أبو يعرب المرزوقي re nils frahm الكذب المضاعف في القول بالمطابقتين المعرفية والقيمية الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 5 - -الفصل الثالث 9 - -الفصل الرابع 13 - -الفصل الخامس 16 - -الفصل السادس 20 -
-- بينت في الكلام على مخمس الرؤى التي تمثل الواحد الديني والفلسفي أنها جميعا تتفرع عن أصل واحد هو ما يترتب على علاقة الإنسان بما سميته المعادلة الوجودية التي تتألف من قلب يلتقي في الإنسان بربه مثبتا أو منفيا ثم حوله الطبيعة وما بعدها والتاريخ وما بعده ومنها يستمد الإنسان في هذه العلاقة كل رؤاه التي تترتب على رد ربه إليه أو رد ذاته إلى ربه سواء كان الرب مثبتا (عند المؤمن) أو منفيا (عند الملحد) .ومن ثم فالرؤى عند الجميع هي تلك التي أحصيتها ولا يوجد غيرها. ولما حاولت تعريفها وجدتها ترد إلى القول بالضرورة الشرطية في الطبيعة أو بنفيها وإلى القول بالحرية الشرطية في التاريخ أو بنفيها وفي حالة القول بهما أو في حالة نفيهما يكون الإنسان أمام سؤال طبيعة ما يتجاوزهما في حالة الإثبات فيقيسه عليهما خارجهما أو بالعكس في حالة النفي فيقيس نفسه على ما يفترضه ما وراءهما .وإلى هذه المعادلة يعود القول بالأديان والفلسفات أو بنفيهما والاستسلام إلى السيلان الأبدي للطبيعة والتاريخ .ولما كان ذلك يجعل الحياة مستحيلة فالمرء ينتهي إما إلى الغرق في مجرى الأحداث تاركا كل حياته للصدف إن كان نافيا بإطلاق أو إلى \"القضاء والقدر\" إن كان مؤمنا بإطلاق .وكل تخريف الوجوديين يعود إلى هذه القصة .فالوجودية المخلدة تعيش جحيم المسؤولية المزعومة التي تشبه قول المعتزلة بالحرية المطلقة لكأن النظام الطبيعي من صنع الإنسان الذي يتأله بزعم نفسه خالقا لأفعاله والوجودية المؤمنة تعيش سعادة الاستسلام المزعوم للأقدار وتشبه قول الجبرية بالجبر المطلق لكأن الإنسان عديم الاختيار والله هو الذي يفعل بدلا منه وهو متفرج على ما يجري .لكن الاول في الحقيقة مستسلم للصدف مع وهم السيطرة عليها وهو لا يسيطر على شيء والثاني مستسلم للصدف مع وهم الإيمان بأن غيره يدبر أمره فيصبح مثل الاول مستسلما للصدف لكنه بالقياس إلى الأول يمثل الغبي السعيد تمثيل الأول الغبي الحزين .ذلك أن التمييز بين الضرورة الشرطية واللاشرطية والحرية الشرطية واللاشرطية ليس اختياريا بل هو من جوهر كيان الإنسان .ففي الوجود الطبيعي ما لا نعلم أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- نظامه بل ونظامه لا نعلم علله وفي الوجود التاريخي ما لا نعلم سننه بل وسننه لا نعلم عللها .وما نعلمه في الحالتين قليل بالقياس إلى ما لا نعلمه .ومن ثم فكل الرؤى تتعلق بهذه العلاقة بين ما نعلمه وما لا نعلمه في المعرفة وبين ما نعلم قيمته وما لا نعلم قيمته في الأخلاق .ولهذه العلة فلو بقينا عند هذا الحد لما تجاوز كلامنا أحوال نفوسنا ولما استطعنا أن نتجاوز الشكوى من شرطيتنا العضوية والروحية التي هي ما يلازم الاولى من وعي بها بما حولها. والآن نصل إلى إشكالية الكذب المضاعف في القول بالمطابقتين: .1الكذب المضاعف في القول بالمطابة المعرفية يتمثل في وهم المطابقة مع حقيقة موضوع المعرفة ووهم المطابقة مع ما تعلمه الذات .وفي الحالة الأولى السؤال هو حول المسافة الفاصلة بين علمنا وموضوعه .وفي الحالة الثانية السؤال هو حول المسافة الفاصلة بين وعينا ولاوعينا في علاقتنا بعلمنا بموضوعنا .ولذلك تجد الوجودي الملحد (سارتر مثلا) لا يمكن أن يقول بوجود اللاوعي لأنه إذا شك في المطابقة الثانية مع الذات لا يمكن أن يواصل القول بالمطابقة الاولى مع الموضوع .وهو إذن ينبني كل رؤيته على شفافية مضاعفة ليس عليها دليل :شفافية الوجود للمعرفة وشفافية المعرفة لذاتها. .2الكذب المضاعف في القول بالمطابقة القيمية يتمثل في وهم المطابقة مع قيمة الأشياء والأفعال ووهم المطابقة مع تقييمنا للأشياء وللأفعال .ونفس السؤالين يتكرران بخصوص التقييم في علاقته بموضوعه وفي علاقته بذاته والمشكل هو الشفافية المزعومة لقيم الأشياء والأفعال والشفافية المزعومة للتقييم لذاته .فيكون هنا التشكيك في وجود عدم مطابقة مضاعفة مع القيمة الموضوعية إن صح التعبير ومع التقييم الواعي بذاته بمعنى الصادر عن وعي أو عن لا وعي من صاحبه. والحصيلة هي أن القول بالمطابقة المعرفية والقيمية حكما فكر الفلسفة القديمة والوسيطة وحكما فكر الدين القديم والوسيط وهو أمر يسير الاثبات من خلال فلسفتي أفلاطون وأرسطو اللتين لا تتميزان من حيث الرؤى إلا بما لا يمس القول بالمطابقة لأن مفارقة المثال أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- للممثول أو محايثته لا يغير من الأمر شيئا إذ كلا الموقفين يجعلان المثال والصورة كلاهما مطابق في مستوى المعرفة وفي مستوى القيمة .والمطابقة في الحالتين تكون مع الموضوع ومع الذات بمعنى أن العلم والتقييم صادقان بالمعيارين إذا قورنا بالموضوع وقورنا بما في ذهن العالم والمقيم أي إنه صادق في ما يقول وليس منافقا مثلا .ولا يعني ذلك أن كل عالم ولك مقيم صادق بالقياس إلى الموضوع وإلى ذاته فقد يكون كاذبا مع ذاته ومع الموضوع لكنه عندئذ لا يعتبر فيلسوفا أو متدينا .ولذلك فالفلسفي والديني كلاهما منبن على معيارين معرفي وقيمي .ولم يكن واردا في هذه الرؤية الكلام على كذب لا واع في القيمي مؤد إلى كذب لا واع في المعرفي مثلا بل كان الاول يعتبر نفاقا أو كذبا واعيا والثاني خداعا أي تزييفا لعلم فعلي بقصد الخداع. لكن هذا الوجه الثاني من الكذب في المستويين القيمي والمعرفي صار موجودا بالفعل في النكوص إلى القول بالمطابقة وذلك لتفسير عدمها ليس بكونه بالذات مستحيلا بل باعتباره ناتجا عن قصد واع أو غير واع ومثاله ما يسميه هيجل بمكر التاريخ وهو نوع من القصد اللاواعي في تطور الروح التاريخي وما يسميه ماركس بالإيديولوجيا وهو نوع من القصد اللاواعي لتزييف الحقيقة بسبب تزييف القيمة. ولذلك فما قبل الحداثة وما بعدها إن صح التعبير-وأسمي ما بعدها كل ما جاء بداية من هيجل وماركس -يتماثلان في القول بالمطابقتين المعرفية والقيمية لكنهما يختلفان في امرين: .1الأول انتقلنا من قياس المبدأ المتعالي إثباتا أو نفيا سواء كان إلها فلسفيا أو إلها دينيا على الإنسان إلى قياس الإنسان عليه. .2الثاني انقلنا من تعليل الفرق بين الموضوع وعلمه أو تقييمه وبين الذات ووعيها بعلمها أو بتقييمها إلى خطأ معرفي وخلقي غير مقصود إلى خطأ معرفي وخلقي مقصود حتى وإن لم يكن واعيا. وفي النقلة الأولى يقع الخلط بين خلق الإنسان لصورة الله على مقاسه إلى خلق الله نفسه بمعنى إلى القول إن الله ليس هو إلا صورته الإنسانية فيكون الإنسان هو الذي خلق الله أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- على صورته وليس الله هو الذي خلق الإنسان على صورته في الرواية القديمة التي دحضها ابن تيمية حتى بالاقتصار على الحجة اللسانية التي تقول إن الضمير يحيل إلى أقرب الاسماء التي وردت قبله :أي إن الله خلق الإنسان على صورة الإنسان وليس على صورة الله .وهذا الكلام يصح على عكسها لأن القول إن الإنسان خلق الله على صورته تعني أنه خلقه على صورة الله وليس على صورة الإنسان. وطبعا فهذا الكلام كله استعارات لأن القصد هو أن العلاقة بين قطبي المعادلة الوجودية -الله والإنسان-لا يمكن تغييرها في تلازمية ما أن تنفي أحدهما ينتفي الثاني وما أن تثبت أحدهما يثبت الثاني .ومن ثم فما هو على صورة الإنسان هو ما يكون على صورة الحرية الشرطية مع تحريرها من الشرطية .وعلى صورة الضرورة الطبيعة مع تحريرها من الشرطية .والتحرير من الشرطية في الحالتين يجعلنا أمام حريتين وطبيعتين :كل واحدة منهما مؤلفة من جزء يقاس على ما نعلمه منهما ونقيمه فيكون دائما شرطيا وجزء لا يقاس على ما نعلمه فيكون دائما لا شرطيا .فنصبح بهذا المعنى أمام حرية مطلقة وضرورة مطلقة وهما شيء واحد ولذلك فمفهوم الله سواء اثبتناه أو نفيناه فنحن لا نستطيع فهم الضرورة الشرطية والحرية الشرطية أي العالمين التاريخي والطبيعي من دون اللاشرطيتين .ومثلما حاولت الفلسفة القديمة والوسيطة (أفلاطون وأرسطو) استنتاج سنن الحرية الشرطية والتاريخ من الضرورة الشرطية والطبيعة عكست الفلسفة مابعد الحديثة وما تردت إليه في ما يسمى ما بعد الحداثة أو التعبير عن أحوال نفس الفشلة من الشعراء المقلدين لنيتشة (هيجل وماركس) فاستنجت من الحرية الشرطية والتاريخ الضرورة الشرطية والطبيعة. وسنرى أنه بمجرد أن نرفع الحكم في ما يتعلق بالمطابقتين المعرفية والقيمية نتخلص من الكذب المضاعف لأننا نكتشف علله فيصبح بالوسع الكلام على عدم المطابقة مع الموضوع معرفة وتقييما وعدم المطابقة مع المعرفة والتقييم معرفة وتقييما بمعنى أننا لسنا متأكدين من المطابقة حتى مع ذواتنا وسنرى علل ذلك في الفصول الموالية عند الكلام على ما يترتب على مخمس الرؤى في حالة التحرر من القول بالمطابقتين. أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- ولنبدأ بالكلام على الفرق بين المعرفي والقيمي والتراتب بينهما .فغالبا ما تكون المقابلة بينهما مقابلة بين ما يمكن فيه تحديد معايير للموضوعية وما لا يمكن .وحجة المقابلة يدعي اصحابها أن الأول فيه ما يمكن اعتباره مشتركا بين الأشياء (الكلي في موضوعات المعرفة) وبين الذاوات (ما تجمع عليه الذوات العارفة) .وضمن هذا الاحتجاج تقع الغفلة عن مطابقة ضمنية هي مصدر كل الاخطاء التي تحول دون فهم إشكالية الرؤى. وتتمثل هذه الغفلة في توهم المشترك بين الذوات العارفة مطابقا لما يعتبر كليا في موضوعات المعرفة بمعنى الكلي المقوم بلغة أفلاطون وأرسطو في القديم والوسيط وبلغة هيجل وماركس في ما بعد الحديث وما بعد الحداثة (وقد ميزت بين ما بعد الحديث وما بعد الحداثة بكون الثانية هي تردي الأولى بإلغاء المشكل من اصله وادعاء الاقتصار على ربوبية إنسانية منطوية على نفسها لا تخرج من شبكاتها كالعنكبوت) وليس بمعنى لا تناظر بين الرمز والمرموز عند المتواصلين حول عالم مجهول الطبيعة لما فيه من الغيب بلغة ابن تيمية وابن خلدون علة لعدم رد الوجود إلى الإدراك. وهذه المقابلة هي مقابلة بين العقل والإرادة .وهي مقابلة اهتم بها ديكارت مثلا فبين أن الثانية لامتناهية والاول متناه وأن مشكل المعرفة هي في كيفية سيطرة العقل على الإرادة في أحكامه .وسبق الغزالي إلى الإشكالية ولكن ليس بالمقابلة بين العقل والإرادة بل بين العقل والخيال .واعتبر مشكل العقل متمثلا في السلطان على الخيال .ولكن العلاجين الديكارتي (عقل إرادة) والغزالي (عقل خيال) يمكن أن نعمقه أكثر فندرك أنه متعلق بالجهات الوجودية :علاقة الحصول الوجودي الذي يبقى دائما محاطا بالإمكان سواء كان موضوع معرفة أو موضوع تقييم .ومن ثم نتجاوز المقابلة بين المعرفي والقيمي إلى مقابلة تشقهما كليهما إلى الحاصل من الممكن وبقائه ممكنا وعدم الحاصل منه وبقائه ممكن الحصول وكيف نميزهما عما نعتبره واجب الحصول وممتنع الحصول .ذلك أن الإمكان له معنيان محدود ولا محدود :فاللامحدود يقابل بين الممكن والممتنع فيكون الواجب جزءا منه أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- والمحدود ينحصر بين الواجب والممتنع .وهذا هو الذي يجعل مقابلة ديكارت بين العقل والإرادة ومقابلة الغزالي بين العقل والخيال قاصرة على علاقة هذه المقابلة بالرؤى الوجودية التي نريد البحث فيها. فلو لم يكن ديكارت والغزالي يعتقدان في المطابقة المعرفية والقيمية لأدركا أن مقابلتهما تعتبر العقل والإرادة أو العقل والخيال ما يوجد فيهما من صورة عن حقيقة الموضوع أو عن صورته يكفي فيه المنهج العلمي الذي يختاره الباحث حتى تحصل المطابقة فيكون المشكل مقصورا على تحرير المعرفة من هوى الإرادة أو من هيجان الخيال حتى تكون المعرفة والقيمة مطابقتين للموضوع ولقيمته. عندما ندرك أن العقل حتى لو تحرر من هوى الإرادة فإنه لن يكون حديدا بحد يجعله ينفذ إلى حقيقة الوجود الذي ليس شفافا كما يتوهم من يظن علة عدم المطابقة بين ما في الأذهان وما في الاعيان هي عيب في العقل نتج عن هوى الإرادة أو حتى بالمعنى الديكارتي عما للإرادة من لا تناه .كما أن عدم المطابقة ليست علته الخيال كما يعتقد الغزالي بل إن العلم بذاته ليس محيطا بالوجود وما يتجاوزه به الوجود ليست علته الخيال ولو كان الخيال لكان الخيال في هذه الحالة أصدق من العقل لأنه بما يتجاوزه به يبين له حدوده فجعله يتحرر من وهم المطابقة المعرفية .ونفس ما قلناه عن المطابقة والمعرفية واستحالتها الفعلية نقوله عن المطابقة القيمية واستحالتها الفعلية وهي أبين. والإشكال الآن بعد الاعتراف بعدم المطابقة وبكون ما يتجاوز به الوجود العقل ويتجلى بعضه في الإرادة (ديكارت) أو-و في الخيال (الغزالي) يجعل نظرية القيمة أوسع من نظرية المعرفة لأنها متعلقة بالإرادة والخيال اللذين يتجاوزان ما يتعلق به العقل في النظرية القائلة بالمطابقة الإشكال بعد ذلك هو في منزلة نظرية المعرفة بالقياس الوجود العيني ونظرية القيمة بالقياس إلى الوجود الذهني ما يعني أن التعلق بالوجود الذهني يرد المعرفة إلى القيمة باعتبارها تنتسب إلى أصل كل تقييم أعني الحرية الشرطية التي يناظرها في الوجود نظرية الجهات الوجودية. أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- فلو لم يكن الإنسان له القدرة على التمييز بين الممكن والممتنع والواجب لاستحال أن يقيم شيئا تقييما معرفيا فيميز بين الحقيقة والكذب وتقييما جماليا فيميز بين الحسن والقبح وتقييما خلقيا فيميز بين الخير والشر وتقييما فيميز بين شارطا لها ثلاثتها فيقيم بين الحر والمضطر وكل ذلك يرد إلى اساس هذه الأصناف الأربعة من القيم بوصفها فروعا منه أعني العلاقة بين الإنسان وما يتعالى عليه إثباتا أو نفيا لفهم ما يصله به من حيث علاقته بالطبيعة ومن حيث علاقته بالتاريخ وكلاهما من محددات كيانه العضوي والروحي .فيكون أصل كل القيم كيان الإنسان نفسه وهو معنى كونه خليفة بمعنى أن حضوره فيه ما يمثل الرموز التي ترمز إلى كل مبادئ الوجود والمنشود في المعرفة والقيمة. وحتى أوضح ذلك وضعت نظرية المعادلة الوجودية المؤلفة من العناصر التالية وهي تتسع وتضيق بحسب الإثبات أو النفي للعلاقة بين الإنسان وما يتعالى عليه في العلاقة المباشرة أو في العلاقة غير المباشرة: • ففي القلب من المعادلة نجد العلاقة المباشرة بين الإنسان وما يتعلى عليه إثباتا أو نفيا • وحوله على يمينه نحد العلاقة بالطبيعة وبما وراءها سواء اعتبر مفارقا أو محايثا • وحوله على يسارة نجد العلاقة بالتاريخ وبما ورائه سواء اعتبر مفارقا أو محايثا • ويلتقي الماوراءان فنعود إلى ما يشبه القلب ولكن بشكل غير مباشر أي بتوسط الطبيعة والتاريخ وحينها يمكن أن تضمر العلاقة إذ يمكن أن نعتبر ما وراء الطبيعة محايثا فيها وليس مفارقا وأن نعتبر ما وراء التاريخ محايثا فيه وليس مفارقا. وهذه هي الرؤى التي عرفتها الإنسانية في الفكرين الفلسفي والديني وهي الرؤى المشتركة بينهما وقد حصلت مرتين لا تختلفان إلا بالترتيب .ففي الاولى أي القديمة والوسيطة (فلسفة افلاطون وأرسطو) كانت الطبيعة وما وراءها اصلا للتاريخ وما ورائه ثم انعكس الأمر في ما بعد الحديثة وما بعد الحداثة (فلسفة هيجل وماركس) .وفي الحالة الأولى كانت أفعال ما يشغل محل الله أو عدمه مقيسة على العقل الإنساني أو عدمه ثم أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- عكست في الحالة الثانية فصارت أفعال الإنسان مقيسة على \"العقل\" الإلهي بمعنى أن الإنسان أو عدمه صار يشغل المحل الذي كان يشغله الله أو عدمه .وبذلك تجتمع الرؤى الأربعة الفرعية أي الضرورة الشرطية والحرية الشرطية والضرورة للاشرطية والحرية اللاشرطة وأصلها جميعا أي كيان الإنسان بما فيه من عقل وإرادة أو من عقل وخيال .لكن ذلك كله علته القول بالمطابقتين المعرفية والقيمية .ومعنى ذلك أن الرؤى تحصيل حاصل لأنها من البداية تزعم للإنسان ما ليس ثم تقيس ما يتعالى عليه ثم تعكس فتجعله هو المتعالي على ما عداه فيكون الإنسان بهذا التردد بين صورتيه عن ذاته منطويا على ذاته ولا يريد أن يخرج منها إما لأنه يعتبر عقال العقل مطلقا فلا يعترف بالإرادة والخيال فيرد الوجود إلى الإدراك .لكن المشكل هو أن الذين يعترفون بالإرادة والخيال -اي المتصوفة عامة -ينتهون إلى نفس الموقف لأنهم يطلقونهما فيعتبران ما يصلان إليه هو بدوره مطابقا في المعرفة(الكشف) والقيمة (الحلول أو الوحدة). أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- تبين أن الرؤى كلها تعود إلى أصل واحد هو الإنسان من حيث علاقته بما يتعالى عليه وما يتدانى عنه مباشرة في وعيه بذاته وفي وعيه بما بينه وبينهما من وسائط طبيعية أو تاريخية .وهو يعيش ذلك في كيانه وفي علاقات كيانه بما يشبهه مما يحيط به مما سيسميه طبيعة وتاريخا ومما سيبحث له فيهما عن تعليل كما يعيش ذلك في كيانه العضوي وما يدركه من تعبيراته التي يكون فيها متلقيا تلقيه للعالم المحيط به ثم بالتدريج يشعر بأن ما يتلقاه له في علاقته به هامش من تأجيل الاستجابة لما يبدو منه أوامر أو أخبارا عما يتطلبه قيامه العضوي أو قيامه الروحي الذي له علاقة بما يدركه من قيامه العضوي في علاقته بهذا السلطان الذي له على التعامل معه بما يمكن من فهم الفرق بين ما في كيانه من: • الضرورة الشرطية فيعتبره شبيها بالطبيعي في الأعيان المستقلة عن كيانه الذاتي. • والحرية الشرطية فيعتبره شبيها بالتاريخي في الأذهان قبل أن يصبح في الأعيان من كيانه الذاتي. ثم هو يعمم ذلك لينتج مفهوم الطبيعة ذات القيام المستقل عن كيانه ومفهوم التاريخ ذي القيام المستقل عن كيانه. فكيف يتكون المفهومان وكيف يبرز الفرق بين الضرورة الشرطية في الطبيعية وفي التاريخ والحرية الشرطية في التاريخ وفي الطبيعة أو كيف تتكون صورة الإنسان عن نفسه من حيث ما فيه من طبيعي وما فيه من تاريخي وعن عالمه الطبيعي والتاريخي المناظرين للمرسوم في كيانه من حيث هو ذو كيان عضوي مصحوب بوعي يتلقى منه أولا ومن عالمه بواسطته ثانيا ما يجعله ذا بعدين: • طبيعي ليس له سلطان على الكثير من أفعاله. • ووعي بهذا البعد الأول له على الكثير منه سلطان لأنه بعضه يأتمر بأمره في حدود معلومة. أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- وعندما يميز بين ما له عليه سلطان وما لا سلطان له عليه يكتشف أن سلطانه علته ما يترتب على الوعي بمجراه وما يتراكم حصيلة هذا الوعي حول علاقة ما له عليه سلطان بما يدرك شروطه فيبدأ في التمييز بين الضرورة الشرطية بمجرد أن يعلم شروطها فيصبح ذا سلطان عليها لسلطانه على شروطها مثل إسكات الجوع بالأكل والظمأ بالشرب إلخ... ويكون أول معرفة بالعلاقة السببية قلبا للعلاقة بين العلة والمعلول .فالعطش علة للوعي بالظمأ .لكن الوعي بالظمأ يعكس فيجعل علة العطش ما به يوقفه العلم بشرطه الناتج عن الوعي به الذي يتحول إلى وعي بالعلاقة بين سبب ومسبب خارج إرادته من حيث هو قانون لكنه قابل لأن يدخل في إرادته بما يحصل له من علم بتأثر العلة في المعلول فيكون تحت سلطانه بفضل ترجمة هذا الوعي بالعطش إلى فعل يوقفه بعمله على السبب وهي علاقة بين الأشياء وليست في الوعي بالعلاقة الذي هو الوعي بالحاجة إلى البحث عن العلاقة المؤثرة :وإذن فالحرية الشرطية هي تتعالى على الضرورة الشرطية بالوعي بالعلاقة الشرطية التي هي قانون مجرد علمه يمكن تغيير مضمونه مع المحافظة على القانون فيكون تغيير مضمون العلة لتغيير مضمون المعلول. تراكم هذه الأوعاء هو الذي يضاعف كيان الإنسان :الكيان العضوي ترجمان لذاته ولما حوله في علاقة بذاته وتراكم ترجماته هو التراث الجماع للخبرة والتجربة التي تصاغ في نظام تواصل معين في جماعة معينة قابل أن يستمد الخبرة من انظمة التواصل في الجماعات الأخرى وأن يمدها بخبرته وهو المعنى العادي للترجمة .فيكون وجود الإنسان ذات ارثين: عضوي وفيه كل الإنسانية من حيث كيانها العضوي لأن كل فرد هو حصيلة متوالية هندسية فهو ابن شخصين كل منهما ابن شخصين وتتوالى المتوالية الهندسية في ماضي الإنسانية. روحي وفيه كل الإنسان من حيث كيانها الحاصل من الأوعاء المتراكمة لأن كل وعي من حيث هو قدرة عضوية يتبع الأول ومن حيث مضمونه يتبع التراكم التراثي أو الإرث الإنساني الثاني والذي هو أيضا يجمع تراثات البشرية كلها لأن كل جماعة تكون في تواصل أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- سلمي او حربي مع من حولها سواء كان مساوقا لها في الوجود أو متقدما عليها ومن ثم فهي تأخذ من الجميع وتعطي للجميع حصيلة خبرتها أو تراكمات وعيها بوجودها وشروطه وهي في الحقيقة واحدة من حيث شروطها الكونية ومتعددة من حيث تعيناتها (مثلا الغذاء واحد كليا لكنه يتعين بحسب الجغرافيا والمناخ قبل أن يصبح قابلا للنقل والتصبير). ولأن الأمر كذلك وضعت نظرية التاريخ ذي الابعاد الخمسة وليس الثلاثة :فهو تاريخ الأحداث سواء كانت طبيعية أو تاريخية وتاريخ الأحاديث التي تدور حولها أو الأوعاء المتراكمة والمتعلقة بها وبالتعامل معها وتحديد دلالاتها ومعانيها .وهذا هما بعدا الماضي. لكن المستقبل يماثل الماضي ولكن بترتيب معكوس :فالأحاديث المتعلقة به متقدمة على الأحداث الجارية فيه .وبذلك نجد مفهومي التأويل بمعنى نقل الحدث إلى الحديث هو ترجمة من الفعل إلى الرمز والتأويل بمعنى نقل الحديث إلى الحدث هو ترجمة من الرمز إلى الفعل .وكل ذلك يجري في الحاضر الذي ليس كما يظن لحظة حالية بل هو ما يحيط بالماضي ببعديه وبالمستقبل ببعديه أي إن الحاضر بخلاف ما يظن ليس لحظة ذرية بين الماضي والمستقبل بل هو محيط بهما أي إن الماضي ببعديه والمستقبل ببعديه حاضران في الحاضر وهما يتفاعلان فيه وتفاعلهما فيه هم الحاضر الحي .فيكون هو الأصل والاربعة فروعه. وبذلك نكتشف أن ما يجري في المسارين الوراثيين العضوي أو الفعلي والروحي أو الرمزي في كيان الإنسان وفي ما حوله من الطبيعية والتاريخ رغم كونهما من \"طبائع\" مختلفة لأنهما متواصلان .لكننا لان ندري حقيقة \"الطبائع\" ولا حقيقة التواصل بالمعنيين أي الفعلي والرمزي بين الفعليين وبين الرمزيين وبين الفعلي والرمزي منهما ومع ذلك فالأمور \"ماشية\" .وهو ما يعني أن رؤية ابن تيمية حول المعاني الكلية بوصفها ليست مقومة للأشياء بل هي رامزة لها أقرب إلى وصف الامر أكثر من الزعم بأنها مقومة للأشياء .ذلك أنها تعود إلى فعلي التأويل الأول الذي ينقل الأحداث إلى الأحاديث في علاقة بالماضي التاريخي وبالطبيعة وهو ترجمة من الفعلي إلى الرمزي والثاني الذي ينقل الأحاديث إلى أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- الأحداث في علاقة بالمستقبل التاريخي والطبيعي وهو ترجمة من الرمزي إلى الفعلي. والنقل الاول هو الذي ينتج النظر أي العلمي والأدبي أو الفلسفي والديني والنقل الثاني هو الذي ينتج العمل أو هو التقني في الطبيعة والتاريخ وهو الخلقي فيهما. والفرق بين الفكرين الفلسفي والديني المتأثر به القديمين والوسيطين (أفلاطون وارسطو) -باستثناء الإسلام والمدرسة النقدية كما سأبين-يعتبران الترجمة الأصلية هي الاولى أي التي تؤول الأحاديث إلى أحاديث نظرية سواء كانت فلسفية أو دينية والترجمة الثانية التي تنقل الأحاديث إلى احداث هي الثانية وهي تابعة للأولى بمعنى أن التقنية والأخلاق تابعان للنظر الفلسفي والديني .لكن الفكرين ما بعد الحديث وما بعد الحداثي (هيجل وماركس) يعكسان فيجعلان الترجمة الاصلية هي التي تنقل الأحاديث إلى الأحداث بمعنى أن التقنية والأخلاق هما اللذان يستتبعان النظر الفلسفي والديني بمعن أن العمل والممارسة هي الأصل وليس النظر إلا من أدواتهما. لكن ذلك لو كان كذلك لاستحال أن نفهم حاجة الطبيعيات إلى الرياضيات أو ما سماه ابن تيمية بالمقدرات الذهنية النظرية وحاجة التاريخيات إلى ما قسته عليها وسميته بالأخلاقيات أو ما سميته بالأخلاقيات لأن دور هذه في التاريخيات من جنس دور تلك في الطبيعيات :كلتاهما بحاجة إلى نماذج تكون فيها المعرفة للطبيعيات والتاريخيات والقيمة لهما \"أولية وكلية ومحضة وبرهانية\" كما وصف ابن تيمية الأولى وهو وصف يصح على الثانية .وقد يظن الكثير أن العلوم النظرية في غنى عن الاخلاقيات وأن العلوم العملية في غنى عن الرياضيات .وهذا هو الخطأ الجسيم الذي ينتج عن وهم المطابقتين في المعرفة وفي القيمة. أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- ما حاولت وصفه من علاقة بين الحرية الشرطية والضرورة الشرطية هو الذي يسميه ابن خلدون التسخير أو الاستخلاف\" وأما الأفعال الحيوانية لغير البشر فليس فيها انتظام لعدم الفكر الذي يعثر به الفاعل على الترتيب فيما يفعل إذ الحيوانات إنما تدرك بالحواس ومدركاتها متفرقة خلية من الربط لأنه لا يكون إلا بالفكر ولما كانت الحواس المعتبرة في عالم الكائنات هي المنتظمة وغير المنتظمة إنما هي تبع لها اندرجت حينئذ أفعال الحيوانات فيها فكانت مسخرة للبشر .واستولت أفعال البشر على عالم الحوادث بما فيه (عالم الافعال الصادرة عن الحيوانات والواقعة بمقصودها ومتعلقة بالقدرة التي جعل الله لها عليها :ويقسمها إلى نوعين منتظمة لأنها ثمرة فكر وغير منتظمة لأنها ليست ثمرة فكر) فكان كله في طاعته وتسخره وهو معنى الاستخلاف المشار إليه في قوله تعالى \"إني جاعل في الأرض خليفة\" .فهذا الفكر هو الخاصة البشرية التي تميز بها البشر عن غيره من الحيوان .وعلى قدر حصول الأسباب والمسببات في الفكر مرتبة تكون إنسانيته .فمن الناس من تتوالى له السببية في مرتبتين أو ثلاث ومنهم من لا يتجاوزها ومنهم من ينتهي إلى خمس أو ست فتكون إنسانيته أعلى واعتبر ذلك بلاعب الشطرنج فإن في اللاعبين من يتصور الثلاث حركات والخمس التي ترتيبها وضعي ومن يقصر عن ذلك لقصور ذهنه\" (المقدمة الباب السادس الفصل :11في أن عالم الحواد الفعلية إنما يتم بالفكر). ما يستحق التعليق في النص خمسة عناصر ذات صلة بمبحثنا الذي أرجع الرؤى إلى ما في كيان الإنسان من علاقة بين بمسألة الضرورة الشرطية والحرية الشرطية: .1عدم الكلام على العقل بل على الفكر والذهن. .2اعتبار الفكر والذهن خاصية الترتيب في الافعال. .3اعتبار ذلك متصلا بالسببية .4اعتبار ذلك هو حقيقة الإنسان وبه تقاس درجة إنسانيته .5وصل ذلك بنظرية الاستخلاف والتسخير. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- ومن العنصر الأول أستنتج عدم حصر فاعلية الفكر في العقل بل هي أعم لأنها تكلمت على فعل الوصل بين العلة والمعلول والترتيب القصدي الذي قد لا يكون بالضرورة فعلا عقليا إلا إذا فهما بالعقل الفعل الإنساني المرتب وليس جوهرا يتجاوز الإنسان بالمعنى اليوناني للكلمة فينطبق على النظام عامة سواء كان ثمرة فكر ووعي أو حرية شرطية أو ثمرة ضرورة شرطية .ذلك أن ما يتجاوز نظام الافعال القصدية ينسبه إبن خلدون في هذا النص إلى تعلق بالقدرة الإلهية وهي أيضا لم ينسبها إلى عقل إلهي كما في الفلسفة اليونانية السابقة عليه .كما أن فعل الفكر الإنساني المرتب للأفعال بنظام الترتيب السببي يسميه ابن خلدون \"متعلقة بالقدرة التي جعل الله لها عليها\" .وهذه رؤية مختلفة تماما عن الرؤية اليونانية .وإذا ربطناها بما ورد في الفصل السابق من المقدمة المتعلق بعلم الكلام تبين أن هذه النسبة إلى الله لا تعني شيئا آخر غير الاعتراف بجهل أمرين: .1قانون السببية من كيث طابع التسلسل فيه هل هو متناه أو لامتناه .2طبيعة أثر السبب في المسبب ومن ثم التسليم بأن ذلك من المسلم به شرطا في الحرية الشرطية. ومن العنصر الثاني استنتج أن الرجل أستنتج أن ما يسميه الفكر والذهن هو إدراك الترتيب والتنظيم القصدي للأفعال التي للإنسان القدرة عليها وحصرها في الافعال لكن ترتيب الأفعال بقي مفتوحا ما يعني الافعال في كل شيء بما في ذلك الضرورة الشرطية وهو ما يفهمنا الوصل مع التسخير يعني تسخير الطبيعة والاستخلاف يعني السلطان على العالم وسمى ذلك \"استولت أفعال البشر على عالم الحوادث\" مستثنيا من العلم البسائط أو ما سماه \"بالذوات المحضة كالعناصر وآثارها والمكونات الثلاثة عنها التي هي المعدن والنبات والحيوان\" .وطبعا هذا الاستثناء كان صالحا في عصره لكنه لم يبق صالحا لأن تعلقها بالقدرة الإلهية ليس حجة كافية لاستثنائها من القدرة التي أعطاها الله للإنسان على الأقل في التحويل وليس في الخلق والامر. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- ما يصل الحرية الشرطية والضرورة الشرطية هو إدراك علاقة السببية وهو إذن ما يجعل الحرية الشرطية فوق الضرورة الشرطية لأن السببية هي قانون الضرورة الشرطية والوعي بها أو إدراكها هو شرط الحرية فيكون شرط الحرية العمل بشرط الضرورة. والعنصر الرابع هو الثوري حقا وهو تعريف الإنسان وتحديد درجات الإنسانية بالوعي بالعلاقة السببية من حيث هو سلطان على الوجود بالسلطان على قانون النظام فيها ما يعني أن الإنسان لا يعرف بالإدراك بل بثمرته التي هي هذه الفاعلية أي إن الإدراك ملازم للفعل الهادف إلى السلطان على موضوعه ليس بعلمه فحسب بل بالعمل فيه استنادا إلى قصد :فيكون القصد معبرا عن إرادة الغاية ويكون العلم أداة الوصول إلى الغاية وهنا نجد العلاقة بين الإرادة والعقل التي انطلقنا منها في كلامنا على ديكارت والعلاقة بين الخيال والعقل في كلامنا على الغزالي .وإذن فالمقدم هنا هو الإرادة والخيال وهما ما أبحث عنه لتأسيس التقدير الذهني الذي لا يكتفي بإدراك الاسباب في موجود سابق على إرادة إيجاده أو تخيله .فيكون للإنسان إرادة وخيال مقدرين ذهنيا شرطين في علم الطبيعة وفي علم التاريخ سواء كانا في الأعيان الخارجية أوفي كيان الإنسان نفسه. والعنصر الاخير لا يحتاج لمزيد التعليق يكفي أن أذكر بتعريف ابن خلدون للإنسان: \"رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\" .فرئيس بطبعه تحديد لخاصية كيانه العضوي الذي جعله ذا قدرة سلطانية وبمقتضى الاستخلاف الذي خلق له يعلل هذه الخاصية باعتبارها أداة لغاية هي حقيقة الإنسان كما وضعها القرآن .وهذا هو الواحد بين الفلسفي والديني :العلاقة بين النظر والعقد أداة وبين العمل والشرع غاية. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- ذكرت ما في نص ابن خلدون من علامات قد تقرأ قراءة أرسطية خاصة وهي تتعلق بما بين العمل والنظر ومن علاقات ووجوه شبه تكلم عليها أرسطو في أخلاق نيقوماخوس وفي ما بعد الطبيعة والتي محصلتها أن غاية الفكرة بداية العمل والترتيب السببي في الأفعال .لكني حاولت بيان العلامات الضديدة التي تدل على قطيعة فعلية مع المشائية لأن أساس كل هذا الشبه معها علته عدم التفطن إلى استناد الرؤية المشائية على المطابقتين واستناد الرؤية الخلدونية على نفيها الوارد في الفصل السابق على هذا الفصل أي الفصل العاشر من الباب السادس من المقدمة فصل علم الكلام .وفيه نحد فكرتين خاصة: .1أن السببية لا تعلم لا كما أي إنه من التسلسل اللامتناهي والتفرع اللامتناهي بمعنى أن كل شيء يفعل وينفعل مع كل شيء ومن ثم فاختيار التعليل فيه الكثير من التحكم. والسببية لا تعلم كيفا أي إننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة التأثير السببي وكل ما نلاحظه هو التصاحب بين أمرين نعتبر أحدهما علة والثاني معلولا دون أن نحدد بدقة طبعة التعليل وخاصة إذا تعلق الأمر بالحرية الشرطية لأن ما يتعلق بالضرورة الشرطية يبدو أكثر قربا للفهم لكون التصاحب مستقرا وفيه نوع من الانتظام الذي قد يجعلنا نعتقد أنه ليس بالصدفة. .2أن الاسس التي ننطلق منها في عملية الفكر المرتب للأفعال والممكن من السلطان على الأشياء والافعال هو بالأحرى من جنس الإيمان وليس من جنس العلم وهو إذن سلطان إيماني يؤسس لسلطان معرفي .والسلطان الإيماني ينتسب إلى التقييم وليس إلى المعرفة بمعنى أننا نرجح حكما على أساس عقدي وليس على أساس معرفي حقيقي .فيكون فعل الترجيح مقدما على فعل المعرفة بل هو شرطه .وهذه القدرة الترجيحية تنتسب إلى الإرادة والخيال وليس إلى العقل. ولهذه العلة فإن استعمال الفكر والذهن بدلا من العقل ليس بالصدفة بل هو كما حدث في النقلة النوعية التي حصلت في الفكر الحديث فيه قصد استبدال مفهوم العقل (ريزون) أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- بمعناه اليوناني بمفهوم أوسع هو الفكر (بونسي) كما يستعملها ديكارت في دليله على وجوده وهو مفهوم يشمل كل أفعال الوعي مثل أفعال الفكر التي يستعملها القرآن حيث يقتصر مفهوم العقل (مصدرا لعقل وليس جوهرا) بمعنى فهم اللسان خاصة ولكن فهم عامة وهو بالأحرى انفعال وليس فعلا. وما كنت لأطيل الكلام في هذه المسألة لولا علاقتها بالمطابقتين الكاذبتين مرتين في المعرفة وفي القيمة .فالمطابقة كاذبة إذ تدعي المطابقة بين المعرفة والقيمة وموضوعهما وكاذبة إذ تدعي أن صاحب المعرفة والتقييم مطابق لما يدعي معرفته وتقييمه وهو ما يعني درجة أولى من مفهوم اللاوعي في كل وعي أي إن وعيي بمعرفتي وبتقييمي ليس مطابقا لمعرفتي وتقييمي .وعدم المطابقة في الحالتين يمكن أن يكون قصديا وهو الكذب بالمعنى الخلقي فيكون الثاني نفاقا والأول خداعا أو بغير غير قصد فيكون الأول قصورا إما عرضيا أو جوهريا ويكون الثاني من جنسه أي عرضيا أو جوهريا .والعرضي يتعلق بما يقبل العلم أو التقييم وقصر العالم أو المقيم في فعله والجوهري هو ما لا يقبل العلم والتقييم المحيطين .وأكاد أقول إن العلم والتقييم المحيطين غير ممكنين في أي شيء. وفكر الفكر أو التفكر لا يقتصر على العقل بمعنى الفهم لأمر وكأنه بذاته ذو نظام وترتيب يتلقاه بل هو فعل للإرادة والخيال فيه الدور الأول بوصفهما أساسي الترجيح لاختيار العناصر ذات الاعتبار في موضوع المعرفة أو في موضوع التقييم وهذا يعني أن مضمون القضايا المعرفية أو القيمية هو بدوره حصيلة المواقف القضوية التي تؤسس لانتخاب العناصر التي تؤخذ بعين الاعتبار ليس لأنها مقومة -الله وحده يعلم ما المقوم-بل أنها الابرز في اظهار الوجه المناسب للعلاج. ولهذه العلة وصلت بين النظر والعقد لأن الترجيح حصيلة موقف قضوي من المضمون القضوي الذي ينتخب ليكون ممثلا لموضوع المعرفة أو القيمة. ولما كان النظر والعقد يتعلقان بسلطان على موضوع العلم أو موضوع التقييم فإن الغاية هي العمل والشرع محققي السلطان الفعلي على موضوع العلم الذي تم اختياره وترجيحه أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- في النظر بمقتضى الموقف القضوي في العقد من أجل تحقيق الغاية من العمل بشرع معين. والشرع هنا ليس القصد منه الشرع الإلهي بل ما يسميه الغزالي الانتقال من البراءة الأصلية أو النفي الأصلي إلى الوصف القيمي في التحسين والتقبيح اللذين ليسا عقليين عنده بل هما من جنس التوارد أو حساب المنافع والمضار إذا لم يكن من أصل عقدي ديني (راجع المستصفى) .والحصيلة التي ينتهي إليها ابن خلدون هو أن هذا السلطان أو الاستيلاء على الأشياء بالمعرفة والقيمة هما الاستخلاف أو حقيقة الإنسان الذي يعرفه بكونه \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\"( .المقدمة الباب الأول فصل 24في أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء)\" :وفيه (في علة فناء المغلوب) والله أعلم سر آخر وهو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له والرئيس إذا غلب على رئاسته وكبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه وري كبده وهو موجود في أخلاق الأناسي .ولقد يقال مثله في الحيوانات المفترسة وإنها لا تسافد إذا كانت في ملكة الآدميين .فلا يزال هذا القبيل المملوك عليه أمره في تناقص واضمحلال إلى أن يأخذهم الفناء\". وطبعا ابن خلدون لا يقصد فناء كيانهم العضوي بل يقصد فناء كيانهم الروحي أي فقدان الاستقلال والقيام الذاتي والذوبان في هوية روحية أخرى .ولولا هذا الدافع لما كان لبحثي في المسألة معنى :ذلك أن الأمة مهددة بما يشبه هذا الأمر وهو أنها -لو عم ما في أذهان نخبها المنفعلة بقشور الحداثة-لانتهت روحيا حتى وإن تكاثرت عضويا .والتكاثر العضوي مع الفناء الروحي قوة للغير وليس للأمة .فيمكن أن يصبح كل أهل المغرب الكبير جزءا من الثقافة الفرنسية إذا تواصل هذا الذوبان في الروحي في ثقافة فرنسا رغم أنها دون الثقافة العربية منزلة حتى في المقومات التي بني عليها التاريخ الحديث فضلا عن الوسيط وعلاقته بالقديم. والنظر والعقد للعلم والعمل والشرع للقيمة كلاهما تجهيز فيه الفطري وفيه المكتسب وللفطري والاكتسابي مصدرا وراثة الأول هو الوراثة العضوية والثاني هو الوراثة أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- الثقافية أو الرمزية .وقد حاول ابن خلدون أن يؤسس الكل على أثر العلاقة بين العضوي والطبيعي في العالم بمعنى أن العضوي الوراثي له علاقة بالغذاء والمناخ مثلا وحاول أن يرد الروحي أو الثقافي إلى هذه العلاقة .وقد وصل ذلك بمفهوم \"نحلة\" العيش وجعل الكل تاريخيا دون أن يزعم أن الحرية الشرطية قابلة للرد إلى الضرورة الشرطية ودون أن يزعم الإحاطة بل هو اجتهاد مبني على الترجيح من خلال ملاحظة الموجود وتوقع قابلية طرده في توقع مآل التطور فيه وخاصة دور تغير \"نحلة\" العيش وقد حدد مراحلها وخاصة البداية والغاية :والبداية هي الخصاصة وسلطان الطبيعة والنهاية هي الترف وسلطان الثقافة لكن المحدد يبقى الاقتصادي والاجتماعي ومن ثم نعود إلى نوعي التقدير الذهني الرياضي للأول والخلقي للثاني .وقد خصصت عدة محاولات لدرس الظاهرة في علاقة بما سميته المائدة والسرير وفنيهما من حيث الشرط العضوي للغذاء والجنس والروحي لفن المائدة وفن السرير. والحصيلة التي ستكون مادة الخاتمة بعد هذا الفصل الاخير تتعلق بشرط الخروج من المطابقتين الكاذبتين :ما يفعل في الفكر الإنساني وما به تتحدد الرؤى الوجودية ليس العقل بل هو علاقة العناصر القيمية الخمسة التي تظن مقومات لكيان الإنسان أي الإرادة وهي أساس كل سياسة والعلم وهو أساس كل تقنية والقدرة هي أساس كل إبداع اقتصادي وثقافي والحياة وهي أساس كل ذوق والوجود وهو أساس الرؤى الدينية والفلسفية وما نسميه عالما دنيويا هو حصيلة فعلها من حيث هي بنية واحدة ولا نستطيع تحديد دور أي منها بمعزل عن البقية .وهو ما يعني أنها كلها استراتيجيا سياسية لتحقيق إرادة على علم بقدرة تبدع شروط البقاء العضوي والروحي على ذوق وبرؤية .انتهى الفصل الخامس والاخير وتليه الخاتمة. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- وهكذا فقد تبين ان الأمر كله استراتيجيا حيوية بمعنى أن المعرفة والقيمة كلتاهما من شروط حياة الإنسان من حيث هو مستعمر في الارض ومستخلف فيها في الرؤية القرآنية. والقول بالمطابقتين المعرفية والقيمية يمثل مرحلة أولى من الوعي الإنساني بمنزلته في الكون ومن ثم بذاته في إنجازها فردا وجماعة لشروط بقائها مترددة بين النظر والعقد اساسين للمعرفة والعمل والشرع أساسين للقيمة .والأولان من أدوات الاستراتيجيا والثانيان من غاياتها .ولما كانت الاستراتيجيا لا تكون بحق ناجحة إلا بشرط ألا تدعي الإحاطة حتى تبقى على الحذر الضروري لحصول اللامتوقع فإن الضرورة الشرطية والحرية الشرطية لا تكفيان بل لا بد من تصور ضرورة غير شرطية وحرية غير شرطية إما معا أو باختيار إحداهما .فتكون الرؤى من ثم اثنتين للضرورة والحرية الشرطيتين واثنتين للضرورة والحرية غير الشرطية: .1رؤية طبعانية شرطية :أرسطو .2رؤية تاريخانية شرطية :ابن خلدون .3رؤية طبعانية لاشرطية :وهي مضاعفة الإيمان بالعناية الإلهية أو بالصدفة .4رؤية تاريخانية لا شرطية وهي مضاعفة بالعناية الإلهية أو بالصدفة. .5رؤية الرؤى وهي اللاأردية في ما يتجاوز الاولى والثانية وهي الموقف الأسلم وفيها يكون الإيمان بالقضاء والقدر لا يختلف عن الإيمان بالصدفة والاعتراف بأن المعرفة والقيمة كلتاهما أداتين استراتيجيتين إنسانيتين ليس لهما أي إمكانية لتجاوز هذه النسبية إلى الإنسان وصورته عن نفسه وعما يتعالى عليها أو يتدانى دونها. لست غافلا عن الاعتراض بالقول كيف عرفت عدم المطابقة؟ ومن قال لك إن معرفتك بها مطابقة حتى تكون حقيقة .وعدم غفلتي عن هذا الاعتراض علتها أني أنا نفسي سبق أن اعترضت على مقابلة كنط بين الظاهرات والأشياء في ذاتها .لكن اعتراضي على مقابلة أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- كنط وجيه والاعتراض على المقابلة بين المطابق وعدم المطابق غير وجيه .فالمقابلة بين الظاهرات والحقائق في ذاتها يفترض المطابقة رغم أنها تبدو منافية لها بحصر المطابقة مع الظاهرات ونفيها عن الحقائق .لكني ليست واثقا من أنه توجد ظاهرات واحدة ولا حقائق واحدة إذ يمكن أن توجد مستويات من الحقائق مختلفة بحسب مدركها فيكون ما ظنه كنط ظاهرات وقابله بالحقائق علته أنه يعتقد أن الحقائق واحدة ومن ثم فهي غير ما يظهر منها للإنسان .لكن ماذا لو كانت الحقائق بعدة المدركين لها. وهذا هو معنى عدم المطابقة الذي أتكلم عليه .فما يدركه الإنسان ليس مطابقا لحقيقة مدركها يكون محيطا بكل ما يمكن أن تكون عليه الحقائق بالنسبة إلى كل الموجودات التي في العوالم الممكنة وهو معنى الله :فالله في المقابلة بينه وبين الإنسان هو صاحب الإرادة المطلقة والعلم المحيط والقادر على كل شيء ومطلق الحياة ومطلق الوجود .ولا يعني ذلك أن افرضه على من لا يؤمن به لأني اعتقد أن من لا يؤمن به في نفس الموقف الذي عليه المؤمن به والفرق بينهما أن الأول يثبته والثاني ينفيه .ومعنى ذلك أن الملحد يوجد في هذه المسألة في نفس الوضعية التي عليها المؤمن والفرق الوحيد هو الأول ينسب ما يجهله للعلم المحيط والعناية الربانية والثاني ينسبه إلى الصدف ونفي العناية الربانية .فيكون بذلك قد أثبت ما يعترض عليه وهو أنه لا يمكن أن يدعي أنه يعلم كل شيء أو أن يدعي أنه لا يوجد إلى ما يعلمه بل مجرد كونه يؤمن بالصدف يعني أنه يؤمن بأنه يوجد ما لا يعلمه ويميز بين ما يعلمه وما لا يعلمه. الاعتراض على المقابلة مطابق غير مطابق تثبت نفسها لأنها سواء اعتبرت مطابقة أو غير مطابقة فهي تثبت عدم المطابقة .وهذا هو المطلوب أعني أن المطلوب هو بيان أن الإنسان يعلم أن علمه غير مطابق فيفترض العلم المطابق لغيره وعندما يزعمه لنفسه فهو يتأله إما بالاستبداد السياسي ومثاله فرعون أو بالاستبداد المعرفي ومثاله القول بالكشف الصوفي أو بالعلم العقلي الذي كانت الفلسفة القديمة والوسطية تقول به عندما تدعي أن الراسخين في العلم عليهم أن يؤولوا ما يسمونه نقلا إلى ما يعلمه العقل لأن الحقيقة حسب أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- زعمهم واحدة .وينسون أن القرآن لا يعتبرها واحدة وهو يحصر العلم المحيط في الله وحده سواء آمنا به أو كفرنا به كما بينت .وحتى أولئك الذين يزعمون أن القرآن فيه علم بالغيب يكذبون أولا لأن الرسول يعترف بأنه لا يعلم الغيب وهو الرسول المكلف بتعليمه فيكون قد كلف بتعليم ما يجهل وثانيا لأن القرآن رسالة للإنسان من حيث هو مكلف بتعمير الارض والاستخلاف فيها فيكون قد كلف بما لا يمكن أن يعلمه لأن القرآن يقول إن الغيب لا يعلمه إلا الله .وأخيرا فالرسالة تفقد معنى الرسالة إذا كانت غير قابلة للفهم من المرسل إليه .ولذلك فما في القرآن كله قابل للعلم في ما يقبل العلم وما فيه من غيب هو ما في كل الموجودات من غيب مثل حقيقة فعلي الخلق والأمر بكن .وكل محاولة للتأويل تدعي فهم كلام القرآن على الذات الإلهية بقيسه على الإنسان متنافية مع القرآن الذي يقول ليس كمثله شيء .والإنسان لا يعلم أي شيء من حيث هو شيء منفصل عن غيره من الأشياء بل هو يعلم ما بين الأشياء من علاقات لها صلة بشروط قيامه العضوي أو الروحي فردا وجماعة وعلما وتقييما نسبيين وليس مطابقا لا غير .ولهذه العلة فهو لا يعمل حقيقة ذاته فضلا عن حقيقة ولا قيمة ذاته فضلا عن قيمة أي شيء آخر كل ما يعلمه ويقيمه هو اجتهاد حكمه النهائي يوم الدين عند من يعلم السرائر إن كان مؤمنا به أو القول بأنهما غير معلومين على الاقل في ما لا يستطيع الإنسان اثبات المطابقة فيه .واثباتها مستحيل لأن كل ما نعلمه اليوم قد يتبين غدا أنه كان جهلا أو ظنا وليس علما. انتهت الخاتمة والمحاولة. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 26
Pages: