ثورة الإسلاموادعياء الحداثة الكاريكاتورية الأسماء والبيان
وأدعياء الحداثة الكاريكاتورية
المحتويات 1 9152028
أبدأ الآن محاولة متممة للمحاولة التي فرغت منها للتو :كيف نفهم فكر من يدعون الحداثة من بين النخب العربية اليوم؟ سأقسمهم إلى قسمين فاشيين. القسم الأول ،هو الذي اعتمد فكر فاشية أوروبا الرأسمالية ما بين الحربين، والقسم الثاني ،اعتمد فكر فاشية أوروبا الشيوعية :فاشيتي القومية والشيوعية.وكل الانقلابات العسكرية في بلاد العرب ،صدرت عنهما ،وهي في النهاية جمعت النخب التي خدمت الفاشيتين باسم القومية والاشتراكية :انحطاط الحداثة.وقد تحالفت الأنظمة العسكرية ،والنخب التي تخدمها وتدعي الحداثة ،مع قطب السوفيات ضد تحالف الأنظمة القبلية والنخب التي تخدمها مع قطب الأمريكان.ولما سقط الاتحاد السوفياتي ،لم يعد القطب الأمريكي بحاجة لحلفائه من العرب ،رغم أن يتامى القطب الأول ،أنظمة ونخبا ،أصبحوا تحت جناح الثاني.والانضمام الفعلي ،أخفاه العداء القولي ،كما فيما يسمى بقطب المقاومة ،ومن ثم ،فالحرب الكلامية بين نوعي الانظمة والنخب ،ظل قائما قبل ثورة الشباب.بعد ثورة الشباب ،واختيار الشعب أحزاب الإسلام السياسي ديموقراطيا للحكم ،أصبح بالوسع تحديد المشترك بين نخبتي الكاريكاتور التأصيلي والتحديثي. كلاهما يستعمل نفس التهم.لكن نخبة الكاريكاتور التأصيلي توجهها لما تسميه بالإسلام السياسي ،أو الأخونة، والكاريكاتور التحديثي ضد الإسلام نفسه.ولما كان الكاريكاتور التحديثي ،أصبحت نظمه العسكرية مفلسفة ،فإن نخبه صارت مليشيات قلم يوظفها الكاريكاتور التأصيلي لما لدى النظم القبلية من مال. 33 1
هذه الظاهرة ،هي ما أريد فهمه ودراسة علاقته بما يجري في الإقليم والعالم ،منذ شروع الأمة في مقاومة الاستعمار ،والوعي بعلله النابعة من انحطاطنا.ولن يتعلق كلامي بالأشخاص ،بل بالصفات المشتركة بينهم ،وأهمها مدى معرفتهم بالحداثة التي يحتكمون إليها ،وبالحضارة الإسلامية التي يحاكمونها بها.وهذه المعرفة التي أريد تقويمها ،لا تتعلق بالحضارتين الحديثة والإسلامية لذاتهما ،بل بما فيهما من شروط التلاؤم مع ما يقتضيه تحقيق الإنساني عامة.وهذا يعني أن بحثي سيتعلق بفلسفة الوجود وفلسفة التاريخ ،وعلاقتهما بالإنساني في منظور أدعياء الحداثة ،بفكر لم يتجاوز روبافيكيا الفكر الغربي.فلن أقتصر على الفكر السياسي ،بل سأغوص إلى اسانيده الأعمق ،حديثة كانت ،ما بعد حديثة ،ووسيطة أو قديمة :فنجوم الحداثيين العرب ،أميون في ذلك كله.ولأعد إلى ما قد يبدو مجرد دعوى :هل النخب التي تدعي الحداثة في بلاد العرب تعتمد الفكر الفاشي اليميني واليساري الغرب؟ أم هذه دعوى غير أمينة؟لن أطيل الكلام :تكفي مصر الفتاة وحزب البعث لنعلم ذلك من حيث الفاشية اليمينية، حتى وإن انضمت الأنظمة ونخبها لاحقا إلى فاشية ستالين الشيوعية.وحتى لا أظلم أحدا ،فينبغي أن أعترف بأنه كان يمكن أن ينحاز خيرة الحداثيين الصادقين للثورة والهوية ،لو لم يكن في الجانب الثاني إفراط غباء عجيب. وهذا الإفراط مضاعف: -1وهم الوصاية على الإسلام وفهمه -2دعوى الطهورية الخلقية بشعار \"مخافة الله\" التي يشتم منها النفاق في صفوف الإسلاميين.والوهم الأول لا معنى له ،لأن مفهوم الحرية الروحية يلغي الوسطاء والأوصياء كما بينا. والثاني مناف لسياسة الإسلام ،وخاصة في اللحظات الحرجة.فجذب أفاضل النخب الحديثة وأرقاهم تكوينا ،ينبغي أن يراعي ما تربوا عليه من \"دلال\" مع الأنظمة السابقة ،وحرمانهم من شروط العيش المعتاد لديهم. 33 2
فأغلب الصحافيين البارزين والنخب المفيدة للوطن والثورة ،كان يمكن ضمهم إلى صف الثورة والعهد الجديد ،بمراعاة ظروفهم بمنظور سياسي قرآني مرن.كلنا يعلم أن للكثير منهم التزامات مادية -قروض وأوضاع خاصة-يعسر تغييرها بين عشية وضحاها ،ومراعاتها بـ \"تأليف قلوبهم\" لو حصل ،لخدموا الثورة.وقد لمحت إلى أن مفهوم تأليف القلوب من الحكمة السياسية ،وليس من الفساد ،لأنه يقلل كلفة تقوية الصف وتوحيده ،وخاصة في مرحلة بناء العهد الأولى.فات الذي فات ،وخسرت الثورة الجولة الأولى ولنتجنب الغباء السياسي بدعوى الطهورية، فأصحابها ليسوا أدرى بقيم الإسلام ممن وضع مبدأ تأليف القلوب.ولا أعتقد أن الكثير من الصحافيين التونسيين الأكفاء ،لم يكن على الأقل في ضمائرهم ما يسعدهم لو أن الانحياز لصف الثورة توفر لهم بكلفة مقبولة. ومثلهم الكثير من المثقفين الأكفاء ،وهم موجودون.لذلك فكلامي لا ينبغي أن يعمم ،بل هو مقصور على المنحازين عقديا ضد الثورة والهوية، وهم العملاء.وغالبا ما يمثل هؤلاء أرذل الحداثيين خلقا وأدناهم علما ومعرفة بالحداثة والإسلام .وهمفي الغالب حثالة المثقفين من العاطلين ومثرثري الحانات ،وأغلبهم من طبالي الأنظمةومخبري الاستعلامات وما يسمى بالمجتمع المدني ،الذي تموله المنظمات غير مجهولة الاجندات ،وهم من يتامى الحرب الباردة.وطبعا فمنهم من صاروا نجوما ،وخاصة ممن يدعون فلسفة في نقد التراث والإسلام ،وهم من معاتيه الحداثة ،بل هم سلفية الحداثة الأكثر تحجرا من السلفية.وهؤلاء مثلهم مثل سلفية التقليد ،هم مليشيات القلم الذين استعملتهم الثورة المضادة وأعداء الثورة والإسلام في الفضائيات والصحافة لتشويههما.ولنبحث في المسائل التي طلبنا اختبار معرفة ادعياء الحداثة بها ،معرفة يمكن أن تفهمنامواقفهم من الحضارة الحديثة والحضارة الإسلامية وعلاقتهما .ونحن سنحتكم في ذلك إلى 33 3
منتوجهم الفكري ،سواء كان المعرفي الأكاديمي ،أو الإبداعي الأدبي ،وخاصة في مجالات التعبير عن الوجدان في صلته بالحضارات. وكلا المنتوجين لهما وجهان: -إما في مجال التعريف بالإنتاجين الغربي والإسلامي ،بترجمة الاول وتحليل الثاني، -أو في مجال الإنتاج الذاتي المبتكر.وأقصد المنتوج الذاتي المبتكر ،خاصة ما يسمى بالمشروعات التي عرف بها بعض النجوم العرب في القرن الماضي ،من أدعياء الحداثة والتفلسف الابتكاري.ولست غافلا عن أن العامل المعرفي ليس هو المهم في المواقف ،لأنها ليست نتائج لمقدمات بقدر ما هي مواقف لمعتقدات ،يغلب عليها شروط الترشح للنجومية.فالنجومية في بلاد العرب ،منذ أكثر من قرنين ،هي مظاهر الخواجة والسعي لرضا المتخوجين ،ممرا واجبا للانتساب للمحظوظين وذوي الجاه في أنظمة تابعة.ومن علامات تأثير ثقافة الخواجة الفرنسية في المغرب العربي ،كان يمر بنخب الشرق ،مصروالشام ،مع ما يتسم به فهم الحداثة من سطحية وقشورية عجيبة ،ويصاحب ذلك ما يعبرعن عقد نقص التبعية ،بالبحث عن الذات في كل مبدعات الغير ،لتعزية الذات عن تخلفها بسبق عربي ،لا يتجاوز القشور والأعراض.ومن هنا المبالغة في دور الأندلس وتأثيرها في ثقافة الغرب الحديث ،أو البحث عن أوجه الشبه بين أجناس أدبية حديثة وما يقرب منها في التراث.وهذه الظاهرة تجدها اليوم عند كل من يريد أن يتعالم في التراث الإسلامي الفلسفي أو الديني ،فلا يراه إلا بغربال التراث الغربي الحديث.وكان ذلك يكون مقبولا لو كان متعلقا بأعماق الأمور وليس بسطحها ،الذي يحول دون فهم التراثين والواحد ،في الإبداع الإنساني بمعزل عن التأثير والتأثر.ومن آثار البحث عن التشابه السطحي الوخيمة ،أنه يؤدي عادة إلى عدم الغوص إلى الواحد الكوني ،فينتهي إلى الخلط بين حقائق الأشياء وتافه المظاهر. 33 4
والقضية لا تتعلق بالمعرفة ،بل بالعمل :فهذا الموقف يؤدي إلى محاكاة التحديث التي تقتصر على ما فهم من الحداثة أي قشورها :علة فشل التحديث العربي.وإذن فالأمر ليس قصورا معرفيا فحسب ،بل هو كذلك سوء علاج عملي ،والعلة هي عدم فهم الحداثة بدليل الاكتفاء بوجوه الشبه السطحية ،والذهول عن العمق.ولعل ما أعيبه على جل المشروعات ،التي عرف بها نجوم القرن الماضي من مفكرينا الحداثيين ،هو كونها ليست إلا نتيجة الخلط بين لب الحداثة وقشرها.ولما كان نقد التراث مبنيا على هذا الفهم الرديء للحداثة ،منطلقهم ،فإن ذلك يؤكد عدم فهم التراث الإسلامي ،وعدم فهم نظرية نيتشة في مفهوم التاريخ.ففي \"تأملات غير مناسبة للعصر\" حدد نيتشة ثلاثة معاني لمفهوم التاريخ :المتحفي،والمعلمي ،والنقدي .وهذا النص كان أول ما ترجمت مع نص التنوير لكنط ،والنص لا يمكناستعماله من دون أن أضيف معنيين يكملان نظرية نيتشة ،أو يحددان دلالتها العميقة: فالنقد عام ،وله وجهان يتعلقان بالمتحفي والمعملي.فالنقد العام دون هدف محدد ،يمكن اعتباره موضة من جنس ما نجده في نقد التراث عند نجوم المشروعات العربية .لكن النقد فلسفيا ،عمل حي في مسار الأمم.عندما يغلب على أمة المتحفي من التاريخ ،يكون النقد ،إن وجد ،فعلا إحيائيا ينقل التراث، الذي يكاد يكون قد مات ،إلى الحياة في الأمة التي استيقظت.ونستطيع أن نقول إن أجيال عصر الانحطاط الأخيرة ،قد \"متحفت\" تراث الأمة الذي صار آثارا شبه ميتة ،بسبب عموم الأمية التي نتجت عن الانحطاط.بداية الاستيقاظ من الانحطاط بحيوية ذاتية ،أو بسبب الصدمة بالغرب ،نفضت نقديا الغبار عن متاحف ،أعدها جيل جمع التراث وكتابة الموسعات للإحياء.لكن النقد عندما يتوجه إلى المعالم ،فهو يصبح أشد صرامة ويتحول إلى ثورة الإبداع المتجاوز للتراث عامة ،ولمعالمه خاصة ،فيكون بداية الاستئناف.ما يسمى بالمشروعات الفكرية لم يكن هذا ولا ذاك .والنقد الإحيائي حققه المقاومون لمحاولة الاستعمار ،وعملائه قتلوا اللغة العربية وتاريخ الإسلام. 33 5
وهذا العمل ،بخلاف ما يشاع ،لم يقم به ادعياء الحداثة ،بل المدارس التقليدية التي تتهم بالرجعية ،والتي نفضت الغبار عن المتحف :النقد الإحيائي.والآن ،وخاصة منذ الثورة ،بدأ النقد الثوري الذي لا يعيد النظر في المعلمي ،قيسا بمعايير الغير ،بل يبدع ترجمة مناسبة للعصر من المعلمي الأصيل.وهذا هو المنظور الذي سأنطلق منه للكلام على بعض النماذج ،من المشروعات التي توخاها بعض النخب ،مدعية الحداثة ،والتي ليس لها من النقدين شيء يذكر.وقبل الكلام على كاريكاتور التراثين ،الحديث وما بعده ،والإسلامي وما قبله في مشروعات نجوم نخبنا ،لا بد من كلمة سريعة حول كونية ثورة الإسلام.فمصدرها له نظير متقدم على الإسلام ،جعل مشكل الرسول الخاتم ،ليس إثبات الوحي أو النبوة ،بل عقدة الكاريكاتوريين :توثين الأعيان ،ونسيان المثل.فنخب الجاهلية ،الذين رفضوا الرسالة ،لم يكن جدلهم معه في الوحي والنبوة من حيث المبدأ ،بل كان رفضهم كونيتهما ،وقابلية غير وجودها لغير محتكريها.والعلاقة بين هذا الموقف ،وموقف أصحاب المشروعات من نجوم مفكرينا ،لا تبرز للعيان، لأن أساسها ظل خفيا ،وهو ما أريد أن أوضحه بصورة لا جدال فيها.فما كان يمكن للجاهلي ألا يشكك في وجود الوعي ووجود الأنبياء ،ثم يحصرهما فيمن صاروا محتكرين لها ،من دون وثنية تخلط بين تعين المثال والمثال.صار الجاهلي يعتقد أن الوحي هو ما تعين منه في اليهودية والمسيحية ،وأن النبوة حكر على اليهود دون سواهم ،خلطا بين واقع تاريخي ومثال يتجاوزه.موقف الحداثي من أصحاب المشروعات الفكرية لا يختلف عن موقف الجاهلي :الفرق الوحيد ،هو أن الموضوع توسع ،فضم إلى الإبداع الديني ،الإبداع العقلي.صار الحداثي الكاريكاتوري يعتقد ،مثل الجاهلي ،باحتكار الوحي والنبوة ،واضاف إليه احتكار الحضاري والعقلي ،فيمن صار يعير الحضاري بحضارته حكرا عليه. 33 6
ثورة الإسلام-أو ثورة محمد صلى الله عليه وسلم ،إن خاطبنا العلماني العربي الذي لايجرؤ على غير الإسلام من الاديان-تمثلت في تحرير البشرية من هذين الاحتكارين، فالإسلام يقول أولا ،إن لكل أمة رسالة بلسانها ،والرسالة الخاتمة ،لكل البشر. إنها كونية توزيعية ،تنزل كل الشعوب نفس المنزلة ،والواحد فيها الإسلام.وقياسا عليها ،ينبغي أن نستنتج أن كل الشعوب لها تجاربها الحضارية ،متساوية المنزلة والحضارة ،التي تعترف بمثالها الأعلى الواحد ،هي حضارة الإسلام.إنها الأفق الكوني الذي احتضن كل الحضارات القديمة ،وما قبلها ،ولها قابلية احتضان كل الحضارات الحديثة ،وما بعدها ،لقولها بالنساء 1والحجرات .13فمن يؤمن بالأخوة البشرية (النساء ،)1وبحصر المفاضلة في التقوى (الحجرات ،)13لا يسعى لمحو أي حضارة ،أو لغة ،تمييزا بينها بالعرقية أو بالطبقية.لكن الحمقى من ادعياء التحديث -ربما بدافع رد الفعل على الحمقى من أدعياء التأصيل- وثنوا عينا من مثالهم الحديث ،كما وثن هؤلاء علينا من إسلامهم.فكاريكاتور الحداثة ،هو اعتبار تعين قيم الحداثة في فهمهم لها ،هي مثالها ،وكاريكاتورالأصالة ،هو اعتبار تعين قيم الإسلام في فهمهم له ،هي مثاله ،فصارت قيم الحداثة الكونية،هي عينها الغربية ،وصارت قيم الإسلام الكونية ،هي عينها في تاريخ المسلمين الرسميين، فغاب فيهما الكلي المثالي الواحد.ولما كتبت \"وحدة الفكرين\" ،كان قصدي بيان هذا الكلي المثالي الواحد ،الذي ينبغي اعتماده ،ليس في تعيير الحضارات ،بل في بيان مدى سعيها للاقتراب منه.بهذا المنطق ،سأستعرض التجربة الحضارية الإسلامية في مثالها وفي واقعها التاريخي ،ثم التجربة الحضارية الغربية بنفس المنطق ،في ضوء كونية لقائهما.ولا شك أن التاريخ الإنساني ليس مقصورا على لقاء هاتين الحضارتين .لكن ما نسميه حداثة ،وحتى ما نتوقعه ما بعدها ،هو ثمرة هذا اللقاء المتواصل.ذلك أن التجربة الحضارية الإسلامية ليست مقصورة على ذاتها ،بل كانت خزينة ما بقي حيا مما تقدم عليها ،لكونها احتضنت أممه والحي من تراثهم. 33 7
وما اختزنته ،يجمع بين الديني والروحي أولا ،وبين الفلسفي والعلمي ثانيا ،ومن ثم، فيمكن القول إن الحي من ماضي الإنسانية تآلف في تجربة حضارتنا.وما قلناه عن التجربة الحضارية الإسلامية ،يمكن قوله عن التجربة الحضارية الغربية،رغم أن إيديولوجيا المركزية الغربية يصح عليها ما يصح على تجربتنا ،لكن صحته نسبية،لأن إيديولوجيا المركزية الغربية ،بخلاف ما يناظرها في المركزية الإسلامية ،كانت عدوانية ،أي إنها تعتمد منطق الانتخاب الطبيعي.وقصدي أنها لم تكن حضنا للحضارات الأخرى طوعا ،بل كرها ،أي إنها لم تبق إلا على مالم تستطع حذفه .فمن حضارتنا ،ابقت على الثورتين والتراث العلمي ،لكنها لا تؤمنبالتعدد الديني والحضاري ،بل فلسفتها الدينية والحضارية تعتمد على منطق التاريخ الطبيعي ،اي إن البقاء للأقوى الذي يعتبر الاصلح.ولهذه العلة ،فحتى المذاهب المسيحية القديمة الغوها ولم يبق لها وجود ،إلا في دار الإسلام ،والإسلام لما حل في أوروبا ،أزاحوه بحرب الاسترداد.ولا يزال موقفهم هو هو رغم أنهم يدعون العلمانية والحرية الدينية .فهم الآن يحاربون وجود الإسلام في اوروبا بمنطق الاحتكار المسيحي اليهودي.لذلك تجد كاريكاتور الحداثة ،الذي يحاكي دون وعي ولا عقل هذا الموقف ،لا يتجرأ إلا على الإسلام ،وهم لا يفتحون أفواههم ذما لغيره من الأديان. 33 8
رأينا في خاتمة الفصل الاول أن موقف نخبة التحديث الكاريكاتوري ،من استئناف الرسالةدورها الكوني ،يناظر موقف عرب الجاهلية من الرسالة في نشأتها ،وأرجعنا وحدة الموقفين،إلى مبدأ واحد ،هو توثين المثال بحصره في تعينه في لحظة الاستئناف وفي لحظة النشأة الأولى :حصر المثال في إحدى تعيناته.رفض عرب الجاهلية الرسالة الإسلامية ليس لأنهم لا يؤمنون بوجود الرسالات ،ولا بوجود الرسل ،بل لأن الرسالة والرسول لهما صورة مغايرة لعين من الكلي.ولما كان الكاريكاتور هو تشويه للمثال في فن الرسم ،فهذا الموقف يستحق اعتبارنا إياه كاريكاتوريا بالمعنى الحقيقي ،وليس بالمعنى المجازي فحسب.وأذكر أمرا أدهشني :فقد جاء في امتحان أكاديمي فرنسي (للفيلسوف والرياضيباسكال) ،أن محمدا لا يمكن أن يكون نبيا صادقا بحق ،بدليل أنه ليس يهوديا ،وهذه الحجةهي عينها ما كان أكبر عائق أمام الرسول الخاتم :لم يكن العرب ينفون الوحي ،ولا الدين،ولا حتى الوحدانية ،بل يعتبرونها حكرا على اليهود ،واستشهاد القرآن بأهل الذكر ،هدفه الرد على هذا المعتقد الذي كان أكبر عوائق الرسالة الخاتمة. وموقف الحداثيين المزعومين اليوم هو من هذا الجنس.لا يصدقون أن قيم العقل مثالها غير عينها ،التي تحققت في الغرب ،وأنه يمكن أن يكون لها عدة تعينات متفاضلة ،بدرجة القرب من المثال وبالسعي إليه.والمذهل -من لم يلحظ ذلك-أن ادعياء التحديث لا يكاد اعتراضهم على الإسلام يتجاوز الموقف الجاهلي :فحجتهم الأساسية :القرآن منتحل من الكتب السابقة.ولولا أنهم صم عمي بكم لا يعقلون ،لما فاتهم أن القرآن لا يخفي أن الرسالة ذات مضمون واحد ،وأن ما تختلف به الكتب عرضي ،وينتج عن تحريف الديني فيها. 33 9
ولولا أنهم صم بكم عمي ،لزاروا مسجد القيروان :فجل المواد التي بني بها رومانية. ولو كانوا يفهمون حقيقة المسجدية ،لفهموا عرضية مواد البناء فيها.ولو كان لهم عقل يفهم ،لأدركوا أن المتكلمين بأي لسان ،في أي فن ،يشتركون في الأدوات التعبيرية ،لكن الفرق فيما يعبرون عنه ،وليس فيما يعبرون به.وأخيرا ،لو كانوا يتجاوزون في قراءاتهم السطح ،لرأوا أن نفس المواد تختلف دلالتها بأسلوب استعمالها ،كالألفاظ :فبنفسها يصاغ الإبداع والاتباع.فليقارنوا قصة يوسف في القرآن بها في التوراة :فالأولى تليق بالأنبياء ،والثانية لا تليق إلا بالدجالين ،نصحاء السوء .القصة واحدة للأغبياء فقط.القرآن يقول إن مضمون الرسالات واحد ،وأنها تختلف بالشرائع لا بالعقائد ،وأن الاختلاف في العقائد ،وحتى في جوهري الشرائع ،ليس منها ،بل من التحريف.ومع ذلك ،يبقى التحديث الكاريكاتوري على مذهب \"معيز ولو طارت\" يستدلون بما لا دلالة له :المشترك المادي غير المشترك المعنوي الذي هو طلب المثال.بعد هذه المقدمة ،فلنحاول تحديد طبيعة الثورة ،التي يمثلها الإسلام في تاريخ الإنسانية الروحي :وسأبدأ بقول شيء لا يصدقه من لم يتدبر القرآن بحق.القرآن الكريم ،قبل كل شيء ،وبعد كل شيء :فلسفة دين ،بمعنى دراسة التطور الروحي في الأديان ،من خلال ما يشبه علم مقارنة الأديان ،لتحديد الديني فيها.وفي الحقيقة ،لست أول من اعتقد ذلك :فبذرات مقارنة الأديان لم تأت من فراغ ،بل هي محاولة لتطبيق ما وضعه القرآن من تصور لتطور الإنسانية الروحي.فمن يقرأ البيروني في كلامه على أديان الهند ،ومن يقرأ ملل الشهرستاني وما يماثلهما من محاولات تصنيف الأديان ،وحتى الفلسفات ،هو من هذا القبيل.وطبيعي أن يكون القرآن كذلك ،ففي الرسالة الخاتمة ،الديني في الأديان فطرة فطر الإنسان عليها ،وهو يذكر بها ولا يأتي بها من خارج كيان الإنسان. ولذلك ،فللإسلام معنيان: 33 10
-الكوني ،او فطرة الله التي فطر عليها الإنسان وعهده مع أبناء آدم ،عند أخذهم من ظهور آبائهم. -والإسلام التاريخي المذكر به.ولكل منهما صورة مثالية وتعين تاريخي :فالإسلام الكوني ،تعينه التاريخ ،هو تاريخ التطور الروحي للإنسانية ،والإسلام المذكر به ،هو تاريخ إسلامنا.لذلك ،فلا غرابة أن نرى القرآن يصف كل الأمم التي لم تحرف رسالتها بأنهم مسلمون، بمعنى أنهم يمثلون إحدى مراحل تطور الإنسانية الروحي ،تحققا للفطرة.ولا غرابة أن يقول القرآن إن لكل أمة رسالة بلسانها .فالوحي ليس حكرا على شعب، رسولا ومخاطبين ،بخلاف الاحتكار اليهودي التام والمسيحي النسبي.والاحتكار اليهودي والمسيحي كلاهما جزء من التحريف بمنظور القرآن ،وهو تحريف ينزه عنه الأنبياء ،فيعتبر موسى وعيسى مسلمين قائلين بالديني الكوني.والتحريف الذي أدى إلى الاحتكار المطلق ،هو تحريف دين موسى الذي آل إلى دين العجل الذهبي :فالنبوة حكر عليهم ،والمخاطبون شعب الله المختار دون سواه.والمسيحية حرفت نفس التحريف في البداية ،إذ جعلوا المسيح يقول في أحد الأناجيل إنمابعثت للنعاج الضالة من بني إسرائيل ،لكن \"بولس\" عدلها في رسائله ،فلم يبق إلا علىالتحريف الخاص باحتكار الأنبياء :لا يكون نبيا إلا من كان يهوديا .لكن المخاطبين هم كل من يقبل الإنجيل كما صوره في رسائله.لكن القرآن يعتبر ذلك تحريفا ،ويؤكد أن كل الأمم تتلقى الوحي عن طريق نبي منها، وبلسانها ،إلى أن جاءت الرسالة الخاتمة رسالة الديني في كل دين.وهذا الديني في كل دين ،هو الأخلاق والقانون ،أو التربية والحكم ،ويجمعهما مفهوم الدولة التي تعد الإنسان ليكون مستعمرا في الأرض بقيم الاستخلاف.وهذا يعني ،أن الديني في كل دين ،هو مقوما السيادة التي تجعل المقام الدنيوي مطية للمآل الأخروي ،بمعنى تحقيق مقومي الإنسان المكلف لأنه حر ومكرم. 33 11
ومقوما الإنسان ،يتحددان بمنزلته في المعادلة الوجودية كما تحددها الآية 53من سورة فصلت :الآفاق والأنفس آيات يريها الله للإنسان ،فيعلم ويعمل كمسؤول.وهذه المعادلة أذكر بها مرة أخرى :قطبان ،الله والإنسان ،ووسيطان ،الطبيعة والتاريخ ،وعلاقة القطبين المباشرة تمكن من العلم والعمل في الوسيطين.والعلم والعمل في الوسطين ،هما ما به يرتقي الإنسان روحيا ،طلبا للتجاوز بالعلاقة المباشرة بين القطبين الله والإنسان :الديني هو القوانين والأخلاق.والقوانين والأخلاق أو الديني في الأديان = جوهر الرسالة الخاتمة ،المذكر بالرسالة الفاتحة أو بما فطر عليه البشر وتعهدوا به وهم في ظهور آبائهم.تلك هي الرسالة الخاتمة كما يعرفها دستورها القرآني ،والتحريف فصل بين الاستعمار والاستخلاف في الأرض. - 1وحده نفي للتعالي. - 2وحده تعال كاذب.وهذه حال العالم اليوم :الحداثة أهملت الثاني ،والمسلمون أهملوا الأول ،وإذن فكلاهما حرف الرسالة الخاتمة ،رغم كونهما نبعا من ثورتيها كما نبين.سيغضب مني علماء الإسلام ،لأني قد اعتبرت الاقتصار على الاستخلاف وحده تعاليا كاذبا .وسيفرحهم قولي إن الاقتصار على الاستعمار في الأرض تحريف.كلاهما تحريف إذا كنا أمناء لنص القرآن :فالإنسان لا يمكن أن يكون خليفة إذا كان تابعا لغير الله .ومن فشل في الاستعمار في الأرض ،تابع لمن نجح.لذلك فالمسلمون اليوم توابع ،وبلادهم محميات ،ولا يمكن للتابع والمحمي أن يكون مسلما بحق إذا كان خاضعا لغير الله ،كحال التابع في الحماية والرعاية.ولا بد هنا من العودة إلى ما سميناه قلب دلالة الآية 53من سورة فصلت وما جره على علوم الملة من مآل وخيم ،حال دون الامة وتحقيق شروط الاستعمار في الارض.فالفاشل في تعمير الأرض ،تابع ،والتابع يعبد متبوعه ،فلا يكون أهلا للاستخلاف فضلا عن أن يقول :جئنا لنحرركم من عبادة العباد لعبادة رب العباد. 33 12
وبذلك فقلب فصلت 53هو علة العجز في الأنفال ،50لأن الاستعداد الرادع مبني على القوة عامة ،والقوة العسكرية خاصة ،وكلتاهما بالعمل والعمل على علم.والعلم والعمل على علم ،يعني إبداع الثروة والقوة ،وهما علامة تعمير الارض وشرطان في أهلية الاستخلاف ،أي عبادة الواحد الاحد بدل التبعية لغيره.والغفلة عن هذه العلاقات ،ليس لها من علة غير قلب علماء الملة مدلول فصلت :53بدلا من فهم الشروط بعلم ما يرينها الله فيه ،عكسوا للرجم بالغيب.ولما حصل ذلك ،انقلبت العلاقة بين الحضارتين ،اللتين تعاصرتا في القرون الوسطى فيتبادل سلمي وحربي ،حول شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها ،فأصبح المسلمون،بالتدريج ،يزعمون أن الاستخلاف غني عن شروط تعمير الأرض ،وكثرت الدروشة والرجم بالغيب والعلوم الزائفة التي دحض بعضها ابن خلدون.وأصبح الغرب المسيحي بالتدريج هو الذي يعمل بفصلت 53ويحقق شروط الاستعمار في الأرض ،أي العلوم والأعمال ،على علم في علاقته بالطبيعة وبالتاريخ.وبذلك ،استعمر الغرب الأرض بتعميرها ،واستعمر من عليها باستعبادهم ،فصرنا نتوهم أننا بقينا خلفاء في الأرض لكننا بقينا عبيدا لمستعمرنا إلى الآن.ولأني لا أخشى في الحق لومة لائم ،فالغرب هو الذي يعمل بالأنفال ،60وهو الذي يستطيع أن يقول \"جئت لأحرركم من عبادة العباد لعبادة حق العباد\".انحطت قيم الحداثة في الغرب ،فجعلتها مافيته إيديولوجيا لتبرير الاستعمار ،وانحطت قيم الإسلام لدينا ،فجعلتها مافيتنا إيديولوجيا الاستبداد والفساد. هذه حال العالم الآن.والوجهان متضامنان :فمافية الغرب هي التي تحمي مافية العرب .والاستضعاف والاستتباع يسندان الاستبداد والفساد.ثورتنا كونية ،وبهذا المعنى ،فهي تقبل التعريف بكونها استئناف دور الإسلام في التاريخ العالمي ،رغم أن الشباب لم يتجاوز بعد المطالب المباشرة إلى الوعي بشروطها. 33 13
ورغم أن الانتقال من المطالب إلى شروطها ليس مهمة سهلة ،فإن ما أحاوله لن يتوقف حتى ينتج عن الغزو المباشر للقلوب ،تحريكا للعقل والإرادة نحو الشروط.وبخلاف المثل السائر بأن البدايات هي الصعبة ،يمكنني القول إن الاستئناف أصعب من البداية في النشأة الأولى ،خاصة وقد كانت رسالة سماوية لا تتكرر.وكم من بين المسلمين من ينتظر معجزة سماوية ،بدلا من السعي بما حدده القرآن منمبادئ لجعل الإسلام عزة دائمة ،أي فصلت 53والأنفال 60كما ذكرت ،وهذا يقتضي ثورةتغير نظام التربية العلمية والعملية (فصلت ،)53ونظام الحماية والرعاية (الأنفال ،)60 حتى يصبح هدف الاستئناف تأهيلا للاستخلاف.والتأهيل للاستخلاف مشروط بما يوجبه العصر من أدوات ،تحقق شرطه الأول ،أي النجاح في الاستعمار في الأرض بثورة علمية (الآفاق) وعملية (التاريخ).فالسيادة على الطبيعة بعلم قوانينها ،هي مصدر الحماية والرعاية والسيادة على التاريخ ،بعلم قوانينه ،وقيمه الخلقية هو مصدر تنظيمهما الحر والكريم.ذلك هو الإسلام الذي لا يستطيع أصحاب كاريكاتور التحديث وأصحاب كاريكاتور التأصيل فهمه ،لفهم علاقته بالحداثة والأصالة المبدعتين. 33 14
بقيت ثلاثة فصول: -الثالث لتعريف الحداثة. -والرابع والخامس للكاريكاتورين. والكلام على كاريكاتور التأصيل نورده لتضايفه مع كاريكاتور التحديث.ذلك أن هدف البحث ليس الكلام على الكاريكاتور التأصيلي ،بل على الإسلام ورؤاه التي صدرت عن كاريكاتور التحديث ،والكاريكاتور الثاني فهو رد فعل عليه. وسآخذ مثالين من كلا الكاريكاتورين. -فمن التأصيلي ،سآخذ مثالي تشويه رؤية الدين للاجتهاد والجهاد. -ومن التحديثي ،تشويه رؤية الفلسفة للنظر والعمل.وبذلك أكون قد مثلت للابتعاد عن حقيقة الإسلام ،كما حاولت تحليل مقوماتها والابتعاد عن حقيقة الحداثة ،كما سأحاول تحليلها ،وبذلك أختم المحاولة.وضعت مفهوم الديني في كل الأديان لتعريف الإسلام ،وأجدني مضطرا لوضع مفهوم الفلسفي في كل الفلسفات لتعريف الحداثة :حيلتان أو نظريتان للحل.وبينت أن الديني في كل الأديان يعود إلى الخلقي والقانوني ،سر بعدي الإنسان ،وسأبين أن الفلسفي في كل الفلسفات يعود إلى النظري والعملي ،لنفس السر.والقرآن صريح في تعريف ذاته ،بكونه خطاب الديني في كل الأديان ،الذي هو موضوع الرسالة الخاتمة وأسسه على عهد بين الله وأبناء آدم ،وعيا بالفطرة.ففي الآيتين 172و 173من الأعراف ،صاغ القرآن ذلك رمزيا ،فاعتبر الفطرة موضوع عهد يحرر من عقبتين ،قد يتحولان إلى حجتي اعتذار وتفص :الغفلة والتربية.لكن القرآن لا يقف عند هذا الحد ،بل صاغ ،وإن بأقل صراحة ،في تحديد الفلسفي في كل الفلسفات ،ما يناظر الأخلاق والقانون في الديني في الأديان. 33 15
وبذلك أبدأ ،فكلامي على الفلسفي في كل الفلسفات ،لتحديد الحداثة التي سأورد ،مفارقةما كنت لأقولها لو كنت ممن يتبعون الموضة ويطلبون النجومية ،فمتتبع الموضة وطالبالنجومية يعرّف الحداثة إيجابا ،بكونها عصر العقل المطلق ،وسلبا بكونها عصر اللادين المطلق. لكني أراها العكس تماما كما أبين.فالحداثة بدأت مع الفلسفي في كل الفلسفات ،كما بما بدأ به الديني في كل الأديان :أي وعي العقل بحدوده في النظر والعمل ،أو الاعتراف بالغيب.فالفلسفي في كل الفلسفات ،هو وعي العقل بحدود النظر والعمل ،المبنيين على العقل المدرك لحدوده ،نظير الأخلاق والقانون في الديني في كل الأديان.لذا اعتبرت حداثة النظر والعمل ،أو الفلسفي في الفلسفات قد بدأت بتجاوز مدرستنا الفلسفة اليونانية قبل الغرب بقرنين :الغزالي وابن تيمية وابن خلدون.لن أكتفي بأدلة تاريخ الفكر التي تقبل عدة تأويلات ،بل سأعتمد على نظرية التعبير عن الذوق الوجداني والوجودي ،ونظرية العلم ،وقد عالجتهما سابقا.رأينا أن التعبير عن الوجدان يحاول تجاوز استحالة قول ما لا يقال من ذوق الوجدان والوجود ،فيكون مصدر الإبداع الجمالي والجلالي في كل الحضارات.كما رأينا أن علم النظر في الوجود ،والعمل في التاريخ ،كلاهما يعترضه ما فيهما مما لا يقبل العلم ،وهو دينيا غيب الوجود ،وفلسفيا الموجود اللامعلوم.فيكون الإبداع الذوقي ،المعبر عن الوجدان والوجود ،هو موضوع الأكسيولوجيا ،والابداع العلمي ،المعبر عن النظري والعملي ،هو موضوع الأبستمولوجيا. والاكسيولوجيا ،هي أصل كل دين ،والأبستمولوجيا ،هي أصل كل فلسفة. إنهما أصل ثورة الدين والفلسفة في آن .والإسلام بهذا المعنى ،ثورة دينية وفلسفية.فتكون الحداثة الدينية قطيعة الإسلام مع الأديان القديمة ،بتحديد الديني في الأديان: فالقرآن نقد ديني ،لدينين منزلين ،ولدينين طبيعيين. 33 16
وتكون الحداثة الفلسفية قطيعة الفلسفة النقدية العربية مع الفلسفات القديمة ،بتحديد الفلسفي في الفلسفات ،بتأثير قطيعة القرآن مع الأديان القديمة. تلك هي النظرية التي تبدو مفارقة لما اعتدنا عليه من فهم للحداثة. فأنا لن أهتم بالدليل التاريخي ،بل ببنية الثورات الإبداعية في تطور الحضارة. فلابد في كل قفزة نوعية حضارية من ثورة في أصناف الإبداع الأربعة: المتعلقة بذوق الوجدان والوجود الأكسيولوجيين ،وعلم النظر والعمل الابستمولوجيين.ولست بحاجة بعد هذا المعيار ،بأن أقوم بمقارنة علاقة التحول الحضاري ،الذي حدث عندنابفضل الإسلام ،والتحول الذي حدث في الغرب ويسمى حداثة ،ففيهما كليهما حدثت ثورةإبداعية أكسيولوجية بالتعبير الوجداني والوجودي (الآداب والتصوف) ،وابستمولوجية بالتعبير النظري والعملي (النظر والعمل).وطبعا ،فكالعادة ،سيحتج من يريد الزبدة دون مخاض ،أو من يريد النتيجة دون المقدمة، فيعتبر كل هذا التأسيس النظري لفا ودورانا يمكن الاستغناء عنه. ومرة أخرى ،آن لنا أن نعتبر المعرفة من جنس العمران.يمكن أن تبقى حياتك كلها في الخيام ،فلا تحتاج إلى أوتاد تغور في الأعماق ،فلا تحتاج للفكر.والأبداع الأكسيولوجي والأبستمولوجي في كل ثورة روحية ،يتضمن ثورة في الآداب والأديان والعلوم والفلسفات .ما بين الاولين من جنس ما بين الثانيين.وإذن فحضارتنا مثل الحضارة الغربية-والقانون عام ،يشمل مما أدى دورا مثيلا-استوعبت ما تقدم عليها وتجاوزته بثورة ادبية ودينية وعلمية وفلسفية.وانطلاقا من هذه النظرية ،التي هي ككل نظرية ،حيلة عقلية لصوغ المضمون المعرفي لما نريد البحث فيه ،بمفهومات قابلة للتحديد الدقيق ،نعرف الحداثة.ما أظن أحدا يجادل في صحة القول بأن كل تحول حضاري كيفي في تاريخ الإنسانية لا بد له من أفق ومناخ روحي ،يتفرع إلى ما ذكرنا من الإبداعات الأربعة. 33 17
ونحن نعلم أن أوروبا مرت بثورة أدبية وفنية في القرن الرابع عشر المعاصر لابن تيميةوابن خلدون ،وأنها مرت في نفس الحين بثورة علمية (لاحظها ابن خلدون) ،وأنها مباشرة،وخاصة بالتصاحب مع تحول المسلمين إلى الموقف الدفاعي في المغرب الإسلامي ،وشرعت فيموقف هجومي عسكري في البلقان وأوروبا الوسطى ،وأن رجحان كفة الخلافة العثمانية لميكن مبنيا على سر القوة التي بدأ المسلمون يفقدونها والغرب يتمكن منها :العمل على علم مع الطبيعة والتاريخ.وما إن أطل القرن السادس عشر ،حتى بلغت الثورة ذروتها :الثورة الدينية والفلسفية، فبلغ اللقاء التخاصبي بين الحضارتين ذروته الدينية والفلسفية.ذلك أن الثورة الأدبية غيرت نمط العيش ،كما رمز إليه جوته ،في إيلاء أهمية للدنيا، منافية للفكر المسيحي وقريبة من الإسلام بتأويل الفيلسوف هاينه.ونفس الأمر يقوله مؤرخو العلم ،وخاصة الرؤية الابستمولوجية المختلفة عن الرؤيةاليونانية ،التي تنسب إلى تأثير الحضارة الإسلامية ودور التجربة ،فكان لبلوغ الوعيالذوقي والعلمي ،مرحلة تقتضي ثورة في الوعي الديني والفلسفي ،وهو ما حدث في بدايات القرنين السادس عشر والسابع عشر .فحصل التعريف الصريح للحداثة.والتعريف ،هو ما يطابق المفارقة التي أقدمت عليها ،والتي تناقض تمام المناقضة لرؤية الكاريكاتور الحداثي :تم تجاوز إطلاق العقل والاعتراف بحدوده.فلا ديكارت ،ولا لايبنتس ،ولا لوك ،ولا أحد ممن يعتد به من مفكري القرن السابع عشر وما بعده ،لم يعد يؤمن بأن العقل يستمد فاعليته من وعيه بحدوده.توقفت سخافات رد المنقول للمعقول ،والعقلانية الساذجة التي ينسبها الجابري لابن رشدويتوهم أنها هي التي أخرجت الغرب من التخلف العلمي والفلسفي ،وبلغت هذهالأبستمولوجيا النافية للمطابقة بين العلم والوجود (ثورة ابن تيمية وابن خلدون) ،عند كنط :النقد هو بالأساس علم حدود قدرات العقل.عندئذ تحدد الفلسفي في كل الفلسفات :النظر والعمل في حدود العقل ،الذي يدرك حدوده ،بمعنى أنه لا يتوهم حصر الوجود في الإدراك بلغة ابن خلدون. 33 18
فالثورة في التعبير الوجداني والوجودي(الأكسيولوجيا) ،اكتملت في الإصلاح الديني، والثورة في النظر والعمل (الابستمولوجيا) ،اكتملت في الإصلاح الفلسفي.وعن الإصلاح الديني (الحرية الروحية أو انهاء دور الوساطة الكنسية) نتج الإصلاح السياسي (الحرية السياسية أو انهاء دور الحق الإلهي في الحكم).وعن الإصلاح الفلسفي (حرية العقل وإنهاء وهم المطابقة) نتج الإصلاح الاجتماعي (الحرية المدنية أو مبدأ المساواة والأخوة البشرية الكونية).فالديني في كل دين يساوي الحرية الروحية (الأخلاق) ،والحرية السياسية (القانون) والفلسفي في كل فلسفة يساوي الحرية العقلية (النظر)والحرية المدنية (العمل).وما أظنني بعد هذا الاستنتاج المنطقي ،بحاجة للمزيد بخصوص علاقة الحضارتين المتنافستين منذ بداية تاريخ المسلمين ،رغم خسراننا التسابق مؤقتا.ومن السخف قراءة التاريخ بمنطق اصحاب التأصيل وأصحاب التحديث الكاريكاتورين، اللذين يتحدان في فلسفة للتاريخ ،تخضعه لمنطق التنافي بين الحضارتين.فأولئك يشترطون للاستئناف ،الحرب على الحضارة الغربية وقيمها ،وهؤلاء ،الحرب على الحضارة الإسلامية وقيمها .وكلاهما مجرد كاريكاتور مما يدعي تمثيله.ذلك ما أنوي بيانه في الفصلين الموالين بعد أن قدمت تعريف ثورة الحضارتين المتنافستين واشتراكهما في الديني في كل دين وفي الفلسفي في كل فلسفة. 33 19
ما القصد بكاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث؟ بينا معنى الكاريكاتور بنسبته التشويهية في فن الرسم ،فماذا يرسم كلاهما؟ وما التشويه المشترك؟في الحقيقة كلاهما تأصيلي وتحديثي :يدعيان تمثيل الأصل من الإسلام والأصل من الحداثة ،بعودة تحققه من جديد ،ومن ثم ،فلهما كلاهما أصل يعودان إليه.ومن ثم ،فالتشويه مضاعف :تحديد الأصل ما هو ،سواء كان الإسلام أو الحداثة ،وتصور العودة إليه كيف تكون. وبهذا سأبدأ دراسة كاريكاتور التأصيل.وأول سؤال هو :هل يعلم صاحب كاريكاتور التحديث ،أن القرآن يعرف الإسلام بكونه الديني في كل الأديان ،بمعنى الخلقي والقانوني؟ أم جعله أحد الأديان؟ألم يجعله مجرد محاكات ،ولو بالضد ،لخاصيات الأديان التي نقد الإسلام تحريفها ،بحيث غابت صفته الجوهرية المتمثلة في كونه دولة الأخلاق والقانون؟وبذلك ،فهو لم يبق منه إلا الممارسات التوثينية ،التي تحاكي لحظة من تعين الأخلاق والقانون ،وكأن لها ثبات العبادات ،فقدس الأعيان بدل المثال؟ولأنه لم يجد في الإسلام أهم صفتين تتميز بها الأديان ،التي يعتبرها القرآن محرفة ،فقد استعارها منها :وهي اسرائيليات ونصرانيات وحتى جاهليات.ومن هنا جاءت كل الأساطير التي تتعلق بمعجزات ،القرآن ينفي صراحة أن النبي يمكنأن يقدم منها شيئا ،بل ويعتبرها للتخويف ولا علاقة لها بالديني ،ومن ثم اعادة الكنسية،أو الوساطة الروحية ،في شكل مؤسسة الإفتاء ،وخاصة في شكل الأولياء والكرامات وكل ما يلغي القانون والأخلاق ،أي دور الحريتين. 33 20
وفي الجملة ،فإن كاريكاتور التأصيل ،بوصفه عودة إلى هذا الفهم ،لا يعود إلى الإسلاموالقرآن ،بل إلى أوثان جعلت الإسلام مثل الأديان التي ينقدها ،فهيمنت استعادة المظاهرأكثر من الحقائق التي يمثلها الإسلام ،بوصفه ثورة روحية وسياسية ،تحرر من وساطة روحية والحق الإلهي أو الطبيعي في الحكم.وهذا الفهم ،حرف كل علوم الملة بقلب ما حددته الآية 53من سورة فصلت ،ما جعل النظر والعمل يصبحان عقيمين ،والأخلاق والقانون يفقدان سلطانهما لصالح قشور التدين.ومؤسسة الإفتاء ليست استشارة علمية ،بل هي من جنس المرشدية العامة ،أو من جنس المرجعية الشيعية ،وهي كنسية دون اسمها ،وصرحت في المشيخة الصوفية.ذلك أن من يستفتي لا يريد معرفة ،بل يريد التخلص من ثقل المسؤولية في أخذ قرار متعلق بخصومة مع ذاته ،وغالبا ما يكون الداعي الهروب من البينات.وأقصد بالهروب من البينات ،عدم اتباع ما لا يحتاج إلى علم كبير للقرار فيه إلا بمعنىالبحث عن مهرب وحيلة ،تحلل ما ليس حلالا أو تحرم ما ليس حراما ،وخاصة إذا كان طالبالفتوى ذا سلطان أو جاه .وبهذا المعنى فالحاجة إلى الإفتاء -باستثناء ما لم يكن ذا رهان مهم منه-هي الحاجة للوساطة الروحية.لن أطيل في هذا الوجه من كاريكاتور التحديث ،لأن ما يعنيني هو ما ينتج عنه من اعاقة لمسعى تحقيق شروط الاستعمار في الارض بدعوى الاستخلاف المباشر.وقد بينت أن الاستخلاف المباشر مستحيل أولا ،وأنه مناف للعلاقة الجوهرية بين الدين والحياة :تصور الاستخلاف ممكنا ،دون تعمير الأرض ،مناقض للإسلام.وقد بينت أن جوهر التعبد ،أي الفروض الخمسة ،جعلها الإسلام مشروطة بعلامة تعمير الأرض ،أي سد الحاجات الممتنع من دون تنمية مادية كافية لحياة كريمة. ففي الزكاة والحج الأمر بين.وفي الصوم والصلاة أبين رغم خفائه :فلا يمكن أن يصوم من لا يتوفر له شروط الصحة، ولا يمكن أن يصلي من دون شروط النظافة. 33 21
وإذن ،فأربعة من الفروض الخمسة مشروطة صراحة بالنجاح في تعمير الأرض ،والشهادة هي الحد الأدنى من فروض العبادة ،مدخلا للعبادات بشروطها التعميرية.وإذن ،فالتعمير صار جزءا من العبادات ،وليس مقصورا على المعاملات ،وشرطهما الأخلاق والقانون ،والأولى وازع ذاتي ،والثاني وازع أجنبي (ابن خلدون).والتعمير لم يعد مجرد ضرب في الأرض للاسترزاق ،بل هو ما نتج عن الديني في كل دين، الملازم للفلسفي في كل فلسفة :الإبداعات الاربعة التي حددت.فلا بد لتعمير الأرض شرطا في الاستخلاف من الإبداع التاريخي ،أصلا لأربعة فروع هي: الإبداع الذوقي: -الوجداني -والوجودي أصل الوعي الديني. ولا بد من الإبداع: -النظري -والعملي أصل الوعي الفلسفي.فيكون الوعي الديني أصلا للوعي الفلسفي ،إذا كان الدين خاتما بوصفه الديني في كل دين.وإذن ،فالإسلام الدين الخاتم ،هو هذه الرؤية التي تعتبر الديني في كل دين ،والفلسفي في كل فلسفة ،أو الابداع التاريخي متقوما بالإبداعات الأربعة.واقتضى ذلك أن يكون كتابه إعادة النظر الثورية في مفهوم الوحي ،وفي مفهوم العقل، بصورة تحرر الاول مما علق به من خرافة ،والثاني مما علق به من وهم.والخرافة هي ما تحرر منه الإسلام الدين ،لقوله بانتظام العادات وليس بخرقها ،والوهم هو ما حرر منه الإسلام العقل لقوله بأن للعلم حدا ،هو الغيب.وذلك هو مفهوم الرشد الإسلامي في الوحي والعقل :الاول من جنس التعبير الوجداني والوجودي ،والثاني من جنس العلم النظري والعملي. وكلاهما محدود. 33 22
فلا النبي يعلم الغيب (الخرافة) ،ولا الفيلسوف يعلم المطلق (الوهم) :أسلوبان متكاملان لقيام الإنسان بالمعادلة الوجودية في الدنيا وما بعدها.والآن سأصدع بأعظم معجزة ،هي جوهر الإسلام :معجزة القرآن التي حررت الوحي من خرافة خرق العادات بانتظامها ،والعقل من خرافة العلم المطلق بالغيب.أساس الحريتين :الحرية الروحية تغني عن الوسطاء بين الله والإنسان بوجدانه ،والحرية السياسية تغني عن الوسطاء بين المؤمن والشأن العام بعقله.والوجدان في الخلقي والقانوني وحي كوني-الفطرة الخلقية-والعقل في النظري والعملي إدراك كوني -الفطرة العقلية :الإسلام يساوي الديني والفلسفي الخاتمين.والسؤال الآن هو :ما الذي حال دون علماء الملة وفهم هذه الحقائق ،التي ينضح بها القرآن والسنة ،ولا يمكن أن يغفل عنها عاقل ينظر بهدي الاسلام؟وعودة للمفارقة الكبرى -البارادوكس الأعظم -وهو أن المعجزة المحمدية ،دينيا ،هي نفيخرافة خرق العادات ببيان انتظامها في الطبيعة والتاريخ ،وهي فلسفيا نفي وهم العلمالمطلق بنظرية الغيب المحجوب حتى على الأنبياء ،ومن ثم فجواب سؤالي هو غفلة علماء الملة عن وجهي الاعجاز المحمدي.والعجب من الغفلة عنهما :فالرسول لم يعتمد في تحقيق شروط الرسالة على المعجزات ،بل كان عمله السياسي والعسكري اجتهادا وجهادا عملا بالأسباب.وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين قص القرآن للرسالات ،ومعجزات الأنبياء قبله ،وبين نظرية الإسلام في عمل الرسول الاجتهادي والجهادي. فالقرآن نقد التطور الروحي للبشرية ،نوعين من النقد: -نصي. -وفعلي.والنصي تعلق بالتحريف العقيدة (مضمون المعادلة الوجودية) ،والفعلي بما أقره منه ،وهولم يقر خرافة خرق العادات ولا وهم العلم المطلق .ومن ثم ،فالإسلام نفسه من حيث هو هيمنة وتصديق ،يفهمنا الفرق بين قص المعجزات وعدم اعتمادها. 33 23
وهذا لا يعني أني أكذب بالمعجزات .فالقرآن لم يكذب بها ،إذ أوردها كما هي في معتقدات أصحابها ،لكنه لم يعتمدها في الإسلام ،اي في الديني في كل دين. وهي إذن من عرضيات الدين ،وليس من الديني فيه.ولما كان الإسلام هو الديني في كل دين ،فهو يحرر الرسالة الخاتمة مما ليس جوهريا في دينية الدين.لكن الخرافة عادت لدى المتصوفة خاصة ،لكأنهم ظنوا عدم وجود خرق العادات في الإسلام نقصا ،فلم يفهموا طبيعة الأعجاز القرآني :النظام بدل خرقه.لكن الأخطر من ذلك كله هو قلب دلالة الآية 53من سورة فصلت ،وبالكلام في هذا يتبين أصل كل العلوم الزائفة ،التي قضت على ثورتي الإسلام طيلة عصر الانحطاط.وكان يمكن أن أسكت عن ذلك بعد شروعنا في الخروج منه لو لم يكن كاريكاتور التحديث يريد العودة إلى هذه العلوم الزائفة ،متصورا أنها بعث لعزتنا.ولعل ذلك هو السر في اعجابي بابن خلدون غاية ،وبابن تيمية وسطا ،وبالغزالي بداية،باعتبارهم قد أدركوا خطر الأوهام التي حصلت عن هذا القلب العجيب ،وهم ثلاثتهمأدركوا أن العلة كامنة في التأثر بالكلام والفلسفة ،السائدين في المجال الحضاري الذي أصبح أرض الإسلام دون أن يبدع فكرا يلائم رؤاه.صحيح أن السلف كانوا بمنأى عن التأثر بهذا التراث السابق على الإسلام ،وصحيح أنهم حاولوا مقاومة التأثر ،لكنهم لم يكونوا مجهزين فكريا للتصدي.فمجرد الرفض والتحريم لا يحول دون التأثير ،بل لعله يضاعفه ،والتصدي بالتجهيز الفكري المناسب لم يبدأ حقا إلّا مع الغزال ،ي واكتمل مع ابن خلدون.لذلك فعودتي المستمرة للغزالي وابن تيمية وابن خلدون ،ليس عودة إلى الماضي ،بل عودة إلى ما في الماضي من سبل لتجاوز ما أعاق استكمال ثورة الإسلام.فكون الغزالي نقد الفلسفة النظرية (التهافت) ،والفلسفة العملية (الفضائح) ،يمثل عندي أكبر ثورة فكرية عرفتها البشرية ،وهي صوغ صريح لثورة الإسلام. 33 24
ثم عمق ابن تيمية هذا النقد ،فأعاد النظر في أسس النظر ،ولم يقتصر على ما بعد الطبيعة ،بل أنهى الأبستمولوجيا القديمة بنقد نوعي التحليلات الارسطية.ثم تجاوز ابن خلدون الغزالي والفضائح ،ونقد الفلسفة العملية اليونانية ،واسس لفلسفة التاريخ الكوني وشروط الاستعمار في الأرض بقيم الخلافة.تلك هي المدرسة النقدية التي استثنيها من كلامي على فشل علوم الملة ،الذي سأحاول وصفه الآن ،والذي هو مصدر عقم الإبداع المحقق للتعمير والاستخلاف.فما العلوم الزائفة التي قتلت الإبداع بأصنافه الأربعة (الجمالي ،والجلالي ،والنظري، والعملي) لأنها قلبت فصلت 53وجعلت الغيب موضوعها بدل الشاهد؟ويمكن صوغ السؤال بصورة أوضح :ما العلوم الزائفة التي حالت دون فهم الديني في الأديان ،والفلسفي في الفلسفات ،بوصفهما ثمرة الثورة الإسلامية؟إنها العلوم الزائفة التي افسدت علاقة الأخلاق بالقانون ،والإيمان بالعلم ،أو افسدت حل القرآن لمشكل الوجدان والوجود دينيا ،والنظر والعمل فلسفيا.ففصلت 53تقول إن حقيقة القرآن يرينها الله في آيات الآفاق والأنفس ،لافي ذات الله وصفاته ،أو في اسرار البعث ،أو الأرواح ،وكلها من الغيب المحجوب.ولما كان القرآن يعرف ذاته بكونه الحق الذي أنزله الحق بالحق ،فهو بذلك قد اعتبر ذاته الدستور الذي يحدد شروط الاستعمار في الارض بقيم الاستخلاف.ولا يكون القرآن كذلك إلا إذا كان القصد بآيات الآفاق والأنفس ما يتجلى فيها من قوانين، تمكن من تحقيق شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف.وذلك هو مضمون الرسالة التي تصل قطبي المعادلة نزولا ،ويقابلها مضمون الرد عليها بعلم قوانين الآفاق والأنفس لتحقيق أعمال الإنسان المكلف بهما.فيكون الديني في الأديان هو الخلقي والإيماني ،ويكون الفلسفي في الفلسفات هو القانوني والعلمي. وهذه الأبعاد الأربعة هي شروط التعمير الاستخلافي. 33 25
أما العلوم الزائفة ،فهي التي تجعل الأخلاق في صراع مع القانون ،والإيمان مع العلم، فتفسد الديني والفلسفي الخاتمين ،وبذلك انحطت ثورة الإسلام.وهي بالذات ،العلوم التي الغت الفرق بين الوجدان والوجود ،والتعبير عنهما ،والفرق بين النظر والعمل والعلم بهما ،فأزالت الابداعات الأربعة من أصلها.فلا يمكن تحقيق التلاؤم بين الاخلاق والقانون من دون التمييز بين الوجدان والتعبير عنه، فالأول لامتناهي ولا يقال كله ،والثاني متناه وينبغي قوله.والنسبة بينهما هي النسبة بين المثال والعين منه ،التي هي في تطور دائم ،سعيا إلىالاقتراب منه دون لمسه مثل منحنى \"اسمبتوت\" المقطوع المخروطي ،ونفس هذه النسبةتوجد بين الإيمان والعلم ،فلا يمكن للعلم المتناهي بالطبع أن يطابق الإيمان اللامتناهي بالطبع ،بنفس علاقة منحنى الاسمبتوت.والعلاقة بين المتناهي واللامتناهي في الابداعين الجمالي والجلالي أولا ،وفي الإبداعينالنظري والعملي ،هي سر الثورتين الإسلاميتين أو الحريتين ،فالإنسان المكلف والمكرم حرروحيا (علاقة مباشرة بالله :رزقه الروحي) ،وحر سياسيا (علاقة مباشرة بالشأن العام)، وهو أحد قطبي المعادلة الوجودية. والمعادلة الوجودية صيغت بها هذه العلاقة فهي مساوية لمضمون فصلت :53 -القطبان :الله يري الإنسان، -والوسطيان (الآفاق والانفس) -والوصل هو رؤية ما يرينا الله.ورؤية ما يرينا الله هي علم حقيقة القرآن والعمل بها :فيكون الوجدان والعلم مقصورين على الشاهد ،ومحجوبين عن الغيب. لكن علوم الملة عكست فانحطت.وهذه العلوم التي عكست ،هي علم الكلام والفلسفة بمعناهما الذي يلغي الغيب ،متوهماأن العلم يمكن أن يكون مطلقا ،يقاس به بعدا الروح ،الوجدان والعقل ،وهي الفقه 33 26
والتصوف في العمل والشرائع ،كالكلام والفلسفة في النظر والعقائد اللذين انتهيا إلى صراع الأخلاق والقانون ،بنفس الوهم الكلامي والفلسفي.وتلك موضوعات الجدل العقيم الذي أنهى كل ابداع ،ولم ينتج عنه إلا ما اشارت إليه الآية السابعة من آل عمران :زيغ القلوب وابتغاء الفتنة الدائمين.فكانت النتيجة الجامعة ،العقم الإبداعي الحائل دون تعمير الأرض بوهم الاستخلاف التعبدي ،الذي كما بينا ،يكون وهميا من دون تحقيق ما ُكلف به الإنسان. 33 27
وهكذا نصل إلى نهاية هذه السلسلة ،فصلها الخامس حول كاريكاتور التحديث عند النخب المناظرة لكاريكاتور التأصيل :وجودهما متضايف رد فعل متبادل بينهما.فلتحريف الاجتهاد داعشاه ،يدعيان التأسيس الفكري التأصيلي ،أو التحديث كتحريفالجهاد :لدينا أمراء حرب الأقوال ،وحرب أمراء الأفعال ،وكلاهما للتهديم ،كلاهما يشوهالماضي ،وكلاهما يسد آفاق المستقبل ،إما بكاريكاتور ماضينا ،أو بكاريكاتور ماضي الغرب، دون فهم للماضيين ولشروط الاستئناف الحقيقي.وقبل التقدم في العلاج ،فلنحسم قضية تتكرر دائما مع القراء :فالكثير منهم يعتبر مثل هذه المحاولات من نوع \"ويني وذنك\" ،لعادة التلقين بدل التحليل.لكن الفكر هو بالذات إدراك العلاقات الخفية ،التي تمثل العلل العميقة للظاهرات ،وخاصة إذا كان الأمر متعلقا بالكشف عن العقبات والأدواء المعيقة.فليس أسهل على طالبي النجومية من أخذ موقف الآمر الناهي بالكلام ،على ما ينبغي وما لا ينبغي فعله ،بنفس موقف التلقين بدل العلاج بالطريقة السقراطية. ما فائدة عرض النتائج التي توصلت إليها من دون قابلية الاختبار؟: -1بعرض الطريق الموصلة إليها معها، -2أن يتمكن القارئ من التثبت منها بنفسه.وهذه الطريقة لا تعسر ،بل تيسر ،لأنها تحترم القارئ وتريده ألا يسلم بما لا يقبل المراجعة التي يمكنه القيام بها ،بمناقشة الفرضيات وما بني عليها.ولا ننسى أن المطلوب هو اعتماد ما نحاول اثباته ،فلا نستعمل طريقة الأوصياء التلقينية خلال كلامنا على الحريتين وإلغاء الوساطتين روحيا وسياسيا.ولا معنى لمعرفة لا تخضع لامتحان متلقيها ،بعقد يجعلهم امتحانهم الذاتي لها ،مبدعين وليس مجرد متلقين من سلط ،تدعي المعرفة اللدنية أو العبقرية. 33 28
وما لا أقبله من أي كان ،أن يلقنني ما يمكن أن أصل إليه بعقلي معه ،أو من دونه ،لا يمكن أن أقبل فرضه على غيري ،لذلك فلا أقدم شيئا إلا بمنطق اكتشافه.أقول هذا لأني لاحظت أن كاريكاتور التحديث أكثر تلقينية حتى من كاريكاتور التأصيل: فأسلوبهم يجعلهم دعاة أكثر مما هم باحثون يطلبون المعرفة.نحن في هذه المحاولات نعتمد طريقة الفرض والاستنتاج ،ثم التطبيق على الموضع المدروس. وقد سميت هذه الطريقة بالحيل العقلية أو النظرية العلمية.فمنذ اليونان كانت النظرية تسمى \"ما ينقذ المظاهر\" ،يعني ما يمكن من جعل مظاهرالموضوع ،أو ما ندركه منه ،قابلا للرد إلى بنية رياضية نظرية تفسرها ،وموضوعنا الذينريد انقاذ مظاهره ،بمعنى اكتشاف البنية التي تفسرها ،هو تعريف القرآن للإسلام، وتعريف الحداثيين للحداثة ،وفهم الكاريكاتورين لهما.لا نطلب ذلك مجانا أو تطفلا على ما لا يعنينا في علاج إشكاليتنا الكبرى ،أعنى شروط الاستئناف وعوائقه في المواقف من التراثين الإسلامي والغربي.وبهذا المعنى ،فالأمر يمكن أن يزداد تعقيدا ،لأن أي محاولة بفصولها ليست مفصولة عنالمحاولات الأخرى ،بل مدارها كلها شروط استئناف الأمة دورها ،ولا يعني ذلك أن الأمرمقصور على الأمة الإسلامية ،فيكون قائلا بالخصوصيات ،بل هو يشمل كل استئناف ،لأنشروطه كونية شرط استئناف الدور في كل حضارة وذلك عملا بمنطق ابن خلدون :فهويدرس \"العمران البشري والاجتماع الإنساني\" عامة ،حتى وإن كان مجال التطبيق هو العمران والاجتماع الإسلاميين.النظرية عامة ،والعينة بالضرورة خاصة ،لكن ما يدرس فيها ليس خصوصيتها ،بل الكلي فيها من حيث هي عينة من البشري والإنساني عامة :السنن كونية حتما.وعدت بتقديم مثالين من نوعي الكاريكاتور ،لكني تجنبت التشخيص فاكتفيت بوصف مجالي التمثيل وتركت للقارئ تطبيق الوصف على نجوم النوعين المعروفين. 33 29
ما المشترك بين كاريكاتور الحداثة من النخب العربية ،التي ازدادت جرأتها على التراث الإسلامي بمقدار اقتراب الانظمة التي يخدمونها من الإفلاس؟ولعل التهاب حناجرهم في الفضائيات قد بلغ الذروة بعد ثورة الشباب ،وخاصة في مصر وتونس وبلاد ممثلي ميلشيات القلم ،ضد الثورة والإسلام السياسي.المشترك هو حصر الفكر الحديث فيما تلا نكوص الفلسفي في الفلسفة ،وتحوله إلى إيديولوجيا الحداثة التي لا تميز بين قيم الحداثة وقيم الاستعمار.وأيديولوجيا الحداثة التي تبرر الاستعمار ومركزية الغرب هي ما تلا هيجل وماركس منتخل عن نقدية كنط ،ورد التاريخ الحضاري إلى التاريخ الطبيعي ،فسواء قلنا مثل هيجلبأرواح الشعوب والمثالية ،أو مثل ماركس بالطبقات والمادية ،فإن جدل الصراع بين البشر والحضارات يخضع لقانون التاريخ الطبيعي.وبهذا المنطق ،فالحضارة الإسلامية تعتبر حضارة تجاوزها التاريخ ،وهذا هو المشترك بين النخب التي تبنت وتتبنى كاريكاتور الحداثة حلا لمستقبل البشرية.والحداثة المبدعة ذوقيا (الجمالي والجلالي) ،وعلميا (النظر والعمل) ،بمراحل الثورة الأدبية والعملية بداية ،والثورة الدينية والفلسفية مغفول عنها.والمغفول عنه منها خاصة ،هو كونية قيمها ،التي هي عين ما بينا في كلامنا على ثورة الإسلام: ثورة أكسيولوجية روحية دينية ،وثورة وابستيمولوجية عقلية.وبفضل هذين الثورتين ،أصبحت الأخلاق ،والقانون ،والنظر ،والعمل ،كلها ظاهراتإنسانية كونية تشمل كل الحضارات بما يقرب من منطق النساء 1والحجرات ،13فالحداثةقبل تحولها إلى إيديولوجيا تقول بقانون التاريخ الطبيعي (هيجل وماركس في التاريخ الحضاري كداروين في التاريخ الطبيعي) ،آمنت بالثورتين.ثارت على وساطة الكنسية روحيا ،وثارت على الحق الإلهي في الحكم سياسيا ،وأصبحت أقرب ما يكون من الديني في الأديان ،والفلسفي في الفلسفة كونيا.بدأت تدرك ،كالفارابي مثلا في نظرية الجماعات ،عندما أضاف إلى الثالوث الأرسطي (الأسرة والقرية والمدينة بمعنى الدولة) المعمورة بتأثير الإسلام. 33 30
وبدأت قبل النكوص ،تعرف كتابات من جنس مقدمة ابن خلدون في التاريخ الحضاري، ببعديه استعمارا في الأرض واستخلافا ،دون حصرهما في جماعة دون أخرى.ما يؤثر في كاريكاتور التحديث العربي هو ما جاء بعد النكوص ،مصحوبا بما جاء في مواقف الكنيسة قبل الحداثة من الإسلام ومن الرسول ومن المسلمين. ولذلك ،فهم ينقسمون إلى نوعين: -من يغلب عليهم تأثير الكنسية قبل نشأة الحداثة -ومن يغلب عليهم الإيديولوجيا الهيجلية أو الماركسية بعد نكوصهاويطابق الصنفان تماما ،مذهبي الاستشراق غير العلمي ،أعني الموظف دينيا وسياسيا في الصراع بين الحضارتين العربية الإسلامية واليهودية المسيحية.ورغم أن اصحاب الكاريكاتور الحداثي يكثرون من الكلام على التنوير ،فإنهم أبعد الناس عنه ،فهم ضده مرتين :تبعية للأنظمة الفاشية التابعة للاستعمار.فالتنوير ر ّشد الروحي والعقلي ،أي مطابقان للديني في كل دين ،والفلسفي في كل فلسفة، وهو ضد الوصاية :يتصرفون كأوصياء على الشعب ،رغم تبعيهم المضاعفة.وتوجد علامة أكيدة على أنهم كاريكاتور الحداثة ،وليس لهم منها شيء ،أنهم من أدعياءالإبداع الأدبي والعلمي والديني والفلسفي من دون إبداع يذكر ،فلم نسمع عن أحد منهمأنه حاز فعلا رتبة محترمة في الإبداع الأدبي او العلمي ،فضلا عن الإبداع الديني والفلسفي :فمجرد التقليد فيها ليس إبداعا.وطبيعي أن يكون الامر كذلك :فكل الذين يكتبون في فلسفة الدين وفلسفة الحضارة ،لا علاقة لهم بالفلسفة ،ولا بالدين ،ولا بالحضارة ،وكتاباتهم صحافية.أعلامهم خريجو الآداب ،وليس بينهم فلاسفة في أي مجال من مجالات الفلسفة ،ولا علماء في أي مجال من العلوم الطبيعية أو الإنسانية ،أو علوم أدواتهما.وعلوم الأدوات ،كما سبق أن بينت ،هي المنطق والرياضيات والتاريخ واللسانيات ،ويجمعها كلها علم الوسميات أو ما بين السيميوتكس والفينومينولوجيا. 33 31
وهم يجهلون أو يتجاهلون أن نقد الكتب المقدسة-التوراة والإنجيل -في الفكر الغربي، منهجية بذراتها استعملها علماء القرآن والحديث قبل ذلك بكثير.والفكر الغربي النقدي لا يهدف إلى التشكيك في \"الدينية\" ،لأن بحثه يتعلق بأصولمدوناتها ،لا غير ،فالعلماء يعلمون أن حقيقة الدين إيمانية ،لا علمية .وهذا الخلطبمجرده ،كاف للدلالة على أن نقاد الدين من كاريكاتور التحديث ،لا يميزون بين غرض المعرفة العلمية ،وقضية الإيمان بالمعتقد الديني عامة.ومن أسخف ما أسمع بعضهم يتفوه به ،هو ما يتهم به القرآن من أخذ عن المدونات الدينية المتقدمة عليه .وقد شرحت هذه الغباوة بمثال مسجد القيروان.ذلك أن القرآن لا ينفي أنه ينتسب إلى الاسرة الكتابية ،وأنه يتعامل مع الكتابين المتقدمين عليه بمنطق التصديق والهيمنة ،أي إنه لا ينفي المشترك.ولا أخفي حقا أني أحيانا استحي مكان أصحاب هذه المحاولات الساذجة ،المبنية على فرضيةأن الأديان متماثلة وأن الإسلام مجرد دين كغيره من الأديان ،فمن قرأ القرآن مهما غفل،يدرك أنه عرض نقدي للتجربة الروحية الدينية المنزلة (اليهودية والمسيحية) والطبيعية(الصابئية والمجوسية) وحتى الشرك ،ويدرك أنه لا يعتبر التعدد الديني ظاهرة غيرطبيعية ،بل هو يعتبرها مثل كل أنواع التعدد ،من الآيات الدالة على الحكمة :شرط التسابق في الخيرات.ومجرد قوله بمعيار \"التصديق والهيمنة\" ،يفيد بأنه يؤمن بأن الحقيقة كونية ،وأنه لايوجد دين خال من بعضها ،وأن الديني في الأديان واحد ،وهو ما يطلبه ،واعتبار القرآنسلسلة الرسالات التي يقصها معبرة عن الإنسانية أمة واحدة ،دليل قاطع على أن الإسلام ليس دينا من بين الأديان ،بل فلسفة دين كونية.كل ذلك يتجاهله هؤلاء السذج ولا يتجرؤون إلا عليه ،ويجبنون أمام أكبر تحريف للدين، أعني اليهودية والمسيحية ،لأنهم توابع مرتين :يتبعون أنظمة تابعة. اعتقد أنه يجب أن أقف عند هذا الحد. 33 32
فقد تبين أن كاريكاتور الحداثة لا يقل تخلفا عن كاريكاتور الأصالة ،وأنهما غير راشدين فكريا وروحيا. انتهى. 33 33
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 40
Pages: