Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore هشاشة تونس، ما علتها؟ وكيف نعالجها؟ – أبو يعرب المرزوقي

هشاشة تونس، ما علتها؟ وكيف نعالجها؟ – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2018-06-17 08:43:22

Description: هشاشة تونس، ما علتها؟ وكيف نعالجها؟ – أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات ‪1‬‬‫‪ -‬الفصل الأول ‪1 -‬‬‫‪ -‬الفصل الثاني ‪5 -‬‬‫‪ -‬الفصل الثالث ‪9 -‬‬

‫‪--‬‬‫أمسكت عن الكلام طيلة الازمة التي مرت بها تونس في محاولة البعض محاكاة الاسبوع‬‫الاخير من ايام الثورة ولكن باستراتيجية الثورة المضادة‪ .‬والفرق بين الأصل والمحاكاة أن‬‫هذه كانت تطبيقا لخطة هدفها وأد تلك التي كانت مسعى عفويا ليس له استراتيجية ثورية‬ ‫فضلا عن القيادة والخيال الثوريين‪.‬‬‫وهذا الفرق هو الذي جعلني امسك عن الكلام ليس انتظارا للمآل لأني كنت شبه متأكد‬‫من أن الذين ارادوا الاستفادة من الاحتجاجات أخطأوا الحساب وظنوا أن اختراقهم لبعض‬‫الأحزاب والحركات المعارضة وصل المرحلة الحرجة التي اعتمدوها في مصر لإلغاء حصيلة‬ ‫الثورة الهشة‪.‬‬‫والفرق الذي حددته بين عفوية الثورة وتخطيط الثورة المضادة من المفارقات التي عليها‬‫شرحها قبل ان أبدي رأيي في علل ما يجري علله التي لها صلة بالاستراتيجية والقيادة‬‫والخيال ذات النفس الثوري ثلاثتها ففشل الثورة المضادة في تونس كان بألطاف إلهية وليس‬ ‫للحاكمين فيه دور فاعل يذكر فيشكر‪.‬‬‫ويمكن الجزم بأن الحزبين الحاكمين لولا ألطاف الله لم يكونا مستعدين ولا قادرين على‬‫منع ما كانت الثورة المضادة (ضد التحرر) والاستعمار غير المباشر (ضد التحرير) يخططان‬‫له من كرة ثانية لنظير ما لـ‪ 7‬نوفمبر في تونس ولو بكلفة سلكت فيلسوفة الجماعة بمقبوليتها‬ ‫ولعلها ما أعلن عنها رز الفاكهة‪.‬‬ ‫وما حال دون هذا المخطط ثلاثة عوامل‪:‬‬ ‫‪ .1‬استهداف النهضة وما بقي من النداء مع الرئيس في آن‬‫‪ .2‬شعور الاتحاد العام التونسي للشغل أن متطرفي اليسار والقوميين \"يلعبون بشروط‬ ‫بقائه\" فهو يعيش بحلب الدولة فإذا سقطت لم يبق له مورد رزق‬ ‫‪ .3‬سلامة جهازي القوة الشرعية إلى حد معقول من سلطان المافية‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪1‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫فاستهداف ما بقي من النداء مع النهضة دليل انتقام الثورة المضادة من عدم قبوله‬‫الانخراط في النموذج المصري‪ .‬وفهم الاتحاد هذه الحقيقة علتها ما عليه الوضع الاقتصادي‬‫الذي لم يعد يخفى عن ذي بصيرة‪ .‬وسلامة اجهزة القوة الشرعية للدولة من سلطان المافية‬ ‫بقيت عصية على التوظيف الإنقلابي‪.‬‬‫ولأقل بصراحة أن ما بقي من النداء الذي أصبح يعامل وكأنه حليف النهضة وهو ليس‬‫كذلك‪ .‬فالرئيس غير غافل على أن ما فشل فيه بورقيبة وابن علي لا ينبغي تكراره ثالثة‬‫خاصة وسنه لا يسمح له بمغامرات قد تطول فتفسد عليه عهده‪ :‬تغيير البنية الثقافية‬ ‫للشعب التونسي بعنف الدولة المزعومة حديثة‪.‬‬‫لكن ما كل مرة تسلم الجرة‪ :‬لذلك فلا بد من محاولة فهم علل الهشاشة التي عليها الوضع‬‫في تونس التي هي التجربة الوحيدة في الربيع العربي التي ما تزال صادمة بدلالة إيجابية‬‫للصمود‪ .‬وقصدي أن الثورة صامدة حيثما حصلت ولكن بدلالة سلبية‪ .‬فهي تقاوم ولم تهزم‬ ‫وإن لم تشرع في بناء البديل المنشود‬‫وهذا الوضع في الأقطار العربية الاخرى التي حصلت فيها الثورة هو الذي يجعل تونس‬‫بين بين‪ :‬فهي تجاوزت الحرب الاهلية التي فرضت على هذه الأقطار وهدف الثورة المضادة‬‫إيقاعها فيها بكل الوسائل‪ .‬والعجز عن توظيف قوة الدولة الشرعية كما في مصر وسوريا‬ ‫وحتى اليمن ألجأها إلى المافية والأحزاب الهامشية‪.‬‬‫وليس لهذه الخطة من نجاعة إ ّلا بقدر ما يوجد لدى ما بقي من النداء قابلا بالتوافق‬‫مترددا باستعمال مفهوم غامض للتنافس الانتخابي وكأنه مناف للتحالف من اجل‬‫استراتيجية ولو مؤقتة لإخراج تونس مما يتهددها من خطر الثورة المضادة والحرب على‬ ‫دور الامة التاريخي وتطرفي التحديث والتأصيل‪.‬‬‫وذلك ما كنت أقصده منذ اليوم الاول من الحملة الانتخابية الأولى بعد الثورة في سيدي‬‫بوزيد عندما أشرت إلى ضرورة الحلف بين فرعي حزب حرب التحرير بالتقريب بين البعد‬‫التأصيل (الثعالبي) والبعد التحديثي (بورقيبة) لتمكين تونس من تحقيق شروط الحرية‬ ‫والكرامة والاستقلال الحضاري والسياسي‪.‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪2‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫لكن ما يجري حصل بين وريثين لهذين الفرعين لم يبق لأي منهما دلالة ما كان عليه‬‫موروثهما‪ :‬فلا النداء حافظ على جوهر البورقيبية ولا النهضة على جوهر الثعالبية‪.‬‬‫كلاهما فرض على الثاني ما ينتج عن تقديم العاجل السياسي التكتيكي على الآجل‬ ‫السياسي الاستراتيجي‪ .‬والعلة تنتسب إلى الظرفيات أساسا‪.‬‬‫فعندي أنه لا غبار على مشروع بورقيبة ومشروع الثعالبي أي التحديث والتأصيل وإنما‬‫المشكل في نموذجيهما‪ :‬فالأول يخلط بين الحداثة وشكلها الاستعماري أي مهمة التحضير‬‫العنيفة المحاربة لثقافة الانديجان‪ .‬الثعالبي يخلط بين التأصيل المبدع واستعادة ماض لم‬ ‫يتطور بذاته ليبدع حداثته‪.‬‬‫حداثة غير حرية تعبير وديموقراطية حكم من المفارقات‪ .‬وإسلام غير معتمد على‬‫الحرية الروحية (لا وساطة بين الإنسان وضميره) وعلى الحرية السياسية (لا وصاية من‬‫جنس الفرق الدينية) من المفارقات‪ .‬فذلك فكلا الحزبين الحاكمين لم يتحالفا على تحقيق‬ ‫برنامج مشترك بل هما يتساندان لحكم دون برنامج‪.‬‬‫والأحرى أن أقول ببرنامجين كلاهما يستعد للاستغناء عن الآخر إن سنحت الفرصة‪ :‬لم‬‫يفهم الحزبان أن تونس بحاجة إلى مصالحة بين التأصيل والتحديث باستراتيجية هدفها‬‫تثبيت الأوضاع لنتفرغ إلى تحقيق المناعة ضد ما يراد لنا من صدام الحضارات الداخلي‬ ‫والعناية بشروط السيادة‪ :‬الحماية والرعاية‪.‬‬‫وما يحول دون المناعة من الصدام الحضاري الداخلي هو نوعا الإرهاب باسم التحديث أو‬‫اليسار الفاقد للوعي بشروط قيام الأمم الروحية واليمين الفاقد للوعي بشروط قيام الأمم‬ ‫المادية‪ :‬العرب يعانون من ارهابين‪:‬‬ ‫‪ .1‬يحارب ماضي الأمة بفهم خاطي للمستقبل‪.‬‬ ‫‪ .2‬يحارب مستقبل الامة بفهم خاطئ للماضي‪.‬‬‫وشروط السيادة أي الحماية والرعاية هما المنشود المشترك لكل من يؤمن بأن رهان‬‫المستقبل لا يتحقق بالقطيعة مع رهانات الماضي التي حددت جغرافيا وتاريخيا دور الأمة في‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪3‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫تاريخ الإنسانية كله منذ نزول القرآن بل وحتى قبل ذلك في علاقة بحضارتي الأبيض‬ ‫المتوسط العقلية النقلية منذ آلاف السنين‪.‬‬‫وإذا اقتصرنا على ما ولي نشأة الحضارة الاسلامية فإن الأوان قد آن لتجاوز ما بين‬‫الضفتين الشمالية والجنوبية للأبيض المتوسط من حروب سجال انتهت إلى أن أصحبت كل‬‫شعوبه توابع بعد أن سقطت امبراطوريات الغرب الأوسط بعد الحرب الثانية فأصبح‬ ‫مستعمرا مثلنا للغرب الأقصى (أمريكا وروسيا)‪.‬‬‫وما ينبغي أن يجمع بين الأصالة والحداثة هو المشترك بين الغرب الأدنى (أوروبا)‬‫والشرق الادنى (نحن) أو قلب المعمورة بين العملاقين الحاليين‪ :‬الغرب الأقصى‬‫(أمريكا)والشرق الأقصى (الصين)‪ :‬أي الفلسفات التقليدية والأديان السماوية وما نتج‬ ‫عن تفاعلهما من حضارة روحية ومادية أصيلة وحديثة في آن‪.‬‬‫وإذا تخلصنا من قشور الأصالة ومن قشور الحداثة وجدنا أن اللب واحد‪ :‬فلا أحد من‬‫العلمانيين يمكن أن يدعي أنه أكثر جمعا في تراثه الحضاري للعاملين المادي والروحي في‬‫تراث الإقليم من أي أحد من الإسلاميين والعكس بالعكس ومن ثم فالاستثناء المتبادل دليل‬ ‫جهل وغباء لا غير‪.‬‬‫صدام الحضارات الخارجي كذبة في وصف العلاقة بين الغرب الأدنى والشرق الأدنى‬‫تسليما بصحته في المقابلة بين الغرب الاقصى والشرق الاقصى‪ .‬وهو أكثر كذبا عندما يكون‬‫داخليا في أي بلد عربي أو أوروبي‪ .‬فالقيم الكلية واحدة في الحضارتين إلا في حالة‬ ‫انحطاطهما والاستعمار حالة منه‪.‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪4‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫أمسكت عن الكلام طيلة الازمة التي مرت بها تونس في محاولة البعض محاكاة الاسبوع‬‫الاخير من ايام الثورة ولكن باستراتيجية الثورة المضادة‪ .‬والفرق بين الأصل والمحاكاة أن‬‫هذه كانت تطبيقا لخطة هدفها وأد تلك التي كانت مسعى عفويا ليس له استراتيجية ثورية‬ ‫فضلا عن القيادة والخيال الثوريين‪.‬‬‫وهذا الفرق هو الذي جعلني امسك عن الكلام ليس انتظارا للمآل لأني كنت شبه متأكد‬‫من أن الذين ارادوا الاستفادة من الاحتجاجات أخطأوا الحساب وظنوا أن اختراقهم لبعض‬‫الأحزاب والحركات المعارضة وصل المرحلة الحرجة التي اعتمدوها في مصر لإلغاء حصيلة‬ ‫الثورة الهشة‪.‬‬‫والفرق الذي حددته بين عفوية الثورة وتخطيط الثورة المضادة من المفارقات التي عليها‬‫شرحها قبل ان أبدي رأيي في علل ما يجري علله التي لها صلة بالاستراتيجية والقيادة‬‫والخيال ذات النفس الثوري ثلاثتها ففشل الثورة المضادة في تونس كان بألطاف إلهية وليس‬ ‫للحاكمين فيه دور فاعل يذكر فيشكر‪.‬‬‫ويمكن الجزم بأن الحزبين الحاكمين لولا ألطاف الله لم يكونا مستعدين ولا قادرين على‬‫منع ما كانت الثورة المضادة (ضد التحرر) والاستعمار غير المباشر (ضد التحرير) يخططان‬‫له من كرة ثانية لنظير ما لـ‪ 7‬نوفمبر في تونس ولو بكلفة سلكت فيلسوفة الجماعة بمقبوليتها‬ ‫ولعلها ما أعلن عنها رز الفاكهة‪.‬‬ ‫وما حال دون هذا المخطط ثلاثة عوامل‪:‬‬ ‫‪ .1‬استهداف النهضة وما بقي من النداء مع الرئيس في آن‬‫‪ .2‬شعور الاتحاد العام التونسي للشغل أن متطرفي اليسار والقوميين \"يلعبون بشروط‬ ‫بقائه\" فهو يعيش بحلب الدولة فإذا سقطت لم يبق له مورد رزق‬ ‫‪ .3‬سلامة جهازي القوة الشرعية إلى حد معقول من سلطان المافية‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪5‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫فاستهداف ما بقي من النداء مع النهضة دليل انتقام الثورة المضادة من عدم قبوله‬‫الانخراط في النموذج المصري‪ .‬وفهم الاتحاد هذه الحقيقة علتها ما عليه الوضع الاقتصادي‬‫الذي لم يعد يخفى عن ذي بصيرة‪ .‬وسلامة اجهزة القوة الشرعية للدولة من سلطان المافية‬ ‫بقيت عصية على التوظيف الإنقلابي‪.‬‬‫ولأقل بصراحة أن ما بقي من النداء الذي أصبح يعامل وكأنه حليف النهضة وهو ليس‬‫كذلك‪ .‬فالرئيس غير غافل على أن ما فشل فيه بورقيبة وابن علي لا ينبغي تكراره ثالثة‬‫خاصة وسنه لا يسمح له بمغامرات قد تطول فتفسد عليه عهده‪ :‬تغيير البنية الثقافية‬ ‫للشعب التونسي بعنف الدولة المزعومة حديثة‪.‬‬‫لكن ما كل مرة تسلم الجرة‪ :‬لذلك فلا بد من محاولة فهم علل الهشاشة التي عليها الوضع‬‫في تونس التي هي التجربة الوحيدة في الربيع العربي التي ما تزال صادمة بدلالة إيجابية‬‫للصمود‪ .‬وقصدي أن الثورة صامدة حيثما حصلت ولكن بدلالة سلبية‪ .‬فهي تقاوم ولم تهزم‬ ‫وإن لم تشرع في بناء البديل المنشود‬‫وهذا الوضع في الأقطار العربية الاخرى التي حصلت فيها الثورة هو الذي يجعل تونس‬‫بين بين‪ :‬فهي تجاوزت الحرب الاهلية التي فرضت على هذه الأقطار وهدف الثورة المضادة‬‫إيقاعها فيها بكل الوسائل‪ .‬والعجز عن توظيف قوة الدولة الشرعية كما في مصر وسوريا‬ ‫وحتى اليمن ألجأها إلى المافية والأحزاب الهامشية‪.‬‬‫وليس لهذه الخطة من نجاعة إلّا بقدر ما يوجد لدى ما بقي من النداء قابلا بالتوافق‬‫مترددا باستعمال مفهوم غامض للتنافس الانتخابي وكأنه مناف للتحالف من اجل‬‫استراتيجية ولو مؤقتة لإخراج تونس مما يتهددها من خطر الثورة المضادة والحرب على‬ ‫دور الامة التاريخي وتطرفي التحديث والتأصيل‪.‬‬‫وذلك ما كنت أقصده منذ اليوم الاول من الحملة الانتخابية الأولى بعد الثورة في سيدي‬‫بوزيد عندما أشرت إلى ضرورة الحلف بين فرعي حزب حرب التحرير بالتقريب بين البعد‬‫التأصيل (الثعالبي) والبعد التحديثي (بورقيبة) لتمكين تونس من تحقيق شروط الحرية‬ ‫والكرامة والاستقلال الحضاري والسياسي‪.‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪6‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫لكن ما يجري حصل بين وريثين لهذين الفرعين لم يبق لأي منهما دلالة ما كان عليه‬‫موروثهما‪ :‬فلا النداء حافظ على جوهر البورقيبية ولا النهضة على جوهر الثعالبية‪.‬‬‫كلاهما فرض على الثاني ما ينتج عن تقديم العاجل السياسي التكتيكي على الآجل‬ ‫السياسي الاستراتيجي‪ .‬والعلة تنتسب إلى الظرفيات أساسا‪.‬‬‫فعندي أنه لا غبار على مشروع بورقيبة ومشروع الثعالبي أي التحديث والتأصيل وإنما‬‫المشكل في نموذجيهما‪ :‬فالأول يخلط بين الحداثة وشكلها الاستعماري أي مهمة التحضير‬‫العنيفة المحاربة لثقافة الانديجان‪ .‬الثعالبي يخلط بين التأصيل المبدع واستعادة ماض لم‬ ‫يتطور بذاته ليبدع حداثته‪.‬‬‫حداثة غير حرية تعبير وديموقراطية حكم من المفارقات‪ .‬وإسلام غير معتمد على‬‫الحرية الروحية (لا وساطة بين الإنسان وضميره) وعلى الحرية السياسية (لا وصاية من‬‫جنس الفرق الدينية) من المفارقات‪ .‬فذلك فكلا الحزبين الحاكمين لم يتحالفا على تحقيق‬ ‫برنامج مشترك بل هما يتساندان لحكم دون برنامج‪.‬‬‫والأحرى أن أقول ببرنامجين كلاهما يستعد للاستغناء عن الآخر إن سنحت الفرصة‪ :‬لم‬‫يفهم الحزبان أن تونس بحاجة إلى مصالحة بين التأصيل والتحديث باستراتيجية هدفها‬‫تثبيت الأوضاع لنتفرغ إلى تحقيق المناعة ضد ما يراد لنا من صدام الحضارات الداخلي‬ ‫والعناية بشروط السيادة‪ :‬الحماية والرعاية‪.‬‬‫وما يحول دون المناعة من الصدام الحضاري الداخلي هو نوعا الإرهاب باسم التحديث أو‬‫اليسار الفاقد للوعي بشروط قيام الأمم الروحية واليمين الفاقد للوعي بشروط قيام الأمم‬ ‫المادية‪ :‬العرب يعانون من ارهابين‪:‬‬ ‫‪ .1‬يحارب ماضي الأمة بفهم خاطي للمستقبل‪.‬‬ ‫‪ .2‬يحارب مستقبل الامة بفهم خاطئ للماضي‪.‬‬‫وشروط السيادة أي الحماية والرعاية هما المنشود المشترك لكل من يؤمن بأن رهان‬‫المستقبل لا يتحقق بالقطيعة مع رهانات الماضي التي حددت جغرافيا وتاريخيا دور الأمة في‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪7‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫تاريخ الإنسانية كله منذ نزول القرآن بل وحتى قبل ذلك في علاقة بحضارتي الأبيض‬ ‫المتوسط العقلية النقلية منذ آلاف السنين‪.‬‬‫وإذا اقتصرنا على ما ولي نشأة الحضارة الاسلامية فإن الأوان قد آن لتجاوز ما بين‬‫الضفتين الشمالية والجنوبية للأبيض المتوسط من حروب سجال انتهت إلى أن أصحبت كل‬‫شعوبه توابع بعد أن سقطت امبراطوريات الغرب الأوسط بعد الحرب الثانية فأصبح‬ ‫مستعمرا مثلنا للغرب الأقصى (أمريكا وروسيا)‪.‬‬‫وما ينبغي أن يجمع بين الأصالة والحداثة هو المشترك بين الغرب الأدنى (أوروبا)‬‫والشرق الادنى (نحن) أو قلب المعمورة بين العملاقين الحاليين‪ :‬الغرب الأقصى‬‫(أمريكا)والشرق الأقصى (الصين)‪ :‬أي الفلسفات التقليدية والأديان السماوية وما نتج‬ ‫عن تفاعلهما من حضارة روحية ومادية أصيلة وحديثة في آن‪.‬‬‫وإذا تخلصنا من قشور الأصالة ومن قشور الحداثة وجدنا أن اللب واحد‪ :‬فلا أحد من‬‫العلمانيين يمكن أن يدعي أنه أكثر جمعا في تراثه الحضاري للعاملين المادي والروحي في‬‫تراث الإقليم من أي أحد من الإسلاميين والعكس بالعكس ومن ثم فالاستثناء المتبادل دليل‬ ‫جهل وغباء لا غير‪.‬‬‫صدام الحضارات الخارجي كذبة في وصف العلاقة بين الغرب الأدنى والشرق الأدنى‬‫تسليما بصحته في المقابلة بين الغرب الاقصى والشرق الاقصى‪ .‬وهو أكثر كذبا عندما يكون‬‫داخليا في أي بلد عربي أو أوروبي‪ .‬فالقيم الكلية واحدة في الحضارتين إلا في حالة‬ ‫انحطاطهما والاستعمار حالة منه‪.‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪8‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫كان لي أول خلاف مع الأستاذ أحمد بن صالح وزير الاقتصاد والتخطيط لما زارنا في احدى‬‫السهرات بدار المعلمين العليا أياما قبل ازمة التخلي عن سياسة التعاضد حول اللجوء إلى‬‫الحلول السهلة المتمثلة في نقل مشروعات غربية دون مراعاة شروط نجاحها لدى أصحابها‪.‬‬ ‫ولا زلنا على نفس المنوال‪.‬‬‫اللجوء إلى الحلول السهلة والمؤقتة التي لا يمكن أن تفي بها لأنها غير مناسبة للظرفية‬‫التونسية فضلا عن كونها لا تمثل أدنى قدر من الإبداع والنفس الطويل في بناء قاعدة‬ ‫اقتصادية قادرة على تحقيق التخلص من التبعية منبعا ومصبا مدخلات ومخرجات‪.‬‬‫وما يقال عن شروط الابداع لسد الحاجات المادية التابع منبعا ومصبا مدخلا ومخرجا‬‫يناظره نفس الأمر في شروط الابداع لسد الحاجات الثقافية علما وعملا وذوقا‪ .‬ومن ثم‬‫فما حصل لم يكن هدفه تحقيق شروط السيادة بل تمتين شروط التبعية في كل شيء لكأن‬ ‫الاستعمار كلف النخب النافذة بتحقق ما عجز عنه‪.‬‬‫وطبعا فالاستعمار يريدهم تابعين ولن يلحقهم بدولته لأنه ‪-‬كما قال الجنرال دو جول‬‫لتبرير الخروج من الجزائر‪-‬هل تريدون أن تصبح بلدتي توصف \"بذات المسجدين\" بدلا‬‫من ذات \"الكنيستين\" رغم أن النخب لو سمح لها بذلك لقبلت أن تكتفي بالكنيستين واستغنت‬ ‫عن المسجدين‪.‬‬‫وحتى لا يكون كلامي مجرد كلام فلأحدد القصد بالمشروع الكبير الذي يمكن أن يحقق‬‫الاستراتيجية المضاعفة التي تحقق الصبر على التضحيات بفضل الانتظار الطموح‬‫للمنجزات الكبرى‪ .‬ففي تونس اثنان وعشرون ولاية يمكن لكل ولاية أن تختص في مشروع‬ ‫كبير يحقق ما يغني تونس عن التسول في الرعاية والحماية فتكون سيدة‪.‬‬‫وإذا وجد المشروع الطموح الذي يلهم حماسة الشعب فإن أهل كل ولاية يمكن للموسر‬‫منهم أن يستثمر في ذلك المشروع الذي تجمع عليه الولاية لحل مشاكلها بجهد أبنائها مناصفة‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪9‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫مع الدولة التي كان يمكن أن تفعل لو لم تتوهم أنها يمكن بشراء الخردة أن تنجح في‬ ‫التصدي لثمرة اليأس وقد فشلت فيه أمريكا‪.‬‬‫وقد كتبت رسالة في الشأن للأستاذ الصيد الوزير الاول السابق وأرسلتها له عن طريق‬‫الشيخ مورو ناصحا بأن محاولة التصدي بالسلاح للإرهاب وإن كان بعضها ضروريا فتخصيص‬‫جزء كبير من الميزانية الضعيفة أصلا لهذا الغرض خطأ استراتيجي‪ :‬مشروعات في‬ ‫الولايات أكثر فاعلية مما يسمى حربا على الإرهاب‪.‬‬‫صحيح أن هذه الاستراتيجية تقتضي تغيير النظام التربوي وثقافة العمل وثقافة‬‫النقابات وكل ذلك ممكن إذا كانت المشروعات طموحة من جنس المشروعات التي أقدمت‬‫عليها كل الشعوب التي قررت الإقلاع بالإبداع والخيال الطموح‪ :‬جنوب شرق آسيا قبلهم‬ ‫من نكبوا في الحروب‪.‬‬‫ويكذب من لا يعتبر عهد الاستبداد والفساد في بلاد العرب أقل أثر تهديمي من الحروب‪:‬‬‫فهي ليست حروبا فحسب بل هي نهب نسقي لكل ثروات البلاد وخاصة تهديم نسقي للإنسان‬‫حتى وصلنا إلى ما وصفه ابن خلدون بـ\"فساد معاني الإنسانية\" إذ إن الجميع نكص إلى‬ ‫التاريخ الطبيعي‪\" :‬حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت\"‪.‬‬‫والنهب النسقي نوعان‪ :‬الفساد والسرقات وتهريب الأموال وفتح الأسواق لاقتصاد‬‫المافيات الموازي وإثقال الدولة وكل مؤسساتها وشركاتها الوطنية بما يعتبر بطالة مقنعة‬‫لأنه توزيع ثمرات العمل والخدمات على الأقرباء والأصدقاء بدون حسيب ولا رقيب ما‬ ‫يجعله كلها مفلسفة فيكون التعويض مضاعفا‪.‬‬‫وهو ما جعل الدولة العربية التي هي محمية وليست دولة لأنها عديمة السيادة \"مغيثة\"‬‫الحجام التي تمتص دم الشعب وترضيه برشوة التعويض لإسكاته‪-‬الخليج كان يرشيه‬‫بالمكرمات قبل تدني البترول‪-‬فتكون المؤسسات السياسة والإدارية والاقتصادية‬ ‫والاجتماعية كلها جاذبة إلى الأدنى لا رافعة إلى الأسمى‪.‬‬‫والأمر لا يزال كذلك حتى بعد الثورة بل إن الأفواه التي تريد نفس المعاملة تزايدت‬‫ولم يتزايد غيرها لان الكلام على الحريات ليس دليلا على أخلاق الحرية الملازمة‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪10‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫للمسؤولية بل هو دليل على عقد ضمني هات مثل ما تأخذ وليست بعضها على بعضنا‪ :‬طلب‬ ‫نفس المزايا وليس السعي لتحقيق شروط السيادة‪.‬‬‫وشروط السيادة ليست أمرا يخص السياسة الداخلية كالتي وصفت فحسب بل لا بد كذلك‬‫من توفير شروط التعامل مع الظرف الذي يحدده نظام العالم الجديد‪ :‬فبعد الحرب الثانية‬‫أدركت دول اوروبا التي خاضت حربين عالمتين وخسرت كل مستعمراتها بين الأولى والثانية‬ ‫أنها بحاجة إلى حجم مناسب لعمالقة العالم‪.‬‬‫لكن أقزام العرب حكاما ونخبا يريدون أن يكون لكل قبيلة دولة بالاسم هي في الحقيقة‬‫محمية حماية ورعاية يوظف فيها المستعمر مافيات الوطن بالنسبة إليها ليس سيادة ولا‬‫كرامة ولا حرية بل مزرعة لمن اختارهم المستعمر ليكونوا رعاة لمصالحه على حساب ما‬ ‫تقتضيه مصالح الجماعة التي يتسلطن عليها‪.‬‬‫لم يستفد منهم إلا بنوك سويسرا وروبافيكيا ما يعتبرونه ثقافة حداثية لا تتجاوز المزيد‬‫من كلفة المحميات على الشعوب‪ :‬لأن ثقافة الاستيراد والاستهلاك من دون إنتاج هي ثقافة‬‫المزيد من التبعية حتى في القوت اليومي‪ .‬ويكفي أن ترى ما يجري فيما يسمى ببلاد العربية‬ ‫الغنية بالبترول مشرقا ومغربا‪.‬‬‫فهم يستوردون كل شيء‪ .‬فبعد قرن من تكوين الجامعات العربية مازال كل حكام العرب‬‫وأغنياؤهم يتعالجون في الخارج وما زالت جامعاتهم لا تفرخ إلا الايديولوجيين والعاطلين‬‫فضلا عن كون الدخل الخام لأي بلد عربي لا يكفي لبحث علمي يقاس بمعاييره في البلاد‬ ‫التي تبدع شروط السيادة حماية ورعاية‪.‬‬‫ولفرط الكذب على ألسنة المتكلمين على الوطنية والدولة الوطنية صرت أكثر الناس‬‫كرها لهذه المفهومين الزائفين‪ :‬فلكأن الألماني الذي يؤمن بالمواطنة الألمانية والمواطنية‬‫الأوروبية أقل وطنية من خونة الحكام العرب ونخبهم المطبلة عندما يتهمون كل من يفكر‬ ‫في تجاوز القطرة بخيانة الوطن‪.‬‬‫فصار اكبر الخونة للأوطان‪-‬لا معنى لوطن بلا سيادة لوطن صار محمية للمافيات الداخلية‬‫الخادمة للمافيات الخارجية‪-‬يدعي أن الكلام على الأمة فيه نفي للولاء للقطر والكلام على‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪11‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫تجمع وتكامل اقليمي مغربيا كان أو مشرقيا أو حتى جامعا للجناحين فيه خيانة للقطر‪:‬‬ ‫وتلك علة ثرثرتهم حول أنماط المجتمع‪.‬‬‫ومن عجائب الدهر أن جل المتكلمين على نمط المجتمع التونسي من أبناء الريف الذين‬‫\"تحدثوا\" بارتياد المقاهي والحانات ثم صاروا \"سينسترا\" ليس بالإيطالية بل بالفرنسية بعد‬‫حذف الالف يدعون عالمية اشتراكية ويتهمون من يتكلم على تجاوز التونسة إلى مجالها‬ ‫الحضاري الكلي بعدم الولاء لتونس‪.‬‬‫وينسون حقيقة تاريخية لا تكذب وهي أن تونس العزيزة على قلبي ليست تونس التي‬‫كلما التفتت إلى الغرب صارت مستعمرة تابعة بل تونس التي جعلها التفاتها إلى الشرق‬‫عاصمة عالمية كقرطاج منافسة روما وكدولة الإسلام الأولى منافسة بيزنطة في المغرب‬ ‫والأندلس والثانية مقاومة حرب الاسترداد‪.‬‬‫كذبة الأمة التونسية والأمة الجزائرية إلخ‪ ..‬أصبحت من أدوات توطيد التبعية ثم إن‬‫صاحب المتبوع لم يعد يكتفي بذلك بل يريد أن يفتت الجزائر والمغرب وحتى تونس لأنه‬‫يريد حجما أصغر حتى تكون التبعية أكبر‪ .‬وبذلك فهو مع النخب الخائنة حقا للأوطان‬ ‫يريد محميات عرقية وقبلية لتيسير الاستعباد‪.‬‬‫خرافة نمط المجتمع نفي للتعددية الثقافية وصدام حضارات داخلي مع إحياء النعرات‬‫الجهوية والعرقية والثقافية التي لا يراد بها تحرير الإنسان بل الهدف هو تعميق التبعية‬‫حتى يمتنع على بلادنا ما يحقق به الغرب الاوروبي استعادة دوره الكوني وإعادة الاستحواذ‬ ‫المباشر على ما أخرجه أجدادنا منه‪.‬‬‫ولو كان بين أجدادنا مثل هذه النخب التي تتصور التبعية يمكن أن تنتج حداثة لكانوا‬‫جميعا في منظورهم \"إرهابيين\" لأنهم قاوموا الاستعمار وأخرجوه مدحورا‪ .‬كل من يقاوم‬‫للتحرر داخليا وللتحرير خارجيا يتهمونه بالإرهاب لأنهم يخترقون المقاومة بإرهاب‬ ‫اصطناعي لتشويه كل إرادة تحرر وتحرير‪.‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪12‬‬ ‫الأسماء والبيان‬

‫‪--‬‬‫أبو يعربالمرزوقي‬ ‫‪13‬‬ ‫الأسماء والبيان‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook