Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore الخلافة، مفهومها القرآني وتحريفاتها التاريخية- أبو يعرب المرزوقي

الخلافة، مفهومها القرآني وتحريفاتها التاريخية- أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-09-17 18:16:11

Description: الخلافة، مفهومها القرآني وتحريفاتها التاريخية- أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫الخلافة‬ ‫مفهومها القرآني وتح ريفاتها‬ ‫التا ريخية‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪6 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪13 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪19 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪24 -‬‬ ‫‪ -‬خاتمة ‪31 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫ترددت كثيرا قبل أن أقدم على الكتابة في هذا الموضوع شديد الحساسية السياسية اقليميا‬ ‫ودوليا ففيه تذكير بما يحاربه أقوياء العصر في الإقليم وفي العالم‪ .‬وقد صار بعض حكام‬ ‫العرب الناكصين إلى الجاهلية يعتبرون الخلافة الأخيرة بالمعنى السياسي المباشر للكلمة‬ ‫استعمارا وعلة انحطاط‪ .‬وكان ذلك ناتجا عن بقايا الصليبية في الهلال وبقايا الطائفية‬ ‫الشيعية المتحدتين والتابعتين للقوة الاستعمارية المساندة لهما ضد الانبعاث الإسلامي‬ ‫المشروط بتحقيق هذا المعنى بعد تخليصه مما أصابه بمفعول الانحرافات التاريخية التي‬ ‫عرفها‪.‬‬ ‫لكن علة ترددي الأساسية هي أن الكلام على الخلافة بمعناها السياسي المعهود يجعل‬ ‫البعض يصلها في أذهان الكثير بالتقابل بين النظامين السياسيين الديني والعلماني خلطا‬ ‫بين ما حصل من تحريف للمفهوم يخلط بين التاريخي والمفهوم كما يحدده القرآن‪ .‬فلا يمكن‬ ‫الكلام على الخلافة بالمقابلة بين الديني والعلماني إلا إذا اعتبرنا الخلافة من جنس الإمامة‬ ‫عند الشيعة أو من جنس البابوية عند الكاثوليك والأرثوذوكس‪.‬‬ ‫لكنها في الإسلام ليست سلطة دينية بل سلطة مدنية ذات مرجعية دينية بالمعنى الذي‬ ‫سأحدده في هذه المحاولة‪ .‬ولذلك فلا وجود في رؤية القرآن لسلطة روحية في التربية ولا‬ ‫لسلطة حكم بالحق الإلهي (انظر الغزالي في فضائح الباطنية وابن خلدون في فصل علم‬ ‫الكلام)‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالأول يعرفها بكونها بالاختيار وليست بالوصية أي ليست بالحق الالهي (فضائح‬ ‫الباطنية)‪ .‬وهي يراها مع ذلك مبينة على شرعية مستمدة من مرجعية دينية وشوكة‬ ‫مستمدة من معتبري الزمان في كل مرحلة من مراحل التاريخ‪.‬‬ ‫‪ .2‬والثاني يعرفها بكونها رعاية الصالح العام باجتهاد الجماعة (فصل علم الكلام وعلة‬ ‫وضع مسألة الحكم فيه ليست كونها جزءا منه بل للرد على من جعلها جزاء من العقيدة‬ ‫ويعني التشيع)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومع ذلك بل ولأجل ذلك قررت أن أفعل وقد سبق أن تكلمت في الموضوع ولكن دون نسقية‬ ‫تبين أعماقه ودلالاته الفلسفية والدينية بعيدة المدى وكلها قرآنية رغم أن علماء الملة‬ ‫أغفلوها بسبب ما نتج عن تحريفه بشكل ظرفي انقلب إلى شكل بنيوي لعدم فهم الحاجة‬ ‫الظرفية إليه كما يحدث في تاريخ أي أمة عاشت حربا أهلية نتجت عن الفتنة الكبرى‬ ‫فاضطرت إلى تعطيل دستورها وعملت بقانون حالة الطواري وبشرعية الضرورات التي‬ ‫تبيح المحظورات‪ .‬لكن قانون حالة الطواري عاشت في دار الإسلام ‪ 14‬قرنا ولم نخرج إلى‬ ‫الآن منها ونحن الآن نعيش محاولات الخروج منها ما أعاد لهذا المفهوم دوره الكامل في‬ ‫تحريك التاريخ الراهن للأمة‪ .‬وسأبدأ بذكر المفهوم أصله وتفرعاته الأربعة‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأصل هو استخلاف آدم أي الإنسان من حيث هو إنسان وهو في آن استخلاف مصحوب‬ ‫باختبار يمثل فرصة ثانية أعطيت آدم وحواء وأبنائهما مصحوبة بعفو وبتجهيز نظري عقدي‬ ‫لاستعمار في الأرض وعملي شرعي للاستخلاف فها من أجل القيام باختبار الأهلية في تحمل‬ ‫امانة التكليفين‪.‬‬ ‫‪ .2‬الفرع الأول من بين أبناء آدم اصطفاء الرسل من يذكر بما ينساه أبناء آدم وهو‬ ‫اصطفاء إلهي يمكن أن يكون التعبير عنه بالمعنى الديني الطبيعي أو الفلسفي ويمكن أن‬ ‫يكون بالمعنى الديني النبوي كما في الأديان التي يقصها القرآن والتي اعتبرها عامة توزيعيا‬ ‫أي إن كل أمة له هذا النوع من الرسل‪.‬‬ ‫‪ .3‬الفرع الثاني هو الجماعة التي تستخلف لأنها أصلحت بمفعول هذا التذكير فساست‬ ‫عالم الشهادة بمثال أعلى مستمد مما فهمته بهذا المستوى الديني غير الكوني والذي ساست‬ ‫به عالم الغيب ما بعدا لعالم الشهادة يتوصل إليه أصحاب الفرع الأول ويعبرون عنه‬ ‫ويعلمونهم ويحكمونهم به‪.‬‬ ‫‪ .4‬الفرع الرابع هو الرسالة الخاتمة التي هي رسالة كونية وهدفها المضاعف إصلاح‬ ‫الرسالات السابقة لتحريرها من التحريف ووضع استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأ‬ ‫الأخوة (النساء ‪ )1‬وبمبدأ المساواة (الحجرات ‪.)13‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .5‬الفرع الخامس والأخير هو الخليفة بالمعنى السياسي المتعارف وهو الغالب على الخطاب‬ ‫السياسي الذي يغفل مصدره أعني صلته بالمستويات الاربع المتقدمة عليه‪ .‬فالخليفة‬ ‫مستخلف بشريا أي إن الجماعة هي التي تنتخبه بشرط أن تكون الجماعة التي وصفنا في‬ ‫الفرع الثاني (الذين استجابوا لربهم) ويتبع الرسالة الكونية مرجعية لنظرية النظر‬ ‫والعقد في المعرفة ولنظرية العمل والشرع في القيمة‪.‬‬ ‫ولا بد من ملاحظة أساسية قبل البدء في العلاج‪ :‬فقد ذكرت فرعين لا يسميان خلافة في‬ ‫الاصطلاح التقليدي وهما مرحلتان وسطيان بهما يقع الانتقال من الاصل إلى الفرع الأول‬ ‫ومن الفرع الثاني إلى الفرع الثالث‪:‬‬ ‫‪ .1‬فلماذا سميت الفرع الأول خلافة الخلفاء لنقلهم من الخلافة الفطرية التي تنسى إلى‬ ‫الخلافة التي تذكر الفطرة المنسية واعتبرت ذلك شاملا لمفهوم الدين بالمعنى العام غير‬ ‫المتعارف وهو الدين الذي هو في آن طبيعي أو منزل وهو ذو عبارتين هما لأديان الطبيعية‬ ‫الخالصة وتطورها إلى فلسفات دينية كالحال عند أفلاطون وأرسطو‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولماذا اعتبرت الرسالة الخاتمة خلافة كونية تصل بين الخلافة الجزئية والخلافة‬ ‫الشاملة التي هي استخلاف المسلمين باعتبارهم شاهدين على العالمين‪.‬‬ ‫والجواب عن السؤالين واحد‪:‬‬ ‫• فالمرور من الخلافة الكونية المفطورة على استخلاف جماعة جزئية معينة يقتضي وجود‬ ‫مصطفين لهم قدرة الجمع بين الحواس والحوادس وهم مؤسسون للأديان الطبيعية مرحلة‬ ‫أولى إلى الاديان الفلسفية‪.‬‬ ‫• والمرور من هذه الأديان الجزئية سواء كانت أديانا طبيعية أو فلسفية إلى الدين‬ ‫الكوني أي الإسلام بوصفه استعادة للكونية المفطورة ونقل لها إلى الكونية هو يحتاج إلى‬ ‫اصطفاء يتحد فيه الديني الكوني والفلسفي الكوني كما هما في طبيعة نص القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فهو سياسة عالم الشهادة بالانشداد إلى عالم الغيب المحرر بما يمثله من مفهوم‬ ‫حد يحول دون الإنسان والتحريفين الممكنين من تألهه وتوهمه مطلق العلم والعمل‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• تحرير الإنسان من تحريف نظرية النظر والعقد لكي تصبح اجتهادا بمعنى أنها لا‬ ‫تؤمن بنظرية المعرفة المطابقة بل تعتبر ذلك مستحيلا على الإنسان وتكتفي بصدق القصد‬ ‫في طلب الحقيقة بمعنى أنها بالمصطلح القانوني تلزم الإنسان بواجب الوسيلة وليس بواجب‬ ‫النتيجة‪.‬‬ ‫• تحرير الإنسان من تحريف نظرية العمل والقيمة لكي تصبح جهادا بمعنى أنها لا تؤمن‬ ‫بنظرية القيمة المطابقة بل تعتبر ذلك مستحيلا على الإنسان وتكفي بصدق القصد في طلب‬ ‫القيمة بنفس المعنى أي إنها تلزم الإنسان بواجب الوسيلة وليس بواجب النتيجة‪.‬‬ ‫وأساس هذين التحريرين الواضعين لمفهومين ثوريين هما مفهوم العلم الاجتهادي والعمل‬ ‫الجهادي هو الإيمان بالغيب المعرفي وبالغيب القيمي مفهومين حدين يحولان دون الإنسان‬ ‫والتأله إما في الاستبداد العملي (السياسة عامة ومثاله الحاكم الذي يدعي أنه يحيي‬ ‫ويميت) أو في الاستبداد النظري (المعرفة عامة ومثاله المتصوف الذي يذهب إلى القول‬ ‫بالحلول)‪:‬‬ ‫‪ .1‬أي إن الإنسان ملزم بمعرفة الضرورة الشرطية والحرية الشرطية أي بمعرفة تعالج‬ ‫علاقته العمودية بالطبيعة ذات القوانين الرياضية (الخلق) وتعالج علاقته الأفقية‬ ‫بالتاريخ ذي السنن الخلقية (الأمر)‪.‬‬ ‫‪ .2‬والتسليم بأن الضرورة اللاشرطية (ماوراء الطبيعة) والحرية اللاشرطية (ما وراء‬ ‫التاريخ) من الغيب‪ .‬وهما تابعتان للعناية الربانية ومن ثم فالنتيجة في الحالتين لا يمكن‬ ‫أن تكون محيطة بل هي دائما نسبية‪.‬‬ ‫ولهذه العلة فإن الإنسان يكون ملزما بالوسيلة وليس بالنتيجة لأن حصولها ليس رهن فعل‬ ‫الإنسان وحده بل هو رهن ما في الطبيعة والتاريخ من أثر الغيب الذي يجعل المعرفة ليست‬ ‫محيطة فتكون اجتهادا وليست حاصلة الحقيقة المطلقة التي يدعيها أصحاب نظرية المطابقة‬ ‫المعرفية‪ .‬ومثلها يكون العمل جهادا وليس حصول القيمة المطلقة التي يدعيها أصحاب‬ ‫نظرية المطابقة القيمية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهذه الرؤية القرآنية هي التي سأحاول بيانها بوصفها فلسفة في التاريخ التكويني‬ ‫للإنسانية بمقتضى تطور النظر والعقد وتطبيقاتهما في تحقيق وظيفة الاستعمار في الأرض‬ ‫وبمقتضى تطور العمل والشرع وتطبيقاتهما في تحقيق وظيفة الاستخلاف في الأرض‪.‬‬ ‫ومجموعهما هو سياسة عالم الشهادة بالتربية والحكم سياسة مشدودة إلى مثال أعلى تمثله‬ ‫رؤية ما بعد الطبيعة وما بعد التاريخ ‪-‬وهو ا لقصد بالدين الطبيعي والفلسفي من البداية‬ ‫البسيطة إلى الغاية التي نجدها في القرآن الكريم‪-‬وكلها تعتمد مفهوم هو المقصود بالخلافة‬ ‫في القرآن‪.‬‬ ‫لكن هذا المعنى ‪-‬الخلافة‪ -‬يمكن تعريفه على النحو الذي يعرف به ارسطو الفضائل في‬ ‫كتاب نيقوماخوس باعتبار كل فضيلة تعد ذروة قيمية يمكن اعتبارها محاطة بتطرفين‬ ‫يحرفانها إما بما يبتعد عنها كيفيا فينقصها أو يزيدها ما يفسدها‪ .‬وهو مفهوم استمده‬ ‫أرسطو من الرياضيات كما هو معتمد تعريف الزوايا رمزا إلى الاستقامة بالقائمة وإلى‬ ‫التحرف الذي ينقصها بالحادة والذي يزيد عليها بالمنفرجة‪.‬‬ ‫لكن مترجمي فلسفة أرسطو الخلقية تصوروه يقول إن الفضيلة وسط بين رذيلتين وهو لم‬ ‫يقصد ذلك بل هو يعتبر الرذيلتين انحرافا عن الاستقامة‪-‬وهو الرمز القرآني للأخلاق‪-‬‬ ‫بما ينقصها وبما يزيد عليها أي الابتعاد عن الاستقامة إلى هذه الجهة أو تلك‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أعالج إشكالية الخلافة رغم ما يبدو من الموانع أصلها كله هو عقد النقص التي فرضت‬ ‫على ضمائر المسلمين حتى صار من يتكلم على ما لا يخلو منه عمران يعد أمرا رجعيا في رأي‬ ‫كاريكاتور النخب الحداثية الإسلامية عامة والعربية خاصة‪ .‬فالخلافة صارت تعتبر من‬ ‫الماضي الذي لا يقبل الاستئناف بسبب ما ألصقوه بها لترذيلها بما هو من علامات حمقهم‪:‬‬ ‫• كونها ذات مرجعية دينية دون تحديد خلطا بين الدولة ذات المرجعية الدينية والدولة‬ ‫الثيوقراطية لأنهم لا يعتبرون غير ثيوقراطي إلا ما هو علماني بالشكل اليعقوبي‬ ‫الفرنسي‪.‬‬ ‫• كونها متجاوزة لما يسمونه الدولة الوطنية دون تحديد خلطا بين الدولة الوطنية ذات‬ ‫الحجم الممكن من شروط القيام المستقل والمحمية التي ليس لها من اسم الدولة إلا شكل‬ ‫المافية التي تخدم دولة سيدة تسيرها عن بعد‪.‬‬ ‫ولا أنوي الدخول في جدل مع هؤلاء الحمقى لأنهم لا يمكن أن يفهموا الخاصية الثانية‬ ‫رغم كونها عين العلامتين الطاغيتين على العصر أعني إما الحجم المحقق لشروط السيادة‬ ‫أو المجموعة المتحالفة لتحقيق هذه الشروط بموجب عصر العماليق‪ .‬ولا يمكن أن يفهموا‬ ‫الخاصية الاولى لأنه لا توجد دولة من دون مرجعية متعالية سواء سميت دينا يؤسس شرعية‬ ‫الدولة في عالم الشهادة على حقوق الإنسان وواجباته الفطرية في الدولة الإسلامية أو‬ ‫سميت \"حقوق الإنسان الطبيعية\" في الدولة الديموقراطية‪.‬‬ ‫ومن ثم فالدولة الثيوقراطية هي الدولة التي تستند إلى مبدأين تخلو منهما دولة‬ ‫الإسلام أعني الوساطة الروحية والوصاية السياسية كالحال في الدولة الشيعية أو في الدولة‬ ‫الكاثوليكية التي لها سلطة روحية تتوسط بين الله والإنسان وحاكمها يحكم بالحق الإلهي‪.‬‬ ‫ويقابلها الدولة العلمانية اليعقوبية والماركسية والتي هي من جنسها والفرق الوحيد هو أن‬ ‫الكنيسة صارت حزبا والحق الإلهي في الحكم صار حق القوة المادية لأجهزة الدولة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فلا فرق بين دولة فرنسا اليعقوبية والكاثوليكية إلا بالاسم لأن ما كانت تقوم به دولة‬ ‫الحق الإلهي صارت تقوم به دولة الحق الشعبي وكلاهما غطاء للدكتاتورية‪ .‬ولعل الأمر‬ ‫أوضح في الدولة الماركسية حيث يكون الحزب والحاكمون باسمه من جنس ما رأينا في العهد‬ ‫الستاليني وما نرى في الصين حاليا‪.‬‬ ‫لذلك فلن أجادل هؤلاء الحمقى الذين يعتقدون أن تغيير الأسماء يغير المسميات وأمر‬ ‫مباشرة إلى المسألة الأولي في تصنيفي لمفهوم الخلافة الذي أضفت إليه معنيين يحتاجان إلى‬ ‫شرح لأنهما ليسا معهودين‪:‬‬ ‫• سميت خلافة المرحلة الناقلة من الخلافة بمعناها الكوني صفة للإنسان عامة إلى‬ ‫الخلافة بمعناها الذي يفيد استخلاف جماعة بعينها بوصفها توفرت فيها أهلية الخلافة‪.‬‬ ‫وهذه تكررت بتكرر الأديان الطبيعية والفلسفات‪.‬‬ ‫• سميت خلافة المرحلة الناقلة من هذه إلى الخلافة بمعناها الكوني أي المطابقة للمعنى‬ ‫الأول الفطري هدفا هو شرط في جعل المرحلة الوسطى تتجاوز الجزئية إلى الكلية‪ .‬وهذه‬ ‫هي الديني في كل الأديان والفلسفي في كل الفلسفات‪ .‬لكن التحريف يلغيها إلى أن جاء‬ ‫التصحيح النهائي لهذه التحريفات في الرسالة الخاتمة‪ :‬وهذا هو مضمون القرآن الكريم‬ ‫باعتباره استراتيجية توحيد الإنسانية ومنطق السياسة المحمدية لتحقيق عينة من هذا‬ ‫الهدف منه تتكون الأمة التي كلفت بالشهادة على العالمين‪.‬‬ ‫وهذه هي الرؤية القرآنية مع رفع الحكم بخصوص التسليم بأنها الرؤية الأصح لأن ذلك‬ ‫مسألة إيمانية وليس مسألة علمية وهي في آن مسألة اجتهادية بمقتضى نظرية المعرفة‬ ‫وجهادية بمقتضى نظرية القيمة غير القائلتين بالمطابقة كما أسلفت‪ .‬فالمعاني الكلية رموز‬ ‫تشير إلى الأشياء التي تفاد بها ولا تمثل مقومات لحقيقتها التي فيها شيء من الغيب لا‬ ‫يعلمه إلا الله‪ :‬والدليل أن القرآن الكريم يؤجل الفصل بين أصحاب الأديان إلى يوم‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وكل أحكام الفقهاء التي لا تنطلق من هذه الرؤية القرآنية تحريف للقرآن بنص‬ ‫القرآن‪ .‬وكل تشكيك في ما ينسب إلى الرسول من أحاديث بخصوص بعض آرائه التي تحاكم‬ ‫بردها إلى منطق عصر هؤلاء الحمقى علته قراءتها دون اعتبار لهذا المبدأ ولخصائص‬ ‫القائل ولسياق القول‪ .‬وسأكتفي بمثال من الحماقات التي يسترذلون بها أقوال الرسول‬ ‫هازئين‪:‬‬ ‫مثال ولاية المرأة‪ :‬يضعون أمامك \"مركل\" ونتائج حكمها ثم يسخرون من حديث \"ما أفلح‬ ‫قوم ولوا عليهم امرأة\" معلنين في الظاهر التشكيك في صحة الحديث‪ .‬لكنهم في الباطن‬ ‫يسخرون من القائل‪ .‬لكن ذلك من علامات سخفهم وحمقهم‪ .‬فلو كان قصد الحديث ما فهموا‬ ‫لكان ذلك بينا من الموقف في قصة ملكة سبأ‪ .‬فما مدحت من أجله ملكة سبأ هو عين ما يؤهل‬ ‫مركل للحكم فتكون مستثناة من حديث الرسول استثناء ملكة سبأ في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫فإذا كان الحكم شوريا زال الفرق بين الرجل والمرأة في نيابة الأمة في الإمامة الكبرى أو‬ ‫الحكم لأن ضمانته هي الشورى وليس الشخص المكلف بالنيابة للكلام باسمها‪ .‬وعندما يكون‬ ‫الحكم غير شوري فإن السلطة هي للقوة المستبدة والشوكة وليس للشرعية‪-‬وقوم في القرآن‬ ‫تعني الجماعة من الرجال‪ .‬وإذن فالحديث هنا لا يتعلق بالمتولي بل بالمتولى عليهم‪.‬‬ ‫والدلالة هي أنه إذا لم يكن الحكم شوريا فمعنى ذلك أن قانونه هو الشوكة‪ .‬والرجال‬ ‫الذين شوكتهم تمثلها امرأة ليسوا رجالا‪ .‬وإذن فعلة عدم الفلاح ليس تولية المرأة بل عدم‬ ‫توفر الشرطين‪:‬‬ ‫• عدم الحكم بالشرعية التي هي الشورى كما في مثال ملكة سبأ‪.‬‬ ‫• عدم وجود الشوكة لأن الرجال الذين لا يعتمدون الشورى ويولون عليهم امرأة لا‬ ‫شوكة لهم‪.‬‬ ‫ولا يوجد مبدأ ثالث يستند إليه الحكم‪ :‬الشرعية أو الشوكة‪ .‬والحكم الحقيقي يجمع‬ ‫بينهما‪ .‬فالحكم يكون إما بالشوكة أو بالشرعية أو بهما معا وهو الأفضل وحينئذ يتساوى‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الجنسان‪ .‬لكن في غياب الشورى تنعدم الشرعية فيبقى على الاقل الشوكة‪ .‬فإذا ولى الناس‬ ‫حينها امرأة فهم فاقدون لكلا الشرطين‪.‬‬ ‫أما إذا وجد الشرطان فلا فرق بين رجل وامرأة‪ .‬ومما يؤيد هذا الفهم إضافة إلى ما‬ ‫قاله القرآن في ملكة سبأ هو موقف الرسول من المرأة عامة‪ .‬فقد جعل الرسول حب النساء‬ ‫في منزلة حبه للطيب والصلاة‪ .‬فلا يمكن أن تكون هذه منزلة المرأة ويعتبرها علة لعدم‬ ‫الفلاح‪ .‬ثم لا ننس أن دور المرأة في حياة الرسول من أبرز الأدوار‪ :‬فلا يمكن فهم حياة‬ ‫الرسول من دون خديجة وعائشة‪.‬‬ ‫أعود الآن إلى هذين الوصلين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الوصل الأول بين معنى الخلافة الأول وهو الكوني بالفطرة ومعناها الثاني وهو‬ ‫الحاصل بالفعل لما تتحقق الأهلية لجماعة يستخلفها الله في العالم‪ .‬وهذا الوصل نسبته إلى‬ ‫بعض البشر اللذين تحققت فيهم القدرة على الجمع بين الحواس والحوادس في الأديان‬ ‫الطبيعية والفلسفات‪.‬‬ ‫‪ .2‬الوصل الثاني بين هذا المعنى والمعنى الأخير الموصل إلى خلافة مشروعها الكوني‬ ‫هو تحقيق كونية الاستخلاف ونقله من الفطرة إلى الوعي بها وتذكرها‪ .‬وذلك هو مشروع‬ ‫توحيد الإنسانية‪ .‬وهو ما يرمز إليه مفهوم الشهادة على العالمين‪ .‬وهذا الوصل نسبته إلى‬ ‫بعض البشر الذين تحققت فيهم القدرة على إدراك علل تحريف الأديان الطبيعية‬ ‫والفلسفية واكتشاف الواحد فيهما أي الديني والفلسفي في آن وهم موضوع سورة هود التي‬ ‫سبق فشرحتها‪.‬‬ ‫وما ورد في سورة هود يحيط به مصدرا التحريفين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الأول هو شرط وجود كل تحريف أعني المقابلة بين العفو والخطيئة الموروثة أصلا‬ ‫لنظرية الشعب المختار‪.‬‬ ‫‪ .2‬الثاني هو شرط بقاء كل تحريف أعني المقابلة بين نبوة عيسى وبنوته غاية‬ ‫لنظرية الشعب المختار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لن أعالج هذين المسألتين قبل أن أختم الكلام في إشكالية النظر والعقد لعلاج علاقة‬ ‫الإنسان العمودية مع الطبيعة من حيث هو مستعمر في الأرض واشكالية العمل والشرع‬ ‫لعلاج علاقة الإنسان مع التاريخ من حيث هو مستخلف فيها‪ .‬وهو ما يقتضي أن أشرح بدقة‬ ‫متناهية معنى المفهومات التي استعمتلها في هذا العلاج وخاصة المفهومات الأربعة الأساسية‬ ‫المتفرعة عن مفهوم الوجود الكلي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الضرورة الشرطية بالمعنى الأرسطي نظاما لأفعال الطبائع‪.‬‬ ‫‪ .2‬الحرية الشرطية التي قستها عليها نظاما لأفعال الإنسان‪.‬‬ ‫‪ .3‬ما بعد الطبيعة بمعنى لا يمكن أن يتكلم عليه القائلون بالمطابقة المعرفية أي‬ ‫الضرورة اللاشرطية‪.‬‬ ‫‪ .4‬ما بعد التاريخ بمعنى لا يمكن أن يتكلم عليه القائلون بالمطابقة القيمية أي الحرية‬ ‫الشرطية‪.‬‬ ‫والأولان شرط في سياسة عالم الشهادة والثانيان شرط في سياسة عالم الغيب وثورة‬ ‫الإسلام بيان استحالة قيس الثانية على الأولى لكن قيس عبارة الأولى عن الثانية ممكنة‬ ‫وتلك هي بنية الخطاب القرآني‪.‬‬ ‫فلما وضعت نظرية الحرية الشرطية بوصفها نظام الشرائع أو أفعال الإنسان فلسفيا‬ ‫(الأمر دينيا) قياسا على مفهوم الضرورة الشرطية الأرسطي بوصفها نظام الطبائع فلسفيا‬ ‫(الخلق دينيا) أو أفعال الأشياء واعتبرت التاريخ الإنساني حصيلة التفاعل في الاتجاهين‬ ‫أي فعل الطبائع (الخلق) في الشرائع (الأمر) وفعل الشرائع (الأمر) في الطبائع (الخلق)‬ ‫والحصيلة هي الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها كان الهدف تأسيس‬ ‫رؤية القرآن للخروج من هذين التحريفين اللذين يمثل التحرير منهما نصف القرآن‬ ‫والنصف الثاني هو البديل الذي يؤسس لاستراتيجية توحيد الإنسانية بسياسة لعالم‬ ‫الشهادة مشرئبة إلى سياسة لعالم الغيب ‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وسياسة عالم الغيب مجهولة الطبيعة لكن القرآن يخبرنا حولها بعبارة تقيسها على سياسة‬ ‫عالم الشهادة مع إضافة احترازين‪:‬‬ ‫• الإطلاق‬ ‫• وليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫وحتى أصوغ تأسيس القرآن لسياسة عالم الغيب وتأثيره في سياسة عالم الشهادة وضعت‬ ‫نظرية الضرورة اللاشرطية (أي إن الوجود واقعة لا تفسير لها فاكتوم) والحرية‬ ‫اللاشرطية (أي إن هذه الضرورة اللاشرطية تتأسس في حرية لا شرطية خلقا وأمرا)‪.‬‬ ‫وكل الأديان الطبيعية والفلسفية تبدو عكسا لهذه الرؤية أي إنها جعلت سياسة عالم‬ ‫الشهادة مقياسا لسياسة عالم الغيب بإطلاقه حتى تكون السياسة بوهم المطابقة المعرفية‬ ‫والقيمية فصار الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه دون احتراز السوفسطائية التي‬ ‫تقول بذلك مع إضافة أن ذلك مقصور على ما يصل إليه الإنسان دون نفي ما يتجاوزه‪.‬‬ ‫وهذا هو جوهر النقد القرآني كما يتعين في مفهوم الغيب الذي هو مفهوم حد يحول دون‬ ‫جعل الإنسان مقياس الوجود موجوده ومعدومه ونفي كل إمكانية لعكس خطاب القرآن‪:‬‬ ‫فالقرآن خطاب الله للإنسان ولا يمكن أن يخاطبه بغير ما يفهم فيكون ما يقال عن الله‬ ‫بمقياس الإنسان معنى كليا رامزا بالمعنى التيمي وليس مقوما بالمعنى الأرسطي لما يقوله على‬ ‫ما بعد الطبيعة‪ .‬المعاني الكلية الرامزة تمكن من فهم المقارنة من فوق إلى تحت وتحول‬ ‫دونها من تحت إلى فوق‪ .‬وهذا هو معنى الغيب مفهوما حدا في المعرفة وفي القيمة‪.‬‬ ‫وقد بينت بمثال بسيط كيف يمكن للمعاني الكلية أن تكون رامزة وليست مقومة‪ :‬فقيس‬ ‫الزمان بحركة الظل لا يجعل حركة الظل مقومة للزمان ولا للشمس ولا للشيء الذي‬ ‫اعترض شعاعها ليتكون الظل بل هو معنى كلي يرمز إلى علاقة بين أشياء كلها تبقى مجهولة‬ ‫الحقيقة رغم إدراكنا لعلاقاتها خلال تفاعلها في بنية ندركها‪ .‬ولنضرب مثالين بسيطين من‬ ‫الكيمياء رغم كونهما اعسر قبولا من مثال الظل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فإذا قلت إن الماء يتألف من وحدتين من \"شيء ينتج الماء=هدروجان\" ووحدة من شيء‬ ‫\"ينتج الصدأ=اوكسيجان\" فقد يظن من لا يرى أني تكلمت على مقومات الماء في حين أني‬ ‫تكلمت على علاقة بين عرضين من الماء مع دور لأن القول \"شيء منتج للماء=هدروجان\"‬ ‫يعني أني انطلقت من واقعة معطاة‪ .‬لكن ككل العناصر في الكيمياء يبقى الشيء مجهول‬ ‫الحقيقة‪ .‬فما الشيء الذي ينتج الماء؟ وما الشيء الذي ينتج الصدأ؟ وما الماء؟ كل ما في‬ ‫الأمر أني رمزت إلى شيء يشبه الظل بعلاقة بين شيئين آخرين وهو عمل يساعدني في‬ ‫الاستفادة من علاقات الأشياء دون أن أعلم حقيقتها ما هي‪.‬‬ ‫وإذا قلت إن جمعي بين القلوي والحامض يعطيني ماء وملحا فإني ألاحظ تفاعلا بين‬ ‫شيئين أجهل طبيعتهما وحصيلة شيئين أجهل طبيعتهما كذلك أو لأقل إني أعرف الشيئين‬ ‫الأولين بعرض مشترك أو بعلاقة بينهما هي تفاعلهما وثمرته‪ .‬وكل ذلك يدل على أني‬ ‫ارمز إلى أشياء لكأني أشير إليها بما بينها من علاقات وأسقط عليها ما رمزت به لتلك‬ ‫العلاقات وكأنها مقومات للأشياء فأعرفها بها‪ .‬لكني أجهل حقائق الأشياء واكتفي بملاحظة‬ ‫ما بينها من علاقات تمكنني من التعامل معها والقدرة على التدخل فيها بالتعامل مع أعراضها‬ ‫وعلاقاتها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لمفهوم الخلافة أصلان قرآنيان أحدهما يشمل الإنسانية كلها لأنه منزلة وجودية للإنسان‬ ‫من حيث هو إنسان والثانية منزلة تاريخية للجماعات التي حققت ما يثبت جدارتها بهذه‬ ‫المنزلة التي هي إمكان محض ملازم لمعنى الحرية إذ هي تعني قابلية الإنسان لتكليف وقدرة‬ ‫الاختيار للأهلية له ولعدمها‪.‬‬ ‫وأضافت الأمة الإسلامية معنى ثالثا هو المعنى السياسي الكوني الذي تكلف به من تعتبره‬ ‫جديرا بهذه المنزلة نيابة عنها جزئيا وعلى الإنسانية كليا أو خليفة لها بالفعل وللإنسانية‬ ‫بالقوة لأن دولة الإسلام مشروع للدولة الكونية‪ .‬وهذا المعنى يفيد أن الخليفة هو القيم‬ ‫على أمر الجماعة دون أن يكون وسيطا بينها وبين الرب ولا وصيا عليها بينها وبين أمرها‪.‬‬ ‫وذلك هو مضمون الشورى ‪ 38‬طبيعية وأسلوبا‪ .‬فطبيعة النظام السياسي جمهوري لأنه أمر‬ ‫الجماعة (راس بوبليكا)‪ .‬وأسلوبه شورى بينها (ديموقراطي)‪ .‬وهو نظام يتحدد بين قطبين‬ ‫أحدهما هو علاقة بأصل سياسة عالم الغيب (الذين استجابوا لربهم) والثاني هو علاقة‬ ‫بأصل سياسة عالم الشهادة (ومما رزقناهم ينفقون)‪ .‬ولا ذكر لوسيط في العلاقة الأولى ولا‬ ‫لوصي في العلاقة الثانية ومن ثم فالخليفة مجرد نائب منتخب لإدارة سياسة الدنيا لكن‬ ‫السلطة الفعلية هي للأمة التي تستجيب لربها وتتشاور في أمرها لتنظم الإنفاق من الرزق‬ ‫لأنه هو مصدر كل ما يحول دون البشر والأخوة (النساء ‪ )1‬وتعارف المتساويين أمام القانون‬ ‫(الحجرات ‪.)13‬‬ ‫لكن هذه المعاني الثلاثة لا يمكن أن تفهم من دون علاج أمرين مضمرين‪ .‬الأول هو النقلة‬ ‫من المعنى الأول للاستخلاف إلى المعنى الثاني‪ .‬والثاني هو النقلة من الثاني للاستخلاف‬ ‫إلى الثالث‪ .‬ولهذه العلة وضعت معنيين آخرين حتى يتسق النظام‪ .‬ذلك أن الانتقال الأول‬ ‫والانتقال الثاني لا بد من تفسير يجعلهما مفهومين ومعقولين‪:‬‬ ‫‪ .1‬فلا بد من بداية للاستخلاف الفعلي ومن ثم فهم النقلة الأولى أول مرة وتكرارها حتى‬ ‫نصل إلى الأمة الجزئية التي يستخلفها الله في الأرض ليبدأ انشداد سياسة عالم الشهادة‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫إلى سياسة عالم الغيب‪ :‬بداية تحقيق رؤية الإسلام الفعلي من حيث هو منزلة الإنسان‬ ‫الوجودية الممكنة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ولا بد من غاية للاستخلاف الفعلي ومن ثم فهم النقلة الثانية آخر مرة وتكرارها حتى‬ ‫نصل إلى الأمة الكونية التي يستخلفها الله في الأرض ليتم انشداد سياسة عالم الشهادة‬ ‫إلى سياسة عالم الغيب‪ :‬غاية تحقيق رؤية الإسلام الفعلي من حيث هو منزلة الإنسان‬ ‫الوجودية الممكنة‪.‬‬ ‫فلا يمكن تصور الجماعات من دون بروز خصال من يدرك هذه المنزلة بمؤهلات فطرية‬ ‫تجعله لا يكتفي بالحواس بل يتعداها للحوادس التي تمكن من تلقي ما في العالمين الطبيعي‬ ‫من نظام تلقيا يقتضي أن يصبح أساسا لتكوين الجماعة التي تستجيب للرب‪.‬‬ ‫ولا يمكن أن يصبح ظاهرة تعم التاريخ قبل أن يتراكم ما يترتب على هذا الإدراك الأول‬ ‫بفضل تكون الجماعات التي تكون قد نجحت في علاج العلاقة العمودية بالطبيعة وشرعت‬ ‫في علاج العلاقة الأفقية بالتاريخ التراكم التراثي الذي يجعلها قادرة على الانفاق من‬ ‫الرزق بمبدأ الأخوة والمساواة‪.‬‬ ‫ومن يبرزون بهذه الخاصية الجامعة بين الحواس والحوادس هم دائما القلة المبدعة في‬ ‫الجماعة‪ .‬ويمكن تصنيفهم إلى جنسين‪:‬‬ ‫• جنس الرسل وهم من يتعلق تلقيهم المبدع بالعمل والشرع أصلا للنظر والعقد‪.‬‬ ‫• جنس الفلاسفة وهم من يتعلق تلقيهم المبدع بالنظر والعقد أصلا للعمل والشرع‪.‬‬ ‫ولست أنا صاحب الفكرة بل القرآن هو الذي يؤكد عليها‪ .‬وما يؤكد الفكرة هو حضور‬ ‫رجل يسعى غريب في الكلام على الرسل ينصح باتباعهم أو حتى يثبت لهم أنه يعلم ما لا‬ ‫يعلمون‪ .‬وطبعا تكلم المتصوفة على الثاني وخلقوا أسطورة الخذر والقطب لكن القرآن‬ ‫سماه الرجل الصالح وأهملوا الكلام في الرجل الذي ينصح باتباع الرسل من دون أن يكون‬ ‫رسولا أو الذي يحكم في قضية زوجة العزيز‪ .‬وقد سميت هؤلاء الرجال الذين ليسوا رسلا‬ ‫لكنهم يصاحبون الرسل \"فلاسفة\" بمعنى أنهم لم يتلقوا وحيا من جنس وحي الرسل لكنهم‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫تلقوا شيئا ما مطابق لما يتلقاه الرسل بطريقة أخرى‪ .‬وأختم الدليل على هذه الفكرة‬ ‫القرآنية أن الله يشير إلى هذه الظاهرة حتى بتلقي الحيوانات‪.‬‬ ‫فالغراب الذي علم ابن آدم كيفية إخفاء عورة أخيه ليس رسولا ولا فيلسوفا بل هو آية‬ ‫ناطقة بفعلها‪ .‬وكل الموجودات بهذا المعنى آيات ناطقة بفعلها والدليل هو فصلت ‪ 53‬حيث‬ ‫إن الله يرينا آياته في الآفاق وفي الأنفس‪ .‬وإذن فالحوادس التي تتلقى ما يخرج الإنسان‬ ‫من النسيان متعددة ومنها الرسل والفلاسفة وكل الموجودات التي تعبر بما تحيل عليه مما‬ ‫وراءها يضفي عليها معنى كليا هو ما يدركه الإنسان‪.‬‬ ‫وإذا كان موسى قد احتاج لأخيه في تلقيه فإن كل الرسل كان لهم سند من صحابة مقربين‬ ‫مثل أبي بكر وعمر وكل أفاضل عصرهم ومن ثم فلا يمكن تصور بداية الانتقال من القوة‬ ‫إلى الفعل من دون أن يوجد ما يصير بالفعل عند البعض مباشرة‪ .‬وهذا هو التلقي المبدع‬ ‫الذي يمكن اعتبار الرسالات جنسا منه وليست الوحيدة‪ .‬ومسألة ايقاظ هذه الخاصية هي‬ ‫الشغل الشاغل للقرآن من بدايته إلى غايته‪ :‬دعوة المخاطبين إلى تجاوز الحواس إلى‬ ‫الحوادس‪ :‬فالبصر وراءه بصيرة والسمع وراءه سميعة والشم وراءه شميمه والذوق وراءه‬ ‫ذويقة واللمس وراءه لميسة‪.‬‬ ‫وما ينسيهم هذا الوراء أي الحوادس هو مفهوم الإخلاد إلى الأرض القرآني وعندها‬ ‫يحصل نقيض هذه اليقظة الوجدانية فتفقد الحواس هذا القدرة على تجاوز ذاتها إلى‬ ‫الحوادس‪ .‬فتصبح الحواس لا تحس لهم أعين لا يرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم‬ ‫فهوم لا يعقلون بها‪\":‬صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" رغم كونهم يسمعون ويرون ويفهمون‬ ‫الخطاب لكن ذلك لا يتجاوز عنده الإخلاد إلى الأرض والحاجات المباشرة دون رؤية ما‬ ‫وراءها‪.‬‬ ‫ومن كانت لهم القدرة على التحرر من الإخلاد إلى الأرض هم ذوو الألباب الذين‬ ‫يذكرهم القرآن الكريم وهم أهل الذكر ‪-‬وليس اليهود كما يدعي من فهم بالذكر حفظ‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫النصوص وليس رؤية آيات الله في الآفاق والأنفس‪-‬بمعنى أنهم لم ينسوا ما رسم في فطرتهم‬ ‫من القدرة على التلقي مما يريهم الله من آياته فيها‪.‬‬ ‫وما يتميز به الرسول الخاتم ليس هذه الخاصية فهي مشتركة لكل من لهم القدرة على‬ ‫التلقي المبدع بالمعنى الذي شرحه القرآن‪ .‬ما يتميز به هو ما جعل تلقيه خاتما أي إنه جعل‬ ‫الوعي بهذا التلقي موضوع الرسالة‪ :‬فهو يتلقى الرسالة وهو مستوى أول من التلقي‬ ‫والرسالة التي تلقاها جعلت التلقي موضوعها الأول أي إن مشكل المشاكل في القرآن هو‬ ‫عوائق التلقي عند البشر وخاصة عائق الإخلاد إلى الأرض ودواعي التأله عند البشر أو‬ ‫استبداد الأمراء والعلماء وتحالفهم لتحريف التلقي عند البشر أو ما يسميه ابن خلدون‬ ‫إفساد معاني الإنسانية (المقدمة الباب السادس الفصل ‪.)40‬‬ ‫ولهذه العلة فالقرآن ليس نصا دينيا بالمعنى التقليدي بل هو نص الواحد المشترك بين‬ ‫الديني والفلسفي والذي لا يتجاوز التلقي المبدع الذي لا يدعي علم الغيب ولا يدعي‬ ‫تقديم معجزات تتجاوز ما هو ممكن للإنسان لأن المعجزات التي تخرق النظام الطبيعي أو‬ ‫النظام التاريخي فيها شيء من التأله الذي لم يعده الرسول الخاتم واكتفي بالنظام وليس‬ ‫خرقه‪.‬‬ ‫وطبيعي ألا تتضمن الرسالة ما لا يفهمه المرسل إليه‪ .‬فالقرآن رسالة للإنسان والقرآن‬ ‫يؤكد أن الغيب محجوب عنه‪ .‬فلا يمكن إذن أن يرسل له رسالة تشترط لتفهم العلم بالغيب‪.‬‬ ‫لذلك فكل ما في القرآن مما لا يفهمه الإنسان يرد إلى معنى واحد هو تعريف الغيب بكونه‬ ‫ما عبر عنه القرآن بالمتشابه الذي يعتبر تأويله من علامات زيغ القلوب وابتغاء الفتنة‪.‬‬ ‫المعلومة الوحيدة المتعلقة بالغيب هي كونه مفهوما حدا يفصل بين العلم الإنساني النسبي‬ ‫والعلم الإلهي المحيط ومن ثم تعلقه بما عبر عنه القرآن من كلام على ذاته وعلى أسرار‬ ‫الخلق والامر (أي افعاله) التي جاءت الكلام عليها بالمتشابه الذي لا يمكن تأويله لأن شرط‬ ‫تأويله هو العلم المحيط وهو أمر لا يشارك الله فيه أحد‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولذلك فقد بينت أن مفهوم الوحي حرفه علماء الملة لما ظنوا أنه يتضمن علم الغيب‪ .‬وكل‬ ‫من يدعي علم الغيب سواء كان صوفيا بما يسيمه كشفا أو فيلسوفا بما يسميه عقلا مصاب‬ ‫بزيغ القلب ويبتغي الفتنة‪ .‬لذلك فالوحي الذي هو تلقي الرسالة ليس فيه علم الغيب‬ ‫بدليل أن الرسول ينفيه عن نفسه أولا وبدليل أن مهمته هي التذكير بما هو مرسوم في‬ ‫فطرة الإنسان ونساه الإنسان وليس بالغيب‪ .‬والقرآن يخلوا من المعجزات بمعنى خرق‬ ‫النظام وما يرد فيه من حكاية للمعجزات حكاية للفكر الديني قبل الإسلام ليس حكاية لما‬ ‫ينبغي أن يكون عليه الدين‪ .‬ولو أردت أن أذكر الحجج الواردة في القرآن والدالة على‬ ‫تعديل لهذه المعجزات بما يجعلها غير خارقة للنظام لبهت الذين يدعون في الدين علما‪.‬‬ ‫لكن ذلك ليس موضوعي الآن‪ .‬المهم أن القرآن لا يعتبر الدين بحاجة لخرق العادات‬ ‫ويعتبر الغيب أهم مفهوم يمكن من التمييز بين السياستين‪:‬‬ ‫‪ .1‬سياسة الإنسان لعالم الشهادة بالاعتماد على علم الضرورة الشرطية للطبائع وعلى‬ ‫علم الحرية الشرطية للشرائع وهو ما لا يمكن للإنسان تجاوزه باعتبار الغيب يحول دونه‬ ‫والتجاوز‪.‬‬ ‫‪ .2‬سياسة الله لعالم الغيب وضمنه عالم الشهادة بالاعتماد على الضرورة اللاشرطية‬ ‫للخلق والحرية اللاشرطية للأمر فعلين إلهيين لا يمكن قيسهما على أفعال البشر‪ .‬وكل من‬ ‫يتوهم أفعاله مطابقة للحقيقة يتأله فيكون مستبدا في الحكم وفي التربية‪.‬‬ ‫وتلك هي ثورة الإسلام الكبرى التي تختم محاولات الأديان والفلسفات السابقة إيصال‬ ‫البشرة إلى فهم هذه العلاقة بين الخليفة (الإنسان) ومستخلفه (الله)‪ .‬ولهذه العلة بدأت‬ ‫آية النظام السياسي في الشورى (الشورى ‪ )38‬بعلامة ذلك‪ :‬الاستجابة إلى الرب أي إن‬ ‫الإنسان لا يمكن أن يسوس دنياه إذا لم يكن مشدودا إلى من مثال أعلى هو ربه الذي‬ ‫يسوس أخراه ودنياه في آن سوسا إما مباشرة بما وضعه فيه من قوانين عضوية وسنن روحية‬ ‫أو بصورة غير مباشرة بما وضعه في الطبيعة من قوانين وفي التاريخ من سنن‪ .‬وقد جهز‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الإنسان لدور الخليفة بجهاز النظر والعقد للتعامل مع الطبيعة وبجهاز العمل والشرع‬ ‫للتعامل مع التاريخ‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫حان أوان الكلام في المعاني الخمسة لمفهوم الاستخلاف بعد أن حددنا معنييه الواردين في‬ ‫القرآن والمعنى الذي أبدعه الصحابة لما انتخب الصديق خليفة والمعنيين اللذين وضعتهما‬ ‫للوصل بين هذه المعاني‪:‬‬ ‫‪ .1‬المعنى الأول الذي هو أصل معانيه كلها أي منزلة الإنسان الوجودية‪ :‬استخلاف‬ ‫آدم وحواء‪.‬‬ ‫‪ .2‬المعنى الثاني ثمرة لإثبات جماعة جزئية أهليتها للاستخلاف في التاريخ‪ :‬تأسيس‬ ‫آدم للجماعة الأولى بعد أن تلقى كلمات فأتهمن فعفى عنه ربه واجتباه‪.‬‬ ‫‪ .3‬والمعنى الثالث الذي وضعته الأمة لما عينت الصديق خليفة لرسول الله على أساس‬ ‫بيعة الأمة كما بويع رسول الله نفسه ليصبح حاكما بعد أن كان رسولا لتكوين نواة‬ ‫المتحررين من النسيان والمؤسسين معه لدولة عالم الشهادة فتنتقل الجماعة إلى جماعة‬ ‫مستجيبة لربها‪ .‬وذلك هو معنى النقلة من إسلام مكة إلى إسلام المدينة أو من الثورة‬ ‫الروحية إلى الثورة السياسية وثمرتها أي الدولة‪ .‬وجعلت ذلك مفهوما عاما لمن تنتخبه‬ ‫نائبا عنها وقيما على وظائف الدولة التي تمثلهم وتحت رقابتهم‪.‬‬ ‫‪ .4‬واضفت معنى رابعا يصل بين المعنى الأول والمعنى الثاني لأنه لا يمكن لأمة أن‬ ‫تصبح أهلا للخلافة من دون تحول في جهازيها المحققين لسياسة عالم الشهادة من منطلق‬ ‫رؤية تكون مرجعيتها سياسة عالم الغيب أصلا للفكرين الديني عامة والفلسفي منه على‬ ‫وجه الخصوص أو لفهم الانتقال من الخلافة منزلة وجودية بالقوة إلى الخلافة منزلة‬ ‫وجودية بالفعل لجزء من الإنسانية‪.‬‬ ‫‪ .5‬لأختم بمعنى خامس وأخير يصل بين هذه النقلة الأولى للفعل إلى النقلة الأخيرة‬ ‫للفعل الكلي أي لما سماه القرآن كمال الدين ورضا الإسلام دينا للإنسانية كلها وصلا بين‬ ‫الاستخلاف الجزئي والاستخلاف الكوني بالفعل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وسأبد بالمنزلة الوجودية التي هي الأصل لنبين دلالتيها في القرآن الكريم من خلال تحليل‬ ‫مشهدين قرآنيين حول مسألة الاستخلاف الأصلي منزلة وجودية وأدوات تحقيق‪:‬‬ ‫‪ .1‬المشهد الأول ويبدأ من إعلام الله الملائكة بأنه سيجعل آدم خليفة في الأرض‬ ‫وينتهي بعصيان آدم وحواء لما أمرا به بخصوص الشجرة الملعونة‪.‬‬ ‫‪ .2‬المشهد الثاني ويبدأ من \"تحدي\" ابليس بعدم السجود وبالتشكيك في أهلية آدم‬ ‫للاستخلاف وطلب النظر وحصول آدم وحواء على فرصة ثانية‪.‬‬ ‫فيكون للاستخلاف من حيث هو أصل معنيان‪ .‬والثاني منهما هو ما يعنيه ابن خلدون في‬ ‫تعريف الإنسان بوصفه \"رئيسا بطبعه\"‪ .‬والأول هو ما يعنيه بقوله \"بمقتضى الاستخلاف‬ ‫الذي خلق له\"‪:‬‬ ‫‪ .1‬فيكون المعنى الأول من منزلة الإنسان الوجودية محددا الغاية من خلق الإنسان‬ ‫أي الاستخلاف وهو العبادة الحرة بدليل الآية التي يقول فيها الله إنه إنما خلق الجن‬ ‫والإنسان إلا لعبادته‪.‬‬ ‫‪ .2‬ويكون الثاني من منزلة الإنسان الوجودية محددا شروط تحقيقها في سياسة عالم‬ ‫الشهادة التي هي الاختبار الفعلي للأهلية بمعنى التعمير بقيم الاستخلاف‪:‬‬ ‫• فالأول لتحديد طبيعة المنزلة الوجودية أو الاستخلاف الذي هو منزلة ممكنة وليست‬ ‫حاصلة بالفعل‪.‬‬ ‫• الثاني لتحديد تجهيز آدم الذي يمكنه من تحقيق الأهلية للاستخلاف بالفعل إيجابا أو‬ ‫تحقيق عدمها سلبا‪.‬‬ ‫وهنا يوضع مشكل بداية الانتقال من هذه المنزلة بالقوة إليها بالفعل‪ .‬ولا يمكن لذلك‬ ‫أن يحصل من دون أن يشرع الإنسان في تحقيق مهمتيه اللتين تثبتان اهليته للاستخلاف‬ ‫باستعمال جهازيه اللذين يمكنانه من ذلك‪:‬‬ ‫• الجهاز الأول هو جهاز النظر والعقد للتعامل مع الطبيعة التي يستمد منه شرط حياته‬ ‫وجودا أعني كل ما هو ضروري لحياته العضوية غذاء وماء وكنا‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫• الجهاز الثاني هو جهاز العمل والشرع للتعامل مع التعامل مع الطبيعة أي للتعامل مع‬ ‫التاريخ الذي هو في البداية تحصيل ما يبقي على وجوده أي شرط بقاء وجوده نظاما‬ ‫للرعاية والحماية أي وظيفتي السياسة وموضوع الدولة‪.‬‬ ‫وهنا يتدخل \"الإبداع المتلقي\" وهو المفهوم الدقيق لمعنى الوحي ودوره في تحقيق هذه‬ ‫النقلة سواء كان بشكل نبوي أو بشكل فلسفي‪ .‬والابداع المتلقي تحديدا مفهوميا للوحي‬ ‫بمعنى فهم آيات الله في الآفاق وفي الأنفس هو تلقي ما يدل على النظام في الطبيعة ‪-‬‬ ‫الضرورة الشرطية بلغة أرسطو‪-‬وعلى النظام في التاريخ ‪-‬الحرية الشرطية باصطلاحي‬ ‫الشخصي قياسا على اصطلاح ارسطو‪-‬ومن ثم تلقي لما يفيد أن للطبيعة والتاريخ ما وراء‬ ‫يعلل ما هما عليه‪.‬‬ ‫فيكون المبدعون للتعبير عما يتلقونه من نظام الطبيعة ومن نظام التاريخ وخاصة مما‬ ‫يفترض ما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ هم أصحاب الوصل الأول الذي أضفته لمفهوم‬ ‫الخلافة‪ .‬وهو اصطلاح أقدم عليه لأنه يمثل خلافة أولى للمبدعين من الجماعة برؤية‬ ‫آيات الله للدين وتطبيقاته وللعلم وتطبيقاته بأشكال بدائية طبعا‪ .‬والجماعة التي يتحقق‬ ‫فيها ذلك تكون هي المؤهلة للاستخلاف في الأرض أو التي ترث الأرض بلغة القرآن لأنها‬ ‫تكون قد عمرتها بقيم الاستخلاف التي يحددها القرآن‪ .‬فأصحاب التلقي المبدع هم من‬ ‫يقول عنهم القرآن الكريم إنهم ذوو ا لبصيرة التي تمكنهم من إدراك ما يريه الله للإنسان‬ ‫من آياته في الآفاق وفي الأنفس‪ :‬سياسة عالم الشهادة هي التي تبدع الأديان والفلسفات‪.‬‬ ‫فهما يبدعان الرؤى التي تساعد على علاج‪:‬‬ ‫‪ .1‬علاقة الإنسان العمودية بالطبيعة وما بعدها شرطا في علاج علاقته بشروط قيامه‬ ‫العضوي وهو ما يفيده مفهوم التسخير‪.‬‬ ‫‪ .2‬وعلاقته الأفقية بالتاريخ وما بعده شرطا في علاج علاقته بشروط رعاية قيامه‬ ‫وحمايته وهو ما يفيده مفهوم السياسة التي تكون الأجيال وتحمي الجماعة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولا وجود لفصل بين الدين رغم كونه ينطلق من العلاقة الثانية ويذهب إلى الأولى‬ ‫والفلسفة التي تنطلق من العلاقة الأولى وتذهب إلى الثانية‪ .‬لكن الطريق المقطوعة في‬ ‫الاتجاهين واحدة‪ .‬ولم يحصل هذا الفصل إلا في غايات الفكر اليوناني وفي الظاهر فحسب‪.‬‬ ‫ففي حضارتي الشرق القديم أي مصر وبابل لم يكن الفصل بينهما واردا‪.‬‬ ‫لكن الفصل اليوناني لم يكن فصلا حقيقيا بل كان صوغا عقليا لهما عكس المسار الديني‬ ‫بين النظر والعقد والعمل والشرع ليصبح فلسفيا بعد أن كان ميثولوجيا يقدم العمل‬ ‫والشرع على النظر والعقد‪ .‬لكن المضمون واحد في الحالتين‪:‬‬ ‫‪ .1‬إنه علاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة وما بعدها علميا بمرجعية‬ ‫دينية عامة أو دينية مفلسفة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وعلاج العلاقة الأفقية بين الإنسان والتاريخ وما بعده عمليا بمرجعية دينية عامة‬ ‫أو دينية مفلسفة‪.‬‬ ‫وفي الحقيقة فإن الفلسفة قد عادت إلى أصلها بعد أن صارت إيديولوجيا عملية وسياسية‪-‬‬ ‫هيجل وماركس وقدموا صورة مشوهة مما تصوروه علما لتاريخ حضاري مقيس على التاريخ‬ ‫الطبيعي‪-‬فأصبحت ميثولوجيا معاكسة للتي كانت ذات صلة بها في الفكر السابق على اليونان‬ ‫وحتى في محاولة فلسفتها اليونانية عند أفلاطون وارسطو بوهم النظام المعرفي الشامل لكل‬ ‫شيء‪.‬‬ ‫فالميثولوجيا الحديثة تسقط سياسة عالم الغيب على عالم الشهادة وتضع الإنسان مكان‬ ‫الله بعكس الأولى التي كان فيها الله يشغل مكان الإنسان بإسقاط سياسة عالم الشهادة على‬ ‫سياسة عالم الغيب‪ .‬ولعل أساس الميثولوجيا القديمة حضارة الشرق القديم أي مصر وبابل‬ ‫والميثولوجيا الحديثة أساسها حضارة الغرب الحديث‪ .‬فالإنسان مبدع كل شيء وخالقا بما‬ ‫يشبه \"كن\" مثل الرب تماما فالتقدم العلمي والتطبيقات التقنية جعلت المعرفة تحقق أحلام‬ ‫السحرة‪ .‬وتلك هي ذروة ما بعد الحداثة أو أوهام نيتشة والإنسان الأعلى المبدع رمزيا‬ ‫لكل شيء‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وهكذا فقد عالجنا معنى الخلافة الفطرية التي هي منزلة الإنسان الكونية في الوجود‬ ‫كما يحددها القرآن وأشرنا إلى بعديها وإلى علاقتها بمشهدي الاستخلاف اللذين سنحللهما‬ ‫في الفصل الموالي‪.‬‬ ‫كما عالجنا الوصلتين بين الأصل وبداية الانتقال من هذا الاصل إلى الشكل الأول من‬ ‫الاستخلاف الفعلي في جماعة معينة أنشأت بعدي سياسة عالم الشهادة أي التربية والحكم‬ ‫مقومي كل دولة تنظم شروط سد الحاجات المادية أو التبادل (العمران البشري بلغة ابن‬ ‫خلدون) وشروط سد الحاجات الروحية أو التواصل (الاجتماع الإنساني بلغة ابن‬ ‫خلدون)‪.‬‬ ‫وبذلك فلم يبق إلى أن ندرس المشهدين والاستخلاف الجزئي والاستخلاف الكلي والعلاج‬ ‫القرآني للمسار الناقل من الجزئي إلى الكلي أو فلسفة الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين‬ ‫في علاقة بمفهوم الاستخلاف وتحقيق شروط الأهلية التي ه تحقيق التعمير بقيم‬ ‫الاستخلاف‪ .‬وما مقدمة ابن خلدون إلا محاولة لفهم هذا المسار وإن كانت في شكل بدائي‬ ‫لم ينضج بصورة تجعله يتحول إلى نظرية نسقية يمكن أن تؤسس لما كان يريده ابن خلدون‬ ‫وهو مضاعف‪:‬‬ ‫‪ .1‬فلسفة العمران البشري والاجتماع الإنساني أو علم العلاقة بين الشروط‬ ‫الطبيعية (الجغرافيا والمناخ) والشروط الثقافية لقيام الحضارات (الأديان والفنون‬ ‫الخلقية والعلوم والفنون التقنية)‪ .‬وبين الأمرين الفنون الجمالية التي تصحب المائدة‬ ‫والسرير‪.‬‬ ‫‪ .2‬اساسا للنقد التاريخي وكتابة التاريخ كتابة تدخله في نظام العلوم الفلسفية التي‬ ‫كانت تستثنيه لأن التاريخ كان يعتبر مجرد منهج لجمع المعطيات في أي معرفة للوجود‬ ‫الخارجي وليس علما خاصا بالظاهرات الإنسانية من حيث هي هذه العلاقة بين الطبيعي‬ ‫والثقافي في تكوينية الإنساني عامة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يبدو المعنيان اللذان أضفتهما لمفهوم الخلافة بهدف الوصل بين معناه الأول (استخلاف آدم‬ ‫وحواء) والثاني (نشأة أول جماعة مستجيبة لربها) ثم بين الثاني والثالث (استخلاف أمة‬ ‫محمد حاملة للرسالة الكونية والخاتمة التي تعتبر آخر تذكير بالرسالة الفطرية الكونية‬ ‫كونيا) وكأنهما مفتعلان أو من التحكم الذي يفرضه السعي لتحقيق النسقية النظرية على‬ ‫حساب المعطى الموضوعي في القرآن والتاريخ‪.‬‬ ‫وقد يذهب البعض إلى أن ذلك ربما بسبب ما عرف عن طريقتي في إثبات الطابع المخمس‬ ‫لكل مفهوم نفيا للطابع المثلث الذي عرف في المدرسة الهيجلة الماركسية والذي هو بصريح‬ ‫رأي هيجل مستمد من التثليث المسيحي‪ .‬وذلك فسأبدأ تعليل هذين المعنيين اللذين‬ ‫أضفتهما ببيان استحالة القول بالتثليث لأن أي مفهوم لا يكون واحدا إلا إذا كان تأليف‬ ‫معنيين على الأقل‪ .‬وتأليف معنيين لا يعطين معنى ثالثا فحسب بل يعطينا معنيين ثالثا‬ ‫ورابعا‪:‬‬ ‫فإذا كان \"م\" مؤلفا من \"م‪ \"1‬و\"م‪ \"2‬فإنان لا نحصل على \"م‪-1‬م‪ \"2‬فحسب بل نحصل كذلك‬ ‫على \"م‪-2‬م‪ .\"1‬فنكون حتما أمام خمس معان أصلها \"م\" أي المفهوم الذي هو أصل فروع معناه‬ ‫الأربعة أي \"م‪ \"1‬و\"م‪ \"2‬ثم \"م‪-1‬م‪ \"2‬ثم \"م‪-2‬م‪.\"1‬‬ ‫وإذا طبقت ذلك على ما انتهيت إليه من أن الديني والفلسفي يمكن اعتبارهما معبرين‬ ‫عن مفهوم واحد هو \"تلقي نظام سياسة عالم الغيب\" أي تلقي ما يحيل إلى نظامي الطبيعة‬ ‫والتاريخ وراء الطبيعة والتاريخ بما لبعض البشر من قدرة على تجاوز الحواس إلى‬ ‫الحوادس ومثاله الانتقال من البصر إلى البصيرة فإن ذلك يعطينا نفس النتيجة‪:‬‬ ‫‪ .1‬الاستخلاف الذي هو منزلة وجودية للإنسان من حيث هو إنسان‪.‬‬ ‫‪ .2‬هو البصيرة التي تتجاوز البصر فتتلقى النظام وراء الطبيعة والتاريخ‪ .‬وهذا‪:‬‬ ‫‪ .3‬التلقي له ضربان ديني طبيعي أو ميثولوجيا أو ديني \"عقلي\"‪.‬‬ ‫‪ .4‬تأثير الديني الطبيعي أو الميثولوجيا في الديني الفلسفي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪24‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .5‬تأثير الديني العقلي في الديني الطبيعي أو الميثولوجي‪.‬‬ ‫وهذه المعادلة تتحقق في كل مفهوم لأنه بالطبع مؤلف على الاقل من موضوع ومحمول مع‬ ‫أداة الوصل بينهما لكنها ذات اتجاهين متقابلين من الموضوع إلى المحمول ومن المحمول إلى‬ ‫الموضوع وذلك ملازم لكل قضية في المنطق التقليدي والمنطق غير التقليدي لم يتحرر من‬ ‫ذلك بل عممه ومحاولة هيجل الاقتصار على العلاقة في النقلة إلى منطق التأمل بمعيار‬ ‫النهى بدلا من منطق الاسترياء بمعيار الحصاة لا يجعله في حل من الفرق بين الاتجاهين‪.‬‬ ‫ويكفي لفهم الفرق بين الاتجاهين تطبيقهما على مثال العلاقة بين الديني والفلسفي‪:‬‬ ‫فالديني يحقق العلاقة من العمل والشرع إلى النظر والعقد‪ .‬والفلسفي بالعكس يحققه‬ ‫من النظر والعقد إلى العمل والشرع‪ .‬وبصورة أوضح بغلة شبه عامية فالدين يعتبر العمل‬ ‫السياسي الذي هو وزع ذاتي ووزع أجنبي في إدارة العلاقة بالطبيعة والتاريخ بلغة ابن‬ ‫خلدون مقدم على الفلسفة التي تبدأ بالنظر العلمي الذي هو نظرية أدوات الوزعين في‬ ‫إدارة العلاقة بالتاريخ وبالطبيعة‪.‬‬ ‫وواضح أن الرؤية الدينية أسلم‪ .‬ذلك أن العلاقة بالطبيعة هي بدورها تاريخية وهي‬ ‫إضافية لنظام علاقات البشر في بينهم لتنظيم علاقتهم بغيرهم في العالم وخاصة بالطبيعة‬ ‫التي لا يمكن أن مصدر حياتهم إذا لم يسبق على العلاقة بها ما يمكن من استمداد مصدر‬ ‫الحياة منها أي تنظيم الجماعة التي ستتعاون وتعيش بسلام في ما بينها حتى يقع تقاسم‬ ‫العمل والتبادل وشرطه وقوع التواصل ومن ثم القانون والأخلاق وهو معنى تقدم السياسي‬ ‫على العلمي أو بصورة أدق تقدم علم السياسة على علم الطبيعة وما بعد السياسة على ما‬ ‫بعد الطبيعة‪.‬‬ ‫والمعلوم أن أرسطو تردد في تحديد العلم الرئيس هل هو ما بعد الطبيعة أو السياسة بوصفها‬ ‫ما بعد التاريخ وقرر أن ينسب دور العلم الرئيس أي المؤسس لكل العلوم والاعمال إلى ما‬ ‫بعد الطبيعة‪ .‬لكن ابن خلدون عكس وأوغست كونت جمع بين الخيارين بعد أن عوض ما‬ ‫بعد الطبيعة بالرياضيات وعوض ما بعد التاريخ بالاجتماعيات‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪25‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذن فليس من التحكم إضافة الوصلتين بين المعنى الأول والثاني ثم بين الثاني والثالث‬ ‫وذلك بمعيار التوجهين في العلاقة بين المقومين‪ .‬ففي مثالنا الحالي الوصلة الأولى هي بين‬ ‫المعنى الكوني للاستخلاف الذي هو فطرة الإنسان ومنزلته الوجودية في النص القرآني‪:‬‬ ‫وذلك هو دور آدم وحواء‪ .‬وهي وصلة بين هذه المنزلة وبداية تكوينيتها‪ .‬والوصلة الثانية‬ ‫عودة من غاية التكوينية إلى البداية‪ :‬وذلك هو دور محمد وخديجة‪.‬‬ ‫وهنا يتبين أن دور خديجة هو عين دور حواء ودور محمد هو عين دور آدم ولكن بمعنى‬ ‫بداية ثانية تعود من الغاية إلى البداية أعني إلى أساس الفرصة الثانية بعد أن عفى الله‬ ‫عن آدم وحواء واجتباهما وبعد أن تم العهد من خلال أخذ كل أبناء آدم من ظهور آبائهم‬ ‫لإشهادهم على أنفسهم‪ :‬لذلك فالإسلام دين يتوجه إلى البشرية كلها بمقتضى شهادتها على‬ ‫نفسها ليذكرها بذلك‪ .‬وهو في آن تحرير الديني والفلسفي (أو النقلي والعقلي باصطلاح‬ ‫لا احبه) من التحريفين اللذين يؤسسان لتحريف الطبيعي والروحي في الإنسان‪:‬‬ ‫‪ .1‬تحريف الطبيعي يتمثل في نسبة العصيان الأول إلى العلاقة الجنسية بين آدم وحواء‬ ‫ومن ثم اتهام البدن بكل الشرور واعتبار الجنس والمرأة من المدنسات والمرأة حينها هي‬ ‫بالجوهر عاهرة كما نرى ذلك في التوراة‪ .‬وهذه خاصية مشتركة بين اليهودية والتشيع كما‬ ‫يرمز إلى ذلك ما يسمى بالمتعة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وتحريف الروحي هو انكار العفو والاجتباء والقول بالخطيئة الموروثة التي تتأسس‬ ‫عليه خرافة الحاجة إلى ابن للرب الشهيد أو ابن النبي يكون شفيعا ليزيل مفعولها والحاجة‬ ‫إلى من ينوبه في الأرض أي الكنيسة للتربية والحكم بالحق الإلهي للحكم‪ .‬وهي كذلك‬ ‫فكرة مشتركة بين المسيحية والتشيع‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أن التشيع ليس إلى جمعا بين التحريفين اليهودي والمسيحي مفروض على‬ ‫الإسلام للانتقام منه من أجل استرداد دولة فارس‪ .‬ولا شيء فيه يؤيده القرآن‪ .‬فإذا كان‬ ‫القرآن يقول للرسول نفسه في الغاشية ‪ 22-21‬بأنه ليس وسيطا في التربية ولا وصيا في‬ ‫الحكم فلا يمكن أن يكون في الإسلام من هو أرفع منزلة من النبي حتى يكون له ذلك فيصبح‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪26‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫آل البيت لهم دور الوسيط روحيا والوصي سياسيا‪ .‬ومن هنا فمن الخطأ الخلط بين الخلافة‬ ‫بالمعنى السني والإمامة بالمعنى الشيعي‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالخلافة بالمعنى السني ليست وصاية بل هي انتخابية أو اختيارية (الغزالي فضائح‬ ‫الباطنية) وهي اجتهادية باختيار الجماعة لرعاية المصالح العامة (ابن خلدون فصل الكلام‬ ‫من المقدمة) والحاكم فيها نائب الأمة (ابن تيمية السياسة الشرعية) باختيارها أو بالبيعة‬ ‫الحرة لأن الأمر أمرها وهي تديره بالشورى (الشورى ‪.)38‬‬ ‫‪ .2‬والإمامة بالمعنى السني ليست وساطة بل منزلة علمية وخلقية ويمكن أن تستعمل‬ ‫لتسمية الخليفة لكنها حينئذ تكون بمعناها في إمامة الصلاة التي هي ليست منزلة وجودية‬ ‫مثل مفهوم الإمامة عند الشيعة بل هي منزلة اختيارية إذ الإمام في الصلاة يعنيه المصلون‬ ‫باختيارهم وهي منزلة يمكن أن يشغلها أن مسلم ولا حاجة لنسب بل يكفي فيها العلم‬ ‫والأخلاق ورضا المصلين الذين ينتخبونه‪.‬‬ ‫فإذا قارنا محمد بآدم كان هذا بداية أولى وذاك بداية ثانية أو إن صح التعبير أحدهما‬ ‫يبدأ من المعنى الكلي الذي ما يزال بالقوة ليحققه في جماعة جزئية بالفعل والثاني يبدأ‬ ‫من حصيلة هذه المحاولات السابقة للتحقيق الجزئي بوصفها بلغت درجة الوعي بالمعنى الكلي‬ ‫الذي قرب من التحقق في الجماعة الكونية‪ .‬فكان مشروع الرسالة الخاتمة مؤلفا من جزئين‪:‬‬ ‫‪ .1‬مراجعة المسار الذي بدأ من آدم وتواصل إلى عصر محمد وذلك هو القسم النقدي‬ ‫للتحريف بمعيار التصديق والهيمنة والذي يمثل تقريبا نصف القرآن الكريم لأنه هو‬ ‫المضمون الرئيس للقصص القرآني الذي يتجاوز التمثيل إلى عرض فلسفة الدين وفلسفة‬ ‫التاريخ القرآنيتين‪.‬‬ ‫‪ .2‬تحديد المشروع الذي يصلح هذا المسار ويجعل التحقيق الكوني غاية للرسالة الخاتمة‬ ‫وذلك هو معنى دولة الإسلام الكونية التي تعتبر العالم كله مجال فعلها وهي إذن دولة لا‬ ‫تحد بقسم من المعمورة بل هي تشمل المعمورة كلها وهي في آن جغرافيتها ومعبدها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪27‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولهذه العلة فلا يمكن ألا نسمي آدم خليفة وهو مؤسس أول جماعة وسائس دولة عالم‬ ‫الشهادة الأولى التي تذهب من الجزئي إلى الكلي في تحقيق النقلة من منزلة الإنسان‬ ‫الاستخلافية التي بالقوة إلى الفعل الجزئي‪ .‬ولا يمكن ألا نسمي محمدا خليفة وهو مؤسس‬ ‫أول جماعة وسائس دولة الشهادة الأولى التي تذهب من الكلي إلى الجزئي في تحقيق غاية‬ ‫النقلة من الجزئي إلى الكلي أي العودة إلى الجزئي لنقده بمعيار الكلي والشروع في تحقيق‬ ‫الكلي الفعلي ليس في التصور فحسب بل بالفعل من خلال دولة الإسلام الكونية‪.‬‬ ‫أعتقد أني بهذا قد عللت اضافة المعنيين الواصلين بين الأول والثاني وبين الثاني والثالث‬ ‫فتحصلت على المخمس الذي لا يمكن اعتباره متصنعا بل هو البنية التامة لمفهوم الاستخلاف‬ ‫كما يحدده القرآن وفهمته الأمة‪ .‬وعلي الآن أن أعلل ذكري لحواء وخديجة مع آدم‬ ‫ومحمد‪ .‬فما كان يحول دون ذكرهما في الأدبيات الإسلامية ‪-‬مع ذكر يتعلق بترجمة الرجلين‬ ‫وليس برسالتهما‪-‬هو التحريفان اليهودي والمسيحي‪:‬‬ ‫‪ .1‬أعني منزلة المرأة الوجودية في الرؤية اليهودية من حيث الخلقة‪ :‬قصة الضلع‬ ‫الأعوج‪.‬‬ ‫‪ .2‬ومنزلتها القيمية الروحية في الرؤية المسيحية من حيث الأمر‪ :‬قصة الخطيئة الموروثة‬ ‫والتفاحة‪.‬‬ ‫وما زلت لا افهم موقف المسلمين من هذين التحريفين لنصوص القرآن الصريحة‪ .‬ففي‬ ‫القرآن الأصل في وجود الإنسانية ليس آدم بل النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ولما‬ ‫تغشاها حملت منه‪ .‬وتلك هي حواء‪.‬‬ ‫وفي القرآن الجنس ليس مدنسا بل هو مقدس إذ هو أسمى من كل العبادات كما يتبين من‬ ‫منزلته في الآخرة‪ .‬فلا يعلو عليه فيها إلا رؤية وجه الله‪ .‬وليس الأمر متعلقا بما يتوهمه‬ ‫الكثير من حمقى الحداثيين الذين يعتبرون ذلك من نتائج ادمان الحرمان من الجنس بل‬ ‫هو اعتراف بفضله على بقاء النوع عضويا وعلى سموه روحيا لأنه ما من إبداع جمالي‬ ‫بقابل للفصل عن الجنس والمرأة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪28‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ويمكن الآن أن اختم هذه المحاولة بالوصل بين هذين المعنيين اللذين أضفتهما لمفهوم‬ ‫الخلافة واللذين لهما صلة مباشرة بهذين التحريفين اللذين أصلحهما الإسلام لتحرير‬ ‫الإنسانية من تشويه سر الحياة كلها العضوية والروحية‪:‬‬ ‫• فآدم خليفة لأنه مؤسس الأسرة العضوية بعلاج أهم مشكل يتأسس عليه تكون‬ ‫الجماعات أعني تأسيس نظرية المحارم‪ .‬فقد كان عليه أن يجد حل ‪-‬ولا يهم إن كان ذلك‬ ‫لأنه لا يوجد إلى رجل وامرأة أي آدم وحواء ومن ثم فالأخ سيتزوج اخته حتما‪-‬بل لأن‬ ‫ذلك هو كذلك حتى لو كانت البشرية بدأت كثيرة الرجال والنساء لكن الجماعات كانت‬ ‫متفرقة ومن ثم فالقضية واحدة وهي قضية الانتقال من عدم وجود مبدأ المحارم إلى‬ ‫وجوده شرطا في توسيع العلاقات بين الجماعات‪.‬‬ ‫• ومحمد خليفة لأنه مؤسس الأسرة الروحية بعلاج أهم مشكل يتأسس عليه الانتقال من‬ ‫الجزئية إلى الكلية ومن صراع البشر إلى الاخوة البشرية (النساء‪ )1‬ومن التمييز‬ ‫العنصري والطبقي والجنسي إلى المساواة بين البشر (الحجرات ‪ )13‬ومن ثم فمفهوم‬ ‫الإنسانية لم يبدأ إلا مع محمد‪.‬‬ ‫ولهذه العلة سميت المشروع القرآن \"استراتيجية التوحيد القرآنية (يعني توحيد‬ ‫الإنسانية) ومنطق السياسة المحمدية (يعني السياسة التي ليس فيها مقابلة بين داخل‬ ‫وخارج بل الأمر يشمل المعمورة كلها\"‪ .‬ولما كان الأمر إذن متعلقا بالخلافتين الآدمية‬ ‫والمحمدية المؤسستين لشروط قيام الإنسان العضوية والروحية فإن الاكتفاء بذكر الرجلين‬ ‫من دون صاحبتيهما فيه تجن على الحقيقة كما وردت في القرآن وفي التاريخ الفعلي لتكوينية‬ ‫البشرية والحضارات الإنسانية‪ .‬وإذا كان القرآن لم يذكر حواء ولا خديجة في استخلاف‬ ‫آدم ومحمد فليس لأنه يستثنيهما من الرسالة بل لأن دورهما مفروغ منه ولي على ذلك‬ ‫دليلان‪:‬‬ ‫• دليل الكلام على صاحبة خانت الرسالة زوجة نوح‪.‬‬ ‫• دليل الكلام على صاحبة عدو الرسالة زوجة فرعون‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪29‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وذلك يعني أن دور صاحبة الرسول و صاحبة عدوه الأول مذكور عندما يكون لذلك داع‪.‬‬ ‫أما عندما يكون الأمر مفروغا منه فلا داعي لذلك‪ .‬والسكوت عن الدور المفروغ منه يعلله‬ ‫أن كلام على الرجل كلام عليه رب اسرة وليس كشخص إذ إن الوحدة في العمران البشري‬ ‫والاجتماع الإنساني هي ما لا يمكن من دون حده الأدنى تصورهما ممكنين‪ :‬الحد الأدنى‬ ‫هو الزوجان وما بينهما من تفاعل في الاتجاهين‪ .‬أما الاقتصار على ذكر الرجل دون المرأة‬ ‫فلأن القوامة في القرآن هي للرجال ومسالة الدور السياسي جزء من القوامة‪ .‬ونحن نتكلم‬ ‫على الخلافة من القوامة بالمعنى السياسي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪30‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫خاتمة البحث تتعلق بالمعنى الذي وضعته الأمة والذي هو قياس على المعنى القرآني‬ ‫للاستخلاف‪ .‬لكنه غير محدد بدقة لأنها استعملت بمعنى خلافة رسول الله‪ .‬دون أن تحدد‬ ‫ما تخلفه فيه فيكون المعنى من جاء بعده ليحل محله في ما يقبل ذلك‪ .‬لم يبق المستخلف‬ ‫منزلة وجودية هي خلافة الإنسان لربه في تطبيق شرعه وعبادته ولا يمكن أن يكون خليفة‬ ‫للرسول من حيث هو رسول يوحى إليه بل هو خلافة الجماعة في تطبيق ما ذكر به‪ .‬وإذن‬ ‫فالجماعة هي المستخلفة وهي التي صارت صاحبة الأمر بمقتضى الآية ‪ 38‬من الشورى والتي‬ ‫شرطها أن تكون مستجيبة للرب وان تسير الأمر بالشورى بينها من أجل منع علة الاجتماع‬ ‫والسياسة أن تتحول من أصل التعاون للرعاية والحماية إلى تحوله إلى مصدر الصراع‬ ‫عليه‪ .‬وذلك هو أصل التحريفات التي ترد إلى عاملين حددهما القرآن في آيتين‪:‬‬ ‫• النساء ‪ 1‬وهو عامل الأخوة البشرية‪ :‬من نفس واحدة لهم رب واحد ورحم كلي واحد‬ ‫حتى لو تعددت تصورات الإله والارحام الجزئية‪.‬‬ ‫• الحجرات ‪ 13‬وهو عامل التعارف معرفة ومعروفا اساس للمساواة أمام القانون الذي‬ ‫هو المنزلة عند الله وهي حصر التمايز في التقوى‪.‬‬ ‫هذا المعنى لست متأكدا من أن واضعيه كانوا مدركين أن المستخلف هو الجماعة بدليل‬ ‫اعتبار الحاكم خليفة رسول الله وليس خليفة الأمة‪ .‬ولا يمكن أن يكون الخليفة خليفة لمن‬ ‫لم يعد موجودا بمعنى الوريث وإلا لكان المعنى الأعم يفيد بأن آدم وريث الله والله لم يعد‬ ‫موجودا‪ .‬ولذلك فهذا الغموض هو علة تخلي الفاروق عن هذا الاسم وفضل أمير المؤمنين‬ ‫لأن في ذلك إشارة واضحة لمعنى وأمرهم شورى‪ .‬فأعاد الأمر إلى معناه الحقيقي أي إن‬ ‫الخليفة هو خليفة صاحبة الأمر أي الأمة التي استجابت لربها بالمعنى الذي يشمل الجماعة‬ ‫الجزئية والجماعة الكونية بالمعنى الوارد في النساء ‪.1‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪31‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وستكون الخاتمة متعلقة بهذا المعنى الذي كان الخلاف حوله علة الفتنة الكبرى (شورى‬ ‫عامة أو وصاية لسلطة ذات حق إلهي في الحكم) وعلته الحالية هي الفتنة الصغرى (دين‬ ‫علمانية)‪:‬‬ ‫‪ .1‬ومعنى ذلك أن اغتيال عثمان علته العميقة هي الخلاف حول طبيعة النظام‪ :‬شرعية‬ ‫عثمان كان مقدوحة من القائلين بالحق الإلهي في الحكم تحريفا لنظرية الدولة وأساس‬ ‫شرعية الحكم في الإسلام بين العائدين إلى التقاليد الفارسية ويمثلها حزب علي والعائدين‬ ‫إلى التقاليد الجاهلية ويمثلها معاوية وكلاهما وجد ضالته في الاغتيال‪.‬‬ ‫ومن ثم فالفتنة الكبرى بدأت يوم وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة عندما قال البعض‬ ‫منا أمير ومنكم أمير (التقاليد الجاهلية) وقال آخرون علي أولى بها بزعم أنه موصى به‬ ‫أو من بيت الحاكم السابق (التقاليد الفارسية والبيزنطية)‪.‬‬ ‫ولذلك فكلمة رسول الله في الأجيال الثلاثة هي كلمة في الخلفاء الثلاثة الأول لأنهم هم‬ ‫الذين حققوا شروط تأسيس الدولة إذا اعتبرناهم فروعا ثلاثة عن الخلافة الكونية‬ ‫الأولى في القرآن المدني كما أسسها رسول الله نفسه بالمعنى الذي شرحت‪ .‬وذلك هو جيل‬ ‫المرجعية الإسلامية في القرآن المكي كلهم أي صحابة الهجرة‪.‬‬ ‫‪ .2‬وذلك هو أصل الأجيال الثلاثة التي تكلم عليه الرسول وهو لا يعني أن من أتى بعدهم‬ ‫ضال أو عليه أن يحاكيهم فلا يسهم في الإبداع التحقيقي لشروط تحقيق المشروع والارتقاء‬ ‫به إلى ما يقربه من مثاله الأعلى‪ .‬لكن الأجيال الثلاثة كلهم من صحابة رسول الله‪.‬‬ ‫وهذه الثلاثة لا تعني التخلي عن المخمس‪ .‬فالأصل هو المخمس الذي يكتمل بالعاملين‬ ‫الآخرين اللذين يجرى عمل الأجيال الثلاثة به اتباعا للمشروع (القرآن) والعينة‬ ‫التطبيقة منه (السنة) في مرحلتي مكة التي هي وجه التربية منه والمدنية التي هي وجه‬ ‫الحكم منه‪ :‬وهما بعدا القرآن وبعدا السنة‪.‬‬ ‫فالقرآن هو الأصل الذي يتفرع إنجاز مشروعه إلى أربعة عوامل هي سنة الرسول في‬ ‫التربية والحكم ثم سنن الخلفاء في استكمال أركان الدولة الكونية بعد التأسيس المحمدي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪32‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فمعنى السنة الوحيد الذي يستن بها المسلم هي سياسة الرسول لعالم الشهادة المشدودة إلى‬ ‫سياسة عالم الغيب كما يخبرنا بها القرآن الكريم اخبارا يستعمل فيه الإنسان وحدة قيس‬ ‫مع احتراز ليس كمثله شيء‪.‬‬ ‫فتكون الأجيال ثلاثة فعلا لأن الرسول لم يتكلم في هذه الإشارة على السنة بوصفها‬ ‫السياسة التي كان هو الخليفة فيها ولا على القرآن بوصفه المرجعية والأصل لأسس بعدي‬ ‫الدولة الكونية أي التربية الكونية والحكم الكوني‪ .‬فتكون الأجيال بذلك حقا ثلاثة بعده‪:‬‬ ‫• الجيل الأول رمزه أبو بكر الصديق أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة الجغرافي أي‬ ‫الجزيرة العربية والشروع في الفتح علامة على معنى توحيد المعمورة تحت عنوان تحرير‬ ‫العباد من عبادة العباد بعبادة رب العباد‪ :‬الصديق‬ ‫• الجيل الثاني رمزه عمر بن الخطاب أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة التاريخي‬ ‫بالتقويم الهجري‪ .‬وهو الذي جعل الفتح سياسة تحقيق الدولة الكونية وتطبيق الآية ‪38‬‬ ‫من الشورى بتحديد المستخلف عندما اختار اسم أمير المؤمنين بدلا من خليفة خليفة رسول‬ ‫الله‪.‬‬ ‫• الجيل الثالث والأخير في تأسيس سياسة عالم الشهادة بقيم الانشداد إلى سياسة عالم‬ ‫الغيب هو الصحابي الذي وحد المرجعية بتوحيد صحائف القرآن وبه اكتمل تأسيس دولة‬ ‫الإسلام الكونية‪ :‬عثمان‪.‬‬ ‫والآن كيف وقع التحريف عن طريق حزب علي وحزب معاوية أو عن طريق التفريس‬ ‫والتعريب؟‬ ‫ذلك أن الرجلين كان يمكن أن يحميا الخليفة الذي كانت تقواه تحول دونه وإحاطة نفسه‬ ‫بحراسة‪ .‬لكنهما قانا قادرين على حمايته فعلي كان قريبا ومعاوية كان طائلا ولم يفعلا ما‬ ‫يعني أن لهما في ذلك غاية \"في نفس يعقوب\"‪.‬‬ ‫فالأول كان من البداية غير راض عن الحل الذي توصلت إليه الجماعة بالبيعة‪ .‬والدليل‬ ‫أنه لما سُئل عن السياسة التي سيتبعها رفض أن يواصل سياسة الشيخين ما يعني أنه كان‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪33‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يعتقد في حل آخر غير حل انتخاب الخليفة بالبيعة الحرة لأنه كان يعلم أنه لا حظ له في‬ ‫التقدم عليهما‪ .‬والدليل أنه لم يرض بعرض نفسه على البيعة لما اشترط عليه أن يتبع‬ ‫نهج الشيخين‪.‬‬ ‫والثاني لأنه سياسي محنك فكان ينتظر فرصة للانقضاض على الحكم بحجة تجعله مفضلا‬ ‫على علي الذي له السبق والقرب‪ .‬فمعاوية لم تكن له الشرعية الكافية للوصول إلى‬ ‫الخلافة بالبيعة إذ يوجد من هم أسبق منه في الإسلام‪ .‬فلم يتدخل في حماية الخليفة‪ .‬ولا‬ ‫يمكن أن يكون جاهلا بضرورتها لمجاورته بيزنطة ولا ان يكون عاجزا دونها لأن المحيطين‬ ‫بالخليفة كانوا من أقربائه‪ .‬والنتيجة أن الفرصة هي جبة عثمان والتظاهر بالغضب على‬ ‫الانقلابيين الذين اغتالوه‪.‬‬ ‫وإذا فالرجلان كانا مستفيدين من الاغتيال‪ .‬لكن الثاني كان أذكى من الأول وأقرب إلى‬ ‫الحل المناسب لوضعية العرب لقربهم من البداوة أولا ومن تقاليد الجاهلية ثانيا‪ .‬لكنه‬ ‫حافظ على شكليات الرؤية السنية كما مارسها الخلفاء الثلاثة الأول إذ حافظ على البيعة‬ ‫دون شرطها أي الحرية‪ .‬ولم يغير نظرية الحكم بالميل إلى الحل الفارسي ولا البيزنطي‬ ‫بل غيرها بالميل إلى الحل القبلي العربي‪ .‬فكانت دولة بني أمية‪.‬‬ ‫والآن كيف قست ما سميته بالفتنة الصغرى على ما يسمى بالفتنة الكبرى؟ فأما الفتنتان‬ ‫فهما في الحقيقة وجهان لنفس الرؤية التي تحرف معنى المرجعية المتعالية التي هي سياسة‬ ‫عالم الغيب مثالا أعلى لسياسة عالم الشهادة‪:‬‬ ‫• فالفتنة الكبرى نتجت عن جعل المثال الأعلى وكأنه متحقق في سلطة دنيوية هي‬ ‫الوساطة في التربية والوصاية في الحكم وهو التحريف الأول للمثال الأعلى الذي ينبغي أن‬ ‫يقود سياسة عالم الشهادة‪ :‬الرؤية الثيوقراطية‪.‬‬ ‫• والفتنة الصغرى نتجت عن الخلط بين المثال الأعلى وتحريفه بخلق هذين السلطتين‬ ‫فنفته معهما وألغت حاجة سياسة عالم الشهادة إلى مثال أعلى هو سياسة عالم الغيب‪:‬‬ ‫الرؤية العلمانية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪34‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫والرؤية الأولى تسيطر على الفتنة الكبرى وهي تجعل المرجعية المثالية أو مثال سياسة‬ ‫عالم الشهادة الأسمى تتحول إلى سلطة الوساطة بين المؤمن وربه وسلطة الوصاية بين المؤمن‬ ‫وأمره فتؤسس لاستبداد التربية بسلطة الحق الإلهي في الوساطة الروحية واستبداد الحكم‬ ‫بسلطة الحق الإلهي في الوصاية السياسة‪ :‬النظام الثيوقراطي‪.‬‬ ‫والرؤية الثانية تسيطر على الفتنة الصغرى وهي تجعل التحرر من سلطة الوساطة وسلطة‬ ‫الوصاية نفيا للمثال الأعلى المتعالي على الطبيعة والتاريخ فتصبح الطبيعة والتاريخ‬ ‫محددين لما يتعالى عليهما ما يجعل الأمر الواقع مثالا اعلى وتصبح الطبيعة والتاريخ‬ ‫الحكمين النهائيين فلا يبقى فرق بين الموجود والمنشود‪ :‬النظام الانثروبوقراطي‪.‬‬ ‫وبهذين التحريفين اللذين هما نفس التحريف من وجهين متقابلين يتردى وضع الإنسان‬ ‫إلى الحرب الأهلية الدائمة التي هي مضمون دين العجل الذهبي أو الأبيسيوقراطيا‪:‬‬ ‫صراع حول معدنه وصراع حول خواره‪.‬‬ ‫فعندما يستعمل العلماني ما يسميه حقوق الإنسان الطبيعية فهو يستعمل مفهوما متناقضا‪.‬‬ ‫فالطبيعة لا تعترف إلا بقانون واحد هو قانون القوة وليس فيها حقوق لا طبيعية ولا غير‬ ‫طبيعية‪ .‬فالحقوق والواجبات مفهومان قانونيان يصوغان معنيين خلقيين كلاهما ضروري‬ ‫لوجود الإنسان من حيث هو حر‪ .‬فإذا نفينا المثال الأعلى المتعالي على سياسة عالم الشهادة‬ ‫صارت سياسة عالم الشهادة معيار نفسها أو مثال ذاتها الأعلى‪ .‬وذلك هو التناقض‪.‬‬ ‫لا يمكن أن نقول في آن بأن للإنسان حقوقا وواجبات من دون افتراض أنه حر ومسوؤل‬ ‫وأن نزعم في آن أنه لا يوجد ما يتعالى على الطبيعة والتاريخ‪ .‬فالطبيعة والتاريخ يصبحان‬ ‫خاضعين لقانون الضرورة ولا محل فيها للحرية ولا للحقوق والواجبات‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن الرؤيتين اللتين تبدوان متعارضتين أي الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا‬ ‫وجهان لعملة واحدة نفهمها جيدا عندما نعلم أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا هما في‬ ‫الحقيقة ستار يتدرق وراءه دين العجل أي ربا الأموال (معدن العجل) وربا الأقوال (خوار‬ ‫العجل)‪ .‬كلاهما يخفي علة التحريفين‪ :‬ربا الأموال وربا الأقوال‪ .‬ولهذه العلة فالقرآن‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪35‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫يركز عليهما حتى إن الله نفسه في الرؤية القرآنية يعلن الحرب على ربا الاموال ويعبر‬ ‫عن شديد مقته لربا الأقوال‪.‬‬ ‫ولا يوجد أحد اليوم سواء كان مؤمنا بالأديان أو بالفلسفات لا يدرك أن الإنسان عامة‬ ‫صار عبدا لربا الأموال ولربا الاقوال‪ .‬ومن ثم فلا فرق بين سلطان الوساطة الروحية في‬ ‫الثيوقراطيا وسلطان الإعلام والملاهي في الانثروبوقراطيا‪-‬سلطان الخيال الأخروي أو‬ ‫الدنيوي بتوسط الإيديولوجيا‪ .‬ولا فرق بين سلطان الحكم بالحق الإلهي وسلطان الحكم‬ ‫بالحق الاقتصادي بتوسط البنوك‪.‬‬ ‫عندنا الكنيسة والحكم بالحق الإلهي والإعلام الملاهي والحكم بالحق الاقتصادي‪ .‬فيكون‬ ‫الجامع هو بعدا العجل أي‪:‬‬ ‫• العملة أو رمز الفعل‪ :‬ومثاله ذهب العجل‪.‬‬ ‫• الكلمة وفعل الرمز‪ :‬ومثاله خوار العجل‪.‬‬ ‫لذلك فلا عجب إذا رأينا الثيوقراطيا الصفوية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الكبرى‬ ‫والانثروبوقراطيا الصهيونية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الصغرى في حرب دائمة‬ ‫على الإسلام‪ .‬فالأولى تنفي دلالة النساء ‪( 1‬الأخوة البشرية) والحجرات ‪( 13‬المساواة‬ ‫بين البشر) بعنصرية الأسرة المختارة لتكون وسيطة ووصية بالدين‪ .‬والثانية تنفيهما‬ ‫بعنصرية الشعب المختار لتكون وسيطة ووصية بالعلمانية‪ .‬وكلتاهما تتأسس على خرافات‬ ‫نتجت عن تحريف الأديان والفلسفات‪.‬‬ ‫ولما كانت العولمة التي أنهت حرية الإنسان وكرامته وأفسدت في الأرض وسفكت الدماء‬ ‫يدرك أصحابها أنه لا يوجد غير الاسلام يمكن أن يحرر الإنسانية منها ومن آثارها ومن‬ ‫الرؤيتين اللتين سيطرتا على الغرب في العصور الوسطى (بنظيرة الفتنة الكبرى) وفي‬ ‫العصر الحديث (بنظيرة الفتنة الصغرى) وكان الغرب يعتقد أنه سيد العالم ويريد أن‬ ‫يبقى سيدا للعالم فإنه يخشى من ثورة الإنسانية التي هي جوهر الإسلام‪ :‬وتلك هي علة‬ ‫حربه عليه وسنده الدائم للصفوية والصهيونية في حربهما على الأمة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪36‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذن فالجماعة هي المستخلفة وهي التي صارت صاحبة الأمر بمقتضى الآية ‪ 38‬من الشورى‬ ‫والتي شرطها أن تكون مستجيبة للرب وان تسير الأمر بالشورى بينها من أجل منع علة‬ ‫الاجتماع والسياسة أن تتحول من أصل التعاون للرعاية والحماية إلى تحوله إلى مصدر‬ ‫الصراع عليه‪ .‬وذلك هو أصل التحريفات التي ترد إلى عاملين حددهما القرآن في آيتين‪:‬‬ ‫• النساء ‪ 1‬وهو عامل الأخوة البشرية‪ :‬من نفس واحدة لهم رب واحد ورحم كلي واحد‬ ‫حتى لو تعددت تصورات الإله والارحام الجزئية‪.‬‬ ‫• الحجرات ‪ 13‬وهو عامل التعارف معرفة ومعروفا اساس للمساواة أمام القانون الذي‬ ‫هو المنزلة عند الله وهي حصر التمايز في التقوى‪.‬‬ ‫هذا المعنى لست متأكدا من أن واضعيه كانوا مدركين أن المستخلف هو الجماعة بدليل‬ ‫اعتبار الحاكم خليفة رسول الله وليس خليفة الأمة‪ .‬ولا يمكن أن يكون الخليفة خليفة لمن‬ ‫لم يعد موجودا بمعنى الوريث وإلا لكان المعنى الأعم يفيد بأن آدم وريث الله والله لم يعد‬ ‫موجودا‪ .‬ولذلك فهذا الغموض هو علة تخلي الفاروق عن هذا الاسم وفضل أمير المؤمنين‬ ‫لأن في ذلك إشارة واضحة لمعنى وأمرهم شورى‪ .‬فأعاد الأمر إلى معناه الحقيقي أي إن‬ ‫الخليفة هو خليفة صاحبة الامر أي الامة التي استجابت لربها بالمعنى الذي يشمل الجماعة‬ ‫الجزئية والجماعية الكونية بالمعنى الوارد في النساء ‪.1‬‬ ‫وستكون الخاتمة متعلقة بهذا المعنى الذي كان الخلاف حوله علة الفتنة الكبرى (شورى‬ ‫عامة أو وصاية لسلطة ذات حق إلهي في الحكم) وعلته الحالية هي الفتنة الصغرى (دين‬ ‫علمانية)‪:‬‬ ‫• ومعنى ذلك أن اغتيال عثمان علته العميقة هي الخلاف حول طبيعة النظام‪ :‬شرعية‬ ‫عثمان كان مقدوحة من القائلين بالحق الإلهي في الحكم تحريفا لنظرية الدولة وأساس‬ ‫شرعية الحكم في الإسلام بين العائدين إلى التقاليد الفارسية ويمثلها حزب علي والعائدين‬ ‫إلى التقاليد الجاهلية ويمثلها معاوية وكلاهما وجد ضالته في الاغتيال‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪37‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ومن ثم فالفتنة الكبرى بدأت يوم وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة عندما قال البعض‬ ‫منا أمير ومنكم أمير (التقاليد الجاهلية) وقال آخرون علي أولى بها بزعم أنه موصى به‬ ‫أو من بيت الحاكم السابق (التقاليد الفارسية والبيزنطية)‪ .‬ولذلك فكلمة رسول الله في‬ ‫الأجيال الثلاثة هي كلمة في الخلفاء الثلاثة الأول لأنهم هم الذين حققوا شروط تأسيس‬ ‫الدولة إذا اعتبرناهم فروعا ثلاثة عن الخلافة الكونية الأولى في القرآن المدني كما أسسها‬ ‫رسول الله نفسه بالمعنى الذي شرحت‪ .‬وذلك هو جيل المرجعية الإسلامية في القرآن المكي‬ ‫كلهم أي صحابة الهجرة‪.‬‬ ‫• وذلك هو أصل الأجيال الثلاثة التي تكلم عليه الرسول وهو لا يعني أن من أتى بعدهم‬ ‫ضال أو عليه أن يحاكيهم فلا يسهم في الإبداع التحقيقي للمشروع‪ .‬لكن الأجيال الثلاثة‬ ‫كلهم من صحابة رسول الله‪ .‬وهذه الثلاثة لا تعني التخلي عن المخمس‪ .‬فالأصل هو المخمس‬ ‫الذي يكتمل بالعاملين الآخرين اللذين يجرى عمل الأجيال الثلاثة به اتباعا للمشروع‬ ‫(القرآن) والعينة التطبيقية منه (السنة) في مرحلتي مكة التي هي وجه التربية منه‬ ‫والمدنية التي هي وجه الحكم منه‪ :‬وهما بعدا القرآن وبعدا السنة‪.‬‬ ‫فالقرآن هو الأصل الذي يتفرع إلى أربعة عوامل هي سنة الرسول في التربية والحكم ثم‬ ‫سنن ا لخلفاء في استكمال أركان الدولة الكونية بعد التأسيس المحمدي‪ .‬فمعنى السنة‬ ‫الوحيد الذي يستن بها المسلم هي سياسة الرسول لعالم الشهادة المشدودة إلى سياسة عالم‬ ‫الغيب كما يخبرنا بها القرآن الكريم اخبارا يستعمل فيه الإنسان وحدة قيسه مع احتراز‬ ‫ليس كمثله شيء‪ .‬فتكون الأجيال ثلاثة فعلا لأن الرسول لم يتكلم في هذه الإشارة على‬ ‫السنة بوصفها ا لسياسة التي كان هو الخليفة فيها ولا على القرآن بوصفه المرجعية والأصل‬ ‫لأسس بعدي الدولة الكونية أي التربية الكونية والحكم الكوني‪ .‬فتكون الأجيال بذلك حقا‬ ‫ثلاثة بعده‪:‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪38‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬الجيل الأول رمزه أبو بكر الصديق أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة الجغرافي أي‬ ‫الجزيرة العربية والشروع في الفتح علامة على معنى توحيد المعمورة تحت عنوان تحرير‬ ‫العباد من عبادة العباد بعبادة رب العباد‪ :‬الصديق‬ ‫‪ .2‬الجيل الثاني رمزه عمر بن الخطاب أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة التاريخي‬ ‫بالتقويم الهجري‪ :‬وهو الذي جعل الفتح سياسة تحقيق الدولة الكونية وتطبيق الآية ‪38‬‬ ‫من الشورى بتحديد المستخلف عندما اختار اسم أمير المؤمنين بدلا من خليفة خليفة رسول‬ ‫الله‪.‬‬ ‫‪ .3‬الجيل الثالث والأخير في تأسيس سياسة عالم الشهادة بقيم الانشداد إلى سياسة عالم‬ ‫الغيب هو الصحابي الذي وحد المرجعية بتوحيد صحائف القرآن وبه اكتمل تأسيس دولة‬ ‫الإسلام الكونية‪ :‬عثمان‪.‬‬ ‫والآن كيف وقع التحريف عن طريق حزب علي وحزب معاوية أو عن طريق التفريس‬ ‫والتعريب؟‬ ‫ذلك أن الرجلين كان يمكن أن يحميا الخليفة الذي كانت تقواه تحول دون وإحاطة نفسه‬ ‫بحراسة‪ .‬لكنهما قانا قادرين على حمايته فعلي كان قريبا ومعاوية كان طائل‪.‬‬ ‫لكن الأول كان من البداية غير راض عن الحل الذي توصلت إليه الجماعة بالبيعة‬ ‫والدليل أنه لما سؤل عن السياسة التي سيتبعها رفض أن يواصل سياسة الشيخين ما يعني‬ ‫أنه كان يعتقد في حل آخر ليس البيعة لأنه كان يعلم أنه لا حظ في التقدم عليهما‪ .‬ولم‬ ‫يرض كذلك أن يعرض نفسه على البيعة لما طلب منه أن يتبع الشيخين‪.‬‬ ‫والثاني لأنه سياسي محنك كان ينتظر فرصة للانقضاض على الحكم ولمن تكن له الشرعية‬ ‫الكافية للوصول إليه بالبيعة إذ يوجد من هم أسبق منه في الإسلام‪ .‬فلم يتدخل في حماية‬ ‫الخليفة‪ .‬والنتيجة أن الفرصة هي جبة عثمان والتظاهر بالغضب على الانقلابيين الذين‬ ‫اغتالوه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪39‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وإذا فالرجلان استفادا من الاغتيال‪ .‬لكن الثاني كان أذكى من الأول وأقرب إلى الحل‬ ‫السني حتى وإن لم يحفظ منه إلى الشكل فحافظ على البيعة لكنها لم تبق حرة‪ .‬ولم يغير‬ ‫نظرية الحكم بالميل إلى الحل الفارسي ولا البيزنطي بل غيرها بالميل إلى الحل القبلي‬ ‫العربي‪ .‬فكانت دولة بني أمية‪.‬‬ ‫وكيف قست ما سميته بالفتنة الصغرى على ما يسمى بالفتنة الكبرى؟‬ ‫أما الفتنتان فهما في الحقيقة وجهان لنفس الرؤية التي تحرف معنى المرجعية المتعالية التي‬ ‫هي سياسة عالم الغيب مثالا أعلى لسياسة عالم الشهادة‪:‬‬ ‫‪ .1‬فالفتنة الكبرى نتجت عن جعل المثال الأعلى وكأنه متحقق في سلطة دنيوية هي‬ ‫الوساطة في التربية والوصاية في الحكم وهو التحريف الاول للمثال الأعلى الذي ينبغي ن‬ ‫يقود سياسة عالم الشهادة‪.‬‬ ‫‪ .2‬والفتنة الصغرى نتجت عن الخلط بين المثال الأعلى وتحريفه بخلق هذين السلطتين‬ ‫فنفته معهما وألغت حاجة سياسة عالم الشهادة إلى مثال أعلى هو سياسة عالم الغيب‪.‬‬ ‫والرؤية الأولى تسيطر على الفتنة الكبرى وهي تجعل المرجعية المثالية أو مثال سياسة‬ ‫عالم الشهادة الأسمى تتحول إلى سلطة الوساطة بين المؤمن وربه وسلطة الوصاية بين المؤمن‬ ‫وأمره فتؤسس لاستبداد التربية بسلطة الحق الإلهي في الوساطة الروحية واستبداد الحكم‬ ‫بسلطة الحق الإلهي في الوصاية السياسة‪.‬‬ ‫والرؤية الثانية تسيطر على الفتنة الصغرى وهي تجعل التحرر من سلطة الوساطة وسلطة‬ ‫الوصاية نفيا للمثال الأعلى المتعالي على الطبيعة والتاريخ فتصبح الطبيعة والتاريخ‬ ‫محددين لما يتعالى عليهما ما يجعل الأمر الواقع مثالا اعلى وتصبح الطبيعة والتاريخ‬ ‫الحكمين النهائيين فلا يبقى فرق بين الموجود والمنشود ويتردى وضع الإنسان إلى الحرب‬ ‫الأهلية الدائمة التي هي مضمون دين العجل الذهبي‪ :‬صراع حول معدنه وصراع حول‬ ‫خواره‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪40‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وعندما يستعمل العلماني ما يسميه حقوق الإنسان الطبيعية فهو يستعمل مفهوما متناقضا‪.‬‬ ‫فالطبيعة لا تعترف إلى بقانون واحد هو قانون القوة وليس فيها حقوق لا طبيعية ولا غير‬ ‫طبيعية‪ .‬فالحقوق والواجبات مفهومان قانونيان يصوغان معنيين خلقيين كلاهما ضروري‬ ‫لوجود الإنسان من حيث هو حر‪ .‬فإذا نفينا المثال الأعلى المتعالي على سياسة عالم الشهادة‬ ‫صارت سياسة عالم الشهادة معيار نفسها أو مثال ذاتها الأعلى‪ .‬وذلك هو التناقض‪.‬‬ ‫لا يمكن أن نقول في آن بأن للإنسان حقوقا وواجبات من دون افتراض أنه حر ومسؤول‬ ‫وأن نزعم في آن أنه لا يوجد ما يتعالى على الطبيعة والتاريخ‪ .‬فالطبيعة والتاريخ يصبحان‬ ‫خاضعين لقانون الضرورة ولا محل فيها للحرية ولا للحقوق والواجبات‪.‬‬ ‫وبذلك يتبين أن الرؤيتين اللتين تبدوان متعارضتين أي الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا‬ ‫وجهان لعملة واحدة نفهمها جيدا عندما نعلم أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا هما في‬ ‫الحقيقة ستار يتدرق وراءه دين العجل أي ربا الأموال (معدن العجل) وربا الأقوال (خوار‬ ‫العجل)‪ .‬كلاهما يخفي علة التحريفين‪ :‬ربا الأموال وربا الأقوال‪ .‬ولهذه العلة فالقرآن‬ ‫يركز عليهما حتى إن الله نفسه في الرؤية القرآنية يعلن الحرب على ربا الاموال ويعبر‬ ‫عن شديد مقته لربا الأقوال‪.‬‬ ‫ولا يوجد أحد اليوم سواء كان مؤمنا بالأديان أو بالفلسفات لا يدرك أن الإنسان عامة‬ ‫صار عبدا لربا الأموال ولربا الاقوال‪ .‬ومن ثم فلا فرق بين سلطان الوساطة الروحية في‬ ‫الثيوقراطيا وسلطان الإعلام والملاهي في الانثروبوقراطيا‪-‬سلطان الخيال الأخروي أو‬ ‫الدنيوي بتوسط الإيديولوجيا‪ .‬ولا فرق بين سلطان الحكم بالحق الإلهي وسلطان الحكم‬ ‫بالحق الاقتصادي بتوسط البنوك‪.‬‬ ‫عندنا الكنيسة والحكم بالحق الإلهي والإعلام الملاهي والحكم بالحق الاقتصادي‪ .‬فيكون‬ ‫الجامع هو بعدا العجل أي‪:‬‬ ‫• العملة أو رمز الفعل‪ :‬ومثاله ذهب العجل‪.‬‬ ‫• الكلمة وفعل الرمز‪ :‬ومثاله خوار العجل‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪41‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لذلك فلا عجب إذا رأينا الثيوقراطيا الصفوية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الكبرى‬ ‫والانثروبوقراطيا الصهيونية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الصغرى في حرب دائمة‬ ‫على الإسلام‪ .‬فالأولى تنفي دلالة النساء ‪( 1‬الأخوة البشرية) والحجرات ‪( 13‬المساواة‬ ‫بين البشر) بعنصرية الأسرة المختارة لتكون وسيطة ووصية بالدين‪ .‬والثانية تنفيهما‬ ‫بعنصرية الشعب المختار لتكون وسيطة ووصية بالعلمانية‪ .‬وكلتاهما تتأسس على خرافات‬ ‫نتجت عن تحريف الأديان والفلسفات‪.‬‬ ‫ولما كانت العولمة التي أنهت حرية الإنسان وكرامته وأفسدت في الأرض وسفكت الدماء‬ ‫يدرك أصحابها أنه لا يوجد غير الاسلام يمكن أن يحرر الإنسانية منها ومن آثارها ومن‬ ‫الرؤيتين اللتين سيطرتا على الغرب في العصور الوسطى (بنظيرة الفتنة الكبرى) وفي‬ ‫العصر الحديث (بنظيرة الفتنة الصغرى) وكان الغرب يعتقد أنه سيد العالم ويريد أن‬ ‫يبقى سيدا للعالم فإنه يخشى من ثورة الإنسانية التي هي جوهر الإسلام‪ :‬وتلك هي علة‬ ‫حربه عليه وسنده الدائم للصفوية والصهيونية في حربهما على الأمة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪42‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪43‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook