أبو يعرب المرزوقي re nils frahm الخلافة مفهومها القرآني وتح ريفاتها التا ريخية الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 13 - -الفصل الرابع 19 - -الفصل الخامس 24 - -خاتمة 31 -
-- ترددت كثيرا قبل أن أقدم على الكتابة في هذا الموضوع شديد الحساسية السياسية اقليميا ودوليا ففيه تذكير بما يحاربه أقوياء العصر في الإقليم وفي العالم .وقد صار بعض حكام العرب الناكصين إلى الجاهلية يعتبرون الخلافة الأخيرة بالمعنى السياسي المباشر للكلمة استعمارا وعلة انحطاط .وكان ذلك ناتجا عن بقايا الصليبية في الهلال وبقايا الطائفية الشيعية المتحدتين والتابعتين للقوة الاستعمارية المساندة لهما ضد الانبعاث الإسلامي المشروط بتحقيق هذا المعنى بعد تخليصه مما أصابه بمفعول الانحرافات التاريخية التي عرفها. لكن علة ترددي الأساسية هي أن الكلام على الخلافة بمعناها السياسي المعهود يجعل البعض يصلها في أذهان الكثير بالتقابل بين النظامين السياسيين الديني والعلماني خلطا بين ما حصل من تحريف للمفهوم يخلط بين التاريخي والمفهوم كما يحدده القرآن .فلا يمكن الكلام على الخلافة بالمقابلة بين الديني والعلماني إلا إذا اعتبرنا الخلافة من جنس الإمامة عند الشيعة أو من جنس البابوية عند الكاثوليك والأرثوذوكس. لكنها في الإسلام ليست سلطة دينية بل سلطة مدنية ذات مرجعية دينية بالمعنى الذي سأحدده في هذه المحاولة .ولذلك فلا وجود في رؤية القرآن لسلطة روحية في التربية ولا لسلطة حكم بالحق الإلهي (انظر الغزالي في فضائح الباطنية وابن خلدون في فصل علم الكلام): .1فالأول يعرفها بكونها بالاختيار وليست بالوصية أي ليست بالحق الالهي (فضائح الباطنية) .وهي يراها مع ذلك مبينة على شرعية مستمدة من مرجعية دينية وشوكة مستمدة من معتبري الزمان في كل مرحلة من مراحل التاريخ. .2والثاني يعرفها بكونها رعاية الصالح العام باجتهاد الجماعة (فصل علم الكلام وعلة وضع مسألة الحكم فيه ليست كونها جزءا منه بل للرد على من جعلها جزاء من العقيدة ويعني التشيع). أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- ومع ذلك بل ولأجل ذلك قررت أن أفعل وقد سبق أن تكلمت في الموضوع ولكن دون نسقية تبين أعماقه ودلالاته الفلسفية والدينية بعيدة المدى وكلها قرآنية رغم أن علماء الملة أغفلوها بسبب ما نتج عن تحريفه بشكل ظرفي انقلب إلى شكل بنيوي لعدم فهم الحاجة الظرفية إليه كما يحدث في تاريخ أي أمة عاشت حربا أهلية نتجت عن الفتنة الكبرى فاضطرت إلى تعطيل دستورها وعملت بقانون حالة الطواري وبشرعية الضرورات التي تبيح المحظورات .لكن قانون حالة الطواري عاشت في دار الإسلام 14قرنا ولم نخرج إلى الآن منها ونحن الآن نعيش محاولات الخروج منها ما أعاد لهذا المفهوم دوره الكامل في تحريك التاريخ الراهن للأمة .وسأبدأ بذكر المفهوم أصله وتفرعاته الأربعة: .1الأصل هو استخلاف آدم أي الإنسان من حيث هو إنسان وهو في آن استخلاف مصحوب باختبار يمثل فرصة ثانية أعطيت آدم وحواء وأبنائهما مصحوبة بعفو وبتجهيز نظري عقدي لاستعمار في الأرض وعملي شرعي للاستخلاف فها من أجل القيام باختبار الأهلية في تحمل امانة التكليفين. .2الفرع الأول من بين أبناء آدم اصطفاء الرسل من يذكر بما ينساه أبناء آدم وهو اصطفاء إلهي يمكن أن يكون التعبير عنه بالمعنى الديني الطبيعي أو الفلسفي ويمكن أن يكون بالمعنى الديني النبوي كما في الأديان التي يقصها القرآن والتي اعتبرها عامة توزيعيا أي إن كل أمة له هذا النوع من الرسل. .3الفرع الثاني هو الجماعة التي تستخلف لأنها أصلحت بمفعول هذا التذكير فساست عالم الشهادة بمثال أعلى مستمد مما فهمته بهذا المستوى الديني غير الكوني والذي ساست به عالم الغيب ما بعدا لعالم الشهادة يتوصل إليه أصحاب الفرع الأول ويعبرون عنه ويعلمونهم ويحكمونهم به. .4الفرع الرابع هو الرسالة الخاتمة التي هي رسالة كونية وهدفها المضاعف إصلاح الرسالات السابقة لتحريرها من التحريف ووضع استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأ الأخوة (النساء )1وبمبدأ المساواة (الحجرات .)13 أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .5الفرع الخامس والأخير هو الخليفة بالمعنى السياسي المتعارف وهو الغالب على الخطاب السياسي الذي يغفل مصدره أعني صلته بالمستويات الاربع المتقدمة عليه .فالخليفة مستخلف بشريا أي إن الجماعة هي التي تنتخبه بشرط أن تكون الجماعة التي وصفنا في الفرع الثاني (الذين استجابوا لربهم) ويتبع الرسالة الكونية مرجعية لنظرية النظر والعقد في المعرفة ولنظرية العمل والشرع في القيمة. ولا بد من ملاحظة أساسية قبل البدء في العلاج :فقد ذكرت فرعين لا يسميان خلافة في الاصطلاح التقليدي وهما مرحلتان وسطيان بهما يقع الانتقال من الاصل إلى الفرع الأول ومن الفرع الثاني إلى الفرع الثالث: .1فلماذا سميت الفرع الأول خلافة الخلفاء لنقلهم من الخلافة الفطرية التي تنسى إلى الخلافة التي تذكر الفطرة المنسية واعتبرت ذلك شاملا لمفهوم الدين بالمعنى العام غير المتعارف وهو الدين الذي هو في آن طبيعي أو منزل وهو ذو عبارتين هما لأديان الطبيعية الخالصة وتطورها إلى فلسفات دينية كالحال عند أفلاطون وأرسطو. .2ولماذا اعتبرت الرسالة الخاتمة خلافة كونية تصل بين الخلافة الجزئية والخلافة الشاملة التي هي استخلاف المسلمين باعتبارهم شاهدين على العالمين. والجواب عن السؤالين واحد: • فالمرور من الخلافة الكونية المفطورة على استخلاف جماعة جزئية معينة يقتضي وجود مصطفين لهم قدرة الجمع بين الحواس والحوادس وهم مؤسسون للأديان الطبيعية مرحلة أولى إلى الاديان الفلسفية. • والمرور من هذه الأديان الجزئية سواء كانت أديانا طبيعية أو فلسفية إلى الدين الكوني أي الإسلام بوصفه استعادة للكونية المفطورة ونقل لها إلى الكونية هو يحتاج إلى اصطفاء يتحد فيه الديني الكوني والفلسفي الكوني كما هما في طبيعة نص القرآن الكريم. ولهذه العلة فهو سياسة عالم الشهادة بالانشداد إلى عالم الغيب المحرر بما يمثله من مفهوم حد يحول دون الإنسان والتحريفين الممكنين من تألهه وتوهمه مطلق العلم والعمل: أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- • تحرير الإنسان من تحريف نظرية النظر والعقد لكي تصبح اجتهادا بمعنى أنها لا تؤمن بنظرية المعرفة المطابقة بل تعتبر ذلك مستحيلا على الإنسان وتكتفي بصدق القصد في طلب الحقيقة بمعنى أنها بالمصطلح القانوني تلزم الإنسان بواجب الوسيلة وليس بواجب النتيجة. • تحرير الإنسان من تحريف نظرية العمل والقيمة لكي تصبح جهادا بمعنى أنها لا تؤمن بنظرية القيمة المطابقة بل تعتبر ذلك مستحيلا على الإنسان وتكفي بصدق القصد في طلب القيمة بنفس المعنى أي إنها تلزم الإنسان بواجب الوسيلة وليس بواجب النتيجة. وأساس هذين التحريرين الواضعين لمفهومين ثوريين هما مفهوم العلم الاجتهادي والعمل الجهادي هو الإيمان بالغيب المعرفي وبالغيب القيمي مفهومين حدين يحولان دون الإنسان والتأله إما في الاستبداد العملي (السياسة عامة ومثاله الحاكم الذي يدعي أنه يحيي ويميت) أو في الاستبداد النظري (المعرفة عامة ومثاله المتصوف الذي يذهب إلى القول بالحلول): .1أي إن الإنسان ملزم بمعرفة الضرورة الشرطية والحرية الشرطية أي بمعرفة تعالج علاقته العمودية بالطبيعة ذات القوانين الرياضية (الخلق) وتعالج علاقته الأفقية بالتاريخ ذي السنن الخلقية (الأمر). .2والتسليم بأن الضرورة اللاشرطية (ماوراء الطبيعة) والحرية اللاشرطية (ما وراء التاريخ) من الغيب .وهما تابعتان للعناية الربانية ومن ثم فالنتيجة في الحالتين لا يمكن أن تكون محيطة بل هي دائما نسبية. ولهذه العلة فإن الإنسان يكون ملزما بالوسيلة وليس بالنتيجة لأن حصولها ليس رهن فعل الإنسان وحده بل هو رهن ما في الطبيعة والتاريخ من أثر الغيب الذي يجعل المعرفة ليست محيطة فتكون اجتهادا وليست حاصلة الحقيقة المطلقة التي يدعيها أصحاب نظرية المطابقة المعرفية .ومثلها يكون العمل جهادا وليس حصول القيمة المطلقة التي يدعيها أصحاب نظرية المطابقة القيمية. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- وهذه الرؤية القرآنية هي التي سأحاول بيانها بوصفها فلسفة في التاريخ التكويني للإنسانية بمقتضى تطور النظر والعقد وتطبيقاتهما في تحقيق وظيفة الاستعمار في الأرض وبمقتضى تطور العمل والشرع وتطبيقاتهما في تحقيق وظيفة الاستخلاف في الأرض. ومجموعهما هو سياسة عالم الشهادة بالتربية والحكم سياسة مشدودة إلى مثال أعلى تمثله رؤية ما بعد الطبيعة وما بعد التاريخ -وهو ا لقصد بالدين الطبيعي والفلسفي من البداية البسيطة إلى الغاية التي نجدها في القرآن الكريم-وكلها تعتمد مفهوم هو المقصود بالخلافة في القرآن. لكن هذا المعنى -الخلافة -يمكن تعريفه على النحو الذي يعرف به ارسطو الفضائل في كتاب نيقوماخوس باعتبار كل فضيلة تعد ذروة قيمية يمكن اعتبارها محاطة بتطرفين يحرفانها إما بما يبتعد عنها كيفيا فينقصها أو يزيدها ما يفسدها .وهو مفهوم استمده أرسطو من الرياضيات كما هو معتمد تعريف الزوايا رمزا إلى الاستقامة بالقائمة وإلى التحرف الذي ينقصها بالحادة والذي يزيد عليها بالمنفرجة. لكن مترجمي فلسفة أرسطو الخلقية تصوروه يقول إن الفضيلة وسط بين رذيلتين وهو لم يقصد ذلك بل هو يعتبر الرذيلتين انحرافا عن الاستقامة-وهو الرمز القرآني للأخلاق- بما ينقصها وبما يزيد عليها أي الابتعاد عن الاستقامة إلى هذه الجهة أو تلك. أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- أعالج إشكالية الخلافة رغم ما يبدو من الموانع أصلها كله هو عقد النقص التي فرضت على ضمائر المسلمين حتى صار من يتكلم على ما لا يخلو منه عمران يعد أمرا رجعيا في رأي كاريكاتور النخب الحداثية الإسلامية عامة والعربية خاصة .