الفاتيكان العلماني أو سدنة العجل الذهبي وثورة الاسلام - القسم الرابع - أبو يعرب المرزوقي
نحاول في هذا الفصل الرابع من "الفاتيكان العلماني" الجواب عن السؤال الثاني بعد أن وصفنا الحال بسلم تصاعدي لفساد معاني الإنسانية لدى نخبنا. اعتمدنا في الوصف المنحنى التصاعدي لفساد معاني الإنسانية من السلطان الرمزي (نخبة الرؤى) إلى السلطان الفعلي (نخبة الإرادة)، ونعكس، فالتعليل، وذلك بمقتضى منطق ابن خلدون في تفسير فساد معاني الإنسانية: فهو يعلله في السياسية ببعديها، التربوي والحكمي، بالعنف والاضطهاد المعطل لقوى النفس. لكن ذلك لا يكفي لفهم التحولات الحضارية، التي هي موضوع التاريخ المديد. فله تعليل أعمق: الترف القاتل للقوى العضوية بما يشبه الإعياء الوجودي. والإعياء الوجودي مع فساد معاني الإنسانية، يمثلان عزوفا عن الحياة أو فقدانا العنفوان العضوي الملازم، لتغير حقب التاريخ المديدة بقانون التراكم. والمعلوم أن نظرية ابن خلدون الفلسفية (ويطابقها ترجمته الدينية لها) تتألف من مستويين يناظران مقومي الإنسان: الاستعمار في الأرض، والاستخلاف فيها. والأول، كما أسلفنا، يغلب عليه القانون الطبيعي، والثاني يغلب عليه القانون الخلقي، دون أن يخلو الأول من الأخلاق، والثاني من الطبيعة، لوحدة البعدين.
Like this book? You can publish your book online for free in a few
minutes!