أبو يعرب المرزوقي re nils frahm سبر الآراء وصناعة البالونات السياسية الأسماء والبيان
المحتويات 1 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 4 - -الفصل الثالث 8 - -الفصل الرابع 11 - -الفصل الخامس 15 - -الفصل السادس 18 -
-- تكلمت أمس على سبر الآراء المفيد لاعتماده على المنهج التاريخي والرياضي .وكان هدفي فهم ما يجري في تونس -وقيس عليه أي بلد عربي أو غير عربي-اعتمادا على تكوينية قواها السياسية وأوزانها للتخلص من صناعة شخصيات سياسية بالإشهار المعتمد على سبر الآراء .فغالبا ما يكون هذا العمل ساعيا إلى الترويج لمن هم فاقدون لشرطي الفاعلية السياسية أعني القاعدة الشعبية والخصائص الذاتية لقيادة الشعوب وخاصة في المراحل الصعبة التي من جنس ما نعيش .وطبعا يمكن أن يطرأ ظهور شخصيات سياسية فجأة لم يتوقعها أحد .لكن ذلك من الأمور النادرة وهي على كل حال لا تكون مفاجئات خارج الوضع الثقافي للجماعة وما حولها في الإقليم وخاصة في تقاليد الجماعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما لم يكونوا مسلطين عليهم قوة قاهرة من خارجهم كما يحصل بسبب التدخل الاستعماري. صنفت القوى السياسية بمنطق تاريخي انطلاقا من وصف المسرح السياسي وصفا حاولت فيه أن أكون أقرب ما يكون للحياد والموضوعية وصفه كما تكون خلال القرن الذي عرف مفهوم الحزب بالمعنى الحديث أي من تكوين الحزب الحر الدستوري 1920إلى اليوم حيث صار لتونس 220حزبا وحزيبا .وانتهيت إلى أن مشكل تونس الحالي هو مآل فرع البورقيبية من الحزب الأول التي تأسس في تونس وما قد يؤول إلى فرع الثعالبية بنفس المنطق منه وبالعدوى كذلك من فقدان للرسالة الأصلية التي تأسس عليها ومما يطال أي حزب من طرفي مرض الاحزاب العقدية أعني تضييق حريات الفكر وتوسيع حريات الانتهاز. وهدف المحاولة هو الاقتصار على الفرع الأول الذي أدعي أن لي به معرفة أعني فرع البورقيبية من المسار المضاعف للحزب الأول الذي تكون في تاريخ تونس .لكني لا ادعي المعرفة بما يجري في فرع الثعالبية الذي أجهله تماما: أولا لأن الإسلاميين الحاليين لم يعرفوا أنفسهم بالثعالبية. وثانيا لأن علاقتي بهم لم تكن عضوية كما كانت علاقتي بالبورقيبيين. أبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- فعلاقتي بالبورقيبية لها معنيان الانتساب إليها في بعض مراحل حياتي والانتماء إلى مدرستها السياسية حتى عندما التحقت بمن خرج عنها إما ضمينا أو رسميا .فقد كانت لي ميول مشتركة مع العلاج الوطني وبعيد النظر الذي كان المرحوم مزالي يسعى إليه للتحرر من هيمنة حزب فرنسا اقتصاديا (الانفتاح على افريقيا وآسيا) وثقافيا (التعريب الذي يتجنب مؤامرة تخريبه لاتهام التعريف كما يحصل حاليا في المغرب) وسياسيا (الانفتاح الديموقراطي) .وهو خروج ضمني عن البورقيبية ويمكن اعتباره أول محاولة للصلح بينها وبين الثعالبية. ثم الانتساب إلى حركة الديموقراطيين الاشتراكيين ولم اترك الحركة إلا بعد تأكد ما توقعته من خيانات من تركوه وانضموا إلى حزب ابن علي وكنت قد عبرت عن بعض شكوكي للأستاذ أحمد المستيري الذي كان شديد الفرح بانضمامهم إليه قبل انقلاب ابن علي وخاصة من صاروا من كبار وزرائه ومستشاريه. وهذه مقدمة سأكتفي فيها بتحديد خطة المحاولة التي ستكتفي بالكلام على خمس ومضات قصيرة حول ما أعرفه عن مآل فرع البورقيبية في القيادات مع إشارة سريعة لما حصل في القاعدة الشعبية من ثبات لم يفسد إلا في مرحلة ابن علي ومرحلة السبسي .فالقاعدة الشعبية لم تكن تفهم معنى الحزبية بسبب انعدام التعددية بحيث إن الحزب يعني الدولة ويعني الوحدة الوطنية ويعني الحكم كما هي العادة في حضارتنا من أكثر من 14قرنا وكذلك الحال في كل بلاد العرب والمسلمين .لذلك فالومضات تتعلق بالنخب الحاكمة وكيف تلغي النخب المعارضة إما بالاستيعاب أو بالاستثناء بالقتل أو بالنفي لأنه بيدها ليس السياسي في حسب بل وكذلك الاجتماعي والسيطرة على الأرزاق فلا يبقى إلا العمل السري والانقلابي ممكنين. وسأخصص محاولات وجيزة للكلام على هذه الومضات الخمس في فصول متوالية لأختمها بدور ذلك في مستقبل تونس وحتمية علاجه قبل أن يصبح الفرع الثاني من الحركة الوطنية أو ما يمكن أن يصبح ثعالبية بما يسمى تونسة حركة النهضة معرضا لنفس المسار. أبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- .1الومضة الاولى :الحرب الاهلية الأولى بين بورقيبة وابن يوسف. .2الومضة الثانية :الحرب الأهلية الثانية بين الحزب والاتحاد (عاشور). .3الومضة الثالثة :محاولة التحرر من حزب فرنسا ومن الاستبداد (مزالي). .4الومضة الرابعة :كذبة الانقاذ الأولى أو انقلاب ابن علي على البورقيبية .5الومضة الاخيرة :كذبة الانقاذ الثانية أو انقلاب السبسي على البورقيبية. أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- كما أسلفت أخصص أولى الومضات الخمس للحرب الاهلية الأولى التي نتجت عن الخلاف بين بورقيبة وبان يوسف .وكما بينت في كلامي على ابعاد التاريخ فإنه يكتب دائما بمنطق الحاضر إذ يراجع أحداث الماضي وأحاديثه ويصوغ أحاديث المستقبل استعدادا لأحداثه. لا يوجد كلام في التاريخ من دون \"هاينسايت\" أي النظر إلى الماضي بما صار معلوما بعده في الحاضر من دون \"الفورسايت\" أي النظر الذي فيه توقع ما للمستقبل الذي يبدو وكأنه قد ما صار شبه حاضر منه. وسبق أن تكلمت على الخلاف وبعض نتائجه المباشرة علي في طفولتي .ما سأتكلم عليه أمر آخر وفيه مسألتان: ليس صحيحا أن الخلاف بين بورقيبة وابن يوسف علته تأثر الثاني بالناصرية بعد باندونج .بل الخلاف علته الامتحان الذي يحصل دائما في كل حركة مقاومة وصلت إلى الحسم السياسي فيكون موضوعه خيارات الحسم بالقياس إلى ما تحقق من مطالب النضال. فابن يوسف لم يكن قوميا وإسلاميا أكثر من بورقيبة بالمعنى التقليدي ولم تكن القومية بالمعنى الناصري قد صارت عاملا مؤثرا في أي منهما بل كانا يعملان بمنطق لا يختلف عن الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي وفيها شيء من عروبة الجامعة التي احتضنت المغاربة في القاهرة. لكن ساعة الحسم تعيش كل حركات المقاومة الانقسام حول تقييم ما توصلت إليها المفاوضات مع العدو .وعندئذ يتبين من كان بحق مخلصا لأهداف المقاومة ومن كان يبحث عن حل سريع يوصله إلى غاياته حتى لو كان ذلك على حساب الأهداف التي كانت تطلبها المقاومة .عندئذ حصل التمييز بين حزب فرنسا وحزب الوطن الحقيقي .وقد تبين لنا جميعا ذلك خاصة بعد الثورة وعندما تم الاطلاع على الاتفاقيات التي رفضها ابن يوسف وقبلها بورقيبة واعتمد لفرضها على فرنسا والاتحاد العاشوري .فكان إذن اغتيال حشاد من أبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- الاتحاد من جنس اغتيال ابن يوسف من الحزب .كلاهما كان من تدبير فرنسا وعملائها في الحزب وفي الاتحاد. وهاتان المسألتان هما ما يمكن أن يفهمنا تطور تاريخ تونس البورقيبية أو تقاسم السلطة بين الحزب والاتحاد ثم الاندماج بينهما في مرحلة ابن صالح وعاشور إلى حدوث الصدام بين الحزب والاتحاد في السبعينات لما امتدت يد الاتحاد إلى \"الزنبيل\" أي إرادة عاشور الوصول إلى رئاسة الدولة .وهذه هي الومضة الثانية التي سنتكلم فيها. فلنواصل الكلام في الومضة الأولى .فقد كان لي فيها موقف لعل الأستاذ احمد بن صالح أمد الله في عمره يذكرها .ففي إحدى الليالي حصل لقاء لنا بعض طلبة دار المعلمين المنتسبين إلى الحزب معه في دار المعلمين العليا في كلية 9أفريل حيث كنا نقيم بتنظيم من المرحوم الاستاذ الصديق فرحات الدشرواي الذي كان مسؤول الحزب في الجامعة .وأذكر أنه وقع خلاف بين الأستاذ احمد بن صالح وبيني حول سياسته الاقتصادية وخاصة حول الضرر الذي تحدثه في أهم عوامل دوافع الانتاج أعني الملكية ومحاور التنمية أقصد موقفي من السياحة بديلا من الزراعة .وكنت مطلعا على الضرر الذي اصاب الزراعة لأني من أسرة ذات علاقة بها ورأيت كيف اضاع جل المزارعين أملاكهم وأنعامهم ياسا من سياسة التعاضد .وكان هو على أهبة السفر إلى أمريكا للقاء مع البنك الدولي أو ما شابه وكانت بداية النهاية لسياسته التعاضدية. فهذه المسألة من يتعبها يمكن أن يفهم ما صار عليه وضع تونس اليوم حتى صارت تشتري اليورو بأكثر من 10دينارا حتى مسمى السياحة-تدر العملة -لأن السائح الذي يعيش في تونس أسبوعا ب 200يوروا بما فيها نقله جيئة وذهابا يتمتع بعطلة تكلفهم أقل من نصف ما ينفقه لو بقي في بلاده ومن ذلك أن السواح في الصيف على الاقل هم أكثر من نصف الشعب التونسي يتمتعون بالدعم وبالماء والكهرباء تقريبا بدون مقابل في زمن يشكو فيه التونسي من العطش ولسنا واثقين من أن العملة التي يدفعونها تدخل إلى تونس أو يدخل منها الكثير (بشهادة مدير البنك المركزي السابق). أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- وليس صحيحا أن الحرب الأهلية الأولى كانت بين الوطنية التونسية والقومية العربية بل هي كانت بين الوطنية التونسية وحزب فرنسا الذي ما يزال إلى الآن الفاتق الناطق في سياسة تونس الاقتصادية والثقافية وسنرى أن ذلك هو العنصر الثابت في كل حروب تونس الأهلية سواء كانت دامية مثل هذه الأولى والثانية والثالثة والتي يعدونها للمستقل إن لم يستطيعوا الحسم السلمي كما كانوا يتوعدون قبل التوافق المغشوش الذي فرض على الشعب. هدفي من الكلام على الومضة الأولى هو بيان هذين الأمرين: • الأمر الأول: ابن يوسف ليس قوميا عربيا بتأثير من الناصرية والخلاف بينه وبين بورقيبة وانحياز الاتحاد العاشوري إلى بورقيبة كان بداية تأسيس حزب فرنسا ولعله قد بدأ قبل ذلك ولذلك فهو بداية ظهوره للعلن إذ إن اغتيال فرحات حشاد لم يكن بمنأى عن هذه الغاية للحسم في المقاومة التي كانت تسعى لتحرير تونس من الهيمنة الفرنسية .وما حصل في الحل الذي رفضه ابن يوسف جعل النخب التي كانت تعي ما يجري تدرك اللحظة التي ظهر فيها حزب فرنسا الذي ربح المعركة وهو لا يزال مسيطرا بنفس الآليات وبنفس العملاء. • الأمر الثاني: ما يسمى بالأحزاب القومية التي تدعي مواصلة الفكر اليوسفي بوصفه قوميا تكذب ولا علاقة لها به لأن القومية العربية في المغرب العربي عامة ظاهرة متأخرة ولم تبدأ مع سايكس بيكو كما في المشرق بدعوى تكوين خلافة عربية وكلنا يعمل مآلها .لم يكن المغاربة عامة والتوانسة على وجه الخصوص يميزون بين عربي ومسلم .أولا لأنه لم يكن لدينا عرب غير مسلمين وثانيا لأنه لم توجد بعد نعرة المقابلة بين العربي والأمازيغي وهي نعرة علتها القومية العربية ومحاولات التعريب العنيف. كما أنه لم يكن لدينا الإسلام بمعناه الاخواني الذي تبنته النهضة في بدايتها وبدأت في مراجعته بعد الثورة خاصة بل كان الإسلام في تونس له معنى واحد هو ما كان يمثله حزب أبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- الدستور قبل الانفصال البورقيبي وهو إسلام الحركة الإصلاحية في دار الإسلام كلها وفي مناخ الدفاع عن الخلافة .ومن يتجاهل هذين العاملين يزيف تاريخ تونس فلا يفهم \"كوعه من بوعه\" كما كان يقول المرحوم السبسي. أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- إذا كان كلامي على الومضة الأولى والحرب الأهلية الأولى كلاما يعتمد القراءة التراجعية مما صار معلوما لاحقا لأنها حدثت لما كنت طفلا فإن الومضة الثانية عشتها وأنها كهل أدرس الفلسفة في ابن شرف وأقطن في قلب المعركة أي في نهج أثينا قريبا من مقر الاتحاد ومن الشارع الذي دارت فيه معركة مليشيات الصياح وعاشور سنة .1978 وقد كانت بداية نهاية الهادي نويرة الذي انهار بضربة القذافي في قفصة بعدها بقليل. وكانت هذه المرحلة معدة لمحاولة تحرير تونس من حزب فرنسا بعد أن مرض الهادي نويرة وجيء بابن علي ليعيد سيطرة الدولة على الأمن وخاصة لإنهاء الفوضى في التعليم الثانوي الذي كانت مليشيات اليسار تسيطر عليه وهي رأس حربة الاتحاد فيه .وقد كلف بورقيبة بعد ذلك بقليل محمد مزالي في موقع يكاد يكون نائب الرئيس وليس مجرد رئيس حكومة. ومن هنا يمكن تحديد علاقتي بالأحداث فقد كنت متابعا لمجلة الفكر وكتبت فيها لاحقا حول الشابي وحول دور المجلة في حياة تونس الثقافية وقارنتها بالعروة الوثقى من حيث الدور السياسي بعيد المدى في استعادة الامة دورها وقارنت العلاقة بين مزالي والبشر بن سلامه فشبهتها بعلاقة محمد عبده بجمال الدين الأفغاني فظن الاغبياء أن مقارنة العلاقة بينهما من حيث الدور في استعادة الهوية تعني مقارنة طرفيها من حيث حجم الأشخاص علما وأن ثقافة محمد مزالي وابن سلامة أفضل واعمق بكثير من ثقافة محمد عبده والافغاني من حيث معرفة العصر وسر قوة الغرب حتى وإن كنت لم أتطرق لهذا الوجه في المقارنة لأني لم أكن اهتم كثيرا بالممارسة السياسية المباشرة وكان همي لاحقا أن نؤسس جميعة فلسفية عربية سرعان ما سيطر عليها حزب فرنسا فغادرتها. وكنت قد قرات محاضرة مزالي عن الديموقراطية في بداية عودته إلى تونس ومشاركته في الحياة السياسية وأعلم أنه درس الفلسفة عند الكبار في السوربون هو زوجته وهو من أسرة فقيرة كان بينه وبين أحد أصهاري علاقة أخوة عميقة قصها في كتابه مع وحدة إيماني وإيمانه بضرورة تحقيق السيادة الثقافية شرطا في بقية السيادات إذ ذلك ما سعيت إليه لما أبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- كنت في السنة الثانية بدار المعلمين العليا حيث كونت مع بعض الزملاء شبه جمعية غير رسمية لترجمة أهم مصادر الفكر الفلسفي الغربي الحديث .وتبين لاحقا أنه كان يريد تحقيق شروط السيادة الاقتصادية كذلك بما سعى إليه من علاقة مباشرة مع افريقيا والصين .وسأتكلم في ذلك في الومضة القادمة بأكثر تفصيل. كانت الحرب الأهلية هذه المرة واضحة المعالم ومعلوم من يقودها :عاشور عن الاتحاد والصياح عن الحزب .والرهان هو من يحكم تونس وحده بعد أن كانا يتقاسمان حكمها تحت مظلة حزب فرنسا تماما كما واصل ذلك السبسي فكانت نهاية حزبه الاليمة .وهو عين الرهان الذي أطاح بابن علي لأن الثورة كانت في البداية حركة نقابية يسارية ساعدها بعض أطراف المافية الحاكمة على انجاز الإطاحة وحال الشعب دونها والوصول إلى الحكم ومن ثم كان الانقلاب على الثورة مع أصحاب الروز بالفاكية وجبهة السبسي الشيرة. يمكن القول إن هذه المعركة الثانية التي نتجت عن الانفصال بين الاتحاد والحزب حول تقاسم الحكم ومحاولة الاستفراد به هي المحدد الرئيسي لما يجري في تونس منذ معركة .78 لكن تدخل عامل القذافية فيها ومحاولات الانقلابات التي هي كلها ذات توجه يساري أو قومي مصدره المشرق أو من درس فيه بما في ذلك ما يقلدهم فيه الاسلام السياسي أصبحت القاعدة المتحكمة في ا لمشهد التونسي وهو ما أخشاه على المسار الديموقراطي لأنهم إذا فشلوا في استرداد الحكم بالصندوق فسينفذون ما هددوا به في اعتصام الرز بالفاكية لأنهم لم ينفكوا يطالبون بالبيان عدد 1ولو على ألسنة غيرهم خاصة التشجيع والتمويل صارا حاصلين ولم يعد الامر مقصورا على حزب فرنسا بل انضم إليه حزب الثورة العربية المضادة وحزب إسرائيل وحزب إيران. وكان طبيعيا أن يخسر عاشور المعركة في تلك المرحلة ليس لأن الاتحاد كان أضعف بل لأنه حاد قليلا عن حزب فرنسا وأصبح أقرب إلى القذافي ربما بتأثير من محمد المصمودي رحمه الله .وسنرى أن المعركة التي تلتها والتي كان ضحيتها مزالي ومشروعه تحالف فيها العاشوري أو من يواصل سياسية تسييس الاتحاد بدرجة تجعله هو الحاكم وليس شريكا أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- الحاكم كما كان منذ المعركة الاولى فترتبت على ذلك العودة إلى حزب فرنسا وحزب وسيلة (زوجة الرئيس) والقذافي وفرنسا للإطاحة بمحاولة تحرير تونس من التبعة الفرنسية في الاقتصاد والثقافة .وكان لليسار الدور الأساسي في توظيف التعليم لهذه لمهمة رغم أن الرجل هو الذي أعاد لرجال التعليم ونسائه الكثير من حقوقهم وكرامتهم المادية والمعنوية وهو الذي أسس أهم المؤسسات التي نوعن الباكالوريا وحددت سرعتي التعليم بإيجاد نظام المدارس النموذجية .والتعريب المغشوش ليس من صنعه وخاصة تعريب الفلسفة .فمن قام به هو إدريس قيقة والتعليم الاساسي والتعريب المغشوش للرياضيات في الاعدادي من عمل ابن علي ومليشيات اليسار التي كلفها بما يسمى تجفيف المنابع. هذه اللحظة التي خصصت لها الومضة الثانية هي اللحظة الحاسمة التي لا يمكن فهم ما سيليها من دونها :أي لحظة مزالي وابن علي والسبسي وما اتوقعه وأخشاه على تونس.. أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- كما هو بين من الومضتين السابقتين ليست الأحداث هي التي تحتاج إلى سرد .فهي إلى حد كبير معلومة من الأجيال الحالية شيوخها وكهولها ولا شك أن شبابها علم ذلك منهما. لكن الإشكال هو في الأحاديث التي تدور حولها .وكما بينت في نظرية أبعاد التاريخ الأحاديث أهم من الأحداث في مجرى الأمور حتى وإن كان العلم يدعي تقديم الأحداث على الأحاديث للظن أنها قابلة للفصل عنها أي عن تأويلاتها المتصارعة بين الاحياء تماما كالحال في المستقبل حيث حضوره يكاد يكون مقصورا على الأحاديث حول الأحداث المتوقعة .ما يجعل الآية تنقلب فتصبح الأحداث اللاحقة تأويلا للأحاديث السابقة .وذانك هما معينا التأويل :إما تأويل الأحاديث مثل تعبير الاحلام أو تأويلها مثل تحقيق الاحلام. الومضة الثالثة هي التي يمكن أن أدعي أن مواكبتي لها شبه نسقية ربما لأنها كانت محددة للمشروع الذي آمنت به وما زلت لأن تونس من دونه ستبقى ذيلا لفرنسا ومثلها بلاد المغرب وكل مستعمراتها في افريقيا ونحن نرى يدها تمتد حتى لمستعرات إيطاليا واسبانيا فيها توهما أنها ما تزال قوة عظمى :وهذا من أمراض الديك الفرنسي .وكل عملائها العرب يتوهمونها قوة عظمى وخاصة أنصاف المثقفين من النخب العربية التي تعبد الفرنكوفونية لغة والفرنكومونية فرنكا وأغلبهم أجهل الناس بها وبثقافتها. الومضة الثالثة تتعلق بحرب أهلية سميت حرب الخبز .وكان الهدف منها الإطاحة بحكومة محمد مزالي بتدبير من وسيلة وادريس قيقة .وقد اطلعت عن كثب على علة قولة بورقيبة \"نرجعوا فين كنا\" .فالمرحوم على بوسلامة-ناشر كتابي عن الغزالي -أعملني -لأنه كان يحبني ويعتبرني صديقا-كيف أنه هو وابن بورقيبية الحبيب الابن استطاعا الدخول خفية حتى لا تحول وسيلة دونهما والكلام معه دون حضورها والوصول إلى بورقيبة لإقناعه بأن المستدف ليس مزالي بل بورقيبة نفسه .ولما اقتنع أنه هو المستهدف فهم أن بداية الانقلاب عليه تأكدت ولعل ذلك مما ساعد على طلاق وسيلة مع طبعا دور الحثالة التي أحاطت به وكان جنيسة التي أحاطت بالسبي في ـأواخر أيامه. أبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- لم يطل العهد بمزالي حتى صارت راسه مطلوبة ولكن بنفس الآلية التي أسقطت بها الترويكا حتى وإن لم يصلوا إلى استعمال الارهاب والاغتيالات .فأقدم مجبرا على معركة مع الاتحاد وطبعا كان ينبغي أن يخسرها في مجال لا يمكن لأي حكومة أن تبقى من دونه: افلاس الدولة .وكان لحزب فرنسا وللقذافي ولليسار في الجامعات والمعاهد الثانوية الدور الأساسي في \"تبريك\" الدولة وافراغ خزينتها بما اضطر إليه من استجابة مرغمة للمطالبات .وقد حاولت الجزائر المساعدة لكن للأمر حدود. ولا أعتقد أني بحاجة لشرح طويل لما حدث لأن شباب الثورة عايش نفس الظاهرة مع الترويكا .فما كان القصد من الإضرابات والاحتجاجات وتعطيل كل شيء وخاصة مصادر ثروة البلاد من أدوات \"التبريك\" وطبيعيا أن يكون حزب فرنسا متكفلا بالتغطية السياسية والاعلامية بدعوى منجزات الثورة في المطالبة بالحقوق دون الواجبات .وعند اللزوم بالاغتيالات والفرقعات الإرهابية المحسوبة والمسيطر عليها. فإذا أضفنا إلى ذلك خطة ابن علي ومن يحيطون بالرئيس المريض والذي بلغ أرذل العمر فهمنا أن تشجيع الحركة الإسلامية للإكثار من التحرك مع ما آلت إليه الدولة من الإفلاس نفهم أنهم كانوا من حيث لا يعلمون مطية .وقد أعملني زميل لي في ابن شرف كيف كان مخابرات ابن علي تعلمهم بتدخل الأمن حتى يواصلوا الاحتجاج في مكان آخر لتخويف بورقيبة من قوتهم الوهمية لأن ابن علي كان مسيطرا على الوضع .وبذلك تحقق المطلوب فصار هو رئيس الحكومة .ولم يمض أكثر من أسابيع حتى وقع الانقلاب المعلوم. ففتحت حنفية القروض وإعادة تعديل المحددات الكبرى للاقتصاد حتى نعيش كذبة عصر ابن علي والانقلاب الأخطر من الانقلاب على بورقيبة. الانقلاب الأخطر حدث بعد ذلك .إنه الانقلاب على البورقيبية بدعوى المصالحة مع اليسار والقوميين رمزا إليهم باليوسفية تماما كما فعل السبسي حتى وإن استغنى عن رمز اليوسفية لحاجته إلى إعادة تدوير بورقيبة .ما حدث هنا في هذه اللحظة كان حربا ـأشنع أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- من الحرب الأهلية التي جرى فيها الدم لأيام .فقد جرى فيها الدم لعقدين كاملين على مستويين كلاهما خطير وكلاهما ما يزال محددا للوضعية الراهنة: .1دم بشري أعني محاولة استئصال الإسلاميين وكل من يحنو حتى على الأيتام من أبنائهم مهما كانت قرابته بهم .وذلك باستعمال الامن وقوادته من اليسار وخاصة من الوطديين للانتقام من هزيمتهم في الجامعات. .2دم أغلى حتى من الدم البشري لأنه هو سر معناه أعني الحرب التي سموها بتجفيف المنابع وهي حرب بايولوجية لأنها تتعلق بقتل النبات من خلال قطع الماء .وماء الإنسان هو تراثه عامة وتراثه الروحي خاصة .وقد كلفوا بهذه المهمة أحقر من يوجد في نخب تونس المتفرنجة تفرنج العبيد من سفلة القوم اجتماعيا وخلقيا وحتى حداثيا .وكانت لي معهم منازلات لأن أحد أزلام الشرفي كان يتصور نفسه قد صار ربا في التعليم والجامعة اللذين استبيحا ولعل سر الاسرار في تردي التعليم في تونس هو هذه المجموعة من الجوعى والوصوليين الذين ما يزال لهم دور في تعفين المناخ الثقافي والسياسي في تونس. ولذلك فما أنسبه إلى ابن علي لا يتعلق بما فعله في بورقيبة فعلا شنيها لا رحمة فيه ولا رجولة ولا بما فعله في الإسلاميين فحسب بل بما فعله في ثقافة تونس وخاصة في أخلاق شبابها وشاباتها .فقد أصبحت تجارة المخدرات وتجارة الجنس والحد الاقصى من وقاحة خدامات حجامته أهم منشط للمافيات التي كانت تختفي وراءه واسرته ووراء زوجتها واسرتها .وما نراه اليوم في أحوال تونس هو النكبة الحقيقة التي إن لم نتداركها فإن تونس ستبح ماخورا كبيرا لا أكثر ولا أقل لمتقاعدي أوروبا عامة وفرنسا خاصة. وأذكر أنه قد طالب بإمضاء ميثاق وطني وطلب من بعض المثقفين وكانوا حينها لا يرون مانعا من اعتباري مثقفا فطلبوا رأيي معهم وكان موجه السؤال هو جريدة الصباح فأجبت بأن هذا مشروع فتنة وليس مشروع وحدة لأنه يجعل تحديد الهوية رهن إرادة جيل محدد في تاريخ أمة أو جزء منها .ورفضت فكرة الميثاق المحدد للهوية. أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- مرت سلامات لأن الامر كان في أيام صحاف العسل الاولى قبل انتخابات 89التي شارك فيها السبسي ونال فيها مقعدا وصار رئيس مجلس النواب وهو يعلم أن نجاحه كان مزيفا ومغشوشا ثم يتكلم على الدولة وعلى رجالها ومهابتها حتى يقال إنه وضعنا على المحجة البيضاء .لا أكاد أصدق .لكن الامر لم يدم طويلا بفضل \"رجولة\" بعض الزملاء الذين لا يتخلفون على خدمة الدكتاتورية فأعلموا من يهمه الأمر بأني كنت أطالب من بعضهم في قاعة الأساتذة بإمضاء عريضة من اجل محاكمة عادلة للمرحوم محمد مزالي .وهما شخصان لن أذكر اسميهما لكن أحدهما قال لي إني كنت \"مساحة\" أرجل لمزالي وكان يعمل مع أحد وزراء الزين .فأجبته قد يكون كلامك صحيح لكني عملت معه لأنه أولا استاذ فلسفة وزميل وثانيا لأنه مؤمن بما اومن به وليس \"كابورال\" مثل من تعمل معهم أنت. والفاهم يفهم إذ لا بد أن الخبر وصل للمعني بالكابورالية. لكني ولله الحمد -دون وشق ولا داد-كان الله ساتري لأني لم أنتسب إلى حزب كان ينافسه في الحكم بل هو قد وجد أن مثل الإسلاميين في مدنيتي كان قد وضعني في قائمة الملحدين الين يجب تصفيتهم .فيكون الإلحاد المزعوم قد حماني :مكر الله الخير. البقية معلومة وهي بخلاف من لم يفهم علل انقلاب اليسار والاتحاد على ابن علي :لو لم ينجب ابن علي ابن ولم يصبح حالما بالتوريث مثل كل الحكام العرب لما انقل عليه أحد. ذلك أن مشكلهم ليس مع التوريث بل مع ما استنتجه ابن علي وزوجته من ضرورة الصلح مع الإسلاميين إذا كان يريد اعداد \"الجو\" لذلك .فبدأت علامات الصلح وأهمها كان عن طريق صهره الماطري .ولست أدري هل كان بين الحركة وابن علي ما يثبت ذلك لكن ا لوقائع تفيده وخاصة بدايات العفو وإرجاع الجوازات والتخفيف في مطاردة الحجاب واللحي .وأذكر أني قد عطل حصولي على الجواز بسبب لحيتي رغم أنها \"فلسفية \"وليست دينية ثم فجأة اعطيت الجواز فذهبت إلى ماليزيا .تلك هي العلة الرئيسية لمشاركة اليسار والاتحاد في الثورة .وما أن تبين أن الشعب لا يقبل بهم لحكمه حتى صاروا أعدى أعدائها. أبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- أمر الآن إلى الومضة الرابعة والتي سميتها كذبة الإنقاذ الأولى .فهذه عشتها من الداخل لسبب بسيط وهو أني كنت على صلة بأحد الصحفيين من الساحل -توفي رحمه الله -كنا نلتقي تقريبا مرتين في الأسبوع في مكتبة الآباء البيض لأنه كان جديا في اعداد بحوثه بإتقان وأظنه من مدينة ابن على وصديق رئيس الوزراء الاول -الاستاذ الهادي بالكوش وأعلمني أنهما حررا معا بيان السابع من نوفمبر ولا أظنه كاذبا .وقد زرت الأستاذ الهادي البكوش في بيته بعد أن عزله ابن علي مع صديق من رأس الجبل ورأيت بعض المرارة لأنه كان صادقا في البيان لكن الامور جرت على خلاف ما توقع. تكلمت على نوعي الحرب الاهلية التي نتجت عن كذبة الإنقاذ الابنعلوي .فهو أنجز معزتين خربتا تونس إلى حد يعسر إصلاحها من دون ثورة روحية وخلقية يعسر تحقيقها: .1فهو أولا أنهى البورقيبية بأن أدخل في الحزب من كان بورقيبية يعتبرهم أخطر على تونس حتى من الإسلاميين أعني اليسار والقوميين .وهذا وجه الشبه الاول بينه وبين السبسي .ولذلك قلت إن الرجل ابنعلوي وليس بورقيبيا. .2وهو أنهى ما كان الشعب التونسي مشهورا بها من الاعتدال في ما يسمى بنمط العيش لأن سلمه الاجتماعي في اغلبه كان محافظا .وقد قرر ابن على أولا ثم زوجته ثانيا عمل كل ما يستطيعون للقضاء على هذه الميزة التي كانت تمثل حتى في عهد بورقيبية شبه تناغم شعبي ليس فيها ما صار به بسب تجارة المخدرات واللحوم البيضاء والاقتصاد الموازي والروبافيكيا وتبييض الأموال والتهريب والمافيات التي تعمل مع أسرتي الرئيس وزوجته. فحصل التسيب المطلق .وحتى في هذا الوجه الثاني يمن أن نجد وجه شبه بينه وبين السبسي الذي كان أول قانون يسنه يتعلق بالمخدرات وثاني قانون كان ينوي سنه هو المساس بأمر كان سيقضي نهائيها على وحدة الاسر واستقرار الملكية وهذا أقوله بصرف ا لنظر عن الحكم الديني لأن الامر يتعلق بتقاليد يصعب تغييرها من دون ثورة ثقافية تقطع نهائيا مع تراث الشعب وفيه من ثم مواصلة لسياسة تجفيف المنابع. أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- ما يسمونه اليوم \"النمط الاجتماعي\" هو هذا التسيب الذي يجعل تونس \"انجوفارنابل\" لا يمكن أن تساس وأن تحكم سلميا .فكلما كثر التسيب ا لخلقي والاقتصادي أو ما يسميه ابن خلدون الترف مع الفقر كلما عاد الإنسان إلى الحيوانية فلا يبقى قابلا للحكم بالشرعية بل إن هذه تضمر وتعوضها الشوكة .ولذلك فالذين كانوا مستفيدين من هذه الوضعية هم من ينادون بالبيان عدد 1أي بالحل المصري متوهمين أن مشكل تونس هو في وجود الإسلاميين. تونس انهارت حتى لو الغي وجود الإسلاميين ولن تنهض ما ظلت نخبها تتصور أن الامر متعلق بخيار بين نمط اجتماعي تغيب فيه شروط التنمية ولا يحضر فيه إلا الاستهلاك بالاستدانة وبيع كل مقدرات البلاد من أجل مافية في أساسي كل إنتاج أي الإداريات السياسية والخدمية والنقابيات العمالية والاعراف مع التبعية التي تجعل كل ثروات البلاد ملكا لغير شعبها لأن فرنسا ما تزال صاحبة الحق في كل هذه الثروات بسب اتفاقيات الاستقلال المغشوشة وكذلك بسبب ثان أريد أن أذكره لأني عاينته بأم عيني. فقد حضرت مع رئيس الحكومة في الوفد المرافق للقاء بين الاعراف التونسيين والاعراف الفرنسيين في باريس .فاكتشفت أمرين: .1الاول هو أن ممثلي الاعمال التونسيين لم يكونوا إلا عمال عند ممثلي الأعمال الفرنسيين وجلهم صهاينة. .2الثاني وهو الاخطر وله علاقة مباشرة بإسقاط محمد مزالي :شروط مجحفة في ما يسمونه تعاونا وهو استغلال مضمون لثروات البلاد مع شرط استبعاد المنافس من تونس أو من خارجها. لما رأيت ذلك استأذنت رئيس الحكومة في السماح لي بأخذ الكلمة -إذ بصفتي مستشارا ليس لي الحق في الكلام عادة لكنه كان متسامحا معي لمودة خاصة منه إزائي فأذن لي-فسألت من سمعتهم \"يبتزون رئيس الحكومة في مسألة تمويل المشروعات بشروط تعجيزية\" هل لكم ثقة في ثورة تونس وتراهنون عليها أم تريدون اعمالا من دون شيء من الريسك؟ أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- قلت لهم لست مختصا في الأعمال لكين أعلم أنها تتضمن دائما جزءا من المغامرة .ونحن لسنا مستعدين للانتظار .خذوا وقتكم أما نحن فعندما من يثق فينا وفي ثورتنا وهو ينتظرون الإشارة للقدوم كما ترونهم في بقية افريقيا. ما أن سمعوا ذلك صاروا يطالبون بالمشروعات للشروع مباشرة في التنفيذ .كانوا يعلمون أن الامر جربه محمد مزالي وعاد بمشروعات صينية ويابانية وباتفاقيات جنوب جنوب تحرر تونس من الابتزاز. وفهمت أن المشكل ليس مع فرنسا ومافيتها بل مع مافيتنا نحن :فهؤلاء هم من يحمي مصالح فرنسا ويقدمونها على مصالح تونس لأن ذلك يجعلهم يسرقون كما يشتهون وذلك ما ناره حاصلا في الثروة الطبيعية وفي الخدمات السياحية وحتى في تصدير الكفاءات التي تنفق عليهم تونس ليصبحوا في خدمة فرنسا دون مقابل. هذه تونس التي ورثتها الثورة .وهذه تونس التي جاء الانقاذ الثاني -انقاذ السبسي- ليخلصها من الثورة وليس من الإسلاميين كما يزعم لأنه لم يستطع أن يحكم من دونهم ولأنه يعلم أنه لولاهم لكان مصيره مصير بورقيبية لأن من ظن أنه قد استعملهم للوصول إلى الحكم كانوا مثله يبيتون به شرا وينوون الانقلاب عليه .حتى من كان مصفه لما أراد الانقلاب عليه لم يستطع القيام به من دون بديل منه لخوفه منهم مثله فاعتمد على بعض قيادات النهضة. أبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- وصلت الآن إلى الومضة الخامسة والأخيرة والتي سميتها كذبة الإنقاذ الثاني قيسا لجبهة الانقاذ التي كونها السبسي على بيان الإنقاذ الذي مثله بيان السابع من نوفمبر .طبعا هذا البيان كان يعني انقاذ تونس من حالة النظام البورقيبي بتمكين الشعب من قيادة نفسه بنفسه كما جاء في نص البيان. وبيان السبسي كان انقاذ تونس من الترويكا بتحقيق ما سماه لاحقا التوازن من أجل تحقيق الانتقال الديموقراطي .لكن كما هو معلوم جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة التي كلنا يعلم أنها في السياسة تعني في الغالب عكسها تماما .وقد تبين أن الرجلين يقصدان العكس تماما كما بينت النتائج في الحالتين. وقبل أن أواصل الكلام لا بد من توضيح ارتسام قد يجعل القارئ يتصورني أركز على دوري دون أن أعلم طبيعته فيتوهم أني أتوهم أني لاعب مهم في السياسة .وعاش من عرف قدره لها دلالتان :من يتوهم ما فوق رأيه في ذاته فوق مستواها فيكون حالما بدور سياسي. لكنها هنا تعني أني اعتبر قدري فوق الطموح السياسي .لم يدر بخلدي أبدا أن أكون سياسيا بدليل أني ما سعيت للتقرب من ذي سلطة سياسية ولم أزر في حياتي سفارة عدى مرة واحدة لسفارة السعودية ردا لجميل وزير الشؤون الدينية السعودي الذي كرمني مرتين في ندوات الحج لما كنت في ماليزيا الاستاذ مدني أبو نزار واستضافني في بيته مع الزميل با قادر. وهذا دليل كاف على أني لم أبحث عن انتهاز أي فرصة مما ذكرت لأن من لا يزور السفارات في تونس وخاصة سفارتي فرنسا وأمريكا لا يمكن أن يكون سياسيا .كما لم أحضر في المناسبات الرسمية ولم أسعى لربط علاقات مع أي مسؤول لا في العهد البورقيبي ولا في العهد الابن علوي ولا حتى في عهد الترويكا .ولو كنت أريد أن أكون من السياسيين بالمعنى الرسمي للكلمة لما ترددت في ما يعتبر شرطا ضروريا حتى وإن لم يكن كافيا .وهذه كلها من هذا النوع .إذن ما معنى وصلي بين مراحل من حياتي والمسار السيسي في تونس؟ أبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- كل ما في الامر أن الله شاء أن أكون من الشهود ربما الأساسيين إما بالعيان عن بعد أو بالعيان المباشر .كلها صدف ذات علاقة مباشرة بما يعنيني في السياسي من حيث هو موضوع تفكير لأني في النهاية من تلاميذ أرسطو .وكلها من الصدف التي شاءت أن أكون في اللحظة المناسبة في المكان المناسب وهي لا تختلف عن اقتراح النهضة علي أن أكون رئيس دائرة تونس الأولى .وما فكرت في ذلك أبدا ولا سعيت إليه بل لقد اقترحت عليهم بأن يجعلوها للأستاذ مورو فهو أولى بها مني لأني لست سياسيا .وقد قلت من اليوم الاول للإعلان على الترشحات وأمام جمهور الحاضرين في قصر المؤتمرات بالعاصمة أني محافظ على استقلالي ومنتصب إلى حركة النهوض وليس إلى حركة النهضة. وأريد أن أختم بصدفة عجيبة .فرئيس الدولة -المبزع-تشاجرت معه في اجتماع بالصادقية وكنت جالسا إلى جانب الصياح وكانت الجلسة حول مدرسة الغد .لم يعجبني منه انتفاخ أوداجه بدعوى أنه بلدي ولا ابلد من البلدية .لكن الصدفة أعمق فأخوه المحامي كان محامي خصم والدي رحمه الله حول مسألة تهم أملاكنا في شمال تونس. ومحامي والدي الذي اخترته أنا وليتني لم أفعل لظني أنه معارض صادق صار من وزراء ابن علي بعد أن غادر حركة الديموقراطيين الأحرار .وقد عرفته لما كان معنا فيها فخان امانة المحامي ولم يحضر الجلسة الحاسمة وسلم القضية لصديقة أخ من صار لاحقا رئيس الدولة .طبعا هو لا ذنب له وقد لا يكون على علم بشيء من ذلك .لكن شيء من التوجس جعلني أعتبره مثل اخيه خاصة وهو قد كان شاهد زور في برلمان ابن علي مثله مثل السبسي. هذه صدف من سيرتي الذاتية لكنها كانت مؤثرة في مواقفي واهتمامي بتحليل الأوضاع بعين الشاهد وليس بعين المشارك في السياسة .وإلى الان لما أكتب ناصحا لقيادات النهضة لا اعتبر نفسي \"حاج كلوف\" بل اعتبر ذلك ناتجا عن أهمية الحركة في مسار الانتقال الديموقراطي واعتبر نجاح تونس فيه يمكن أن يكون قدوة لبقية العرب. أبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- ولو كنت حقا مشاركا أو ذا ميل للسلطة السياسية لبقيت فيها لكني كنت أتقزز من النفاق والتمسح بالقيادات وهو أمر اشمئز منه واعتبره محطا من كرامتي لو فعلت شيئا منه. رفضي لمثل هذا السلوك ساهم في التسريع في الاستقالة من المجلس ومن المستشارية بعد سنة تطبيقا لوعد كان التزاما خلقيا بأن الانتخابات هي لسنة ولكتابة الدستور بس. وقد يكون لهذا السلوك حكم شخصي عن كوني فاقدا لطبع السياسيين الذي وصفت أو ربما لتأثير فكرة ابن خلدون من أن من يتصور نفسه \"طز حكمة\" لا يمكن أن يكون \"طز سياسة\" وهو يعتبر من كان هذا سلوكه مسؤولا عما ما يترتب عليه من سلطان للسفلة في الدول لقدرتهم على التملق والنفاق .وأقولها بكل اريحية لأني فعلا هكذا أرى نفسي أبعد من أن استعمل طرق السياسيين وهو ما قلته للدكتور منصف المرزوقي :لما سألني عن موقفي مؤخرا منه وظن أن ضده شخصيا لعداء بل هو لاحترام ثقافته وصدقه فقلت له\" :لست متاع سياسة\" لأنك تؤمن بشيء وتطلب الحقيقة .السياسي لا يؤمن بشيء ويطلب ما يقبل التصديق رغم كذبه وليس الحقيقة التي يؤمن بها. وقد طبقت ذلك على نفسي .ففي حين كان الأستاذ محمد مزالي يسعى إلى تقريبي كنت أرى أنه مقدم على نهاية مؤلمة لظنه أن الثقافة أساس لدور سياسي متين .وقد قلت ذلك علنا في ندوة ثانية حول شخصيات تونسية كان هو موضوعها بعد الاولى التي كان موضوعها المسعدي .وكنت أحد المحاضرين مع ناصر الدين الأسد والاستاذ جاك بارك والحصة متلفزة وفيها تكلمت على \"عقدة المتنبي\" واقصد الاعتماد في السياسة على الابداع الفكري بدلا من تكوين قوة سياسية مؤثرة قاصدا أن خط الاستاذ مزالي يتطلب تكوين حزب أو قوة سياسية تؤمن بالمشروع ولا يكفي أن يكون المرء مثقفا لينجح في تحقيق مشروع وأن حزب بورقيبة في وضعيته التي آل إليها لم يعد يتسع للمشروعات الكبرى. وطبعا كنت على يقين أن ذلك لا يعجبه لكن لست مهتما .وقد فعلتها مع غيره وقررت أن اعتزل لأن ما حصلته من خبرة كافية لفهم الفعل السياسي ولا أحتاج أكثر .ولست أبرر موقفي فالتاريخ سيشهد بذلك عندما يتبين لكل من حاولت مساعدتهم فركبوا رؤوسهم فإذا أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- هم لم يبق لهم إلا عض أصابعهم .فمن لا يعمل السياسية يمكن أن يعلم قوانينها لأنه متحرر ربما مما يسمونه إكراهاتها التي قد تجعل الغارقين فيها لا يرون أكثر من ذبابة أنوفهم. سأميز بين مرحلتين في كذبة الإنقاذ الثانية التي تزعمها السبسي .المرحلة التي لم نكن نعلم من جاء به إلى الحكم بعد القصبة الثانية .والمرحلة التي سماها هو بنفسه جبهة الانقاذ .الآن صرنا نعلم من أتى به بشهادة علنية من كاتب الدولة للأمن في الحكومة التي كونها خلال القصبة الثانية .أما المرحلة الثاني فهي التي أوصلته إلى الحكم بين 2014إلى آخر حياته في الشهر الماضي. ولم أقل عن الرجل أكثر مما قال عن نفسه في المرحلة الأولى اذ حللت قصته التي قصها يوم تسلم الحكم وفيها وضح أنه ينوي خياطة كسوة لخروتشوف .وطبعا فخروتشوف يعني به الشعب ويعتبر نفسه التارزي الروماني الذي سيرضيه بعد أن فشل أفضل تاركي في إرضائه ويعني بورقيبة .والإشارة هي ما ينوي القيام به لأفشال الثورة. • كل ما تلام عليه الترويكا هو فاعله: • قانون العفو العام دون قيد ولا شرط • مشكل حرق السجون وهروب المساجين • مشكل السلاح الذي مر إلى ليبيا • مشكل فتح الحدود دون تتبع • وأخيرا مشكل التوظيف اللامحدود والزيادات اللامعقولة في الأجور .وكان من المستحيل التراجع في أي من هذه القرارات التي اتخذها خلال الـ 11شهرا قبل الانتخابات الأولى .وهو طبعا من حافظ على اللجنة التي كونها ابن علي للإصلاحات والتي سماها لجنة تحقيق أهداف الثورة وهي قد كانت لجنة جعل الثورة عاجزة عن تحقيق شيء على الأقل بقانون الانتخاب الذي فرضوه والذي يجعل من المستحيل قيادة البلاد مع حل حزب الدستور وتكوين النقابات الامنية والتعاون المخل بالنظام العام والعمل المنتج مع الاتحاد. أبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- أما ما حدث في تكوين جبهة الانقاذ فقد كانت بنحو ما من جنس جبهة الانقاذ المصرية ولولا خوف \"المسؤول الكبير\" من انفرط عقد المغرب كله لسمحوا له بالقيام بمثل ما كانت تنصح به جماعة اعتصام الرز بالبندق قام به السيسي بشهادة مدير نسمة. والبقية يعلمها الجميع وهي ما نحن فيه الآن. أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- أبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 26
Pages: