-- لكن إذا فصلنا بين العالمين أمكن أن نفهم أن الخير المطلق والشر المطلق لا يوجدان إلا بالنسبة إلى صاحب الإحاطة أي الله الذي هو الخير المطلق .أما العدم المطلق فهو ابليس التي هي نحت لكلمتين هما \"أوب\" و\"ليس\" \"أبو ليس\" كما بين ذلك الكندي أول فيلسوف عربي عندما استعمل الأيس والليس في كلامه على الوجود والعدم\" .أبو ليس\" هو العدم والشر المطلقين ولا وجود لهما بل هما عين العدم في كيان الإنسان ووعيه بما ينقصه أي كونه لا يدرك من الوجود إلى الشاهد منه ويدرك انه لا ينحصر فيه بل وراءه غيب لا يدركه. فيصبح عالم الشهادة المنفصل عن عالم الغيب هو عالم الشر الحاصل للإنسان وعالم الشهادة المشدود إليه هو الخير الحاصل للإنسان .وذلك هو مضمون القرآن الكريم والقسمة بين الحزبين علتها توهم البعض ممثلين للخير لكأنهم ناطقون باسم الله فيعتبرون خصيمهم ناطقا باسم الشيطان .ولما كان كل صف يعتبر نفسه حزب الله والصف المقابل حزب الشيطان فإن الوجود الإنسان نفسه يتحول إلى حرب التعادم بين البشر لان كل واحد منها يتأله فيتصور نفسه الوجود المطلق وكل من سواه عدما. لكن إذا جمعنا بين العالمين عالم الشهادة وعالم الغيب أمكن أن نستخرج البنية التالية التي هي بنية القرآن في كلامه على الحزبين ليس وصفا للموجود في عالم الشهادة بل لما يمثل العلاقة بين الوجود والعدم في المطلق إذا كان الحاكم محيطا فيكون هو الوجود كله وما عداه عدما ويكون ممثلا للخير كله وما عداه هو الشر .وبهذا المعنى يمكن أن نعود إلى علوم الملة فنحررها مما ترتب على تبنيها النظرية الفلسفية القائلة بالمطابقتين بين عقل الإنسان والوجود في ذاته وبين إرادة الإنسان والمنشود في ذاته .فيكون الأمر علاقة بين الله والإنسان والعلاقة بين دولتين دولة الله التي لا توجد إلا في عالم الغيب ودولة الإنسان التي تقتصر على عالم الشهادة وهما عالمان مختلفان اختلاف الله عن الإنسان اختلافا مطلقا على النحو التالي: أبو يعرب المرزوقي 48 الأسماء والبيان
-- .1العلاقة بين الله والإنسان :عينة من الكلام على الفاعليتين بآلية الاستعارة والكناية .والأول الله نموذج مثالي للثاني الإنسان. .2العلاقة بين دولة السماء في عالم الغيب (وهي دولة الله) ودولة الأرض في عالم الشهادة (دولة الإنسان) :المشترك هو القيم وليس الحقائق التي تعمل بها .والأولى دولة الله في عالم الغيب نموذج مثالي للثانية دولة الإنسان في عالم الشهادة. .3أثر 1في :2نموذج حكم الإنسان الرسولي ومعياره لست عليهم بمسيطر بمعنى أنك لا تفرض عليهم إرادتك باسم الله لان حكم الله متعين في كيانهم نفسه ووظيفتك التذكير ولا شيء غير التذكير :الغاشية .22-21 .4أثر 2في :1نموذج تربية الإنسان الرسولي ومعياره إنما أنت مذكر أي إنك لا تقدم لهم شيئا لا يعلمونه لأنه مرسوم في كيانهم ولا ينبغي لك أن تتجاوز مهمة التذكير إذ المشكل هو نسيان ما في ما فطروا عليه :الغاشية .22-21 .5وتلك هي حبكة القرآن وهي حبكة سياسية بهذين المعنيين من السياسة مطلقة التحرر بصورة جعلت ابن خلدون يعتبر عدم المحافظة على هذا التحرر علة لفساد معاني الإنسانية فاعتبر الحكم والتربية العنيفين علة انحطاط الإنسان أسفل سافلين .ومن ثم فالغاشية 22-21هما الأساس الذي يحدد العلاقة بين الديني والسياسي في القرآن بين المرجعية الإسلامية وبعدي السياسة أي حكم الإنسان وتربيته .لكن هذه الحبكة القرآن جاءت بأسلوبين: • أسلوب نقدي لما حصل في الماضي من عدم العمل بها والتحذير منه تكراره في الرسالة الخاتمة وهو معنى تحريف المثالين الأعليين كما يتبين في الممثولين أي في الحكم بإعادة الوصاية وفي التربية بإعادة الوساطة. • أسلوب بنائي لما ينبغي أن يحصل إذا وقع تجنب ما حدث في الماضي والعمل بما جاء في الرسالة الخاتمة لتحقيق مهمتي الإنسان :تعمير الأرض بقيم الاستخلاف. أبو يعرب المرزوقي 49 الأسماء والبيان
-- وبهذه المحاولة أبين أن كل ما يجري في فكر الحركات الإسلامية مطلق التخلف عما حدده القرآن في طبيعة العلاقة بين الديني والسياسي بحيث إن كل محاولة لتأسيس حكم ثيوقراطي أو انثروبوقراطي أو جامع بينهما ليس هو في الحقيقة إلى حكما أبيسيوقراطيا بمعنى أنه حكم بدين العجل يتخفى إما بالله المؤنس في الثيوقراطيا أو بالإنسان المؤله في الديموقراطيا ليخفي الحكم باسم معدن العجل وباسم خواره .لكن من يقرأ الغاشية -21 22يعلم أن الإنسان من حيث هو إنسان وبمقتضى بنيته المؤلفة من: بدن هو ما نشهده من كياننا الواعي بروحه التي هي من أمر ربي الذي هو مثالنا الأعلى من حيث الاشرئباب إلى الوجود المطلق المبرأ من العدم. ووعي به هو ما نجهله من غيب بدننا هو ما لا نشهده بل ما نشهد به ما نشهده وما نشهد فيه ما يغيب عنا. يجعلنا نتضمن في أنفسنا طبيعة الإنجاز السياسي في عالم الشهادة بوصفه عالم الحرية والتكليف المشدود إلى عالم الغيب سعيا إلى العمل بما حددته الآية 38من الشورى. وبذلك فقد وصلنا إلى شروط تحديد الدولة في الرؤية القرآنية بوصفها الأداة التي تحقق السياسي من حيث هو سياسي واصل بين عالمين عالم الشهادة ممثولا وعالم الغيب مثالا أولهما هو مجال تحقق الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض بقيم الاستخلاف والثاني هو مجال ما يشرئب إليها في هذا المسعى الذي يحرره من الضرورة ويرفعه إلى الحرية. أبو يعرب المرزوقي 50 الأسماء والبيان
-- وصلت الآن إلى اختبار الكلام الذي قدمناه في الفصل السابع تمهيدا لدراسة دولة الإسلام كما يحددها القرآن الكريم باختبار التمييز بين الدولتين والسياستين: .1سياسة الله للمخلوقات كلها باعتبار نظامها يمثل دولة عالم الغيب الذي يشمل دولة الإنسان أو عالم الشهادة الذي هو ما يظهر منها له وما هو مستعمر ومستخلف فيه .وموضوع الرسالة الخاتمة الموجهة إلى الإنسانية كلها هو إشارات إلى دولة عالم الغيب وتذكير للإنسان بتكليفه وبتجهيزه لتحقيق مهمتيه باعتماد ما يريه الله من آيات الأفاق والأنفس أي الطبيعة والتاريخ والإنسان (فصلت .)53 .2سياسة الإنسان لـدولة عالم الشهادة مع العلم بوجود الغيب دون العلم بمضمونه. وهو مأمور بالإيمان به لأنه جزء من العقيدة .ومن ثم فعلمه بالشاهد وعمله فيه ليس علما ولا عملا محيطين بل هما نسبيان .وكل إطلاق لهما طغيان يفسد سياسة عالم الشهادة بتجاهل عالم الغيب .وعلامة هذا التجاهل أو الجهل هي القول بالمطابقة في المعرفة وفي القيمة .فلا يبقى فكر الإنسان اجتهادا وعمله جهادا بل يصبحان طغيانا معرفيا وطغيانا قيميا يصفهما ابن خلدون بحب التأله مصدر كل الشرور في تاريخ الإنسانية أي مصدر الاستبداد في التربية أو القول بالوساطة بين المؤمن وربه والاستبداد في الحكم أو القول بالوصاية على المؤمن في أمره. لذلك فقبل هذا التمييز بين السياستين والعالمين يتقدم أصله في التمييز بين المستخلف والخليفة أي بين الله والإنسان :وذلك هو معنى الرسالة المذكرة بهذين العلاقتين .فالقرآن من حيث هو رسالة يعتبر أصلا لشرح هذه الفروع الأربعة: .1دولة عالم الغيب وسياستها الإلهية تشمل عالم الشهادة. .2دولة عالم الشهادة وسياستها الإنسانية لا تتجاوزه. .3والله المستخلف للإنسان في عالم الشهادة. .4والإنسان خليفة الله في عالم الشهادة. أبو يعرب المرزوقي 51 الأسماء والبيان
-- وهي رسالة من الله إلى الإنسان حول علاقة العالمين والسياستين وعلاقة الرب والمربوب بوصفها علاقة بين ذاتين المستخلفة والخليفة .وهي علاقة مرتسمة في كيان الإنسان إذ إن الرسل لا يأتون بها بل يذكرون بها :كيان الإنسان نفسه شهادة بحقيقة هذه العلاقة لما بين قيامه وشروطه من علاقة لا يمكن أن يتجاهلها أعني الطبيعة والتاريخ من حوله وما لديه من قدرة على التعامل معهما علما وعملا. والقرآن يصف هذه العلاقة بكونها علاقة بين حريتين رغم أنها بينه رب ومربوب وبين مألوه وآله .إنها علاقة بين حريتين مطلقة ونسبية .ولولا ذلك لما كان للتكليف بالتعمير والاستخلاف معنى .فشرط تكليف الإنسان هو الحرية التي لا يقرها كل الذين يسيئون فهم القضاء والقدر من المكذبين بالحرية .لكن الإنسان مكلف حقا وله سلطة الخليفة الحر الذي يمكن أن يعصي أمر المستخلف وأن يعصيه وبالعصيان بدأ انتقاله من عالم الغيب إلى عالم الشهادة الذي استخلف فيه. ومنذئذ يبدأ تعييره بمدى احترامه لشروط التكليف دون أن يكون مقيدة آليا بها شرطا في تقدير الأهلية لها وفي تحمل مسؤولية حريته إيجابا وسلبا وتلك هي الأمانة التي عرضت على المخلوقات فلم يقبل تحملها إلا الإنسان .أما النقلة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة أو الإخراج من الجنة فليس بسبب العصيان الأول بل كان مفروض قبله ما يعني أن كان متوقعا عند الاخبار بجعله خليفة .وإذن فهو ليس عقابا بل اختبار لأهليته في فرصة ثانية هي سياسة عالم الشهادة .وقد أعطيت له هذه الفرصة في شكل استجابة عل لتحد شيطاني هو عين هذه القدرة على حرية الاختيار بين الطاعة والعصيان بالاجتهاد المعرفي والجهاد القيمي. وهذه الفرصة الثانية تنفي قضية الخطيئة الموروثة التي هي جوهر الفرق بين الإسلام والمسيحية .وهي تغني عن الحاجة إلى الشفيع لأن الإنسان سيحاسب بمقتضى عمله وليس بتحكم أو بلطف إلهيين .وقد كانت المسيحية وخاصة البروتسنتينية تعتبر ذلك دليل على أبو يعرب المرزوقي 52 الأسماء والبيان
-- أن الإسلام دين عقل طبيعي وليس دينا سماويا منزلا .فأهم شيء يرفضه لوثر من الإسلام ويستشنعه هو حكم الله للإنسان أو عليه بميزان اعماله. وسياسة الدولتين أو العالمين متفاعلتان تفاعل المستخلف والخليفة .القرآن يدرس التفاعلين بمنظارين: .1منظار أول هو تقييم ما تقدم من تاريخ الإنسانية بمنطق التصديق والهيمنة لمراجعة العلاقة بين تاريخ الدين وتاريخ سياسة عالم الشهادة وهي إذن مراجعة بميعار فلسفة التاريخ الإنسانية في ضوء في فلسفة الدين الإنسانية .والعلاقة بين الفلسفتين هي إذن علاقة بين الديني (علاقة الرب والمربوب) والتاريخي (علاقة السياستين) .والنقد القرآني لتاريخ الإنسانية في ضوء ما طرأ على هذه العلاقة من تحريف هو في آن نقد لعلاقة الخليفة بالمستخلف وعلاقة سياسة عالم الشهادة بسياسة عالم الغيب .وكل من ينفي مفهوم الدولة في الإسلام سواء تعلق الأمر بالسياسة بمعناها الدنيوي أو بمعناها المتعالي على الدنيا لا يمكن أن يكون درس القرآن بعين من يهمل العلاقة بين بعدي تعريف الله لنفسه بوصفه خالقا وآمرا (له الخلق والأمر) وتعريفه للخليفة بوصفه له من هذين الوصفين نصيب. .2ومنظار ثان هو الاستراتيجية القرآنية التي تحرر من التحريف وتعيد بناء الإنسانية لتوحيدها بمعيار الأخوة الإنسانية (النساء )1والتعارف والمساواة بين البشر (الحجرات )13وتأجيل الحسم بين الاجتهادات الدينية إلى يوم الدين واعتبار تعددها شرط التسابق في الخيرات (المائدة )48لتبين الرشد من الغي شرطا في حرية المعتقد (البقرة .)256ومعنى ذلك أن توحيد الإنسانية بمفهوم الخليفة ودولته الكونية في عالم الشهادة الذي لا يحيط بعالم الغيب يحاكي مفهوم الرب بمفهوم المستخلف ودولته الكونية في عالم الغيب الذي يشمل عالم الشهادة. فعلاقة العالمين وسياستهما عامل الغيب وعالم الشهادة وسياستهما مناظرة لعلاقة المستخلف والخليفة أي الله والإنسان وأفعالهما مع فارق جوهري يجعل الأول في الحالتين مجهول الطبيعة لكنه معتبر عنه بما يناسب الثاني لأن الرسالة تفقد معناها إذا لم تكن قابلة للفهم أبو يعرب المرزوقي 53 الأسماء والبيان
-- من الثاني دون أن يكون ما تخبر به محيطا بالغيب بل هو محيط بآثاره في الشاهد وهو ما يطلبه المستخلف من الخليفة الذي جهز لتحقيقه ووضع في عالم يمكن التعامل معه بما جهز به. وهذا هو معنى الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها .ومعنى ذلك أن الدولة الألهية أي الوجود كله عامة وما منه ذو صلة بالإنسان وشروط حياته وأفعاله التي هي عين كيانه تمدنا الرسالة منه بصورة رمزية لما له صلة بالإنسان بوصف الدولة الإلهية وسياستها مثالا أعلى تحاكيه الدولة الإنسانية وسياستها دون أن تكون مثلها إذ الله وعالم الغيب وسياستها كلها ليس كمثلها شيء. فتعمير الأرض بقيم الاستخلاف اعتمادا على أدوات وقيم مذكورة في القرآن ويسميها الآيات التي يريها الله للإنسان في الآفاق وفي الأنفس ليس خلقا ولا أمرا مطلقين بل هما استعمال لموجود في ضوء وعي بمنشود هو معنى علاقة الممثول بالمثال .ولما كانت الآفاق في العالم هي الطبيعة والتاريخ وكانت الأنفس هي الإنسان فردا وجماعا وهما ثمرة التفاعل بين الطبيعة والتاريخ وكانت الآيات هي قوانينهما وسننهما بات واضحا أن الأمر كله يتعلق بأمرين: • بما في الطبيعة والتاريخ من قوانين وسنن تتضمن شروط بقاء الإنسان وتحقيق مهمتيه .وهذان النوعان من القوانين والسنن هي آيات الله في الآفاق. • وبما جهز به الإنسان ليكون قادرا على التعمير والاستخلاف أعني بالقدرة على العلم وتطبيقه وعلى العمل وتطبيقه أي النظر والعقد للعلم والعمل والشرع لإنجاز المهمتين. وتلك هي آيات الله في الأنفس ذلك أن تجهيز الإنسان النظري لا يمكن أن يحقق مهمتيه إذا لم يكن متعلقا بعلاج علاقته بموضوع العلوم وتطبيقاتها المناسب لما في الطبيعة من نظام قابل للعلم وتطبيقه (كل شيء خلقناه بقدر) كما أن تجهيز الإنسان العملي لا يمكن أن يحقق مهمتيه إذا لم يكن متعلقا أبو يعرب المرزوقي 54 الأسماء والبيان
-- بعلاج علاقته بموضوع الأعمال وتطبيقاتها من نظام قابل للعمل وتطبيقاته (لن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا). وحينئذ يصبح بوسعنا أن نسأل السؤال الذي يوصلنا إلى مرحلة فهم نظرية الدولة التي تترتب على ذلك والتي وضعها الإسلام للإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض (علاقة بالطبيعة خاصة) ومستخلف فيها (علاقة بالتاريخ من حيث يكون مداره العلاقة بالاستعمار في الأرض وبالاستخلاف فيها) .وكلتا العلاقتين توصلانه إلى ما وراء الطبيعة والتاريخ أي خالقهما وآمرهما وخالقه ومكلفه: .1فماذا يميز سياسة الله للوجود الذي نشهده وعلم بالغيب وراء الشهادة سواء كان ذلك إيمانا موجبا أو على الأقل تسليما سالبا بما يتجاوز عالم الشهادة. .2وسياسة الإنسان للوجود الذي نشهده دون علم بالغيب الذي وراءه سواء كان مؤمنا فيعتبره عناية ربانية أو ملحدا فيعتبره صدفة طبيعية لأنه لا يوجد عاقل يزعم أن ما يعمله من الوجود كاف ليكون نظره أو عمله تام الشروط ليكون مطابقا للوجود. وحتى من زعم أن علمنا وعملنا مطابقان للوجود فإنه وقع في تناقضات لا يقبلها عاقل: فإذا أخذنا خرافة هيجل في المصالحة بين العالم الروحي والعالم الطبيعي في العلم المطلق والدين المطلق صار تفسر عدمها في البداية وحصولها في الغاية من الالغاز التي لا تعالج شيئا لأنها مصادرة على المطلوب. ونفس الشيء إذا أخذنا خرافة ماركس الذي ينتهي في الغاية إلى نهاية فاعلية ما اعتبره مبدأ الوجود المطلق أي الصراع الجدلي لأن الغاية هي توقف فاعلية هذا القانون إذا لم نقل بالعود الأبدي. لذلك فالحل الوحيد الذي يبقى مقبولا عقلا يمكن أن يفسر طبيعة السياسة ومفهوم الدولة وما يحوج الإنسان إليها ولم هي كما وصفت في الفصل السابق شرطا في الوصول إلى تعريف الدولة في الرؤية الاسلامية إذا حررناها من التحريف الذي حصل في علوم الملة. أبو يعرب المرزوقي 55 الأسماء والبيان
-- واختبار هذه الفرضية هو محاولة الجواب عن السؤال التالي :هل ينطبق ما شرحناه على الصورة التي يمدنا بها القرآن عن يوم الدين؟ هل يحاسب الإنسان بمعيار علم السرائر وبالحساب الموضوعي لعلم الظواهر في السلوك الإنساني إذا كان عاملا بما وضع من علاقة بين العالمين في سياسة عالم الشهادة حكما وتربية؟ إذا فصحنا القضاء الإلهي يوم الدين والجزاء الذي ينتج عنه أمكن أن نجد المؤيدات القاطعة على صحة التأويل .فالحساب مضاعف: .1فيه مقياس أول نجهله وهو علم الله بـالسرائر الذي كان من الغيب في عالم الشهادة لكنه يصبح شاهدا بعد البعث لأن البصر يصبح حديدا. .2وفي شهادة الظواهر الذي يمثله كل كيان الإنسان الذي يصبح ناطقا فتشهد كل جوارح الإنسان عليه أو له لكأن كيانه كان آلة تسجيل دائمة وهو ما يعني أن شهادة المراقبين للإنسان في حياته الكاتبين لحسناته وسيئاته لا يمكن تكذيبهما. وإذن فالحكم النهائي بالخلود في الجنة أو في النار يكون بمقتضى ما به يتفاضل الناس (الحجرات )13أي التقوى التي تعني تطبيق الجهاد (المعرفي) والجهاد (القيمي) بصدق هو من غيب السرائر .وكلا الخلودين من عالم السرمدية إما في الوجود الذي يعتبره الإنسان في عالم الشهادة السعادة المطلقة في دنياه أو في العدم الذي يعتبره الإنسان في عالم الشهادة الشقاء المطلق في دنياه. وإذا كان ذلك كذلك فإنه لا يمكن تصور دولة الشهادة وسياستها الإنسانية محتويتين على ما يتجاوز علم الإنسان وعمله النسبيين .وذلك ما يعنيه ابن خلدون بالتمييز بين الرؤيتين السنية والشيعية للإمامة« :وألحق (الأشعري) بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية في قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنها يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة فيها لمن هي له وكذلك على الأمة .وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعيه ولا تلحق بالعقائد .فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلام إما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليس براجعة إلى عمل وإما لأن سبب أبو يعرب المرزوقي 56 الأسماء والبيان
-- وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي\"(المقدمة الباب السادس الفل العاشر فصل الكلام). وفي هذه الرؤية نفي قطعي للوصاية بين المؤمن وأمره في سياسة عالم الشهادة الذي هو فرض عين على المؤمنين وهو الحسم في الوجه الثاني من السياسة أي الحكم حسما أساسه الحسم في الوجه الأول منها أعني النفي القطعي للوساطة بين الله والمؤمن في التربية .وإذن فنظرية الدولة الإنسانية هي نظرية سياسة عالم الشهادة فرض عين على كل إنسان بوصفه مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها. أبو يعرب المرزوقي 57 الأسماء والبيان
-- ختمت الفصل الثامن بنص ابن خلدون الذي نزل مسألة الحكم السياسية خارج العقيدة مقابلا بين الموقفين السني والشيعي .وهي مقابلة تلغي النكوص الباطني الذي استعاد ما حرر الإسلام منه الإنسانية أعني: • الوساطة في التربية ومؤسستها هي الكنسية. • الوصاية في الحكم ومؤسساتها هي الحكم بالحق الإلهي. وتجعل سياسة عالم الشهادة مسؤولية الإنسان من حيث هو إنسان وفرض عين فيعوض الاختيار الوصية (الغزالي فضائح الباطنية) وتعوض الشورى المبنية على الاجتهاد الذي هو علم نسبي وهم العصمة المبنية على العلم المطلق .ولهذه العلة وضع ابن خلدون المبدأ الأول في التاريخ لتأسيس التعددية السياسية فلسفيا ولعلاج أزمة الصراع الذي آل إلى الحروب بين الصحابة. لا بد إذن من إيراد نصه في الموضوع حتى نشرع في تعريف طبيعة الموقف السياسي الذي يحدده الإسلام والذي يمكن تعريفه بالمصطلح الحديث في تصنيف القوى السياسية بالسلم الذي وضع تحكميا انطلاقا من جلوس نواب المجلس في الثورة الفرنسية أعني قوى اليسار وقوى اليمين والذي ادخلت عليه ما يخرجه من المنطق الجدلي الصراعي بين النقيضين الذي لا يؤيده التاريخ ولا المنطق فأضفت إليهما عاملين آخرين عما ما يترتب على فعل اليسار في اليمين وفعل اليمين في اليسار الذي لا يترتب عليه توليفا ثالثا كما يزعم اصحاب المنطق الجدلي بل موقفان آخران ينتجان عن تفاعلهما في الاتجاهين: • يمين اليسار الذي يجمع بين القيم الاجتماعية والقيم الاقتصادية مع تقدم تلك على هذه. • ويسار اليمين الذي يجمع بين القيم الاقتصادية والقيم الاجتماعية مع تقديم تلك على هذه. أبو يعرب المرزوقي 58 الأسماء والبيان
-- وتبقى فضالة مترددة بين الأبعاد الأربعة وهي قوة الوسط الذي يميل حيث تميل الغلبة في التنافس السياسي بين الحكم والمعارض في الديموقراطيات الحديثة .وغالبا ما يصبح اليمين الخالص واليسار الخالص هامشيين لأن العقلاء منهم يبقون في يمين اليسار ويسار اليمين بحيث تكون كل قوة سياسية مؤلفة من قطبين كلاهما يعمل مع الثاني بما يجمع بيهما من منظورين مختلفين وتبقى البنية المخمسة هي المحددة لكل كيان مؤلف. ونص ابن خلدون مبني على المقابلة بين المنزلة المعرفية والمنزلة المعرفية في المقابلة بين النظر والعقد باعتبارهما يتعلقان بما يقربن من اليقين النظري والعقدي والعمل والشرع باعتبارهما يتعلقان ما دون ذلك من الاجتهاد الإنساني وهي مقابلة فيها ما يذكر بالمقابلة بين الفلسفة النظرية والفلسفة العملية القديمة لولا فرق جوهري اضافته المدرسة النقدية وهو نفي أن يكون النظر والعقد قابلا لأن يكون يقينيا بإطلاق بل هو يبقى اجتهادا وإن كان من جنس مختلف عن الاجتهاد في مجال العمل والشرع لما سنبينه من علل. وقبل أن أورد نص ابن خلدون في تأسيس التعددية السياسية لا بد أن أورد نصه في نفي وجود الوصية بعد أن تكلمنا في الفصل السابق عن مقابلته بين الموقفين السني والشيعي من منزلة الإمامة في منظور الإسلام .ففي نفس الفصل الذي وضع فيه نظرية التعددية السياسة بمقتضى هذه المنزلة وضع مسألة الحرب الأهلية بين يزيد والحسين وثناها بمسألة الوصية لينتهي إلى الحكم في الحروب التي حدثت بمقتضاها وكل ذلك في فصل ولاية العهد من الباب الثاني من المقدمة (فصل )30فقال ابن خلدون\" :والأمر الثاني هو شأن العهد من النبي (صلعم) وما تدعيه الشيعة من وصية رضي الله عنه وهو أمر لم يصح ولا نقله أحد من أيمة النقل : .1والذي وقع في الصحيح من طلب الدواة والقرطاس ليكتب الوصية وأن عمر منع ذلك فدليل واضح على أنه لم يقع. أبو يعرب المرزوقي 59 الأسماء والبيان
-- .2وكذا قول عمر رضي الله عنه حين طعن وسئل في العهد فقال إن أعهد لقد عهد من هو خير مني يعني أبا بكر وأن اترك فقد ترك من هو خير مني يعني النبي (صلعم) لم يعهد. .3وكذلك قول علي للعباس رضي الله عنهما حين دعاء للدخول إلى النبي (صلعم) يسألانه عن شأنهما في العهد فأبى علي من ذلك وقال :إنه إن منعنا منها فلا نطمع فيها أخر الدهر. .4وهذا دليل على أن عليا علم أنه لم يوص ولا عهد إلى أحد .وشبهة الإمامية في ذلك إنما هي كون الإمامة من أركان الدين كما يزعمون .وليس كذلك. .5وإنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق .ولو كانت من أركان الدين لكان شأنها شأن الصلاة ولكان يستخلف فيها كما استخلف أبا بكر في الصلاة ولكان يشتهر كما اشتهر أمر الصلاة\" (المقدمة الباب الثاني فصل ولاية العهد الفصل .)17 تصل الآن إلى النص الذي وضع فيه ابن خلدون مفهوم عدم التأثيم في الاجتهاد السياسي لتأسيسا للتعددية بنظرية المعرفة ونظرية الاجتهاد .قال ابن خلدون\" والأمر الثالث شأن الحروب الواقعة في الإسلام بين الصحابة والتابعين .فاعلم أن اختلافهم إنما يقع في الأمور الدينية وينشأ عن الاجتهاد في الأدلة الصحيحة والمدارك المعتبرة .والمجتهدون إذا اختلفوا: .1فإن قلنا إن الحق في المسائل الاجتهادية واحد من الطرفين ومن لم يصادفه فهو مخطئ فإن جهته لا تتعين بإجماع فيبقى الكل على احتمال الإصابة ولا يتعين المخطئ منها. والتأثيم مدفوع عن الكل بإجماع. .2وإن قلنا إن الكل على حق وإن كل مجتهد مصيب فأحرى بنفي الخطأ والتأثيم. وغاية الخلاف الذي بين الصحابة والتابعين أنه خلاف اجتهادي في مسائل دينية ظنية وهذا حكمه\" (المقدمة الباب السادس الفصل .)17 أبو يعرب المرزوقي 60 الأسماء والبيان
-- من العسير أن يدرك القارئ عمق الحل الخلدوني لتعدد الآراء في الفكر السياسي ما لم يقارن بين الفرضيتين وما تعنيانه .فهو يطرح المشكل في التصويب والتخطئة في فرضتين: الأولى القول بالقطعيات في المسائل الاجتهادية لكن حينها لا ندري من هو صاحبها. الثانية القول بعدم وجود قطيات في المسائل الاجتهادية فيكون الجميع حينها مصيب لأن كل اجتهاد في الظنيات مقبول. وهو ما يعني أن السياسة لا تقول بالثالث المرفوع وبعدم التناقض لأنها ليست خاضعة للمنطق ثنائي القيمة الذي يتردد بين الحقيقة والباطل بل هو متعدد القيم .وفي الحقيقة هو يخضع لقيم الأفعال الإنسانية التي هي خمسة :قلبها المباح وعلى يمينه المندوب إليه والواجب وعلى يساره المكروه والمحظور .ولا يمكن الاقتصار على الواجب والمحظور خاصة والإسلام يتضمن ما يحرر منهما في حالات الضرورة التي تبيح المحظور (مثل أكيل الميتة عند الضرورة) وتحظر الواجب (مثل الصوم عند المرض) .والسياسة أكثر الأفعال حاجة إلى هذه التعددية لأنها تشمل كل الافعال البشرية. ولكن هذا التعدد ليس مرسلا بل لا بد له من قانون يحدده يجعل حصره جامعا مانعا وسأورد هذا الحصر بتحليل الفعل السياسي نفسه ثم باستعمال التصنيف السائد والذي هو تحكمي لأنه يعتمد على صدفة جلوس الرأيين المتقابلين في مجلس نواب الثورة الفرنسية فصار أحدهم يسمى حزب اليمين والثاني حزب اليسار ثم صارت هذه التسمية دالة على الخيارات التي على أساسها تقابل الجالسون في اليمن وفي اليسار. وأبدأ بالمبدأ الذي يمكن من التصنيف الحصري .فإذا كانت سياسة عالم الشهادة متعلقة بمهمتي الإنسان من حيث هو مستعمر في الارض ومن حيث هو مستخلف فيها فإن المبدأين الممثلين لحدي المعادلة هما: .1سد الحاجات التي تنتسب إلى تعمير الأرض أي الحاجات المادية أي الانتاج الاقتصادي بالتعاون والتبادل والتعاوض العادل. أبو يعرب المرزوقي 61 الأسماء والبيان
-- .2وسد الحاجات التي تنتسب إلى الاستخلاف فيها أي الحاجات الروحية أي العدل الاجتماعي بالتعارف والتواصل والمساواة في الحظوظ والفرص. فتصبح القوى السياسية منقسمة أولا إلى: .1التي تعتبر مهمتها العناية حصرا بالإنتاج المادي والقيم الاقتصادية وهذا هو الخيار الذي ينسب عادة إلى ما يسمى بالاصطلاح التحكمي حزب اليمين. .2والتي تعتبر مهمتها العناية حصرا بالإنتاج الرمزي والقيم الاجتماعية وهذا هو الخيار الذي ينسب عادة إلى ما يسمى بالاصطلاح التحكمي حزب اليسار. .3لكن تبين أن الأول لعلة اقتصادية ولعلة سياسية يحتاج إلى توسيع السوق بتوزيع الثروة وتوسيع قاعدته السياسية فيأخذ من الثاني بعضا من سياسته قدرا من عدل التوزيع. .4وتبين أن الثاني لعلة اقتصادية ولعلة سياسية يحتاج إلى ثروة يحقق بها العدل الاجتماعي ومن ثم فلا بد أن يأخذ من الأول بعضا من سياسته لتشجيع دوافع الانتاج الاقتصادي (الملكية والحرية). .5وتبقى قوة سياسية مترددة بين الصفين وهي الوسط الذي يميل مع الغالب في الانتخابات إما بعدها أو قبلها بحسب توقعه .وبذلك تكون القوى السياسية خمس قوى. لكن القوتين الأوليين يتضاءل دورهما في الديموقراطية ولا يعودان في الغالب إلا في حالة الأزمات الاقتصادية أو في أزمات الهوية وهما الأصلان لكل نكوص إلى التطرفين اليميني أو اليساري. وهكذا فباصطلاح يمكن تعريف القصد بتصنيف القوى السياسية ومناط تحديدها الذي في ضوئه يقع التصنيف التحكمي بالأسماء الاصطلاحية والغاية هي بيان المعنى وبعدها لا مشاحة في الاصطلاح .فإذا اعتبرنا القوى السياسية التي صار آخر أشكالها هو الأحزاب تعرف بدورها السياسي وتوصيف تحكمي علته صدفة الجلوس في مجلس نواب الثورة الفرنسية بحيث صار الجلوس على يسار رئيس الجلسة والجلوس على يمينه معيارا للتسمية أبو يعرب المرزوقي 62 الأسماء والبيان
-- وطبعا ما كان ذلك يكون لو كان الجالسون مختلطين بصورة تحول دون اعتبار من اختار هذه الجهة أو تلك وليسوا من لون سياسي واحد بمقتضى الافكار والمصالح التي يدافعون عنها. وقد ظن الكثير أني وصفت شرط الانتساب الأحزاب إلى مرجعية إسلامية بأنه ينبغي أن يكون تعريفه بمقتضى التصنيف الحديث للأحزاب منتسبا إلى \"يمين اليسار\" مقابل \"يسار اليمين\" بمعنى أنه يقدم البعد الاجتماعي على الاقتصادي تقديم هذا للبعد الاقتصادي على الاجتماعي .وفي الحالتين يقع التحرر من التوحش الاجتماعوي والاقتصادوي فيقع الحد من استفراد الدولة أو الخاص بجعل السياسي مؤثر إما بإطلاق التدخل أو بإطلاق عدم التدخل من الدولة في تعديل عمل الجماعة في تحقيق شروط سد حاجاتها بصنفيها: • فأقصى اليمين يلغي اقيم الاجتماعية لا يمكن أن يعمر في النظام الديموقراطي. • أقصى اليسار يلغي القيم الاقتصادية لا يمكن أن يعمر في النظام الديموقراطي. لذلك فهما ينقرضان بتقدم النهج الديموقراطي ويبقى البعض منهم مندسين في الحزبين الممثلين ليمين اليسار (الرؤية الاسلامية) وليسار اليمين (وهي مناظرة لها ويمكن أن تتداول معها) وقد يسيطر اليمين واليسار المتطرفان ظرفيا في حالة الأزمات الاقتصادية أو الثقافية .اما حزب الوسط فهو حزب الانتهاز وهو أقلية تميل حيث تميل ريح النصر في الانتخابات .ولم يبق إذن إلا أن أثبت الأمرين اللذين توصلنا إليهما في الفصل العاشر والأخير: طبيعة النظام السياسي وطبيعة أسلوب الحكم وهو ما أعرفه من الآن بمقتضى الشورى 38بأنه نظام جمهوري (أمر الجماعة) ذو أسلوب حكم ديموقراطي (شورى بين الجماعة). وهو نظام لا علاقة له بالعقائد إلا من حيث هي مرجعية القيم التي يعتمدها لكنها لا تفرض عليه وساطة روحية ولا وصاية سياسية ومن ثم فهو أقرب الأنظمة إلى العلمانية غير الملحدة. أبو يعرب المرزوقي 63 الأسماء والبيان
-- طبيعة الخيار الذي يصنف القوة السياسية ذات المرجعية الإسلامية تصنيفا حديثا يجعلها كما وصفتها يمين اليسار لإنها تقدم القيم الاجتماعية على القيم الاقتصادية وترفض تدخل الدولة في الاقتصاد حصرا إياه في تعديل التوزيع .وهو خيار لا يجعل وظيفة السياسة متجاوزة للوظيفتين هذين فتصبح ذات وساطة بين المؤمن وربه أو وصاية بينه وبين أمره :كلاهما فرض عين ولا يمكن فيهما أن يفوض أمره لغيره ليجعلهما فرض كفاية. أبو يعرب المرزوقي 64 الأسماء والبيان
-- ختمت الفصل التاسع بهذه العبارة :لم يبق إذن إلا أن أثبت قضيتين صغتها بما توصلت إليه حينها وعلي الآن أن أراجع تلك الصياغة لتكون مناسبة للفصل الحالي المتعلق بطبيعة سياسة عالم الشهادة الكونية لتكون صالحة للإنسان من حيث هو إنسان مربوب وليس للإنسان من حيث هو ذو دين لم يبلغ الكونية فتتطابق فيه المربوبية والآلهية: فالآية 38من الشورى تحدد طبيعة النظام السياسي وطبيعة أسلوب الحكم فيه بصورة تجعل الإنسان من حيث هو إنسان مشاركا فيها فرض عين وليس فرض كفاية .وبمقتضى الشورى 38 يمكن أن نستنتج أنه: .1نظام جمهوري (أمر الجماعة). .2ذو أسلوب حكم ديموقراطي (شورى بين الجماعة). .3بمرجعية دينية كونية (الاستجابة للرب) .4علامتها ذروة العبادات (أقاموا الصلاة). .5لعلاج لقوامة نوعي القيم الاقتصادية والاجتماعية (الإنفاق من الرزق). وإذن فهو نظام كوني لا يتغير إذ هو بمقتضى أشكال المربوبية التي تمثل الديني في الأديان المختلفة والعقائد الاختيارية (الله بدل الرب) يتبع مرجعية كونية واحدة بخلاف الألوهية .إنها ما يترتب على التكليف بسياسة عالم الشهادة بمنطق التعمير والاستخلاف إذ جهز للتعامل معه بالعلم وتطبيقاته في العلاقة مع الطبائع وبالعمل وتطبيقاته في العلاقة بالشرائع. إنها مرجعية المعرفة والقيمة في التعامل مع قوانين الطبيعة وسنن التاريخ كما يجتهد لاكتشافها والعمل بها بصورة تحرره من مرضي الإنسانية الذين يفسدان معاني الإنسانية بلغة ابن خلدون أعني ما يجعل الإنسان \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" (الغاشية :)22-21 .1من الوساطة الروحية في التربية التي هي تذكير بما لديه بالفطرة وبما يكتسبه بالمجاهدة. أبو يعرب المرزوقي 65 الأسماء والبيان
-- .2من الوصاية السياسية في الحكم الذي هو أمره يشارك في إدارته بالمشاركة في الشورى التي بين المؤمنين. ومن ثم فهو أقرب الأنظمة إلى العلمانية غير الملحدة .وبذلك فإنه يمكننا أن نصنف القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية تصنيفا حديثا هو الذي قدمناه وشرحناه في الفصل السابق تصنيفا يجعل فكر هذه القوى السياسية متعددة بحسب تأويل المرجعية تأويلا مترددا بين الأشكال الخمسة التي ذكرناها مع تفضيل ما أعتبره أكثرها تمثيلا للمرجعية الإسلامية دون أن تكون الباقية متنافية معها عملا بتعدد أحكام الأفعال وهي خمسة كما أسلفت. وما اعتبره أكثر تمثيلا للمرجعية الإسلامية هو \"يمين اليسار\" لإنه يقدم القيم الاجتماعية على القيم الاقتصادية ويرفض تدخل الدولة في الاقتصاد كما أكد على ذلك ابن خلدون حصرا إياه في تعديل التوزيع .وهو خيار لا يجعل وظيفة القوى السياسية متجاوزة للوظيفتين هذين أعني قوامة التربية والحكم وليس التربية والحكم اللذين هما من خدمات الدولة التي تتداول عليها القوى السياسية التي وصفت. وهو ما يعني أن كل الجماعة مسهمة فيها على الأقل في انتخاب من يحكم ومن يعارض ومراقبتهما. وتلك هي وظيفة الجماعة .وإذن ففرعي ال السياسة غنيان عن الوساطة بين المؤمن وربه وعن الوصاية بينه وبين أمره :كلاهما فرض عين ولا يمكن فيهما أن يفوض أمره لغيره ليجعلهما فرض كفاية. والآن كيف يمكن أن أعلل هذا التصنيف أولا ثم كيف أحدد طبيعة النظام ثانيا وطبيعة أسلوبه في التربية والحكم والمعارضة ثالثا وكيف يكون ذلك بصورة تخول ما استنتجته من القول بأن التأويلات الممكنة للمرجعية الإسلامية هي عين أحكام الفعل المعلومة رابعا ليكون التناظر بين أحكام الفعل عامة واحكام الفعل السياسي على وجهة الخصوص خاضعة لمنطق التعددية السياسية التي اسسها ابن خلدون بوضع مبدأ عدم التأثيم في الاجتهاد السياسي الذي هو رعاية المصالح العامة باجتهاد الجماعة اخيرا: أبو يعرب المرزوقي 66 الأسماء والبيان
-- .1فالوسط هو الذي ينطبق عليه حكم المباح بمعنى أن الإنسان مباح له ألا ينحاز لأي من الأحكام الأربعة الباقية شرطا في حريته لا يختار أيا منها. .2المحظور هو الذي يرد بقية الأحكام إلى القيم الاقتصادية وهو اليمين المتوحش لأنه ينتهي إلى الحرب الدائمة بين البشر ويتناقض مع مبدأ الانفاق من الرزق في الشورى .38 .3فيظن الواجب هو نقيضه وهو رد بقية الاحكام على القيم الروحية وينسى أن الإنسان ليس مؤلفا من كيان بدني روحي قد يكون الأول هو ظاهر الثاني والثاني هو باطن الأول .وهذا هو منطق الجدل والصراع الدائم الذي بينا خطأه لكونه لا يطابق البنية العميقة للأشياء ولنظامها. .4المكروه هو تقديم الاقتصادي على الروحي وفيه يتنكر المحظور في الغالب ليصبح مقبولا لكنه يكاد يكون الوحيد الممكن في الأزمات الاقتصادية أو الثقافية وخاصة في الحروب حيث ينحط الإنسان إلى أدنى كيانه فيتحول إلى حيوان كاسر. .5المندوب إليه هو تقديم الروحي على الاقتصادي وفيه يتنكر الواجب وذلك في السير العادي للحياة الاقتصادية والثقافية التي تبقى دائما دون الواجب فتكتفي بالمندوب إليه. وطبعا فهذه الأحكام ليست صفات للأشياء ولا حتى للأفعال في حقيقتها الذاتية بل هي صفات لأحكام الناس عليها أحكامهم التي يقدمونها على أنها ناتجة عما يسمونه بالإكراهات السياسية التي تحدد القوى السياسية مواقها منها .مثال ذلك أن ما يعتبره من هو مباشر لوجه الحكم من السياسة واجبا قد يعتبره من هو مباشر لوجه المعارضة منها محظورا. وغالبا ما يكون الاختيار السياسي شبه محصور المندوب والمكروه في إطار يرد إلى المباح .ومن ثم فالمحظور يتنكر في المكروه والواجب في المندوب إليه .وإذن فالأحكام تنطبق على أفعال القوى السياسية التي يبالغ المعارض خلالها في استعمال الواجب والمحظور والحاكم يبالغ في استعمال المندوب والمكروه .ولهذه العلة كانت القوى مردودة إلى الخمسة التي ذكرتها. أبو يعرب المرزوقي 67 الأسماء والبيان
-- ولنبدأ الآن التعليل المعتمد على تحليل النص الذي يثبت أن تصنيف القوى السياسية التي تنضوي تحت المرجعية الإسلامية وتفضيل شكل يمين اليسار وصفها لها لنختم بتحديد وظائف الدولة عندما نحددها بمنظور قرآني .والنص هو الشورى 38الذي حللناه في محاولات كثيرة سابقة. تحليل الشورى 38 ذكرت أن الشورى تحدد طبيعة النظام السياسي الذي اختاره القرآن للدولة ذات المرجعية الإسلامية الكونية لتي يتطابق فيها الألهي مع الربوبي والتي يرمز إليها الكلام على الاستجابة إلى الرب بمعنى التي تنبني على القوانين الكلية وليس التي تنبني على عقيدة من العقائد الجزئية قبل أن تبلغ الكونية التي لا تتضاد فيها الطبائع والشرائع في نظام الوجود الإنساني المعتمد على ما جهز به الإنسان لرؤية آيات الله في الآفاق وفي الأنفس (فصلت .)53 فكلنا يدرك الفرق بين الربوبية والألوهية لأن الأولى تتعلق بما هو كوني والثانية بما هو خاص بدين دون دين بخلاف ما عليه الدين الخاتم المطابق للدين الفاتح أو الإسلام .ففيه تتطابق في الكلية والخصوصية لأنه مبني على تبين الرشد من الغي غاية للتطور الديني الذي يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله وهو معنى الديني في كل دين المطابق لفطرة الإنسان. ولهذه العلة فعندما عرف ابن خلدون الإنسان قال « :رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" .فالتطابق بين الاقتضاءين الطبع والاستخلاف يعني أن آلهية من يؤمن بالاستخلاف كما حدده القرآن تتطابق مع مربوبيته التي هي كونه كذلك بالطبع وليس بالاكتساب وهو معنى الفطرة. ومعنى ذلك أن الإنسان مفطور على أن يكون رئيسا أي كائنا حرا لا يقبل العبودية والخضوع لغير الله. وذلك هو معنى \"والذين استجابوا لربهم\" التي تبدأ بها آية تحديد النظام السياسي في الرؤية الإسلامية للدولة .والنظام السياسي هو نظام ملء خانات الجهاز الذي تمثله الدولة بوصفها شكلا مجردا يتعين بمن يملئ خاناته من القيمين على جعلها تؤدي وظائفها المؤسسية في تنظيم حياة الجماعة ما يجعل الدولة صورة للعمران كما عرفها ابن خلدون. أبو يعرب المرزوقي 68 الأسماء والبيان
-- والعلامة الأساسية لهذه الاستجابة -وهي علامة وليست كافية لتحقق الاستجابة-هي اقامة الصلاة .وذلك هو المعنى الثاني الوارد في الآية 38من الشورى .فإذا وضع المبدأ وهو الاستجابة إلى الرب وحضرت العلاقة وهي إقامة الصلاة أمكن المرور إلى تعريف طبيعة نظام الحكم فأسلوب الحكم فطبيعة العلاقة بين بعدي ما تكون الدولة قيمة عليه في الجماعة أي علاقة الاقتصادي بالاجتماعي في شروط حياة الجماعة من حيث هي معمرة للأرض ومستخلفة فيها. طبيعة النظام« :أمرهم\" .فمن هم؟ إنهم الجماعة التي استجابت لربها أي قبلت بأن يكون النظام خاضعا لقوانين السياسة والاجتماع وسننهما في وجود الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها .إذن يمكن أن نكتب \"أمر الجماعة\". فإذا ترجمنا هذه العبارة إلى اللاتينية حصلنا على شكل من أشكال النظم السياسية التي كانت معلومة في زمن نزول القرآن .فأمر الجماعة لو ترجمناها إلى اللاتينية لكانت \"أمر=راس\" و\"جماعة=بوبليكا\" فيكون أمر الجماعية يعني ريبوبليك أي جمهورية. أسلوب النظام« :شورى بينهم\" من هم؟ إنهم الجماعة التي استجابت لربها وأنجزت العلاقة واختارت الجمهورية وحددت نظام تسييرها أي الشورى بينها .إنها إذن شورى بين الجماعة وليست شورى أهل الحل والعقد ولا مشورة المختصين تسدى إلى الحكام تحت جنح الظلام .إذن يمكن أن نكتب شورى الجماعة فيما بينها. فإذا ترجمنا هذه العبارة إلى اليونانية في ما كان معلوما في زمن نزول القرآن حصلنا على \"شورى=كراسيا\" وعلى \"جماعة=ديموس\" فيكون الحاصل ديموقراطية مباشرة لأن الجماعة هي التي تتشاور وليس أهل الحل والعقد .وهي تتشاور في تعيين من تنوبهم عندما تكون الجماعة كبرى ولا يمكن أن تدار الدولة بالديموقراطية المباشرة التي تصبح المستوى الأول في المحلي الذي يعين نواب الجماعة لتؤدي وظيفة الشورى في المستوى العام مع انتخاب من يرأس باسم الجماعة ككل هؤلاء الممثلين للمحليات في الشورى المباشرة. وبذلك يمكن تعريف النظام الذي يطابق قوانين السياسة والاجتماع في الرؤية القرآنية الكونية \"جمهورية ديموقراطية\" مباشرة في المحلي وتمثيلي في المركزي مع بقاء فرض العين السياسي أو أبو يعرب المرزوقي 69 الأسماء والبيان
-- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حاضرا دائما في المحلي والمركزي مرتين :في التعيين والعزل بالانتخابات وفي المراقبة الدائمة بالمعارضة التي تيسر التداول على الحكم لأن الدورية الانتخابية هي للمجازاة إيجابا بالإبقاء وسلبا بالعزل. ماذا أعني بيمين اليسار ويبقى الرهان الذي جعلني اختار تسمية القوة السياسية التي هذه مرجعيتها بكونها يمين اليسار. فالآية تنتهي بـ\"ومما رزقناهم ينفقون\" .فالإنفاق من الرزق فيه معنيان ومع تأسيس يحرر الإنسان من عبادة الملكية دون نفيها وهي نسبة الرزق إلى الله المتكلم في الآية :وفيه دلالة على أن الإنسان الذي يريده الله هو الإنسان الذي لا يصبح عبدا للملكية بل يبقى سيدا عليها فينفق منها على من يستحق وهو تقديم الاجتماعي على الاقتصادي في العلاقة بين الناس وبين الدولة والمواطنين دون أن يؤدي ذلك إلى تأميم الملكية القاتل لدوافع الإنتاج الاقتصادي .وتلك هي خاصية تقديم الدافع الاجتماعي (الإنفاق) والمحافظة على الاقتصادي (مخاطبة المالكين للرزق وتذكيرهم بأنه من الله) .فتكون القوة السياسية التي تعمل بهذه الرؤية يمين اليسار. أبعاد السياسي عامة ولنختم الفصل بذكر كل الأبعاد التي يتألف منه جهاز الدولة سواء أخذناه في شكله المجرد بمعنى الجهاز الذي يتألف من منظومة خانات خالية ويتحدد مضمونها عندما يتحدد النظام السياسي الذي يعين ما يملأ الخانات لتنتقل الدولة من كونها جهازا مجردا إلى كونها شبه كائن حي بما في خاناته من أعيان على النحو التالي: • أولا خانة المرجعية :وهي تتعين في حالتنا بكونها الإسلام. • ثانيا خانة القوى السياسية :وهي تتعين في حالتنا بكونها يمين اليسار. • ثالثا خانة الدستور السياسي :وهو يتعين في حالتنا بكونه الجمهورية الديموقراطية بالشكل الذي وصفت. • رابعا الهيئة الحاكمة والمعارضة وهي تتعين بالصورة التي وصفت أو الطريقة التي تعين بها الجماعة من يحكم ومن يعارض بالتداول تعيينا وعزلا في شكل محاسبة دورية تجاوزي أبو يعرب المرزوقي 70 الأسماء والبيان
-- وتعاقب بالانتخابات مع المراقبة الدائمة في مابين الدورات وذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض عين (آل عمران .)110-104 • خامسا وظائف الدولة التي يرعاها من اختارتهم الجماعة لقوامتها وهي عشر وظائف: .1خمس للرعاية التكوينية والتموينية. .2وخمس للحماية الداخلية والخارجية. • فأما الرعاية التكوينية فهي :تكوين الأجيال بالتربية النظامية وبالتربية في تقسيم العمل في المجتمع لإنتاج ما يسد الحاجات المادية (الاقتصاد) والروحية (الثقافة) وفيها يستكمل تكوين الإنسان بعد مرحلة التعليم أو خلالها. • وأما الرعاية التموينية فهي :الانتاج الاقتصادي والانتاج الثقافي الذي يجعل الجماعة قادرة على سد حاجاتها من تعمير الارض ومن الاستخلاف الذي هو بقاء الجماعة سيدة على نفسها لأنها ترعى ذاتها وليست متسولة كحالنا الآن. والرعاية بهذين المعنيين تكوينا وتموينا شرطها هو البحث العلمي وتطبيقاته شرط الاقتصاد والثقافة للتموين وشرط التربية والعمل للتكوين. وأما الحماية الداخلية فهي القضاء والأمن .والأول يفصل في النزاعات بين المواطنين أو بينهم وبين القيمين على الدولة والثاني ينفذ حكم القضاء .وتلك هي شرط قيام الجماعة بأدوارها مع الشعور بأن حقوقها محفوظة فلا تضطر لأخذها بيدها بل تعتبر الدولة حكما بينهم.؟ وأما الحماية الخارجية فهي الدبلوماسية والدفاع .والأولى تفصل في النزاعات بين الدول أو بينهم وبين القيمين على النظام الدولي (الأمم المتحدة في عصرنا وهي بنحو ما دولة كونية لكنها عديمة القدرة على التنفيذ لأن ذلك رهن القوى العظمى التي لها حق الفيتو) .والثاني ينفذ حكم القانون الدولي .لكنه في الحقيقة مثل القانون الوطني هو إرادة الأقوياء ولا يوجد قانون عادل غير قانون السماء .ولا أحد يعمل به. أبو يعرب المرزوقي 71 الأسماء والبيان
-- ومثلما أن للرعاية أصل هو البحث العلمي فإن للحماية أل هو البحث الاستعلامي أو المخابرات لأن الجماعات الإنسانية تشبه الفرد لا بد لها من وحي بما يجري فيها وحولها حتى يكون عملها على علم وليس خبط عشواء. ويمكن اعتبار الاستعلام والاعلام السياسيين جزءا من البحث والإعلام العلميين عامة لأنه في عمومه شرط العمل على علم سواء تعلق بما بين البشر والطبيعة من علاقات أو بما بين البشر من علاقات. انتهى البحث في مسالة الدولة الحاضنة في فصول عشرة اليوم فجر اليوم الخميس 24من اكتوبر .2019 أبو يعرب المرزوقي 72 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 73 الأسماء والبيان
Search