية هي خوار اعلامها وملاهيها ولها حكم بالحق‬ ‫الطبيعي قوة مافية البنوك وأرباب الربا‪.‬‬ ‫أما ما الإسلام الذي هو سياسي بالجوهر وما السياسة التي هي إسلام بالجوهر وذلك‬ ‫بصورة كونية وليس خاصا بالمسلمين وحدهم وهو معنى الدين الفاتح والدين الخاتم‬ ‫والدين عند الله الإسلام هو تحرير رمز الفعل من الربا وتحرير فعل الرمز من الخداع‬ ‫وإزالة الوساطة في التربية والوصاية في الحكم‪.‬‬ ‫وهذا البرنامج الذي ينبغي أن يكون برنامج تحقيق شروط استئناف دور الإسلام في‬ ‫التاريخ العالمي لا أحتاج لإطالة الكلام فيه فقد سبق فبينته من خلال شرح سورة هود التي‬ ‫اعتبرها الرسول مشيبة له هي وأخواتها لأنه فهم أنها حددت برنامج العمل الذي هو‬ ‫مطالب بتحقيقه بوصفه الإسلام أو سياسة العالم‪.‬‬ ‫فدولة الإسلام ليست بعض الامتداد من المكان وبعض المدة من الزمان بل هي كل المكان‬ ‫وكل الزمان خلال كل تاريخ الإنسان‪ .‬لذلك فهي سياسة الدنيا لتعميرها بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫ومن لم يفهم الإسلام هذا الفهم لا يعي معنى قول الرسول إن الارض كلها هي مسجد‬ ‫المسلمين وأن دولة الإسلام لا حدود لها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ودولة الإسلام الكونية لا تتحقق بالغزو‪ .‬قد يكون سبق لها أن كانت بالفتح‪ .‬وأحيانا‬ ‫بالغزو‪ .‬لكنها كانت في غالب الاحيان بالتسابق في الخيرات‪ .‬وهو ما ينبغي شرحه لأنه هو‬ ‫المعنى المقصود عند جمع البقرة ‪ 256‬والمائدة ‪ .48‬والاعتراف بأن التعدد في كل شيء من‬ ‫آيات الله لأنه شرط الاختيار الحر‪.‬‬ ‫والاختيار الحر في كل شيء هو معنى \"التسابق في الخيرات\" وهو معنى وعد الأديان التي‬ ‫كانت معروفة في زمن نزول القرآن بما وعدتهم به البقرة ‪ 62‬والمائدة ‪ .69‬فإذا آمنوا بالله‬ ‫وباليوم الآخر وعملوا صالحا فلا خوف عليهم ولا يهم يحزنون‪ .‬ولا يمكن أن يكون الاعتراف‬ ‫بالتعدد الديني أوضح من هذا‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن هذه الرؤية السياسية في التعامل مع الأديان وتعددها هي ثمرة المبدئين‬ ‫اللذين يتعلقان بسياسة المعمورة دون لتدخل في عقائد المنتسبين إلى دولة الإسلام ومن ثم‬ ‫التمييز بين مستويين‪:‬‬ ‫‪ .1‬مستوى وحدة الإنسانية في ما يتعلق بـالعيش المشترك ويخص الدولة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومستوى تعددها في ما يتعلق بقيمها وعقائدها ويخص المجتمع الأهلي‪.‬‬ ‫ولأرجع إلى ما ظن غزوا في تاريخ الفتح الإسلامي‪ .‬فجميع الشعوب التي فتحت بلادها‬ ‫لم تكن سيدة عليها بل كانت خاضعة لاستعمار أجنبي يستعبدهم تقريبا كما هي عليه الآن‪:‬‬ ‫وعلى الأقل هذا يصح على الإقليم من الشام إلى حدود المغرب كانت مستعمرات بيزنطية‬ ‫والبقية كانت فارسية‪.‬‬ ‫وإذن فما سموه غزوا ونسميه فتحا لم يكن استعمارا لشعوب الإقليم بل كانت تحريرا لها‬ ‫من الاستعمارين البيزنطي والفارسي‪ .‬ولا يمكن لأحد أن يجادل في ذلك‪ .‬فالتاريخ قريب‬ ‫ولا يتعلق الأمر بما قبلـه حتى لا نعلم ما كان عليه الإقليم‪ .‬وحتى اسبانيا فقد طلب أهلها‬ ‫تحريرهم من ظلم الجرمان والوندال وهمجيتهما‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لنقارن هذه الروح بروح غزو الغرب لأمريكا وما فعلوا بالهنود الحمر أو استعمارهم‬ ‫للعالم وما فعلوا بأهله‪ .‬ولست بهذا أدافع عن الفتح بل أقص قصته‪ :‬فالفتوحات اغلبها لم‬ ‫يقم بها العرب بل الشعوب التي دخلت الإسلام حتى وإن كنت القيادات في البداية غالبها‬ ‫عرب ثم بالتدريج صارت الدول والفتح منهم‪.‬‬ ‫فجل دول المغرب لم تكن عربية وحتى الأندلس فهي في نصف تاريخها الثاني كانت تجمع‬ ‫بين العرب والأمازيغ وكل أقوام المغرب إلى حدود السنغال‪ .‬ومثل ذلك في المشرق وحتى‬ ‫الهند ففاتحوه لم يكونوا عربا إلا في البداية لكن بعد ذلك حتى المغول شاركوا في فتحه أما‬ ‫جنوب شرق آسيا فدخل الإسلام دون فتح‪.‬‬ ‫ورغم عدم عرفان اعراب سايكس بيكو فإن الإسلام كان يمكن أن ينقرض من الاقليم‬ ‫لولا خمسة شعوب اثنان من الشرق الإسلامي هـم\" الأتراك والأكراد مشرقا وثلاثة من‬ ‫الغرب الإسلامي هم الامازيغ وأهل جنوب الصحراء من العرب وغير العرب وبسبب حروب‬ ‫الصليب ثم بعدها بحروب الاسترداد الاسبانية والبرتغالية والألمانية والوندالية بعد سقوط‬ ‫الأندلس‪.‬‬ ‫وهؤلاء جميعا ليسوا غزاة بل هم أبناء الأرض التي حموها بوصفهم هم بقومياتهم‬ ‫وثقافاتهم ولغاتهم لكنهم مسلمون اعتنقوا الإسلام بحرية وقناعة وصاروا أهم المدافعين‬ ‫عنه وأسسوا دولهم وإماراتهم طيلة القرون العشرة الأخيرة من تاريخ الإسلام والتي لم‬ ‫يبق فيه للعرب أدنى دور يذكر أو محدد فيها‪.‬‬ ‫وأكثر من ذلك فالدعاة الذين دخلوا الإسلام في الغرب لا يمكن أن يتهموا بأن فرض‬ ‫عليهم بالسيف بل إن ما حببهم فيه بعد فهمه هو كونية قيمه وخاصة الاخوة البشرية‬ ‫(النساء ‪ )1‬والمساواة التي لا تعبأ بالعرق أو بالطبقة أو بالجنس لأنهم يميزون بين المبادئ‬ ‫وتحريفها من المسلمين بسبب الانحطاط‪ .‬ويوجد رهطان من الحاقدين على الإسلام إضافة‬ ‫إلى ذراعي الاستعمار في الإقليم وتوابعهما من الأنظمة والنخب العربية هما‪:‬‬ ‫‪ .1‬اليمين والقوميين الغربيين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .2‬واليسار القوميين من العرب والمسلمين‪.‬‬ ‫وهؤلاء مفهوم حقدهم فهم لا يقبلون القيم الكلية وخاصة الأخوة والمساواة والحرية‪:‬‬ ‫كلهم فاشيون للنخاع‪ .‬وهذا هو الإسلام الذي يحاربونه وهو جوهر السياسة الكونية في‬ ‫الرؤية الإسلامية وفي تاريخ حضارته أو هذه هي السياسة الكونية التي هي جوهر قيم‬ ‫إسلام حتى وإن تعثر في تطبيقها أحيانا‪ :‬ومع ذلك لم توجد في تاريخ الإسلام كله أي تصفية‬ ‫عرقية أو إفناء السعي لإفناء أحد الشعوب‪.‬‬ ‫كلاهما يعني حماية الإنسان ورعايته وحماية شروط بقائه ورعايته ومنه حماية الأرض‬ ‫والمناخ والنبات والحيوان أي كل ما فهمت الحضارة الحديثة بعد أن كادت تدمر كل شيء‬ ‫أنه ضروري وهو من أبجديات الإسلام‪ .‬الغرب حكم الإقليم قبل الإسلام والغرب حكمه‬ ‫بعد أن انحطت حضارة الإسلام‪ .‬ومجموع حكمه يقرب من حيث المدة حكم الإسلام له‪ .‬ولو‬ ‫قارنا بين الحكمين لوجدنا أن الإسلام حافظ على العالم وعلى ساكنيه ألف مرة أفضل منهم‬ ‫في فورتيهم المتقدمة على حكم الإسلام والمتأخرة عنه‪ :‬والتنوع العرقي والديني والثقافي‬ ‫لم يبق إلا عندنا‪.‬‬ ‫سيقال ربما لأنكم ليس لديكم تقدم تقني وعلمي مثله وإذن فليس لكم أسلحة إبادة‬ ‫جماعية وإلا لفعلتم ما فعلوا في الحربين الكبريين وما فعلوا بالحروب الدينية والاستعمارية‬ ‫وبين الشيوعية والنازية والفاشية اليمينة‪ .‬وهذا كذب‪ .‬الغرب الذي أفنى شعوب أمريكا‬ ‫لم يكن أكثر تقدما من المسلمين حينها‪.‬‬ ‫ففي نفس تلك لمدة فتح الأتراك البلقان‪ :‬هل أفنوا أهله؟ هل فرضوا عليهم الإسلام؟‬ ‫هل قالوا لهم من ليس مسلما ليس إنسانا كما فعلت الكنيسة في أمريكا وفي استراليا وفي‬ ‫جنوب أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا؟ ما يقوله الغربيون وعملاؤهم في الإسلام ماضيا مثل‬ ‫اسقاطهم صورتهم علينا في مسألة الإرهاب‪.‬‬ ‫لم تكن تركيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر أضعف أو أقل تقدما تقينا من‬ ‫اسبانيا والبرتغال والاهماج الذي نفتهم أوروبا في أمريكا في عملية الاستعمار إما بسبب‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حروبها الدينية بين دولها أو الأهلية بين مذاهبها وكانوا يستعملون الخمر والجدري واسلام‬ ‫لإفناء الهنود الحمر وشعوب أمريكا‪.‬‬ ‫وهذا كاف في الكلام على الماضي‪ .‬فلنتكلم على المستقبل‪ .‬هل يوجد في الأحزاب التي‬ ‫تدعي أنها ذات مرجعية إسلامية‪-‬ما ينبز بلقب الإسلام السياسي‪-‬ما منها يمكن أن يدعي‬ ‫أنه يمثل هذه الرؤية التي حاولت وصفها في الفصول الثلاثة السابقة أم هي في الحقيقة‬ ‫ترزح تحت علوم الملة المحرفة والمشوهة للإسلام؟‬ ‫هل مفهوم السياسة بهذا المعنى الذي يجعلها جوهر السياسي الذي هو بكل دقة مهمة‬ ‫الإنسان المضاعفة أي‪:‬‬ ‫‪ .1‬تعمير الأرض‪.‬‬ ‫‪ .2‬بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫والهدف هو تحقق معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون أي جعل الإنسان يكون \"رئيسا بطبعه‬ ‫بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" بلا وساطة ولا وصاية؟‬ ‫وبعبارة أوضح‪ :‬هل يوجد أحزاب ذات مرجعية إسلامية ليست نسخة من المسخ الذي‬ ‫يسمى أحزاب في بلاد العرب خاصة والتي هي من جنس حزب البعث أو حزب عبد الناصر‬ ‫أو أعني فاشيات مثالها هو أن تصبح حاكمة في المحميات العربية كما نرى ذلك مثلا في‬ ‫السودان منذ ثلاثة عقود؟‬ ‫هل يمكن مثلا في محمية بحجم تونس مثلا ‪-‬حتى لو فرضنا حكمتها النهضة‪-‬يمكن بحق أن‬ ‫تكون تونس ذات قرار مستقل بحيث تستطيع أن تحقق شئيا يذكر إذا لم يرض عنها‬ ‫المتدخلون فيها من كل حدب وصوب وخاصة فرنسا وأمريكا ثم ذراعا الاستعمار في الإقليم‬ ‫أعني إسرائيل وإيران فضلا عن أنظمة الثورة المضادة‪.‬‬ ‫إذا كان ذلك كذلك وإنه لكذلك فالإصرار على جعل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية‬ ‫إقليمية يعني بالضرورة أنها لا يمكن أن تكون أفضل من الأحزاب الفاشية الحالية أو التي‬ ‫تقدمت على الثورة‪ .‬ومن ثم فأي حزب ذو مرجعية اسلامية مجرد تحوله إلى حزب قطري‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يعني القبول بوضع أسوأ مما كان قبل الثورة‪ .‬فيفسد صورة الإسلام لكأن المنتسبين إليه‬ ‫جعلوا الحكم غاية وليس أداة‪.‬‬ ‫ولا يمكن تبرير ذلك بضرورة التمسكن حتى يحصل التمكن لأن الأعداء ليسوا سذجا‬ ‫فيجعلوك تتمكن فضلا عن كون التمكن مستحيل في افطار كلها تحت خط الفقر ومستدانة‬ ‫بصورة لم تبق لها ما يمكنها من رفع رأسها إلى يوم الدين‪ .‬لذلك فلا نكذب على بعضنا‬ ‫البعض‪.‬‬ ‫سيقال وما الحل؟‬ ‫هل نرفض المشاركة في لحكم ولو بشروط مجحفة؟‬ ‫إذا كان الحكم بهذه الشروط فالمشاركة فيه تجعله غرقا في ما يحول دون الوصول يوما ما‬ ‫إلى شروط السيادة وخاصة إذا فرطنا في حركة الشباب بجنسيه في جل بلاد العرب منذ عقد‬ ‫تقريبا وخاصة بعد أن لحقت الجزائر والسودان‪.‬‬ ‫وعلى كل فالثورة المضادة والذراعان ‪-‬إيران وإسرائيل معهما‪-‬يعملون بصورة إقليمية‬ ‫وليس قطرية‪ .‬وهم يعملون كذلك لمنع تجاوز الثورة القطرية‪ .‬ومن ثم فأقلمة الثورة ولو‬ ‫سلبا حاصلة‪ .‬وقد كنت قبل حركة شباب الجزائر مجاورة لتونس في ليبيا وألان أصحبت‬ ‫محيطة بها من الجوارين‪.‬‬ ‫لا بد إذن من استراتيجية تعيد الإسلام السياسي إلى وحدته الاقليمية إيجابا ما دام قد‬ ‫صار إقليميا سلبا‪ .‬وحتى ناتين ياهو يعلن أن أنظمة لثورة المضادة تطبع مع إسرائيل لأنها‬ ‫تعتبر الإسلام السياسي خطرا عليها‪ .‬ومثلهم حلفاء إيران‪ .‬وإذن فهم يعتبرون الثورة‬ ‫إسلامية وخطرا مشتركا عليهم جميعا لمجرد أن أصحابها يريدون حماية كيانهم ومنع‬ ‫العدوان عليهم وصون حرياتهم وكرامتهم وثرواتهم وحضارتهم‪.‬‬ ‫وهذه فرصة الإسلام السياسي بوضع استراتيجية للانتقال من المحلية إلى الإقليمية مع‬ ‫أخذ العالمية بعين الاعتبار لأن أعداء الثورة والإسلام السياسي لا يحاربونه في الإقليم‬ ‫فحسب بل وكذلك في العالم كله‪ .‬من ذلك أن اليمين الأوروبي متحالف معهم ومع إسرائيل‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإيران بقيادة أمريكا وروسيا وبعض دول أوروبا ‪-‬وخاصة التي عرفت بقيادة الصليبيات‬ ‫والاستعمار لتشويه الثورة والإسلام‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫اختم كلامـي على الإسلام السياسي بما ينبغي أن يكون عليه دوره في الثورة وفي مستقبل‬ ‫الأمة إذا عرفناه بكونه يهدف إلى التعجيل باستئناف دور الإسلام الكوني حتى يكون معدلا‬ ‫لنظام العالم الجديد ومعالجة ما ترتب على غيابه بسبب انحطاط الأمة أو على حضوره‬ ‫السلبي بوصفه منفعلا بما يترتب على الضعف‪.‬‬ ‫سيقال إن استرداد الدور الذي شرطه الخروج من الانحطاط والضعف يقتضي أن يحكم‬ ‫الإسلاميون حتى يحققوا هذين الشرطين‪ .‬ولا خلاف في ذلك‪ .‬لكن إذا حكموا بالشروط‬ ‫التي وصفت في الفصول السابقة فمعناه أنهم سيكونون في محميات يستحيل عليها أن تتحرر‬ ‫من التبعية البنيوية فيكونوا مثلما هم في السودان لا يقلون فسادا عن غيرهم‪.‬‬ ‫وكما سبق أن بينت فإن آية الردع أو الأنفال ‪ 60‬ميزت بين القوة عامة والقوة العسكرية‬ ‫وحددت أصناف الاعداء‪ .‬وما يعنيني أمران‪ :‬طبيعة القوة عامة وطبيعة الأعداء الذين‬ ‫لا نعلمهم والله يعلمهم‪ .‬فعبارة \"لا تعلمونهم\" لا تعني أن علمهم من الغيب بل هي تعني أن‬ ‫علمهم غير مباشر مثل النوعين الصريحين والنوعين الضمنيين‪.‬‬ ‫فالآية أشارت صراحة إلى نوعين هما \"‪-1‬أعداؤكم ‪-2‬وأعداء الله\"‪ .‬لكن ذلك يتضمن‬ ‫نوعين آخرين مؤلفين منهما تأليف تعليل‪-3 :‬فالنوع الثالث هو من يعادي الله لأنه يعادينا‬ ‫‪-4‬والنوع الرابع هو من يعادينا لأنه يعادي الله‪ .‬وهذان النوعان المركبان أخطر من‬ ‫البسيطين‪:‬‬ ‫• الذي يعادينا لعلة دنيوية قد لا يكون عدو الله‪.‬‬ ‫• والذي يعادينا لمعاداته ديننا وليس لغرض دنيوي عدو الله‪.‬‬ ‫لكن الأخطر هم من لا نعلمهم فهم الأصل فيهم جميعا أي من يندس بينهم وينافق فلا‬ ‫يدعي معاداتنا ولا معاداة الله ولا معاداتنا في الله ولا معاداتنا في الدنيا بل يتظاهر بأنه‬ ‫منا ومن هذا النوع كل العملاء وخاصة مخربو الإسلام المتظاهرين بكونهم منه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذن فالقصد هو الأعداء الذين لا يُعلمون مباشرة وغالبا ما نكتشفهم بعد فوات الفوت‪.‬‬ ‫ولذلك فالقصد الحذر منهم بعلامات هي التي ذكرت والتي لا يمكن الجزم بها لأن بعض‬ ‫الظن اثم‪ .‬وبعضهم يعرفون أنفسهم بكل هذه العلامات تحت مسمى معلوم هو \"التقية\" التي‬ ‫لا تجتمع أبدا مع التقوى والشرف لأنها جوهر النفاق‪ :‬فلا أحد خرب من الداخل مثلهم في‬ ‫تاريخ الأمة كله‪.‬‬ ‫وهذا التصنيف كلي ولا يمكن أن تخلو منه علاقة أمة بمن ينافسها في المستويين من الوجود‬ ‫الإنساني الدنيوي والمتعالي عليه أي في دنياها وفي دينها أو لنقل في عقائدها سواء كانت‬ ‫دينية أو لادينية علما وأن اللادينية كذبة لأنها دين طبيعي من جنس البوذية أو المجوسية‬ ‫أو الماركسية أو العلمانية‪.‬‬ ‫فليس من الضروري أن يكون الدين منزلا والدليل أن القرآن نفسه استعمل كلمة الدين‬ ‫لوصف ثلاثة أديان لا علاقة لها بالمنزل‪ :‬استعمل الصابئة واستعمل المجوس وحتى \"الذين‬ ‫أشركوا\" في الحج ‪ .17‬والصابئة استعملها في البقرة ‪ 62‬وفي المائدة ‪ .69‬لكن فلنسلم المقابلة‬ ‫دين لا دين تسليما جدليا‪.‬‬ ‫فالغاية هي أن الأمم تتنافس وتتعادى إما بدافع دنيوي خالص أو بدافع ديني خالص أو‬ ‫بدافع مزيج يكون الدنيوي علة للديني أو يكون الديني علة للدنيوي‪ .‬ومن بين كل هؤلاء‬ ‫المندس والجامع لها كلها بتخابث يظهر الصداقة ويضمر العداء‪ .‬وكم غدر الباطني بالسني‬ ‫الذي يؤمن بأن المؤمن غر فليدغ ألف مرة‪.‬‬ ‫ولعل أول الملدوغين الفاروق‪ .‬فقد اغتيل في المسجد بين أصحابه ومن لدغه لا بد أن يكون‬ ‫موجودا مباشرة في الصف الذي يليه لأنه حتما كان إمام الصلاة‪ .‬ومن ثم فقد كان من‬ ‫المقربين ليس فيها وحدها بل لا بد وأنه كان من الحاشية‪ .‬وكم في حواشي الحكم عندما من‬ ‫جاسوس بل كم من حاكم من حكامنا مجرد جاسوس بأجر كأي مرتزق يؤجر ليضطهد شعبه‬ ‫خدمة للأعداء؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولأختم الكلام على الاعداء بتعليل النوعين المضمرين‪ :‬فكيف يمكن أن يكون من يعادينا‬ ‫لأنه يعادي الله ومن يعادي الله لأنه يعادينا؟‬ ‫علة النوع الأول هو من تحريفه للدين يجعله يعادينا لعدائه للإسلام‪ :‬العلة هي التحريف‪.‬‬ ‫وعلة النوع الثاني هو العنصرية يعادي المسلمين فيعادي الله بمعاداة الإسلام‪ .‬فيتبين أن‬ ‫هذين النوعين المضمرين لهما صفتان تجتمعان وتفترقان‪ :‬العداء المذهبي الديني والعداء‬ ‫العنصري‪:‬‬ ‫‪ .1‬والأول مصدره عقائد الكنيسة المسيحية وانتقال العداوة إزاء الإسلام إلى التحريض‬ ‫على المسلمين‪.‬‬ ‫‪ .2‬والثاني مصدره نظرية شعب الله المختار اليهودية أصلا لكل عنصرية تعادي غير‬ ‫الإنسان الأبيض‪.‬‬ ‫وإذا اجتمع النوعان كان ذلك صفوية وصهيونية سواء لدى ذراعي الاستعمار أو خاصة‬ ‫عند الصهيونية المسيحية التي توظفهما كلتيهما لكي تسيطر على دار الإسلام لأن الولايات‬ ‫المتحدة من دون دار الإسلام ستصبح قريبا قوة متوسطة لا تضاهي الصين ولا خاصة المسلمين‬ ‫إذا تحقق شرط الاستئناف الثاني‪.‬‬ ‫أمر إذن إلى شرط الاستئناف أو عامل القوة الثاني بعد عامل تحديد الأعداء وتحديد‬ ‫أصناف العداوة الخمسة وطبيعتها‪ :‬إنها حجم الأحياز التي من دونها تمتنع السيادة بمقوميها‬ ‫الذاتيين لها أي الحماية والرعاية اللتين تحققان شروط القيام الحر وغير التابع‪ .‬فما هي‬ ‫هذا الأحياز؟ وكيف تحقق ذلك؟‬ ‫فغاية سايكس بيكو كانت تفتيت جغرافية دار الإسلام وخاصة قلبها الذي هو الإقليم الذي‬ ‫كان تحت سيطرة الخلافة الاخيرة‪ .‬ثم تكليف العملاء الذين ينصبون على فتات هذا القلب‬ ‫ليتموا مهمة تشتت تاريخ دار الإسلام‪ .‬فتبح كل محمية تبحث عن شرعية تاريخية تنفي‬ ‫الشرعية التاريخية الإسلامية‪ :‬جرثومة الدولة التي يسمونها قومية وهي مجرد محمية‬ ‫استعمارية حكامها عبيد يستعبدون شعوبهم لصالح حاميهم‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذا فتت الجغرافيا زالت شروط القوة المادية وتأكدت التبعية في الرعاية والحماية‬ ‫الماديتين (شروط التنمية الاقتصادية والتقنية) وإذا شتت التاريخ زالت شروط القوة‬ ‫الروحية وتأكدت التبعية في الرعاية والحماية الروحيتين (شروط التنمية الثقافية‬ ‫والعلمية)‪ :‬فتكون كلها محميات مادية وروحية‪.‬‬ ‫تصوروا أن ذلك يمكن أن يخرج الإسلام وأهله من التاريخ العالمي ‪-‬كما توهم هيجل في‬ ‫الفصل الثاني من الباب الرابع الخاص بالعالم الجرماني من فلسفة التاريخ ‪-‬لكنهم مع ذلك‬ ‫كانوا غير مطمئنين فزرعا قاعدتين ثابتتين معروفتين بالعداء التاريخي الدائم للإسلام هما‬ ‫الصهيونية والصفوية للفصلين البينين الضامنين للتفتيت‪.‬‬ ‫فالصفوية التي كانت منذ نشأتها حربا على الخلافة وحلفا مع البرتغال وحروب الاسترداد‬ ‫ضد السنة هدفها الفصل بين الاقليم المركزي في دار الإسلام وبقية دار الإسلام‪.‬‬ ‫والصهيونية التي كانت نشأتها مشروطة بالقضاء على الخلافة (وعد بلفوروسايكس بيكو‬ ‫من نفس المصدر) هدفها الفصل بين جناحي الإقليم‪.‬‬ ‫لكن ثبات الإسلام وبداية التعافي في مركز دار الإسلام خيبا ظنهم وأفسدا عليهم‬ ‫استراتيجيتهم‪ .‬فكانت محاولات سايكس بيكو الثانية والتي نراها تجري حاليا والتي سمتها‬ ‫وزيرة خارجية أميركا في عهد بوش مهدم العراق وافغانستان بالفوضى الخلاقة وهي في‬ ‫الحقيقة بداية خطة سايكس بيكو الثانية الحالية التي تعمل بنفس العملاء‪.‬‬ ‫ومهما داوروا فإن المستهدف مرة أخرى هو تركيا بوصفها شرط التعافي العام الذي يمكن‬ ‫أن يعيد الإسلام ‪-‬ولست بحاجة للقول السني لأنه لا يوجد غيره يمكن أن يسمى إسلاما‬ ‫بمقتضى ثورتيه المحررة من الوساطة ومن الوصاية‪-‬إلى دوره فتصبح دار الاسلام لها‬ ‫شروط القوة المؤسسة للدور الكوني ماديا وروحيا‪.‬‬ ‫وأحمد الله فقد من على تركيا بقيادات حكيمة وشعب غيور على وطنه وهويته مع قيادات‬ ‫ليست غافلة عن أبعاد الخطة وتعمل بحذر كمن يمشي على البيض لأنها تعلم أنها محاطة‬ ‫من كل جانب بالأعداء‪ .‬وهنا نفهم علة إطالتي الكلام على \"وآخرون لا تعلمونهم الله‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يعلمهم\" في تصنيف الأعداء‪ :‬فلولا ستر الله لكان أعداء الداخل قد قضوا على أهم شروط‬ ‫التعافي‪ :‬حرية الإرادة بالعودة إلى التبعية‪.‬‬ ‫الشعب التركي الذي أفشل الانقلاب الأخير صار ضمانة تؤكد أن الله حفظ بداية‬ ‫الاستئناف فمنع تخريب التعافي التركي الذي هو المستهدف الأول في كل ما يجري في الإقليم‬ ‫وخاصة منذ أن تدعم بثورة الشباب في كل الإقليم وما فهم الغرب منها كما بينت ممثلة‬ ‫أوروبا في كلامها على الانقلاب في مصر ونأمل أن يكون الأخير إذ سيسقطه الشعب المصري‬ ‫حتما كما فعل الشعب التركي‪.‬‬ ‫والآن اعتقد أن القارئ يفهم علة كلامي على الإسلام السياسي وشروط كونه حقا منتسبا‬ ‫إلى الإسلام أو ليس منتسبا إليه‪ .‬فإذا كان مسلما بالقطرية الناتجة عن سايكس بيكو‬ ‫والتنصل من الاستئناف فهو أفسد حتى من الانظمة التي ثار عليها الشباب‪ .‬أما إذا كان‬ ‫متجاوزا لها فليشارك صادقا في الثورة‪.‬‬ ‫فإذا اعتبرها فرصته للوصول إلى الحكم الذي يصبح غاية فهو سيكون أفسد من الأنظمة‬ ‫السابقة عليها لأنها لن يترك في الحكم إلا بشروط المشاركة في سايكس بيكو الثانية ولذلك‬ ‫فهو سيكون أكثر عمالة وخيانة من كل الانظمة التي ثار عليها الشباب من اجل الاستئناف‬ ‫شرط شروط مطلبيه‪ :‬الحرية والكرامة‪.‬‬ ‫فمن يعيش في محمية لا يمكن أن يكون حرا ولا كريما لأنه سيكون عبدا لعبد‪ :‬حكامنا‬ ‫عبيد إما للصفوية أو للصهيونية اللتين هما أداتين لأعداء الإسلام التاريخيين منذ بداية‬ ‫تاريخه فتكون عبوديتنا ذات خمسة مستويات‪ :‬لحكامنا وذراعي الاستعمار والاستعمار‬ ‫بصنفيه‪ :‬شرط الحرية والكرامة التحرر منهم‪.‬‬ ‫ولا تحرر منهم من دون عودة الأمة إلى حجمها الأصلي شرط دورها الكوني بأحيازها‬ ‫الخمسة‪ :‬جغرافيتها شرط قوتها المادية وتاريخها شرط قوتها الروحية ومرجعيتها التي‬ ‫أسست لهذا الدور تعميرا واستخلافا‪ .‬المعركة هي إذن معركة شاملة ولا معنى لحكم وهمي‬ ‫في محميات ليس لها أدنى شروط السيادة التي هي عين شروط الحماية والرعاية‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الذاتيتين‪ .‬وهذه الشروط لم تعد ممكنة للأقزام في عصر العماليق‪ .‬ينبغي أن نصبح‬ ‫عملاقا يستأنف دوره‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook