أبو يعرب المرزوقي الأسماء والبيان
المحتويات 1 5 91419
لست مختصا في علوم الملة لكن ثالوث المدرسة النقدية بما يضمر كشف علل انحرافها إلى حد سيطرة العلوم الزائفة عليها لتبرير الموجود وإهمال المنشود.وسبق أن كتبت بالإنجليزية مقالة بينت فيها ما نتج عن هذا التحريف من إفساد للاجتهاد والجهاد أي تحديد الإسلام لنظرية النظر والعمل وتفاعلهما.وأريد اليوم ان أشرح التحريف الذي طرأ على علوم الملة فجعلها بالتدريج تصبح أقوالا عديمة السلطان على الأفعال وشرطي قيام الإنسان الحر والكريم.لم تعد علوم الملة قادرة على تحقيق استعمار الإنسان في الارض وقيم الاستخلاف فتضفي المعنى عليه وتجعل الدنيا بحق مطية الآخرة لمن يستأهل الخلافة.فعمل الغزالي وابن تيمية وابن خلدون هدفه بيان هذا التحريف في علوم الملة الرئيسية (الغزالي) ونظرية العلم (ابن تيمية) ونظرية العمل (ابن خلدون).وحتى أوجز العلاج سأقول إن الامر كله يدور حول تحريف آيتين من القرآن الكريم :آل عمران7 وفصلت 53 -1أصل التزييف الديني. -2أصل التزييف الفلسفي.وآل عمران 7تتعلق بالدوافع الواعي منها وغير الواعي وفصلت 53تتعلق بالعوائق الابستمولوجية التي حالت دونهم وفهم توجيهات القرآن لمعرفة حقيقته.والعلاقة بين الآيتين هي :عدم احترام آل عمران 7المؤدي إلى قلب فصلت 53فأصبح البحث العلمي هروبا من مجاليه وعودة إلى ما حرمته آل عمران .7فحتى يبرروا كل التحريفات التي حصلت عن عدم احترام آل عمران 7تحايلوا ما استطاعوا - بمن فيهم الفلاسفة (ابن رشد) -ليبرروا كذبة الراسخين في العلم.جعلوهم مثل الله قادرين على تأويل المتشابه ولم يحددوا ما قصده القرآن الكريم باعتبار تأويله ناتجا عن مرض القلب وابتغاء الفتنة :فكان المتوقع. 24 1
وبهذا المعنى ،ففلاسفة المدرسة النقدية حاولوا تدارك تحريف هاتين الآيتين ،وهو إن صح التعبير مصدر العائقين الخلقي والمعرفي في علوم الملة كلها.ولن استثني من التحريف إلا العلوم الادوات التي يمكن القول إنها كانت بنحو ما سليمة لأنها لا تتعلق بالمضمون الخلقي والمعرفي بل بأدواتهما. وأقصد بالعلوم الأدوات مبادئ علوم اللسان وعلوم الرياضيات وعلوم المنطق وعلوم التاريخ. وهي العلوم المساعدة أو أسس منهجية أي معرفة إنسانية.لكنها ليس حرزا كافيا ضد التحريف إذا استعملت في مجال هو بمقتضى حده غير قابل للعلم فيكون العلم المزعوم خرافة ووهما مثل معرفة ذات الله وصفاته.ما يمكن أن نعلمه عن ذات الله وصفاته هو ما نؤمن به من تمثلات فطرية خاصة إذا أيدها خبر الصادق المعصوم أو الوحي الذي نؤمن به ونصدق مبلغه.وحتى أتقدم في البحث أذكر بما أثبته في مقالي بالإنجليزية أثناء مداخلة في ندوة نظمتها كلية علوم الوحي في الجامعة العالمية الإسلامية بماليزيا.فقد أثبت أن الاجتهاد والجهاد كلاهما مؤلف من خمس معان :أكبر وأصغر وكبير وصغير وأصل يجمع بينها .ولا نفهم الأكبر والأصغر في غياب الكبير والصغير.والتحريف ألغى الكبير والصغير وبقي يتكلم على الأصغر والأكبر كلاما أجوف فقد التدبير الذي يحقق استعمار الإنسان في الأرض ليكون أهلا للاستخلاف.فالاجتهاد مثلا صغيره فقهي وكبيره كلامي .لكن تحول الفقه إلى مجرد فنيات صوغ القوانين والكلام إلى أوهام علم الغيب علامة على فقدان الوسيطين. والوسيطان هما: -1ما يجعل الفقه علم شروط العمران الذي يحقق حرية الإنسان وكرامته ليكون سيد نفسه بالحريتين الروحية والسياسية .كل ذلك غاب فيه.-2ثم ما يجعل الكلام فلسفة في المعرفة تمكن العقل من النقد الذاتي لئلا يتوهم ما لا يستطيع إدراكه فيكون فلسفة نقدية تحرر العلم من وهم معرفة الغيب.وهذان الوسيطان الغائبان هما ثمرة اجتهاد ابن خلدون للأول واجتهاد ابن تيمية للثاني وليس لي من فضل عدا اكتشافه وبيانه متحديا الكلفة الكبيرة.تسامح أنصاف المثقفين مع موقفي من ابن خلدون لكنهم جرموني بموقفي من ابن تيمية :اتهموني بأني اجير لدى الوهابية التي لو فهمت ما قلت لكفرتني. 24 2
والجامع بين هذه المعاني الأربعة هو أصلها :الاجتهاد هو حرية العقل المبدع في مجالي المعرفة الإنسانية نظرا وتطبيقا :علوم الإنسان وعلوم الطبيعة.أي إن ابن خلدون وابن تيمية ضمير ما أبدعاه هو تحرير علوم الملة من التحريف أي فهم آل عمران 7وفصلت :53البحث في آيات الله في الآفاق والأنفس.إذن الاجتهاد أصغر في الشرائع وأكبر في العقائد وبينهما وسيطان يتعلقان بمجال الشرائع ومجال العقائد أي بالتاريخ والطبيعة والأصل هو حرية العقل.والدليل أن الإسلام لا يقتصر في كلامه على الاجتهاد على من يصيب بل على من يحاول بصدق: ومن ثم فالأساس هو حرية التفكير الصادق في طلب الحقيقة.فيكون الاجتهاد هو المعرفة النظرية وتطبيقاتها في العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية بأدواتهما وبشروطهما المعرفية والخلقية :ذلك هو الاجتهاد. ذلك هو تحريف علوم الملة للاجتهاد.صارت الأمة بالفقه المبتور وبالكلام المغدور تهدم نفسها من حيث لا تعلم لأنها تحقق ما حذرت منه آل عمران .7فكل أمراض القلوب وابتغاء الفتن مصدرها هذا الفقه المشوه لعلوم الشرائع وهذا الكلام المشوه لعلوم الطبائع وكلاهما لا يعيش إلا بالمتشابه وفيه. ولأمر الآن إلى الجهاد: هو بدوره مخمس الأبعاد لتضايفه مع الاجتهاد. ففيه الاصغر والأكبر وأهمل منه الصغير والكبير والاصل المؤسس لها جميعا. فالجهاد الأصغر هو القتال. والجهاد الأكبر هو مجاهدة النفس. فكيف تقاتل إذا كنت فاقدا لأدوات القتال؟ لا بد من جهاد صغير يبدع الأدوات والطرائق. وذلك هو موضوع الأنفال .60لو نظرنا إلى المسلمين اليوم لوجدناهم كلهم عزلا لا قدرة لهم على حماية أنفسهم لأن من يبيعك السلاح يبيعك ما تجاوزه. وإذن فلا بد من جهاد صغير يمكن من أدوات الجهاد الأصغر وطرقه أو استراتيجيته. لكن غياب ذلك جعل الجهاد مقصورا على حماسة الشباب والانتحار. 24 3
والجهاد الصغير الضروري للجهاد الاكبر لا يكون إلا بفضل الاجتهاد الصغير الضروري للاجتهاد الأصغر :فالقانون الوطني والدولي يحتاج لقوة التنفيذ. وهذه القوة وخاصة في الدولي هي قوة الاقتصاد والتكنولوجيا.ذلك هو الجهاد الصغير الضروري للجهاد الأصغر الذي هو الحرب وهما شرطا الحماية الذاتية للامة. وإذن فالجهاد الأصغر يحتاج إلى جهاد صغير.الباحث العلمي المنتج لأدوات الدفاع الاقتصادي والعسكري مجاهد مثل الجندي في الجبهة بل أكثر. والجهاد الأكبر (مجاهدة النفس) لا تكفي فيه العبادات على أهميتها. لابد من علوم التربية والتنشئة المحررتين من النفاق الديني السائد في حضارتنا. وهذا هو الجهاد الكبير شرطا في الجهاد الاكبر. ومعاني الجهاد هي بدورها خمسة. فأصلها هو حرية الإرادة والعقد كحرية العقل والعلم في الاجتهاد.والأصلان حرية العقل والاجتهاد وحرية الإرادة والجهاد جمعهما القرآن الكريم في الآية 256 من البقرة وهما المحررتان للإنسان من الإكراه في الدين :تبين الرشد من الغي.وبذلك يتبين أن جوهر الديني في الاديان أو الإسلام هو جوهر الفلسفي في الفلسفات أو الحكمة: حرية العقل وحرية الإرادة هما جوهر الإنسان المسلم.فبحرية العقل يبدع الإنسان شروط تعمير الارض وبحرية الإرادة يبدع الإنسان شروط جعل ذلك التعمير محكوما بقيم تؤهل الإنسان لأن يكون خليفة الله.ذلك ما فقدناه بتحريف الآيتين اللتين يمكن أن نعتبرهما جوهر أحكام الاجتهاد والجهاد وأساس الفلسفة النقدية (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون). 24 4
أحد الأغبياء ممن يتطفلون على الفلسفة ادعى لأني قولي بأن جل علوم الملة لم تعد صالحة قد أتيت بدعا متصورا نفسه أعلم بها من فلاسفة النقد الثلاثة.وطبيعي فمن يتوهم حلاق أدرى بفلسفة السياسة الإسلامية منهم لا يمكنه أن يفهم دلالة هذا القول ولا أي قول لأن الفلسفة ليست لعبة أطفال وأي دجال.ولنبدأ فنبين كيف أن الغزالي في احياء علوم الدين-وقد سميته فضائح الظاهرية قياسا على كتابه فضائح الباطنية -أثبت أنها فقدت الصلة بالدين والدنيا.فأي علم بالمنظور القرآني إذا لم يكن عين الصلة بما بينهما من صلة لا يعد علما بأي منهما :فلا هو أداة لتعمير الدنيا ولا هو مرقاة للتعالي عليها.وحتى يفهم القارئ هذه العلاقة فليشبهها بالثروة :هي ضرورية للوجود الدنيوي والأخروي. ففاقدها يصبح عبدا لها وواجدها إن ملكها حقا تعالى عليها.فالإنسان لا يدرك الفقر الوجودي أي ما في الإنسان من فناء واشرئباب للبقاء إ ّلا إذا تجاوز الفقر المادي .من يغرق في الفقر المادي عبد للحاجات الدنيا.وبهذا اميز بين الزهد الحق والتصوف الذي هو زهد زائف .فمن يعاني من الفقر المادي ليس له ما يزهد فيه .يزهد من يتعالى على ما يملك فلا ُيملك. المتصوف في زهده الكاذب من جنس العنين في عفته الكاذبة. لذلك فهو ليس عبدا للدنيا فحسب بل هو عبد لمن يستبعده بالدنيا يبرر استبداده وفساده.ولذلك كانوا يستعبدون العامة بالكرامات الكاذبة -مثل خفة الأصابع -فيجعلوهم عبيد الأوثان وأكبرها من يسمونهم ولاة الامر معتبرين أفعالهم قضاء وقدر.لذلك كانت حركة النهضة في القرنين الماضيين في حرب مع الاستعمار ومع هذه الوثنية التي جعلت الشعوب مستسلمة لما يعد وكأنه قضاء الله وقدره.والآن تفهمون لماذا يراد استعادة سلطان هؤلاء الدجالين من جنس دجال اليمن -الجفري -الذي يقود جوقة الشيشان وكل المخرفين في خدمة الصفوية والصهيونية. 24 5
وقد سمعت آخرة أكاذيبه حول إخراج الرسول الخاتم يده ليرد على تحية أحد الدجالين من أمثاله .ومن جنسهم دجل الدعاة البكائين وقصصهم المدعومة بكثرة القسم. أعود إلى الغزالي و\"فضائح الظاهرية\". لا يعنيني ما في الكتاب من مضمونات موجبة يعدها الغزالي بديلا مما ينقد. ما يعنيني هو ما ينقد ولماذا ينقده. ينقد ما تكلمت عليه في الفصل الأول أي الفقهاء والمتكلمين.وهو يركز على أخلاقهم ودوافعهم وخاصة ما يترتب عليهما من ضرر بالأمة وفصل بين الدارين.فأما الدوافع فهي دنيوية خالصة :خدمة الحكام (الفقهاء) أو خدمة العجب بالنفس والطابع الخصامي (المتكلمون) ومن ثم فليست الحقيقة والعلم قصدهما. والغريب أن ابن خلدون في سيرته الذاتية يقرب من هذا الرأي وخاصة في الفقهاء. الاستثناء موجود فهما فقيهان والفضل موجود في غيرهما. ولست اتكلم على الفقهاء والمتصوفين من فراغ. فبيئتي مليئة بهم.وكان والدي رحمه الله وهو مقدم في القادرية يحدثني كثيرا عن أكاذيب القبوريين من أهل الطرق.ولست أجهل أن كبار المقاومين كانوا من قيادات صادقة منتسبة إلى الصوفية السنية مثل الأمير بعد القادر وأبطال ليبيا (المختار والسنوسي) والسودان ومن قاوموا الاستعمار.وما يعنيني هو تحريف الاجتهاد والجهاد تحريفهما الراجع إلى تحريف علوم الملة وخاصة الفقه والكلام حول علاقة القانون بالأخلاق والإيمان بالعلم. فعلاقة القانون بالأخلاق هي الوصلة بين الدارين في الشرائع وعلاقة العلم بالإيمان هي الوصل بين الدارين في العقائد: فلسفة التاريخ وفلسفة الدين. فهل يعقل أن يكون الفقيه فقيها إذا فصل بين القانون والأخلاق؟ كيف يكون القانون بيد من لا أخلاق له أي المستبد الفاسد ويبقى ذا صلة بالأخلاق؟ وهل يعقل أن يكون المتكلم في العقائد مؤمنا بها حقا إذا فصل العلم عن الإيمان؟ الكلام بحكم آل عمران 7مرض قلب وابتغاء فتنة وليس علما متصل بإيمان. لذلك فكل الفتن علتها علم الكلام. 24 6
فهو مصدر النحل التي بالتدريج تتحول إلى صيغ عقدية متنافية هي أصل الطائفية في كل الاديان والحروب الأهلية.وقد كان الغزالي حكما عدلا :وصف الفقهاء بما فيهم خدمة الحكام والدافع طبعا طمع في الدنيا. كشعراء الكدية. هؤلاء يضحون بالفن وأولئك بالأخلاق.ووصف المتكلمين بما فيهم من طبع منحرف :حب الخصومات والزعامات والخطابيات دون طلب للحقيقة .فالتبكيت والبروز في المجالس يشبع انتفاخ شخصيتهم. لكأنه طبق عليهم ما تقوله سابعة آل عمران :مرض القلوب وابتغاء الفتنة. فكلامهم في العقائد من أبلد ما سمعت :آية واحدة تغني عن كل الكلام :البقرة .177فظنهم أن كلامهم أبلغ وأوضح وأتم مما جاء في القرآن وتفسير النبي له جعلهم كاذبين في الجمع بين العلم والإيمان .ودعواهم الدفاع عن الاسلام كذب. هل معنى ذلك أني أحرم الفقه والكلام؟أولا أنا لست فقيها فأقدم أحكام الفعل الشرعية حرامها وحلالها بدرجتي التحريم والتحليل. موضوعي العلمية. وأقصد ما الذي يجعل الفقه والكلام علميين فلا يبقيان مزيفين؟ لا علم فيما يتجاوز الشاهد ولا علم فيما يغفل الشاهد من موضوعه. وفيهما العيبان. الفقه يتصوره قابلا للفصل عن الشرعية السياسية فلا يصله به. والكلام يتكلم في الغيب ويهمل الشاهد رغم أنه يجعله مصدر أساس قيسه للأول عليه.ومن ثم فلا يمكن تصور فقه من دون فلسفة سياسية وفلسفة شرائع قانونية وخلقية بها ينتظم العمران حتى يحقق شروط كرامة الإنسان وسعادته في الدارين.ولا يمكن تصور علم كلام في العقائد من دون نظرية في الوجود والطبائع تحرر الإنسان من عبادة غير الله فيعمر الأرض بعلم الطبائع ويستأهل الاستخلاف.ترك الكلام الشاهد جانبا واهتم بالغيب وكل التخريف متجاوزا سابعة آل عمران ومتوهما أن الرسوخ في العلم يجعله مثل الله قادرا على تأويل الغيب.فكان بذلك مصدر كل الفتن التي حولت الدين من رحمة إلى نقمة لأنه صار زيت الحروب الأهلية بين الفرق والطوائف بزعامة مرضى القلوب ومبتغي الفتنة. 24 7
وبهذا الكلام يكون الغزالي قد أعد أرضية البديل الذي هو محاولة البحث في علاقة الدارين من خلال علاقة فلسفتين هما فلسفة الدين وفلسفة التاريخ. والأولى هي مجال إبداع ابن تيمية والثانية هي مجال إبداع ابن خلدون. فيكون ثالوثنا من مدرسة النقد الفلسفية قد حاول علاج تحريف علوم الملة.والسؤال هو لماذا لم يثمر علاجهم فلم تخرج الأمة من المآزق التي أدت إلى الانحطاط في المهمتين اللتين تحددان حقيقة الإنسان في الرؤية القرآنية؟ فالأمة فقدت القدرة على تحقيق شروط تعمير الارض المادية والمعرفية والأمة فقدت شروط الاستخلاف لأنها بالانحطاط نكصت إلى قيم الجاهلية دون شك. أعتقد أن دوري لا يتجاوز أمرين: بيان ما حققه فلاسفة النقد الثلاثة وهو ليس بالقليل ثم تدارك المفقود في سعيهما وما فيه من علل الفشل الثابت. وذلك ما أحاوله منذ بدأت تفسير القرآن الكريم.صحيح أني قدمت على ذلك محاولة لفهم الغزالي وابن تيمية وابن خلدون لكنه كان عملا أكاديميا خالصا. لم يكن هدفي منه الانتقال إلى ثمراته العملية.لكن الأحداث وضرورة وصلها بما يفسر مجراها ويدل على مرساها فرض أن أضيف الكلام فيها للوصل بينهما.فلا ثورة حقيقية من دون أعماق نظرية تضرب بعروقها في رؤية فلسفية مستمدة من أصول الحضارة الإسلامية وخاصة من رؤيتها لذاتها بصوغ كبار مفكريها. 24 8
كانت البداية النقدية (تهافت الفلاسفة وخاصة مقدماته) قد حددت دافعه وموضوع النقد وأهدافه دون نفي لدور العقل العلمي المدرك لحدود المعلوم.لم يكن قصد الغزالي تحريم الفكر الفلسفي ولا تكفير الفلاسفة كما يدعي خصومه من الحداثيين المزيفين بل إن عمله النقدي كان بداية الفكر الحديث بحق.فدافعه ظاهرة مرضية نعيشها الآن وهي أنصاف المثقفين الذين تسكرهم زبيبة فيدعون الممتنع: ظنوا الفلسفة حربا على الدين وتنصلا من الأخلاق وعلما مطلقا.فميز بين الفلاسفة المدركين لحدود العلم والذين لا يدعون علما يقتضي نفي وجود الله ويوم الحساب .فما يتجاوز المنطق والرياضيات معرفة ظنية.وكان هدف الكتاب الرد بمعرفة ظنية على معرفة ظنية مبينا أن اليقين العلمي الوحيد الذي لا خلاف فيه بينه وبين الفلاسفة هو المنطق والرياضيات. وبذلك توصل الغزالي إلى تحديد الكاريكاتورين: من يتصور الدين يشمل مجال العلوم الجوهري ومن يتصور مجال العلوم يشمل مجال الدين الجوهري.التهافت فضح للكاريكاتوري أدعياء المعرفة الدينية والمعرفة الفلسفية ومصدر الخلاف بين أنصاف العلماء الخالطين بين المجالين الديني والفلسفي.ولو بقي مشروع الغزالي عند هذا الحد لكان الوصل بينه وبين بطلي النقد الفلسفي العربي قابلا لأن يكون دون قطيعة بينهما وبينه. لكن القطيعة حدثت.وقد حدثت في مجال النظر بفضل القفزة النوعية عند ابن تيمية وفي مجال العمل بفضل القفزة النوعية عند ابن خلدون .فخرجنا من الفكر القديم والوسيط. ما القطيعة؟بعد هذا النقد الدقيق والمحدد موضوعا وأهدافا ودوافع قدم الغزالي حلا ترقيعيا فعالج شكل علوم الملة ومضمونها بالمنطق والتصوف. 24 9
القطع مع حله -ابن تيمية في النظر وابن خلدون في العمل -تجاوز النقد -ظاهر الإشكال -إلى عمقه الابستيمولوجي (ابن تيمية) والأكسيولوجي (ابن خلدون).وسأحاول في هذا الفصل الثالث بيان طبيعة القطع مع الحل النظري الذي قدمه الغزالي والوعي الحاد بطبيعة الإشكال الابستيمولوجي عند ابن تيمية.فالعلاج لا يقتصر على تبني المنطق لإصلاح علوم الملة من حيث أسسها النظرية بل البحث في تأسيس يصلح الفلسفة بتجاوز نظرية المعرفة الدغمائية.انقلبت العلاقة :اكتشف ابن تيمية أن ما يحتاج إلى الإصلاح مشترك بين الفلسفة والدين وأنه يتجاوز التقابل بينهما لتعلقه بنظرية المعرفة والوجود. والأمر شديد اللطافة والدقة.لذلك لا أعجب من الغفلة عنه :سأل ابن تيمية عن مناط التعارض هل هو مضمون المعرفة العقلية أم قدرة العقل المعرفية؟ولا أشك أن غير المتطفلين على الفلسفة من الباحثين الجديين سيطلب دليل ما أقدمه هنا من أعمال الرجل أو مما سبق أن قدمته من بحوث أكاديمية حولها.المهم أن ابن تيمية قلب الأمر كله في درء التعارض :بدلا من الكلام على المقابلة بين مضمونين سأل عن القدرة المحصلة للمضمونين هل هي واحدة أم لا؟ وبذلك صار البحث ابستمولوجيا وليس طلبا للتوفيق بين العقل والنقل. فأخرج الفكر الإسلامي من مأزق نظرية معرفة تؤدي إلى العلاقة التقابلية بينهما.وعندئذ تبين أن الفلسفة أحوج إلى الإصلاح من الدين :فهو أدرك حدود القدرة العقلية في معرفة الوجود وتحرر من نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة.ولهذه العلة فأكبر ثورة حققها ابن تيمية هي نظرية التصور القاصر دائما وأن كل تصور وراءه تصور أدق وأعمق بلا حد ولا نهاية لاستحالة التطابق. وبعبارة خلدونية ،الوجود لا يقبل الرد للإدراك أبدا.ما ندركه منه ليس ترائيا تاما للوجود على مرآة العقل بل هو صورة ينتجها عنه العقل بحدود قدرته .فالعقل ليس كاميرا بل رسام.وبالتحرر من القول بالمطابقة يعود ابن تيمية إلى المنطق ليبين أنه لا يمثل الحل :فاعتماده على المطابقة يجعله مشروطا بالإنسان مقياس كل شيء. 24 10
وإذا كان العقل من حيث هو قدرة معرفية واحدا في المعرفة التي تسمى عقلية وفي المعرفة التي تسمى نقلية فبم تتعارض المعرفتان وبم تتمايزان إذن؟الفرق بين المعرفتين هو طبيعة نظرية المعرفة :هل ما يعلمه العقل الإنساني حقيقة مطلقة فيكون الوجود مطلق الشفافية يتطابق فيه الإدراك والوجود؟ما يدعيه الفلاسفة وتبناه المتكلمون (الرازي نموذجا) هو وهم اعتبار ما يعلمه العقل هو عين حقيقة الوجود :علة القول بتأويل النقل ليطابق العقل.فيكون الخطأ متمثلا في المقارنة بين مضمونين أحدهما يسمونه عقليا والثاني نقليا والاول يرونه مطابقا للحقيقة المطلقة والثاني خيالات للعامة.لكأن الفلاسفة والمتكلمين كانوا ماركسيين قبل ماركس :الدين إيديولوجيا شعبية والحقيقة \"العلمية\" هي ما يدركه الفلاسفة والمتكلمون بنظرية المطابقة.قوة ابن تيمية جاءت في مفهوم شديد اللطافة \"صريح المعقول\" .الصريح هنا لا تعني الصراحة بل الصُراح .القصد الخالص لا العلني :أعني شكلا بلا مضمون.وهذا الشكل الخالص هو القدرة العقلية المشتركة بين العلمي والديني .وكلاهما له مضمون مستمد من مجال تجريبي مختلف .حسي للأول ووجداني للثاني.والوجداني يجعل الإنسان يدرك أن الوجود أوسع من الإدراك .فالوجدان يذوق الفرق بين الإدراك وما يتعالى عليه كما في الحب والجمال والخشية الجلال.وكل من يتصور الوجود مقصورا على الإدراك فهو عديم الوجدان لا يذوق جمالا ولا يخشى جلالا .عقله سديم حدسه وعقيم وجدانه وبهيم فكره وسقيم بصيرته.وزبدة القول إن ابن تيمية نقل الإشكال كله إلى البحث الابستيمولوجي :ما المعرفة العلمية وما شروطها وكيف يكون العقل أفضل بعلم حدود ما يستطيع.وهو بذلك يوافق الغزالي حتى إن اختلف معه مطلق الاختلاف :يوافقه على أن المدخل لإصلاح علوم الملة يكون بنقد الفلسفة قبلها ويختلف معه في الحل.الغزالي نقد الفلسفة وتبنى رؤيتها .وابن تيمية نقد الرؤية نفسها .ومنذئذ لم تتجاوز الفلسفة هذا المدخل :عودة على الذات لنقد رؤيتها للعقل والوجود.وفي الفضاء الذي خلا بين المعلوم واللامعلوم من الوجود ظهر محل المذوق منه أي مجال الجمالي والجلالي من تجارب الإنسان اساس كل ذوق روحي وديني. 24 11
وتلك هي بداية تجاوز علم الكلام إلى فلسفة الدين وتجاوز الفقه العقيم إلى فلسفة التاريخ التي تصل بين القانونين اللذين يحكمان حياة الإنسان.فعلم الشرائع بديل من عقيم الفقه إنه علم علاقة القانون الطبيعي بالقانون الخلقي لتنظيم العمران البشري تنظيما سياسيا خلقيا بالتربية والحكم. وتلك هي ثورة ابن خلدون ولذلك اعتبرت ثورة ابن تيمية شرط إمكان لثورة ابن خلدون. ولأني لم أجد تعليلا يرضيني لثورة الثاني اكتشفت ثورة الأول.فثورة ابن خلدون في تغيير علم الشرائع لم أجد لها تأسيسا في تراثنا الفلسفي ولا في تراث يونان .وهو ما دعاني للبحث في تراثنا غير الفلسفي التقليدي.فكانت النتيجة أن تجاوز التراث الفلسفي التقليدي جاء من غيره أي من محاولات نقده وذلك لعلتين :معرفية (عقل نقل) وسياسية (باطنية سنة).لو اكتفينا بالظاهر لقلنا إن السنة نقلية والباطنية عقلية .لكن المدرسة النقدية بينت أن فلسفة الباطنية فكر سطحي هدفه تأسيس التعليمية الباطنية.ومن ثم فالفلسفة الحديثة التي تحررت من نظرية المعرفة القائلة بالمطابقة أنشأها هذا النقد الجذري لدعاوى الباطنية في الفلسفة القديمة والوسيطة.وما كان بوسع ابن تيمية أن يقول ما قال في منطق ارسطو لو لم يكن على بينة من علاقة التحليلات الأوائل بالتحليلات الأواخر الأرسطية :بيت القصيد.فهو لا يجادل في المنطق الصوري (الأوائل) ما ظل يعمل على متغيرات مجردة (أ .ب.ج) بل ما يتلو عن ملء هذه المتغيرات بقيم وجودية (الأواخر).فهذا الملء يفترض نظرية المطابقة أولا (غاية الأواخر) ويفترض أن قطع التسلسل كضرورة للتأسيس المعرفي يجعل الوجود خاضعا لشروط معرفته (بدايتها).فبمجرد أن نفترض أن ذلك ضروري للمعرفة النسبية نميز بين الوجود وإدراكه فنكتشف أن الفرق بينهما لا يقبل الاستنفاد فيصبح العلم نسبيا ومتواضعا.وحينها يصبح الكلام على ضرورة رد المنقول للمعقول ليس دليل عقل فلسفي بل دليل سذاجة فلسفية :ما به يتجاوز الوجدان الذوقي الإدراك العقلي لامتناه.وذلك هو مجال الفنون والاديان وكل التجارب الروحية التي لا تقتصر على الذريعيات المعرفية بل إن المعرفة نفسها سموها يكون بمقدار إدراكها حدودها. 24 12
وكنت دائما أتساءل عن عدم الانتقال إلى فائدة النقد التيمي في مجالي نظرية العلم ونظرية ما يتعالى عليه من مجال الوجدان كما حددناه هنا؟والجواب لم يفتح الله علي اكتشافه إلا بعد أن ربطت المسألة بما آل إليه تحريف التصوف المتفلسف لهذا الفضاء الناتج عن الفرق بين العقلي والوجداني.وهذا الفتح الرباني لم يأت بالصدفة بل كان ثمرة قراءتي لكتاب ابن خلدون شفاء السائل .ففيه كتب ابن خلدون فصلا في الشطح يبين فيه اللاانقيالية.الوجداني نذوقه ولا نستطيع قوله .وفي الحقيقة هو غير مقصور على الوجداني بالمقابل مع المعقولي بل هو يشمل اللامعقول واللامقول في كل مداركنا.فحتى مدارك الحواس الخارجية فإن ما ينقال منها هو المشترك بين الذوات Intersubjectif ; وهو قليل بالقياس إلى ما لا ينقال :وهو شخصي وفردي مطلقما أراه وما أسمعه وما أشمه وما ألمسه فيه من الذوق الفردي الذي لا يمكن لأحد أن يشاركني فيه .وما لا يشاركني فيه أحد أذوقه ولا أستطيع قوله. وهو البعد الوجداني في كل إدراك للوجود بما في ذلك الإدراك الحسي المباشر والبسيط. ويبلغ ذلك الذروة عندما تجتمع كل الحواس في الحس المطلق.والحس المطلق هو اللذة الجنسية عندما تكون تامة فتبلغ ذروتها وهي اجتماع كل الحواس في لقاء يتجاوز الانفصال بين ذاتين متحابتين سر الوجود الحي.ولذلك فالمثال الذي يضربه الغزالي حول خصوصية المدارك في مستوى ما لا ينقال منها هو عجز الإنسان العنين (العاجز جنسيا) عن فهم اللذة الجنسية.وهذا الذوق ليس معرفة قابلة للقول إلا بقياس بعيد وهو أن المتلقي للخطاب يؤوله بقياسه على تجاربه أي بتخليصه من فرديته ورده إلى المشترك.ابن تيمية في رده على التصوف بمنطق سد الذرائع دون أن يذهب إلى نفي مفهوم الذوق الوجداني لم يصل إلى الحل الخلدوني :الاعتراف به ونفي انقياله. ولهذه العلة فالثالوث كما سأبين في الفصلين المواليين متكامل: كل واحد منهم تقدم خطوة في حل معضلة التحريفين الفلسفي والديني في بداية جديدة. 24 13
والخطوة الأخيرة في مدرسة النقد الفلسفية -خصصت لها ضميمة المثالية الألمانية -هي مرحلة ابن خلدون مؤسس علوم الإنسان تأسيس أرسطو لعلوم الطبيعة.والمشكلة مع ابن خلدون أعسر بكثير من المشكلة حتى مع ابن تيمية :فالحداثيون المزيفون استبعدوا هذا بحجة ظلاميته وأفسدوا الثاني بحجة تنويره.وتنوير ابن خلدون هو ما تصوروه كونتيا أو ماركسيا فيه وطلب للدور في علاج عقدهم بالبحث عن مثيل لما يعبدون ما أعماهم عن رؤية إبداعه الحقيقي.وأكبر الأدلة على أنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون هو أن من استنوروه لم يكن أفضل حظا ممن استظلموه :فلم يروا الابداع لأنهم يعبدون الاتباع. ابداع ابن خلدون أعمق من مجرد تأسيس علم الاجتماع القابل للتشكيك. إبداعه الفلسفي أسس لعلوم الإنسان كلها بدأ بفلسفة العلم العقلي وختما بالنقلي. ولذلك فهو أرسطو علوم الإنسان.وما كان ليكون أرسطوها لو لم يتجاوز ابستمولوجية أرسطو :نظرية المطابقة وحصر العلمي في الكلي يخرج التاريخي من العلمي.وإخراج التاريخي من العلمي علته حصر العلمي في الكلي اللاتاريخي وهو مبدأ صريح في أبستمولوجية أرسطو وكل الموروث الفلسفي لغاية الفكر الوسيط.لم يستنوروا ابن خلدون بسبب إبداعه بل بسبب ما ظنوا أنهم قد وجدوه فيه من أوغست كونت وماركس. ولم يستظلموا ابن تيمية لأنه ليس فيه ما يعبدون.في الحالتين هم لا يطلبون المعرفة ولا الحقيقة بل علاج أمراضهم النفسية :البحث في تراثنا عما في تراث أسيادهم وتأييد أسيادهم بالحط مما لا يرضيهم.وليس عندي حجة أخرى في وصفهم بكاريكاتور الحداثة غير هذا الموقف الذي هو واحد :التسليم بـ\"سردية\" تدل على عقد نفسية إزاء من جعلوه معيار تقييم. وهم بذلك لا يختلفون عمن سميتهم كاريكاتور التأصيل. 24 14
كلاهما سلفي بالمعنى السلبي. هذا يوثن الماضي ماضينا وذاك ماضي الغرب. فلا يبقى للإبداع محل.فاعتبار التاريخ علما فلسفيا حقق ثورتين :دحض نظرية أرسطو في نفي العلمية عن التاريخ وتجاوز الفلسفة القديمة والوسيطة بجعل المعلوم تاريخيا.المعلوم الفلسفي في الفكر الفلسفي القديم والوسيط لا تاريخي لأنه الكلي ولأنه الانعكاس التام للواقع على الفكر أو المطابقة بين العلم والمعلوم. لكن الأعمق من ذلك كله هو أن التاريخ لم يعد علما بموضوع بل نقدا لإدراكنا لموضوع. فهو نقد الأخبار على موضوع جديد لم يكن موجودا في الفلسفة.وهذا الموضوع الجديد يناظر موضوع الفلسفة ويشمله بل صار هو الاصل البديل منه :العمران البشري والاجتماع الإنساني .التاريخ نقد الأخبار المتعلقة به.فالفلسفة القديمة والوسيطة علمها الرئيس الميتافيزيقا والفلسفة التي بدأت مع ابن خلدون علمها الرئيس علم العمران البشري والاجتماع الإنسانيولذلك اضطررت لوضع مفهوم جديد في رئاسة العلوم يتجاوز المفهوم اليوناني :إنه ما بعد الأخلاق بديلا مما بعد الطبيعة. الاساس الحضارة وليس الطبيعة.وهذا المنظور ليس فلسفيا بل هو ما تبنته الفلسفة من النظرة الدينية :تاريخ الإنسانية الروحي والخلقي والسياسي والحضاري هو المنطلق لكل ما عداه.مقدمة ابن خلدون تقبل الرد إلى هذه الثورة وهذا كاف :كيف قلبت تأسيس الفكر الإنسان فجعلت ما بعد الخلقي والتاريخي بديلا مما بعد الطبيعي واللاتاريخي.وأي قارئ مهما كان غافلا عن تاريخ الفكر الإنساني يلاحظ أن المقدمة بأبوابها الستة تنتظم بتطور علاقة الثقافة بالطبيعة موضوعا للعلم الجديد.فإذا قرأتها صاعدا من الباب الأول إلى الأخير رأيت تناقص دور الطبيعة وتزايد دور الثقافة وإذا قرأتها نازلا من الاخير إلى الأول رأيت العكس.والباب الأول يحدد طبيعة العلاقة بينهما .الثالث من الخمسة الباقية أي باب المدينة نهاية البداوة وذروة الحضارة أوضح لقاء بين الطبيعة والثقافة. 24 15
فالمدينة هي كل التاريخ الإنساني من أدنى مراحله إلى أعلاها وهي التي تحيط بالطبيعي والثقافي لأنها عين تثقيف الطبيعة وتطبيع الثقافة في حضارة.فقبل المدينة العمران البدوي والدولة وبعدها الاقتصاد والعلم بشروطهما التي لا تكون إلا بفضل الدولة والمدينة الناقلتين من البداوة إلى الحضارة.وإذا عكسنا وجدنا أن العلوم (الباب )6والاقتصاد (الباب )5هما أداتا العمران الحضري الفاعل في الطبيعة المتعينة في العمران البدوي لتثقيفه.و\"تثقيفه\" ينبغي فهمها بمعناها العربي الأصيل أي إزالة ما فيه مما يتنافى مع سلاسة الحضارة وتهذيبها حتى يصبح لها السلطان على الطبيعة بدل العكس.وبهذا المعنى يمكن القول إن الفلسفة القديمة والوسيطة قبل ثورة ابن خلدون كانت خاضعة لرؤية لم تصل إلى سلطان الإنسان على الطبيعة :تلك ثورته.بقي علي أن أثبت دعويين قدمتهما دون دليل من المقدمة .لكن المتفحص للإشارات الخلدونية السريعة والعميقة لا يمكن أن يغفل أصل الدعويين ودليلهما.فأما الدعوى الأولى فهي اعتباري ابن خلدون قد حقق الشرط الذي يجعل الفقه يتجاوز مأزقه بتجاوز آخر حلوله رغم مقارنة عمله به :مقاصد الشريعة.وأما الدعوى الثانية فتتعلق بما اعتبرته تجاوزا للميتافيزيقا وتعويضها بما أطلقت عليه اسم ما بعد الأخلاق أو ما بعد التاريخ بوصفه عمل الإنسان.وسأبدأ بهذه لأنها الايسر إثباتا :ففي مقدمة المقدمة تكلم ابن خلدون عن علمه الجديد وعن محاولة تأسيسه وتأصيله معتبرا ذلك خروجا على مبدأ أرسطي.والمبدأ الارسطي هو أن كل العلوم الجزئية لا تؤسس نفسها بل تتسلم أسسها وتترك مهمة التأسيس لعلم أعلى منها يحيل في النهاية إلى الميتافيزيقا.وهو في الحقيقة بوعي أو بغير وعي أدرك امرين :هذا العلم لا تؤسسه الميتافيزيقا وهو في الحقيقة بديل منها يؤسس كل العلوم بما فيها الميتافيزيقا.وإذن فابن خلدون لم يعتدي على قاعدة من الأبستمولوجيا الأرسطية بل هو تجاوزها لأنها لا تؤسس هذا العلم الجديد كعلم رئيس بديل من الميتافيزيقا.ومن يربط الاعتذار الخلدوني عن تأسيس علمه باعتباره يعتدي على مبدأ أرسطي في بداية الكتاب مع دحض \"الفلسفة\" في غايته يفهم أن الاعتذار خطابي.أمر الآن إلى المسألة الثانية :هل المقدمة تؤسس لعلم الشرائع الذي من دونه كان الفقه متبورا؟ 24 16
هل هي علم للموضوع الذي يعد مجال الشرائع عامة؟ما القصد بالشرائع؟ هي ما يضيفه الإنسان سواء بإبداعه أو بما ينسبه إلى الله من تشريعات إلى الطبيعة منطلق العمران البشري والاجتماع الإنسانيالفقه المقتصر على استخراج الأحكام عقيم .فحتى بمعناه التقليدي لا بد له من تحقيق مناطها وهو مشروط بكل العلوم الإنسانية اي مضمون المقدمة كله.إشارة صريحة لوجه شبه بين علم المقاصد (لمعاصره الشاطبي) وعلم العمران البشري والاجتماع الإنساني .لكنه يعطيها معنى أعم من مقاصد الشريعة.وهذا المعنى الأعم هو مقاصد العمران البشري سواء كانت نابعة من شريعة سماوية أومن عمل الإنسان فكل أعمال الإنسان تشريعات للطبائع نظريا وعمليا.ابن خلدون طبق فصلت 53حرفيا لم يبحث في النصوص بل عمل بما أشارت إليه :البحث في الآفاق والانفس لحل معضلات العمران البشري والاجتماع الإنساني.ويبقى مع ذلك السؤال الجوهري :إذا كان ما قام به الغزالي وابن تيمية وابن خلدون بالحال التي وصفت فلم انحطت الحضارة الإسلامية وجف ضرع الإبداع؟فمن اليسير أن يرد على ما قدمته بأن الثورات بثمراتها وما ذكرته لم يثمر ما ينبغي أن يحصل لو كان صحيحا. وهو اعتراض وجيه ولم يفت ابن خلدون.فقد أشار إلى أن الخراب الذي عم الضفة الجنوبية للأبيض المتوسط يقابله نشاط حثيث في العلوم في الضفة الشمالية. ولهذا تكلم على انقلابة كونية.بل هو اعتبر كتابه المقدمة -وله حسب رأيه ما يجانسه قبله من قصد التأليف -رصدا لتحول كيفي في التاريخ المديد يكون اساسا لفهم التاريخ القصير.كان ابن خلدون هو نفسه مدركا لما حل بالحضارة الإسلامية من وهن فعلي وهذا الإدراك دليل وعي بعلله وبشروط تجاوزه وهو ما أتكلم عليه في المحاولة.والاعتراض على وجاهته بحاجة للتنسيب لأن كل الحضارات قبلنا حصلت لها ظاهرة الومضة الاخيرة التي تمثل غاية إبداعها الذي بقي نظريا ولم يثمر عمليا.لكن عدم الإثمار في الحضارة الإسلامية قابل للتفسير بعوامل داخلية وخارجية كلها كانت عوامل تخريب حضاري انضاف إليها في عهد ابن خلدون الطاعون. 24 17
فالهمجية أحاطت بالحضارة الإسلامية خارجيا من الشرق (المغول) ومن الغرب(الصليبيات) وتلتها حروب الاسترداد مع الحرب الأهلية بين العصبيات الحاكمة.فخربت مؤسسات العلم وأفني العلماء وهدمت المعالم تقريبا من جنس ما يحدث حاليا في عواصم الوطن العربي الواحدة بعد الأخرى :فتصوملت دار الإسلام.ولولا علاقة ما جرى بما يجري لما خصصت كل هذا الوقت لاطلاع الشباب على أن المستقبل شروط جعله مجيدا متوفرة :فمن جدوده هؤلاء يمكن أن يتجاوزهم. 24 18
ننهي الكلام في المدخل لإصلاح علوم الملة بعد أن بينا طبيعة الثورة التي تحققت لتجاوز التحريفين الفلسفي والديني بمعيار آل عمران 7وفصلت .53وأجبنا عن الاعتراض الذي يشكك في الثورة النقدية بدعوى عدم حصول نتائج في الواقع الفعلي بعموم الظاهرة فجل الحضارات انهارت لحظة بلوغ الذروة.كذلك حصل للمصريين والبابليين واليونان وحتى روما وحتى الاتحاد السوفياتي أخيرا لأنه لم يكن متخلفا علميا ولا تقنيا بل بسبب حيثيات يعسر حصرها.ولا يعني ذلك أن أومن بأن للحضارات عمرا محدودا بل هي مثل الظاهرات الحية تتوالى أجيالها وأحيانا تسبت فتتوقف لوقت وتلك حال حضارتنا الإسلامية.وهي الآن في آخر لحظات سباتها لأن حركتها تزداد زخما في كل المناشط ولدى كل شعوبها متعددة الإثنيات والمذاهب والمستويات التنموية والحضارية.وما يعنيني في بحثي هو قلب الحضارة الإسلامية أي استئناف دور السنة فيها وخاصة مؤسسي دولة الإسلام والمحافظين عليها إلى حرب التحرير من الاستعماروالفصل الخامس والاخير أخصصه لغاية عمل المدرسة النقدية في ما يمكن تسميته الصوغ الأخير لتجاوز عصر العلوم الزائفة أو المنعرج الحاسم نحو الحداثة. والهدف الجواب عن سؤالين:-1ما البديل الذي اقترحه ابن خلدون للتحرر من فساد معاني الإنسانية بإصلاح نظامي التربية والحكم -2وما شروط الاستئناف؟ السؤال الأول :يسير وعسير في آن.إنه بكل بساطة خطة المقدمة نفسها وفيها محاكاة لأسلوب العلاج القرآني قسم نقدي لطبائع العمران وقسم بنائي لشرائعه.بينت في بحث الدراسات القرآنية غفلة الحداثيين عن ثورة الإسلام الروحية والسياسية في القرآن علاجا ينقد الماضي ويقدم مشروع المستقبل البديل. 24 19
وتجارب الماضي التي ينقدها كلها تجارب نكوص إلى القانون الطبيعي وابتعاد على القانون الخلقي بمعنى سلطان الطبائع على الشرائع في التاريخ الفعلي.ومشروع المستقبل هو بناء نظام سياسي ببعديه التربية والحكم ليستعيد سلطان الشرائع على الطبائع وتمكين الإنسان من تعمير الأرض بقيم الاستخلاف.نفس هذه الخطة يتبعها ابن خلدون في المقدمة دون أن يكون ذلك نسخا للعلاج القرآني إلا من حيث البنية العلاجية :نقد الموجود وتحديد شروط المنشود. أطلب من القارئ أن يفتح المقدمة ويبدأ بالباب الأول.ينقسم الباب الأول إلى خمسة أقسام وأصل :الشرط الجغرافي-المناخي فالثقافي-الرمزي فالتأثير المتبادل باتجاهيه.والأصل هو علاقة بين الإنسان والقوة الإلهية وحيرة المستقبل متعينة في طلب نظام متعال للسكن في العالم باطمئنان أو الدين أصلا للعناصر الأربعة.الباب الأول يمثل إذن وضع المقدمات الأساسية لبناء المشروع بوجهيه النقدي والبنائي في الأبواب الخمسة للعلوم الخمسة التي يتألف منها المشروع.الباب الثاني لما قبل الدولة والباب الثالث للدولة والباب الرابع للمدينة والباب الخامس للاقتصاد والباب السادس للعلوم والتربية واللغة والفنون :علوم الشرائع أو الثقافة.فهذه علوم الثقافة أو الشرائع التي أدخلها الإنسان على الطبيعة فيه وخارجه إذ هو القطب الثاني في علاقته بالقطب الاول أو القوة الإلهية الناظمة للكون.عناصر المعادلة الوجودية :القطب الأول (الله) والوسيطان الطبيعة والتاريخ والقطب الثاني (الإنسان) والتواصل بين المباشر القطبين وغير المباشر بتوسط الوسيطين.الباب الأول هو الذي وضع المقدمات والحدين (الطبيعة والثقافة) والإنسان المشرئب لما يتعالى عليهما على تفاعلهما أساسا لانتظام مقامه في العالم أما الابواب الخمسة الباقية فهي تعالج نظرية الشرائع أي -1الجماعة -2فالدولة والحكم -3فالمدينة -4فالاقتصاد -5فالثقافة والتربية :موضوع التاريخ. 24 20
وإذن فالتاريخ بوصفه ما بعد هذه العلوم يدرس نقديا الأخبار العلمية حول هذه المجالات هو إذن الرئيس البديل من الميتافيزيقا :وقد سميته ميتاأخلاق. فما القصد بالميتاأخلاق؟الشرائع أي إضافة الثقافي للطبيعي هي أفعال الإنسان في محيطيه الطبيعي والثقافي وفي ذاته حصيلة لعلاقة الطبيعي والثقافي. وشرط هذه الأفعال خاصية طبيعية للإنسان.فكما بين ابن خلدون في الباب الأول فهو كائن طبيعي ومتعال على الطبيعة حوله وفيه بخاصيتي: الحرية والفكر.والحرية هي شرط هذا الاشرئباب إلى تجاوز الحاضر والتشوف للمستقبل ومن ثم فهو يطفو فوق مجرى الأحداث إلى ما يضفي عليها المعنى :وهذا أساس الدين.ولهذه العلة كان الباب الأول المؤسس لمقدمات علمه مؤلفا من الشروط الطبيعية (الجغرافيا والمناخ) والشروط الرمزية (التعالي على الشروط الطبيعية).وهذا التعالي على الشروط الطبيعية هو أصل الشرائع أي ما يضيفه الإنسان إلى الطبيعة ليصبح العالم قابلا لأن يكون مقاما له يستمد منه معاشه وانسه.واستمداد المعاش هو موضوع العمران البشري واستمداد الأنس هو موضوع الاجتماع الإنساني. وشرطهما الحرية والفكر اساسي التعالي على الغرق في الطبيعي.ومن ثم فالطبيعي في الإنسان وفي محيطه مصدر عيشه يتحددان بصورة الإنسان عنهما وبتعامله معها فيكون الأساس ما بعد الأخلاق وليس ما بعد الطبيعة.والقصد بما بعد الأخلاق هو ما يجعل الإنسان يعود على كيانه ومحيطه الطبيعيين ليسود عليهما بدلا من أن يكون مسودا بهما وتلك هي الحرية والفكر.فيكون ما بعد الأخلاق هو هذه العلاقة بين الإنسان والله أو أي قوة تشغل محله (قوى الطبيعة في الأديان البدائية) وهما قطبا المعادلة الوجودية.فيكون العلم الرئيس هو هذه الرؤية للشرائع بوصفها ثمرة تواصل وتبادل بين الإنسان وما بعد بعديه ومحيطيه الطبيعي والثقافي (الطبيعة والتاريخ).وهو ما سميته المعادلة الوجودية :الله اولا الإنسان ثانيا وبينهما الطبيعة والتاريخ وسيطين ومحل اللقاء بينهما غير المباشر المشروط بالمباشر. 24 21
وبصورة عجيبة نجد أن هذه المعادلة الوجودية هي في آن بنية المقدمة وبينة القرآن الكريم :لكأن ابن خلدون يبين دلالة فصلت :53حقيقة القرآن.وهو ما أثبته صاحب بدائع السلك في طبائع الملك (ابن الأزرق) عندما استخرج من المقدمة بالتوازي 20قضية مستندة إلى الأدلة العقلية و 20إلى الأدلة النقلية.العلم الرئيس يتألف من :من خمس نظريات :في الله وفي الإنسان وفي الطبيعة وفي التاريخ وفي تواصل الله والإنسان مباشرة وبتوسط الطبيعة والتاريخ.وكلها تكون محرفة فتنشأ علوم زائفة المقدمة تدحضها وتكون سوية فتنشأ العلوم التي تحقق بعدي الإنسان :تعمير الأرض بقيم الاستخلاف أو الفساد فيها.والفساد فيها سره العلوم الزائفة التي تؤدي إلى فساد الشرائع (إضافة الإنسان بعلوم زائفة) وفساد الطبائع (لأنها تؤدي إلى حياة بدائية متوحشة). ومن هنا يمكن الكلام على شروط الاستئناف.وابن خلدون لم يكتب فصولا خاصة بها بل هي واردة ضمنيا في كلامه الذي وصفنا ببعديه النقدي والبنائي.ولما كان يعلل فساد معاني الإنسانية بالاستبداد السياسي في التربية والحكم فإن شروط الاستئناف من منظوره قابلة للرد إلى إصلاح هذين البعدين.وبعدا السياسة هما التربية شرط الرعاية والحكم شرط الحماية وأصلي السيادة في الجماعة الحرة ذات الكرامة :فتعمر الأرض بقيم تؤهل الإنسان للخلافة.وللتربية بعدان :اعداد الإنسان بوصفه عضوا في العمران البشري (العلم والعمل لسد الحاجات) واعداده بوصفه عضوا في الاجتماع الإنساني (للأنس بالعشير).ولذلك فآخر عناصر البحث في المقدمة تعلق بالفنين المتصلين بالأنس بالعشير أي الأدب والشعر خاصة وهما أسمى من العلم والعمل لسد الحاجات. ولنختم بالكلام في شروط الاستئناف.وأولها التحرر من العلوم الزائفة وهو قسم مهم من الباب السادس الذي يدرس فيه العلوم ويؤرخ لها في حضارتنا.وثانيها إصلاح مناهج التربية والتعليم بفلسفة حرية الأطفال واحترام كرامتهم وفكرهم شرطا للأخلاق والإبداع فالشدة عليهم تفسد فيهم معاني الإنسانية. أما الحكم فله بعدان كذلك: 24 22
الأول هو دور الحماية الداخلية والخارجية والثاني هو دور الرعاية التكوينية والتموينية. ولكن بوصفها صورة العمران.أي إنه لا يحق للحكم أن يتدخل في مادة العمران التي هي من عمل الجماعة بوصفها مجتمعا مدنيا وليس بوصفها مجتمعا سياسيا :الحمايتان والانتاجان.فالحمايتان (القضاء والامن داخليا والدبلوماسية والدفاع خارجيا) واصلهما الاطلاع على حال الناس والبلاد أساسها أخلاق جماعية وحراستها سياسية.والرعايتان (التربية والمجتمع تكوينا والثقافة والاقتصاد تموينا) وأصلها البحث العلمي في الطبيعة والمجتمع أساسها عمل الجماعة وحراستها سياسية.الحكم نيابة عن الجماعة وبإرادتها الحرة ومراقبتها يحرس الحمايتين والرعايتين لكنه ليس بديلا من الجماعة فيهما لأنها هي حامية نفسها وراعيتها. ما معنى عدم تدخل الدولة في مادة العمران؟قد حذر ابن خلدون من سيطرة الدولة على الاقتصاد لئلا تقتل الأمل عند الخواص لقدرتها على تعطيل قانون السوق.وحذر من الغلو في الضرائب لأنها تحول دون المنتجين والإقدام عليه إذا كانت حصيلته تذهب لغيرهم وهي ضارة بمالية الدولة مرتين :التهرب أو العزوف.فهو يعتبر صك العملة يمكن أن يؤدي إلى تزييفها مثلها مثل المكاييل والموازين وكلها ينبغي أن تكون تابعة للخليفة أو السلطة التشريعية والمعنوية.ونفس ما يقوله عن الاقتصاد أو الانتاج المادي صراحة يقوله ضمنا حول الانتاج الرمزي أو الثقافي .وقد أتى ذلك حول علل فساد الشعر بسيطرة الكدية.ونحن نرى الآن أن الأنظمة المستبدة والفاسدة عممت منطق الكدية على كل الإنتاج الرمزي ففقد الفكر استقلاله وأصبح أصحابه عمالا لدى الحكام.ولعل أفضل علامات ذلك تردي حال الفكر في البلاد التي يحكمها الأنظمة العسكرية ثم تلاها حكم الأنظمة القبلية فأصبح الارتزاق حكما بدل الإبداع.وإذن فمادة العمران-مادة بالمعنى الخلدوني وليس الفلسفي التقليدي -هي ما يتقوم به الشيء أو جوهره أوعين مدده المقيم لوجوده :الاقتصاد والثقافة 24 23
أما صورة العمران فهي الدولة تعين السياسة في مجالي التربية (أو الفاعلية الخلقية والعلمية) والحكم (أو فاعلية الحماية والرعاية) لمادة العمران.وهذه المهام هي شروط الاستئناف وهي تقتضي إصلاح صورة العمران وتحرير مادته من استبداد من نوبتهم الأمة في حراستها ومن الفساد والظلم. تلك هي ثمرة عمل ثالوث النقد وهي مضاعفة: تحليل علل الانحطاط النظرية والعملية وتقديم البديل الذي يصلح النظر والعمل شرطين لوجود الأمة السوي. 24 24
02 01 01 02تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي :محمد مراس المرزوقي
Search
Read the Text Version
- 1 - 30
Pages: