Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore سبر الآراء وصناعة البالونات السياسية - أبو يعرب المرزوقي

سبر الآراء وصناعة البالونات السياسية - أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2019-08-14 18:03:33

Description: سبر الآراء وصناعة البالونات السياسية - أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪re nils frahm‬‬ ‫سبر الآراء‬ ‫وصناعة البالونات السياسية‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬ ‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثاني ‪4 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الثالث ‪8 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الرابع ‪11 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل الخامس ‪15 -‬‬ ‫‪ -‬الفصل السادس ‪18 -‬‬

‫‪--‬‬ ‫تكلمت أمس على سبر الآراء المفيد لاعتماده على المنهج التاريخي والرياضي‪ .‬وكان هدفي‬ ‫فهم ما يجري في تونس ‪-‬وقيس عليه أي بلد عربي أو غير عربي‪-‬اعتمادا على تكوينية‬ ‫قواها السياسية وأوزانها للتخلص من صناعة شخصيات سياسية بالإشهار المعتمد على سبر‬ ‫الآراء‪ .‬فغالبا ما يكون هذا العمل ساعيا إلى الترويج لمن هم فاقدون لشرطي الفاعلية‬ ‫السياسية أعني القاعدة الشعبية والخصائص الذاتية لقيادة الشعوب وخاصة في المراحل‬ ‫الصعبة التي من جنس ما نعيش‪ .‬وطبعا يمكن أن يطرأ ظهور شخصيات سياسية فجأة لم‬ ‫يتوقعها أحد‪ .‬لكن ذلك من الأمور النادرة وهي على كل حال لا تكون مفاجئات خارج الوضع‬ ‫الثقافي للجماعة وما حولها في الإقليم وخاصة في تقاليد الجماعة السياسية والاقتصادية‬ ‫والاجتماعية ما لم يكونوا مسلطين عليهم قوة قاهرة من خارجهم كما يحصل بسبب التدخل‬ ‫الاستعماري‪.‬‬ ‫صنفت القوى السياسية بمنطق تاريخي انطلاقا من وصف المسرح السياسي وصفا حاولت‬ ‫فيه أن أكون أقرب ما يكون للحياد والموضوعية وصفه كما تكون خلال القرن الذي عرف‬ ‫مفهوم الحزب بالمعنى الحديث أي من تكوين الحزب الحر الدستوري ‪ 1920‬إلى اليوم حيث‬ ‫صار لتونس ‪ 220‬حزبا وحزيبا‪ .‬وانتهيت إلى أن مشكل تونس الحالي هو مآل فرع البورقيبية‬ ‫من الحزب الأول التي تأسس في تونس وما قد يؤول إلى فرع الثعالبية بنفس المنطق منه‬ ‫وبالعدوى كذلك من فقدان للرسالة الأصلية التي تأسس عليها ومما يطال أي حزب من‬ ‫طرفي مرض الاحزاب العقدية أعني تضييق حريات الفكر وتوسيع حريات الانتهاز‪.‬‬ ‫وهدف المحاولة هو الاقتصار على الفرع الأول الذي أدعي أن لي به معرفة أعني فرع‬ ‫البورقيبية من المسار المضاعف للحزب الأول الذي تكون في تاريخ تونس‪ .‬لكني لا ادعي‬ ‫المعرفة بما يجري في فرع الثعالبية الذي أجهله تماما‪:‬‬ ‫أولا لأن الإسلاميين الحاليين لم يعرفوا أنفسهم بالثعالبية‪.‬‬ ‫وثانيا لأن علاقتي بهم لم تكن عضوية كما كانت علاقتي بالبورقيبيين‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫فعلاقتي بالبورقيبية لها معنيان الانتساب إليها في بعض مراحل حياتي والانتماء إلى‬ ‫مدرستها السياسية حتى عندما التحقت بمن خرج عنها إما ضمينا أو رسميا‪ .‬فقد كانت لي‬ ‫ميول مشتركة مع العلاج الوطني وبعيد النظر الذي كان المرحوم مزالي يسعى إليه للتحرر‬ ‫من هيمنة حزب فرنسا اقتصاديا (الانفتاح على افريقيا وآسيا) وثقافيا (التعريب الذي‬ ‫يتجنب مؤامرة تخريبه لاتهام التعريف كما يحصل حاليا في المغرب) وسياسيا (الانفتاح‬ ‫الديموقراطي)‪ .‬وهو خروج ضمني عن البورقيبية ويمكن اعتباره أول محاولة للصلح بينها‬ ‫وبين الثعالبية‪.‬‬ ‫ثم الانتساب إلى حركة الديموقراطيين الاشتراكيين ولم اترك الحركة إلا بعد تأكد ما‬ ‫توقعته من خيانات من تركوه وانضموا إلى حزب ابن علي وكنت قد عبرت عن بعض‬ ‫شكوكي للأستاذ أحمد المستيري الذي كان شديد الفرح بانضمامهم إليه قبل انقلاب ابن‬ ‫علي وخاصة من صاروا من كبار وزرائه ومستشاريه‪.‬‬ ‫وهذه مقدمة سأكتفي فيها بتحديد خطة المحاولة التي ستكتفي بالكلام على خمس ومضات‬ ‫قصيرة حول ما أعرفه عن مآل فرع البورقيبية في القيادات مع إشارة سريعة لما حصل في‬ ‫القاعدة الشعبية من ثبات لم يفسد إلا في مرحلة ابن علي ومرحلة السبسي‪ .‬فالقاعدة‬ ‫الشعبية لم تكن تفهم معنى الحزبية بسبب انعدام التعددية بحيث إن الحزب يعني الدولة‬ ‫ويعني الوحدة الوطنية ويعني الحكم كما هي العادة في حضارتنا من أكثر من ‪ 14‬قرنا‬ ‫وكذلك الحال في كل بلاد العرب والمسلمين‪ .‬لذلك فالومضات تتعلق بالنخب الحاكمة وكيف‬ ‫تلغي النخب المعارضة إما بالاستيعاب أو بالاستثناء بالقتل أو بالنفي لأنه بيدها ليس‬ ‫السياسي في حسب بل وكذلك الاجتماعي والسيطرة على الأرزاق فلا يبقى إلا العمل السري‬ ‫والانقلابي ممكنين‪.‬‬ ‫وسأخصص محاولات وجيزة للكلام على هذه الومضات الخمس في فصول متوالية لأختمها‬ ‫بدور ذلك في مستقبل تونس وحتمية علاجه قبل أن يصبح الفرع الثاني من الحركة‬ ‫الوطنية أو ما يمكن أن يصبح ثعالبية بما يسمى تونسة حركة النهضة معرضا لنفس المسار‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫‪ .1‬الومضة الاولى‪ :‬الحرب الاهلية الأولى بين بورقيبة وابن يوسف‪.‬‬ ‫‪ .2‬الومضة الثانية‪ :‬الحرب الأهلية الثانية بين الحزب والاتحاد (عاشور)‪.‬‬ ‫‪ .3‬الومضة الثالثة‪ :‬محاولة التحرر من حزب فرنسا ومن الاستبداد (مزالي)‪.‬‬ ‫‪ .4‬الومضة الرابعة‪ :‬كذبة الانقاذ الأولى أو انقلاب ابن علي على البورقيبية‬ ‫‪ .5‬الومضة الاخيرة‪ :‬كذبة الانقاذ الثانية أو انقلاب السبسي على البورقيبية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كما أسلفت أخصص أولى الومضات الخمس للحرب الاهلية الأولى التي نتجت عن الخلاف‬ ‫بين بورقيبة وبان يوسف‪ .‬وكما بينت في كلامي على ابعاد التاريخ فإنه يكتب دائما بمنطق‬ ‫الحاضر إذ يراجع أحداث الماضي وأحاديثه ويصوغ أحاديث المستقبل استعدادا لأحداثه‪.‬‬ ‫لا يوجد كلام في التاريخ من دون \"هاينسايت\" أي النظر إلى الماضي بما صار معلوما بعده في‬ ‫الحاضر من دون \"الفورسايت\" أي النظر الذي فيه توقع ما للمستقبل الذي يبدو وكأنه قد‬ ‫ما صار شبه حاضر منه‪.‬‬ ‫وسبق أن تكلمت على الخلاف وبعض نتائجه المباشرة علي في طفولتي‪ .‬ما سأتكلم عليه‬ ‫أمر آخر وفيه مسألتان‪:‬‬ ‫ليس صحيحا أن الخلاف بين بورقيبة وابن يوسف علته تأثر الثاني بالناصرية بعد‬ ‫باندونج‪ .‬بل الخلاف علته الامتحان الذي يحصل دائما في كل حركة مقاومة وصلت إلى‬ ‫الحسم السياسي فيكون موضوعه خيارات الحسم بالقياس إلى ما تحقق من مطالب النضال‪.‬‬ ‫فابن يوسف لم يكن قوميا وإسلاميا أكثر من بورقيبة بالمعنى التقليدي ولم تكن القومية‬ ‫بالمعنى الناصري قد صارت عاملا مؤثرا في أي منهما بل كانا يعملان بمنطق لا يختلف عن‬ ‫الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي وفيها شيء من عروبة الجامعة التي احتضنت المغاربة‬ ‫في القاهرة‪.‬‬ ‫لكن ساعة الحسم تعيش كل حركات المقاومة الانقسام حول تقييم ما توصلت إليها‬ ‫المفاوضات مع العدو‪ .‬وعندئذ يتبين من كان بحق مخلصا لأهداف المقاومة ومن كان يبحث‬ ‫عن حل سريع يوصله إلى غاياته حتى لو كان ذلك على حساب الأهداف التي كانت تطلبها‬ ‫المقاومة‪ .‬عندئذ حصل التمييز بين حزب فرنسا وحزب الوطن الحقيقي‪ .‬وقد تبين لنا‬ ‫جميعا ذلك خاصة بعد الثورة وعندما تم الاطلاع على الاتفاقيات التي رفضها ابن يوسف‬ ‫وقبلها بورقيبة واعتمد لفرضها على فرنسا والاتحاد العاشوري‪ .‬فكان إذن اغتيال حشاد من‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الاتحاد من جنس اغتيال ابن يوسف من الحزب‪ .‬كلاهما كان من تدبير فرنسا وعملائها في‬ ‫الحزب وفي الاتحاد‪.‬‬ ‫وهاتان المسألتان هما ما يمكن أن يفهمنا تطور تاريخ تونس البورقيبية أو تقاسم السلطة‬ ‫بين الحزب والاتحاد ثم الاندماج بينهما في مرحلة ابن صالح وعاشور إلى حدوث الصدام‬ ‫بين الحزب والاتحاد في السبعينات لما امتدت يد الاتحاد إلى \"الزنبيل\" أي إرادة عاشور‬ ‫الوصول إلى رئاسة الدولة‪ .‬وهذه هي الومضة الثانية التي سنتكلم فيها‪.‬‬ ‫فلنواصل الكلام في الومضة الأولى‪ .‬فقد كان لي فيها موقف لعل الأستاذ احمد بن صالح‬ ‫أمد الله في عمره يذكرها‪ .‬ففي إحدى الليالي حصل لقاء لنا بعض طلبة دار المعلمين‬ ‫المنتسبين إلى الحزب معه في دار المعلمين العليا في كلية ‪ 9‬أفريل حيث كنا نقيم بتنظيم من‬ ‫المرحوم الاستاذ الصديق فرحات الدشرواي الذي كان مسؤول الحزب في الجامعة‪ .‬وأذكر‬ ‫أنه وقع خلاف بين الأستاذ احمد بن صالح وبيني حول سياسته الاقتصادية وخاصة حول‬ ‫الضرر الذي تحدثه في أهم عوامل دوافع الانتاج أعني الملكية ومحاور التنمية أقصد موقفي‬ ‫من السياحة بديلا من الزراعة‪ .‬وكنت مطلعا على الضرر الذي اصاب الزراعة لأني من‬ ‫أسرة ذات علاقة بها ورأيت كيف اضاع جل المزارعين أملاكهم وأنعامهم ياسا من سياسة‬ ‫التعاضد‪ .‬وكان هو على أهبة السفر إلى أمريكا للقاء مع البنك الدولي أو ما شابه وكانت‬ ‫بداية النهاية لسياسته التعاضدية‪.‬‬ ‫فهذه المسألة من يتعبها يمكن أن يفهم ما صار عليه وضع تونس اليوم حتى صارت تشتري‬ ‫اليورو بأكثر من ‪ 10‬دينارا حتى مسمى السياحة‪-‬تدر العملة‪ -‬لأن السائح الذي يعيش في‬ ‫تونس أسبوعا ب‪ 200‬يوروا بما فيها نقله جيئة وذهابا يتمتع بعطلة تكلفهم أقل من نصف ما‬ ‫ينفقه لو بقي في بلاده ومن ذلك أن السواح في الصيف على الاقل هم أكثر من نصف الشعب‬ ‫التونسي يتمتعون بالدعم وبالماء والكهرباء تقريبا بدون مقابل في زمن يشكو فيه التونسي‬ ‫من العطش ولسنا واثقين من أن العملة التي يدفعونها تدخل إلى تونس أو يدخل منها‬ ‫الكثير (بشهادة مدير البنك المركزي السابق)‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وليس صحيحا أن الحرب الأهلية الأولى كانت بين الوطنية التونسية والقومية العربية‬ ‫بل هي كانت بين الوطنية التونسية وحزب فرنسا الذي ما يزال إلى الآن الفاتق الناطق في‬ ‫سياسة تونس الاقتصادية والثقافية وسنرى أن ذلك هو العنصر الثابت في كل حروب تونس‬ ‫الأهلية سواء كانت دامية مثل هذه الأولى والثانية والثالثة والتي يعدونها للمستقل إن‬ ‫لم يستطيعوا الحسم السلمي كما كانوا يتوعدون قبل التوافق المغشوش الذي فرض على‬ ‫الشعب‪.‬‬ ‫هدفي من الكلام على الومضة الأولى هو بيان هذين الأمرين‪:‬‬ ‫• الأمر الأول‪:‬‬ ‫ابن يوسف ليس قوميا عربيا بتأثير من الناصرية والخلاف بينه وبين بورقيبة وانحياز‬ ‫الاتحاد العاشوري إلى بورقيبة كان بداية تأسيس حزب فرنسا ولعله قد بدأ قبل ذلك‬ ‫ولذلك فهو بداية ظهوره للعلن إذ إن اغتيال فرحات حشاد لم يكن بمنأى عن هذه الغاية‬ ‫للحسم في المقاومة التي كانت تسعى لتحرير تونس من الهيمنة الفرنسية‪ .‬وما حصل في‬ ‫الحل الذي رفضه ابن يوسف جعل النخب التي كانت تعي ما يجري تدرك اللحظة التي ظهر‬ ‫فيها حزب فرنسا الذي ربح المعركة وهو لا يزال مسيطرا بنفس الآليات وبنفس العملاء‪.‬‬ ‫• الأمر الثاني‪:‬‬ ‫ما يسمى بالأحزاب القومية التي تدعي مواصلة الفكر اليوسفي بوصفه قوميا تكذب ولا‬ ‫علاقة لها به لأن القومية العربية في المغرب العربي عامة ظاهرة متأخرة ولم تبدأ مع‬ ‫سايكس بيكو كما في المشرق بدعوى تكوين خلافة عربية وكلنا يعمل مآلها‪ .‬لم يكن المغاربة‬ ‫عامة والتوانسة على وجه الخصوص يميزون بين عربي ومسلم‪ .‬أولا لأنه لم يكن لدينا‬ ‫عرب غير مسلمين وثانيا لأنه لم توجد بعد نعرة المقابلة بين العربي والأمازيغي وهي نعرة‬ ‫علتها القومية العربية ومحاولات التعريب العنيف‪.‬‬ ‫كما أنه لم يكن لدينا الإسلام بمعناه الاخواني الذي تبنته النهضة في بدايتها وبدأت في‬ ‫مراجعته بعد الثورة خاصة بل كان الإسلام في تونس له معنى واحد هو ما كان يمثله حزب‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الدستور قبل الانفصال البورقيبي وهو إسلام الحركة الإصلاحية في دار الإسلام كلها وفي‬ ‫مناخ الدفاع عن الخلافة‪ .‬ومن يتجاهل هذين العاملين يزيف تاريخ تونس فلا يفهم \"كوعه‬ ‫من بوعه\" كما كان يقول المرحوم السبسي‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫إذا كان كلامي على الومضة الأولى والحرب الأهلية الأولى كلاما يعتمد القراءة‬ ‫التراجعية مما صار معلوما لاحقا لأنها حدثت لما كنت طفلا فإن الومضة الثانية عشتها وأنها‬ ‫كهل أدرس الفلسفة في ابن شرف وأقطن في قلب المعركة أي في نهج أثينا قريبا من مقر‬ ‫الاتحاد ومن الشارع الذي دارت فيه معركة مليشيات الصياح وعاشور سنة ‪.1978‬‬ ‫وقد كانت بداية نهاية الهادي نويرة الذي انهار بضربة القذافي في قفصة بعدها بقليل‪.‬‬ ‫وكانت هذه المرحلة معدة لمحاولة تحرير تونس من حزب فرنسا بعد أن مرض الهادي نويرة‬ ‫وجيء بابن علي ليعيد سيطرة الدولة على الأمن وخاصة لإنهاء الفوضى في التعليم الثانوي‬ ‫الذي كانت مليشيات اليسار تسيطر عليه وهي رأس حربة الاتحاد فيه‪ .‬وقد كلف بورقيبة‬ ‫بعد ذلك بقليل محمد مزالي في موقع يكاد يكون نائب الرئيس وليس مجرد رئيس حكومة‪.‬‬ ‫ومن هنا يمكن تحديد علاقتي بالأحداث فقد كنت متابعا لمجلة الفكر وكتبت فيها لاحقا‬ ‫حول الشابي وحول دور المجلة في حياة تونس الثقافية وقارنتها بالعروة الوثقى من حيث‬ ‫الدور السياسي بعيد المدى في استعادة الامة دورها وقارنت العلاقة بين مزالي والبشر بن‬ ‫سلامه فشبهتها بعلاقة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني فظن الاغبياء أن مقارنة العلاقة‬ ‫بينهما من حيث الدور في استعادة الهوية تعني مقارنة طرفيها من حيث حجم الأشخاص علما‬ ‫وأن ثقافة محمد مزالي وابن سلامة أفضل واعمق بكثير من ثقافة محمد عبده والافغاني‬ ‫من حيث معرفة العصر وسر قوة الغرب حتى وإن كنت لم أتطرق لهذا الوجه في المقارنة‬ ‫لأني لم أكن اهتم كثيرا بالممارسة السياسية المباشرة وكان همي لاحقا أن نؤسس جميعة‬ ‫فلسفية عربية سرعان ما سيطر عليها حزب فرنسا فغادرتها‪.‬‬ ‫وكنت قد قرات محاضرة مزالي عن الديموقراطية في بداية عودته إلى تونس ومشاركته‬ ‫في الحياة السياسية وأعلم أنه درس الفلسفة عند الكبار في السوربون هو زوجته وهو من‬ ‫أسرة فقيرة كان بينه وبين أحد أصهاري علاقة أخوة عميقة قصها في كتابه مع وحدة إيماني‬ ‫وإيمانه بضرورة تحقيق السيادة الثقافية شرطا في بقية السيادات إذ ذلك ما سعيت إليه لما‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كنت في السنة الثانية بدار المعلمين العليا حيث كونت مع بعض الزملاء شبه جمعية غير‬ ‫رسمية لترجمة أهم مصادر الفكر الفلسفي الغربي الحديث‪ .‬وتبين لاحقا أنه كان يريد‬ ‫تحقيق شروط السيادة الاقتصادية كذلك بما سعى إليه من علاقة مباشرة مع افريقيا‬ ‫والصين‪ .‬وسأتكلم في ذلك في الومضة القادمة بأكثر تفصيل‪.‬‬ ‫كانت الحرب الأهلية هذه المرة واضحة المعالم ومعلوم من يقودها‪ :‬عاشور عن الاتحاد‬ ‫والصياح عن الحزب‪ .‬والرهان هو من يحكم تونس وحده بعد أن كانا يتقاسمان حكمها تحت‬ ‫مظلة حزب فرنسا تماما كما واصل ذلك السبسي فكانت نهاية حزبه الاليمة‪ .‬وهو عين‬ ‫الرهان الذي أطاح بابن علي لأن الثورة كانت في البداية حركة نقابية يسارية ساعدها‬ ‫بعض أطراف المافية الحاكمة على انجاز الإطاحة وحال الشعب دونها والوصول إلى الحكم‬ ‫ومن ثم كان الانقلاب على الثورة مع أصحاب الروز بالفاكية وجبهة السبسي الشيرة‪.‬‬ ‫يمكن القول إن هذه المعركة الثانية التي نتجت عن الانفصال بين الاتحاد والحزب حول‬ ‫تقاسم الحكم ومحاولة الاستفراد به هي المحدد الرئيسي لما يجري في تونس منذ معركة ‪.78‬‬ ‫لكن تدخل عامل القذافية فيها ومحاولات الانقلابات التي هي كلها ذات توجه يساري أو‬ ‫قومي مصدره المشرق أو من درس فيه بما في ذلك ما يقلدهم فيه الاسلام السياسي أصبحت‬ ‫القاعدة المتحكمة في ا لمشهد التونسي وهو ما أخشاه على المسار الديموقراطي لأنهم إذا‬ ‫فشلوا في استرداد الحكم بالصندوق فسينفذون ما هددوا به في اعتصام الرز بالفاكية لأنهم‬ ‫لم ينفكوا يطالبون بالبيان عدد ‪ 1‬ولو على ألسنة غيرهم خاصة التشجيع والتمويل صارا‬ ‫حاصلين ولم يعد الامر مقصورا على حزب فرنسا بل انضم إليه حزب الثورة العربية‬ ‫المضادة وحزب إسرائيل وحزب إيران‪.‬‬ ‫وكان طبيعيا أن يخسر عاشور المعركة في تلك المرحلة ليس لأن الاتحاد كان أضعف بل‬ ‫لأنه حاد قليلا عن حزب فرنسا وأصبح أقرب إلى القذافي ربما بتأثير من محمد المصمودي‬ ‫رحمه الله‪ .‬وسنرى أن المعركة التي تلتها والتي كان ضحيتها مزالي ومشروعه تحالف فيها‬ ‫العاشوري أو من يواصل سياسية تسييس الاتحاد بدرجة تجعله هو الحاكم وليس شريكا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫الحاكم كما كان منذ المعركة الاولى فترتبت على ذلك العودة إلى حزب فرنسا وحزب وسيلة‬ ‫(زوجة الرئيس) والقذافي وفرنسا للإطاحة بمحاولة تحرير تونس من التبعة الفرنسية في‬ ‫الاقتصاد والثقافة‪ .‬وكان لليسار الدور الأساسي في توظيف التعليم لهذه لمهمة رغم أن‬ ‫الرجل هو الذي أعاد لرجال التعليم ونسائه الكثير من حقوقهم وكرامتهم المادية والمعنوية‬ ‫وهو الذي أسس أهم المؤسسات التي نوعن الباكالوريا وحددت سرعتي التعليم بإيجاد نظام‬ ‫المدارس النموذجية‪ .‬والتعريب المغشوش ليس من صنعه وخاصة تعريب الفلسفة‪ .‬فمن قام‬ ‫به هو إدريس قيقة والتعليم الاساسي والتعريب المغشوش للرياضيات في الاعدادي من عمل‬ ‫ابن علي ومليشيات اليسار التي كلفها بما يسمى تجفيف المنابع‪.‬‬ ‫هذه اللحظة التي خصصت لها الومضة الثانية هي اللحظة الحاسمة التي لا يمكن فهم ما‬ ‫سيليها من دونها‪ :‬أي لحظة مزالي وابن علي والسبسي وما اتوقعه وأخشاه على تونس‪..‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كما هو بين من الومضتين السابقتين ليست الأحداث هي التي تحتاج إلى سرد‪ .‬فهي إلى‬ ‫حد كبير معلومة من الأجيال الحالية شيوخها وكهولها ولا شك أن شبابها علم ذلك منهما‪.‬‬ ‫لكن الإشكال هو في الأحاديث التي تدور حولها‪ .‬وكما بينت في نظرية أبعاد التاريخ‬ ‫الأحاديث أهم من الأحداث في مجرى الأمور حتى وإن كان العلم يدعي تقديم الأحداث‬ ‫على الأحاديث للظن أنها قابلة للفصل عنها أي عن تأويلاتها المتصارعة بين الاحياء تماما‬ ‫كالحال في المستقبل حيث حضوره يكاد يكون مقصورا على الأحاديث حول الأحداث‬ ‫المتوقعة‪ .‬ما يجعل الآية تنقلب فتصبح الأحداث اللاحقة تأويلا للأحاديث السابقة‪ .‬وذانك‬ ‫هما معينا التأويل‪ :‬إما تأويل الأحاديث مثل تعبير الاحلام أو تأويلها مثل تحقيق الاحلام‪.‬‬ ‫الومضة الثالثة هي التي يمكن أن أدعي أن مواكبتي لها شبه نسقية ربما لأنها كانت‬ ‫محددة للمشروع الذي آمنت به وما زلت لأن تونس من دونه ستبقى ذيلا لفرنسا ومثلها بلاد‬ ‫المغرب وكل مستعمراتها في افريقيا ونحن نرى يدها تمتد حتى لمستعرات إيطاليا واسبانيا‬ ‫فيها توهما أنها ما تزال قوة عظمى‪ :‬وهذا من أمراض الديك الفرنسي‪ .‬وكل عملائها‬ ‫العرب يتوهمونها قوة عظمى وخاصة أنصاف المثقفين من النخب العربية التي تعبد‬ ‫الفرنكوفونية لغة والفرنكومونية فرنكا وأغلبهم أجهل الناس بها وبثقافتها‪.‬‬ ‫الومضة الثالثة تتعلق بحرب أهلية سميت حرب الخبز‪ .‬وكان الهدف منها الإطاحة‬ ‫بحكومة محمد مزالي بتدبير من وسيلة وادريس قيقة‪ .‬وقد اطلعت عن كثب على علة قولة‬ ‫بورقيبة \"نرجعوا فين كنا\"‪ .‬فالمرحوم على بوسلامة‪-‬ناشر كتابي عن الغزالي ‪-‬أعملني ‪-‬لأنه‬ ‫كان يحبني ويعتبرني صديقا‪-‬كيف أنه هو وابن بورقيبية الحبيب الابن استطاعا الدخول‬ ‫خفية حتى لا تحول وسيلة دونهما والكلام معه دون حضورها والوصول إلى بورقيبة لإقناعه‬ ‫بأن المستدف ليس مزالي بل بورقيبة نفسه‪ .‬ولما اقتنع أنه هو المستهدف فهم أن بداية‬ ‫الانقلاب عليه تأكدت ولعل ذلك مما ساعد على طلاق وسيلة مع طبعا دور الحثالة التي‬ ‫أحاطت به وكان جنيسة التي أحاطت بالسبي في ـأواخر أيامه‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫لم يطل العهد بمزالي حتى صارت راسه مطلوبة ولكن بنفس الآلية التي أسقطت بها‬ ‫الترويكا حتى وإن لم يصلوا إلى استعمال الارهاب والاغتيالات‪ .‬فأقدم مجبرا على معركة‬ ‫مع الاتحاد وطبعا كان ينبغي أن يخسرها في مجال لا يمكن لأي حكومة أن تبقى من دونه‪:‬‬ ‫افلاس الدولة‪ .‬وكان لحزب فرنسا وللقذافي ولليسار في الجامعات والمعاهد الثانوية الدور‬ ‫الأساسي في \"تبريك\" الدولة وافراغ خزينتها بما اضطر إليه من استجابة مرغمة‬ ‫للمطالبات‪ .‬وقد حاولت الجزائر المساعدة لكن للأمر حدود‪.‬‬ ‫ولا أعتقد أني بحاجة لشرح طويل لما حدث لأن شباب الثورة عايش نفس الظاهرة مع‬ ‫الترويكا‪ .‬فما كان القصد من الإضرابات والاحتجاجات وتعطيل كل شيء وخاصة مصادر‬ ‫ثروة البلاد من أدوات \"التبريك\" وطبيعيا أن يكون حزب فرنسا متكفلا بالتغطية السياسية‬ ‫والاعلامية بدعوى منجزات الثورة في المطالبة بالحقوق دون الواجبات‪ .‬وعند اللزوم‬ ‫بالاغتيالات والفرقعات الإرهابية المحسوبة والمسيطر عليها‪.‬‬ ‫فإذا أضفنا إلى ذلك خطة ابن علي ومن يحيطون بالرئيس المريض والذي بلغ أرذل‬ ‫العمر فهمنا أن تشجيع الحركة الإسلامية للإكثار من التحرك مع ما آلت إليه الدولة من‬ ‫الإفلاس نفهم أنهم كانوا من حيث لا يعلمون مطية‪ .‬وقد أعملني زميل لي في ابن شرف‬ ‫كيف كان مخابرات ابن علي تعلمهم بتدخل الأمن حتى يواصلوا الاحتجاج في مكان آخر‬ ‫لتخويف بورقيبة من قوتهم الوهمية لأن ابن علي كان مسيطرا على الوضع‪ .‬وبذلك تحقق‬ ‫المطلوب فصار هو رئيس الحكومة‪ .‬ولم يمض أكثر من أسابيع حتى وقع الانقلاب المعلوم‪.‬‬ ‫ففتحت حنفية القروض وإعادة تعديل المحددات الكبرى للاقتصاد حتى نعيش كذبة عصر‬ ‫ابن علي والانقلاب الأخطر من الانقلاب على بورقيبة‪.‬‬ ‫الانقلاب الأخطر حدث بعد ذلك‪ .‬إنه الانقلاب على البورقيبية بدعوى المصالحة مع‬ ‫اليسار والقوميين رمزا إليهم باليوسفية تماما كما فعل السبسي حتى وإن استغنى عن رمز‬ ‫اليوسفية لحاجته إلى إعادة تدوير بورقيبة‪ .‬ما حدث هنا في هذه اللحظة كان حربا ـأشنع‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫من الحرب الأهلية التي جرى فيها الدم لأيام‪ .‬فقد جرى فيها الدم لعقدين كاملين على‬ ‫مستويين كلاهما خطير وكلاهما ما يزال محددا للوضعية الراهنة‪:‬‬ ‫‪ .1‬دم بشري أعني محاولة استئصال الإسلاميين وكل من يحنو حتى على الأيتام من‬ ‫أبنائهم مهما كانت قرابته بهم‪ .‬وذلك باستعمال الامن وقوادته من اليسار وخاصة من‬ ‫الوطديين للانتقام من هزيمتهم في الجامعات‪.‬‬ ‫‪ .2‬دم أغلى حتى من الدم البشري لأنه هو سر معناه أعني الحرب التي سموها‬ ‫بتجفيف المنابع وهي حرب بايولوجية لأنها تتعلق بقتل النبات من خلال قطع الماء‪ .‬وماء‬ ‫الإنسان هو تراثه عامة وتراثه الروحي خاصة‪ .‬وقد كلفوا بهذه المهمة أحقر من يوجد في‬ ‫نخب تونس المتفرنجة تفرنج العبيد من سفلة القوم اجتماعيا وخلقيا وحتى حداثيا‪ .‬وكانت‬ ‫لي معهم منازلات لأن أحد أزلام الشرفي كان يتصور نفسه قد صار ربا في التعليم والجامعة‬ ‫اللذين استبيحا ولعل سر الاسرار في تردي التعليم في تونس هو هذه المجموعة من الجوعى‬ ‫والوصوليين الذين ما يزال لهم دور في تعفين المناخ الثقافي والسياسي في تونس‪.‬‬ ‫ولذلك فما أنسبه إلى ابن علي لا يتعلق بما فعله في بورقيبة فعلا شنيها لا رحمة فيه ولا‬ ‫رجولة ولا بما فعله في الإسلاميين فحسب بل بما فعله في ثقافة تونس وخاصة في أخلاق‬ ‫شبابها وشاباتها‪ .‬فقد أصبحت تجارة المخدرات وتجارة الجنس والحد الاقصى من وقاحة‬ ‫خدامات حجامته أهم منشط للمافيات التي كانت تختفي وراءه واسرته ووراء زوجتها‬ ‫واسرتها‪ .‬وما نراه اليوم في أحوال تونس هو النكبة الحقيقة التي إن لم نتداركها فإن تونس‬ ‫ستبح ماخورا كبيرا لا أكثر ولا أقل لمتقاعدي أوروبا عامة وفرنسا خاصة‪.‬‬ ‫وأذكر أنه قد طالب بإمضاء ميثاق وطني وطلب من بعض المثقفين وكانوا حينها لا يرون‬ ‫مانعا من اعتباري مثقفا فطلبوا رأيي معهم وكان موجه السؤال هو جريدة الصباح فأجبت‬ ‫بأن هذا مشروع فتنة وليس مشروع وحدة لأنه يجعل تحديد الهوية رهن إرادة جيل محدد‬ ‫في تاريخ أمة أو جزء منها‪ .‬ورفضت فكرة الميثاق المحدد للهوية‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫مرت سلامات لأن الامر كان في أيام صحاف العسل الاولى قبل انتخابات ‪ 89‬التي شارك‬ ‫فيها السبسي ونال فيها مقعدا وصار رئيس مجلس النواب وهو يعلم أن نجاحه كان مزيفا‬ ‫ومغشوشا ثم يتكلم على الدولة وعلى رجالها ومهابتها حتى يقال إنه وضعنا على المحجة‬ ‫البيضاء‪ .‬لا أكاد أصدق‪ .‬لكن الامر لم يدم طويلا بفضل \"رجولة\" بعض الزملاء الذين لا‬ ‫يتخلفون على خدمة الدكتاتورية فأعلموا من يهمه الأمر بأني كنت أطالب من بعضهم في‬ ‫قاعة الأساتذة بإمضاء عريضة من اجل محاكمة عادلة للمرحوم محمد مزالي‪ .‬وهما‬ ‫شخصان لن أذكر اسميهما لكن أحدهما قال لي إني كنت \"مساحة\" أرجل لمزالي وكان يعمل‬ ‫مع أحد وزراء الزين‪ .‬فأجبته قد يكون كلامك صحيح لكني عملت معه لأنه أولا استاذ‬ ‫فلسفة وزميل وثانيا لأنه مؤمن بما اومن به وليس \"كابورال\" مثل من تعمل معهم أنت‪.‬‬ ‫والفاهم يفهم إذ لا بد أن الخبر وصل للمعني بالكابورالية‪.‬‬ ‫لكني ولله الحمد ‪-‬دون وشق ولا داد‪-‬كان الله ساتري لأني لم أنتسب إلى حزب كان‬ ‫ينافسه في الحكم بل هو قد وجد أن مثل الإسلاميين في مدنيتي كان قد وضعني في قائمة‬ ‫الملحدين الين يجب تصفيتهم‪ .‬فيكون الإلحاد المزعوم قد حماني‪ :‬مكر الله الخير‪.‬‬ ‫البقية معلومة وهي بخلاف من لم يفهم علل انقلاب اليسار والاتحاد على ابن علي‪ :‬لو لم‬ ‫ينجب ابن علي ابن ولم يصبح حالما بالتوريث مثل كل الحكام العرب لما انقل عليه أحد‪.‬‬ ‫ذلك أن مشكلهم ليس مع التوريث بل مع ما استنتجه ابن علي وزوجته من ضرورة الصلح‬ ‫مع الإسلاميين إذا كان يريد اعداد \"الجو\" لذلك‪ .‬فبدأت علامات الصلح وأهمها كان عن‬ ‫طريق صهره الماطري‪ .‬ولست أدري هل كان بين الحركة وابن علي ما يثبت ذلك لكن ا‬ ‫لوقائع تفيده وخاصة بدايات العفو وإرجاع الجوازات والتخفيف في مطاردة الحجاب‬ ‫واللحي‪ .‬وأذكر أني قد عطل حصولي على الجواز بسبب لحيتي رغم أنها \"فلسفية \"وليست‬ ‫دينية ثم فجأة اعطيت الجواز فذهبت إلى ماليزيا‪ .‬تلك هي العلة الرئيسية لمشاركة اليسار‬ ‫والاتحاد في الثورة‪ .‬وما أن تبين أن الشعب لا يقبل بهم لحكمه حتى صاروا أعدى أعدائها‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪14‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أمر الآن إلى الومضة الرابعة والتي سميتها كذبة الإنقاذ الأولى‪ .‬فهذه عشتها من الداخل‬ ‫لسبب بسيط وهو أني كنت على صلة بأحد الصحفيين من الساحل ‪-‬توفي رحمه الله ‪-‬كنا‬ ‫نلتقي تقريبا مرتين في الأسبوع في مكتبة الآباء البيض لأنه كان جديا في اعداد بحوثه‬ ‫بإتقان وأظنه من مدينة ابن على وصديق رئيس الوزراء الاول ‪-‬الاستاذ الهادي بالكوش‬ ‫وأعلمني أنهما حررا معا بيان السابع من نوفمبر ولا أظنه كاذبا‪ .‬وقد زرت الأستاذ الهادي‬ ‫البكوش في بيته بعد أن عزله ابن علي مع صديق من رأس الجبل ورأيت بعض المرارة لأنه‬ ‫كان صادقا في البيان لكن الامور جرت على خلاف ما توقع‪.‬‬ ‫تكلمت على نوعي الحرب الاهلية التي نتجت عن كذبة الإنقاذ الابنعلوي‪ .‬فهو أنجز‬ ‫معزتين خربتا تونس إلى حد يعسر إصلاحها من دون ثورة روحية وخلقية يعسر تحقيقها‪:‬‬ ‫‪ .1‬فهو أولا أنهى البورقيبية بأن أدخل في الحزب من كان بورقيبية يعتبرهم أخطر على‬ ‫تونس حتى من الإسلاميين أعني اليسار والقوميين‪ .‬وهذا وجه الشبه الاول بينه وبين‬ ‫السبسي‪ .‬ولذلك قلت إن الرجل ابنعلوي وليس بورقيبيا‪.‬‬ ‫‪ .2‬وهو أنهى ما كان الشعب التونسي مشهورا بها من الاعتدال في ما يسمى بنمط العيش‬ ‫لأن سلمه الاجتماعي في اغلبه كان محافظا‪ .‬وقد قرر ابن على أولا ثم زوجته ثانيا عمل‬ ‫كل ما يستطيعون للقضاء على هذه الميزة التي كانت تمثل حتى في عهد بورقيبية شبه تناغم‬ ‫شعبي ليس فيها ما صار به بسب تجارة المخدرات واللحوم البيضاء والاقتصاد الموازي‬ ‫والروبافيكيا وتبييض الأموال والتهريب والمافيات التي تعمل مع أسرتي الرئيس وزوجته‪.‬‬ ‫فحصل التسيب المطلق‪ .‬وحتى في هذا الوجه الثاني يمن أن نجد وجه شبه بينه وبين‬ ‫السبسي الذي كان أول قانون يسنه يتعلق بالمخدرات وثاني قانون كان ينوي سنه هو المساس‬ ‫بأمر كان سيقضي نهائيها على وحدة الاسر واستقرار الملكية وهذا أقوله بصرف ا لنظر عن‬ ‫الحكم الديني لأن الامر يتعلق بتقاليد يصعب تغييرها من دون ثورة ثقافية تقطع نهائيا‬ ‫مع تراث الشعب وفيه من ثم مواصلة لسياسة تجفيف المنابع‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪15‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ما يسمونه اليوم \"النمط الاجتماعي\" هو هذا التسيب الذي يجعل تونس \"انجوفارنابل\" لا‬ ‫يمكن أن تساس وأن تحكم سلميا‪ .‬فكلما كثر التسيب ا لخلقي والاقتصادي أو ما يسميه ابن‬ ‫خلدون الترف مع الفقر كلما عاد الإنسان إلى الحيوانية فلا يبقى قابلا للحكم بالشرعية‬ ‫بل إن هذه تضمر وتعوضها الشوكة‪ .‬ولذلك فالذين كانوا مستفيدين من هذه الوضعية‬ ‫هم من ينادون بالبيان عدد ‪ 1‬أي بالحل المصري متوهمين أن مشكل تونس هو في وجود‬ ‫الإسلاميين‪.‬‬ ‫تونس انهارت حتى لو الغي وجود الإسلاميين ولن تنهض ما ظلت نخبها تتصور أن الامر‬ ‫متعلق بخيار بين نمط اجتماعي تغيب فيه شروط التنمية ولا يحضر فيه إلا الاستهلاك‬ ‫بالاستدانة وبيع كل مقدرات البلاد من أجل مافية في أساسي كل إنتاج أي الإداريات‬ ‫السياسية والخدمية والنقابيات العمالية والاعراف مع التبعية التي تجعل كل ثروات البلاد‬ ‫ملكا لغير شعبها لأن فرنسا ما تزال صاحبة الحق في كل هذه الثروات بسب اتفاقيات‬ ‫الاستقلال المغشوشة وكذلك بسبب ثان أريد أن أذكره لأني عاينته بأم عيني‪.‬‬ ‫فقد حضرت مع رئيس الحكومة في الوفد المرافق للقاء بين الاعراف التونسيين والاعراف‬ ‫الفرنسيين في باريس‪ .‬فاكتشفت أمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الاول هو أن ممثلي الاعمال التونسيين لم يكونوا إلا عمال عند ممثلي الأعمال‬ ‫الفرنسيين وجلهم صهاينة‪.‬‬ ‫‪ .2‬الثاني وهو الاخطر وله علاقة مباشرة بإسقاط محمد مزالي‪ :‬شروط مجحفة في ما‬ ‫يسمونه تعاونا وهو استغلال مضمون لثروات البلاد مع شرط استبعاد المنافس من تونس أو‬ ‫من خارجها‪.‬‬ ‫لما رأيت ذلك استأذنت رئيس الحكومة في السماح لي بأخذ الكلمة ‪-‬إذ بصفتي مستشارا ليس‬ ‫لي الحق في الكلام عادة لكنه كان متسامحا معي لمودة خاصة منه إزائي فأذن لي‪-‬فسألت من‬ ‫سمعتهم \"يبتزون رئيس الحكومة في مسألة تمويل المشروعات بشروط تعجيزية\" هل لكم ثقة‬ ‫في ثورة تونس وتراهنون عليها أم تريدون اعمالا من دون شيء من الريسك؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪16‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫قلت لهم لست مختصا في الأعمال لكين أعلم أنها تتضمن دائما جزءا من المغامرة‪ .‬ونحن‬ ‫لسنا مستعدين للانتظار‪ .‬خذوا وقتكم أما نحن فعندما من يثق فينا وفي ثورتنا وهو‬ ‫ينتظرون الإشارة للقدوم كما ترونهم في بقية افريقيا‪.‬‬ ‫ما أن سمعوا ذلك صاروا يطالبون بالمشروعات للشروع مباشرة في التنفيذ‪ .‬كانوا يعلمون‬ ‫أن الامر جربه محمد مزالي وعاد بمشروعات صينية ويابانية وباتفاقيات جنوب جنوب تحرر‬ ‫تونس من الابتزاز‪.‬‬ ‫وفهمت أن المشكل ليس مع فرنسا ومافيتها بل مع مافيتنا نحن‪ :‬فهؤلاء هم من يحمي مصالح‬ ‫فرنسا ويقدمونها على مصالح تونس لأن ذلك يجعلهم يسرقون كما يشتهون وذلك ما ناره‬ ‫حاصلا في الثروة الطبيعية وفي الخدمات السياحية وحتى في تصدير الكفاءات التي تنفق‬ ‫عليهم تونس ليصبحوا في خدمة فرنسا دون مقابل‪.‬‬ ‫هذه تونس التي ورثتها الثورة‪ .‬وهذه تونس التي جاء الانقاذ الثاني ‪-‬انقاذ السبسي‪-‬‬ ‫ليخلصها من الثورة وليس من الإسلاميين كما يزعم لأنه لم يستطع أن يحكم من دونهم‬ ‫ولأنه يعلم أنه لولاهم لكان مصيره مصير بورقيبية لأن من ظن أنه قد استعملهم للوصول‬ ‫إلى الحكم كانوا مثله يبيتون به شرا وينوون الانقلاب عليه‪ .‬حتى من كان مصفه لما أراد‬ ‫الانقلاب عليه لم يستطع القيام به من دون بديل منه لخوفه منهم مثله فاعتمد على بعض‬ ‫قيادات النهضة‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪17‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫وصلت الآن إلى الومضة الخامسة والأخيرة والتي سميتها كذبة الإنقاذ الثاني قيسا لجبهة‬ ‫الانقاذ التي كونها السبسي على بيان الإنقاذ الذي مثله بيان السابع من نوفمبر‪ .‬طبعا هذا‬ ‫البيان كان يعني انقاذ تونس من حالة النظام البورقيبي بتمكين الشعب من قيادة نفسه‬ ‫بنفسه كما جاء في نص البيان‪.‬‬ ‫وبيان السبسي كان انقاذ تونس من الترويكا بتحقيق ما سماه لاحقا التوازن من أجل‬ ‫تحقيق الانتقال الديموقراطي‪ .‬لكن كما هو معلوم جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة التي كلنا‬ ‫يعلم أنها في السياسة تعني في الغالب عكسها تماما‪ .‬وقد تبين أن الرجلين يقصدان العكس‬ ‫تماما كما بينت النتائج في الحالتين‪.‬‬ ‫وقبل أن أواصل الكلام لا بد من توضيح ارتسام قد يجعل القارئ يتصورني أركز على‬ ‫دوري دون أن أعلم طبيعته فيتوهم أني أتوهم أني لاعب مهم في السياسة‪ .‬وعاش من عرف‬ ‫قدره لها دلالتان‪ :‬من يتوهم ما فوق رأيه في ذاته فوق مستواها فيكون حالما بدور سياسي‪.‬‬ ‫لكنها هنا تعني أني اعتبر قدري فوق الطموح السياسي‪ .‬لم يدر بخلدي أبدا أن أكون سياسيا‬ ‫بدليل أني ما سعيت للتقرب من ذي سلطة سياسية ولم أزر في حياتي سفارة عدى مرة واحدة‬ ‫لسفارة السعودية ردا لجميل وزير الشؤون الدينية السعودي الذي كرمني مرتين في ندوات‬ ‫الحج لما كنت في ماليزيا الاستاذ مدني أبو نزار واستضافني في بيته مع الزميل با قادر‪.‬‬ ‫وهذا دليل كاف على أني لم أبحث عن انتهاز أي فرصة مما ذكرت لأن من لا يزور‬ ‫السفارات في تونس وخاصة سفارتي فرنسا وأمريكا لا يمكن أن يكون سياسيا‪ .‬كما لم أحضر‬ ‫في المناسبات الرسمية ولم أسعى لربط علاقات مع أي مسؤول لا في العهد البورقيبي ولا في‬ ‫العهد الابن علوي ولا حتى في عهد الترويكا‪ .‬ولو كنت أريد أن أكون من السياسيين بالمعنى‬ ‫الرسمي للكلمة لما ترددت في ما يعتبر شرطا ضروريا حتى وإن لم يكن كافيا‪ .‬وهذه كلها من‬ ‫هذا النوع‪ .‬إذن ما معنى وصلي بين مراحل من حياتي والمسار السيسي في تونس؟‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪18‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫كل ما في الامر أن الله شاء أن أكون من الشهود ربما الأساسيين إما بالعيان عن بعد أو‬ ‫بالعيان المباشر‪ .‬كلها صدف ذات علاقة مباشرة بما يعنيني في السياسي من حيث هو موضوع‬ ‫تفكير لأني في النهاية من تلاميذ أرسطو‪ .‬وكلها من الصدف التي شاءت أن أكون في اللحظة‬ ‫المناسبة في المكان المناسب وهي لا تختلف عن اقتراح النهضة علي أن أكون رئيس دائرة تونس‬ ‫الأولى‪ .‬وما فكرت في ذلك أبدا ولا سعيت إليه بل لقد اقترحت عليهم بأن يجعلوها للأستاذ‬ ‫مورو فهو أولى بها مني لأني لست سياسيا‪ .‬وقد قلت من اليوم الاول للإعلان على الترشحات‬ ‫وأمام جمهور الحاضرين في قصر المؤتمرات بالعاصمة أني محافظ على استقلالي ومنتصب‬ ‫إلى حركة النهوض وليس إلى حركة النهضة‪.‬‬ ‫وأريد أن أختم بصدفة عجيبة‪ .‬فرئيس الدولة ‪-‬المبزع‪-‬تشاجرت معه في اجتماع‬ ‫بالصادقية وكنت جالسا إلى جانب الصياح وكانت الجلسة حول مدرسة الغد‪ .‬لم يعجبني منه‬ ‫انتفاخ أوداجه بدعوى أنه بلدي ولا ابلد من البلدية‪ .‬لكن الصدفة أعمق فأخوه المحامي‬ ‫كان محامي خصم والدي رحمه الله حول مسألة تهم أملاكنا في شمال تونس‪.‬‬ ‫ومحامي والدي الذي اخترته أنا وليتني لم أفعل لظني أنه معارض صادق صار من وزراء‬ ‫ابن علي بعد أن غادر حركة الديموقراطيين الأحرار‪ .‬وقد عرفته لما كان معنا فيها فخان‬ ‫امانة المحامي ولم يحضر الجلسة الحاسمة وسلم القضية لصديقة أخ من صار لاحقا رئيس‬ ‫الدولة‪ .‬طبعا هو لا ذنب له وقد لا يكون على علم بشيء من ذلك‪ .‬لكن شيء من التوجس‬ ‫جعلني أعتبره مثل اخيه خاصة وهو قد كان شاهد زور في برلمان ابن علي مثله مثل‬ ‫السبسي‪.‬‬ ‫هذه صدف من سيرتي الذاتية لكنها كانت مؤثرة في مواقفي واهتمامي بتحليل الأوضاع‬ ‫بعين الشاهد وليس بعين المشارك في السياسة‪ .‬وإلى الان لما أكتب ناصحا لقيادات النهضة‬ ‫لا اعتبر نفسي \"حاج كلوف\" بل اعتبر ذلك ناتجا عن أهمية الحركة في مسار الانتقال‬ ‫الديموقراطي واعتبر نجاح تونس فيه يمكن أن يكون قدوة لبقية العرب‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪19‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫ولو كنت حقا مشاركا أو ذا ميل للسلطة السياسية لبقيت فيها لكني كنت أتقزز من النفاق‬ ‫والتمسح بالقيادات وهو أمر اشمئز منه واعتبره محطا من كرامتي لو فعلت شيئا منه‪.‬‬ ‫رفضي لمثل هذا السلوك ساهم في التسريع في الاستقالة من المجلس ومن المستشارية بعد سنة‬ ‫تطبيقا لوعد كان التزاما خلقيا بأن الانتخابات هي لسنة ولكتابة الدستور بس‪.‬‬ ‫وقد يكون لهذا السلوك حكم شخصي عن كوني فاقدا لطبع السياسيين الذي وصفت أو‬ ‫ربما لتأثير فكرة ابن خلدون من أن من يتصور نفسه \"طز حكمة\" لا يمكن أن يكون \"طز‬ ‫سياسة\" وهو يعتبر من كان هذا سلوكه مسؤولا عما ما يترتب عليه من سلطان للسفلة في‬ ‫الدول لقدرتهم على التملق والنفاق‪ .‬وأقولها بكل اريحية لأني فعلا هكذا أرى نفسي أبعد‬ ‫من أن استعمل طرق السياسيين وهو ما قلته للدكتور منصف المرزوقي‪ :‬لما سألني عن موقفي‬ ‫مؤخرا منه وظن أن ضده شخصيا لعداء بل هو لاحترام ثقافته وصدقه فقلت له‪\" :‬لست‬ ‫متاع سياسة\" لأنك تؤمن بشيء وتطلب الحقيقة‪ .‬السياسي لا يؤمن بشيء ويطلب ما يقبل‬ ‫التصديق رغم كذبه وليس الحقيقة التي يؤمن بها‪.‬‬ ‫وقد طبقت ذلك على نفسي‪ .‬ففي حين كان الأستاذ محمد مزالي يسعى إلى تقريبي كنت‬ ‫أرى أنه مقدم على نهاية مؤلمة لظنه أن الثقافة أساس لدور سياسي متين‪ .‬وقد قلت ذلك‬ ‫علنا في ندوة ثانية حول شخصيات تونسية كان هو موضوعها بعد الاولى التي كان موضوعها‬ ‫المسعدي‪ .‬وكنت أحد المحاضرين مع ناصر الدين الأسد والاستاذ جاك بارك والحصة متلفزة‬ ‫وفيها تكلمت على \"عقدة المتنبي\" واقصد الاعتماد في السياسة على الابداع الفكري بدلا من‬ ‫تكوين قوة سياسية مؤثرة قاصدا أن خط الاستاذ مزالي يتطلب تكوين حزب أو قوة سياسية‬ ‫تؤمن بالمشروع ولا يكفي أن يكون المرء مثقفا لينجح في تحقيق مشروع وأن حزب بورقيبة‬ ‫في وضعيته التي آل إليها لم يعد يتسع للمشروعات الكبرى‪.‬‬ ‫وطبعا كنت على يقين أن ذلك لا يعجبه لكن لست مهتما‪ .‬وقد فعلتها مع غيره وقررت أن‬ ‫اعتزل لأن ما حصلته من خبرة كافية لفهم الفعل السياسي ولا أحتاج أكثر‪ .‬ولست أبرر‬ ‫موقفي فالتاريخ سيشهد بذلك عندما يتبين لكل من حاولت مساعدتهم فركبوا رؤوسهم فإذا‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪20‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫هم لم يبق لهم إلا عض أصابعهم‪ .‬فمن لا يعمل السياسية يمكن أن يعلم قوانينها لأنه‬ ‫متحرر ربما مما يسمونه إكراهاتها التي قد تجعل الغارقين فيها لا يرون أكثر من ذبابة‬ ‫أنوفهم‪.‬‬ ‫سأميز بين مرحلتين في كذبة الإنقاذ الثانية التي تزعمها السبسي‪ .‬المرحلة التي لم نكن‬ ‫نعلم من جاء به إلى الحكم بعد القصبة الثانية‪ .‬والمرحلة التي سماها هو بنفسه جبهة‬ ‫الانقاذ‪ .‬الآن صرنا نعلم من أتى به بشهادة علنية من كاتب الدولة للأمن في الحكومة التي‬ ‫كونها خلال القصبة الثانية‪ .‬أما المرحلة الثاني فهي التي أوصلته إلى الحكم بين ‪ 2014‬إلى‬ ‫آخر حياته في الشهر الماضي‪.‬‬ ‫ولم أقل عن الرجل أكثر مما قال عن نفسه في المرحلة الأولى اذ حللت قصته التي قصها‬ ‫يوم تسلم الحكم وفيها وضح أنه ينوي خياطة كسوة لخروتشوف‪ .‬وطبعا فخروتشوف يعني‬ ‫به الشعب ويعتبر نفسه التارزي الروماني الذي سيرضيه بعد أن فشل أفضل تاركي في‬ ‫إرضائه ويعني بورقيبة‪ .‬والإشارة هي ما ينوي القيام به لأفشال الثورة‪.‬‬ ‫• كل ما تلام عليه الترويكا هو فاعله‪:‬‬ ‫• قانون العفو العام دون قيد ولا شرط‬ ‫• مشكل حرق السجون وهروب المساجين‬ ‫• مشكل السلاح الذي مر إلى ليبيا‬ ‫• مشكل فتح الحدود دون تتبع‬ ‫• وأخيرا مشكل التوظيف اللامحدود والزيادات اللامعقولة في الأجور‪ .‬وكان من‬ ‫المستحيل التراجع في أي من هذه القرارات التي اتخذها خلال الـ‪ 11‬شهرا قبل الانتخابات‬ ‫الأولى‪ .‬وهو طبعا من حافظ على اللجنة التي كونها ابن علي للإصلاحات والتي سماها لجنة‬ ‫تحقيق أهداف الثورة وهي قد كانت لجنة جعل الثورة عاجزة عن تحقيق شيء على الأقل‬ ‫بقانون الانتخاب الذي فرضوه والذي يجعل من المستحيل قيادة البلاد مع حل حزب الدستور‬ ‫وتكوين النقابات الامنية والتعاون المخل بالنظام العام والعمل المنتج مع الاتحاد‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪21‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أما ما حدث في تكوين جبهة الانقاذ فقد كانت بنحو ما من جنس جبهة الانقاذ المصرية‬ ‫ولولا خوف \"المسؤول الكبير\" من انفرط عقد المغرب كله لسمحوا له بالقيام بمثل ما كانت‬ ‫تنصح به جماعة اعتصام الرز بالبندق قام به السيسي بشهادة مدير نسمة‪.‬‬ ‫والبقية يعلمها الجميع وهي ما نحن فيه الآن‪.‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪22‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬ ‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫‪23‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook