أبو يعرب المرزوقي ما حقيقته؟ وما شروط علميته؟ الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 8 - -الفصل الثالث 14 - -الفصل الرابع 20 - -الفصل الخامس 26 -
-- لا أريد أن أدخل في معركة \"الحديث\" رغم أني كتبت الكثير لرد ما يزعمه نفاته بالجملة والتفصيل وخاصة لرد نفاق القرآنيين عندما يزعمون بذلك الدفاع عن قدسية القرآن التي يعتبرون الحديث \"مدنسا\" لها بما فيه من وضع وانتحال .لكن حقيقة ردهم لو قبلناه لكان ينبغي رد نصف القرآن أعني المدني كله. لكني مع ذلك اعتبر الحديث قد أنتج ثقافة شفوية حتى بعد أن صار مكتوبا لأنها ثقافة لم تتجاوز حفظ الأقوال واعتبار ذلك علما واستغلالها كما استغل القرآن مباشرة وكأنهما أساس علمية علوم الملة الخمسة (التفسير أصلا ثم فرعا النظر المتحاربين الكلام والفلسفة وفرعا العمل المتحاربين الفقه والتصوف). وليس أخطر على الفكر من الثقافة الشفوية وخاصة في عصرنا الذي فيه ميل إلى العودة إلى تقديم الشفوي على الكتابي بسبب تقدم ثقافة المرئيات في التواصل بصورة تكاد تعود بالإنسانية إلى الثقافة المباشرة التي يحضر فيها الشيء الذي يتعلق به الكلام بذاته بدلا من حضور تصوراته العقلية في المدونات النظرية التي لا يمكن الاتصال بها إلا بقراءة المكتوب .ولا يمكن للتأمل العقلي أن يعمل في الثقافة الشفوية لأنها سيالة ولا تمكن من الفحص والتثبت من التناسق والترابط بين المعاني المجردة. بينت أن الانطلاق الخاطيء في كل علوم الملة لمنافاته للقرآن منافاة جعلت علوم الملة ركاما من الكلام لا نفع منه في المهمتين اللتين حددهما القرآن للإنسان من حيث هو: وإذن فهي عكس هدفها القرآني .ونفس الحكم يشمل الحديث .لكن شموله للحديث أعمق لأن الأمر فيه بخلاف القرآن لا يقتصرعلى الخطأ في المنطلق المؤسس لعلوم الملة وأعمالها بل هو يمتد إلى صحة الأمر نفسه :يجمع المسلمون على أن القرآن سليم من الزيادة أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- والنقصان بخلاف الحديث الذي يعتبرمشوبا بهما أي إنه يتضمن المنحول على الرسول ولعل بعض أقواله لم ترد فيه :فيكون عيبه مضاعف بالزائد والناقص. وعلم الحديث وضع لعلاج نصف المشكل أي لـجمع ما أمكن من أقوال الرسول وخاصة تحريره من الانتحال الموضوع كذبا على الرسول .وطبعا لم يجدوا حلا لما يمكن ان يكون قاله الرسول وغاب في ما تم جمعه من أقواله .والأمران ليسا مما يعنيني في هذه المحاولة لأني لا أدعي الاختصاص في الحديث. ويوجد فرق بين للفصل بين مطلوبي ومطلوب المحدثين يرد على أي تذرع بالاختصاص في رفض مثل هذه المحاولة. فما أطلبه ليس الاختصاص في الحديث بل ما ينبغي أن يتوفر في طلبه ليكون الحديث علميا بعد أن نحدد حقيقته ما هي تحديد يكون بقدر المستطاع جامعا مانعا .وهي مسألة عامة تتعلق بشروط علمية أي فن يراد نقله من العلاج العفوي إلى العلاج العلمي :الحديث ما يزال في مرحلة العلاج العفوي المعتمد على معايير أهمها ذو صلة بشروط قبول الشهادة وليس بشروط صحتها الموضوعية. لذلك فعندي ان كل المعايير الذي وضعها علماء الحديث لتحرير الحديث من الوضع لا يمكن أن توصل اليقين .فهو في أعيان الواقعات لا يمكن أن يوجد لأنه لا يتجاوز شروط صحة المطابقة في الشهادة التي هي من الأمور التي يستحيل فيها اليقين .فالحسي حتى عند ثبوته لا شيء يحدد بمطلق الدقة صحة مضمونه لما في الحس من خوادع لا تتناهى. فإذا أضفنا أن كل ما لا يمكن تحديده تحديدا جامعا مانعا لا يمكن الحسم في يقينية ما نعلمه منه .ومن ثم فما يعنيني هنا هو إذن ما حاولت القيام به في قراءة القرآن قراءة فلسفية تنطلق من تحديده تحديدا جامعا مانعا ليس من حيث كم نصه لأن ذلك متفق على جمعه ومنعه ولو عقدا :المصحف العثماني. وهذا هو الأمر الأول الذي كان ينبغي أن يبدأ به علماء الحديث سعيهم لجمع أحاديث الرسول :فإذا كان القرآن قد حدد وظيفة الرسول قوله وفعله وكان الحديث متعلقا بقوله أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- فإن المطلوب في هذا البحث هو أقوال الرسول المتعلقة بوظيفته التي حددها القرآن وهي تعليم القرآن بمنهج تعليمي وصفه القرآن بدقة .وقد وصفه القرآن من حيث: وليس الرسول فيه معصوما بشهادته هو نفسه عندما قال أنتم أدرى بدنياكم بدليلين: ومن ثم فتحديد القرآن لأفعال الرسول المتعلقة بمهمتيه تذكيرا بتبليغ الوحي وسياسة بتطبيقه في التربية والحكم هو الذي حصر ما يمكن تسميته حديثا: تذكير وإذن فطبيعته ليست تقديم شيء لا يعلم إلا منه بل تقديم شيء موجود في كل إنسان وهو يذكر به وليس هو مصدره وهذا الشيء هو مضمون الوحي الذي تلقاه أي القرآن .وإذن فما يذكر به الرسول موجود في ذات كل إنسان أولا وفي القرآن ثانيا. ففي نفس الآية جاء الحصر \"إنما أنت مذكر\" بمعنى أن الرسول لا يحق له أن يتجاوز التذكير فيدعي سلطة وسيطة بين الوحي الذي يبلغه والمتلقي من المخاطبين به .والدليل هو بقية الآية \"لست عليهم بمسيطر\" أي إنك لا تفرض على المخاطب شيئا ولا سلطان لك عليه في القبول أو الرفض. وهذه العلاقة بالمخاطب هي التحديد الثالث -3فالتذكير نوع من التعليم السقراطي بمعنى أنه الرسول وظيفته مثل وظيفة القابلة بالمعنى السقراطي يخرج من المخاطب ما فيه مما فطره الله عليه وأنسته إياه مشاغل الدنيا فهو يعلم ما سيذكر به لكنه نسيه .وهو تعليم وصفت الآية 106من الإسراء أسلوبه. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- فـ\"القراءة على مكث\" التي شرطها تفريق القرآن أو تنجميه تعني أن أمرين :قراءة النص بتمهل وأيضا بتكرار ومن ثم فهي قراءة مصحوبة بتفسير وهذا التفسير هو الجنس الرئيس من الحديث أو من \"التفسير\" الأسمى للقرآن لأن اصطفاء الرسول مشروط بكونه الأقدر على فهم الوحي المنزل عليه إذ معه صفتان. فالرسول بشر له ثلاث صفات :الكتاب والحكم والنبوة( .ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة )...ومن ثم فهو مؤهل للاصطفاء المعد لتلقي الوحي (النبوة) وللاصطفاء المعد لفهمه (الحكم) والمؤيد بما يعطي للمخاطبين ما يكون دليلا على أن ما يذكر به الرسول ليس صادرا عنه (الكتاب). والحكم الذي يتوسط بين الكتاب والنبوة له خمس مستويات كلها محكومة بمعياري الآية 58من النساء أي الأمانة والعدل: فإذا عكسنا ترتيب هذه الصفات في النبي منطلقين من المخاطب :فإن هذا الأخير بينه وبين الرسول أساس يحتكم إليه وهو مضاعف: أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- الأول هو الكتاب الذي له قيام ذاتي مستقل عنه وعن الرسول ودوره التذكير بالإشارة إلى مشار إليه يتعين فيه المذكر به أي ما حددته فصلت .53ولذلك اعتبرت الكتاب له دور السبابة المشيرة لمشار إليه خارجها. والثاني هو كيان المخاطب وآفاقه لأن ما يذكر به الرسول مرسوم في ما فطر عليه وهو شهادته لما كان في ظهر أبيه ومرسوم في ما حوله من العالمين الطبيعي والتاريخي. ولما كان الكتاب-القرآن الذي هو نسخة من اللوح المحفوظ-يقول إن من يريد أن يتبين أني حق فعليه أن ينظر في ما يريه الله للإنسان من آياته في الآفاق وفي الأنفس ولا يكتفي بشرح الآيات اللفظي أو النصوص (فصلت )53بات من الواجب أن يكون بين الرسول والمخاطب خمسة أشياء تجعل دور الرسول كما وصفه القرآن :إنما أنت مذكر بأسلوب البشير وبأسلوب النذير. وهذه الأشياء الخمسة هي: اثنان منها من الآفاق وهما: واثنان منها من الأنفس وهما: وكيان الإنسان ذاته من حيث حضور كل ذلك في وعيه وفي شروط قيامه وبقائه مستعمرا ومستخلفا في الأرض .ولهذه المراجع الأربعة أصل مكتوب في كيان الإنسان أو في ما فطر عليه من حيث صلته بالخلق وبالأمر إذ هو في آن شبه عينة من الوجود المخلوق كله فيه وفي ما حوله أو آفاقه. ومن ثم فلا يمكن أن يكون حديث الرسول معلقا بغير هذه المجالات إما لاستعمالها في التعليم بوصفها منطلقات الاستدلالات التي يستعملها للتعليم والإقناع في عملية التوليد أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- السقراطي لأنه يذكر ويوقظ ليخرج المخاطب من النسيان أو لتكون هي موضوع التذكير نفسه تحريرا من الغفلة دون وساطة أو وصاية. وطبعا لو كنت أريد أن استنتج من هذا التعريف الجامع المانع للحديث لأمكن أن أجيب أن السؤالين المهمين :فأبين بالمنع كل انتحال معنوي في الحديث ولا يعنيني الانتحال المبنوي لأن الرواية يمكن أن يتغير فيها المبنى والمهم فيها المعنى .ويمكن أن نجد قواعد للمبنى إذا حددنا أسلوب الرسول. ويمكن بالجمع أن أحدد ما غاب لأننا يمكن أن نكتشف خانات خالية لا يمكن ألا يكون الرسول قد قال فيها شيئا يتعلق بتعليمها لأنه في خطبة الوداع قال أشهد الله على نفسه أنه قد بلغ .ولا يمكن أن يشهد الرسول الله وهو الصادق الصدوق أن يكون ما قاله غير مطابق لما فعل :وبلغ تعني أنه علم على مكث لأنها لا تقتصر على الإبلاغ بل تتضمن التأكد من بلوغ الرسالة الفعلي بمدلولها وليس بدالها وحده (ومعنى :اللهم إني قد بلغت). ولست الوحيد الذي يعتبر ما جاء في القرآن هو الحكم الأول والأخير في تحديد ما ينتسب إلى حديث الرسول وما لا ينتسب إليه .فقد اعتبر ابن القيم أن كل ما يخالف القرآن ليس من الحديث .لكن هذا معيار شديد العمومية ولا يمكن من الحسم خاصة وأن غالب ما اهتم به العلماء في القرآن هو ما نهى القرآن عنه. فلكأن علماء الملة بأمر ما زلت لم أفهم علته حتى وإن افترضت ذلك من نتائج الطابع البدائي لمعنى العلم في كل حضارة ناشئة عملوا بعكس ما أمر به القرآن وما نهى عنه :تركوا أمر فصلت 53ونهي آل عمران .7فجعلوا الأول وكأنه نهي والثاني وكأنه أمر بحجة الرسوخ في العلم ووراثة الأنبياء. والنبي لم يدع معرفة الغيب وكل من لم يفهم آل عمران 7على أنها نهي عن الخوض في الغيب تحت اسم المتشابه بدعوى أنه راسخ في العلم ومن ثم فقدرته على التأويل قابلة للعطف على قدرة الله عليه هو عندي أولى بالوصف بابتغاء الفتنة وفي قلبه زيغ لتوهمه أن علمه محيط ومن ثم نفيه الغيب. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- ولهذه العلة فقد نفيت أن تكون الأحاديث التي تنسب إلى الرسول دالة على علم بالغيب -من جنس ذلك أحاديث الملاحم التي تشبه الجفر أو الكلام على الفتوحات الممكنة في المستقبل-واعتبرتها من جنس التوجيه إلى افعال تقتضيها استراتيجية الدولة الكونية التي أسسها الإسلام مع تقوية الباعث إليها بالبشرى التفاؤلية وليس خبرا عن أمر ثابت الحصول أو حتى واجبه. مثال ذلك تحديد صفات من سيفتح القسطنطينية ليس وصفا لموجود بل هو توصيف لمنشود يكون دافعا للأجيال حتى يصبح المنشود موجودا وهو من أصناف الخطاب الاستراتيجي في تربية الأجيال على الطموح بمواصفات تجعل المنشود يتحقق فيكون المنشود اصلا للموجود وتلك حقيقة الحرية الإنسانية. فكل ما يتعلق بالمستقبل حتى وإن لم يصحبه شرط تحصيله فهو شرطي بالضمير :فلكأن الرسول قال مشروع الدولة الكونية يقتضي فتح القسطنطينية .ويمكن أن تفتح إن شاء الله لو توفر الشرط الفلاني :وهنا ذكر شرط الشروط أي المثال الأعلى للقيادة التي تصبح مثالا أعلى للكثير من الشباب الطموح ومن الأهل الذين يربون أبناءهم في السباق الخير الذي يترتب على العلم بهذه البشرى. والقرآن نفسه جعل الخلق والأمر في كل الموجودات وخاصة في الإنسان يعملان بهذه الاستراتيجية .فالإنسان من حيث هو موجود بالفعل هو في الغالب مخلد إلى الأرض بدليل وصفه في القرآن .لكن الإنسان من حيث هو مشـروع سيتحقق هو المنشود وهو ما حصيلة الفضائل التي تنتج عن إنجاز التكليف :كيف يتحرر من الإخلاد إلى الأرض فيسمو على الملائكة بما فيه من اشرئباب للمثال وهو الخليفة بالفعل. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- وإذا كان ما يمكن أن يرد في الحديث ليس واجب التعيير بما ورد في القرآن فحسب بل لا يمكن أن يرد في الحديث ما لم يرد في القرآن لأنه هو الرسالة التامة والحديث تعليم لها بوصفها هي التذكير وهو المذكر بها ومن ثم فقد وجدنا أصل الجمع والمنع في مدونة الحديث :تلك هي البداية لتأسيس علمه. ومرة أخرى فلا يمكن تأسيس علم لموضوع لم يتقدم في طلب علمه تحديده تحديدا يكون على الأقل فرضيا جامعا مانعا .مجرد القول هو كلام الرسول لا يسمى تحديدا يسمى نسبة إلى شخص لم نعدد مميزات ما ينسب إليه ليكون خاصا به .ما يجعله خاصا به هو الصفات الخمس التي حاولنا بيانها نسقيا. ولنذكر بها\": .1طبيعته .2ومنهجه .3وعلاقته بالمخاطب به .4وعلاقته بمجال انطباقه .5وعلاقته خاصة بتمييز نوعيه وصلة مهمتي الرسول بهما :المضمون الموحى إليه للتبليغ وهو توقيفي واجتهاده لتطبيق الرسالة من حيث هي سياسة تربية وحكم\". وهذا التطبيق يتحدد بالمضمون الذي لا يمكن أن يكون الرسول موصوفا بما عرف به - الأمين والصدوق-ثم ينسب إليه ما يختلف عنه بالمعنى. قد يختلف عنه بالمبنى ككل شرح لنص بنص لأن الشرح هو ترجمة في نفس اللغة (وهذا أكبر علامة على سخافة دجال المفسرين -شحرور-عندما يدعي أن القرآن ليس فيه ترادف) -فاللغة تصبح مستحيلة التعلم والتعليم ومستحيلة العودة على ذاتها لتؤسس كلاما على كلامها لو كانت خالية من الترادف الجزئي أو الكلي. أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- ومن علامات فطنة ابن تيمية أنه بين أولا أن المفردات ليس لها دلالة واحدة بل هي متعددة الدلالة التي يحددها سياقها مع لفظها وليس لفظها وحده وأنه سمى الشرح ترجمة داخلية في اللسان كأن يكون تقديم اسم معلوم للمخاطب لشرح اسم مجهول عنده .وهذا يمكن من الكلام على كلام الله بغير كلام الله. وقد حددت هذه الخصائص الخمس .لكني أخشى أن يظن أني من القائلين بالإعجاز العلمي فاعتبر القرآن مدونة علوم والحديث شرح لهذه المدونة .في حين أن القرآن ليس مدونة علوم بل منظومة رؤى وهي أسمى من العلوم وهذه الرؤى تشبه \"السبابة\" التي تشير إلى ما تذكر به وليست متضمنة لحقيقة ما سنعلمه. هي تشير إلى ما علينا الالتفات اليه من باب التوجيه وما تشير إليه إذا بحثنا فيه بما تنصح به يمكننا أن نكتشف المطلوب لتمكين الإنسان من تحقيق المهمتين اللتين كلف بهما بالقيم المحققة للنجاح في مجال النظر والعقد لمعرفة الحقيقة (التواصي بالحق) والعمل والشرع لتحقيقها (التواصي بالصبر). وهي تتضمن كذلك الإشارة إلى ما يحول دون النجاح .ولذلك فالتذكير يبشر وينذر. يبشر بالنجاح إذا حصل التعمير بقيم الاستخلاف فيكون هو الذي يجعل الدنيا مطية الأخرة .وينذر من الفشل إذا لم يحصل التعمير أو حصل بدون قيم الاستخلاف لأنه في تلك الحالة يكون تدميرا لا تعميرا. والعالم اليوم محكوم بعدم التعمير أصلا عند المسلمين وبالتعمير بدون قيم الاستخلاف الذي هو في الغاية تدمير وليس تعميرا .لكن الاستخلاف من دون التعمير مستحيل وهو كذبة لأنه يتحول إلى شعائر تعبدية دون ثمرتها ولذلك تجده مصليا دون النهي عن الفواحش وأهمها الاستبداد والفساد والكذب والنفاق. يمكن إذن أن نزعم على الأقل فرضيا أن \"أجناس\" القول في الحديث قابلة للتحديد شبه النسقي .فهي كلها تعليم للوحي وتذكير بالفطرة التي هي في آن عين كيان الإنسان وعين أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- مضمون القرآن لكن ما تذكر به رؤى توصل إلى ما على الإنسان المكلف تحقيقه بالنظر والعقد وبالعمل والشرع كما طلبت فصلت .53 فتكون أجناس القول التي يتألف منها الحديث مثل أجناس القول التي يتألف منها الذكر: تذكير رأينا أن موضوعه هو عين موضوح القرآن وأن غاياته هي عين غايات القرآن وهو تذكير من رسول له وظيفة البشير بالنجاح ووظيفة النذير بالخسار وإذن فكلاهما مضاعف لأن كلا منهما يتعلق بالدنيا والآخرة. ولما كان التذكير لمكلف فلا بد من أمرين :أولا تحديد طبيعة المهمة وثانيا تحريك جهاز القيام بالمهمة .فأما المهمة فقد أشرنا إليها وهي الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها بوصفهما فرصة ثانية أعطيت للإنسان حتى يثبت جدارته بالاستخلاف رغم فشله في الفرصة الأولى ومن ثم فالثانية ليست لعنة بل محنة. ويمكن أن نعتبرها منحة لأنها ليست كما في المسيحية خطيئة موروثة لأن القصة القرآنية تجعلها ثمرة عفو تلا تضييع الفرصة الأولى قبل الإخراج من الجنة :طبعا فتضييع الفرصة الأولى كان لبيان دلالة حرية الاختيار عند الإنسان وهي شرط التكليف والاستخلاف. ويحق لنا أن نعتبر الفرصة الثانية منحة. وإذا كانت المهمة مضاعفة أي الاستعمار في الأرض (أي تكليف بتعمير الأرض) والاستخلاف فيها (أي تكليف بتحقيق قيم خلال ذلك التعمير) فإن التجهيز لتحقيقها هو ما يناسب المهمتين :فالمهمة الأولى تحتاج إلى نظر وعقد لأن كل الحقيقة عقد بنظر والثانية إلى عمل وشرع لأن الحق شرع بعمل .ولا يمكن تصور التعمير من دون شرطين: .1أن يكون الموضوع قابلا للعلم .2أن تكون الذات قادرة على العلم. ولا يمكن للاستخلاف (تعمير بقيم) من دون شرطين: .1أن يكون الموضوع قابلا للعلم وهو علم بالقوانين. .2وأن تكون الذات قادرة العمل وهو عمل بالسنن. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- والقرآن والحديث يقدمان نماذج من ذلك كله ولا يقدمان النظر والعقد ولا العمل والشرع إلا في الرؤى وليس في العلم والعمل اللذين هما عين التكليف الذي يطلب من الإنسان القيام به .والقرآن يعتبر ذلك موجودا في الآفاق وفي الأنفس التي تتجلى فيها آيات الله المبينة إلى أن ما يذكر به القرآن حق. فإذا لم يبحث الإنسان علميا في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الانفس (النظر والعقد والعمل والشرع) فلن يجد في نصوص القرآن شيئا يمكن أن يمكنه من التعمير ولا من الاستخلاف لأن القرآن متشابه كله وما فيه من محكم ليس ما يتوهمه من اعتبره في الإحكام بل هو في هذه الفلسفات الخمس التي ذكرت .فالقرآن محكم: .1في رؤيته الأصل (مضمون الرسالة ما هو واستراتيجية تحقيقه ما هي) .2وفي فلسفة الطبيعة (الخلق بقدر يتجلى في النظام المشهود أي لا يعلم إلا بالرياضيات والتجربة) .3وفي فلسفة التاريخ (الامر بسنن تتجلى في النظام المشهود من القيم الخلقية والخطط السياسية بالممارسة والتجربة) .4وفي نظرية العلم غير المطابقة (أي إن الإحاطة مستحيلة على الإنسان لوجود الغيب) .وهي نظر وعقد. .5وأخيرا في نظرية العمل غير المطابق (كل إن الإطلاق في العمل مستحيل لعدم التنافي في القيم) .وهي عمل وشرع. لكن القرآن يبشر وينذر في شكلين مختلفين :نقدي للماضي ونصحي للمستقل .فهو يطبق هذا المعاني على تاريخ الإنسانية السياسي والروحي بمنهج التصديق والهيمنة من خلال استعراض ما قام به البشر لتحريف الرسالات ليس في الممارسة فحسب بل وكذلك في تحريف نصوصها وتعاليمها وهو إذن حكم على أفعال حصلت ثم هو ينصح بالنسبة إلى افعال المستقبل حتى لا تقع في نفس الأخطاء. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- فكيف الآن يمكن أن نصوغ كل ما سبق في معادلة بسيطة تمكن ممن التعيير العلمي لمضمون الحديث ولنسبته لصاحبه بتوسط ما بين الحديث والقرآن من علاقات حاولنا حصرها نسقيا. وقد عرفت القرآن الكريم بكونه استراتيجية التوحيد وصلته بمنطق السياسة المحمدية تربية وحكما في عينة هي نواة دولة الإسلام. وهذه المعادلة هي في آن معادلة القرآن نفسه ومعادلة كيان الإنسان نفسه وهي العلة في كون الإنسان خليفة لأن كونه خليفة يعني أن ما يتقوم به الإنسان هو عين فطرته التي هي عين استعماره واستخلافه وتجهيزه ليكون قادرا على تحقيق التكليف ومن ثما قابلا للحساب مسؤولية مترتبة على حريته .والمعادلة تتقوم مما يلي وعلى النحو التالي: .1ففي القلب منها علاقة مباشرة بين الله والإنسان (أقرب إليه من حيل الوريد) تنفي كل وساطة (كنسية) أو وصاية (حكم بالحق الإلهي) .وإذن فهذه العلاقة المباشرة هي الأساس الوجودي للحرية والشخصية والمسؤولية الفردية .ولهذه العلاقة المباشرة جناحان مضاعفان واحد قبلها وواحد بعدها. .2وقبل هذه العلاقة المباشرة التي في القلب من حيث هي عين القيام الروحي شرط قيام الإنسان العضوي وتمثله الطبيعة. .3ولهذا الشرط ما بعد يعتقد الإنسان أنه ماوراء الطبيعة وهو شبه جواب عن سؤال الطبيعة ودورها في حياة الإنسان الذي يضع وراءها خالقا سواء مفارقا لها أو محايثا بحسب نظرية الله في الأديان وفي والفلسفات المختلفة. .4وبعد العلاقة المباشرة التي في القلب من حيث هي عين القيام الروحي نجد شرط قيام الإنسان الحضاري ويمثله التاريخ. .5ولهذا الشرط ما بعد يعتقد الإنسان أنه ما وراء التاريخ وهو شبه جواب عن سؤال الحضارة ودورها في حياة الإنسان الذي يضع وراءها صانعا سواء مفارقا أو محايثا بحسب نظرية الإنسان في الأديان وفي الفلسفات المختلفة. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- ويمثل الجناحان أصلا لفخين وجوديين يقع فيهما الإنسان .فالفخ الوجودي الأول للوعي الإنساني هو الطبيعة وما وراؤها .أما الفخ الوجودي الثاني هو التاريخ وما وراؤه .وكلا الجناحين المحيطين بالقلب قبله وبعده يمكن أن يعتبر ما وراؤه مفارقا أو متعاليا على الطبيعة وعلى التاريخ ويمكن أن يعتبر محايثا وغارقا فيهما فيكون الإنسان إما خليفة لمستخلف أو مؤلها لنفسه ولا يعترف بمستخلف له. والفخان مترابطان وثيق الترابط وكلاهما يمثل وجهي الإنسانية سواء في رؤيتها لذاتها مطبعنة أو مؤرخنة .ومن ثم فالماوراء في الحالتين ما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ هو عين قلب المعادلة وقد أصبح محيطا بجناحيه دون أن يخرج من محله الأوسط بوصفه محاطا بهما على الأقل في الأذهان. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- كيف يمكن رد الحديث كله إلى هذه المعادلة؟ مباشرة يستحيل لكن بتوسط ما حددناه من الوسائط النظرية .وما ادعيت أن الحديث ليس علما إلا لأن أصحابه يخلطون بين العلم وبين موضوعه .وأذهب إلى أكثر الحديث ليس حتى موضوع في ما يسمونه علم الحديث .ذلك أن الموضوع لا يكون موضوعا\" لعلم دون تحديد. ولا يمكن أن نسمي تحديدا للحديث موضوعا لعلم بنسبته إلى قائله .فهذه النسبة يمكن أن نقبلها تحديدا للحديث بوصفه فرعا من ترجمة الرسول أو من سيرته .لكن تحديد الحديث بوصفه موضوع علمه يكون بالعناصر الخمسة التي حاولنا بيانها ومن دون يمتنع أن يكون قابلا لتحديد جامع مانع يجعله القائم بذاته. فمن دون مقومات الحديث هذه\" لا موضوع :تعليم للقرآن بطريقة في علاقة بالمخاطب به وبمجال انطباقه وبنوعي مضمونه وخمستها حددها القرآن جمعا ومنعا. وبذلك فمقوماته الخمسة كلها يحددها القرآن تحديدا جامعا يعين خصائص كل ما هو منه وتحديدا مانعا يستثني كل ما لا يمكن أن يكون منه .وكان من المفروض أن يطرح سؤال ما زلت لم أفهم طرحه والاعتماد على جوابه حتى وان كان ذلك لا يستثني تأخر البحث لاستكمال مدونته في القرون المتقدمة على جمعه. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- فلا يمكن عقلا أن تمر قرون -ما يقرب من ثلاثة -دون أن يكون علماء الأمة في علومها الغائية الخمسة وحتى في العلوم الأداتية لم يستعملوا الثابت من هذا التعليم النبوي في ممارساتهم وفي كتاباتهم ما يعني أن استعمالهم في عملهم العلمي وتطبيقاته يجعل ذلك وحده كافيا للدلالة على صحته الأرجح. فلا يمكن لفقيه أو متصوف أو متكلم أو فيلسوف أن يستعمل ما ليس ثابتا من تعليم الرسول دون أن يعرض سمعته العلمية لخطر فقدان الاحترام ومن ثم فكلهم سيكونوا أحرص الناس على الأمانة والصدق فلا ينسبوا إلى الرسول ما لم يقله أولا لأن أهل الاختصاص لن يسكتوا وثانيا لحرصه الشخصي على سمعته. أما الجمع من مصادر شفوية فهي عندي غير موثوقة حتى لو كان الراوي ثقة .وعدم الموثوقية ليست مقصورة على المبنى بل هي تتعلق بالمعنى خاصة إذا اخذنا بعين الاعتبار ما ذكره ابن خلدون من أسباب الخطأ في التاريخ سواء كان متعلقا بالأحداث أو بالأحاديث وهي من أسباب كثرة الوضع. وحجة التواطؤ غير القصدي أو غير المبيت لا تكفي للدلالة على الصحة حتى وإن كانت من قرائنها لأن جل ما يبدو حقائق عامة هو من هذا الجنس وهي في الغالب خرافات :فكل الأدب الشعبي من هذا الجنس وهو يحصل دون مؤلف محدد ودون تواطؤ مسبق .ومن ثم فلا بد من اعتماد التحديد الذي يصدر عن هذه المقومات الذاتية الخمسة ولا مانع من إضافة الشهادة ومعياري الجرج التعديل. ولما كانت المقومات الذاتية كلها مستمدة من كون الحديث هو تعليم الرسول لما طلب منه تعليمه في وظيفتيه مربيا وحاكما (وهما بعدا السياسة التي تطبق رسالة) فإن الأمر إذن يتعلق بالرسالة والسياسة النابعة عنها بهذين المعنيين .إذن عندنا رسالة لا بد أن يكون فيها: أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- فيكون قلب هذه الرسالة هو مضمونـها (العنصر الثالث) وقبله عنصران وبعده عنصران. ومضمون الرسالة هو مضمون القرآن الكريم .وقبلها المرسل (الله) والمرسل إليه (الإنسان عامة) وبعدها المبلغ أو الرسول وطريقة التبليغ .ولا شيء في الرسالة يمكن إضافته إلى هذه الخمسة أو حذفه منها .ويمكن أثبات ذلك استقراء من نص القرآن أو استنتاجا من منطق الرسالة من حيث هي رسالة حتى بالمعنى العادي. وهذه العناصر الخمسة يمكن مضاعفتها :فالمرسل اثنان الله بحق وما يزعم إلها والمرسل إليه إنسان بحق وما فقد معاني الإنسانية والمبلغ يمكن أن يكون نبي بحق كمحمد أو كذاب كمسيلمة والطريقة يمكن أن تكون متحرر طريقة المذكر حصرا فلا يكون وسيطا ولا وصيا أو يكونهما في الأديان المحرفة. ومعنى ذلك أن القرآن بهذا المعنى لم يكتف بالتحديد الجامع المانع بل هو أورد المجموع والممنوع في آن وتلك هي علة كونه يتضمن بعدا نقديا للتحريف في الأديان الخمسة المحرفة: وواحد هو مطلق الشرك أصلا لكل التحريفات في الطبيعية وفي المنزلة الحج .17 ثم القرآن من حيث هو التذكير بالدين الكامل دين الله الذي هو ترجمة نصية للفطرة التي هي مرسومة في كيان الإنسان والتي حاولت بيان كونها هي المعادلة الوجودية التي هي في آن عين مضمون القرآن. ليس من شك في أن الكثير سيعترض لكن هذا يعني أنك تؤسس تأسيسك على ما يعتقده المسلمون في القرآن ولا يسمى هذا علما لحقيقة الشيء في ذاته (الحديث) بل هو علم لما أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- يدرك المسلمون من الحقيقة وليس الحقيقة في ذاتها .ولو كنت من القائلين بالعلم المحيط لصح هذا الاعتراض ولحاولت الرد عليه. لكني أومن بوجود الحقيقة في ذاتها وأومن أن الله وحده يعلمها لأن علمه محيط ويمكن أن نقول إنه يعلم الشيء على ما هو عليه .لكن مثل هذا القول بخصوص علم الإنسان أي علم لم يعد يقول به إلا \"الغافلون\" من القائلين بنظرية المعرفة المطابقة وهي سذاجة ابستمولوجية تلت نكوص الهيجلية عن الكنطية. وهذا النكوص حصل مثله في فكرنا عند من رفض فكر المدرسة النقدية التي بدأت مع الغزلي -رغم نكوصه المضاعف بعد التهافت فلسفيا وصوفيا-وبلغت الذروة في النظر والعقد عند ابن تيمية وفي العمل والشرع عند ابن خلدون وكلاهما ينفي القول بنظرية المعرفة المطابقة لأن الوجود لا يرد إلى الإدراك. ولأمر الآن إلى أم المسائل في إشكالية تكاثر الحديث وبلوغه مقدارا لا يقبله عقل لأن الحديث لا يمكن أن يكون كل كلام الرسول بل كل ما له صلة بوظيفته المضاعفة: لو اعتبرنا ما عدا ذلك أيضا حديثا لصح أن تكون مدونة الحديث شبه لامتناهية لأن الرسول يمكن أن يكون قد تكلم ملايين المرات خلال 23سنة فضلا عما تقدم عليها لأن السيرة تبدأ حتى بما حدث قبل ميلاده ويمكن أن يبدأ الحديث بهذا المعنى بمجرد ان بدأ ينطق فيستعاد كل كلامه بعد أن أصبح رسولا. وهذا النوع الثاني من كلام الرسول يمكن أن يكون لطلب المعرفة به أو للاستئناس به نموذجا خلقيا لكنه ليس موضوع بحثي .فما يعنيني هو الحديث من حيث دوره في وظيفة الرسول كمذكر أو مبلغ بلاغا مبشرا أو منذرا وكسياسي كلف بتحقيق العينة من مشروع الرسالة الكونية بالتربية وبالحكم. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- وهنا أضع فرضية تتعلق بما يمكن أن يكون قد أضيف إلى الحديث بهذا المعنى بقصد قياسا على ما أضافه الفقهاء بالقياس إلى أحكام القرآن للتحرر من قول الظاهرية التي ترفض القياس .فمن تجرأ على أحكام القرآن قاس عليها أحكاما صارت تعتبر وكأنها أحكام القرآن لا يستبعد أن يقيس على الحديث أحاديث. وهذا النوع يمكن أن يكون حسن القصد أو سيئه. والثاني هو الغالب لأن تحريف القرآن في القياس يمكن أن يعتبر خطأ اجتهاديا وعدم الإصابة في الاجتهاد ليس جريمة ما حسن قصده ولذلك فهو مأجور .لكن ما يمكن أن يعتبر من علل القدح في الحديث هو توظيف مكانة الرسول لجريمة كبرى هي تأسيس الاستبداد. وبصورة أدق تأسيس ما عليه يؤسس علماء السلطان شرعية وهمية للاستبداد في التربية والحكم بتأسيس سلطان روحي لهم يكون وساطة بين الله والمؤمن وبين المؤمن وأمره. تحريف الحديث بالوضع ونسبته إلى الرسول على أساس أن العلماء ورثة الأنبياء فيصبحون كنسية تؤسس الحكم بالحق الإلهي. والمثال في ذلك ما ينسبونه إلى الرسول من ضرورة الطاعة العمياء في علاقة المرأة والرجل والمحكوم والحاكم والأب والابن وخرافة لحم العلماء المستنتجة من وراثة الأنبياء كل ذلك قد يكون لها أصل وقع تحريفه بإلغاء شرط دلالته كما في قضية طاعة الحاكم دون شرط في الحق مثلا. ومثل هذه الانتحالات على الرسول من اليسير تطهير الحديث منها لأن ردها إلى المبادئ العامة التي تخضع لها وظيفتا الرسول مذكرا بما في الفطرة ومعلما نصها الوارد في القرآن وسياسيا مطبقا للمبادي في التربية والحكم كاف وزيادة لتحقيق هذا التطهير ولا حاجة للجرح والتعديل فضلا عن عقمه معرفيا. ومن درس أسباب الخطأ في التاريخ التي عددها ابن خلدون فضلا عن النسيان والخلط لا يمكن أن يطمئن لأمانة الرواية حتى لو نزهنا الراوي عن التشيع لمذهبه أو لجماعته إذ أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- قد ينسى وقد يخلط وقد لا يفهم وقد يكون منحازا بصورة لا واعية ومن ثم فالأمانة وحدها تكفي خلقيا ولا تكفي معرفيا. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- أصبح الآن بوسعنا أن نحدد مضمون القرآن الذي هو ما تذكر به الرسالة باعتباره المضمون الذي فطر عليه الإنسان مضمونا لكل الرسالات المنزلة السابقة بفارق وحيد هو كونه جاء في صيغته الكونية في حين أن هذه جاءت في صيغة فيها الكوني دون شك لكنها يغلب عليها خصوصية المرحلة التي نزلت فيها. وهو متعلق بالموجود في العمل والشرائع وليس بالمنشود في النظر والعقائد (المائدة .)48 فالمنشود في النظر والعقائد هو غاية التسابق في الخيرات والموجود في العمل والشرائع هو مراحل الإعداد الذي ينقل من الموجود إلى المنشود في تسابق الخيرات .فيكون التعدد الديني شرط حرية السعي إلى المنشود. وكل ما تعلق بالعمل والشرع من فروق مقبول ما لم يكن معارضا لما يتعلق بالنظر والعقد أو للسعي إليه من حيث هو المنشود من الدين في بعده الروحي وفي بعده السياسي تربية وحكما في الدنيا من حيث هي مطية للأخرى أو في الاستعمار في الارض من حيث هو حاصل بقيم الاستخلاف. وبهذا المعنى يكون القرآن بداية الرسالة في وجهيها الروحي والسياسي وغايتها .فهو من حيث كونه عبارة الفطرة هو نقطة الانطلاق للإنسان من حيث هو إنسان وهو في آن نقطة الوصول والمراحل المقطوعة بين البداية والغاية هي التاريخ الروحي والسياسي في التربية والحكم للإنسانية :مضمون الرسالة. فإذا أخذنا ما سميناه المعادلة الوجودية وجدنا أن القرآن لا يتكلم إلى في عناصره الخمسة أي قلب المعادلة \"الله-الإنسان\" ثم في الطبيعة وما ورائها قبل قلب المعادلة وفي التاريخ وما ورائه بعد القلب .وكل عنصر يتكلم فيه القرآن وفي علاقاته بذاته وبالعناصر الأربعة الأخرى. فتكون عدة تعلقات الرسالة بعناصر المعادلة :كل واحد من العناصر الخمسة له علاقة بذاته وبالأربعة الباقية .والقلب واحد دون أن يعني ذلك الوحدة الوجودية بين الذاتين أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- لأن التلازم بين الاله والمألوه ليس وجوديا في الرسالة من حيث هي معلمة بكون كلتا الذاتين في تلازمهما متحاضريتن بنص القرآن الكريم .لكن ذلك يجري في مستويين :في الأعيان وفي الأذهان. ومعنى ذلك أن القلب \"الله-الإنسان\" ينظر إليها من وجهة نظر الله ومن وجهة نظر الإنسان ولا تحصل واحدة من الوجهتين في الرسالة من دون الوجهة الثانية .فمواقف الله من الإنسان تملأ القرآن ويغلب عليها الذم رغم التكريم والاستخلاف .ومواقف الإنسان من الله من نفس الجنس لأن الرضا متبادل ومثله عدمه قياسا على رضي الله عنهم ورضوا عنه. ولا يحصل ذلك في ضمائر الحدين بل في وقائع الوجود التي تؤول على أنها معبرة عن الرضا وعن عدمه وذلك في تأويل الإنسان للوقائع وتأويل لله للوقائع .وكل ذلك وارد ذكره في القرآن ولا يمكن ألا يكون التعليم الرسول متعلقا به ومتعلقا خاصة بمعنى \"ليس كمثله شيء\" أي أن التمثيل أداة تبليغ لا غير .وكل هذه المسائل لها ورودان: .1في التعليم المذكر بأسلوبي المبشر والمنذر تعليم لقرآن كما حددته الآية 106من الإسراء (لتقرأه على الناس على مكث). .2وفي التحقيق السياسي للعينة من الدولة الكونية دولة الإسلام بمبدأي النساء 1 (الأخوة البشرية) والحجرات ( 13لا تفاضل إلا بالتقوى) تربية وحكما. وهذان هما جنسا الحديث الأكبرين وعنهما تتفرع الأنواع: .1الحديث التذكيري .2والحديث التحقيقي. والأول لتحرير الإنسان من النسيان وفيه بدأ أولا بتذكير الرسول: .1بأنه \"إنما هو مذكر\" وليس وسيطا بين الله والإنسان. .2وذكره بأنه \"ليس عليهم مسيطر\" وليس وصيا بين الإنسان وأمره. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- والتذكير الأول يلغي كل إمكانية لوجود كنسية في الإسلام .وهذا هو المصدر الأول لتحريف الحديث بجعله وكأنه يعدل من رؤية القرآن للتربية والحكم فيؤسس لوساطة العلماء ولوصاية الأمراء تحت مسمى ولاية الأمر التربوية والحكمية .وهذا هو المصدر المضاعف الأساسي للوضع في الحديث خاصة. وإذا كان ذلك محدودا نسبيا عند السنة فهو لا حد له عند الشيعة التي هي مطلق الخيال في الكذب على الرسول وخاصة على من يوهمون الناس بأنهم وسطاء وأوصياء على الأمة أي الأيمة المزعومون معصومين ومدركون للغيب ولا عصمة حتى للنبي خارج ما كلف بتبليغه ولا علم بالغيب لغير الله. فالقرآن الكريم صريح بأن الرسول نفسه ليس بمعزل عن نزغ من الشيطان لولا حفظ الله لكتابه ومن ثم فكل كذب على الرسول يفضحه القرآن الكريم بل إن الاتيان بذلك في آيات بينات من علامات الصدق المطلق لدى الرسول لأن أي نزغ ممكن نجد القرآن يحذره منه ما يعني أن ما ليس فيه تحذير مطلق الصحة. ولست مغالبا عندما قلت إن القرآن لا يتكلم في دين من بين الأديان بل في الديني من حيث هو ديني في كل دين وأن هذا الديني في كل دين هو عينه الفلسفي في كل فلسفة بمعنى أنه طلب الحقيقة بمعيار التصديق والهيمنة حتى بالقياس إلى ذاته أي إنه مصحوب دائما بالنقد الذاتي والمراقبة الذاتية. وتلك هي العلة في صلوحية القرآن لأن يكون مؤسسا لعلم الحديث أو قاعدة لتأسيس علمية الحديث بدءا بتحديده تحديدا جامعا مانعا إذ كما بينت فإن أي علم ينطلق دائما من تحديد موضوعه بالجمع والمنع حتى على سبيل الفرض وإلا فلا موضوع ولا علم بل ركام من الخرافة التي يكون ضررها أكثر من نفعها. وما أظن أحدا لم يلاحظ أن ما قد ينزغ به الشيطان لا يمس الوظيفة الأولى وظيفة التبليغ والتذكير بل يمس الوظيفة الثانية الوظيفة السياسية تربية وحكما .فالحالتان أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- اللتان وقع فيهما تحذير الرسول لهما صلة بالتربية والحكم وليس بالتبليغ والتذكير .وفي ذلك حكمة بالغة :لأنها اجتهادية بشرية. وهي حكم الحديث كله بخلاف التذكير والتبليغ .ومعنى ذلك أن الرسول من حيث هو مذكر مطلق العصمة لأن عمله ليس اجتهاديا بل هو ناقل عن الله مباشرة .لكنه في السياسة تربية وحكما يكون مجتهدا وهو أفضل المجتهدين لكنه ليس معصوما كما في وظيفة التبليغ والتذكير بدليل التحذير القرآني له. والتحذير شديد الصراحة أكثر مما جاء لوم \"عبس وتولى\" في قوله تعالى \"وَ ِإن َكادُوا لَيَ ْفتِنُو َن َك عَنِ الَّ ِذي أَ ْو َحيْ َنا إِلَ ْي َك لِ َتفْ َت ِريَ عَلَ ْينَا َغ ْي َرهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّ َخذُوكَ خَلِي ًلا (الإسراء .)73فهذا النوع من الفتنة الذي يحذر الله رسوله منها من مجال السياسة .وقصة الغرانيق أكدها القرآن حدوثا ونسخا. وبخلاف سخافة من يجعل ذلك علة للقدح في القرآن -بعكس غباء صاحب الرواية -وحمق صاحب الفتوى ضده بسببها-اعتبره أكبر الأدلة على صحة القرآن وصدق الرسول لأن ادعاء عدم الخطأ لا يعني الصدق بخلاف اصلاحه عند حصوله وتجاوزه بحضور المعيار الأتم لحفظ الله لرسالته وتعالي الرسول على كل إمكانية لاخفاء ما حصل ما يؤسس لثقة لا تشوبها شائبة. وبذلك نجد المعيار الأتم لتطهير الحديث .فكل ما فيه هذا النوع من الفتنة لا يمكن أن ينسب إلى الرسول وهو إذن موضوع لأن الله حذره من ذلك ولا يمكن أن يكون الرسول قد خالف تحذير الله له في اجتهاده علما وأن المخالفة في التذكير والتبليغ مستحيلة بل هي قد تلحق بهما خلال الاستعمال السياسي. الوضع الذي نؤمن بأنه لم يمس القرآن يجعل القرآن وحده كافيا لتخليص الحديث منه. فالاحتكام إلى القرآن في تعيير اجتهاد الرسول مع شروط العلم الدقيق بما في القرآن العلم الذي لا يكتفي بالفهم المباشر بل الفهم المستند إلى فرضيات نظرية حول ما يقتضيه كونه رسالة تذكير بما يوجد خارجها. أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- فلا معنى لرسالة تذكر بما فيها فتكون هي المذكر والمذكر به وهو ما يجعل فهم الرسالة مستحيلا ما يعني أنها عبث .لذلك فالقرآن وضع حدين لفهمه :أحدهما موجب يحدد أين ينبغي التوجه لفهم ما تذكر به الرسالة والثاني سالب يحدد ما ينبغي تجنبه حتى يكون الفهم فهما قابلا للامتحان وليس رجما بالغيب. لكن المشكل هو أن كل علوم الملة عكست الموجب فجعلته سالبا والسالب موجبا .فهي عكست فصلت 53وعكست آل عمران .7ترك العلماء عالم الشهادة مجهولا فلم يروا آيات الله في الآفاق والانفس وانشغلوا بعالم الغيب فرجموا به بدعوى أنهم راسخون في العلم فصار الاستئناف عطفا في آل عمران .7وصيرورة الاستئناف عطفا تعني أمورا خطرة: .1ففيها دعوى الإحاطة وهي مستحيلة على غير الله وهي ما يعنيه عطف تأويل المزعومين راسخين في العلم على تأويل الله للمتشابه. .2وفيها دعوى تبرئة من زيغ القلوب .3وفيها دعوى تبرئة من ابتغاء الفتنة .4وفيها دعوى نفي للغيب .5وفيها تأسيس لوساطة ووصاية محرمتين قرآنيا حتى على النبي. لن أطيل الكلام في قلب فصلت 53وآل عمران 7قلبا جعل كل علوم الملة تحريفية بالجوهر لأني عالجت ذلك في عدة مواضع ويعنيني الآن أن بيان أن نسبة الرسالة إلى ما تذكر به هي نسبة السبابة التي تشير إلى مشار إليه أهمله من تصور فهم القرآن يكون بشرح ألفاظه كمن ينشغل بالسبابة عن المشار إليه. المشار إليه في الرسالة نوعان: أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- ففصلت 53تعين المحل الذي ينبغي أن نبحث فيه عن ضالتنا .وآل عمران 7تعين المحل الذي إذا بحثنا فيه نزداد ضلالا لأننا حينها نكون معبرين عن زيغ في قلوبنا ونبتغي الفتنة اي صراعا بين أقوال لا يوجد معيار يحتكم إليه فيها. والمشار إليه الموجب في فصلت 53من خمسة أنواع: والأول يطلب قوانين الخلق والثاني يطلب سنن الامر .والاول شرط الثاني للإنسان كمستعمر والثاني شرط الأول للإنسان كمستخلف. وهذا التشارك والتفاعل بين الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها وكذلك بين تجهيزي الإنسان أي النظر والعقد والعمل والشرع يطابقان ما بين قوانين الطبيعة وسنن التاريخ أو قوانين الخلق وسنن الأمر وكلاهما يمثلان في آن مصدر أدلة القرآن على ما يذكر به ومصدر أدوات الإنسان على تحقيق مهمتيه مستعمرا ومستخلفا. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- لست معنيا كثيرا بمعركة العلمانيين والقرآنيين مع الحديث والمحدثين بل إني كنت ولا زلت أعتبر هذين الخصمين للحديث والمحدثين من أسخف خلق الله لأنه لا يوجد دين أي فن من فنون المعرفة والجماليات يخلو من النوع الثاني من تراث الفن حول النواة وصاحب الرسالة تقص أقواله وأفعاله. وكل ذلك ينتسب إلى سيرة صاحب الرسالة وإلى ترجماته للرسالة بأقواله وافعاله وحتى بانفعالاته وأكثر الاشياء حميمة في حياته .وكل شيء من هذا النوع لا يخلو مما ينسج حوله من حق وباطل ليس بالضرورة مما حصل فعلا لكنه مما يضيفه الخيال الشعبي بحسن نية أو بسوئها للاستفادة من رمزية صاحب الرسالة .ولم يدفعني لكتابة هذه المحاولة ذات الفصول الخمسة إلا أمران سلبيان وأمران موجبان في إشكالية حقيقة الحديث وشروط عمليته فضلا عن كثرة اللغط عند الحداثيين المزعومين والقرآنيين المنافقين .ولأبدأ بالسالبين: فالعلم لا يبدأ قبل تجاوز قال فلان وقال علان وهو معيار وضعه القرآن وطبقه في كل ما يذكر به. وكل من قرأ القرآن حتى دون تدبر عميق يعلم أن القرآن ينبه إلى فساد ذلك من وجهي: فهو أولا يرفض هذا ما وجدنا عليه آباءنا وهو لا يقدم شيئا دون التدليل عليه بما في ذلك وجود الله ووحدانيته .وإذن فالاحتجاج بقال الله قال الرسول ليس من الإسلام وليس ممثلا إلا لما أصاب السلفية من انحطاط. والوصل بين الامرين السالبين هذين والأمرين الموجبين اللذين حاولت بيانهما في الفصول السابقة هو الأصل الجامع بين الأمور الأربعة :الحديث رغم كثرة الكلام فيه ورغم تقديمه أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- في الممارسة الفعلية على الأصل الذي هو القرآن ليس موضوع علم بعد فضلا عن أن يكون علما .وهذا النفي المضاعف هو منطلقي في المحاولة. فالأمران السالبان هما علة هذا الليس لأن عملا دام أكثر من عشرة قرون وبقي في شكله البدائي توهما بأن كثرة المعايير لتصنيف الأحاديث بحسب الرواية يعد فنا علميا وليس مجرد علامات واهية لا تثبت شيئا حتى لو كانت أصح الصحيح بهذه المعايير .فأعدل الناس وأقواهم ذاكرة وحفظا قد يروي شائعة صدقها ولم يشك فيها. فما يثبت أي شيء إلا من صفاته الذاتية وليس من صفات راويه الذاتية .وليكن مثالنا أصدق الرواة عن الله مباشرة أو بتوسط جبريل أعني متلقي الوحي نفسه .فلو لم يكن في ما يرويه عن جبريل متصفا بما يجعله صدقا لكان القرآن غنيا عن الاستدلال الوارد فيه ولو لم يكن الله يعلم أن الإنسان أكثر شيء جدلا وأنه يمكن أن نتشكك في رواية الرسول مهما كان الإيمان بصدقه مجمعا عليه وغير قابل للقدح. ولذلك فعندي أن خصومة النقل والعقل من دلالات فقدان البصيرة عند أصحابها .ذلك أنه لا يوجد نص قرآني واحد يأتي بصيغة \"خذ ما أقول لك مسلما\" بل لا بد أن تجد فيه دليله فضلا عن كون المسلم ليس موضوع علم لأن الغيب كله محجوب حتى على الرسول وحتى على جبريل إذ لا يعلمه غير صاحب العلم المحيط أي الله خالقه .فلا نعلم معنى \"خلق\" ولا معنى \"أمر\" ولا معنى \"قضى\" إلا بقياسات تشبيهية ضرورية لفهم عام مع حرز ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله. فإذا كان الرسول لم يكتف بالرواية عن جبريل بل كان ما يرويه متضمنا في ذاته أدلته وكان القرآن يعتبر النبي إنما هو مذكر فمعنى ذلك أن الله لم يكتف بالرسالة التي أوصلها جبريل للرسول حتى يبلغها لنا بل اعتبره مذكرا بأمر هو فينا نكتشفه عندما نتأمل الرسالة وما في ذواتنا و في ما حولنا من آيات الله. فكيف يمكن حينئذ أن نبني التصديق بحديث الرسول على صفات رواته وليس على صفات حديث الرسول؟ لا يمكن أن نؤسس صحة حديث على صحة حديث :الأول هو الحديث المروي أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- والثاني هو الحديث الراوي؟ ولذلك فقد نقلت الإشكال من بناء صحة حديث الرسول على صحة حديث القرآن الذي يعين أدلة صحته في ما يحيل عليه. فالله هو الذي يقول في فصلت \" :53سَ ُن ِريهِمْ آ َياتِ َنا فِي ا ْلآ َفا ِق وَفِي َأنفُ ِس ِه ْم حَتَّ ٰى َيتَ َب َّينَ لَهُ ْم َأ ّنَ ُه الْحَ َقُّ ۖ َأ َولَمْ َيكْ ِف ِبرَ َّبِكَ أَنَّ ُه عَ َلىٰ ُك َِّل َشيْ ٍء َش ِهي ٌد\" :الآية حديث نقله جبريل للرسول الذي نقله لنا وشهد الله على صحته ومع ذلك نجد إحالة. والإحالة ليست مثل ما يمكن أن يصحب الحديث الذي نريد تأسيس علمه أعني احداثا مضت وليس لنا منها أثر ثابت لأنه هو أيضا من المرويات التاريخية بل هي إحالة على الآيات التي يرينها الله في الآفاق وفي الأنفس وهذه ليست مما يمضي بل هي دائمة الوجود في ما حولنا (الآفاق) وفي ذواتنا (الأنفس). فأي عقل لهؤلاء الذين يتصورون درجات عدل المحدث كاف للدلالة على درجات صحة الحديث فضلا عن ثبوته؟ هل وضع القرآن-الذي لا يمكن لمسلم صادق أن يشك فيه-عبثا وصلا بين آياته وبيان حقيقته بآيات يرينها في الآفاق والانفس حتى يكون حديث القرآن مشيرا إلى مرجع نحتكم إليه في تبين حقيقته؟ فما الذي يجعل القرآن كله استدلال واستدلال بآيات الله في الآفاق (قوانين الطبيعة وسنن التاريخ) وفي الأنفس (النظر والعقد للمعرفة والعمل والشرع للعمل) لو لم يكن الله قد جعل الرسالة للتذكير بما يحيل إليه خارجه أعني آيات من نوع ثان كامنة فينا وفي ما حاولنا من عالم الشهادة؟ بحيث يكون التذكير القرآن بأسلوب المبشر والمنذر دافعا للبحث في نظام العالم الطبيعي والعالم التاريخي لنكتشف بأنفسنا أن ما وجهنا إليه القرآن وذكرنا به ليس مجرد حديث بل هو حديث يحيل إلى أحداث دالة على نظام الخلق ونظام الأمر خارجنا وعلى ما جهزنا أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- الله به لعملهما وللتعامل معهما على علم .والتعامل معهما على علم هو القيام بالمهمتين اللتين كلف بهما الإنسان: والأول هو علاقة بين الإنسان والعالم من حيث هو مصدر قيامه مسخرا له بما جهز به من قدرات ليستمد منه شروط بقائه :تطبيق علمي. والثاني يحدد التعامل بقيم الاستخلاف :تطبيق خلقي. وبهذا المعنى فلا يمكن أن يتأسس الحديث لا من حيث هو \"موضوع ذو وحدة\" قابل للتحديد الجامع والمانع فضلا عن أن يتأسس كعلم مباشرة لاستحالة الاحتكام فيه لمرجعية ثابتة إذ هو في صلة بسيلان تاريخي غير ثابت هو أقوال الرسول .لذلك فالاحتكام إلى حديث يحيل على مرجعية ثابتة هو الحل الوحيد. والحديث الذي يحيل إلى مرجعية قارة بنصه هو القرآن الكريم :فصلت فيها الإحالة التي يعتبرها القرآن إحالة إلى ما يحتكم إليه لتبين حقيقة القرآن .وما يحتكم إليه ليس الآفاق والانفس بل ما فيهما من آيات يرينها الله .وهذه الآيات التي يرينها الله هي نظامهما في الأعيان وفي الأذهان. فالنظام في الاعيان هو نظام الطبيعة ونظام التاريخ والنظام في الأذهان هو النظر والعقد لمعرفة القوانين وهو العمل والشرع للعمل بالسنن. فالأولان في العالم تشير إليهما كل أدلة القرآن لأنه يعتمد على الاستدلال بنظامه وليس بخرقه والثانيان في الإنسان نفسه يشير إليهما التذكير القرآني. وهو ما يعني أن تأسيس علم الحديث مشروط بفلسفات القرآن الخمس: أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- وكلا 2و 3يتعلقان بالعمل والشرع أو بعلاقة القانون والأخلاق. وكلا 4و 5يتعلقان بالنظر والعقد أو بعلاقة الإيمان والعلم. وهذه هي المراجع الوسيطة بين الحديث والقرآن والقرآن هو المرجع الوسيط بين الحديث ما يحيل إليه القرآن لتبين أنه الحق .ولهذه العلة فالحديث وعلمه أعسر من كل ما تقدم بوصفه شرطا في علميته .ولو لم يكن الامر كذلك لما أضعت الوقت في علاج مسألة أسالت الكثير من الحرب في الثرثرة حولها. فمن دون ذلك لا يكون المقصود باستعمال حديث الرسول المعرفة بل السلطة .مستعمله يريد أن يستفيد من منزلة القائل وليس من دلالة القول .وهذا يؤدي بيسر إلى الكذب على القائل لأن البحث عن استمداد سلطة وهمية من سلطة حقيقية بالكذب عليها هو سر اسرار الخداع الروحي وحتى المادي. وهذا الخداع تجده حتى في استغلال النفوذ بالإيهام .فعندما يأتي شخص ويدعي أنه مرسل من الحاكم الفلاني أو من صاحب السلطة الفلانية فقد يقضي شأنه بكذبة قد لا يكون صاحب السلطة المشار إليها داريا حتى مجرد الدراية باستغلال اسمه كجاه لقضاء حاجة في مجتمعات بشرية لا تخلو من التخادع الدائم وخاصة في ما له علاقة بالسلطة والمال. وقد يحسب للمحدثين اجتهادهم في محاولة تطهير الحديث من مثل هذه الظاهرة .لكن المعايير المستعملة ليست علمية لان صحة الحديث المروي لا يعتمد فيها على حديث الراوي لمجرد كونه عدلا أو حتى لمجرد وجود التواطئ غير المخطط له مسبقا إذا لم يكن بصفاته الذاتية محيلا على ما لا يقبل الشك. وذلك ما حدده القرآن وهو ما يرينه الله من آيات في الآفاق وفي الأنفس وما به يستدل القرآن في التبليغ والتعليم والتذكير وخاصة في السعي لتحقيق ذلك بسياسة التربية أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- وبسياسة الحكم كما طبقهما الرسول في المرحلتين التي تغلب عليها التربية المعدة إلى الحكم والتي يغلب عليها الحكم المطبق للتربية. وأخيرا فهذه المحاولة اجتهاد لا أدعي أنه قد حقق المطلوب أي تحديد الحديث تحديدا جامعا ومانعا وتأسيس علمه علما قابلا للتحقق منه بنفس الطريقة التي وضعها القرآن لتبين حقيقته .لكن ذلك يمكن أن يعتبر وضعا للأسئلة التي لا بد من الحواب عنها إذا شئنا الخروج من ركام الحديث عديم النظام. أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 36
Pages: