أبو يعرب المرزوقيما دلالة { َما فَ َّر ْطنَا يِف ال يكتَا يب يم ْن َ ْش ٍء}؟ الأسماء والبيان
المحتويات 2 -الفصل الأول 1 - -الفصل الثاني 6 - -الفصل الثالث 11 - -الفصل الرابع 16 - -الفصل الخامس 21 -
--تكلمت على الانقلاب على الدستور السياسي القرآني في بعد الحكم وفلسفة العمل بمايكفي واشعر أن الانقلاب على الدستور القرآني السياسي في بعد التربية وفلسفة النظر لمينل حظه من العلاج الفلسفي خاصة والجمع بين الديني والفلسفي في محاولاتي قد يظن مفسدا لكلى المنظورين.لابد من العودة إلى المسألة بتدقيق أكبر وأعمق .فمثلما أن ثورتي الإسلام تبدوان غيرقابلتين للتصديق عند أدعياء الحداثة-الحرية الروحية أو التخلص من الوساطة الروحيةلنظام التربية الكنسي والحرية السياسية او التخلص من الوصاية المادية لنظام الحكم بالحق الإلهي-فذلك في فلسفة النظر والعمل.وستكون هذه العودة فلسفية خالصة وتتعلق بالمسألة الابستيمولوجية :فعندي أن كلالمسألة صادرة عن الرؤية الابستيمولوجية التقليدية التي تجاوزتها الفلسفة الحديثةوالتحقت بما سبقها إليه الدين عامة والدين الإسلامي خاصة .وأقصد بالابستيمولوجيا التقليدية القول بنظرية المعرفة المطابقة.ما أظن احدا له اطلاع على الابستمولوجيا الحديثة يسلم بأن علم الإنسان له القدرةعلى النفاذ المطلق الذي يحقق التطابق بين ما في علمنا وما في الوجود في ذاته بصرف النظرعن المنظور الذي ينطلق منه العلم بوصفه نافذة إلى ما يتجلى منه للإنسان بتدريج لا يتناهى دون ضمان المطابقة المطلقة.مجرد تطور المعرفة دليل قاطع على أن هذا المطابقة غاية لا تدرك فعلا أو على الأقلتوقعا كتال عما يفيده التطور الدائب لمعرفتنا التي أحيانا تنتهي إلى انقلاب تام على ماكان سائدا مما نظنه علما نهائيا .وفي ذلك غنم كبير لأن التواضع الناتج عن نسبية علمنا هي شرط التقدم والتعاون بين العلماء.والحصيلة هي أن الفلسفة الحديثة وخاصة بعد النقد الكنطي انتهت إلى ان نظريةالمعرفة المطابقة لم يعد أحد يقول بها وأصبحت نسبية إلى تطور مدارك الإنسان حتى لوأبو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
--لم نقل بما يقول به كنط من حصر المعرفة في مظاهر الوجود دون نفاذ إلى ما يسميه الوجود المعقول (النومان) للشيء في ذاته.والمشكل الذي يعنيني لا يتأتى من هذين النوعين من نظرية المعرفة-المطابقة أو الزعمبعلم الشيء على ما هو عليه في ذاته ونفي هذه المطابقة واعتبار المعرفة نسبية إلى الذاتالعارفة-بل من كون الفكر الإسلامي في علوم الملة الخمسة صار محاصرا بينهما ويخبط خبط عشواء.وسأبدأ أولا بالمرحلة الأولى التي كانت نظرية المعرفة المطابقة مسيطرة على الفكرالفلسفي الموروث وعمت بالتدريج على الفكر الديني في علوم الملة الخمسة أي الفقهوتأصيله والتصوف وتأصيله والكلام وتأصيله والفلسفة وتأصيلها وأصلها جميعا تفسير القرآن والوجود وتأصيلهما :الجرأة على آل عمران .7بدأت المسألة مع ارسطو :ففي مقالة اللام من ما بعد الطبيعة وصف أرسطو علم الله بكونهمقصورا على علم ذاته لا يتعداها .فلا علم لله بالعالم كليه وجزئيه لأن العلم التام مطابقللموضوع التام وهذا لا ينطبق إلا على الله علما موضوعا للعلم :العقل يعقل ذاته ولا شيء سواها للتطابق بين التمامين.وكل ما عدى الله فالعلم والمعلوم كلاهما ناقص بما في ذلك السماوات التي ما فوق القمررغم كونها أتم ما في الطبيعة .والإنسان له القدرة على علمها المطابق للتطابق بين عقلهومعقوله حصرا في الكليات والذاتيات مع استثناء الاعراض غير الذاتية لكونها لا تنحصر.ثم حصل تقدم عند ابن سينا الذي نسب إلى الله العلم بالكليات التي توجد في العالم ولميعد عند علمه مقصورا على ذاته .لكنه استثنى معرفة الجزئي من علم الله .وحتى نفهمذلك فالكلي مفهوم متعين في الأعيان التي تنتسب إلى ما صدقه .وإذن فالله رغم إطلاق علمه لا يتجاوز علمه النوع إلى العدد.وواضح أن ابن سينا تجاوز أرسطو بقوله إن الله يعلم كليات الموجودات العالمية ولا يقتصرعلمه على ذاته دون سواها لكنه بقي أرسطيا في القول إن العلم لا ينزل دون الكلي وشكلهأبو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
--الاخير أي النوع بعد الجنس ولا يصل إلى العدد الذي هو العيني من الكلي :عناصر ماصدق المفهوم بأعيانها.مثال ذلك أنه يعلم الإنسان كنوع -جنسه الحيوان وفرقه النوعي الناطق-ولا يعلم زيداأو عمروا إلا بما يشترك فيه مع جميع البشر أي الحيوانية والناطقية لأن بعد ذلك نجدالأعيان التي لا يحصرها حد ومن ثم فالعلم يكون بالماهيات وليس بالإنيات التي تدرك بالحواس لأن العدد يشار إليه ولا العلم.لذلك كان أهم إشكالية في ابستيمولوجية أرسطو هي التالية :لا علم إلا بالكلي ولا وجودإلا للعيني .وكان حله أن الكلي حال في العيني وبذلك اختلفت ابستمولوجيته عنابستيمولوجية أفلاطون الذي يعتبر الكلي نفسه ذا وجود فعلي وعيني في عالم المثل وما يوجد في عالمنا نسخ منه انحطت بالتمدد.وبنحو ما يمكن القول إن الابستمولوجيا القديمة والوسيطة لا تقول بالمطابقة حقا بل هيتقول بأن المعلوم في الوجود هو جوهره وما عداه ليس من جوهره هي أعراض غير الذاتية:نفي حقيقة الاعراض غير الذاتية Accidents non essentielsلموضوعها بل هي ذاتية بالمعنى الحديث .Impressions subjectives حصل تدرج إذن في نظرية المطابقة: .1علم الله لذاته دون سواها للتطابق بين تمامين في العلم وفي المعلوم (ارسطو) .2علم الإنسان للكليات الماهوية والعرضية الذاتية دون ما به يتعين العدد بعد النوع (أرسطو) .3علم الله للكليات الماهوية والعرضية الذاتية دون ما به يتعين العدد (ابن سينا).وبذلك فابن سينا أوجد علاقة بين النوعين من العلم :علم الله المطابق بإطلاق لتمام علمهوذاته وعلم الإنسان المطلق المطابق لموضوعه كذلك لأن علمه به يمر بالكليات والذاتياتالتي يعلمها الله كذلك فيكون علم الموجود العالمي وسطيا بين العلمين علم الله وعلم الإنسان.أبو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
--ولما كانت فلسفة ابن سينا هي التي سيطرت على الكلام وما عداه من علوم الملة فإن ما كانمجرد ممارسة أساسها الضمني هو هذا الحل السينوي أصبح ممارسة صريحة وبات القولبالمطابقة ذا دلالتين :مع الموجود ومع علم الله له أو وحدة العلمين بالموجود في الطبيعة وفي العناية (مصطلح سينوي).وهذه الابستمولوجيا سيطرت على القرون الوسطى كلها اسلامية كانت أو مسيحية لتجانسالرؤية المعرفية الموروثة عن الفلسفة في صوغ ابن سينا والغزالي (المتأخر بعد تخليه عننزعته النقدية وتبنيه السينوية) وهو الصوغ الذي رفضته المدرسة النقدية الإسلامية: الغزالي الاول وابن تيمية وابن خلدون.ولهذه العلة اعتبرت هذه المدرسة قد أعادت النظر في نظرية العلم ونظرية العمل :فقالتبأن المطابقة مستحيلة وقالت من ثم بأن العمل قابل للعلم مثل النظر وأن علم الشرائع(العمل) رغم أنه أكثر تعقيدا من علم الطبائع فإنه ممكن كذلك وإن بقدر أدنى منه .وما كان مستحيلا بات ممكنا :علم التاريخ.فمن يتوهم أن ابن خلدون يمزح عندما قال إن سر ثورته في تأسيس علم العمران البشريوالاجتماع الإنسان هو ما جله ينقل التاريخ من فن الأدب (بمعناه العربي القديم :ايامالعرب) إلى فن الحكمة أو الفلسفة .وذلك أمر كان مستحيلا في الأبستمولوجيا اليونانية والسينوية لما سأبين من العلل.صحيح أن لليونان مؤرخين كبار .لكن الابستمولوجيا اليونانية عامة والأرسطية خاصةومعها ابستمولوجيا فلاسفتنا التقليديين من الكندي إلى ابن رشد كانت تنفي كل إمكانيةلجعل التاريخ علما :فهو عند أرسطو دون الشعر قابلية للانتساب الى العلم :فليس موضوعه الكلي المضطر ولا الكلي الممكن.فهو كلام في العيني العرضي أو اللقاء الاتفاقي بين أحداث عينية لا تقبل الحصر ولا تردإلى الطبائع وآخرها الكلي النوعي وما دونه عددي وليس نوعيا ولا جنسا ولا حتى تناسباأبو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
--في علاقات التناسب الوجودي بتناظر النسب بين الظاهرات .فما لا يقبل الرد إلى الطبائع حكمة عملية لا ترقى إلى النظرية.وسر الدور الذي أنسبه إلى المدرسة النقدية العربية (انظر ضميمة المثالية الالمانيةالشبكة بيروت) هو تحرير النظر من إطلاق المطابقة وتحرير العمل من دعوى العرضيةغير القابلة للحصر ما جعل الحد من إطلاق علم الطبائع والرفع من مستوى علم الشرائع يلتقيان في ابستمولوجيا الفلسفة الحديثة.أبو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
--الانقلاب على الدستور القرآني في التربية والمعرفة رمزه سوء فهم \"ما فرطنا في الكتابمن شيء\" :فهذا النص هو الذي أسس عليه الانقلابيون على فصلت 53وآل عمران 7النكوص إلى نظرية المعرفة المطابقة القائلة بأن ذلك يعني ان الكتاب يحتوي على علم كل شيء والرسوخ في العلم له دلالة المطابقتين.والمطابقتان هما مطابقة الوجود ومطابقة علم الله .وقد اخترت علاج هذه القضيةبمناسبة بداية الثورة على الانقلاب الدستوري في الحكم والعمل وهي ثورة لا تتم إلابالثورة على الانقلاب الدستوري في التربية والمعرفة .فهذا الانقلاب الثاني مثل الاول اصاب الأمة بشلل الابداعين النظري والعملي.نسوا أن دلالة هذه العبارة القرآنية \"ما فرطنا في الكتاب من شيء\" محكومة بطبيعة ما فيالكتاب وبطبيعة علم المخاطب به .فالكتاب رسالة هدفها أن تذكر الإنسان بما فطر عليهوتنذره في ما يخالف ذلك .فإذا قرأنا العبارة وفي ذهننا تذكر هذين الضميرين كان الفهم هو فصلت 53وآل عمران .7والضمير الاول يعني أن الكتاب الذي يذكر الإنسان وينذره ويعلمه بما يحتويه حولالأشياء التي يرينها الله آيات في الآفاق والأنفس ويطلب منها النظر فيها والعمل بمانكتشفه من قوانين الطبيعة (الآفاق) وسنن التاريخ حتى نتبين ما يريد الكتاب كرسالة تذكيرنا باعتباره وتنبيهنا لعواقب تجاهله.وإذن فالعبارة تعني \"ما فرطنا في الكتاب (كرسالة تذكير وتحذير) من شيء علينا تذكيرالمكلف بما يجب علمه وتحذيره مما يجب تجنبه حتى يحقق ما كلف به أي الاستعمار في الارضبقيم الاستخلاف امتحانا لأهليته لهذه المهمة التي تحملها وخشيت الجبال من تحملها :الخلافة في الارض بشرع الله.وهذا ينفي الفهمين العقيمين اللذين اعتمدا على نظرية المعرفة المطابقة والظن بأنالعلوم والاعمال كلها موجودة في نص القرآن :نص القرآن رسالة تذكر بما ينبغي علىأبو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
--الإنسان عمله حتى يحقق ما به تعرف الإنسانية من تكليف ومسؤولية شرطهما الحرية الروحية (لا وساطة) والحرية السياسية (لا وصاية).صحيح أن القرآن كرسالة تذكير وتحذير ذكر لنا طبيعة الآيات التي علينا البحث عنها فيالطبيعة وفي التاريخ فحدد طبيعة قوانين الطبيعة (رياضية تجريبية :كل شيء خلقناهبقدر) وطبيعة سنن ا لتاريخ (سنة الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا) ولم يعين القوانين والسنن بل طلبنا بالبحث عنها فيهما.لذلك فكل تخريف يطلبها من شرح ألفاظ القرآن خزعبلات صبيانية تؤدي إلى مناكفاتتأويلية يتوهم أصحابها أن معجم العربية كنز كل العلوم الذي لا يفنى بحسب أهواءالدجالين من المؤولين لألفاظ القرآن كخرافة دحاها بمعنى بسطها ثم كورها ثم إلخ ...من تخريف الأعجاز العلمي.القرآن الكريم سبابة مشيرة وليست المشار إليه .علماؤنا لم يروا إلا السبابة وغفلوا عنالمشار إليه بها :والسبابة تذكر وتنذر لكنها لا تفعل بدلا من الإنسان المكلف ما تذكره بهوتنذره منه .والغفلة عن هذا هو سر الانقلاب الذي حصل في التربية والمعرفة :الحصيلة الجهل بالعلاقتين شرط القيام.فعلم العلاقة العمودية بين الجماعة الطبيعة والعمل به هو شرط سد الحاجات الرعائيةوالحمائية .والجهل بها وعدم العمل بها هو علة العجز في الرعاية والحماية .ومن فقدهذين الأمرين أصبح عالة على غيره لتوهمه أن الكلام عمل والتخريف في شرح النصوص علم.ولو فهم ملايين الشباب من الجنسين هذه الحقيقة لما بقي أحد عاطلا ولكان سر العمل هوالاجتهاد في إبداع الحلول والجهاد في تحقيقها فتكون الأمة خلية نحل كل يعلم ويعمل حتىيحقق ما عليه كمكلف بتعمير الارض بقيم الاستخلاف ولما أصبح الجميع عالة على التسول لسد حاجة الرعاية والحماية.أبو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
--وهذه الرؤية هي الثورة بحق .أما مواصلة الافكار التي بها سيطر على الأمة طاغوتالتربية وطاغوت الحكم المبني على \"فساد معاني الإنسانية\" الذي جعل الجماعة تتبادلالغش والغدر والاستغلال المتبادل فلن يتغير عائق الحرية الروحية والحرية السياسية: يبقى الانقلابان سائدين وإن تغير المستفيد منهما.الكل يلوم الكل ولا أحد يلوم نفسه على فساد التربية والحكم رغم أن ما يحكم الجميع هوهذا الفساد الحائل دون حل مشكلات العلاقة العمودية .فالعلاقة العمودية بين الإنسانوالطبيعة عقيمة والنتيجة تحول العلاقة الافقية بين البشر إلى صراع دائم على تقاسم الفقر والجهل وعدم العمل على علم.فكلما قل العلم والعمل على علم لسد حاجات الرعاية والحماية بالعلاقة العمودية بينالجماعة ومحيطها الطبيعي زاد الصراع في محيطها التاريخي على قلة ما يسدها بالعلاقةالافقية ولا يبقى إلى الصراع على الندرة في مجتمع صار قانونه قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى وليس للأنفع.وحصيلة الانقلابين وعلتهما في آن هما عدم تجذر التربية والحكم الإسلاميين في الشعوبالتي أسلمت لقصر المدة التي عاشتها الامة بمقتضاهما في العصر النبوي والراشدي :لم يعودالناس على الحرية الروحية في التربية والنظر والحرية السياسية والعمل ومن ثم فسرعان ما نكصوا إلى نقيضيهما السابقين.عاد طاغوت الوساطة الكنسية ووصاية الحكم بالحق الإلهي صراحة عند الشيعة وبصورةمخاتلة عند السنة لأنها ظلت محافظة على مثال الثورتين الاعلى في الاقوال أما الأعمالفلا تختلف عن الشيعة إلا بأساس الطاغوتين :دعوى الرسوخ في العلم والضرورة التي تشرعن للمتغلب والشوكة.فصار مفهوم \"أولياء الامر\" اي العلماء بما هم وسطاء والامراء بما هم اوصياء لا يدل علىفاعلية تمكن من حل قضايا العلاقة العمودية بين البشر والطبيعة ومن حل قضايا العلاقةأبو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
--الافقية بين البشر بل هم اولياء الاحتكار العنيف للنظر والعمل الزائفين تأثيره الوحيد التزايد المطرد الاستبداد والفساد.ومن الاوهام تصور ما يدعى من تطور في نظام التعليم ونظام الحكم في بلادنا قد انتهىإلى نتائج محررة من هذين السلطانين العنيفين ومكونا لأجيال مبدعة قادرة على علاجالعلاقة العمودية أو الافقية بصورة تحقق شروط القيام المستقل بل هي مجرد محو للأمية تخرج المقلدين والعاطلين والإيديولوجيين.لم يبق في نظام التربية والنظر وفي نظام الحكم والعمل إلا صراع الإيديولوجيات لأنقضايا العلاقة العمودية والعلاقة الأفقية تعتبر محلولة إذ يكفي فيها الاستيراد :استيرادما يسد الحاجات في الرعاية والحماية ومن ثم فإنه لا حاجة للاجتهاد النظري والجهاد العملي فغيرنا يتكفل بسد حاجاتنا.وما يخرجني عن طوري حقا هو الكلام على \"العلماء\" .فهؤلاء لا علم لهم بالطبيعة ولابالتاريخ إذا ما استثنينا المحفوظات التي تتكلم على علم شبع موتا أو على علم وهمياختلقوه حتى يكون لهم دور :فما عدى العبادات كل ما يقولونه تخريف .والعبادات غنية عن النظر الممارسة تكفي في أفعال الجوارح.وأفعال القلوب لا تكون وجدانا صادقا إذا صارت معلموها وسطان يعتبرون التعليم تلقيناخارجيا وليس إيقاظا لقدرات ذاتية للمتعلم .لذلك فقد يخرجون حفظة لتراث لفظي لاسلطان له على شروط الاستخلاف وتعمير الارض .فلا يبقى إلا منطق الدعاء والدعوة والادعاء لأوهام تزيد الامة تبعية لمستعمريها.العبادات غنية عن النظر بل هي عمل مباشر يتعلم بمحاكاة الأطفال لآبائهم إذ من جنسآداب العيش كالأكل والكلام والعناية بالبدن والنفس .قد تحتاج إلى التوجيه لكنه ليسعلما بل آداب عيش .تعقيده وتحويله كلام يقتل العفوية التي تلازم الصدق وتحوله إلى تكلف يلازم النفاق :صدق النية جوهر العبادة.أبو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
--وما عدا العبادات لا يكفي فيه حفظ شروح النصوص :العلوم كلها بحث في آيات الله التيتتجلى في الآفاق والانفس وهذه الآيات هي قوانينها في الطبيعة وسننها في التاريخ ولايحصل علم في هذين المجالين بشرح النصوص بل لا بد من دراسة الظاهرات نفسها لمعرفة نظمها الحاكمة فيها.وهذه البحوث العلمية ليست في متناول من نسميهم \"علماء\" هم ربهم حفظة للنصوصومؤولون زائفون وبعيدون لما فيها بشروح متكلفة تجعل النصوص حسب رأيهم محتوية علىعلم كل شيء في حين أن القرآن لم يقل إن القرآن يحتوي على علم كل شيء لأنه رسالة إلى مكلف تذكره بما كلف به وبما عليه تجنبه لينجح.عندما أنصح ابني بما عليه القيام به للنجاح في دراسته لم أعلمه ما سيستعمله خلالالدراسة .من يعلمه هو نشاطه النظري والعملي في مجال الدراسة والتعامل مع الموضوعبنفسه تعاملا فعليا لا يقتصر على التلقي الكلامي :لا يتعلم الفيزياء بقراءة كتاب بل لا بد من ممارسة مخبرية مع تمكن من الرياضيات.ولما نكصت الأمة لم تعد تنقب في الارض ولا تحدق في السماء لمعرفة قوانين الآفاق الطبيعةوالتاريخية بل تكتفي بحظ كلام لا معنى له حول ما لا يقبل العلم بمقتضى آل عمران 7والعلة هي توهم الرسوخ في العلم قدرة علة معرفة ما يعترف النبي نفسه أنه يجهله :العلم بالغيب.لكن المأساة تكررت في العصر الحديث .فالعودة إلى نفس هذا الانقلاب على الدستورالمعرفي والتربوي والإيهام بالإحياء الاصيل رغم مخالفة أصحابها لما أمر به القرآن (فصلت )53ولما نهى عنه (آل عمران )7جعل أدعياء التحديث كاريكاتورا مقابلا يحارب الإسلام خلطا بينه وبين تحريف التأصيل.أبو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
--ما أظنني بحاجة للاعتذار للقراء بخصوص المصطلحات الفلسفية القديمة-في كلامي علىأرسطو وابن سينا مثلا-فهي من زاد اي متابع عربي ومسلم لأحد علوم الملة الخمسة (الفقهوتأصيله والتصوف وتأصيله والكلام وتأصيله والفلسفة وتأصيلها وأصلها جميعا في تفسير القرآن وعلم الوجود في حضارتنا).ولا أنفي أن جل الشباب غير متابع لهذه العلوم إذا ما استثنينا خريجي المدارس الدينية.والمشكل مع هؤلاء يتعلق بمصطلح الفلسفة الحديثة .وهو نفس المأزق بل هو أخطر لأنمحاولات البعض منهم الاعتماد على التعلم الصحفي من أسرار ما أجده في الغالب لديهم من تعالم زائف خال من مقومات التعلم السوي.ورغم كل محاولات التبسيط فإن هذين النوعين من المعرفة من علوم الآلة في كل كلامعلى المسائل التي تصل بين الديني والفلسفي في كل حضارة تجاوزت المقابلة السطحية بينالعقلي والنقلي :فكل علم مؤلف منهما لأن المضمون نقلي والشكل عقلي في كل معرفة إنسانية لموضوع خارجي.والفرق بين المضمونين الديني والفلسفي ليس من حيث كونه مضمونا متلقى من خارج بلكونه مضمونا متلقى عن طريق الحواس الخارجية أو متلقى عن طريق الحوادس أو الحواسالباطنية للمعاني التي لا تتعين في محسوس بل في مفهوم منتسب إلى ما وراء المحسوس من أصول قانونية وسننية تنسب إلى ما يسمو عليه.والشكلان كذلك واحد من حيث الشكلية لكنه مختلف من حيث العلاقة بالمضمون:فالعلاقة في العلوم الوضعية علاقة تقدم الشكل على المضمون بل تعتبر المضمون نفسه منصنع الشكل العلمي نفسه في حين أن العلوم الدينية بسبب تقديسها للمضمون تعكس فتعتبر المضمون ليس من صنع الشكل بل هو ذو مصدر إلهي.وكان يمكن أن نردهما إلى أمر واحد لو كانت كل الاديان من جنس الإسلام :فالإسلام لايعتبر علاقة المضمون الديني بالشكل العلمي مختلفة عن علاقة المضمون الطبيعي بالشكلأبو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
--العلمي :فكلاهما يحتكم إلى ما في الآفاق والأنفس من تجليات القوانين والسنن التي هي في الحالتين آيات إلهية دالة على النظام.لذلك فالقرآن لا يستدل على ما يقدمه من تذكير وتحذير على وجود الله ووحدانيتهبالمعجزات بل بالنظام :معجزته الوحيدة هي نفي أي اعجاز غير مستمد من النظامالقانوني في الطبائع والسنني في الشرائع .وهذا لا يعني أنه ينفي معجزات الأنبياء السابقين بل هو يقصها ولا يقيس الرسالة الخاتمة عليها.والدليل رده على كل المعاجزين :فهو يقول إن المعجزات كانت للتخويف ولم تكن للإقناع.والإسلام يكتفي بالحجاج للإقناع وعماده بيان النظام الذي هو جوهر معجزاته في الطبيعةوفي التاريخ .ولذلك جعلت فصلت 53جوهر نظرية المعرفة القرآنية وجعلت آل عمران 7 الحد الذي لا يمكن لعلمنا تجاوزه.على الآن شرح \"ما فرطنا في الكتاب من شيء\" بهذا المعنى الذي يجعل القرآن سبابة تشيرإلى مشار إليه يوجد خارجه ما ينتظر من رسالة تعرف نفسها بكونها تذكيرا وتحذيراللإنسان المكلف بواجباته ومحظوراته من حيث هو كائن حر روحيا (لا يخضع لوسيط) وسياسيا (لا يخضع لوصي) تختبر أهليته للاستخلاف.فأما الضمير الاول فهو كونها في رسالة تذكير وتحذير .وأما الضمير الثاني فهي موجهةإلى الإنسانية بوصفها أمة كل الكائنات الحية التي ذكرتها الآية لها ما تتميز به وهو معلوم:امة مكلفة (حرة ومسؤولة) ومستخلفة في الارض (تكليف برعاية الأرض وحمايتها اصلا لقيامه) يختبر صلاحه وفساده بسلوكه.والضمير الاول يعني أن ما يذكر به الإنسان معلوم لديه قبل التذكير ما يعني أن بينالعلم السابق والتذكير اللاحق نسيان .وكذلك بالنسبة إلى التحذير .والضمير الثانييعني أن التكليف تذكير بما يوليه للإنسان من منزلة (الاستخلاف) وما يترتب عليها من حساب المستخ ِلف للمستخ َلف.أبو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
--والجمع بين التذكيرين وما يترتب عليهما (أربع مسائل) تتأصل في دلالة الرسالة :هيشبه تدعيم للتكليف ومساعدة للمكلف لكأنها رسالة نابعة عن تحذير أكثر من نبعها عنتذكير ما يعني ان الرسالة تشبه ما يفعله أي صاحب أمر لمن نوبه فيه بعد ملاحظة سوء تصرف منه.لذلك فالرسالة تلخصها أفضل تلخيص سورة العصر :فهي تبدأ ببيان الداعي للرسالة(الإنسان في خسر كما يتبين من سلوكه) وتأتي التوصيات لبيان شروط خروجه منه مضمونالرسالة التذكيرية والتحذيرية :فتكون فروعها الاربعة التي تتأصل في التوعية بالخسر وما يترتب عليه من شروط الخروج منه. وإذن فالرسالة مضمونها خمسة عناصر: .1أصل هو الوعي بالخسر والداعي للخروج منه .2الإيمان .3العمل الصالح .4التواصي بالحق .5التواصي بالصبر.وبهذا فالرسالة لم تفرط في شيء يخص شروط خروج الإنسان من الخسر الذي تردى إليه فاحتاج إلى تذكيره وتحذيره.والدليل أن الآية 44من الأنعام التي منها هذه العبارة تؤيدها الآية 44منها\" فلماَنسُوا مَا ُذ ّكِ ُروا بِ ِه َف َتحْنَا َع َليْ ِه ْم أَ ْب َوا َب ُك ِّل شَيْءٍ َح ِتَّ ٰى ِإذَا فَ ِرحُوا ِبمَا أُو ُتوا أَ َخ ْذ َنا ُهم َبغْ َتةً َف ِإذَا هُم ُِّم ْب ِلسُو َن\" :فالرسالة تذكير وشبه توبيخ لسلوك الناسين.وحتى أحصر معنى \"كل شيء\" في الآية لا بد من نسبة الشيء الذي تحتويه الآية إلىالمخاطب بالرسالة وعلاقته بالمرسل إليه (مستخلف يراسل خليفة) وموضوع الخطاب المتعلقما كلف به الثاني من الاول وبشروط انجازه الغائية والأداتية والجزاء المتعلق بإنجاز المهمة جزاء موجبا أو سالبا.أبو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
--\"كل شيء\" ليست مهملة فتكون محتوية على التخريف الذي بنيت عليه علوم الملة وكأنالمعرفة الإنسانية تقتصر على شرح آيات القرآن حتى لو أضفنا إليها السنة .كل شيء فيالآية واضح :هو كل شيء يتعلق بتذكير الخليفة بما كلف به وتحذيره من عدم الإيفاء بما التزم به عندما قبل الامانة.لذلك فمحاولة استخراج علوم الملة من نص القرآن ينافي ما أمر به القرآن (فصلت )53وما نهى عنه (آل عمران )7أي إن المحاولة انقلاب على الدستور القرآني في مجال التربيةوالمعرفة اللتين تمكنان الإنسان من تحقيق ما ذكر به من مأمور به ومنهي عنه .والتربية التي ذكر بها مدارها المعادلة الوجودية.والمعادلة الوجودية من حيث هي موضوع معرفة تنقسم إلى ما هو إيماني وإلى ما هوعلمي .فالإيماني يتعلق بمقوماتها والعلمي يتعلق بما يمكن اكتشافه بالبحث العلمي في هذهالمقومات أو بصورة أدق في ما هو شاهد منها :الله والإنسان وبينهما الرسالة علاقة مباشرة والطبيعة والتاريخ علاقة غير مباشرة.والدستور القرآني المتعلق بالتربية والمعرفة يقول إن تبين حقيقة الرسالة (القرآن) لايوجد في نصها بل في الآفاق والانفس (فصلت )53ومن ثم فهي لا تعلم من شرح النص بلمن البحث العلمي في آيات الله في الآفاق أي في قوانين الطبائع وآياته في الأنفس أي سنن التاريخ.اما حقيقة الله وحقيقة التكليف أو الاستخلاف فهما قضيتان إيمانيتان لا يمكن أن ندعيعلما فيهما يتجاوز الإيمان للمسلم بهما أو عدم الإيمان لنكرهما .فتصبح المعادلة تطبيعاللإنسان وللإله وضم الفاعلية القصدية أو التي يتقدم عليها إرادة وعلم إلى الضرورة الطبيعية ونفي الحرية والتكليف.وذانك هما الموقفان الممكنان معرفيا :فإما الاعتماد على الإيمان المتجاوز للطبيعةوالتاريخ بذاتين حريتين هما الله والإنسان الأولى مستخلفة والثانية خليفة أو نفي الفاعلأبو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
--الحر في الحالتين ورد الكل إلى الآلية الطبيعية فيكون الإنسان مثله مثل أي كائن طبيعي خالص خاضعا للحتمية الطبيعية.ولا يمكن لمن ينفي الفاعلية الحرة وراء الطبيعة أن يدعي وجود فاعلية حرة بعدها فيالتاريخ .من ينفي وجود الله كفاعل حر للطبيعة لا يمكن أن يثبت الإنسان كفاعل حرللتاريخ .المفهومان متلازمان حتما .فالإنسان لا يمكن أن يكون فاعلا حرا للتاريخ إذا كان منفعلا مضطرا للطبيعة.من يزعم حرية للإنسان ليجعله خالق نفسه (التاريخ من صنع الإنسان) يفترض أنالإنسان مستثنى من الضرورة الطبيعية .وليس يمكن القول بالاستثناء الإنساني منالضرورة الطبيعية لتفسير التاريخ من دون التسليم بأن الطبيعة أولى بالحاجة إلى خالق حر .فالخاضع للضرورة العمياء لا يخلق الحر.وهذا ليس استدلالا يقيس الغائب على الشاهد فضلا عن قيس الغيب عن الشهادة :فمايجعلنا نعتبر الإنسان فاعلا حرا ليس مجرد الشعور بالحرية بل كذلك ما في فعله من غائيةمتقدمة على الانجاز وأدواته .هو يتصور وينظم الفعل باختيار بين ممكنات متعددة فيفاضل بينها :تلك هي الحرية.وكل من له دراية بعلوم الطبيعة يعلم أن ما فيها من حلول ليس مضطرا بل هو نتيجةخيارات ومفاضلة بين عدة إمكانات وذلك فهو الفرق بين الضرورة المنطقية في الرياضياتوالغائية التي فيها \"ديزاين\" في الطبيعيات يفاضل بين الحلول الرياضية المتعددة ليختار أفضلها تحقيقا للغاية.وكان أرسطو يسمى هذا الفرق بين طبيعة النظام المنطقي في المقدرات الذهنية وطبيعةالنظام الوجودي في الطبيعيات بـ\"الضرورة الشرطية\" أي إنها تتضمن اختيار مشروطبتحقيق الغاية من الكيان الذي يؤدي الوظائف وخاصة في الكائنات الحية .ولايبنتز مال إلى نفس الرؤية .وكل عاقل يرى العلاقة بالحرية.أبو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
--وفي هذه الخاصية تكمن عبقرية هيجل في كلامه على ادلة وجود الله .فما أضافه ليسعلاقتها بالمستدل عليه بل علاقتها بالمستدل .فالمستدل عليه هو الله .والمستدل هو الإنسان.والسؤال هو ما الذي يجعل الإنسان لا يكتفي بالوجود الطبيعي ويبحث عن وجود ما بعد طبيعي يعلله به؟ ما الذي يشعر الإنسان بأمرين عجيبين: .1أن العالم الطبيعي لا يكتفي بنفسه بل يشعر الإنسان بأنه ممكن وليس ضروريا أي إنه يعجب من كونه ومن كونه على ماهو عليه. .2وأن وراء العالم الطبيعي وجود مكتف بنفسه غني عما يعلل وجوده لأنه واجب الوجود وليس ممكنه فحسب.وطبعا فلا يمكن لله أن يكون واجب الوجود إذا لم يكن ممكنه لذلك اعتبر كنط واجب الوجود هو ما يوجد لمجرد إمكانه .ومن ثم فالإمكان معنيان: .1الممكن مقابل الممتنع وحينها يكون الواجب ممكنا أو غير ممتنع. .2والإمكان الغير الواجب هو المشروط بما يعلل انتقاله من إمكان العدم عليه إلى الحصول الوجوديبعبارة أوجز :ما الذي يجعل الإنسان قادرا على التوجيه الوجودي (الجهات بالمعنىالمنطقي )Modalitiesأين يقوم الإنسان عندما يوجه الوجود إلى ممكن وواجبوممتنع؟ هذه القدرة هي التي تعني هيجل :وهي قدرة لا يمكن تخيل وجودها من دون الحرية التي تمكن من الاقلاع والتعالي على مجرى الضرورة.وإذن فأدلة وجود الله قد لا تكفي للدلالة العلمية على وجوده لأن الدلالة العلميةتفترض التحقق من الوجود بعد افتراضه النظري في الاستدلال .وهذا مستحيل في الكلامعلى الغيب وذات الله ووجوده وصفاته كلها من مسائل الغيب المحجوب وهي إيمانية وليست علمية .لكنها تكفي دليلا لقدرة التوجيه :الحرية.أبو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
--وقدرة التوجيه أو الحرية عند الإنسان أمر قابل للتحقق منه إذ هي من عالم الشهادةوليست من عالم الغيب .كلنا يوجه فيحكم لأمر بإمكانه أو امتناعه أو وجوبه ويستطيعالتحقق من الجهات في عالم الشهادة إذ ينتقل من الفرض العلمي في النظرية إلى التحقق العلمي في التجربة .وكل إنسان له هذه القدرة.فتكون أدلة وجود الله أدلة على حرية الإنسان وحاجة الإنسان الحر إلى علاقة برب حريخلق كائنات حرة لتكون له بها صلة هي علاقة حريتين متحاورتين مباشرة بالرسالة وبصورةغير مباشرة بما في الطبيعة والتاريخ من آيات مبينة لدلالة هذه العلاقة بقوانين الطبيعة وسنن التاريخ.فعندما ينفذ الإنسان إلى أسرار الطبيعة فيتجاوز \"فوضاها\" الظاهرة إلى نظامها الباطن(القوانين) وإلى أسرار التاريخ فتجاوز \"فوضاه\" الظاهرة إلى نظامه الباطن (السنن)يكون الإنسان قد تجاوزهما إلى ما بعدهما من حرية مبدعة لهما تتجلي في العلاقة بين المستخلف والخليفة قرآنيا.وذلك هو مجال التكليف :فلما أجاب الله بأن آدم يملك ما لا يعمله الملائكة عندما نفواأهليته للاستخلاف في المشهد المشهور وعين ذلك في ما علمه من أسماء حدد شرط تعاليه علىالأشياء إلى رموزها التي تمثلها الأسماء .والرموز او عالم الأسماء أوسع من عالم المسميات لأنها من بالإمكان المطلق.وإذن فالإنسان يوجه بفضل مقامه في عالمه الرمزي المؤلف من الأسماء والنظر منه إلىعالمه الفعلي المؤلف من الأشياء فيرى من هذه ما هو حاصل ليس بوصفه ضروري الوجودبل ممكنه لأن \"قيم\" المفهوم هي كل عناصر الماصدق والاسم مفهوم كلي وليس علما فيكون كل عنصر من ماصدقه قيمة ممكنة له.فاسم الإنسان مفهوم أو اسم عام يصدق على كل فرد إنساني وكل واحد منهم \"قيمة\"معينة ممكنة لمتغير متعدد القيم وكل منها يقبل أن يملأ المتغير بوصفه خانة خالية مجوعةأبو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
--اعيان ماصدقها قيم ممكنة لها .وتلك هي بداية التحرر من التعين الذي يصبح أحد جهات الوجود وهو الممكن الحاصل.القدرة على التسمية العامة قدرة على التجريد وهو أصل التوجيه وما كان ليكون ممكنالو لم يكن الإنسان قادرا على التعالي على المحايثة في سيلان الوجود الأبدي وكأنه يقفعلى قمة جبل ليرى سيلانه دون أن يجرفه ويقيمه وجوديا بجهات الإمكان والوجوب والامتناع أمورا واقعة يدركها.لكن هذا العالم الرمزي الذي يحرر الإنسان من سيلان عالم الاشياء لا يصبح علما لهذاالعالم بالاقتصار على الأسماء بل لا بد من الانتقال منها إلى عالم المسميات أو دلالاتالاسماء كما تتعين خارج عالم الأسماء .لذلك اعتبر القرآن تبين دلالاته يقع في ما يرينه من آيات خارج نصه :عالم الأشياء.من هنا جاء في الآية 38من الانعام الإشارة إلى \"ما فرطنا في الكتاب من شيء\"\" :وَمَامِن َدا ِّبَةٍ ِفي الْأَرْ ِض َو َلا طَا ِئ ٍر يَ ِطي ُر بِجَنَاحَ ْي ِه ِإ َّلِا أُ َممٌ أَمْ َثالُ ُكم ۚ َمِّا فَ َِرّطْنَا ِفي الْ ِك َتابِ مِن َشيْ ٍء ۚ ثُ ّمَِ إِلَ ٰى رَ ِّبهِمْ يُحْ َش ُرو َن\"( )38يختص به الأحياء.والشيء مصدر شاء أو مفعول المشيئة .وهو إذن دليل على فاعلية الخلق المناسب للمخلوقالمخاطب .وهو هنا تذكير للمخاطب بما يترتب على مخلوقيته المشفوعة بالأمر .فالتذكيروالتحذير في الرسالة بهذا المعنى تذكير بما فطر الإنسان عليه خليفة مكلفا بالعلم والعمل على علم للقيام بما كلف به بقيمه.وخلقة الإنسان وأمره منصوص عليهما في آيات القران الواردة في نصه لكن القرآن يقولإن حقيقة هذه الخلقة وأمرها كلاهما مثل كل شيء غيرهما وردافي الخطاب لا يتبينهماالإنسان من آيات الخطاب ذاتها بل من تجليهما في الآفاق والأنفس ومن ثم فالأنثروبولوجيا هي الملجأ الوحيد لعلم قوانينهما وسننهما.وقد حاولت في الجلي في التفسير أن اعتبر القرآن من الظاهرات الخارجية مثله مثلالطبيعة والتاريخ حتى وإن كان نصا أي نظاما رمزيا معينا وأن انطلق مما يغلب على ظاهرهأبو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
--من فوضى قل نظيرها بسب ما يبدو تكرارا لفنس القصص ولنفس المفهومات ولنفس الإشارات العينية لأحداث بعضها تاريخي وبعضها أمثال.فهو حينها عنصر من عناصر الآفاق والانفس ليس المطلوب استخراج علوم منه بل البحثفيه موضوع علم ككل الظاهرات القائمة خارج ذهني لعلي أنفذ إلى نظامه او ما يجعله ماهو بوصفه نصا تاما له بداية ونهاية وتسلسل غير متفق عليه وليس ذلك ضروريا لبحثي.وما دمت قد اعتبرته أحد عناصر الآفاق والانفس فدراسته العلمية ينبغي أن تكونفرضية استنتاجية مثلها مثل أي معرفة للظاهرات الموجودة والقائمة بذاتها أي التي ليستمن صنعي بل هي موضوع تام الاستقلال عني وعلي أن أتعامل معه بصورة قابلة للإثبات والدحض أو للتصديق والتكذيب (علمي به لا هو).فإذا كذب علمي بشيء فإن ذلك لا يؤثر على الشيء بل على علمي به .ولذلك فهو علمفرضي مؤقت دائما إلى أن يتم دحضه بما يكون أقرب إلى حقيقته من علمي به .وقد لانصل إلى غاية هذا التقدم نحو حقيقته تماما كما هو الشأن في علم أي موضوع خارجي. تكذيب ما تقدم من \"علوم\" قرآنية لا يمس القرآن في شيء.لكن القرآن ليس أي شيء ولا أقصد بذلك قدسيته .فهذه ليست موضوع البحث موضوعههو ما الذي يميزه عن الموضوعات الاخرى رغم كونه موضوعا للبحث مثلها لمعرفة طبيعتهوليس لاستخراج علوم منه .ولنبدأ بالمميزات السلبية :فهو ليس ظاهرة طبيعية وليس ظاهرة تاريخية حتى وإن كانت مادته وصورته منهما.فمادته طبيعية لأنه جملة من المفردات التي لها وجود صوتي وكتابي ينتسبان إلى لغةمعينة وكل ذلك مادة معينة لها دلالات معنية في جماعة معينة .وشكله تاريخي لأن صيغ فيعصر معين في جماعة معينة واستعمل استعمالا معينا في هذه الجماعة .وهو لا يقدم نفسه منتج الجماعة بل كخطاب منزل للبشرية كلها.وهو يعرف نفسه بكونه رسالة تذكير وتحذير شواهد تذكيرها وتحذيرها كلها مستمدةمن تاريخ البشرية في علاقتها بالطبيعة والتاريخ وخاصة بعلاقتهما في صلة بالرسالاتأبو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
--السابقة باعتبارها نماذج من عمل الإنسان المناسب وغير المناسب لما يقتضيه ما فطر عليه وكلف به لتحقيقه كعقد بينه وبين مستخلفه.وبهذا المعنى فهو ليس مقصورا على التذكير بمقومات الإنسان ومهمته والتحذير منالإخلال بهما وهذا هو المستوى الأول منه بل هو كذلك خطة لتفادي ما حدث في المستقبلمعتبرا ذلك رسالة أخيرة موجهة إلى الإنسانية كلها التي عليها بعد هذا التذكير والتحذير النهائيين ألا تنتظر رسالة أخرى بعدها.وهذا المعنى هو الذي سميته استراتيجية توحيد للإنسانية ذات دستورين للمعرفةوالحكم مع وتذكير بوحدتها العضوية والنفسية .فيكون النسيان متعلقا بعدم التطابق بينحقيقتها العضوية والنفسية وحقيقتها الروحية والخلقية :وهذه الاستراتيجية سياسية تربية وحكم أساسها الحريتان الروحية والسياسية.ومن هذا التعريف كفرضية عمل في التفسير الفلسفي للقرآن أمكنني استنتاج مفهومالزمان القرآني في رسالته إلى الإنسانية :فالزمان المطلق حاضر من الأزل وإلى الابد أيإنه سرمدي .لكنه مؤلف من أربع فروع لذا الزمان الحاضر أصلها .فقبله حدث وحديث أو ماض مضاعف .وبعده حديث وحدث أي مستقبل مضاعف.وأربعتها يحيط بها الحاضر السرمدي الذي منه على أساسه تعبر الرسالة على مضمونالخطاب الموجه إلى الإنسانية :فهي تحكي أحداثا ماضية تقييما بحديث تقييما ونقدا وهيتستهدف أحداثا مقبلة اعدادا بحديث لأحداثها في التاريخ الفعلي والماضي ببعديه لبيان التقصير خاصة والمستقبل ببعديه للتدارك الممكن.أبو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- ما الذي تتضمنه الرسالة ويجعلها فعلا لا تفرط في شيء مما تتعلق به؟طريقتان لحصر الأمور التي تتضمنها الرسالة بوصفها كما حددناها استراتيجية خاتمةللتدارك الروحي والسياسي بتوجيه الرسالة الخاتمة إلى ما يجبنها الفساد في الارض وسفك الدماء بالأخوة (النساء )1والمساوة (الحجرات .)13الأولى هي خاصيات التراسل والثانية هي حقيقة المهمة التي حددتها الرسالة للإنسانوتذكره بالتعاقد الذي بمقتضاه التزم بالخضوع لاختبار الاهلية في مجالي تعمير الارضبقيم الاستخلاف وممارسة حريتيه الروحية (لا وساطة) والسياسية (لا وصاية) وتجنب ترديهما كما يحصل دائما بالانقلابين.فأما خاصيات التراسل فقد بينا ان القرآن نفسه يحددها بكونها رسالة تذكير بما هومرسوم في ما فطر عليه الإنسان وتحذير من عواقب النكوث وعدم احترام بنود عقدالاستخلاف .والاستخلاف لا يجعل الحياة الدنيا عقابا بل هي مجال ممارسة الإنسان لحرياته وأثبات جدارته بالاستخلاف بعد أن تاب آدم واجتبى.والمعلوم أن مشهد الاستخلاف سابق على عصيان آدم وحواء وهو ليس خطيئة موروثةبالمعنى المسيحي الذي يصلها بالجنس (سخافة لأن خلق الزوجين يستثنيها لان اعتبار العلاقةالجنسية آثمة مناف لخلقهما) بل لعلها رمز لشجرة مخدرة إذ وعد الشيطان فيه دال على مفعول جنون العظمة (الخلود).طبعا المشهد كله رمزي وليس أحداثا فعلية لأن الله لا يستشير أحدا ولا يحتاج لرأي أحدفي خلق ما يريد إن آمنا بوجود خالق مطلق الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود .ولاأريد الخوض في الغيب .فما يعنيني هو ما جعل فهم هذه الرموز مؤثرا في رؤى المسلمين للعالم ودور الانقلابين في تاريخهم.ولا يمكن لأحد أن ينكر أن التذكير والتحذير الواردين في الرسالة لم يتركا شاردة ولاورادة لم يشيرا إلى مظان البحث عن علاجها بأسلوب فصلت 53وآل عمران .7فكانتأبو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
--التذكير والتحذير متعلقا بما في الانفس مما يتعلق بما يشبه العلاج في المستويين الفردي والجمعي لتحقيق الأخوة البشرية والمساواة.وهذا مقصور على تحديد الغايات التي يبقى علاجها معلقا بالأدوات والأساليب وهيمجال الاجتهاد والجهاد أو مجال الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبربين الأحرار روحيا وسياسيا أعني الواعين بكونهم مكلفين وفي وضع اختبار لأهليتهم لهذا التكليف :تذكير وتحذير بخصوص التكليف.لكن الاهم من ذلك هو حقيقة المهمة التي رسمت في ما فطر عليه الإنسان وتعاقد عليهليكون خليفة ورمزه قبول الأمانة التي رفضتها المخلوقات الاخرى .فهذه المهمة اختيار حرلآدم وهو رمز دال على ان جوهر المهمة التي كلف بها آدم هو الحرية الروحية في النظر والعقد والحرية السياسية في العمل والشرع.ومثلما أسلفت فهذا الوصف للمهمة صريح في القرآن وهو سبابة إشارة لما لا يعلم سرتعيناته بفحص آي القرآن في النص بل بعلم تجلياتها في الآفاق والانفس تحقيقا بشروطالاستخلاف أو بعدم شروطها وهما نوعا تعين الوجود الإنساني فعلا وانفعالا في تاريخ الإنسانية :إشارة القرآن لفلسفة التاريخ الفعلي.وهنا لا بد من التذكير بقول شديد العمق لابن خلدون\" :قل أن يخالف الأمر الشرعيالأمر الوجودي\" فزاد عليه صاحب بدائع السلك \"بل لا يخالفه أبدا\" .وهما يقصدان أنعلم الأمر الشرعي لا يعلم بشرح النصوص بل برؤية آيات الله في الآفاق والأنفس أي في الوجود :سر اكتشاف ابن خلدون دور القوة في السياسة.وطبعا فالأمر لا يتعلق بالقوة العمياء بل بما يسميه ابن خلدون بالوازع الأجنبي الذييتدارك ما لا يكفي فيه الوازع الذاتي مع تقديم لهذا على ذاك عندما لا يقع الانقلابعلى الدستور السياسي .وكذلك في النظر والعقد :فقل أن يكون ما يشير إليه القرآن من سنن مخالفا لقوانين للطبيعة والتاريخ.أبو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
--والجمع المصيب بين الطبيعي والتاريخي أو بين الطبائع والشرائع يتحقق بفضل علمهماأو رؤية آيات الله فيهما بوصفهما آفقا وأنفسا نتبين فيهما حقيقة القرآن أو بصورة أدقإشاراته إلى ما علينا علمه لنعمل على علم فيكون الجهاد العملي مبنيا على الاجتهاد النظري للتعمير والاستخلاف بالحريتين.لا أشك لحظة واحدة أن سؤالا بديهيا يرتسم على شفاه الكثير من القراء :ماذا أبقيت من الديني في الإسلام؟أليس هذا موقف قريبا جدا من رؤية تلغي دور المرجعية الدينية في النظر (العلم والعقد) وفي العمل (السياسة والشرع)؟ كيف تعتبر من انطلق من المرجعية ليستخرج منها العلوم منقلبا على القرآن؟أفهم التساؤل لكن الجواب لم أفرضه أنا بل هو صريح في القرآن :حقيقة القرآن تتبينمما يرينه الله من آياته في الآفاق والأنفس وليس من آيات النص القرآني بمعنى ما فيهمن إشارات هي ما اصطلحت عليه بالسبابة المشيرة إلى مشار إليه في الوجود الذي يختبر الإنسان في تعامله معه نظريا وعمليا.بل القرآن نفسه لا يحتج إلى بذلك .صحيح ان المعاجزة كانت بالقرآن لكنها لم تكنمعجزة بمعنى ما يقابل نظام العالم وقوانينه ونظام التاريخ وسننه بل إن كل حجج القرآنمستمدة منهما بدلالة ما فيهما من نظام ليس ما فيهما من خرق للنظام .ومن ينفي هذه الحقيقة لا بد وأنه قرأ القرآن في غيبوبة.وحذاري من الظن أن هذا معناه قيس ما في القرآن من غيب على الشاهد .فكلامنا يفيدالعكس تماما :الشاهد يقاس على الغيب أو على المثال الأعلى الذي يذكره القرآن ولكنهعلى سبيل التمثيل أو ضرب الامثال دون أن يعين دلالته -وهو معنى التأويل-لأن ذلك مرجأ إلى يوم الدين يوم يصبح البصر حديدا.وأمثلة هذا الإرجاء إلى يوم الدين كثير الورود في القرآن كلما تلعق الأمر بالخلافاتالعقدية بين البشر .وينتج عن ذلك أن التعدد الديني في القرآن ليس مستنكرا بل هوأبو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
--مطلوب لأن شرط التسابق في الخيرات (المائدة )48وهو تعدد في العقائد وفي الشرائع: وبفضله تبرز دلالة الرسالة الخاتمة وعمقها. سيعجب القراء :نفهم أن يقاس الغائب على الشاهد. لكن كيف يمكن أن نقيس المعلوم على المجهول؟ كيف نقيس الشاهد على الغائب فضلا عن قيسه عن الغيب؟خذ مثالا علوم الطبيعة :لو لم يقس العلماء شاهد الطبيعة على غائبها الذي يوضع فرضا يهدي البحث لاستحال اكتشاف أي سر من أسرار الطبيعة.وطبعا الغيب مجهول بإطلاق .ومع ذلك فالمعلوم منه أنه رمز الكمال والجمال والجلالوالمتعال في كل ما نريد معرفته من العالمين الطبيعي والتاريخي .لأن ما نقيس عليه ليسحقيقة الغيب بل ما تمثله من قيم يشرئب إليها الوجدان الإنساني في تصوره لخلق الله (العلوم النظرية) وأمره (العلوم العلمية).فأغلب المبدعين في العلوم والفنون هم من يشرئب إلى هذه المثل العليا ويفترض أن خلقالله (الطبيعة والعقيدة) وأمره (التاريخ والشريعة) لا يمكن ألا يكون لهما نظام بديع(بديع السماوات) وأن تخيل ما يقرب من هذا النظام البديع هو جوهر العلوم النظرية والعملية في كل فلسفات الطبيعة والتاريخ.وهذه المثل العليا في تصوراتنا هي التي تبدع \"المقدرات الذهنية\" بلغة ابن تيمية وهيالتي تعطينا معايير المطلوب في درس الطبيعة والتاريخ لوضع قوانين الاولى الرياضية معالتجريبية وسننن الثاني السياسية مع التجربة والقرآن دلنا على \"رأس الخيط\" :الخلق بمقدار والامر بسنن كلاهما ثابت.لكن الانقلابين أفقدا علماءنا البصيرة ولم يبق لهم إلا البصر فصاروا يعتبرون واقعاظواهر الطبيعة وعوارض التاريخ ولم يذهبوا إلى ما طلب القرآن الذهاب اليه :آيات اللهفي الآفاق والأنفس رياضية تجريبية في الطبائع وسياسية تجريبية في الشرائع وكلاهم مجل بحث علمي عويص لا يعمل بشرح الالفاظ.أبو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
--من اليوم فصاعدا ينبغي الا نسمي علماء شراح الألفاظ وحفاظ المدونات .فهذه المهمةالثانية أغنت عنها التكنولوجيا ووجودها ضروري لأن العلم بحصيلة العلم وإن لم يكن علمدراية فهو علم رواية والزاد المحفوظ ضروري في كل معرفة لكنه غير كاف :العلم بصيرة وإبداع وليس ذاكرة واتباع.وعندما ننتقل إلى هذا المعنى من العلم فلن تجد اميين يفتون في توافه الامور وجلائلهاولن يتصدر باسم الإسلام دعاة تجار يستخدمون الدين ولا يخدمونه ويبيعون آخرتهم منأجل دنياهم :ذلك أن العلم بهذا المعنى الذي حدده القرآن في فصلت 53امرا وفي آل عمرا 7نهيا يتطلب الزهد الحقيقي :حب الحق.ومثلما أن دستور المعرفة والتربية أساسه حب الحق النظري فإن دستور العمل والحكمأساسه حب الحق العملي :والاول مستحيل بدون حرية روحية والثاني مستحيل بدون حريةسياسية .لذلك كان التكليف الديني في الإسلام مبينا عليهما أصلين وغايتين وعلى التربية والحكم في الدستورين التربوي والحكمي.ذلك ما اردت بيانه حتى نحرر القرآن الكريم من استعمالاته الدنية :فصار أساسللدجالين في الطب والسحر والتنجيم والتخريف السياسي والعلمي حتى ابتذل وأصبح شبهكتاب حكم شعبية وليس أسمى كتاب عرقته البشرية لأنه فعلا تواصل دائم بين الإنسان الحر روحيا وسياسيا وبين الله الذي لا يعبد سواه.وهذا الفهم إذا تحقق في وجدان الشباب بجنسيه سأكون سعيدا وسأموت راضيا عن نفسيلأن أوان الاستئناف قد حان ولا يمكن الاستئناف الفعلي والمبدع لشروط الحماية والرعايةمقومي السيادة لأمة العز والكرامة أمة محمد الذي علم \"على مكث\" بالحق منهجا والحق ومضمونا بما نزل عليه لينزله على التاريخ.أبو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
--أبو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
Search
Read the Text Version
- 1 - 30
Pages: