أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 6121722
كلما سمعت متحدثا يدعو إلى \"الإصلاح الديني\" قاصدا بالدين الإسلام أتأكد من أن المتحدث أمي في الإسلام وفي اصلاح المسيحية الذي يريد الاقتداء به.قد أطمئن لمن يريد إصلاح علوم الملة وأعمالها التي ابتعدت عن الإسلام كما تحدده مرجعيته القرآنية وتشرحه مرجعيته السنية .فقد أصبح ضرورة دون شك.لكن الكثير من اصحاب التقية يقصدون بهذه تلك :يتكلمون على إصلاح علوم الملة وممارساتها ويقصدون إصلاح القرآن والسنة نفسيهما بدعوى تحيزهما الزماني.وأطمئن لمن يتكلم على التجديد بمعنى المجدد على رأس كل قرن .وقد يكون هذا تقية وخاصة عندما يزعم أن التجديد هو الخضوع لمنطق لما يسميه \"الواقع\".ذلك أن ما يسمونه \"الواقع\" ليس ما له وقع بذاته وضمن بعدي التطور الذاتي للنظر والعمل بل ما وقته متأت من تقليد المستورد الذي صار يعتبر كونياذلك أن هذا التجديد باسم \"الواقع\" هو تقليد باسم التكيف مع ما يفرضه الأقوى لحين على الأضعف لحين لأن لم يعد يرى ما فيه من سر قوته الذاتية.أخرج هذه الحلول الثلاثة بإضافتها إلى الموقف الصريح لدعاة الإصلاح الديني المحاكي لما يسمونه الإصلاح الديني المسيحي في القرن السادس.وأدعي أن هؤلاء يجهلون خصائص الإسلام وطبيعة الإصلاح الديني المسيحي الذي ما يزال الإسلام متقدما عليه في كل ما حاول إصلاحه فأسس لعكسه النيتشوي.اتهام من نريد دحض رايه بالجهل قد يعتبر دعوى العلم المطلق .لكن القصد هو الاحتكام إلى الأمر الذي يتعلق به الأمر :الإسلام والإصلاح المسيحي. وسأبدأ من الثاني :ما الإصلاح المسيحي وما مآله؟ولن أتكلم في الأمر برأيي قبل راي أحد كبار فلاسفة الدين ومفسري حاجة المسيحية للإسلام :هيجل. 27 1
وينبغي القول أني أدعو للإصلاح الديني بمعنى إصلاح العلوم والأعمال أو السلوك النظري والعملي على علم الذين حرفا وصايا القرآن بقصد أو بغير قصد.وقد كتبت في هذا التحريف بقصد (عند الباطنية) وبغير قصد (عند السنة) في النظر وفي العمل ومن يريد أن يطلع على ذلك فهو منشور في الموقع والمدونة.وإذن فقبولي للإصلاح لا يتجاوز ذلك لأن ما عداهما هو عين الإصلاح الدائم وذلك هو سر حيوية القرآن .فدعوى إصلاح نكوص إلى التحريف باسم الإصلاح.أبدأ إذن بنص هيجل حتى نعلم أن الإصلاح لم يمس الدين من الدين المسيحي ما يعتبره القرآن تحريفا بل تعلق بفساد المؤسسة الروحية والزمانية.في الفصل الأول من القسم الثالث من الباب الرابع بعنوان الإصلاح Die Reformation .ist aus dem Verderben der Kirche herorgegangenولنكتف بهذا.سيفصل هيجل ما يقصده بكلمة الفساد في قوله \"إن الإصلاح قد خرج من فساد الكنيسة\" (خرج بمعنى مآلها كما في قول يخرج الميت من الحي والحي من الميت).والقصد أن هذا الخروج من فساد الكنيسة تطور ذاتي للكنيسة من حيث هي سلطان روحي ذي علاقة بالسلطان الزماني اي التواطؤ بين الديني والسياسي.ويضيف هيجل ان الفساد لا يتعلق بأمر عرض كما يحصل للافراد بل هو \" Das Verderben der Kirche hat sich aus ihr selbst entwillkelt, es hat ebensein Princip darin, dass das Dieses als ein Sinnliches in ihr,dass das \"Äusserliche, als ein soches, innerhalb ihrer selbst sich bebindet\"إن فساد الكنيسة نما فتطور منها نفسها ويتمثل مبدؤه في كون الـ\"هذا\" (اي العيني المشار إليه) يوجد فيها هي نفسها بما هو محسوس فيها هي ذاتها\".ويضيف أن ذلك قد آل إلى \"ظاهرية\" التدين فيصبح التدين والاعتقاد في الخرافةخاصة مرتبطين بأمر حسي تافه في أشكال متعددة :عبودية السلطة فالروح بوصفه قدأصبح خارج ذاته وغير حر ومثبت لنفسه خارج ذاته :فيتنامى حب السلطة والفساد الخلقي وكل فساد الجلافة والدناءة والنفاق والخداع. 27 2
اكتفيت بالتخليص والترجمة لأن ما يعنيني هو إحالة القارئ للنص أما يعنيني فهو بيان فيم يتكلم هيجل :فلكأنه يصف جال الدعاة ورجال الدين عندنا.هو إذن يتكلم على تطور ذاتي للمؤسسة الدينية وكيف فسدت ذاتيا والإسلام لا يحتاج للإصلاح في هذا لأنه يعلم ذلك ونبه إلى أن اكثرهم من الفاسقين.الإصلاح ليس إصلاحا للدين المسيحي بل هو إصلاح للسلطة الروحية .فمآلها هو عين ما يصفه القرآن الكريم في آل عمران تعليلا وفي الحديد 27تحليلا.الإصلاح الديني في القرن السادس والتصاقه بالمسيحية لا يتعلق بالحاجة إلى سلطة روحية بل هو ينسب فسادها إلى اختلاطها بما ينافي مبدأها الروحي. والإسلام يرفضهما: -1لا حاجة لسلطان روحي (كنسية).-2ولا يمكن فصل الديني عن الدنيوي لأن هذا شرط العمل الذي هو موضوع التقييم الديني الخلقي.وقصدي بأن الإصلاح المسيحي بهذا المعنى لم يحل المشكل ولم ينقذ المسيحية ذلك كان مآله إلى القلب النيتشوي :لا وجود إلا للدنيوي العضوي والرمزي.التحرر من الكنسية -لأن أكثر أهلها من الفاسقين بعبادة ابتدعوها من أجل السلطة-آلت إلى تأليه عيسى كما هو بين من آل عمران 79وعبادة الوسطاء.وصلح الإسلام مع الدنيا له دليلان في البداية وفي الغاية :فالبداية تتمثل في أن آدم عفا عنه ربه واجتباه ولم يترك لنا خطيئة موروثة تحتاج لشفيع.ومن باب أولى ألا يحتاج المؤمن لنائب الشفيع (الكنيسة نائبة المسيح) فالله يعلم أن هذه المؤسسة بالجوهر لا تكون إلا فاسدة .لكن النكوص أعادها. وقد عادت بشكلين مضاعفين: -في التشيع العودة صريحة وهي للفقهاء ومتصوفة الباطنية. -وفي التسنن العودة مراوغة هي لفقهاء السلطان والاختراق الصوفي. 27 3
لكن المشكل عندنا أخذ شكلا آخر أخطر :ذلك أن النظر والعمل كلاهما اصابهما فسادا من جنس آخر .فالنظر قلب آل عمران 7وفصلت 53ليؤسس لزائف العلوم.والتأسيس لزائف العلوم هدفه التأسيس لزائف العمل الذي تقوم به الكنيسة التي أعادها التشيع علنا والسنة خفية :فسلطانها مستمد من الرجم بالغيب.فيتحيلون على آل عمران 7فيدعون رسوخا في العلم يسمح لهم بعمل ما حرمته الآية وفسرته بمرض القلب وابتغاء الفتنة :دواعش قلم ينتجون دواعش سيف.ويقلبون فصلت 53وبدلا من البحث عن حقيقة القرآن في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) والأنفس (النفس وصلتها بهما) صار العلم تخريفا حول الغيبيات.فأهملوا تحقيق شروط مقومي الإنسان :الاستعمار في الأرض والاستخلاف .فكانوا سبب الانحطاط وجعل الأمة قابلة للاستعمار لأنها فاقدة لشروط القوة.وبذلك يتبين أن هيجل لا يصلح المسيحية لأنه يبقي على المؤسسة فيبقي على الشفيع (تأليه المسيح) والوسيط (الكنيسة التي تنوبه) فيبقى على التحريف.فكل مسلم يطالب بنفس الإصلاح هو في الحقيقة يطلب تمسيح الإسلام لأنه سيجعل الدين وظيفة لوسطاء ينوبون الوسيط وليس فرض عين كما في الإسلام.وبمجرد تحقيق هذا الفصل يحصل ما نراه اليوم :كنسية علنية عند الشيعة تكذب على الشعب فتدعي أنها تحكم بشرع الله وهي تحكم بسب الحرس الثوري.وكنسية سنية تبرر باسم شرع الله كل العدوان عليه باستثناء الحكام من الخضوع لشرع الله استبدادا وفسادا طمعا أو خوفا والأول أكثر من الثاني.الإصلاح لا يتعلق بالإسلام ولا خاصة بما حرر منه البشرية من تحريف أسس الكنسية والحق الإلهي في الحكم بل بالنكوص عنه إلى التحريفات التي بينها.فهو ما اعتبر من واجبي بيانه وبيان أهم تحريف حصل لتحقيق ما يشبه التمسيح عند المسلمين :تضخم العبادات وتبرير المستبدين والفاسدين (ما لقيصر).التضخم في العبادات واهمال المعاملات يناظران القسمة :ما لله وما لقيصر .وهذا تمسيح .وهو ما يقصده دعاة الإصلاح من العلمانيين :نفي تام للإسلام. 27 4
فمن كان يتكلم على إصلاح الإسلام بحسن نية ويقصد ما بينا فكلامه مقبول.لكني أعتقد أن غالبية المتكلمين على اصلاح الإسلام يقصدون هذا التمسيح. 27 5
الإصلاح الديني بالنسبة إلى الإسلام مختلف تماما عنه بالنسبة إلى المسيحية لاختلاف الداءين اللذين اصابا الدينين كان بقدر اختلاف الدينين.واختلاف الدينين هو الذي يريد محوه من يدعي حاجة الإسلام للإصلاح قياسا على إصلاح المسيحية بمعنى العودة إلى قسمة حياة الإنسان بين الله وقيصر.واعتمدت على هيجل لفهم الإصلاح المسيحي بوصفه علاجا لما حل بالمؤسسة الكنسية من فساد ذاتي جعلها وساطة تتصف بما وصفها به الإسلام والغاها بسببه.وقد أجملت معنى النص فترجمت \"فرمشكايت\" بالتعبد والحقيقة أي أنها تعني التعبد الذي يبالغ في مظاهر التقوى بصفات قبيحة ذكرها هيجل :مثل تظاهر الدعاة.وقد رأينا بوضوح أن أغلبهم تقواهم نفاق بالأساس كما تبين من مواقفهم ضد محاولة الشعوب المسلمة التحرر من الاستبداد والفساد عدوي الإسلام بالجوهر.هيجل لم يعتبر الوساطة الكنسية والحاجة إلى الشفيع (ابن الله) أمرين منافيين للدين المسيحي بل هما جوهره .وذلك هو الفرق النوعي بينه وبين الإسلام.بل أكثر من ذلك فنظرية الحكم التي يقول بها تقتضي أن يكون الملك الحاكم أشبه بصاحب الحق الإلهي في الحكم وهو يعتبر الوراثة أفضل من الانتخاب.وهو لم يقل شيئا من عنده بل وصف ما حدث فعلا في تطور الحالة الروحية الغربية بوضع فلسفة تاريخ مستندة إلى فلسفة دين إذ لا وجود لما بعد الدنيا.والروحي هو ما في الأذهان ،والمادي ما في الأعيان ،والوجود الدنيوي يجمع بينهما والتاريخ تدرج الوعي الإنساني في المصالحة بينهما والإصلاح يحققها.الإسلام إصلاح التحريفات الناتجة عن الوساطة والحاجة إلى شفيع بين الله والإنسان لأن الدين المسيحي مبني على الخطيئة الموروثةDie Erbsünde : 27 6
وكل المنادين بإصلاح الدين الإسلامي يقصدون تمسيحه حتى بعد \"الريفورم\" سلطة روحية وسيطة بين الله والإنسان مقصورة على الأذهان والأعيان لقيصر.وهو ما أريد علاجه لأني بينت أن النكوص إلى هذين الحاجتين حصل فعلا في الإسلام: الوساطة الروحية والقسمة بين الله(العبادات) وقيصر(المعاملات). وهو حصل بشكلين متقابلين: -الشيعي يقول بهما صراحة ويدعي أن قيصر تابع لله مدعيا أن الإمام يجمع بين السطلتين الروحية والدنيوية حقا إلهيا. -والسني يرفض السلطة الروحية والحق الإلهي في الحكم بالأقوال لكنه تحول إلى سلطة روحية تابعة للمتغلب فيجعل السياسي فوق الديني بالأفعال.فيكون ممثل الدين في الحالتين كاذبا :لأن دعوى غياب الوساطة في السنة كذبة لأنها وساطة مضاعفة إذ المتغلب يستعمله وسيطا روحيا مع الشعب.ودعوى جمع الإمام بين السلطتين تأسيسا للسياسية على الدينية كذبة :ظاهريا الخميني يمثل العلاقة نائبا عن الإمام بفضل الحرس الثوري :التغلب.والقرآن يبين في آل عمران أن التحريف الديني علته الحلف بين سلطتين فاسدتين: تقلبان العلاقة بين بعدي الوجود بالأفعال وتغطيان عنها بالأقوال. وهذا هو النفاق الأكبر :الدين والأخلاق يصبحان أداتي تبرير وليسا أداتي تنوير. يغطيان عن الاستبداد والفساد ولا يقاومانهما كما هو واجب وظيفتهما.إنها الظاهرة التي أريد فهم علاجها بالقرآن :فهو لم يكتف بكونه الاصلاح الديني في كل دين فهو عين هذا الإصلاح الدائم بفلسفة دين وفلسفة تاريخ.ويوحد الفلسفتين لعلاقة بين بعدي الوجود الإنساني (مستعمر في الأرض ومستخلف فيها) وصلتهما بتجلي حقيقة القرآن في الآفاق والأنفس استراتيجية لتحقيقها.وبهذا المعنى فيمكن رد العلاج إلى آيتين هما الحرز الذي يحول دون التحريف عندما لا يحرفان وهما علة التحريف عندما يغيب دورهما الحارز لدور الإنسان. 27 7
واقصد بالحرز هنا ما يحول دون وجود السلطتين المتوسطتين بين المؤمن وربه في رزقه الروحي (الدين) وفي رزقه المادي (السياسة) :تبعية لسلطة فوقه.فالفرد الإنسان يحاسب فرديا -يأتي ربه فردا-وإذن فلا بد من أن يكون المسؤول المباشر عن رزقه الروحي وعن رزقه المادي دون وساطة روحية وسياسية.وبهذا المعنى فالإمام السياسي مثل إمام الصلاة في السنة :أي مسلم إمام ممكن إذا رضي به المصلون حقا للجميع ولا يعين فيه فرد إلا بإرادة الجماعة.والأهلية المعرفية والخلقية مشروطة في الإمام للصلاة وللحكم شرطين لأداء الوظيفة وشرطين للإيمان مؤيدين بشرطين في الجماعة تشاركيا (العصر).فالمؤمن الغني عن الوساطتين لا بد فيه من خمسة شروط حددتها سورة العصر :أن يعي وضع الخسر وأن يتحرر منه بأربعة أفعال :اثنان خاصين واثنان مشتركين للجماعة. فلا بد أن: .1يؤمن .2ويعمل صالحا (وهذان فعلان خاصان لا يمكن أن يشاركه فيهما أحد) وأن ينتسب إلى جماعة .3فيتواصى بالحق .4ويتواصى بالصبر معهم.فالإيمان والتواصي بالحق شرطان معرفيان للنظر خاصة والعمل الصالح والتواصي بالصبر شرطان خلقيان للعمل خاصة .وكل منهما يتضمن شيئا من الثاني.بهذا استغنى الإسلام عن علل التحريف في الأديان :سلطة الوساطة الروحية وسلطة الوساطة السياسية وتحالفهما المولد للاستبداد والفساد في التاريخ.والتحريف وعلله هو الخسر الذي لا يخرج منه الإنسان إ ّلا بالأفعال الخمسة :الوعي بالخسر ثم الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.واستعادة هذين السلطتين تأسس على استعادة التحريف من جديد وذلك بغصب دلالة آل عمران(7التأويل) وفصلت( 53النصوص) أصلا للعلوم والأعمال الزائفة. 27 8
وسأبدأ بتحريف الآية السابعة من آل عمران :وقع بين يدي كتاب مؤخرا أهدانيه محققه ا.د .رجب شنتورك لمنتخبات الميراني من أعمال الإمام السرهندي.وفيه سر كل العلوم والأعمال الزائفة الناتجة عن تجاوز ما نبهت إليه الآية باسم الرسوخ في العلم العقلي كلاما وفلسفة والعلم اللدني تصوفا وولاية.يقول\" :أيها الأخ إن الله سبحانه قسم كتابه المجيد على قسمين :محكمات ومتشابهات.فالقسم الأول منشأ لعلم الشرائع والاحكام والقسم الثاني مخزن علم الحقائق والأسرار.وما ورد في القرآن أوفي الحديث من اليد والوجه والقدم والأصابع والأنامل كلها منالمتشابهات وكذا مقطعات الحروف الواردة في أوائل السور القرآنية أيضا من المتشابهاتالتي لم يطلع عليها إلا العلماء الراسخون\" (ص 250.المختارات ط 3.في )2016 والسرهندي من المعتدلين.حدد المتشابه وحدد الرسوخ في العلم .واعتبر الأول موضوع الثاني .وذلك مخالف لنص الآية تمام المخالفة مهما تفنن فقهاء اللسان في قراءتها لغويا.فهنا عطفنا الراسخون في العلم على الله في تأويل المتشابه تسليما جدليا منافيا للنحو العربي فإن بداية الآية تجعل هذا الفهم مستحيلا :مرض وفتنة.ضم الراسخين إلى الله في التأويل يعني استثناءهم من مرض القلوب وابتغاء الفتنة. فهل رفعهم فوق البشر الآخرين خاصية غير الرسوخ المكتسب في العلم؟إذا كان الرسوخ غير المكتسب فهذا يستغني العلم العادي (الكلام والفلسفة والفقه إلخ )..فلا يبقى إلّا الكشف أو العلم اللدني .وذلك هو قصده.إذا كان أصحاب الكشف منزهين عن مرض القلوب وابتغاء الفتنة بالرياضة فهل هذا يمكنهم من علم الغيب؟ فقد عرف المتشابه بالصفات والحروف المقطعة.الرسوخ في العلم هو اللدنية الصوفية وهو بهذا المعنى فوق علم النبي الذي لم يدع علم الغيب .تعريف المتشابه وقابليته للتأويل هو مصدر التحريف. 27 9
وهنا يأتي دور الآية الثانية :فصلت .53فلا يمكن الجرأة على الآية 7من آل عمران من دون قلب للآية 53من فصلت .فقلبها أنتج كل العلوم الزائفة.وقراءتها دون قلب وجهة البحث العلمي الذي تنصح به هو الذي يجعل موضوع المعرفة المتشابه وحصر المحكم في الشرعيات والأحكام كما يزعم السرهندي.فهذه الآية تميز بين المحكم والمتشابه بما توجه إليه البحث لمعرفة حقيقة القرآن: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.فيكون المحكم ما يتعلق بآيات الله في الآفاق وفي الأنفس ويكون المتشابه ما عداه أي موضوع العلوم الزائفة التي يدعي أصحابها الرسوخ في العلم.والآفاق والأنفس هي عالم الشهادة أي الطبيعة والتاريخ في الأعيان وفي الأذهان (الأنفس) أما الغيب فهو ما وراء الشاهد وهو المتشابه القرآني.الآية 53فصلت تميز بين عالم الشهادة موضوعا للعلم الذي يعلم حقيقة القرآن برؤية آيات الله في العالم طبيعيه وتاريخيه في الأعيان وفي الأذهان.أما تفسير نص القرآن بقيس الغيب على الشهادة اساسا للتأويل ظنا أن نسبة الغيب إلى الشهادة هي نسبة الغائب إلى الشاهد فهو مصدر العلوم الزائفة.وهذا هو ما أعنيه بقلب وجهة الآية فصلت 53أساسا للجرأة على الآية آل عمران 7بالعلم اللدني الذي يتجاوز الأنبياء مع دعوى وراثة هذا العلم عنهم.فصار الوارث يدعي وراثة ما لم يدعه الموروث :الراسخ في العلم يرث من النبي علما لم يدعه :علم الغيب .فما يتجاوز الشاهد بالقياس عليه نفي للتجاوز.وهذا العلم الزائف هو الذي يؤسس للوساطة :إذا كان بعض البشر يتميز بصفات لم يدعها حتى الأنبياء فهم سيكون وسطاء بين المؤمن وربه أكثر من الرسول.فالرسول لم يدع وساطة بل هو مجرد مبلغ ومذكر ولا يستطيع شيئا لاحد بدليل ما قاله عن عمه .أما الأولياء فصاروا شفعاء كنسي بالكذب على الرسول.يدعون أنهم ورثة الأنبياء .وليس للأنبياء غير التبليغ والتذكير بما ينسى مما هو مكتوب في الفطرة .وكل ما عدا ذلك كذب على النبي بادعاء ما لم يدعه. 27 10
وحتى في التبليغ والتذكير يستدل الرسول بمعنى أنه يجعل المخاطب حكما على مضمون الرسالة فلا يصدق إلا بالمشاركة في البحث عن الحقيقة بنفسه.واستدلال الرسول مبني على أدلة مستمدة من نظام الآفاق والأنفس ويوجه المخاطبين لطلب حقيقة القرآن في آيات الله في الآفاق والأنفس لا في خطابه.ولهذه العلة كان القرآن غنيا عن المعجزات لأن من يستدل بالنظام لا يمكن أن يعتمد على الاقناع بما يخرقه .فالمعجزات للتخويف وليست للاقتناع الحر.وزبدة القول إن تعريف المتشابه ودعوى قابليته للتأويل من الراسخين في العلم هو الأساس النظري الذي يبني عليه أصحاب العلوم الزائفة الوساطتين.فالراسخون في العلم وسطاء بين المؤمن وربه في رزقه الروحي سلطة تحتاج إليها الوساطة السياسية بين المؤمن ورزقه المادي :سلطانان مستبدان وفاسدان.والسلطانان الفاسدان يتحالفان فيجعلان الدين خادما للدنيا ليس برفعها قيميا عن الإخلاد إليها بل بالتغطية عنه وإلغاء وظيفة التحرير والتنوير. 27 11
ما المقصود بالعلوم الزائفة التي تحرف الدين فتزيل دوره التحريري والتنويري وتعوضه بالوساطة التي تحول التربية إلى مرض القلوب وابتغاء الفتن؟نحتاج لإصلاح التربية وليس الإسلام .فهو إصلاح بالجوهر لأنه أزال علل التحريف المؤسس لسلطتي الوساطة في الرزق الروحي والمادي (الدين والسياسة). والتربية لها حدان: -نظري (ويتعلق بشروط المعرفة) -وعملي (ويتعلق بشروط الأخلاق) -وبينهما حد اوسط (حرية الفرد ومسؤوليته) -ووصلتين :الحق والخير.والحق يصل النظر بحرية الفرد ومسؤوليته والخير يصل العمل بهما ليكون قادرا على تعمير الأرض بوصفه مستعمرا فيها خليفة مقومين لذاته الحرة والمسؤولة.فتكون استراتيجية التربية التي يحددها القرآن لتجنب ما يترتب على الوساطة الروحية والسياسية من أدواء هي توجيه فصلت 53وشروط العصر لتجنب الخسر.وتحقيق هذه الاستراتيجية يجعل كل القيم مردودة إلى الجميل وصفا لسلوك الإنسان (صبر جميل مثلا) والجليل وصفا \"لسلوك\" الله :فتكتمل منظومة القيم. منظومة القيم القرآنية خمسة وليست ثلاثا: .1الحق(للنظر) .2والخير(للعمل) .3والحرية (تشوفا لما بعدها وشرطا لما قبلها) .4والجمال (كمال المعنى) .5والجلال (سر الوجود) 27 12
ومن دون معادلة هذه القيم لا يمكن فهم تعريف الإنسان بكونه مكرما باستعماره في الأرض وبالاستخلاف فيها رغم العلم بأنه قد يفسد فيها ويسفك الدماء.والحرية في المنظومة القيمية هي شرط العلم والعمل المختار لا المضطر لتجنب الفساد في الأرض وسفك الدماء .لكنها مشروطة بالاشرئباب للجمال والجلال.لا شيء أبشع من العالم لولا التشوف الإنساني للجمال والجلال فهما جوهر ما يترتب على الإيمان بذات هذه صفاتها مع الاطلاق في قيوميته :الله.فالإسلام يعتبر الوجود الإنساني استعمارا في العالم بالعلم والعمل أداتين لتعميره أو لتدميره .والتعمير يكون بالاشرئباب للجمال والجلال المطلقين.وهما مطلقان في ذات الله ومنها يشعان على العالم فيخرج من البشاعة ويتصف بالجمال والجلال والعلم والعمل ويكتشفان أثرهما في آيات الآفاق والأنفس.آيات الله في الآفاق والأنفس يطلبها العلم والعمل بالعلم والأخلاق في قوانين النظام الطبيعي (رياضي) والتاريخي (خلقي) في الأعيان وفي الأذهان.لا شيء أبشع من العالم إذا خلا من هذا الاشرئباب إلى الجمال والجلال ومحاولة الإنسان المكرم والحر اضفاءهما بطلب النظام وراء هذه البشاعة.والنظام الذي يمثل الجمال وراء العالم ويضفي عليه المعنى رياضي بالجوهر والنظام الذي يمثل الجلال وراءه خلقي بالجوهر :الإسلام أو تمام الدين.فلنقل للتيسير إن الطبيعة ذات نظام رياضي (كل شيء خلقناه بقدر) والتاريخ ذو نظام خلقي (سنن لا تتبدل ولا تتحول) :فلسفة القرآن الطبيعية والتاريخية.ورغم قولي بفلسفة القرآن الطبيعية والتاريخية فإني لا أقول بالإعجاز العلمي :حدد طبيعة النظامين وترك لنا البحث عن قوانينهما الجزئية والعمل بها.فالقول بالإعجاز العلمي هو من صنف العلوم الزائفة :لن نجد في القرآن ما يقول لنا إنه موجود خارجه في الآفاق والأنفس وعلينا طلبه لمعرفة حقيقته.أصحاب القول بالإعجاز العلمي قلبوا فصلت :53هي تقول إن حقيقة القرآن فيما يرينه الله من آيات الآفاق والأنفس وهم يطلبونها من ألفاظ القرآن. 27 13
يكذبون على القرآن وعلى العلم :فهذا تاريخي بالجوهر لتغيره بحسب ما نحققه من فرضيات تؤيدها التجربة .والقرآن مطلق الحقيقة .التأويلات رجم بالغيب.خصصت لعلوم الملة الأربعة وأساسها مجموعة من المقالات بينت أنها جميعا علوم زائفة لأنها عكست الآية 53من فصلت وتجرأت على الآية 7من آل عمران.لكني لا أقتصر على هذا التعليل الذي قد يظن دينيا لأنه يحتج بآيتين .تعليلي الفلسفي هو أن هذه العلوم الزائفة حالت دون تحقيق شرطي قيام الإنسان.فهي لا تحقق شروط الاستعمار في الأرض وهي لا تحققها لتجعله أهلا للاستخلاف بمعنى تحقيق غاية الاشرئباب للجمال والجلال في حياة الفرد والجماعة. والعلوم صنفان: -النظرية أي الكلام والفلسفة (الميتافيزيقا) -والعملية أي الفقه والتصوف. -والأصل هو التفسير الذي هو علم أصولها جميعا إيجابا وسلبا.وما أقصده بالأصل الإيجابي أي جعله بنصه دون فصل بين ظاهره وباطنه مرجعية الكلام والفقه .وأقصد بالأصل السلبي جعله ظاهر من مرجعية باطنية وراءه.وهذا يعني أن المقابلة بين الفقه والتصوف أو بين الشريعة والحقيقة هي بين مرجعية قرآنية فعلية وبين تقية باطنية تخفي مرجعية يعتبر القرآن ظاهرها.وكلاهما يضطر لذلك بسبب قلب دلالة فصلت 53والجرأة على آل عمران .7والعلة عدم تحررهم من القول بالمطابقة وإطلاق علمهم بقيس الغيب على الشهادة.الكلام على قلب فصلت 53والجرأة على آل عمران 7تعليل ديني نحتاج إليه لأننا نتكلم على علوم الملة .لكن التعليل الفلسفي هو فساد نظرية المعرفة.والواصل بين التعليلين الديني والفلسفي هو الوهم المضاعف الناتج عن القول بنظرية معرفة يتطابق فيها العلم والوجود :علم الشيء على ما هو عليه حقا.فعلم الشيء على ما هو عليه حقا ممتنع على أي علم غير علم الله :فعلم الشيء على ما هو عليه يعني علم الوجود كله لأن كل شيء حصيلة لكل الأشياء فيه. 27 14
ولذلك فالقول بنظرية المطابقة بين علمنا والوجود تفترض وهمين: .1أن الوجود شفاف بإطلاق ومن ثم فلا يوجد غيب فيه .2أن علقنا مطلق يحيط به تماماوإدراك حقيقة هذين الوهمين هو ما تتميز به فلسفة من سميتهم فلاسفة المدرسة النقدية (الغزالي قبل الانتكاسة) وابن تيمية وابن خلدون الأصرح فالأصرح.ولأورد نص ابن خلدون\" :وأما قولهم إن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هيعليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أنالوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاطبه أو يستوفي إدراكه بجملته روحانيا أو جسمانيا\" (المقدمة الباب 6الفصل 31في إبطالالفلسفة-الميتافيزيقا -وفساد منتحلها).والتفاضل بين العلم والوجود رآه ابن تيمية بعينأخرى ،فعنده أن كل تصور يمكن أن يليه ما لا يتناهى من التصورات المتفاضلة في إدراك الموجود بغير غاية وكل دعوى المطابقة يجعل الإنسان مقياس كل شيء.فتكون نظرية الحقيقة المطابقة مجرد قول بأساس السفسطائية :الإنسان مقياس كل شيء .لكنه بصورة ساذجة لأن السفسطة لا تقول بالمطابقة بل تنفيها.القول بالمطابقة سفسطائية ساذجة تعتبر العقل مرآة تعكس الوجود كما هو عليه وكل العلوم الزائفة تدعي المطابقة المطلقة الممتنعة على الإنسان.وقد يستغرب الكثير من اعتبار الفلسفة من علوم الملة :لكني لا أتكلم على الفلسفة عامة بل على فلسفة حضارة الإسلام والمسيحية في القرون الوسطى.فكلتاهما تعتبران النص الديني ظاهر النص الفلسفي (في الغالب علم أرسطو أو أفلاطون) .ففلسفتهم تقية أو حقيقة اعتبار الأول ظاهر باطنه الثاني.هي إذن مواجهة بين نصين مع مضمون طبيعي وتاريخي غفل لأنه مبني على ملاحظات مما يسمى واقع بإدراك شبه عامي لعموميات تتعلق بها وتعمم بلا نقد.فكلها أو ينحصر تفسيره الظاهرات بتأثير مجهول الطبيعة شبه سحري لنفوس وعقول سماوية باستعارة من علاقات البشر وممارساتهم الصناعية :الهيلومورفية 27 15
فيتبين أني لم أظلم الفلسفة عندما ضممتها إلى علوم الملة (عندنا وعند المسيحيين واليهود في القرون الوسطى) :تناظر نصين بعلم لا يتجاوز الكلام.ولذلك فهي قد كانت معيقة للعلم مثلها مثل الكلام بل أكثر لأن الكلام استمد منها نفس النموذج المعرفي وبالغ في التقية مدعيا عن الدين بالعقل.وما جعلني أصبح عدوا لكل من يزعم العقلانية من نخبنا هو ظنهم أن تهافت الفلاسفة الذي هو بداية التفلسف الحقيقي ليس فلسفيا بل هو قتل للفلسفة.لما كتبت رسالة الإجازة في الفلسفة حول مفهوم السببية عند الغزالي (بالفرنسية) في السوربون أخرجت من ملة الفلاسفة :كيف أفضل الغزالي على ابن رشد.ولما كتبت عن ابن تيمية وثورته الفلسفية التي تجاوزت الفلسفة القديمة والوسيطة اعتبرت رجعيا لأن أنسب ثورة لرجل صار رمزها لدى اميي الحداثة.واعترف أني إلى الآن لا أفهم كيف يمكن لمن يفهم في الفلسفة الحديثة أن ينسب العقلانية للمعتزلة أو لابن رشد؟ سذاجة مدح العقل ليست عقلانية.العقل النقدي (الغزالي في بداياته قبل أن ينكص إلى ميتافيزيقا الافلاطونية المحدثة وابن تيمية وابن خلدون) لا يفهمه قروسطيون حداثتهم شعارية.وليعلم أي حداثي أن خرافة اليسار الأرسطي قياسا على اليسار الهيجلي (قراءة ماركسية للعلاقة بين الغزالي وابن رشد) إيديولوجيا وليست علما موثوقا. 27 16
وهكذا فبقلب دلالة فصلت 53والجرأة على آل عمران 7نشأت كل العلوم الزائفة النظرية (الفلسفة والكلام) والعملية (التصوف والفقه) بتأصيل قرآني وسني.والتأصيل يضاعف هذه العلوم لأنها تلتفت إلى المرجعية وإلى الموضوع إيجابا وسلبا غالبا من خلال تناظر بين نصين أحدهما يعتبر ظاهرا والثاني باطنا.وحتى الكلام السني فإنه برد المنقول إلى المعقول لكأنه يعتبر الأول ظاهرا والثاني باطنا بمنهج التأويل وبقيس الغائب على الشاهد سذاجة معرفية.والمعقول المزعوم لاستناده إلى القول بنظرية المعرفة المطابقة (على ما هو عليه) فهم يزعمونه مطابقا لما يسمونه الواقع أو الوجود الخارجي.فالمعقول هو توهم المعرفة التي يسمونها عقلية انعكاسا للوجود على العقل كأنه مرآة فيعمم أحكامه بقياس الغائب على الشاهد تحريفا لوظيفة المنطق.فيقع الخلط الاستدلالي الصوري بمتغيرات هي خانات خالية إلى الاستدلال المضمون الذي يملأ هذه الخانات دون تأسيس لما يمكن تسميته بالمنطق المتعالي. فما بين التحليلات الأوائل والتحليلات الأواخر يوجد أمران: .1تأسيس تعويض المتغيرات بقيم لملئها بمضمون وجودي .2البلوغ إلى هذه القيم الموضوعيةوالأول يفترض أن قوانين المنطق مطابقة لقوانين الموجود والثاني يفترض أن للعقل نفاذا إلى المعطيات المضمونية من طبيعة مختلفة عن العلاج المنطقي.واضطر كنط لوضع المنطق المتعالي لعلاجهما واضطر أرسطو لاعتبار مبادئ المنطق مبادي وجودية في الميتافيزيقا وإلى أمرين آخرين في التحليلات الثواني.وما اضطر إليه في التحليلات الثواني هو ضرورة قطع التسلسل والدور بداية لتحديد نظام(البرهان) وإلى الحدس الماهوي غاية لتحديد حدوده (الحد). 27 17
وهذه الأمور الأربعة تؤسس لنظرية المعرفة المطابقة وتتأسس عليها وهي تساعد على تنظيم الخطاب حول حقائق المعرفة العلمية ولا تسهم في اكتشافها.فاكتشاف المعرفة العلمية مشروط بإبداعين مختلفين تماما عن المنطق الذي هو مجرد أداة للمحافظة على وحدة المضمون المنقول من المقدمة إلى النتيجة.والمنطق ينقل النقيض من النتيجة إلى المقدمة إذا اعتبرنا المقدمة مقدما والنتيجة تاليا لأن نقيض التالي ينتج نتيجة المقدم .لا دخل له في المضمون.والأمران إبداعان خالصان افتراضيان يبدع شكلا متخيلا تقاس عليه بنية متخيلة للموضوع مضمونا بمبدأ التشاكل بينهما فيعد علما إذا أيدته التجربة.إبداع شكل مجرد بلا مضمون وجودي هو ما يسميه ابن تيمية \"المقدر الذهني\" وفيه دون سواه يمكن للعقل أن يدعي الضرورة المنطقية والمعرفة البرهانية.والبحث عن بنية الموضوع المتخيلة التي تشاكل هذه المقدرة الذهنية يمكن من الاستدلال في الشكل وكأنه استدلال في المضمون المعوض لمتغيرات المقدر.لكن لا وجود لمطابقة تامة بين الشكل المبدع والمضمون المبدع حتى لو أيدته التجربة لأنها لا تؤيده بصورة ضرورية وبرهانية :تلك هي ثورة ابن تيمية.ذلك ما يهمله المتكلمون والفلاسفة في عصره :عقلانية غفلة تخلط بين شكل الكلام على المعرفة والمعرفة العلمية التي تحاول الامساك بمضمون الموضوع.وبهذه الغفلة عن نقد مفروضاتهم يبني المتكلمون والفلاسفة معرفة أساسها المواجهة بين نصين يزعمون أحدهما نقلا بلا عقل والثاني عقلا بلا نقل.لذلك تكلم ابن تيمية عن \"صريح المعقول\" بمعنى خالصه وليس بمعنى غير الضمني وهو ليس بعد علما بل يصبح علما إذا كان فيه منقول تجريبي هو مضمونه.ذلك أن العلم العقلي له مضمون نقلي حتما (معطيات الموضوع سواء كان تجريبيا حسيا أو فرضيا عقليا) والعلم النقلي له شكل عقلي حتما (شكل المعطيات).وكلاهما إبداع أولهما لمقدرات ذهنية والثاني لبنية متخيلة للموضوع والعلم هو التشاكل النسبي دائما بينهما بسبب الاحتكام إلى معطيات التجربة. 27 18
لكن عملية قلب فصلت 53تلغي كل إمكانية للاحتكام إلى معطيات التجربة ومنهج التشاكل بين المقدرات الذهنية والمعطيات الخارجية فيكون العلم زائفا.وهم يقدمون على ذلك لأنهم بدعوى الرسوخ في العلم يجعلون المتشابه موضوع معرفة نفيا للغيب وطردا لمبدأ قياس الغائب على الشاهد رغم عدم شهوده.وأنا شبه متأكد من أن نسبة هذه الثورة لابن تيمية وابن خلدون من بعده لن يصدقها أحد من ادعياء الحداثة فهم ما يزالون في مستوى \"عقلانية\" ابن رشد.واقصى ما يمكن أن يفهموه هو المناظرة الخارجية بين نصين ظنا أن الديني مجرد إيديولوجي للعامة وأن العلم انعكاس للواقع على مرآة العقل المزعوم.وتلك هي السذاجة التي تحرر منها ابن تيمية وابن خلدون وحاول قبلهما الغزالي فلم يفلح رغم أنه مهد الطريق ووضع المفهوم الحد \"طور ما وراء العقل\".وعلى هذا الأساس الواهي قلبا لفصلت 53وجرأة على آل عمران 7بنيت العلوم العملية (الفقه والتصوف) ومرجعيتهما التفسيرية للقرآن والسنة إيجابا وسلبا.فالفقه يدعي البناء الإيجابي على القرآن والسنة والتصوف سلبا بمقتضى المقابلة بين الرسوم والحقائق وبين الظاهر والباطن :بالجرأة على آل عمران .7 كيف كان الفقه والتصوف يكونان لو طبقا فصلت 53ولم يجرآ على آل عمران 7؟ فكلاهما يتعلقان بسلوك الإنسان فردا وجماعة مستعمرا ومستخلفا في الأرض.فالإنسان الفرد والجماعة كلاهما ذو كيان مضاعف :طبيعي وخلقي إذ هو ذو قيام عضوي وروحي .وكل فصل بين هذين البعدين من قيامه مناف لفصلت وآل عمران.ففصلت تجعل مناط الفقهي والصوفي وصورتهما القرآنية لا يعلمان من النص بل من كيانه العضوي-الروحي والاجتماعي السياسي معلومهما الشاهد دون غيبهما.واستنادا إلى ذلك اكتشف ابن خلدون علمه الجديد فسماه باعتبار هذين الوجهين: العمران البشري للحاجات المادية والاجتماع الإنساني للحاجات الروحية.ولهذه العلة كان علمه في آن مؤلفا من وجهين من الجماعة بحسب وجهين من الفرد والجماعة :فهي مستعمرة في الأرض (عمران) ومستخلفة فيها (اجتماع). 27 19
فقابل بين العمران والاجتماع رتبتين في قيام الإنسان ووازاهما بالبشري والإنساني. ويغلب على الأول القانون الطبيعي وعلى الثاني القانون الخلقي.والأول يفهم بالآفاق (الطبيعة والتاريخ في الأعيان) والثاني بالأنفس (الطبيعة والتاريخ في الأذهان) :انثروبولوجيا مشدودة إلى ما دونها وما فوقها.وما دونها القانون الطبيعي وما فوقها القانون الخلقي :نظام العالم وشرع الله .والفرد والجماعة في صلة كونية بهما دون وساطة سلطة روحية وسياسية.فالفرد يؤمن ويعمل صالحا والجماعة تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر وكل الأنظمة الضرورية لذلك تنبع من الفرد والجماعة وجودا وعدما لأن الأمر أمرهما.وذلك هو مضمون الشورى :38فالأمر أمر الجماعة وهي تديره بالشورى .والجماعة هي المستجيبة للرب والأمر حكم ذو وظيفة اجتماعية :الإنفاق من الرزق.ووجوه الإنفاق تحدده الآية 177من البقرة ضمن الصوغ الاتم للعقيدة وتحديد منزلة الفروض الدينية العقدية والشرعية :ليس البر ...بل البر ...لكن ما حصل بسبب قلب فصلت والجرأة على آل عمران هو العكس تماما :ضخمت العبادات وأهملت المعاملات وخاصة أصلها :التحرير والتنوير بالتربية والحكم.وهذا هو أهم مشغل في المقدمة :فالتربية والحكم المستبدين والفاسدين يفسدان معاني الإنسانية في الفرد والجماعة فتزول فائدة الفقه والتصوف أصلا.لن أطيل الكلام على العمل (الفقه والتصوف) فقد خصصت للفقه عدة محاولات لعل أهمها حواري مع الشيخ البوطي حول أزمة أصول الفقه وتعليقات لاحقة.كما لا أريد قول المزيد أكثر مما قلت في التصوف .لكني اعتقد أنهما يحولان دون شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها بعلم زائف يفسدهما.والمقدمة وشفاء السائل محاولتان خلدونيتان لعلاج ما حل بهما من فساد .كما أن الغزالي بالإحياء حاول نقد الفقهاء بالتصوف فجمع بين المرضين.ذلك أن الكلام على إحياء علوم الدين عديم الفائدة إذا لم يقدم عليه علوم شرط الدين أي علوم الدنيا :فهذه للاستعمار في الأرض وتلك للاستخلاف. 27 20
والاستخلاف هو أن يكون الاستعمار مؤهلا للإنسان حتى يكون جديرا بأن يكون خليفة الله في الارض محققا لما كلف به بأخلاق القرآن :فأين نحن من ذلك.فما غلب على الفقه هو ما جعله قابلا لتوظيف الدين خدمة لحاكم الأرض وتجاهلا لحاكم السماء بتحريف شرعه والتصوف بالتخدير الخرافي والخضوع للوسيط. 27 21
بينا أن علوم الملة الأربعة زيفت بسبب تأصيلها المقلوب موجبا كان أو سالبا في القرآن والسنة :أصول الفقه وأصول التصوف وأصول الكلام واصول الفلسفة.والتأصيل الموجب على الأقل في الأقوال هو ما يميز الفقه والكلام .والتأسيس السالب في الأفعال هو ما يميز التصوف والفلسفة مقابلة بين ظاهر وباطن.أطنبت في شرح القصد بقلب دلالة فصلت 53والجرأة على آل عمران 7وبينت أن القلب تمثل في طلب حقيقة القرآن في نصه وليس في الآفاق والأنفس موضوعه.لذلك فبدلا من البحث في عالم الشهادة تجرأوا على آل عمران 7ليبحثوا في عالم الغيب المحجوب بدعوى الرسوخ في العلم مضاهاة للرب القادر في التأويل.ولا زلت عاجزا عن فهم هذه الجرأة ولم أجد لها تفسيرا غير العامل الابستيمولوجي المتمثل في نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة وحصر الوجود في الإدراك.فأي عالم بالعربية يفهم أن الواو للاستئناف وليست للعطف .وهبه تعسف فكيف يفهم حينها {يقُو ُلو َن آ َمنَّا ِب ِه ُك ّل ِمّنْ عِن ِد َربِّ َنا}؟أليس ذلك دليلا قاطعا على التسليم بالعجز عن التأويل الذي هو مقصور على الله دون سواه؟ وكل محاولة لتأويل المتشابه دليل مرض قلب وابتغاء فتنة؟ولا يكفي أن أدعي ذلك بل فلأثبته بطبيعة علاقة هذه العلوم الزائفة بعضها بالبعض ثم بما نتج عنها من آثار مدمرة على الحضارة الإسلامية وما تزال.فبين الفقه والتصوف نشأت مقابلة بين الشريعة والحقيقة وبين القانون والأخلاق .فصل الفقه عن الأخلاق والحقيقة ،وفصل التصوف عن القانون والشريعة.والنتيجة الفساد المطلق في فلسفة العمل وبات الفقه للتحيل السياسي والتصوف للتحيل الروحي :ونشأت كنسية برأسين لخدمة سلطان الاخلاد إلى الأرض. 27 22
أصبحت السياسة خاضعة للقوى الطبيعية بإطلاق وأصبحت الأخلاق خاضعة للنفاق الصوفي الذي يستعبد الأرواح بدل تحريرها الذي من أجله جاء التذكير.يعلم الله أن قلبي يعتصر لكني لم أعد أستطيع السكوت عما توصلت إليه خلال شروعي في تفسير القرآن الكريم :فهذا التحريف هو سلاح الثورة المضادة.فالفقه الذي يريده القرآن أساسه فلسفة سياسية لتحرير البشر في تعاملاتهم التي ينظمها قانون أساسه خلقي وعادل في نظام سياسي السلطان فيه للأمة.والزهد الذي يريده القرآن أساسه سياسة الذات بنفس هذه القيم في جماعة العناية بالشأن العام فيها فرض عين فيتطابق مع الفقه الذي يريده القرآن.وبدلا من أن يكون الفقه كما يريده القرآن تحول إلى منظومة الحيل التي تبرر الموجود وتغطي عن تناقضه مع المنشود القرآني حتى أصبح مشرعا للتغلب.والزهد بدلا من التحرر مما يستعبد الإنسان لئلا يخلد إلى الأرض صار تغييبا لفرض العين في رعاية الشأن العام وعبودية مطلقة لكنيسة الصوفية.ولم يكن ذلك في الحالتين مسألة إرادة أفراد أو سوء قصد منهم -باستثناء الباطنية -بل هو نتيجة حتمية وغير واعية بسبب القلب والجرأة المشار إليهما.فهذا التحريف مقصود في فكر الباطنية وهو لدى غيرهم من علماء الإسلام ثمرة عدوى الباطنية :ولهذه العلة قاومت المدرسة النقدية بشدة هذا التحريف.يخطئ من يتصور مقاومة المدرسة النقدية للكلام والفلسفة والتصوف رفضا للعقل كما يزعم ادعياء الحداثة :فهم يقاومون علوم الباطنية المزيفة للعلوم.وكلما اردت أن أشاهد مسرحيات هزلية قرأت لعلماني أو حداثي يتكلم على عقلانية الاعتزال والرشدية وعلى عمق التصوف وخاصة لدى أدعياء الشعر الحديث.فمن علل كتابتي للشعر المطلق والأعجاز القرآني .فلا أحد من النظامين الجدد يفهم معنى الشعر الذي لم يعد قانون :أجمل الشعر أكذبه بل أسماه أصدقه.ونفس ما وصفت في العلاقة التقابلية بين الفقه والتصوف ونتيجتها يصح على العلاقة التقابلية بين الكلام والفلسفة ونتيجتها لكن بين الإيمان والعلم. 27 23
ما حصل بين القانون والأخلاق وبين الشريعة والحقيقة فأفسد الفلسفة العملية في حضارتنا ،حصل بين العلم والإيمان فأفسد الفلسفة النظرية فيها كذلك.لم يبق الإيمان تجاوزا للعلم دون نفيه بل صار معارضا له ولم يبق العلم وعيا بحدوده لا يستقر إلا بالإيمان بسبب صراع المتكلم والفيلسوف في النظر. فتناظر الصراعان: .1بين الفقيه والمتصوف فأفسد فلسفة العمل. .2بين المتكلم والفيلسوف فأفسد فلسفة النظر والنتيجة فقدنا شروط القيام المستقل.ومن فقد شروط القيام المستقل لا يمكن أن يكون عابدا لربه بل هو يصبح عابدا للمتكم في شروط قيامه فيصير عبدا لعبد :وهذا هو جوهر التحريف الديني.كل المسلمين اليوم أفرادا وجماعات عبيد لعباد وليسوا عبدة لله :فمن تكون جماعته عاجزة عن حماية ذاتها ورعايتها يصبح عبدا لمن يحميه ويرعاه.والعلة أن الأمة بسبب هذه العلوم الزائفة أصبحت عديمة الفاعلية المشروطة في استعمارها في الأرض وأهلية الاستخلاف فيها :دولها محميات بلا سيادة.فالسيادة نتيجة لفلسفة العمل وفلسفة النظر شرطين للفرد والجماعة القادرين على تعمير الأرض بقيم تؤهلها للاستخلاف الذي لا يستأهله إلا الأحرار.ولينظر القارئ من حوله وسيجد أن جل الفقهاء وكل المتصوفة وجل المتكلمين وكل الفلاسفة في لحظتنا هم مع الاستبداد والفساد بسبب علومهم الزائفة.لكن الأخطر هو أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الحكام فحتى المعارضات يحكمها نفس الخاصية :فأمراء الحرب كمعارضة باسم الإسلام يحكمهم الفقه الفاسد.والأنظمة والاستعمار يستعين بتصوف الزهد الفاسد .والحداثيون باسم الفلسفة الفاسدة يحالفون الانظمة الفاسدة ومن يعارض منهم مثل أمراء الحرب.وإذن فالأمراض التي أصفها لا تتعلق بما مضى فحسب بل هي ماتزال سيدة الوضعية القانونية والخلقية والإيمانية والعلمية في مناخنا الروحي والثقافي. 27 24
لذلك فما أكتبه ليس تاريخا للماضي فحسب بل هو تفسير لما يجري في الحاضر وخاصة في معركة التحرير والتحرر التي تخوضها الأمة دون تأسيس نظري واضح.هدفي مما أكتب في مسألة الإصلاح الديني هو التأسيس النظري لشروط الاستئناف الذي تستعيد فيه الأمة دورها الكوني طلبا للتحرير بعبادة رب العباد.والآن وصلت إلى غاية البحث :ينبغي أن أشرح قصدي من تحديد طبيعة المشروع القرآني بكونه \"استراتيجية التوحيد\" ودور الرسول فيه \"بمنطق السياسة\".فالتفسير (منذ 2002في ماليزيا) عنوانه \"استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية\" واعتبرته فلسفيا لأنه بحث في نظام وليس شرحا لألفاظ.وما أقصده بمنطق السياسة المحمدية هو تحديد جامع مانع لمفهوم السنة النبوية .لكني لن أستطيع شرح ذلك من دون بيان الحاجة لدراسة القانون لفهمه.كل خلاف حول دور السنة علته الجهل بفلسفة القانون :فالسياسة هي التربية والحكم أو دور الوازعين الذاتي والاجنبي بلغة ابن خلدون وتلك هي السنة.وقد اضطررت لدراسة القانون سنتين كاملتين في باريس لفهم هذا الأمر :منطق السياسة المحمدية هو العلاقة بين التربية والحكم في بناء دولة الأحرار.إنها عكس ما اعتبره ابن خلدون علة لفساد معاني الإنسانية .منطق السياسة المحمدية هو إصلاح معاني الإنسانية في كل فرد وجماعة بشرية في العالم كله.فمحمد لم يكن مكلفا بتبليغ الرسالة الكونية فحسب (استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأي النساء 1والحجرات )13بل تكوين دولة عينة تطبقها :مشروع الإسلام.فأولا لا يمكن أن يوجد تشريع مضاعف واحد لله والثاني للنبي بل يوجد درجات في نفس التشريع كما في القانون الوضعي في السياسة أي التربية والحكمفكل تشريع بعضه دستوري وبعضه قانوني والثاني تطبيقي للأول .وهو بدروه يحتاج إلى أحكام تطبيقية وإلى إجراءات تنفيذية .والأولان للقرآن دون سواه.والسنة للثانيين :أحكام تطبيقية للقوانين التي تطبق الدستور القرآني وذلك في مستوى قوانين التطبيق وإجراءات التنفيذ وذلك في التربية والحكم. 27 25
صحيح أن القانون الوضعي لا ينشغل بمسألة التربية ويكاد يقتصر على الحكم وهو يضمها إلى الحكم غافلا عن تجاوزها الوازع الأجنبي إلى الذاتي.وذلك من نتائج الفصل بين السياسي والروحي في الممارسة السياسية ورد ذلك إلى الممارسة الاجتماعية لجعلها من قضايا المجتمع المدني وجدلياته.المهم هو تحديد دور السنة :هي سياسة تفصل أحكام الدستور القرآني والقوانين التي اشتقت منه في مجاليها المتعلق بالوازع الذاتي وبالوازع الأجنبي.وما يتعلق بالوازع الذاتي هو التربية وما يتعلق بالوازع الأجنبي هو الحكم وابن خلدون يسمي الثاني الأحكام السلطانية والأول الأحكام الشرعية.والمشكل المعرفي العقدي هو هذا السؤال :هل الأحكام التطبيقية التي يسنها الرسول هي من الوحي الذي تلقاه الرسول أم من اجتهاده كمرب وحاكم؟والاشكال على أهميته لا يقلل من دور السنة :فلا يمكن لأي عاقل مهما تجبر وتكبر أن يدعي أنه حتى في الاجتهاد السياسي تربية وحكما أفهم من الرسول.فمجرد القدرة على جمع عرب الجاهلية -كما هم الآن-معجزة سياسية تربية وحكما. وبناء دولة كونية معجزة كونية ومن ثم فكل من يقلل من شأن السنة غبي.فالاجتهادات النبوية-تسليما جدليا بأنها ليست وحيا-لا ينبغي النظر إليها مضمونيا وفي أعيانها بل في نسبتها إلى ما عالجته من قضايا مطلقة الصلوحية. وأقصد الجواب عن السؤال التالي :صفة سياسة الرسول كيف ربى وكيف حكم؟ هل كانت تربيته وحكمه يستندان إلى الاستبداد والفساد على الفرد والجماعة؟وهذه السياسة هل صاغت الدستور بما يتفق مع قيم القرآن وأحكامه أم بخلاف ذلك (الصحيفة) وهل كان صحابته من عرق واحد أم ممثلين للإنسانية كلها؟بهذا ينحل مشكل الحديث :القرآن هو الأصل والسنة هي تطبيقه في التربية والحكم وكل ما لا علاقة له بالأصل أو ما يعارضه ليس منه أو يؤول ليكون منه.عالجنا قضية القلب والجرأة .ويبقى علينا تأصيل الفقه والزهد والكلام والفلسفة للوصل بين القانون والاخلاق والعلم والإيمان باستراتيجية القرآن. 27 26
سنخصص له سلسلة أخرى من البحوث تحدد طبيعة قراءة القرآن بوصفه استراتيجية توحيد البشرية بالتوحيد الديني المطبق في التاريخ :النساء 1والحجرات .13إنه القصد بالشهادة على العالمين وشهادة الرسول علينا في تحقيقنا لهذه الاستراتيجية التوحيدية التي تحرر البشرية من الاستعمار المدمر بالمعمر.أنهيت الكلام على الإصلاح الديني الذي لا يحتاج إليه الإسلام بخلاف الأديان الأخرى لأنه هو إصلاحها وإن لم تدركه إلى الآن وبينت أدواءنا وعلاجها. 27 27
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 34
Pages: