Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الحرب اللطيفة ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها_الفصل العاشر_ابو يعرب المرزوقي

الحرب اللطيفة ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها_الفصل العاشر_ابو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-05-12 09:17:35

Description: وصلنا إلى الفصل الأخير في الحرب اللطيفة التي تحقق الإنسان وشروط حياته وتحميه ذاته فيه أو في غيره وتحمي الأرض بوصفها معين حياته السوية.
وهذه الحرب اللطيفة التي خسرناها منذ قرون لأننا صرنا أمة عزلاء سواء في تكوين الإنسان أو شروط قيامه أو في حمايته أو في حماية الأرض من الإنسان.
وكل الفصول التسعة التي سبقت كان هدفها بيان علل هذا الفقدان وشروط استعادة القدرة عليها من خلال ارجاعها إلى تحريف المرجعية وما يتفرع عنها.
وقد ذكرنا أن الفنون المتفرعة عن المرجعية الروحية للجماعة أربعة لكنها في الحقيقة تبينت ثمانية لأن كل علم من هذه العلوم الاربعة يمكن ينحرف.

Search

Read the Text Version

‫ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها‬

‫ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها‬

‫المحتويات‬‫ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها ‪1‬‬ ‫تمهيد‪1 :‬‬ ‫هدف المحاولة الأساسي ‪1‬‬ ‫نتائج التحريفات الخمسة ‪3‬‬ ‫فرضية المنطلق ‪4‬‬ ‫أول مشكل‪ :‬ما حقيقة القرآن؟ ‪5‬‬ ‫طبيعة الخطأ التأويلي الأساسي ‪5‬‬ ‫نتائج هذه الفرضية ‪7‬‬ ‫الخاتمة ‪8‬‬

‫ممهدات لفهمها وشروط لعلاجها‬‫وصلنا إلى الفصل الأخير في الحرب اللطيفة التي تحقق الإنسان وشروط حياته وتحميه‬ ‫ذاته فيه أو في غيره وتحمي الأرض بوصفها معين حياته السوية‪.‬‬‫وهذه الحرب اللطيفة التي خسرناها منذ قرون لأننا صرنا أمة عزلاء سواء في تكوين‬ ‫الإنسان أو شروط قيامه أو في حمايته أو في حماية الأرض من الإنسان‪.‬‬‫وكل الفصول التسعة التي سبقت كان هدفها بيان علل هذا الفقدان وشروط استعادة‬ ‫القدرة عليها من خلال ارجاعها إلى تحريف المرجعية وما يتفرع عنها‪.‬‬‫وقد ذكرنا أن الفنون المتفرعة عن المرجعية الروحية للجماعة أربعة لكنها في الحقيقة تبينت‬ ‫ثمانية لأن كل علم من هذه العلوم الاربعة يمكن ينحرف‪.‬‬‫فرأينا أن كل علم يمكن أن يكون حقيقا يطابق اسمه مسماه ويمكن أن يكون مزيفا ليس له‬ ‫من حقيقته إلا الاسم‪ .‬وهذه العلوم المزيفة هي علة الانحطاط‪.‬‬‫فحرف علم النظر والعقائد ولم يبق منه إلا تخريف حول الميتافيزيقا والكلام وحرف علم‬ ‫العمل والشرائع فلم يبق منه إلا تخريف حول الفقه والتصوف‪.‬‬‫انعدمت ثمرات العلوم في مجالي وظيفتها أعني تحقيق شروط الاستعمار في الأرض‬ ‫والاستخلاف فيها بصورة تحول دون الإخلاد إليها وفقدان معاني الإنسانية‪.‬‬‫فبين ابن خلدون وقبله ابن تيمية وقبلهما الغزالي أي ثالوث المدرسة النقدية العربية أن‬ ‫الازمة الحضارية الإسلامية هذا مصدرها وحاولوا الإصلاح‪.‬‬‫وكان الهدف الأساسي من هذه المحاولة التصدي لدعوى خطيرة جعلت الأمة في حرب أهلية‬ ‫دونكيخوتية بين صفين أحدهما يدعي تمثيل الأصالة والثاني الحداثة‪.‬‬ ‫‪10 1‬‬

‫فصف الحداثة المزعوم ينطلق من واقعنا المتردي ويعلله ليس بانحراف حضاري بل يحمل‬‫مسؤوليته للمرجعية نفسها واتهامها بأنها منافية للحضارة فيريد محوهما وتعويضهما‬ ‫بالعارية‪.‬‬‫وصف الأصالة المزعوم يتصور أن الاستئناف ممكن بالقراءة المتخلفة للمرجعية وبما نتج‬ ‫عنها من فروع منحرفة ويظن الحداثة ما يعرضه الصف المقابل‪.‬‬‫وفي الحقيقة فصاحب الحداثة المزعوم يحارب المرجعية التي هي الكيان الحي بدل علاجها‬ ‫وصاحب الأصالة المزعوم يعالجها بالقراءة المتخلفة أي بدائها‪.‬‬‫لكني لست ممن يرضون بالموقف الدفاعي‪ .‬فمشكلي ليس مجرد الرد على انحرافي التشخيص‬ ‫والعلاج بل استئناف التشخيص من رأس لاكتشاف العلل العميقة‪.‬‬‫فالهدف هو تحقيق شروط التأصيل والتحديث بمقتضى سنن التغيير السوي في التاريخ‬ ‫الحضاري للأمم بصورة عامة لأننا لسنا شاذين عن سنن التاريخ الإنساني‪.‬‬‫والتشخيص يبدأ ببيان حقيقة هذين الموقفين الكاريكاتوريين من الأصالة والحداثة وكيف‬ ‫أنهما في الحقيقة من أعراض الداء وليسا من أصحاب الإصلاح‪.‬‬‫ولذلك سميت أصحاب كاريكاتور الأصالة بمليشيات السيف واصحاب كاريكاتور الحداثة‬ ‫بمليشيات القلم رغم تخصيصي الاسمين أحيانا لعملاء إيران وإسرائيل‪.‬‬‫وفي الحقيقة يصح التعميم‪ :‬أصحاب الكاريكاتورين عملاء إيران وإسرائيل وإن بغير قصد‬ ‫بخلاف عملائهما القصديين مثل حزب الله والاعلام الخادم له‪.‬‬‫فداعش (مليشيا سيف) وفقهاؤها (مليشيا قلم) والليبرالي والعلماني العربي كل أولئك‬ ‫هم أكثر فائدة لإيران وإسرائيل حتى من حزب الله واعلامه لأنهم طوابير خامسة‪.‬‬‫فرأيت أن الخطاب المباشر لشباب المقاومة لا يكفي لأنه في الحقيقة ينتهي إلى ما يشبه‬ ‫الوعظ والإرشاد الذي لا يمكن أن يكون مبدعين نظرا وعملا‪.‬‬‫وشرعت في عرض لا يمكن أن يتابعه إلا من يغوص فيه فيصبح مفكرا بذاته ولا يتقدم فيه‬ ‫إلا بقدر تقدمه الذاتي في فهم الإشكالية وعلاجها معي التوازي‪.‬‬ ‫‪10 2‬‬

‫وتلك هي علة شكوى الكثير من العسر‪ :‬فليس يسيرا أن ينتقل المرء من ثقافة التلقين الذي‬ ‫يكون فيه مجرد سامع ومنفعل إلى ثقافة الفحص والبحث الذاتيين‪.‬‬‫ولهذا فكلما سمعت شكوى من العسر تيقنت أن صاحب الشكوى بدأ يدرك حقيقة النقلة من‬ ‫موقف تلقي التلقين إلى موقف المشاركة في الاكتشاف والاستنارة‪.‬‬‫ودون شك فالكثير سيشعر بالإحباط ويهرب‪ .‬لكن يكفي أن يبقى واحد في المائة حتى‬ ‫تتراكم الأعداد وينشأ التحدي الذي لا يمكن للفكر من دونه أن يبدع‪.‬‬‫ويكفيني أن يكون لي سهم مهما كان مقداره ضئيلا في تكوين جيل يفحص ويبحث ويتجاوز‬ ‫مدرسة التلقين إلى مدرسة النقد (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون) يكفيني فخرا‪.‬‬‫ولنشرع الآن في بيان ما نتج عن التحريفات الخمسة التي أدت إلى الانحطاط ولنقارن مآل‬ ‫حضارتنا بالحضارات التي تجاوزت أزمتها قبلنا فالسنن كونية‪.‬‬‫غادرت تونس سنة ‪ 2002‬واستقررت بماليزيا فتحررت من المنغصات‪-‬وجلها في الجامعة نفسها‬ ‫التي كانت اقطاعية لعملاء النظام من كاريكاتور الحداثة‪.‬‬‫وكنت أشعر أني قد استعددت لمهمة في مساري الأكاديمي من خلال دارستي لفلسفة اليونان‬‫(ارسطو خاصة) وفلسفة الألمان (هيجل خاصة) والمدرسة النقدية العربية (الغزالي وابن‬ ‫تيمية وابن خلدون)‪.‬‬‫وطبعا فقد درست الفلسفة العربية بمعناها التقليدي ذات الميل المدرسي الشارح للفلسفة‬ ‫اليونانية ومحاولات فهمها والفكاك من البارادايم الذي تمثله‪.‬‬‫والمهمة عندي مهمة مقدسة‪ :‬ما الذي حرف فكان علة ما حل بالأمة ما تعاني منه الآن؟ خطا‬ ‫ما حصل جعل تاريخنا بخلاف ما يقتضيه القرآن ويعد به الله‪.‬‬‫هذا السؤال هو الذي جعلني أعود لتدبر القرآن الذي اعترف بأني‪ -‬بسبب المسار الأكاديمي‬ ‫الغربي بإطلاق‪ -‬ابتعدت عنه بالفرقان لكني لحسن حظي لم أغادره بالوجدان‪.‬‬ ‫‪10 3‬‬

‫ذلك أني تشربت الكثير منه من بداية الطفولة إلى سن الرشد فبقي ذلك منحوتا في‬‫الوجدان إلى الآن‪ .‬انطلقت من فرضية أولية‪ :‬علة الخطأ هي استثمار القرآن بالمقلوب‬ ‫أعني في اتجاه يعكس ما حدده القرآن نفسه (فصلت ‪.)53‬‬‫لكن لماذا اعتبرت درس الفلسفة اليونانية والألمانية شرطا في علاج أزمة حضارتنا؟ لعلتين‪:‬‬ ‫فتاريخ الأمة بدأ عربيا بصراع مع دولة اليونان وانتهي عثمانيا بصراع مع دولة الألمان‪.‬‬‫وتاريخ فكرنا بدأ مواصلة ومحاولة للقطيعة مع فكر اليونان وانتهي بمواصلة ومحاولة‬‫لقطيعة ألمانية مع فكرنا‪ .‬فكان محاطا بهما‪ :‬نحن أصلحنا عقلنا خلال العلاقة باليونان وهم‬ ‫أصلحوا عقيدتهم‪ .‬خلال العلاقة بنا‪.‬‬‫فضل اليونان علينا كبير‪ .‬وفضلنا على الألمان أكبر‪ .‬فاليونان كانوا بداية رشد العرب‬‫العقلي أو بداية الفلسفة العربية‪ .‬ونحن كنا بداية رشد الألمان الروحي أو بداية التحرر‬ ‫من التحريف الكنسي‪ :‬فكانت المراحل خمسا‪.‬‬ ‫والمراحل الخمس المعتبرة في فهم أزمتنا هي‪:‬‬ ‫‪-1‬مرحلة فكر اليونان‬ ‫‪-2‬ومرحلة محاكاتنا لفكرهم‬ ‫‪-3‬ومرحلة القطيعة في المدرسة النقدية‬ ‫‪-4‬ومرحلة محاكاة الألمان لفكرنا‬ ‫‪-5‬ومرحلة القطيعة الألمانية مع مدرستنا المواصلة للفكر اليوناني وتلك هي الحداثة‪.‬‬ ‫ومعنى ذلك أن الفكر الحديث له بفكرنا علاقتان‪:‬‬‫وكل ذلك عشناه في إطار أو في ضوء مستمد من مرجعيتنا القرآنية وتفسيره السني أو من‬ ‫الإسلام بوصفه معين حضارة ما تزال نابضة القلب وإن تعطل العقل‪.‬‬‫ذلك هو منطلقي في محاولة تدبر القرآن لاقتراح تفسير فلسفي هو ما تكلمت عليه في‬ ‫الفصول السابقة وهو في الحقيقة لب الأفكار التي تعود إليها‪.‬‬ ‫‪10 4‬‬

‫فكان أول مشكل ليس استثمار القرآن صائبه من خاطئه بل حقيقة القرآن ما هي؟‬ ‫هل يمكن تعريف القرآن تعريفا جامعا مانعا يحدد طبيعته ومن ثم استثماره؟‬‫وبصورة أدق ألا ينبغي تقديم ما يقوله القرآن عن نفسه على ما يقوله على ما يتكلم فيه‬ ‫ووظيفته‪ :‬اليس القرآن نصا يعرف ذاته في الكثير من آياته؟‬‫إذا اقتصرنا على ظاهر الأمور أمكن أن نقول إن المسلمين قد فهموا القرآن من هذا المنطلق‪.‬‬ ‫ولذلك كانت فروع الاستثمار هي الفروع الأربعة وتزييفاتها‪.‬‬‫لكن في حقيقة الأمر هم عكسوا تعريف القرآن لذاته عكسا تاما‪ :‬فتعريفه لذاته لا يجعله‬ ‫محتويا على مضامين الفروع التي استمدوها منه بل العكس تماما‪.‬‬‫فهو يعرف ذاته بوصفه مستوى \"ماورائيا\" للفروع حتى تكون على حقيقتها وتؤدي وظيفتيها‬ ‫اللتين هما تحقيق شروط استعمار الإنسان في الأرض والاستخلاف فيها‪.‬‬‫وعلوم الطبائع هي الطبيعيات وعلوم الشرائع هي علوم الإنسانيات‪ .‬ولهذه العلوم شروط‬ ‫منهجية وأدوات هي بدورها موضوع علوم هي علوم الذرائع الأربعة‪.‬‬‫وعلوم الذرائع هي‪ :‬المنطق والرياضيات بالنسبة إلى الطبيعيات خاصة وهي التاريخ‬ ‫واللسانيات بالنسبة إلى الانسانيات خاصة‪ .‬ونوعا الذرائع يعمان العلمين بنحو ما‪.‬‬‫ولما كانت هذه المجالات الثلاثة الطبائع والشرائع والذرائع مختلفة ومتواصلة فلا بد من‬‫معرفة طبيعة الوصل الجاسر بينها‪ .‬وذلك هو موضوع البدائع أو الوصلات الماورائية بينها‪.‬‬‫وحينئذ نصل إلى ما وراء كل ما وراء أو علم الروائع التي يمكن أن تكون بأسلوب ديني أو‬‫بأسلوب فلسفي أو بهما معا‪ :‬وذلك هو مميز القرآن الجوهري‪ .‬وعلم الروائع هو ما يمكن‬ ‫أن نسميه الإلهيات عامة فلسفية كانت أو دينية‪.‬‬‫تلك هي الأمور التي أضاعها الالتفات السيء في الموقف التأويلي من رسالة القرآن الكريم‪:‬‬‫بدلا من سماع دعوة القرآن بالالتفات إلى الآفاق والأنفس موضوع النظر والعمل بقي‬ ‫الاستثمار في شرح النص بمعان ساذجة وغفلة لا ترقى لمستوى القرآن النظري والعملي‪.‬‬ ‫‪10 5‬‬

‫وفي الحقيقة فالاستثمار الذي أوصل الأمة إلى ما هي عليه جنيس ما يسمى بالإعجاز‬ ‫العلمي‪ :‬بدلا من طلب قوانين الطبيعة منها يطلبونها من نص القرآن‪.‬‬‫فانتهى الأمر إلى العلوم الزائفة التي هي دجل في دجل كانت سابقا البحث عن نتائج علوم‬ ‫اليونان فيه وهي اليوم البحث عن نتائج العلوم الغربية فيه‪.‬‬‫ذلك هو التحيل على وجوب الجهد الضروري قرآنيا‪ :‬النظر في الآفاق والأنفس لمعرفة‬ ‫حقيقة القرآن بدل النظر فيه لمعرفة حقيقة الطبائع والشرائع‪.‬‬‫هذا الخطأ التأويلي لم تظهر عوراته بسبب عنفوان البداية وكفاية المعرفة العفوية‬ ‫والغفلة في المجتمعات الأولى لكن عيوبه تراكمت إلى ما نراه الآن من حال الامة‪.‬‬‫ومعنى ذلك وخلافا لما يتوهم أدعياء الحداثة وأعداء الأمة وضع الأمة لا يعلله ما في‬ ‫المرجعية القرآنية والسنية بل ما جعلها تحرف وظائفهما فتعكسها بدل تحقيق مطلوبها‪.‬‬‫أكاد أطبق المثل الصيني‪ :‬الغافل لا ينظر إلى ما تشير إليه السبابة بل إلى السبابة‪ .‬لم‬ ‫يروا ما يشير إليه القرآن‪ :‬الآفاق والأنفس وغاية النظر والعمل‪.‬‬ ‫فغاية النظر هي تحقيق شروط مقومي الوجود الإنساني باعتباره مكلفا بمهمتين‪:‬‬‫والثانية غير ممكنة من دون الأولى‪ .‬لكن الأولى ممكنة من دون الثانية‪ .‬وفي هذه الحالة‬ ‫يكون الإنسان كما وصفته الملائكة شخصا {يفسد فيها ويسفك الدماء}‪.‬‬‫والأخطر هو أن الذي يتصور الثانية ممكنة من دون الأولى يصبح عبدا لصاحب الأولى‬‫لأنه يكون أعزل لا يملك شروط رعاية ذاته ولا شروط حمايتها‪ :‬وهذه حال المسلمين الآن‪.‬‬‫وبعبارة أوضح‪ :‬فـمن يخسر الحرب اللطيفة لا يمكن أن يربح الحرب العنيفة إذا اضطر‬‫إليـها‪ .‬ولهذه العلة وضعت الآية ‪ 60‬من الأنفال شرطين‪ :‬القوة عامة (من قوة) والقوة‬ ‫العسكرية (من رباط الخيل)‪.‬‬‫فالقوة عامة هي سلاح الحرب اللطيفة أي النظر والعمل وتطبيقاتهما لتحقيق وظيفتي‬ ‫الإنسان (الاستعمار والاستخلاف) ورباط الخيل هو سلاح الحرب العنيفة‪.‬‬ ‫‪10 6‬‬

‫انطلاقا من هذا التحليل لتعريف القرآن كما عرف نفسه اكتشفت أن القراءة الأولى‬ ‫للقرآن قلبت حقيقته فجعلته مصدرا مضموني لمضامين النظر والعمل‪.‬‬‫لكنه هو يعرف نفسه بكون مصدر معياري ما بعد مضموني وما بعد منهجي وما بعد خلقي‬ ‫لأفعال الإنسان كلها وخاصة للنظر والعمل للاستعمار والاستخلاف‪.‬‬‫فعنونت التفسير الفلسفي بـ «استراتيجية القرآن التوحيدية ومنطق السياسة المحمدية\"‬ ‫أي إن القرآن وضع استراتيجية توحيد البشرية الرسول حقق منها عينة‪.‬‬ ‫وهذه الاستراتيجية ذات وجهين‪:‬‬‫والاستراتيجية هي بالطبع فكر ماورائي لعمل على علم‪ :‬وهي ما بعد نظرية وما بعد عملية‬ ‫حتما‪ .‬تلك هي حقيقة القرآن كما يعرف نفسه‪.‬‬‫فهو ما وراء النظر والعمل في الطبيعيات (الآفاق) وفي الإنسانيات (الأنفس) وفي‬ ‫الذرائعيات (ادوات المعرفة والعمل ومناهجهما) وفي الإبداعيات (الوصل بينها)‪.‬‬‫وهو في الغاية ما بعد النظر والعمل في الروائعيات لتوحيد ذلك توحيدا جماليا وتوحيدا‬‫جلاليا أي توحيدا يرينا رائع الانتظام في ذلك كله وتوحيدا يرينا مريع اللاانتظام في ذلك‬ ‫كله الصائر إلى الانتظام‪.‬‬‫وهذا التوحيد بصنفيه يمكن أن يكون مطلوبا بالأسلوب الفلسفي ويمكن أن يكون مطلوبا‬ ‫بالأسلوب الديني‪ .‬وهو نفس الطلب التوحيدي من حيث المضمون الغائي‪.‬‬‫وذلك هو بالذات ما أنسب التفطن إليه إلى المدرسة النقدية العربية التي كتبت فيها ضميمة‬ ‫لترجمة المثالية الألمانية وقارنتها بنظيرتها الألمانية في مسألتين‪.‬‬ ‫والمسألتان هما فلسفة النظر والدين وفلسفة العمل والتاريخ‪:‬‬ ‫‪10 7‬‬

‫كلاهما تجاوز اليونان في مجال إبداعه ولم يتجاوزه الألمان إلا بالمضمون والتطور الشكلي‬‫في نفس البارادايم المتجاوز لليونان وللمدرسية العربية وبنفس التوجه النظري والعملي‪.‬‬‫لكن المبدع مهما أبدع يبقى غير معصوم‪ .‬إذن فبيان فضلهما لا يعني القبول بكل ما رأوه‬‫لذلك تجد الكثير من النقد الموجه لهما في كتاباتي عنهما‪ :‬خطأ سد الذرائع خاصة فهو قد‬ ‫قتل الخيال المبدع‪.‬‬‫فشبابنا لا ينبغي أن يوثن أحدا بل عليه أن يعترف بفضله وخاصة بفضل ما جعله صاحب‬ ‫فضل‪ :‬أي القدرة على الإبداع والنقد عامة والذاتي خاصة شرط تطور‪.‬‬‫هذا الفصل الختامي لن يكون طويلا بل هو من حجم الفصل التمهيدي‪ :‬يكفي فيه بيان‬ ‫أهمية الحرب اللطيفة والمساهمة في تحرير الأمة من الكاريكاتورين‪.‬‬‫والمخاطب به هو شباب الثورة والمقاومين المؤمنين بضرورة الاستئناف مع تجنب الخطأ‬ ‫التأويلي الذي كان علة ما عليه الأمة الآن‪ .‬والله المستعان‪.‬‬‫وختاما فلأشر إلى أمرين يتميز بهما القرآن الكريم واعتقد أنهما علة الحيرة التي تتملكني‬ ‫كلما اقتربت منه‪ :‬فهو يجمع بين التناولين الديني والفلسفي لكل ما يعالجه من قضايا‪.‬‬‫والدليل على هذا الجمع هو تضمنه لضربي التأسيس الماورائي بالأسلوب التحليلي‬‫وبالأسلوب التأويلي‪ :‬فهو يعتمد منهجي التحليل والتأويل اعتمادا واعيا وقصديا بصورة لم‬ ‫تصل الفلسفة الحديث إلى ما يشبهها إلا مؤخرا‪.‬‬‫ذلك أنه يؤسس علاجه لقضايا عالم الشهادة على المفهومات بمنهج تحليلي ويؤسس علاجه‬ ‫لقضايا عالم الغيب على الأمثولات بمنهج تأويلي‪.‬‬‫والجمع بين هذين المنهجين يضيف ما يخلو منه الأسلوب الفلسفي لأنه أقرب إلى الأسلوب‬‫المسرحي أي إن العلاج في الحالتين يكون في الغالب جامعا بين شكل الحوار والمشهد التمثيلي‪.‬‬‫ولعل أفضل مثال هو أمثولة اعلام الله الملائكة باستخلاف بجعل آدم خليفة في الأرض‪ :‬فالله‬ ‫أعلم الملائكة بأنه اختار آدم ليكون خليفة في الأرض‪.‬‬ ‫‪10 8‬‬

‫ثم داربين الله والملائكة برواية إلهية للحوار‪ :‬حوار حول هذه المسألة وفيها تم تأسيس ما‬ ‫سيجعل التحليل والتأويل يصبحان ممكنين‪.‬‬‫فالحجة الحاسمة في أهلية آدم للاستخلاف كانت قابليته لتعلم التسمية أعني الوظيفة‬‫الرمزية التي بها يكونه التحليل والتأويل‪ .‬وذلك رغم احتجاج الملائكة بأن آدم ليس أهلا‬ ‫خلقيا‪ :‬يفسد فيها ويسفك الدماء‪.‬‬‫واستنادا إلى ما في احتجاج الملائكة من بعض الصواب وتوفر شرط التكليف والمسؤولية أصبح‬‫الوجود التاريخي للإنسان امتحانا لهذه الأهلية‪ :‬الاستعمار في الأرض امتحان لأهلية‬ ‫الاستخلاف ولجدارة التكليف والمسؤولية الإنسانية‪.‬‬‫هو إذن جمع بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ انطلاقا من حقيقة الإنسان وأهليته‬‫للحريتين الروحية (لا وساطة بينه وبين ربه) والسياسية (لا وجود لحق إلهي في حكم‬ ‫الإنسان بل هو حاكم نفسه بنفسه)‪.‬‬‫وحكم نفسه بنفسه يمكن أن مباشرة أو باختيار من يقوم بالوظيفة باعتبارها في الجماعة‬‫فرض كفاية‪ .‬والعناية بالأمر يبقى فرض عين لأن المؤمن يعرفه القرآن بالأمر بالمعروف‬ ‫والنهي عن المنكر (آل عمران ‪.)104‬‬‫والجمع بين الفرضين الكفائي والعيني يتحقق في واجب الجماعة في رقابة النائب إذ هو‬ ‫مستأمن على تحقيق العدل فيها‪ :‬وهي لا تطيعه إلا ما أطاع الشريعة‪.‬‬‫ولهذه العلة لم تقبل حجة الملائكة ضد آدم رغم صحتها في حالة فشل الامتحان وهو معنى‬‫اتباع ابليس‪ :‬فالأهلية الاستخلافية لا تكفي فيها العبادات التي ظن الملائكة أنهم بها أولى‬ ‫من آدم بالاستخلاف‪ :‬ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك‪.‬‬‫الأهلية لا تتحقق إلا بنوعي الشروط‪ :‬شروط الاستعمار في الأرض حتى لقيام الإنسان في‬‫التاريخ الذي فيه تمتحن الحرية والتكليف والمسؤولية وشروط الاستخلاف الذي يحرر ذلك‬ ‫من الإخلاد إلى الأرض‪ :‬العمل بأخلاق القرآن في كل أفعال الإنسان النظرية والعملية‪.‬‬‫ذلك هو ما فقدناه فصرنا عالة على غيرنا وفسدت فينا معاني الإنسانية كما قال ابن خلدون‬‫في كل أمة وقعت تحت الاستبداد والفساد‪ .‬ولا يمكن الخروج من ذلك إلا بالحريتين‪:‬‬ ‫‪10 9‬‬

‫الروحية (لا وساطة بين المؤمن وربه) والسياسية (لا حق إلهي في حكم الجماعة إلا للجماعة‬ ‫نفسها)‪.‬‬ ‫‪10 10‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