فالخلافة صارت تعتبر من الماضي الذي لا يقبل الاستئناف بسبب ما ألصقوه بها لترذيلها بما هو من علامات حمقهم: • كونها ذات مرجعية دينية دون تحديد خلطا بين الدولة ذات المرجعية الدينية والدولة الثيوقراطية لأنهم لا يعتبرون غير ثيوقراطي إلا ما هو علماني بالشكل اليعقوبي الفرنسي. • كونها متجاوزة لما يسمونه الدولة الوطنية دون تحديد خلطا بين الدولة الوطنية ذات الحجم الممكن من شروط القيام المستقل والمحمية التي ليس لها من اسم الدولة إلا شكل المافية التي تخدم دولة سيدة تسيرها عن بعد. ولا أنوي الدخول في جدل مع هؤلاء الحمقى لأنهم لا يمكن أن يفهموا الخاصية الثانية رغم كونها عين العلامتين الطاغيتين على العصر أعني إما الحجم المحقق لشروط السيادة أو المجموعة المتحالفة لتحقيق هذه الشروط بموجب عصر العماليق .ولا يمكن أن يفهموا الخاصية الاولى لأنه لا توجد دولة من دون مرجعية متعالية سواء سميت دينا يؤسس شرعية الدولة في عالم الشهادة على حقوق الإنسان وواجباته الفطرية في الدولة الإسلامية أو سميت \"حقوق الإنسان الطبيعية\" في الدولة الديموقراطية. ومن ثم فالدولة الثيوقراطية هي الدولة التي تستند إلى مبدأين تخلو منهما دولة الإسلام أعني الوساطة الروحية والوصاية السياسية كالحال في الدولة الشيعية أو في الدولة الكاثوليكية التي لها سلطة روحية تتوسط بين الله والإنسان وحاكمها يحكم بالحق الإلهي. ويقابلها الدولة العلمانية اليعقوبية والماركسية والتي هي من جنسها والفرق الوحيد هو أن الكنيسة صارت حزبا والحق الإلهي في الحكم صار حق القوة المادية لأجهزة الدولة. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- فلا فرق بين دولة فرنسا اليعقوبية والكاثوليكية إلا بالاسم لأن ما كانت تقوم به دولة الحق الإلهي صارت تقوم به دولة الحق الشعبي وكلاهما غطاء للدكتاتورية .ولعل الأمر أوضح في الدولة الماركسية حيث يكون الحزب والحاكمون باسمه من جنس ما رأينا في العهد الستاليني وما نرى في الصين حاليا. لذلك فلن أجادل هؤلاء الحمقى الذين يعتقدون أن تغيير الأسماء يغير المسميات وأمر مباشرة إلى المسألة الأولي في تصنيفي لمفهوم الخلافة الذي أضفت إليه معنيين يحتاجان إلى شرح لأنهما ليسا معهودين: • سميت خلافة المرحلة الناقلة من الخلافة بمعناها الكوني صفة للإنسان عامة إلى الخلافة بمعناها الذي يفيد استخلاف جماعة بعينها بوصفها توفرت فيها أهلية الخلافة. وهذه تكررت بتكرر الأديان الطبيعية والفلسفات. • سميت خلافة المرحلة الناقلة من هذه إلى الخلافة بمعناها الكوني أي المطابقة للمعنى الأول الفطري هدفا هو شرط في جعل المرحلة الوسطى تتجاوز الجزئية إلى الكلية .وهذه هي الديني في كل الأديان والفلسفي في كل الفلسفات .لكن التحريف يلغيها إلى أن جاء التصحيح النهائي لهذه التحريفات في الرسالة الخاتمة :وهذا هو مضمون القرآن الكريم باعتباره استراتيجية توحيد الإنسانية ومنطق السياسة المحمدية لتحقيق عينة من هذا الهدف منه تتكون الأمة التي كلفت بالشهادة على العالمين. وهذه هي الرؤية القرآنية مع رفع الحكم بخصوص التسليم بأنها الرؤية الأصح لأن ذلك مسألة إيمانية وليس مسألة علمية وهي في آن مسألة اجتهادية بمقتضى نظرية المعرفة وجهادية بمقتضى نظرية القيمة غير القائلتين بالمطابقة كما أسلفت .فالمعاني الكلية رموز تشير إلى الأشياء التي تفاد بها ولا تمثل مقومات لحقيقتها التي فيها شيء من الغيب لا يعلمه إلا الله :والدليل أن القرآن الكريم يؤجل الفصل بين أصحاب الأديان إلى يوم الدين. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- وكل أحكام الفقهاء التي لا تنطلق من هذه الرؤية القرآنية تحريف للقرآن بنص القرآن .وكل تشكيك في ما ينسب إلى الرسول من أحاديث بخصوص بعض آرائه التي تحاكم بردها إلى منطق عصر هؤلاء الحمقى علته قراءتها دون اعتبار لهذا المبدأ ولخصائص القائل ولسياق القول .وسأكتفي بمثال من الحماقات التي يسترذلون بها أقوال الرسول هازئين: مثال ولاية المرأة :يضعون أمامك \"مركل\" ونتائج حكمها ثم يسخرون من حديث \"ما أفلح قوم ولوا عليهم امرأة\" معلنين في الظاهر التشكيك في صحة الحديث .لكنهم في الباطن يسخرون من القائل .لكن ذلك من علامات سخفهم وحمقهم .فلو كان قصد الحديث ما فهموا لكان ذلك بينا من الموقف في قصة ملكة سبأ .فما مدحت من أجله ملكة سبأ هو عين ما يؤهل مركل للحكم فتكون مستثناة من حديث الرسول استثناء ملكة سبأ في القرآن الكريم. فإذا كان الحكم شوريا زال الفرق بين الرجل والمرأة في نيابة الأمة في الإمامة الكبرى أو الحكم لأن ضمانته هي الشورى وليس الشخص المكلف بالنيابة للكلام باسمها .وعندما يكون الحكم غير شوري فإن السلطة هي للقوة المستبدة والشوكة وليس للشرعية-وقوم في القرآن تعني الجماعة من الرجال .وإذن فالحديث هنا لا يتعلق بالمتولي بل بالمتولى عليهم. والدلالة هي أنه إذا لم يكن الحكم شوريا فمعنى ذلك أن قانونه هو الشوكة .والرجال الذين شوكتهم تمثلها امرأة ليسوا رجالا .وإذن فعلة عدم الفلاح ليس تولية المرأة بل عدم توفر الشرطين: • عدم الحكم بالشرعية التي هي الشورى كما في مثال ملكة سبأ. • عدم وجود الشوكة لأن الرجال الذين لا يعتمدون الشورى ويولون عليهم امرأة لا شوكة لهم. ولا يوجد مبدأ ثالث يستند إليه الحكم :الشرعية أو الشوكة .والحكم الحقيقي يجمع بينهما .فالحكم يكون إما بالشوكة أو بالشرعية أو بهما معا وهو الأفضل وحينئذ يتساوى أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- الجنسان .لكن في غياب الشورى تنعدم الشرعية فيبقى على الاقل الشوكة .فإذا ولى الناس حينها امرأة فهم فاقدون لكلا الشرطين. أما إذا وجد الشرطان فلا فرق بين رجل وامرأة .ومما يؤيد هذا الفهم إضافة إلى ما قاله القرآن في ملكة سبأ هو موقف الرسول من المرأة عامة .فقد جعل الرسول حب النساء في منزلة حبه للطيب والصلاة .فلا يمكن أن تكون هذه منزلة المرأة ويعتبرها علة لعدم الفلاح .ثم لا ننس أن دور المرأة في حياة الرسول من أبرز الأدوار :فلا يمكن فهم حياة الرسول من دون خديجة وعائشة. أعود الآن إلى هذين الوصلين: .1الوصل الأول بين معنى الخلافة الأول وهو الكوني بالفطرة ومعناها الثاني وهو الحاصل بالفعل لما تتحقق الأهلية لجماعة يستخلفها الله في العالم .وهذا الوصل نسبته إلى بعض البشر اللذين تحققت فيهم القدرة على الجمع بين الحواس والحوادس في الأديان الطبيعية والفلسفات. .2الوصل الثاني بين هذا المعنى والمعنى الأخير الموصل إلى خلافة مشروعها الكوني هو تحقيق كونية الاستخلاف ونقله من الفطرة إلى الوعي بها وتذكرها .وذلك هو مشروع توحيد الإنسانية .وهو ما يرمز إليه مفهوم الشهادة على العالمين .وهذا الوصل نسبته إلى بعض البشر الذين تحققت فيهم القدرة على إدراك علل تحريف الأديان الطبيعية والفلسفية واكتشاف الواحد فيهما أي الديني والفلسفي في آن وهم موضوع سورة هود التي سبق فشرحتها. وما ورد في سورة هود يحيط به مصدرا التحريفين: .1الأول هو شرط وجود كل تحريف أعني المقابلة بين العفو والخطيئة الموروثة أصلا لنظرية الشعب المختار. .2الثاني هو شرط بقاء كل تحريف أعني المقابلة بين نبوة عيسى وبنوته غاية لنظرية الشعب المختار. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- لن أعالج هذين المسألتين قبل أن أختم الكلام في إشكالية النظر والعقد لعلاج علاقة الإنسان العمودية مع الطبيعة من حيث هو مستعمر في الأرض واشكالية العمل والشرع لعلاج علاقة الإنسان مع التاريخ من حيث هو مستخلف فيها .وهو ما يقتضي أن أشرح بدقة متناهية معنى المفهومات التي استعمتلها في هذا العلاج وخاصة المفهومات الأربعة الأساسية المتفرعة عن مفهوم الوجود الكلي: .1الضرورة الشرطية بالمعنى الأرسطي نظاما لأفعال الطبائع. .2الحرية الشرطية التي قستها عليها نظاما لأفعال الإنسان. .3ما بعد الطبيعة بمعنى لا يمكن أن يتكلم عليه القائلون بالمطابقة المعرفية أي الضرورة اللاشرطية. .4ما بعد التاريخ بمعنى لا يمكن أن يتكلم عليه القائلون بالمطابقة القيمية أي الحرية الشرطية. والأولان شرط في سياسة عالم الشهادة والثانيان شرط في سياسة عالم الغيب وثورة الإسلام بيان استحالة قيس الثانية على الأولى لكن قيس عبارة الأولى عن الثانية ممكنة وتلك هي بنية الخطاب القرآني. فلما وضعت نظرية الحرية الشرطية بوصفها نظام الشرائع أو أفعال الإنسان فلسفيا (الأمر دينيا) قياسا على مفهوم الضرورة الشرطية الأرسطي بوصفها نظام الطبائع فلسفيا (الخلق دينيا) أو أفعال الأشياء واعتبرت التاريخ الإنساني حصيلة التفاعل في الاتجاهين أي فعل الطبائع (الخلق) في الشرائع (الأمر) وفعل الشرائع (الأمر) في الطبائع (الخلق) والحصيلة هي الإنسان من حيث هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيها كان الهدف تأسيس رؤية القرآن للخروج من هذين التحريفين اللذين يمثل التحرير منهما نصف القرآن والنصف الثاني هو البديل الذي يؤسس لاستراتيجية توحيد الإنسانية بسياسة لعالم الشهادة مشرئبة إلى سياسة لعالم الغيب . أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- وسياسة عالم الغيب مجهولة الطبيعة لكن القرآن يخبرنا حولها بعبارة تقيسها على سياسة عالم الشهادة مع إضافة احترازين: • الإطلاق • وليس كمثله شيء. وحتى أصوغ تأسيس القرآن لسياسة عالم الغيب وتأثيره في سياسة عالم الشهادة وضعت نظرية الضرورة اللاشرطية (أي إن الوجود واقعة لا تفسير لها فاكتوم) والحرية اللاشرطية (أي إن هذه الضرورة اللاشرطية تتأسس في حرية لا شرطية خلقا وأمرا). وكل الأديان الطبيعية والفلسفية تبدو عكسا لهذه الرؤية أي إنها جعلت سياسة عالم الشهادة مقياسا لسياسة عالم الغيب بإطلاقه حتى تكون السياسة بوهم المطابقة المعرفية والقيمية فصار الإنسان مقياس كل شيء موجوده ومعدومه دون احتراز السوفسطائية التي تقول بذلك مع إضافة أن ذلك مقصور على ما يصل إليه الإنسان دون نفي ما يتجاوزه. وهذا هو جوهر النقد القرآني كما يتعين في مفهوم الغيب الذي هو مفهوم حد يحول دون جعل الإنسان مقياس الوجود موجوده ومعدومه ونفي كل إمكانية لعكس خطاب القرآن: فالقرآن خطاب الله للإنسان ولا يمكن أن يخاطبه بغير ما يفهم فيكون ما يقال عن الله بمقياس الإنسان معنى كليا رامزا بالمعنى التيمي وليس مقوما بالمعنى الأرسطي لما يقوله على ما بعد الطبيعة .المعاني الكلية الرامزة تمكن من فهم المقارنة من فوق إلى تحت وتحول دونها من تحت إلى فوق .وهذا هو معنى الغيب مفهوما حدا في المعرفة وفي القيمة. وقد بينت بمثال بسيط كيف يمكن للمعاني الكلية أن تكون رامزة وليست مقومة :فقيس الزمان بحركة الظل لا يجعل حركة الظل مقومة للزمان ولا للشمس ولا للشيء الذي اعترض شعاعها ليتكون الظل بل هو معنى كلي يرمز إلى علاقة بين أشياء كلها تبقى مجهولة الحقيقة رغم إدراكنا لعلاقاتها خلال تفاعلها في بنية ندركها .ولنضرب مثالين بسيطين من الكيمياء رغم كونهما اعسر قبولا من مثال الظل. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- فإذا قلت إن الماء يتألف من وحدتين من \"شيء ينتج الماء=هدروجان\" ووحدة من شيء \"ينتج الصدأ=اوكسيجان\" فقد يظن من لا يرى أني تكلمت على مقومات الماء في حين أني تكلمت على علاقة بين عرضين من الماء مع دور لأن القول \"شيء منتج للماء=هدروجان\" يعني أني انطلقت من واقعة معطاة .لكن ككل العناصر في الكيمياء يبقى الشيء مجهول الحقيقة .فما الشيء الذي ينتج الماء؟ وما الشيء الذي ينتج الصدأ؟ وما الماء؟ كل ما في الأمر أني رمزت إلى شيء يشبه الظل بعلاقة بين شيئين آخرين وهو عمل يساعدني في الاستفادة من علاقات الأشياء دون أن أعلم حقيقتها ما هي. وإذا قلت إن جمعي بين القلوي والحامض يعطيني ماء وملحا فإني ألاحظ تفاعلا بين شيئين أجهل طبيعتهما وحصيلة شيئين أجهل طبيعتهما كذلك أو لأقل إني أعرف الشيئين الأولين بعرض مشترك أو بعلاقة بينهما هي تفاعلهما وثمرته .وكل ذلك يدل على أني ارمز إلى أشياء لكأني أشير إليها بما بينها من علاقات وأسقط عليها ما رمزت به لتلك العلاقات وكأنها مقومات للأشياء فأعرفها بها .لكني أجهل حقائق الأشياء واكتفي بملاحظة ما بينها من علاقات تمكنني من التعامل معها والقدرة على التدخل فيها بالتعامل مع أعراضها وعلاقاتها. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- لمفهوم الخلافة أصلان قرآنيان أحدهما يشمل الإنسانية كلها لأنه منزلة وجودية للإنسان من حيث هو إنسان والثانية منزلة تاريخية للجماعات التي حققت ما يثبت جدارتها بهذه المنزلة التي هي إمكان محض ملازم لمعنى الحرية إذ هي تعني قابلية الإنسان لتكليف وقدرة الاختيار للأهلية له ولعدمها. وأضافت الأمة الإسلامية معنى ثالثا هو المعنى السياسي الكوني الذي تكلف به من تعتبره جديرا بهذه المنزلة نيابة عنها جزئيا وعلى الإنسانية كليا أو خليفة لها بالفعل وللإنسانية بالقوة لأن دولة الإسلام مشروع للدولة الكونية .وهذا المعنى يفيد أن الخليفة هو القيم على أمر الجماعة دون أن يكون وسيطا بينها وبين الرب ولا وصيا عليها بينها وبين أمرها. وذلك هو مضمون الشورى 38طبيعية وأسلوبا .فطبيعة النظام السياسي جمهوري لأنه أمر الجماعة (راس بوبليكا) .وأسلوبه شورى بينها (ديموقراطي) .وهو نظام يتحدد بين قطبين أحدهما هو علاقة بأصل سياسة عالم الغيب (الذين استجابوا لربهم) والثاني هو علاقة بأصل سياسة عالم الشهادة (ومما رزقناهم ينفقون) .ولا ذكر لوسيط في العلاقة الأولى ولا لوصي في العلاقة الثانية ومن ثم فالخليفة مجرد نائب منتخب لإدارة سياسة الدنيا لكن السلطة الفعلية هي للأمة التي تستجيب لربها وتتشاور في أمرها لتنظم الإنفاق من الرزق لأنه هو مصدر كل ما يحول دون البشر والأخوة (النساء )1وتعارف المتساويين أمام القانون (الحجرات .)13 لكن هذه المعاني الثلاثة لا يمكن أن تفهم من دون علاج أمرين مضمرين .الأول هو النقلة من المعنى الأول للاستخلاف إلى المعنى الثاني .والثاني هو النقلة من الثاني للاستخلاف إلى الثالث .ولهذه العلة وضعت معنيين آخرين حتى يتسق النظام .ذلك أن الانتقال الأول والانتقال الثاني لا بد من تفسير يجعلهما مفهومين ومعقولين: .1فلا بد من بداية للاستخلاف الفعلي ومن ثم فهم النقلة الأولى أول مرة وتكرارها حتى نصل إلى الأمة الجزئية التي يستخلفها الله في الأرض ليبدأ انشداد سياسة عالم الشهادة أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- إلى سياسة عالم الغيب :بداية تحقيق رؤية الإسلام الفعلي من حيث هو منزلة الإنسان الوجودية الممكنة. .2ولا بد من غاية للاستخلاف الفعلي ومن ثم فهم النقلة الثانية آخر مرة وتكرارها حتى نصل إلى الأمة الكونية التي يستخلفها الله في الأرض ليتم انشداد سياسة عالم الشهادة إلى سياسة عالم الغيب :غاية تحقيق رؤية الإسلام الفعلي من حيث هو منزلة الإنسان الوجودية الممكنة. فلا يمكن تصور الجماعات من دون بروز خصال من يدرك هذه المنزلة بمؤهلات فطرية تجعله لا يكتفي بالحواس بل يتعداها للحوادس التي تمكن من تلقي ما في العالمين الطبيعي من نظام تلقيا يقتضي أن يصبح أساسا لتكوين الجماعة التي تستجيب للرب. ولا يمكن أن يصبح ظاهرة تعم التاريخ قبل أن يتراكم ما يترتب على هذا الإدراك الأول بفضل تكون الجماعات التي تكون قد نجحت في علاج العلاقة العمودية بالطبيعة وشرعت في علاج العلاقة الأفقية بالتاريخ التراكم التراثي الذي يجعلها قادرة على الانفاق من الرزق بمبدأ الأخوة والمساواة. ومن يبرزون بهذه الخاصية الجامعة بين الحواس والحوادس هم دائما القلة المبدعة في الجماعة .ويمكن تصنيفهم إلى جنسين: • جنس الرسل وهم من يتعلق تلقيهم المبدع بالعمل والشرع أصلا للنظر والعقد. • جنس الفلاسفة وهم من يتعلق تلقيهم المبدع بالنظر والعقد أصلا للعمل والشرع. ولست أنا صاحب الفكرة بل القرآن هو الذي يؤكد عليها .وما يؤكد الفكرة هو حضور رجل يسعى غريب في الكلام على الرسل ينصح باتباعهم أو حتى يثبت لهم أنه يعلم ما لا يعلمون .وطبعا تكلم المتصوفة على الثاني وخلقوا أسطورة الخذر والقطب لكن القرآن سماه الرجل الصالح وأهملوا الكلام في الرجل الذي ينصح باتباع الرسل من دون أن يكون رسولا أو الذي يحكم في قضية زوجة العزيز .وقد سميت هؤلاء الرجال الذين ليسوا رسلا لكنهم يصاحبون الرسل \"فلاسفة\" بمعنى أنهم لم يتلقوا وحيا من جنس وحي الرسل لكنهم أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- تلقوا شيئا ما مطابق لما يتلقاه الرسل بطريقة أخرى .وأختم الدليل على هذه الفكرة القرآنية أن الله يشير إلى هذه الظاهرة حتى بتلقي الحيوانات. فالغراب الذي علم ابن آدم كيفية إخفاء عورة أخيه ليس رسولا ولا فيلسوفا بل هو آية ناطقة بفعلها .وكل الموجودات بهذا المعنى آيات ناطقة بفعلها والدليل هو فصلت 53حيث إن الله يرينا آياته في الآفاق وفي الأنفس .وإذن فالحوادس التي تتلقى ما يخرج الإنسان من النسيان متعددة ومنها الرسل والفلاسفة وكل الموجودات التي تعبر بما تحيل عليه مما وراءها يضفي عليها معنى كليا هو ما يدركه الإنسان. وإذا كان موسى قد احتاج لأخيه في تلقيه فإن كل الرسل كان لهم سند من صحابة مقربين مثل أبي بكر وعمر وكل أفاضل عصرهم ومن ثم فلا يمكن تصور بداية الانتقال من القوة إلى الفعل من دون أن يوجد ما يصير بالفعل عند البعض مباشرة .وهذا هو التلقي المبدع الذي يمكن اعتبار الرسالات جنسا منه وليست الوحيدة .ومسألة ايقاظ هذه الخاصية هي الشغل الشاغل للقرآن من بدايته إلى غايته :دعوة المخاطبين إلى تجاوز الحواس إلى الحوادس :فالبصر وراءه بصيرة والسمع وراءه سميعة والشم وراءه شميمه والذوق وراءه ذويقة واللمس وراءه لميسة. وما ينسيهم هذا الوراء أي الحوادس هو مفهوم الإخلاد إلى الأرض القرآني وعندها يحصل نقيض هذه اليقظة الوجدانية فتفقد الحواس هذا القدرة على تجاوز ذاتها إلى الحوادس .فتصبح الحواس لا تحس لهم أعين لا يرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم فهوم لا يعقلون بها\":صم بكم عمي فهم لا يعقلون\" رغم كونهم يسمعون ويرون ويفهمون الخطاب لكن ذلك لا يتجاوز عنده الإخلاد إلى الأرض والحاجات المباشرة دون رؤية ما وراءها. ومن كانت لهم القدرة على التحرر من الإخلاد إلى الأرض هم ذوو الألباب الذين يذكرهم القرآن الكريم وهم أهل الذكر -وليس اليهود كما يدعي من فهم بالذكر حفظ أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- النصوص وليس رؤية آيات الله في الآفاق والأنفس-بمعنى أنهم لم ينسوا ما رسم في فطرتهم من القدرة على التلقي مما يريهم الله من آياته فيها. وما يتميز به الرسول الخاتم ليس هذه الخاصية فهي مشتركة لكل من لهم القدرة على التلقي المبدع بالمعنى الذي شرحه القرآن .ما يتميز به هو ما جعل تلقيه خاتما أي إنه جعل الوعي بهذا التلقي موضوع الرسالة :فهو يتلقى الرسالة وهو مستوى أول من التلقي والرسالة التي تلقاها جعلت التلقي موضوعها الأول أي إن مشكل المشاكل في القرآن هو عوائق التلقي عند البشر وخاصة عائق الإخلاد إلى الأرض ودواعي التأله عند البشر أو استبداد الأمراء والعلماء وتحالفهم لتحريف التلقي عند البشر أو ما يسميه ابن خلدون إفساد معاني الإنسانية (المقدمة الباب السادس الفصل .)40 ولهذه العلة فالقرآن ليس نصا دينيا بالمعنى التقليدي بل هو نص الواحد المشترك بين الديني والفلسفي والذي لا يتجاوز التلقي المبدع الذي لا يدعي علم الغيب ولا يدعي تقديم معجزات تتجاوز ما هو ممكن للإنسان لأن المعجزات التي تخرق النظام الطبيعي أو النظام التاريخي فيها شيء من التأله الذي لم يعده الرسول الخاتم واكتفي بالنظام وليس خرقه. وطبيعي ألا تتضمن الرسالة ما لا يفهمه المرسل إليه .فالقرآن رسالة للإنسان والقرآن يؤكد أن الغيب محجوب عنه .فلا يمكن إذن أن يرسل له رسالة تشترط لتفهم العلم بالغيب. لذلك فكل ما في القرآن مما لا يفهمه الإنسان يرد إلى معنى واحد هو تعريف الغيب بكونه ما عبر عنه القرآن بالمتشابه الذي يعتبر تأويله من علامات زيغ القلوب وابتغاء الفتنة. المعلومة الوحيدة المتعلقة بالغيب هي كونه مفهوما حدا يفصل بين العلم الإنساني النسبي والعلم الإلهي المحيط ومن ثم تعلقه بما عبر عنه القرآن من كلام على ذاته وعلى أسرار الخلق والامر (أي افعاله) التي جاءت الكلام عليها بالمتشابه الذي لا يمكن تأويله لأن شرط تأويله هو العلم المحيط وهو أمر لا يشارك الله فيه أحد. أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- ولذلك فقد بينت أن مفهوم الوحي حرفه علماء الملة لما ظنوا أنه يتضمن علم الغيب .وكل من يدعي علم الغيب سواء كان صوفيا بما يسيمه كشفا أو فيلسوفا بما يسميه عقلا مصاب بزيغ القلب ويبتغي الفتنة .لذلك فالوحي الذي هو تلقي الرسالة ليس فيه علم الغيب بدليل أن الرسول ينفيه عن نفسه أولا وبدليل أن مهمته هي التذكير بما هو مرسوم في فطرة الإنسان ونساه الإنسان وليس بالغيب .والقرآن يخلوا من المعجزات بمعنى خرق النظام وما يرد فيه من حكاية للمعجزات حكاية للفكر الديني قبل الإسلام ليس حكاية لما ينبغي أن يكون عليه الدين .ولو أردت أن أذكر الحجج الواردة في القرآن والدالة على تعديل لهذه المعجزات بما يجعلها غير خارقة للنظام لبهت الذين يدعون في الدين علما. لكن ذلك ليس موضوعي الآن .المهم أن القرآن لا يعتبر الدين بحاجة لخرق العادات ويعتبر الغيب أهم مفهوم يمكن من التمييز بين السياستين: .1سياسة الإنسان لعالم الشهادة بالاعتماد على علم الضرورة الشرطية للطبائع وعلى علم الحرية الشرطية للشرائع وهو ما لا يمكن للإنسان تجاوزه باعتبار الغيب يحول دونه والتجاوز. .2سياسة الله لعالم الغيب وضمنه عالم الشهادة بالاعتماد على الضرورة اللاشرطية للخلق والحرية اللاشرطية للأمر فعلين إلهيين لا يمكن قيسهما على أفعال البشر .وكل من يتوهم أفعاله مطابقة للحقيقة يتأله فيكون مستبدا في الحكم وفي التربية. وتلك هي ثورة الإسلام الكبرى التي تختم محاولات الأديان والفلسفات السابقة إيصال البشرة إلى فهم هذه العلاقة بين الخليفة (الإنسان) ومستخلفه (الله) .ولهذه العلة بدأت آية النظام السياسي في الشورى (الشورى )38بعلامة ذلك :الاستجابة إلى الرب أي إن الإنسان لا يمكن أن يسوس دنياه إذا لم يكن مشدودا إلى من مثال أعلى هو ربه الذي يسوس أخراه ودنياه في آن سوسا إما مباشرة بما وضعه فيه من قوانين عضوية وسنن روحية أو بصورة غير مباشرة بما وضعه في الطبيعة من قوانين وفي التاريخ من سنن .وقد جهز أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- الإنسان لدور الخليفة بجهاز النظر والعقد للتعامل مع الطبيعة وبجهاز العمل والشرع للتعامل مع التاريخ. أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- حان أوان الكلام في المعاني الخمسة لمفهوم الاستخلاف بعد أن حددنا معنييه الواردين في القرآن والمعنى الذي أبدعه الصحابة لما انتخب الصديق خليفة والمعنيين اللذين وضعتهما للوصل بين هذه المعاني: .1المعنى الأول الذي هو أصل معانيه كلها أي منزلة الإنسان الوجودية :استخلاف آدم وحواء. .2المعنى الثاني ثمرة لإثبات جماعة جزئية أهليتها للاستخلاف في التاريخ :تأسيس آدم للجماعة الأولى بعد أن تلقى كلمات فأتهمن فعفى عنه ربه واجتباه. .3والمعنى الثالث الذي وضعته الأمة لما عينت الصديق خليفة لرسول الله على أساس بيعة الأمة كما بويع رسول الله نفسه ليصبح حاكما بعد أن كان رسولا لتكوين نواة المتحررين من النسيان والمؤسسين معه لدولة عالم الشهادة فتنتقل الجماعة إلى جماعة مستجيبة لربها .وذلك هو معنى النقلة من إسلام مكة إلى إسلام المدينة أو من الثورة الروحية إلى الثورة السياسية وثمرتها أي الدولة .وجعلت ذلك مفهوما عاما لمن تنتخبه نائبا عنها وقيما على وظائف الدولة التي تمثلهم وتحت رقابتهم. .4واضفت معنى رابعا يصل بين المعنى الأول والمعنى الثاني لأنه لا يمكن لأمة أن تصبح أهلا للخلافة من دون تحول في جهازيها المحققين لسياسة عالم الشهادة من منطلق رؤية تكون مرجعيتها سياسة عالم الغيب أصلا للفكرين الديني عامة والفلسفي منه على وجه الخصوص أو لفهم الانتقال من الخلافة منزلة وجودية بالقوة إلى الخلافة منزلة وجودية بالفعل لجزء من الإنسانية. .5لأختم بمعنى خامس وأخير يصل بين هذه النقلة الأولى للفعل إلى النقلة الأخيرة للفعل الكلي أي لما سماه القرآن كمال الدين ورضا الإسلام دينا للإنسانية كلها وصلا بين الاستخلاف الجزئي والاستخلاف الكوني بالفعل. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- وسأبد بالمنزلة الوجودية التي هي الأصل لنبين دلالتيها في القرآن الكريم من خلال تحليل مشهدين قرآنيين حول مسألة الاستخلاف الأصلي منزلة وجودية وأدوات تحقيق: .1المشهد الأول ويبدأ من إعلام الله الملائكة بأنه سيجعل آدم خليفة في الأرض وينتهي بعصيان آدم وحواء لما أمرا به بخصوص الشجرة الملعونة. .2المشهد الثاني ويبدأ من \"تحدي\" ابليس بعدم السجود وبالتشكيك في أهلية آدم للاستخلاف وطلب النظر وحصول آدم وحواء على فرصة ثانية. فيكون للاستخلاف من حيث هو أصل معنيان .والثاني منهما هو ما يعنيه ابن خلدون في تعريف الإنسان بوصفه \"رئيسا بطبعه\" .والأول هو ما يعنيه بقوله \"بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\": .1فيكون المعنى الأول من منزلة الإنسان الوجودية محددا الغاية من خلق الإنسان أي الاستخلاف وهو العبادة الحرة بدليل الآية التي يقول فيها الله إنه إنما خلق الجن والإنسان إلا لعبادته. .2ويكون الثاني من منزلة الإنسان الوجودية محددا شروط تحقيقها في سياسة عالم الشهادة التي هي الاختبار الفعلي للأهلية بمعنى التعمير بقيم الاستخلاف: • فالأول لتحديد طبيعة المنزلة الوجودية أو الاستخلاف الذي هو منزلة ممكنة وليست حاصلة بالفعل. • الثاني لتحديد تجهيز آدم الذي يمكنه من تحقيق الأهلية للاستخلاف بالفعل إيجابا أو تحقيق عدمها سلبا. وهنا يوضع مشكل بداية الانتقال من هذه المنزلة بالقوة إليها بالفعل .ولا يمكن لذلك أن يحصل من دون أن يشرع الإنسان في تحقيق مهمتيه اللتين تثبتان اهليته للاستخلاف باستعمال جهازيه اللذين يمكنانه من ذلك: • الجهاز الأول هو جهاز النظر والعقد للتعامل مع الطبيعة التي يستمد منه شرط حياته وجودا أعني كل ما هو ضروري لحياته العضوية غذاء وماء وكنا. أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- • الجهاز الثاني هو جهاز العمل والشرع للتعامل مع التعامل مع الطبيعة أي للتعامل مع التاريخ الذي هو في البداية تحصيل ما يبقي على وجوده أي شرط بقاء وجوده نظاما للرعاية والحماية أي وظيفتي السياسة وموضوع الدولة. وهنا يتدخل \"الإبداع المتلقي\" وهو المفهوم الدقيق لمعنى الوحي ودوره في تحقيق هذه النقلة سواء كان بشكل نبوي أو بشكل فلسفي .والابداع المتلقي تحديدا مفهوميا للوحي بمعنى فهم آيات الله في الآفاق وفي الأنفس هو تلقي ما يدل على النظام في الطبيعة - الضرورة الشرطية بلغة أرسطو-وعلى النظام في التاريخ -الحرية الشرطية باصطلاحي الشخصي قياسا على اصطلاح ارسطو-ومن ثم تلقي لما يفيد أن للطبيعة والتاريخ ما وراء يعلل ما هما عليه. فيكون المبدعون للتعبير عما يتلقونه من نظام الطبيعة ومن نظام التاريخ وخاصة مما يفترض ما وراء الطبيعة وما وراء التاريخ هم أصحاب الوصل الأول الذي أضفته لمفهوم الخلافة .وهو اصطلاح أقدم عليه لأنه يمثل خلافة أولى للمبدعين من الجماعة برؤية آيات الله للدين وتطبيقاته وللعلم وتطبيقاته بأشكال بدائية طبعا .والجماعة التي يتحقق فيها ذلك تكون هي المؤهلة للاستخلاف في الأرض أو التي ترث الأرض بلغة القرآن لأنها تكون قد عمرتها بقيم الاستخلاف التي يحددها القرآن .فأصحاب التلقي المبدع هم من يقول عنهم القرآن الكريم إنهم ذوو ا لبصيرة التي تمكنهم من إدراك ما يريه الله للإنسان من آياته في الآفاق وفي الأنفس :سياسة عالم الشهادة هي التي تبدع الأديان والفلسفات. فهما يبدعان الرؤى التي تساعد على علاج: .1علاقة الإنسان العمودية بالطبيعة وما بعدها شرطا في علاج علاقته بشروط قيامه العضوي وهو ما يفيده مفهوم التسخير. .2وعلاقته الأفقية بالتاريخ وما بعده شرطا في علاج علاقته بشروط رعاية قيامه وحمايته وهو ما يفيده مفهوم السياسة التي تكون الأجيال وتحمي الجماعة. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- ولا وجود لفصل بين الدين رغم كونه ينطلق من العلاقة الثانية ويذهب إلى الأولى والفلسفة التي تنطلق من العلاقة الأولى وتذهب إلى الثانية .لكن الطريق المقطوعة في الاتجاهين واحدة .ولم يحصل هذا الفصل إلا في غايات الفكر اليوناني وفي الظاهر فحسب. ففي حضارتي الشرق القديم أي مصر وبابل لم يكن الفصل بينهما واردا. لكن الفصل اليوناني لم يكن فصلا حقيقيا بل كان صوغا عقليا لهما عكس المسار الديني بين النظر والعقد والعمل والشرع ليصبح فلسفيا بعد أن كان ميثولوجيا يقدم العمل والشرع على النظر والعقد .لكن المضمون واحد في الحالتين: .1إنه علاج العلاقة العمودية بين الإنسان والطبيعة وما بعدها علميا بمرجعية دينية عامة أو دينية مفلسفة. .2وعلاج العلاقة الأفقية بين الإنسان والتاريخ وما بعده عمليا بمرجعية دينية عامة أو دينية مفلسفة. وفي الحقيقة فإن الفلسفة قد عادت إلى أصلها بعد أن صارت إيديولوجيا عملية وسياسية- هيجل وماركس وقدموا صورة مشوهة مما تصوروه علما لتاريخ حضاري مقيس على التاريخ الطبيعي-فأصبحت ميثولوجيا معاكسة للتي كانت ذات صلة بها في الفكر السابق على اليونان وحتى في محاولة فلسفتها اليونانية عند أفلاطون وارسطو بوهم النظام المعرفي الشامل لكل شيء. فالميثولوجيا الحديثة تسقط سياسة عالم الغيب على عالم الشهادة وتضع الإنسان مكان الله بعكس الأولى التي كان فيها الله يشغل مكان الإنسان بإسقاط سياسة عالم الشهادة على سياسة عالم الغيب .ولعل أساس الميثولوجيا القديمة حضارة الشرق القديم أي مصر وبابل والميثولوجيا الحديثة أساسها حضارة الغرب الحديث .فالإنسان مبدع كل شيء وخالقا بما يشبه \"كن\" مثل الرب تماما فالتقدم العلمي والتطبيقات التقنية جعلت المعرفة تحقق أحلام السحرة .وتلك هي ذروة ما بعد الحداثة أو أوهام نيتشة والإنسان الأعلى المبدع رمزيا لكل شيء. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- وهكذا فقد عالجنا معنى الخلافة الفطرية التي هي منزلة الإنسان الكونية في الوجود كما يحددها القرآن وأشرنا إلى بعديها وإلى علاقتها بمشهدي الاستخلاف اللذين سنحللهما في الفصل الموالي. كما عالجنا الوصلتين بين الأصل وبداية الانتقال من هذا الاصل إلى الشكل الأول من الاستخلاف الفعلي في جماعة معينة أنشأت بعدي سياسة عالم الشهادة أي التربية والحكم مقومي كل دولة تنظم شروط سد الحاجات المادية أو التبادل (العمران البشري بلغة ابن خلدون) وشروط سد الحاجات الروحية أو التواصل (الاجتماع الإنساني بلغة ابن خلدون). وبذلك فلم يبق إلى أن ندرس المشهدين والاستخلاف الجزئي والاستخلاف الكلي والعلاج القرآني للمسار الناقل من الجزئي إلى الكلي أو فلسفة الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين في علاقة بمفهوم الاستخلاف وتحقيق شروط الأهلية التي ه تحقيق التعمير بقيم الاستخلاف .وما مقدمة ابن خلدون إلا محاولة لفهم هذا المسار وإن كانت في شكل بدائي لم ينضج بصورة تجعله يتحول إلى نظرية نسقية يمكن أن تؤسس لما كان يريده ابن خلدون وهو مضاعف: .1فلسفة العمران البشري والاجتماع الإنساني أو علم العلاقة بين الشروط الطبيعية (الجغرافيا والمناخ) والشروط الثقافية لقيام الحضارات (الأديان والفنون الخلقية والعلوم والفنون التقنية) .وبين الأمرين الفنون الجمالية التي تصحب المائدة والسرير. .2اساسا للنقد التاريخي وكتابة التاريخ كتابة تدخله في نظام العلوم الفلسفية التي كانت تستثنيه لأن التاريخ كان يعتبر مجرد منهج لجمع المعطيات في أي معرفة للوجود الخارجي وليس علما خاصا بالظاهرات الإنسانية من حيث هي هذه العلاقة بين الطبيعي والثقافي في تكوينية الإنساني عامة. أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- يبدو المعنيان اللذان أضفتهما لمفهوم الخلافة بهدف الوصل بين معناه الأول (استخلاف آدم وحواء) والثاني (نشأة أول جماعة مستجيبة لربها) ثم بين الثاني والثالث (استخلاف أمة محمد حاملة للرسالة الكونية والخاتمة التي تعتبر آخر تذكير بالرسالة الفطرية الكونية كونيا) وكأنهما مفتعلان أو من التحكم الذي يفرضه السعي لتحقيق النسقية النظرية على حساب المعطى الموضوعي في القرآن والتاريخ. وقد يذهب البعض إلى أن ذلك ربما بسبب ما عرف عن طريقتي في إثبات الطابع المخمس لكل مفهوم نفيا للطابع المثلث الذي عرف في المدرسة الهيجلة الماركسية والذي هو بصريح رأي هيجل مستمد من التثليث المسيحي .وذلك فسأبدأ تعليل هذين المعنيين اللذين أضفتهما ببيان استحالة القول بالتثليث لأن أي مفهوم لا يكون واحدا إلا إذا كان تأليف معنيين على الأقل .وتأليف معنيين لا يعطين معنى ثالثا فحسب بل يعطينا معنيين ثالثا ورابعا: فإذا كان \"م\" مؤلفا من \"م \"1و\"م \"2فإنان لا نحصل على \"م-1م \"2فحسب بل نحصل كذلك على \"م-2م .\"1فنكون حتما أمام خمس معان أصلها \"م\" أي المفهوم الذي هو أصل فروع معناه الأربعة أي \"م \"1و\"م \"2ثم \"م-1م \"2ثم \"م-2م.\"1 وإذا طبقت ذلك على ما انتهيت إليه من أن الديني والفلسفي يمكن اعتبارهما معبرين عن مفهوم واحد هو \"تلقي نظام سياسة عالم الغيب\" أي تلقي ما يحيل إلى نظامي الطبيعة والتاريخ وراء الطبيعة والتاريخ بما لبعض البشر من قدرة على تجاوز الحواس إلى الحوادس ومثاله الانتقال من البصر إلى البصيرة فإن ذلك يعطينا نفس النتيجة: .1الاستخلاف الذي هو منزلة وجودية للإنسان من حيث هو إنسان. .2هو البصيرة التي تتجاوز البصر فتتلقى النظام وراء الطبيعة والتاريخ .وهذا: .3التلقي له ضربان ديني طبيعي أو ميثولوجيا أو ديني \"عقلي\". .4تأثير الديني الطبيعي أو الميثولوجيا في الديني الفلسفي. أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- .5تأثير الديني العقلي في الديني الطبيعي أو الميثولوجي. وهذه المعادلة تتحقق في كل مفهوم لأنه بالطبع مؤلف على الاقل من موضوع ومحمول مع أداة الوصل بينهما لكنها ذات اتجاهين متقابلين من الموضوع إلى المحمول ومن المحمول إلى الموضوع وذلك ملازم لكل قضية في المنطق التقليدي والمنطق غير التقليدي لم يتحرر من ذلك بل عممه ومحاولة هيجل الاقتصار على العلاقة في النقلة إلى منطق التأمل بمعيار النهى بدلا من منطق الاسترياء بمعيار الحصاة لا يجعله في حل من الفرق بين الاتجاهين. ويكفي لفهم الفرق بين الاتجاهين تطبيقهما على مثال العلاقة بين الديني والفلسفي: فالديني يحقق العلاقة من العمل والشرع إلى النظر والعقد .والفلسفي بالعكس يحققه من النظر والعقد إلى العمل والشرع .وبصورة أوضح بغلة شبه عامية فالدين يعتبر العمل السياسي الذي هو وزع ذاتي ووزع أجنبي في إدارة العلاقة بالطبيعة والتاريخ بلغة ابن خلدون مقدم على الفلسفة التي تبدأ بالنظر العلمي الذي هو نظرية أدوات الوزعين في إدارة العلاقة بالتاريخ وبالطبيعة. وواضح أن الرؤية الدينية أسلم .ذلك أن العلاقة بالطبيعة هي بدورها تاريخية وهي إضافية لنظام علاقات البشر في بينهم لتنظيم علاقتهم بغيرهم في العالم وخاصة بالطبيعة التي لا يمكن أن مصدر حياتهم إذا لم يسبق على العلاقة بها ما يمكن من استمداد مصدر الحياة منها أي تنظيم الجماعة التي ستتعاون وتعيش بسلام في ما بينها حتى يقع تقاسم العمل والتبادل وشرطه وقوع التواصل ومن ثم القانون والأخلاق وهو معنى تقدم السياسي على العلمي أو بصورة أدق تقدم علم السياسة على علم الطبيعة وما بعد السياسة على ما بعد الطبيعة. والمعلوم أن أرسطو تردد في تحديد العلم الرئيس هل هو ما بعد الطبيعة أو السياسة بوصفها ما بعد التاريخ وقرر أن ينسب دور العلم الرئيس أي المؤسس لكل العلوم والاعمال إلى ما بعد الطبيعة .لكن ابن خلدون عكس وأوغست كونت جمع بين الخيارين بعد أن عوض ما بعد الطبيعة بالرياضيات وعوض ما بعد التاريخ بالاجتماعيات. أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وإذن فليس من التحكم إضافة الوصلتين بين المعنى الأول والثاني ثم بين الثاني والثالث وذلك بمعيار التوجهين في العلاقة بين المقومين .ففي مثالنا الحالي الوصلة الأولى هي بين المعنى الكوني للاستخلاف الذي هو فطرة الإنسان ومنزلته الوجودية في النص القرآني: وذلك هو دور آدم وحواء .وهي وصلة بين هذه المنزلة وبداية تكوينيتها .والوصلة الثانية عودة من غاية التكوينية إلى البداية :وذلك هو دور محمد وخديجة. وهنا يتبين أن دور خديجة هو عين دور حواء ودور محمد هو عين دور آدم ولكن بمعنى بداية ثانية تعود من الغاية إلى البداية أعني إلى أساس الفرصة الثانية بعد أن عفى الله عن آدم وحواء واجتباهما وبعد أن تم العهد من خلال أخذ كل أبناء آدم من ظهور آبائهم لإشهادهم على أنفسهم :لذلك فالإسلام دين يتوجه إلى البشرية كلها بمقتضى شهادتها على نفسها ليذكرها بذلك .وهو في آن تحرير الديني والفلسفي (أو النقلي والعقلي باصطلاح لا احبه) من التحريفين اللذين يؤسسان لتحريف الطبيعي والروحي في الإنسان: .1تحريف الطبيعي يتمثل في نسبة العصيان الأول إلى العلاقة الجنسية بين آدم وحواء ومن ثم اتهام البدن بكل الشرور واعتبار الجنس والمرأة من المدنسات والمرأة حينها هي بالجوهر عاهرة كما نرى ذلك في التوراة .وهذه خاصية مشتركة بين اليهودية والتشيع كما يرمز إلى ذلك ما يسمى بالمتعة. .2وتحريف الروحي هو انكار العفو والاجتباء والقول بالخطيئة الموروثة التي تتأسس عليه خرافة الحاجة إلى ابن للرب الشهيد أو ابن النبي يكون شفيعا ليزيل مفعولها والحاجة إلى من ينوبه في الأرض أي الكنيسة للتربية والحكم بالحق الإلهي للحكم .وهي كذلك فكرة مشتركة بين المسيحية والتشيع. وهو ما يعني أن التشيع ليس إلى جمعا بين التحريفين اليهودي والمسيحي مفروض على الإسلام للانتقام منه من أجل استرداد دولة فارس .ولا شيء فيه يؤيده القرآن .فإذا كان القرآن يقول للرسول نفسه في الغاشية 22-21بأنه ليس وسيطا في التربية ولا وصيا في الحكم فلا يمكن أن يكون في الإسلام من هو أرفع منزلة من النبي حتى يكون له ذلك فيصبح أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- آل البيت لهم دور الوسيط روحيا والوصي سياسيا .ومن هنا فمن الخطأ الخلط بين الخلافة بالمعنى السني والإمامة بالمعنى الشيعي: .1فالخلافة بالمعنى السني ليست وصاية بل هي انتخابية أو اختيارية (الغزالي فضائح الباطنية) وهي اجتهادية باختيار الجماعة لرعاية المصالح العامة (ابن خلدون فصل الكلام من المقدمة) والحاكم فيها نائب الأمة (ابن تيمية السياسة الشرعية) باختيارها أو بالبيعة الحرة لأن الأمر أمرها وهي تديره بالشورى (الشورى .)38 .2والإمامة بالمعنى السني ليست وساطة بل منزلة علمية وخلقية ويمكن أن تستعمل لتسمية الخليفة لكنها حينئذ تكون بمعناها في إمامة الصلاة التي هي ليست منزلة وجودية مثل مفهوم الإمامة عند الشيعة بل هي منزلة اختيارية إذ الإمام في الصلاة يعنيه المصلون باختيارهم وهي منزلة يمكن أن يشغلها أن مسلم ولا حاجة لنسب بل يكفي فيها العلم والأخلاق ورضا المصلين الذين ينتخبونه. فإذا قارنا محمد بآدم كان هذا بداية أولى وذاك بداية ثانية أو إن صح التعبير أحدهما يبدأ من المعنى الكلي الذي ما يزال بالقوة ليحققه في جماعة جزئية بالفعل والثاني يبدأ من حصيلة هذه المحاولات السابقة للتحقيق الجزئي بوصفها بلغت درجة الوعي بالمعنى الكلي الذي قرب من التحقق في الجماعة الكونية .فكان مشروع الرسالة الخاتمة مؤلفا من جزئين: .1مراجعة المسار الذي بدأ من آدم وتواصل إلى عصر محمد وذلك هو القسم النقدي للتحريف بمعيار التصديق والهيمنة والذي يمثل تقريبا نصف القرآن الكريم لأنه هو المضمون الرئيس للقصص القرآني الذي يتجاوز التمثيل إلى عرض فلسفة الدين وفلسفة التاريخ القرآنيتين. .2تحديد المشروع الذي يصلح هذا المسار ويجعل التحقيق الكوني غاية للرسالة الخاتمة وذلك هو معنى دولة الإسلام الكونية التي تعتبر العالم كله مجال فعلها وهي إذن دولة لا تحد بقسم من المعمورة بل هي تشمل المعمورة كلها وهي في آن جغرافيتها ومعبدها. أبو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- ولهذه العلة فلا يمكن ألا نسمي آدم خليفة وهو مؤسس أول جماعة وسائس دولة عالم الشهادة الأولى التي تذهب من الجزئي إلى الكلي في تحقيق النقلة من منزلة الإنسان الاستخلافية التي بالقوة إلى الفعل الجزئي .ولا يمكن ألا نسمي محمدا خليفة وهو مؤسس أول جماعة وسائس دولة الشهادة الأولى التي تذهب من الكلي إلى الجزئي في تحقيق غاية النقلة من الجزئي إلى الكلي أي العودة إلى الجزئي لنقده بمعيار الكلي والشروع في تحقيق الكلي الفعلي ليس في التصور فحسب بل بالفعل من خلال دولة الإسلام الكونية. أعتقد أني بهذا قد عللت اضافة المعنيين الواصلين بين الأول والثاني وبين الثاني والثالث فتحصلت على المخمس الذي لا يمكن اعتباره متصنعا بل هو البنية التامة لمفهوم الاستخلاف كما يحدده القرآن وفهمته الأمة .وعلي الآن أن أعلل ذكري لحواء وخديجة مع آدم ومحمد .فما كان يحول دون ذكرهما في الأدبيات الإسلامية -مع ذكر يتعلق بترجمة الرجلين وليس برسالتهما-هو التحريفان اليهودي والمسيحي: .1أعني منزلة المرأة الوجودية في الرؤية اليهودية من حيث الخلقة :قصة الضلع الأعوج. .2ومنزلتها القيمية الروحية في الرؤية المسيحية من حيث الأمر :قصة الخطيئة الموروثة والتفاحة. وما زلت لا افهم موقف المسلمين من هذين التحريفين لنصوص القرآن الصريحة .ففي القرآن الأصل في وجود الإنسانية ليس آدم بل النفس الواحدة التي خلق منها زوجها ولما تغشاها حملت منه .وتلك هي حواء. وفي القرآن الجنس ليس مدنسا بل هو مقدس إذ هو أسمى من كل العبادات كما يتبين من منزلته في الآخرة .فلا يعلو عليه فيها إلا رؤية وجه الله .وليس الأمر متعلقا بما يتوهمه الكثير من حمقى الحداثيين الذين يعتبرون ذلك من نتائج ادمان الحرمان من الجنس بل هو اعتراف بفضله على بقاء النوع عضويا وعلى سموه روحيا لأنه ما من إبداع جمالي بقابل للفصل عن الجنس والمرأة. أبو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- ويمكن الآن أن اختم هذه المحاولة بالوصل بين هذين المعنيين اللذين أضفتهما لمفهوم الخلافة واللذين لهما صلة مباشرة بهذين التحريفين اللذين أصلحهما الإسلام لتحرير الإنسانية من تشويه سر الحياة كلها العضوية والروحية: • فآدم خليفة لأنه مؤسس الأسرة العضوية بعلاج أهم مشكل يتأسس عليه تكون الجماعات أعني تأسيس نظرية المحارم .فقد كان عليه أن يجد حل -ولا يهم إن كان ذلك لأنه لا يوجد إلى رجل وامرأة أي آدم وحواء ومن ثم فالأخ سيتزوج اخته حتما-بل لأن ذلك هو كذلك حتى لو كانت البشرية بدأت كثيرة الرجال والنساء لكن الجماعات كانت متفرقة ومن ثم فالقضية واحدة وهي قضية الانتقال من عدم وجود مبدأ المحارم إلى وجوده شرطا في توسيع العلاقات بين الجماعات. • ومحمد خليفة لأنه مؤسس الأسرة الروحية بعلاج أهم مشكل يتأسس عليه الانتقال من الجزئية إلى الكلية ومن صراع البشر إلى الاخوة البشرية (النساء )1ومن التمييز العنصري والطبقي والجنسي إلى المساواة بين البشر (الحجرات )13ومن ثم فمفهوم الإنسانية لم يبدأ إلا مع محمد. ولهذه العلة سميت المشروع القرآن \"استراتيجية التوحيد القرآنية (يعني توحيد الإنسانية) ومنطق السياسة المحمدية (يعني السياسة التي ليس فيها مقابلة بين داخل وخارج بل الأمر يشمل المعمورة كلها\" .ولما كان الأمر إذن متعلقا بالخلافتين الآدمية والمحمدية المؤسستين لشروط قيام الإنسان العضوية والروحية فإن الاكتفاء بذكر الرجلين من دون صاحبتيهما فيه تجن على الحقيقة كما وردت في القرآن وفي التاريخ الفعلي لتكوينية البشرية والحضارات الإنسانية .وإذا كان القرآن لم يذكر حواء ولا خديجة في استخلاف آدم ومحمد فليس لأنه يستثنيهما من الرسالة بل لأن دورهما مفروغ منه ولي على ذلك دليلان: • دليل الكلام على صاحبة خانت الرسالة زوجة نوح. • دليل الكلام على صاحبة عدو الرسالة زوجة فرعون. أبو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- وذلك يعني أن دور صاحبة الرسول و صاحبة عدوه الأول مذكور عندما يكون لذلك داع. أما عندما يكون الأمر مفروغا منه فلا داعي لذلك .والسكوت عن الدور المفروغ منه يعلله أن كلام على الرجل كلام عليه رب اسرة وليس كشخص إذ إن الوحدة في العمران البشري والاجتماع الإنساني هي ما لا يمكن من دون حده الأدنى تصورهما ممكنين :الحد الأدنى هو الزوجان وما بينهما من تفاعل في الاتجاهين .أما الاقتصار على ذكر الرجل دون المرأة فلأن القوامة في القرآن هي للرجال ومسالة الدور السياسي جزء من القوامة .ونحن نتكلم على الخلافة من القوامة بالمعنى السياسي. أبو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- خاتمة البحث تتعلق بالمعنى الذي وضعته الأمة والذي هو قياس على المعنى القرآني للاستخلاف .لكنه غير محدد بدقة لأنها استعملت بمعنى خلافة رسول الله .دون أن تحدد ما تخلفه فيه فيكون المعنى من جاء بعده ليحل محله في ما يقبل ذلك .لم يبق المستخلف منزلة وجودية هي خلافة الإنسان لربه في تطبيق شرعه وعبادته ولا يمكن أن يكون خليفة للرسول من حيث هو رسول يوحى إليه بل هو خلافة الجماعة في تطبيق ما ذكر به .وإذن فالجماعة هي المستخلفة وهي التي صارت صاحبة الأمر بمقتضى الآية 38من الشورى والتي شرطها أن تكون مستجيبة للرب وان تسير الأمر بالشورى بينها من أجل منع علة الاجتماع والسياسة أن تتحول من أصل التعاون للرعاية والحماية إلى تحوله إلى مصدر الصراع عليه .وذلك هو أصل التحريفات التي ترد إلى عاملين حددهما القرآن في آيتين: • النساء 1وهو عامل الأخوة البشرية :من نفس واحدة لهم رب واحد ورحم كلي واحد حتى لو تعددت تصورات الإله والارحام الجزئية. • الحجرات 13وهو عامل التعارف معرفة ومعروفا اساس للمساواة أمام القانون الذي هو المنزلة عند الله وهي حصر التمايز في التقوى. هذا المعنى لست متأكدا من أن واضعيه كانوا مدركين أن المستخلف هو الجماعة بدليل اعتبار الحاكم خليفة رسول الله وليس خليفة الأمة .ولا يمكن أن يكون الخليفة خليفة لمن لم يعد موجودا بمعنى الوريث وإلا لكان المعنى الأعم يفيد بأن آدم وريث الله والله لم يعد موجودا .ولذلك فهذا الغموض هو علة تخلي الفاروق عن هذا الاسم وفضل أمير المؤمنين لأن في ذلك إشارة واضحة لمعنى وأمرهم شورى .فأعاد الأمر إلى معناه الحقيقي أي إن الخليفة هو خليفة صاحبة الأمر أي الأمة التي استجابت لربها بالمعنى الذي يشمل الجماعة الجزئية والجماعة الكونية بالمعنى الوارد في النساء .1 أبو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- وستكون الخاتمة متعلقة بهذا المعنى الذي كان الخلاف حوله علة الفتنة الكبرى (شورى عامة أو وصاية لسلطة ذات حق إلهي في الحكم) وعلته الحالية هي الفتنة الصغرى (دين علمانية): .1ومعنى ذلك أن اغتيال عثمان علته العميقة هي الخلاف حول طبيعة النظام :شرعية عثمان كان مقدوحة من القائلين بالحق الإلهي في الحكم تحريفا لنظرية الدولة وأساس شرعية الحكم في الإسلام بين العائدين إلى التقاليد الفارسية ويمثلها حزب علي والعائدين إلى التقاليد الجاهلية ويمثلها معاوية وكلاهما وجد ضالته في الاغتيال. ومن ثم فالفتنة الكبرى بدأت يوم وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة عندما قال البعض منا أمير ومنكم أمير (التقاليد الجاهلية) وقال آخرون علي أولى بها بزعم أنه موصى به أو من بيت الحاكم السابق (التقاليد الفارسية والبيزنطية). ولذلك فكلمة رسول الله في الأجيال الثلاثة هي كلمة في الخلفاء الثلاثة الأول لأنهم هم الذين حققوا شروط تأسيس الدولة إذا اعتبرناهم فروعا ثلاثة عن الخلافة الكونية الأولى في القرآن المدني كما أسسها رسول الله نفسه بالمعنى الذي شرحت .وذلك هو جيل المرجعية الإسلامية في القرآن المكي كلهم أي صحابة الهجرة. .2وذلك هو أصل الأجيال الثلاثة التي تكلم عليه الرسول وهو لا يعني أن من أتى بعدهم ضال أو عليه أن يحاكيهم فلا يسهم في الإبداع التحقيقي لشروط تحقيق المشروع والارتقاء به إلى ما يقربه من مثاله الأعلى .لكن الأجيال الثلاثة كلهم من صحابة رسول الله. وهذه الثلاثة لا تعني التخلي عن المخمس .فالأصل هو المخمس الذي يكتمل بالعاملين الآخرين اللذين يجرى عمل الأجيال الثلاثة به اتباعا للمشروع (القرآن) والعينة التطبيقة منه (السنة) في مرحلتي مكة التي هي وجه التربية منه والمدنية التي هي وجه الحكم منه :وهما بعدا القرآن وبعدا السنة. فالقرآن هو الأصل الذي يتفرع إنجاز مشروعه إلى أربعة عوامل هي سنة الرسول في التربية والحكم ثم سنن الخلفاء في استكمال أركان الدولة الكونية بعد التأسيس المحمدي. أبو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- فمعنى السنة الوحيد الذي يستن بها المسلم هي سياسة الرسول لعالم الشهادة المشدودة إلى سياسة عالم الغيب كما يخبرنا بها القرآن الكريم اخبارا يستعمل فيه الإنسان وحدة قيس مع احتراز ليس كمثله شيء. فتكون الأجيال ثلاثة فعلا لأن الرسول لم يتكلم في هذه الإشارة على السنة بوصفها السياسة التي كان هو الخليفة فيها ولا على القرآن بوصفه المرجعية والأصل لأسس بعدي الدولة الكونية أي التربية الكونية والحكم الكوني .فتكون الأجيال بذلك حقا ثلاثة بعده: • الجيل الأول رمزه أبو بكر الصديق أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة الجغرافي أي الجزيرة العربية والشروع في الفتح علامة على معنى توحيد المعمورة تحت عنوان تحرير العباد من عبادة العباد بعبادة رب العباد :الصديق • الجيل الثاني رمزه عمر بن الخطاب أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة التاريخي بالتقويم الهجري .وهو الذي جعل الفتح سياسة تحقيق الدولة الكونية وتطبيق الآية 38 من الشورى بتحديد المستخلف عندما اختار اسم أمير المؤمنين بدلا من خليفة خليفة رسول الله. • الجيل الثالث والأخير في تأسيس سياسة عالم الشهادة بقيم الانشداد إلى سياسة عالم الغيب هو الصحابي الذي وحد المرجعية بتوحيد صحائف القرآن وبه اكتمل تأسيس دولة الإسلام الكونية :عثمان. والآن كيف وقع التحريف عن طريق حزب علي وحزب معاوية أو عن طريق التفريس والتعريب؟ ذلك أن الرجلين كان يمكن أن يحميا الخليفة الذي كانت تقواه تحول دونه وإحاطة نفسه بحراسة .لكنهما قانا قادرين على حمايته فعلي كان قريبا ومعاوية كان طائلا ولم يفعلا ما يعني أن لهما في ذلك غاية \"في نفس يعقوب\". فالأول كان من البداية غير راض عن الحل الذي توصلت إليه الجماعة بالبيعة .والدليل أنه لما سُئل عن السياسة التي سيتبعها رفض أن يواصل سياسة الشيخين ما يعني أنه كان أبو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- يعتقد في حل آخر غير حل انتخاب الخليفة بالبيعة الحرة لأنه كان يعلم أنه لا حظ له في التقدم عليهما .والدليل أنه لم يرض بعرض نفسه على البيعة لما اشترط عليه أن يتبع نهج الشيخين. والثاني لأنه سياسي محنك فكان ينتظر فرصة للانقضاض على الحكم بحجة تجعله مفضلا على علي الذي له السبق والقرب .فمعاوية لم تكن له الشرعية الكافية للوصول إلى الخلافة بالبيعة إذ يوجد من هم أسبق منه في الإسلام .فلم يتدخل في حماية الخليفة .ولا يمكن أن يكون جاهلا بضرورتها لمجاورته بيزنطة ولا ان يكون عاجزا دونها لأن المحيطين بالخليفة كانوا من أقربائه .والنتيجة أن الفرصة هي جبة عثمان والتظاهر بالغضب على الانقلابيين الذين اغتالوه. وإذا فالرجلان كانا مستفيدين من الاغتيال .لكن الثاني كان أذكى من الأول وأقرب إلى الحل المناسب لوضعية العرب لقربهم من البداوة أولا ومن تقاليد الجاهلية ثانيا .لكنه حافظ على شكليات الرؤية السنية كما مارسها الخلفاء الثلاثة الأول إذ حافظ على البيعة دون شرطها أي الحرية .ولم يغير نظرية الحكم بالميل إلى الحل الفارسي ولا البيزنطي بل غيرها بالميل إلى الحل القبلي العربي .فكانت دولة بني أمية. والآن كيف قست ما سميته بالفتنة الصغرى على ما يسمى بالفتنة الكبرى؟ فأما الفتنتان فهما في الحقيقة وجهان لنفس الرؤية التي تحرف معنى المرجعية المتعالية التي هي سياسة عالم الغيب مثالا أعلى لسياسة عالم الشهادة: • فالفتنة الكبرى نتجت عن جعل المثال الأعلى وكأنه متحقق في سلطة دنيوية هي الوساطة في التربية والوصاية في الحكم وهو التحريف الأول للمثال الأعلى الذي ينبغي أن يقود سياسة عالم الشهادة :الرؤية الثيوقراطية. • والفتنة الصغرى نتجت عن الخلط بين المثال الأعلى وتحريفه بخلق هذين السلطتين فنفته معهما وألغت حاجة سياسة عالم الشهادة إلى مثال أعلى هو سياسة عالم الغيب: الرؤية العلمانية. أبو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- والرؤية الأولى تسيطر على الفتنة الكبرى وهي تجعل المرجعية المثالية أو مثال سياسة عالم الشهادة الأسمى تتحول إلى سلطة الوساطة بين المؤمن وربه وسلطة الوصاية بين المؤمن وأمره فتؤسس لاستبداد التربية بسلطة الحق الإلهي في الوساطة الروحية واستبداد الحكم بسلطة الحق الإلهي في الوصاية السياسة :النظام الثيوقراطي. والرؤية الثانية تسيطر على الفتنة الصغرى وهي تجعل التحرر من سلطة الوساطة وسلطة الوصاية نفيا للمثال الأعلى المتعالي على الطبيعة والتاريخ فتصبح الطبيعة والتاريخ محددين لما يتعالى عليهما ما يجعل الأمر الواقع مثالا اعلى وتصبح الطبيعة والتاريخ الحكمين النهائيين فلا يبقى فرق بين الموجود والمنشود :النظام الانثروبوقراطي. وبهذين التحريفين اللذين هما نفس التحريف من وجهين متقابلين يتردى وضع الإنسان إلى الحرب الأهلية الدائمة التي هي مضمون دين العجل الذهبي أو الأبيسيوقراطيا: صراع حول معدنه وصراع حول خواره. فعندما يستعمل العلماني ما يسميه حقوق الإنسان الطبيعية فهو يستعمل مفهوما متناقضا. فالطبيعة لا تعترف إلا بقانون واحد هو قانون القوة وليس فيها حقوق لا طبيعية ولا غير طبيعية .فالحقوق والواجبات مفهومان قانونيان يصوغان معنيين خلقيين كلاهما ضروري لوجود الإنسان من حيث هو حر .فإذا نفينا المثال الأعلى المتعالي على سياسة عالم الشهادة صارت سياسة عالم الشهادة معيار نفسها أو مثال ذاتها الأعلى .وذلك هو التناقض. لا يمكن أن نقول في آن بأن للإنسان حقوقا وواجبات من دون افتراض أنه حر ومسوؤل وأن نزعم في آن أنه لا يوجد ما يتعالى على الطبيعة والتاريخ .فالطبيعة والتاريخ يصبحان خاضعين لقانون الضرورة ولا محل فيها للحرية ولا للحقوق والواجبات. وبذلك يتبين أن الرؤيتين اللتين تبدوان متعارضتين أي الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا وجهان لعملة واحدة نفهمها جيدا عندما نعلم أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا هما في الحقيقة ستار يتدرق وراءه دين العجل أي ربا الأموال (معدن العجل) وربا الأقوال (خوار العجل) .كلاهما يخفي علة التحريفين :ربا الأموال وربا الأقوال .ولهذه العلة فالقرآن أبو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- يركز عليهما حتى إن الله نفسه في الرؤية القرآنية يعلن الحرب على ربا الاموال ويعبر عن شديد مقته لربا الأقوال. ولا يوجد أحد اليوم سواء كان مؤمنا بالأديان أو بالفلسفات لا يدرك أن الإنسان عامة صار عبدا لربا الأموال ولربا الاقوال .ومن ثم فلا فرق بين سلطان الوساطة الروحية في الثيوقراطيا وسلطان الإعلام والملاهي في الانثروبوقراطيا-سلطان الخيال الأخروي أو الدنيوي بتوسط الإيديولوجيا .ولا فرق بين سلطان الحكم بالحق الإلهي وسلطان الحكم بالحق الاقتصادي بتوسط البنوك. عندنا الكنيسة والحكم بالحق الإلهي والإعلام الملاهي والحكم بالحق الاقتصادي .فيكون الجامع هو بعدا العجل أي: • العملة أو رمز الفعل :ومثاله ذهب العجل. • الكلمة وفعل الرمز :ومثاله خوار العجل. لذلك فلا عجب إذا رأينا الثيوقراطيا الصفوية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الكبرى والانثروبوقراطيا الصهيونية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الصغرى في حرب دائمة على الإسلام .فالأولى تنفي دلالة النساء ( 1الأخوة البشرية) والحجرات ( 13المساواة بين البشر) بعنصرية الأسرة المختارة لتكون وسيطة ووصية بالدين .والثانية تنفيهما بعنصرية الشعب المختار لتكون وسيطة ووصية بالعلمانية .وكلتاهما تتأسس على خرافات نتجت عن تحريف الأديان والفلسفات. ولما كانت العولمة التي أنهت حرية الإنسان وكرامته وأفسدت في الأرض وسفكت الدماء يدرك أصحابها أنه لا يوجد غير الاسلام يمكن أن يحرر الإنسانية منها ومن آثارها ومن الرؤيتين اللتين سيطرتا على الغرب في العصور الوسطى (بنظيرة الفتنة الكبرى) وفي العصر الحديث (بنظيرة الفتنة الصغرى) وكان الغرب يعتقد أنه سيد العالم ويريد أن يبقى سيدا للعالم فإنه يخشى من ثورة الإنسانية التي هي جوهر الإسلام :وتلك هي علة حربه عليه وسنده الدائم للصفوية والصهيونية في حربهما على الأمة. أبو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- وإذن فالجماعة هي المستخلفة وهي التي صارت صاحبة الأمر بمقتضى الآية 38من الشورى والتي شرطها أن تكون مستجيبة للرب وان تسير الأمر بالشورى بينها من أجل منع علة الاجتماع والسياسة أن تتحول من أصل التعاون للرعاية والحماية إلى تحوله إلى مصدر الصراع عليه .وذلك هو أصل التحريفات التي ترد إلى عاملين حددهما القرآن في آيتين: • النساء 1وهو عامل الأخوة البشرية :من نفس واحدة لهم رب واحد ورحم كلي واحد حتى لو تعددت تصورات الإله والارحام الجزئية. • الحجرات 13وهو عامل التعارف معرفة ومعروفا اساس للمساواة أمام القانون الذي هو المنزلة عند الله وهي حصر التمايز في التقوى. هذا المعنى لست متأكدا من أن واضعيه كانوا مدركين أن المستخلف هو الجماعة بدليل اعتبار الحاكم خليفة رسول الله وليس خليفة الأمة .ولا يمكن أن يكون الخليفة خليفة لمن لم يعد موجودا بمعنى الوريث وإلا لكان المعنى الأعم يفيد بأن آدم وريث الله والله لم يعد موجودا .ولذلك فهذا الغموض هو علة تخلي الفاروق عن هذا الاسم وفضل أمير المؤمنين لأن في ذلك إشارة واضحة لمعنى وأمرهم شورى .فأعاد الأمر إلى معناه الحقيقي أي إن الخليفة هو خليفة صاحبة الامر أي الامة التي استجابت لربها بالمعنى الذي يشمل الجماعة الجزئية والجماعية الكونية بالمعنى الوارد في النساء .1 وستكون الخاتمة متعلقة بهذا المعنى الذي كان الخلاف حوله علة الفتنة الكبرى (شورى عامة أو وصاية لسلطة ذات حق إلهي في الحكم) وعلته الحالية هي الفتنة الصغرى (دين علمانية): • ومعنى ذلك أن اغتيال عثمان علته العميقة هي الخلاف حول طبيعة النظام :شرعية عثمان كان مقدوحة من القائلين بالحق الإلهي في الحكم تحريفا لنظرية الدولة وأساس شرعية الحكم في الإسلام بين العائدين إلى التقاليد الفارسية ويمثلها حزب علي والعائدين إلى التقاليد الجاهلية ويمثلها معاوية وكلاهما وجد ضالته في الاغتيال. أبو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- ومن ثم فالفتنة الكبرى بدأت يوم وفاة الرسول في سقيفة بني ساعدة عندما قال البعض منا أمير ومنكم أمير (التقاليد الجاهلية) وقال آخرون علي أولى بها بزعم أنه موصى به أو من بيت الحاكم السابق (التقاليد الفارسية والبيزنطية) .ولذلك فكلمة رسول الله في الأجيال الثلاثة هي كلمة في الخلفاء الثلاثة الأول لأنهم هم الذين حققوا شروط تأسيس الدولة إذا اعتبرناهم فروعا ثلاثة عن الخلافة الكونية الأولى في القرآن المدني كما أسسها رسول الله نفسه بالمعنى الذي شرحت .وذلك هو جيل المرجعية الإسلامية في القرآن المكي كلهم أي صحابة الهجرة. • وذلك هو أصل الأجيال الثلاثة التي تكلم عليه الرسول وهو لا يعني أن من أتى بعدهم ضال أو عليه أن يحاكيهم فلا يسهم في الإبداع التحقيقي للمشروع .لكن الأجيال الثلاثة كلهم من صحابة رسول الله .وهذه الثلاثة لا تعني التخلي عن المخمس .فالأصل هو المخمس الذي يكتمل بالعاملين الآخرين اللذين يجرى عمل الأجيال الثلاثة به اتباعا للمشروع (القرآن) والعينة التطبيقية منه (السنة) في مرحلتي مكة التي هي وجه التربية منه والمدنية التي هي وجه الحكم منه :وهما بعدا القرآن وبعدا السنة. فالقرآن هو الأصل الذي يتفرع إلى أربعة عوامل هي سنة الرسول في التربية والحكم ثم سنن ا لخلفاء في استكمال أركان الدولة الكونية بعد التأسيس المحمدي .فمعنى السنة الوحيد الذي يستن بها المسلم هي سياسة الرسول لعالم الشهادة المشدودة إلى سياسة عالم الغيب كما يخبرنا بها القرآن الكريم اخبارا يستعمل فيه الإنسان وحدة قيسه مع احتراز ليس كمثله شيء .فتكون الأجيال ثلاثة فعلا لأن الرسول لم يتكلم في هذه الإشارة على السنة بوصفها ا لسياسة التي كان هو الخليفة فيها ولا على القرآن بوصفه المرجعية والأصل لأسس بعدي الدولة الكونية أي التربية الكونية والحكم الكوني .فتكون الأجيال بذلك حقا ثلاثة بعده: أبو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- .1الجيل الأول رمزه أبو بكر الصديق أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة الجغرافي أي الجزيرة العربية والشروع في الفتح علامة على معنى توحيد المعمورة تحت عنوان تحرير العباد من عبادة العباد بعبادة رب العباد :الصديق .2الجيل الثاني رمزه عمر بن الخطاب أي الصحابي الذي وحد مركز الدولة التاريخي بالتقويم الهجري :وهو الذي جعل الفتح سياسة تحقيق الدولة الكونية وتطبيق الآية 38 من الشورى بتحديد المستخلف عندما اختار اسم أمير المؤمنين بدلا من خليفة خليفة رسول الله. .3الجيل الثالث والأخير في تأسيس سياسة عالم الشهادة بقيم الانشداد إلى سياسة عالم الغيب هو الصحابي الذي وحد المرجعية بتوحيد صحائف القرآن وبه اكتمل تأسيس دولة الإسلام الكونية :عثمان. والآن كيف وقع التحريف عن طريق حزب علي وحزب معاوية أو عن طريق التفريس والتعريب؟ ذلك أن الرجلين كان يمكن أن يحميا الخليفة الذي كانت تقواه تحول دون وإحاطة نفسه بحراسة .لكنهما قانا قادرين على حمايته فعلي كان قريبا ومعاوية كان طائل. لكن الأول كان من البداية غير راض عن الحل الذي توصلت إليه الجماعة بالبيعة والدليل أنه لما سؤل عن السياسة التي سيتبعها رفض أن يواصل سياسة الشيخين ما يعني أنه كان يعتقد في حل آخر ليس البيعة لأنه كان يعلم أنه لا حظ في التقدم عليهما .ولم يرض كذلك أن يعرض نفسه على البيعة لما طلب منه أن يتبع الشيخين. والثاني لأنه سياسي محنك كان ينتظر فرصة للانقضاض على الحكم ولمن تكن له الشرعية الكافية للوصول إليه بالبيعة إذ يوجد من هم أسبق منه في الإسلام .فلم يتدخل في حماية الخليفة .والنتيجة أن الفرصة هي جبة عثمان والتظاهر بالغضب على الانقلابيين الذين اغتالوه. أبو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- وإذا فالرجلان استفادا من الاغتيال .لكن الثاني كان أذكى من الأول وأقرب إلى الحل السني حتى وإن لم يحفظ منه إلى الشكل فحافظ على البيعة لكنها لم تبق حرة .ولم يغير نظرية الحكم بالميل إلى الحل الفارسي ولا البيزنطي بل غيرها بالميل إلى الحل القبلي العربي .فكانت دولة بني أمية. وكيف قست ما سميته بالفتنة الصغرى على ما يسمى بالفتنة الكبرى؟ أما الفتنتان فهما في الحقيقة وجهان لنفس الرؤية التي تحرف معنى المرجعية المتعالية التي هي سياسة عالم الغيب مثالا أعلى لسياسة عالم الشهادة: .1فالفتنة الكبرى نتجت عن جعل المثال الأعلى وكأنه متحقق في سلطة دنيوية هي الوساطة في التربية والوصاية في الحكم وهو التحريف الاول للمثال الأعلى الذي ينبغي ن يقود سياسة عالم الشهادة. .2والفتنة الصغرى نتجت عن الخلط بين المثال الأعلى وتحريفه بخلق هذين السلطتين فنفته معهما وألغت حاجة سياسة عالم الشهادة إلى مثال أعلى هو سياسة عالم الغيب. والرؤية الأولى تسيطر على الفتنة الكبرى وهي تجعل المرجعية المثالية أو مثال سياسة عالم الشهادة الأسمى تتحول إلى سلطة الوساطة بين المؤمن وربه وسلطة الوصاية بين المؤمن وأمره فتؤسس لاستبداد التربية بسلطة الحق الإلهي في الوساطة الروحية واستبداد الحكم بسلطة الحق الإلهي في الوصاية السياسة. والرؤية الثانية تسيطر على الفتنة الصغرى وهي تجعل التحرر من سلطة الوساطة وسلطة الوصاية نفيا للمثال الأعلى المتعالي على الطبيعة والتاريخ فتصبح الطبيعة والتاريخ محددين لما يتعالى عليهما ما يجعل الأمر الواقع مثالا اعلى وتصبح الطبيعة والتاريخ الحكمين النهائيين فلا يبقى فرق بين الموجود والمنشود ويتردى وضع الإنسان إلى الحرب الأهلية الدائمة التي هي مضمون دين العجل الذهبي :صراع حول معدنه وصراع حول خواره. أبو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- وعندما يستعمل العلماني ما يسميه حقوق الإنسان الطبيعية فهو يستعمل مفهوما متناقضا. فالطبيعة لا تعترف إلى بقانون واحد هو قانون القوة وليس فيها حقوق لا طبيعية ولا غير طبيعية .فالحقوق والواجبات مفهومان قانونيان يصوغان معنيين خلقيين كلاهما ضروري لوجود الإنسان من حيث هو حر .فإذا نفينا المثال الأعلى المتعالي على سياسة عالم الشهادة صارت سياسة عالم الشهادة معيار نفسها أو مثال ذاتها الأعلى .وذلك هو التناقض. لا يمكن أن نقول في آن بأن للإنسان حقوقا وواجبات من دون افتراض أنه حر ومسؤول وأن نزعم في آن أنه لا يوجد ما يتعالى على الطبيعة والتاريخ .فالطبيعة والتاريخ يصبحان خاضعين لقانون الضرورة ولا محل فيها للحرية ولا للحقوق والواجبات. وبذلك يتبين أن الرؤيتين اللتين تبدوان متعارضتين أي الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا وجهان لعملة واحدة نفهمها جيدا عندما نعلم أن الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا هما في الحقيقة ستار يتدرق وراءه دين العجل أي ربا الأموال (معدن العجل) وربا الأقوال (خوار العجل) .كلاهما يخفي علة التحريفين :ربا الأموال وربا الأقوال .ولهذه العلة فالقرآن يركز عليهما حتى إن الله نفسه في الرؤية القرآنية يعلن الحرب على ربا الاموال ويعبر عن شديد مقته لربا الأقوال. ولا يوجد أحد اليوم سواء كان مؤمنا بالأديان أو بالفلسفات لا يدرك أن الإنسان عامة صار عبدا لربا الأموال ولربا الاقوال .ومن ثم فلا فرق بين سلطان الوساطة الروحية في الثيوقراطيا وسلطان الإعلام والملاهي في الانثروبوقراطيا-سلطان الخيال الأخروي أو الدنيوي بتوسط الإيديولوجيا .ولا فرق بين سلطان الحكم بالحق الإلهي وسلطان الحكم بالحق الاقتصادي بتوسط البنوك. عندنا الكنيسة والحكم بالحق الإلهي والإعلام الملاهي والحكم بالحق الاقتصادي .فيكون الجامع هو بعدا العجل أي: • العملة أو رمز الفعل :ومثاله ذهب العجل. • الكلمة وفعل الرمز :ومثاله خوار العجل. أبو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- لذلك فلا عجب إذا رأينا الثيوقراطيا الصفوية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الكبرى والانثروبوقراطيا الصهيونية وتوابعها من العرب ممثلين للفتنة الصغرى في حرب دائمة على الإسلام .فالأولى تنفي دلالة النساء ( 1الأخوة البشرية) والحجرات ( 13المساواة بين البشر) بعنصرية الأسرة المختارة لتكون وسيطة ووصية بالدين .والثانية تنفيهما بعنصرية الشعب المختار لتكون وسيطة ووصية بالعلمانية .وكلتاهما تتأسس على خرافات نتجت عن تحريف الأديان والفلسفات. ولما كانت العولمة التي أنهت حرية الإنسان وكرامته وأفسدت في الأرض وسفكت الدماء يدرك أصحابها أنه لا يوجد غير الاسلام يمكن أن يحرر الإنسانية منها ومن آثارها ومن الرؤيتين اللتين سيطرتا على الغرب في العصور الوسطى (بنظيرة الفتنة الكبرى) وفي العصر الحديث (بنظيرة الفتنة الصغرى) وكان الغرب يعتقد أنه سيد العالم ويريد أن يبقى سيدا للعالم فإنه يخشى من ثورة الإنسانية التي هي جوهر الإسلام :وتلك هي علة حربه عليه وسنده الدائم للصفوية والصهيونية في حربهما على الأمة. أبو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 46
Pages: