أبو يعرب المرزوقي re nils frahm كورونا فيروس المناعة العض وية والحصانة الروحية الأسماء والبيان
المحتويات 1 -فيروس كورونا ،هل هو تحول طبيعي؟ أم تحويل صناعي؟ 1 - -كورونا الثانية -في العلاقة بين الطبيعي والحضاري8 - -كورونا الثالثة -أو في علاج الاستبداد والفساد 14 - -كورونا الرابعة -علاج فيروسات الحصانة الروحية 31 - -فيروس الأذهان -أخطر من فيروس الأبدان 44 -
-- قد لا يكون من المناسب افتراض تعليل لانتشار كورونا في الصين وفي إيران. لكن طريقة انتقال العدوى يمكن أن تكون بداية للافتراض المعقول. فقد يكون لظاهرتين عامتين في هذين البلدين دلالة مفيدة. فالسلوك الجنسي في إيران وكثافة شغل المكان في الصين لهما صلة بينة بالانتقال السريع للعدوى. ذلك أن كلتا الظاهرتين تشتركان في كثرة التلامس وتكراره وهو الناقل للفيروس. وليس للشعبين ما يميزهما عن غيرهما في الجغرافيا والمناخ وعادات التغذية والايجيان العامة. فالتلامس المتكرر هو الناقل للفيروس وهو من خاصيات السلوك الجنسي دون نظافة لمجراه على عجل في المتعة. والتلامس من خاصيات الازدحام في المكان وهو يكون خاصة خلال الحركة فيه مع ما يتولد عنهما من الافرازات الناقلة. ولا أرى تعليلا آخر لما يقال عن شيوع الفيروس فيهما إذ لم يخلق الفيروس لهما. ويمكن الآن الانتقال من البحث في محددات تسارع العدوى إلى فرضيات البحث في شروط العلاج. فلا اعتقد أن العلم الحالي يمكن من صنع فيروسات لكنه لا يلغي أن تكون الفيروسات من حيث هي سلاح قابلة للصنع بصورة ما. فما يستطيعه العلم حاليا هو تحويل الموجود منها بالتدخل في نظامه الوراثي. ابو يعرب المرزوقي 1 الأسماء والبيان
-- وهذا أمر يطبقه كل مزارع في تركيب الأشجار وفي تنويع البذور وفي تجويد أنواع الحيوان .وهو مساعدة التحول الطبيعي وليس خلقا من عدم للكائنات الحية. ولما كنت ابن مزارع فإني قد جربت ذلك على تكريب الأشجار وكل الزيتون عندنا مركب على الزيتون \"الجالي\" أي الطبيعي الذي يصبح زيتونا لانتاج الزيت. فإذا فهمنا ذلك فهمنا إمكانية التفكير في فرضيات تساعد على إيجاد العلاج .فينبغي أن نعتمد المسار العكسي في علاج الشكل الجديد من الفيروس المتحول. فيكون فعل البحث هو دراسة الأصل الذي وقع التدخل في برنامجه الوراثي والانطلاق منه لفهم تحويله إلى فيروس جديد ثم نبحث في ما استعملناه لعلاج الأصل إن كان قد عولج ونطوره كما تطور الفيروس. فبذلك نحد طريقة البحث في الحل انطلاقا من البحث السابق الذي أوصل إلى علاج الأصل :وهذا يمثل نصف الحل. لان الفيروس المحول يبقى فيه أثر من الأصل حتما حتى وإن كان أشد وطأة ثم يضاف إلى العلاج السابق ما يناسب ما أضافه التحول للفيروس الجديد. ويصبح العلاج قابلا لأن يكون بتحويل العلاج الأول بما يجعله قادرا على علاج الإضافة في برنامج الفيروس الجديد. وقد لا يكون ذلك كافيا لكنه هو ما ينبغي الانطلاق منه على سبيل الافتراض. فالتضاد في الفاعلية واحد. ابو يعرب المرزوقي 2 الأسماء والبيان
-- لكن هذا المسار المنطقي ليس بالضرورة مطابقا للمسار الفعلي في الظاهرة نفسها .لكننا رأينا في نفينا لنظرية المعرفة القائلة بالمطابقة أن كل العلوم ليست ضامنة للتطابق بين العلاج في مستوى منطق المفاهيم ومجريات الأمور الفعلية في حقيقة الشيء التي تبقى دائما معلومة نسبيا وليس بإطلاق. وليس لنا طريقة أخرى في فرضيات البحث العلمي. فإذا كان الفيروس الجديد ناتجا عن تحويل فيروس سابق بقصد أو تحوله بذاته فإن المضاد للفيروس الأول أو علاجه قابل أن يتولد عنه بتحويل ما يكون مضادا للفيروس الثاني .وهي فرضية قابلة للاختبار. وما يؤيد هذه الفرضية هو سلوك الفيروس أو حتى الجراثيم. فهو في الغالب يتطور بذاته ليتصدى للأدوية التي تصبح غير مؤثرة فيه فيصبح عصيا على الدواء السابق إذا كثر استعماله ويتحول ليزداد صمودا أمام الدواء الذي يفقد فاعليته أو يفقد الكثير منها. فيكون الفيروس نفسه قد أمدنا بالعلاقة بين رد فعله على الدواء والتحول الملغي لمفعوله. فإذا عكسنا الآن وجدنا فرضيتنا في العلاج معقولة. ذلك أن التحول الذاتي للتصدي للدواء تحول طبيعي في الفيروس يمكن أن ندرس ميكانيسمه. فنجعل تطوير الدواء السابق من جنس تطوير الفيروس القصدي بفعل فاعل كما في صنع الأسلحة البايولوجية أو تطوره الذاتي كما يحصل في رد فعله الذاتي على مفعول الأدوية. ابو يعرب المرزوقي 3 الأسماء والبيان
-- والحرب البايولوجية هي استعمال علم الأحياء في ما يستعمله الطب سواء كان ذلك للعلاج أو للتسميم. والمعلوم أن الطب هو في آن علم الصحة وعلم المرض كما يعرفه ارسطو وكما هو فعلا. ومثله الغذاء فكلاهما فيه سر الحياة وسر الممات .وغالبا ما يكون صنع السم موازيا لصنع البلسم أو الانتيدوت :من منا لا محاولة قتل القائد مشعل في الأردن وكيف تم إنقاذه؟ وقد يظن الكثير أن طبيعة الفيروس في الاعلامية مثل طبيعته في علم الاحياء .وهذا غير صحيح من حيث الطبيعة وإن صح من حيث الوظيفة .ففي الاعلامية الفيروس من طبيعة البرامج الإيجابية. إنه برنامج مثلها وله وظيفة مثل وظيفتها .في علم الأحياء توجد هذه الوظيفة لكن الفيروس يتجاوز البرمجة الصناعية إلى البرمجة الطبيعية .وشرطه الاخيرة أن تكون قادرة على \"خلق\" كيانات حية. وذلك لم يحصل بعد في البرامج الصناعية :إنها من جنس ما تكلمت عليه في الزراعة أي تحويل كائن حي سابق. يوجد فرق بين تطوير كائن حي من كائن حي أبسط إلى كائن حي أكثر تعقيدا وبين إيجاد كائن حي من عدم حتى لو كان بسيطا .لست واثقا من أن ذلك قد حصل فعلا. ولا أستبعد أنه قد يحصل. ابو يعرب المرزوقي 4 الأسماء والبيان
-- لكن ما يسمى بالاستنساخ ليس خلقا لكائن حي من عدم بل هو من جنس ما ذكرت في الزراعة انطلاق من كائن حي سابق لتحويله إلى كائن حي لاحق .وهذا صار ممكن منذ أن علمنا قانون البرمجة العضوية أو الآ دي آن. واعتقد أن الحرب البايولوجية على نوعين مختلفين بالطبع منها ما يكون سلاحها بايولوجيا ومنها ما يكون سلاحها ذا مفعول بايولوجي دون أن يكون من طبيعة بايولوجية :مثل الأدوية القاتلة للنبات في الزراعة .فكل سلاح قاتل بايولوجيا يمكن اعتباره أداة حرب بايولوجية النتيجة لا العلة. فالسبب هو كل شيء قاتل وخاصة السموم والمواد الكيمياوية القاتلة. لكن إذا كان السبب بايولوجي فذلك ما يفاد بالسلاح البايولوجي عادة أي قتل الحياة بالحياة مثل فيروس كورونا. وهذا يستمد من كائن حي قاتل .كسم الحية والعقرب. لكن كل ما أقدمه هنا ليس من العمل في المجال بل هو باق في مستوى الفرضيات التي تهدي البحث .لكنها وإن لم تكن من العلم فهي من شروط البحث العلمي أيا كان مجاله. العلم يضيف إلى هذا النوع من العلاج في مستوى النظر النتائج الفعلية الحاصلة في مستوى التجربة ويبحث تطوير النظرية لتمكن من تفسير التجربة أو حتى في بدائل منها إذا كانت قد بلغت حدا يفيد عجزها عن تفسير ما جد من معطيات تعجز عن تفسيرها. ابو يعرب المرزوقي 5 الأسماء والبيان
-- ولهذه العلة فالأمريكان هم غالبا من يكتشف العلاج قبل غيرهم لأنهم متقدمون في المستويين النظري والتطبيقي .ذلك أن العلم في المجال عندهم هو حاليا في غاية البحث في العالم بحيث إن أقرب طريق لاكتشاف الحل تنطلق من آخر النتائج في المجال. ففيه تتحدد الاحتمالات التي ينبغي امتحانها بالتجربة حتى يكتشف الحل. وإذا كان الفيروس مصنوعا فمن صنعه يصنع معه علاجه .ولا أستبعد أن يأتي العلاج من امريكا وليس من الصين حتى وإن كان المرض أكثر انتشارا فيها. فالصين ما تزال في البحث العلمي على قطعها أشواطا كبرى مقلدة أي إنها تسرع الخطى في امتلاك الموجود ولم تصل بعد إلى ما يتجاوزه إلى المنشود. وما نلحظه في منتجاته المادية ليس استثناء بل هو الخاصية الاساسية في كل ما تنتجه بما في ذلك في العلوم. وقد تسبق في تطوير الموجود إذا كان حاصلا لكن ذلك يبقى في إطار ما سبقت إليه في الغرب .وذلك هو رمز التبعية في أي مجال ماديا كان أو رمزيا. ومعنى ذلك أن الحضارة الغربية ما تزال سيدة العلوم وتطبيقاتها. مشكلنا نحن العرب والمسلمين أننا حتى في هذا النوع الثاني ما زلنا شديدي التخلف .لم نسيطر على قدر مهم من الموجود ناهيك عن التجاوز إلى المنشود .والعلة كما هو بين أننا منذ وهم \"ام الدنيا\" بأن محمد علي مثل ثورة ما زلنا نفكر مثل باشوات مصر. ما زلنا نعتبر الحداثة هي في استيراد حصيلتها بدلا من تعلم ما أنتجها من ثورات فلسفية وعلمية وتقنية وخاصة تنظيمية لبعدي السياسة أي التربية والحكم كما بين ابن خلدون في ابو يعرب المرزوقي 6 الأسماء والبيان
-- نظرية العمران البشري وفي نظرية الاجتماع الإنساني وهما مستويان غالبا ما يقع الخلط بينهما. ابو يعرب المرزوقي 7 الأسماء والبيان
-- ترى هل ستكفي كورونا لتفهم البشرية النساء 1والحجرات 13فتغير موقفها من الإسلام الذي يعتبر البشر أخوة لأنهم من نفس واحدة (النساء )1ومدعوون للتعارف معرفة ومعروفا لأنهم متساوون فلا يتفاضلون بالعرق ولا بالطبقة ولا بالجنس بل بمعيار وحيد هو منزلتهم عند ربهم التي تحددها التقوى والأخلاق (الحجرات )13؟ أعلم أن الكثير ممن يتوهمون أنفسهم علماء يحكم الاعتبار بالأحداث الطبيعية عامة ومنها الأمراض خاصة متصورين أن إضفاء دلالة خلقية وروحية على تأثيرها من الأمية عند المؤمنين بالأديان وما تدعو للاعتبار به .وطبعا قد يكون كلامهم محقا إذا فهم الاعتبار بمعناه المباشر تأويلا للأحداث الطبيعية. سأنتهز فرصة كورونا لأبين أن الاعتبار بالأحداث الطبيعية ودلالتها بالنسبة إلى مصير الإنسانية لا ينبغي أن تضحك أدعياء العلم والحداثة لأن ضحكهم دليل على بساطة رؤاهم وسخفها. ذلك أنهم لا ينكرون أن قيام الإنسان العضوي والروحي ليس بمعزل عما يجري في الطبيعة :فمنها غذاؤه ومنها نفسه وبقاؤه. ولو يتغير الطقس بحد معين لأصبحت الارض غير قابلة للسكنى. فهل ترى ذلك يكون من دون تأثير متبادل بين الحضارة والطبيعة؟ والقصد بالحضارة جملة أفعال الأنسان التي يضيفها إلى الطبيعة. هل تلويث المحيط الطبيعي مؤثر أم غير مؤثر في الإنسان؟ أليس ما يحدث فيها شبه رد فعل منها على ما يدخله عليها مما يتوهمه من شروط حياته وبقائه وقد يكون مفعولها عكس ذلك تماما؟ ابو يعرب المرزوقي 8 الأسماء والبيان
-- وهل تلويث المحيط الثقافي مؤثر أم غير مؤثر فعلا ورد فعل أم لا؟ ما يحدث للإنسان من حيث شروط بقائه العضوي في علاقة بتلويث الطبيعة وشروط بقائه الروحي في علاقة بتلويث الحضارة هما إذن الوسيط بين ما يحدث في الطبيعة وما يحدث للإنسان فتكون هذه العلاقة من علل الأمراض مثلا؟ وما يتناساه ادعياء العلم والحداثة عندما ينفون الاعتبار بما يجري في الطبيعة وتأويله هو ما له من دلالة مهمة جدا. مم يسخر المتعالم والحداثي من التأويل الشعبي المباشر لما ما يجري في الطبيعة واعتباره دليل غضب إلهي أو عقاب على جرائم بعض البشر؟ فهل هم بهذه السخرية يجعلون فكرهم علميا وحداثيا كما يتوهمون؟ أليس في ذلك اضعاف لأحد أسباب المناعة الروحية للجماعات والقدرة على الصمود أمام النكبات مع ما قد يترتب عليه من تجنب التلويث المادي والروحي للطبيعة والحضارة؟ فما يبدو كذلك عند العامة وعند ناقديها ممن يدعون أنهم خاصة فيحتجون بالعلم والحداثة. لكن الامر يختل إذا تجاوزنا الفهم المباشر .أذكر أني خلال مقامي في كوالالمبور سمعت كلاما كثيرا عن التسونامي الذي حدث حينها وعن صمود المساجد وتأويل التسونامي على أنه عقاب على فساد استثنيت منه المساجد الاسلامية. وطبعا فهذا من الفهوم المباشرة لعلاقة حدث طبيعي بدلالة خلقية وروحية. لكن فلننح التأويل المباشر ولننظر في الأمر بجد. ابو يعرب المرزوقي 9 الأسماء والبيان
-- ولنأخذ المجرى الطبيعي والمجرى الحضاري بوصفهما مجريين متوازيين ولنسأل هل يمكن أن يكونا غير متبادلين التأثير والتأثر؟ هل التلوث الذي وصل إلى حد عسر التنفس في الصين لا يحدث \"هشاشة\" عضوية عند الإنسان؟ أليس لهذا علاقة بين حدثين طبيعي وحضاري ينتج عن تفاعل هو هشاشة الطبيعي في الإنسان؟ وإذا أخذنا تنظيم النسل في الصين وما ترتب عليه من انعكاس النسبة بين الشيخوخة والشباب ألا يؤدي ذلك إلى هشاشة ديموغرافية تجعل أي مرض أكثر تأثيرا عندهم منه عند الشعوب التي تنعكس فيها نسبة عدد الشباب إلى عدد الشيوخ؟ وهل يعتقد أحد أن المرض وهو طبيعي لا يتفاعل مع ما حضاري في تنظيم النسل؟ كلامي على كورونا في الصين وفي إيران أشرت فيه إلى عامل الزحام في الصين وعامل المتعة والتقرب للأضرحة في إيران وما يجمع بينهما من تلامس يساعد على الانتقال السريع للعدوى كانت محاولة لوصل أمرين أحدهما طبيعي والثاني ثقافي في الحالتين .بيان العلاقة بين البايولوجي والانثروبولوجي يؤكد العلم ويعمق التفسير العقلاني للظاهرات ولا ينفيه. فمثلا لماذا كان انتشار كورونا في المناطق الأثرى في إيطاليا أكثر وأسرع منه في الأماكن الأفقر؟ أليس لأن الاماكن الأغنى عادة ما يكثر فيها من يصل إلى أرذل العمر بسبب الرعاية الصحية والغذاء المفيد فتكثر فيهم الهشاشة العضوية وفيروس الكورونا يؤثر في الشيوخ أكثر من تأثيره في الشباب؟ وما علاقة ما يجري في أمريكا بالبدانة مثلا؟ ابو يعرب المرزوقي 10 الأسماء والبيان
-- نفس المشكل :مشكل العلاقة \"طبيعة حضارة\". هل العادات الغذائية وعادات السلوك الجنسي وعادات تعاطي المخدرات والمسكرات وعادات النظافة وعادات التعامل مع المحيط ليست أمورا حضارية مؤثرة في الطبيعة؟ هل يحق لنا أن نهمل رد فعل الطبيعة عندما تتدخل الصناعات في تحويل الأغذية تحويلا قد يجعلها تصبح سامة تأثيرا لامتناهي الصغر فلا ندرك مفعوله إلا بعد فوات الفوت؟ إذا أدخلنا هذه العوامل ولم نأخذ كلام الشعب على العلاقة بين ما يجري في الطبيعة والمعتقدات على عفويته سنكتشف أن كلام العامة أكثر قربا من العلم من كلام ادعياء العلم والحداثة ممن يسخرون من القول إن للأمر صلة بما يتجاوز تفسير عالم الشهادة وكأنه منفصل عن عالم الغيب بل بينهما تبادل. فلو أخذت آية تدمير القرى عندما يفسق المترفون. لو قرأتها مباشرة لجاز لأدعياء العلم السخرية من فهمها الشعبي. إنها في الحقيقة كلام على ما حاولت تحليله. فالكورونا مثلا ليس عقابا مباشرا للمترفين بل إن تأثيرها يتحدد بما بين الطبيعة والحضارة من تفاعل لا يقتصر على الفاعلين بل يشمل الجميع .وهل يمكن فهم الرعب الأوروبي الحالي من كورونا دون وصله بعلة أعمق هي مشكل الديموغرافيا والخوف على الهوية بالشيخوخة وما يكاد يكون توقفا عن التكاثر؟ فمن يلوث الطبيعة ماديا ومن يلوث الحضارة روحيا ليسوا الجميع. ابو يعرب المرزوقي 11 الأسماء والبيان
-- لكن ما يترتب على التلويثين يشمل الجميع .وهو يوحد الكرة الأرضية بل والمجرة كلها فيكون الفاعل قليلا والمفعول به كثيرا ومن ثم فالتهديم يتأصل في التعمير الذي هو فساد في الأرض وسفك للدماء. ومعنى هذا يهمل لأن مفعوله خفي وغير محسوس .فجل ما يستورده العرب من الأغذية مثلا ليس مضمون السلامة الصحية. وقد خصص ابن خلدون فصلا مطولا للترف الذي يعتبره علامة على احتضار الحضارات. وأشار إلى مفعوله الاقتصادي والثقافي .فاقتصاديا هو فقر الكثرة وغنى القلة وثقافيا هو فساد عادات الغذاء مثل كثرة البهارات وعادات الجنس مثل كثرة المثلية .وأبرز علامة فساد الزراعة وشروط الحياة السليمة. وقد يعجب القارئ إذا قلت إنه حتى ما يبدو تقدما حضاريا موجبا مثل تقدم الطب والادوية فهو في النهاية ضار للحياة الإنسانية لأنه يؤدي إلى هشاشة كيان الإنسان العضوي الذي يعيش بالأدوية أكثر مما يعيش بمناعته الذاتية .وهذا يؤدي إلى أن الأمراض نفسها تتطور بحيث تصبح الفيروسات والجراثيم أكثر فتكا. وفي الجملة فإن ما أردت قوله هو أن أدعياء العلم والحداثة هم ذو الرؤية العامية عندما يعتقدون أن العلم عندما لا يعلم حدوده يبقى علما .فليس العلم محيطا وليس صحيحا أن معتقدات الشعوب إذا فهمت كما ينبغي أن تفهم حائدة عن ضرورة اعتبار هذه التفاعلات التي لا ينكرها إلا دعي. إنها شرط المناعة الروحية. ابو يعرب المرزوقي 12 الأسماء والبيان
-- وقد رأيت في أسواق كوالالمبور كيف يعيش الصينيون ونظام الغذاء عندهم وعجبت حقا مما رأيت. فالكثافة وأكل أي شيء وعدم النظافة وكثرة البهارات والمقليات حتى الموز مقلي كل ذلك لا بد وأن يكون له أثر كبير على علاقة الطبيعة بالحضارة ومن ثم فهو \"وسط\" مقو للأمراض وتحريك الفيروسات والجراثيم. فإذا أضفنا الصناعات الملوثة التي نقلها الغرب إلى الصين والهند وإلى أي بلد عمالته رخيصة الكلفة فهمنا ما قد يترتب عليهما من أمراض يقابلها من هشاشة تستفيد فيها الفيروسات والجراثيم من هشاشة الفقر والغنى :لأن التغذية ضارة إما بضعفها أو بقوتها إذا بلغا حدا لا يناسب شروط الحياة السليمة .فالجوع والشبع بحد معين يمثلان أهم علل الهشاشة العضوية. ابو يعرب المرزوقي 13 الأسماء والبيان
-- تكلمت على الكورونا مرتين وهذه الثالثة. في المرة الأولى ركزت على محفزات العدوى. وهي مبنية على محفزات التلامس بين الأبدان إما بالاكتظاظ البشري أو بالعلاقة الجنسية خاصة. والأول يشمل كل أنواع الاكتظاظ سواء لعلة ديموغرافية أو لمناسبات التجمع التي تحقق الازدحام والتلامس .والعلة الثانية معلومة. وفي المرة الثانية ركزت على التفاعل بين العاملين الطبيعي والحضاري لبيان دور الثاني في الأول للرد على من ينفي هذا الدور رغم أنه من مميزات عصر العولمة وما ترتب عليها من تلويث للطبيعة وللثقافة وسيطرة الاقتصادي المادي على الثقافي الروحي سيطرة جعلت التعمير يتحول إلى تدمير الطبيعة والإنسان بصورة معولمة. وعلة هذا النكران عند أدعياء الحداثة هي خرافة \"العقلانية\" والعلم وكفايتها لتفسير ما يجري وإلغاء المعتقدات التي توجد في ثقافات الشعوب لكأنه يمكن تصور حضارة من دون هذا العامل المؤثر ربما أكثر من كل شيء حتى لو سلمنا للملحدين أن الأديان من صنع الإنسان اتباعا لفيورباخ وخرافة الاستكمال الوهمي. فلا يوجد عالم له دراية بعلم النفس الفردي والجمعي ينكر أن للمعتقدات دورا كبيرا في المناعة العضوية وأن الادوية الكيماوية ليست كافية لعلاج أي مرض لأن المعتقدات تشبه المعنويات في الحروب. ابو يعرب المرزوقي 14 الأسماء والبيان
-- والأمراض حرب مع الفيروسات والجراثيم ومن دون معنويات يحصل ما يحصل لأي جيش فقد معنوياته فينهزم بسرعة كما حصل للجيش المصري في 67وكيف استعاد شروط النصر بالعودة إلى \"الله أكبر\" شعارا كان له أثر في بداية الانتصار الموالي. والجامع بين المرتين السابقتين في كلامي على الكورونا هو بيان أن من يخرف في هذه القضية ليس العامة بمعتقداتها بل من يعتقدون أنفسهم خاصة بإيديولوجيتهم. فحصر التفسير في الوجه المزعوم علميا وحداثيا في شكله الكاريكاتوري الذي يطلقه هو اعتبار مسألة كورونا مثلا قضية تخص الأطباء والبايولوجيين والاستثناء الكاريكاتوري لأمور جوهرية في سلوك البشر وعلاقتهم بالطبيعة والحضارة. والأمور الجوهرية على نوعين فبعضها ينتسب إلى العلوم الإنسانية أعني علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا .وهما علمان لا ينتسبان إلى علوم الطبيعة بل ينتسبان إلى علوم الحضارة .ويبدوان عديمي العلاقة بمقاومة ما يترتب على الظاهرات الطبيعية .لكنهما جوهريان فيه كما بينت لأن لسلوك الإنسان وعاداته الغذائية والجنسية وتجمعاته فردا وجماعة أثرا كبيرا في سلوك الأمراض وعلاجها. وقد يقبل دعي العلمانية والحداثة-وهما كاريكاتوريان في بلادنا -لأن العلماني والحداثي في الغرب متواضع ولا يدعي الأطلاق في المعرفة العلمية واستثناء دور ما عداها ولذلك فلا يعتبر من العيب أن يقول لا أدري -قد يتنازل ويقبل على مضض هذا الدور للعلوم الإنسانية. لكنه سرعان ما \"يحرن\" إذا كلمته على دور المعتقدات الدينية التي يتوهمها خرافية. ابو يعرب المرزوقي 15 الأسماء والبيان
-- ولا يدري أن الخرافة التي تسيطر عليه -ولأجل سلطانها العجيب عليهم -اعتبرت الحداثي العربي الذي يدعي العقلانية أكثر اعتقادا في الخرافات الأيديولوجية من العامي المؤمن بالمعتقدات الدينية. لذلك فهو كاريكاتور من الحداثي وخاصة إذا زعم أنه عقلاني. وقد ضربت مثال الحرب بقصد :فكل الجيوش التي ليس لها عقائد تنهزم في الحروب مهما تسلحت. والأمثلة لا تكاد تتناهى :فجيوشنا لا ينقصها التسليح بل الإيمان بقضيتهم. ولعل آخرها انتصار طالبان على أمريكا. وانتصار أنصار الله على التحالف وانتصار اسرائيل دائما على جيوش العرب مجتمعة بعد أن جعلوها كأعجاز نخل خاوية وانتصار فياتنام على أمريكا وانتصار الجزائر على فرنسا وانتصار المختار على الإيطاليين :وهنا ينبغي فهم معنى الانتصار بمعناه الذي عرفه كلاوسفيتز. صحيح أن فرنسا احتلت الجزائر وإيطاليا احتلت ليبيا وأمريكا احتلت فياتنام .لكن فرنسا وإيطاليا هما من هزم في الغاية لأن ما سعتا إليه لم يتحقق. كيف؟ لم يتحقق الانتصار كما يعرف في الحروب بين الامم .فلا تهزم أمة ما لم تفقد القدرة على الصمود فتستأنف المقاومة حتى تنتصر .وهذه القدرة هي سر الحياة وعلة كل نصر في الحروب مع الاعداء ومنها الفيروسات. بعد كلامي على كلامي على الكورونا في المرتين السابقتين ،أمر الآن إلى الكلام عليها هذه المرة وهي الثالثة وقد يتلوها مرتان اخريان إن شاء الله. ابو يعرب المرزوقي 16 الأسماء والبيان
-- في هذه المرة أريد أن أصف فيروسا يكاد يكون الآن مستعملا ضد المسلمين عامة والعرب منهم خاصة والاسلاميين منهم على وجه أخص :فيروس الاستبداد والفساد السياسيين اللذين يحاربان المسلمين والعرب والإسلاميين منهم خاصة وما يترتب عليهما من فقدان الأمة المناعة المادية والحصانة الروحية. سيقال أنت تبالغ حتى صرت تستعمل استعارة التسمية فتدعي أن ما تتكلم عليه هو نوع من الفيروسات وليس ظاهرة من طبيعة ثانية. ولا بد أن ألجأ كعادتي-وليس هروبا من تحمل مسؤولية رأيي بل تأسيسا لرؤية جديدة تمكن من فهم ثراء فكرنا الماضي مع فهمه فهما مناسبا لعصرنا-ألجأ إلى ابن خلدون كما فعلت أمس في كلامي أمس على أثر الترف في رؤيته لشرح معنى العلاقة بين الطبيعي والحضاري في فهم تأثير كورونا. فابن خلدون يعتبر الاستبداد والفساد ظاهرة طبيعية تستفحل بسبب عدم علاجها الحضاري. وهذا طبعا مما لا يستطيع كاريكاتور الحداثة عند العرب فهمه. فالحمق يجعلهم لا يفهمون نظرية ابن خلدون الذي يتصورون الرفع من شأنه عندما يتكلمون على سبقه في ما لا يعد شيئا بالقياس إلى ثورته :كيف يكون الاستبداد والفساد ظاهرة طبيعية تنتج عن عدم علاجها الحضاري؟ سيتهم ابن خلدون الذي تجاوز القشور بانه يخرف وغير عقلاني وغير حداثي مثله. أما إذا علم الحداثي العربي أن ابن خلدون ينسب الاستبداد والفساد إلى ما يسميه \"حب التأله\" فهو سيجن\" .حب التأله\" هو الظاهرة التي تولد الاستبداد والفساد في نظرية ابن خلدون .ولذلك فهو يصنفه إلى نوعين: ابو يعرب المرزوقي 17 الأسماء والبيان
-- .1حب التأله السياسي هو ظن الحاكم أنه صاحب قدرة مطلقة. .2وحب التأله المعرفي عقليا كان أو عرفانيا وهو ظن العارف أنه صاحب علم محيط. كلاهما ينسب إلى نفسه ما لا يصح إلا على الله وحده :القدرة المطلقة والعلم المحيط. ولذلك فليس من الصدفة أن جل الحداثيين العرب يدعون العلم المحيط ويحالفون المستبدين الذين يدعون القدرة المطلقة. إنهم متحالفون ذاتيا وموضوعيا مع الاستبداد العربي أعني التقاء بعدي الجاهلية أي الجهل المعرفي والجهالة السياسية .فالأول يتوهم أن علمه محيط وأنه حسم في الأديان يعتبرها مجرد أساطير الاولين أو خرافات كما قال فيورباخ والإنسان هو الذي خلق الإله وليس العكس. وغالبا ما تجدهم أكثر مثقفي العالم أمية إذ لا يوجد عالم يصدق أن الماركسية علم. وما يقال عن كاريكاتور الحداثة العربية يقال أيضا عن كاريكاتور الاصالة :كلاهما جامية إما باسم الدين أو باسم الفلسفة المحرفين. ولا حاجة للكلام على جهل جل الحكام العرب إن لم يكونوا كلهم .فحتى من يبدون متعلمين منهم وخريجي جامعات غربية فإن تعلمهم لم يفدهم في شيء لأنهم جميعا منتحلو صفة. فلا يمكن أن يدعي أحد أنه ملك أو أمير أو شيخ على \"دولة\" ذات سيادة وهو عاجز حتى عن الحد الادنى من رعاية شعبه وحمايته وحتى نفسه لأنه يحتمي بمحتل أجنبي. وحتى حكام \"المحميات\" العربية التي تعتبر غنية فهي أكثر تبعية حتى من \"المحميات\" العربية الفقيرة. ابو يعرب المرزوقي 18 الأسماء والبيان
-- فالمعلوم أن مفهوم الدولة ينعدم بمجرد انعدام السيادة رغم أن التعريف القانوني السائد لا يشترط ذلك في تعريفها. والسيادة تعني القدرة على رعاية الذات وحمايتها. ولا توجد \"محمية\" عربية واحدة من المحيط إلى الخليج حائزة على أي من هذين الصفتين. وإذن فالكلام على حكام عرب مزحة إذ لا يمكن لقبيلة مهما بدا عليها من الثراء أن تكون دولة. إنهم إذن طغاة على شعوبهم نصبهم حام أجنبي مسيطر على كل شيء وإن أبقى لهم على شكليات توهمهم بأنهم حكام .لكنهم مجرد رعاة لمصالحه في أقطار \"فصلها\" سايكس بيكو لتكون تابعة بنيويا. وحتى لا يظن بي أني اعرض بالعرب الآخرين وأنسى بلدي فكلنا في الهوى سواء :تونس بلد متسول في الرعاية وفي الحماية. والمتسول لا يمكن أن يكون سيدا. ومن ثم فهي ليست دولة بل هي محمية. وهي الآن محمية أكثر مما كانت لما كان الاستعمار الفرنسي المباشر موجودا على أرضها. اليوم المقيم العام الفرنسي أقوى بكثير من سابقه لأن ما كان ممنوعا سابقا صار ممكنا له حاليا أعني التدخل حتى في التربية والثقافة الروحية للجماعة. لن أطيل في وصف هذا الداء .فما أظن النخب العربية تجهله حتى وإن غلب عليهم تجاهله. ولعل أفضل مثال هو العراق. ابو يعرب المرزوقي 19 الأسماء والبيان
-- فلا أحد ينكر أنه أغنى بلاد العرب في كل شيء طاقيا ومائيا وحتى حضاريا لأنه أهم حتى من مصر في هذا البعد الثاني بسبب ماضيه في التاريخ القديم ودوره في تاريخ الإسلام لكن الاستبداد والفساد نخره فجعله دون الصومال .والعلة بينة فهو مستعمر من قوتين: إيران وأمريكا. ونخبه الحاكمة والفكرية دمى تحاول ترضية كلا المستعمرين .لكن ثورة الشباب العراقي ستغير ذلك. سأكتفي ببيان أن ظاهرة الاستبداد والفساد مثلها مثل كورونا هي ظاهرة فيروسية لم تجد لها الحضارة الاسلامية بعد علاجا أو بصورة أدق لم يفهم علماء الأمة منذ البداية العلاج الذي قدمه الإسلام وجانبوه لأنهم قلبوا دلالة معاني القرآن ولم يفهموا ما حاول ابن خلدون بيانه في كلامه على العلاج السياسي لهذا الفيروس الطبيعي :فعلوم الملة الغائية الخمسة انحرفت عما حدد القرآن مهامه (التفسير أصلا للعلمين النظريين أي الكلام والفلسفة وللعلمين العمليين أي الفقه والتصوف). وأول خطأ حال دون علاجه في العصر الحديث أي في ما يسمى \"الإسلام السياسي\" هو في التأويل الخاطئ لتاريخنا السياسي وخاصة في خرافة المقابلة بين عصر الراشدين وما تلاه بعد الفتنة الكبرى محملين مسؤولية ذلك إلى معاوية والدولة الأموية وخرافة الحل الشيعي الذي يريد أن يثبت أن الحسين هو الذي كان على حق ضد يزيد وهلم جرا من لعن الحجاج بن يوسف إلخ.. فأولا العهد الراشدي ينبغي أن الا يقاس عليه أي عهد لأنه عهد تأسيس لأمر عسير الفهم :ثورة الإسلام التي لو فهمت كما ينبغي أن تفهم لكانت قطيعة فعلية مع ما كان سائدا وخاصة في علاج فيروس الاستبداد والفساد .إنه العهد الذي كانت الأمة فيه تبحث عن ابو يعرب المرزوقي 20 الأسماء والبيان
-- الحلول التي تنقل التصورات القرآنية إلى مؤسسات .وإذن فهو ليس عهد مؤسسات قابلة للتقييم السياسي حتى يقاس عليها الإصلاح أو يحاكم ما حصل بعدها لما صار للمسلمين دولة فعلية وهي بالأساس الدولة الأموية التي كانت تعتمد أسس الحكم التي تقتضيها ضروراته في العالم. وفضل معاوية في ذلك وكذلك الدولة الأموية أنها لم تعطل الشريعة بل طوعتها بالتأويل حتى تبقى على شكلياتها حتى وإن لم تحافظ على جوهرها الذي لم يكن مفهوما الفهم الذي يحوله إلى مؤسسات سياسية تعالج الاستبداد والفساد. والمثال الأوضح هو \"حرية\" البيعة .فقد حافظت الدولة الأموية على شكل البيعة وتخلت عن شرط شرعيتها أعني كونها لا تكون شرعية إلا إذا كانت حرة. لكن الشورى لم تطبق كذلك في عهد الراشدين ولم يكن بالوسع تطبيقها بغير ما طبقت به أعني الاقتصار على الأعيان بجعلها شبه فرض كفاية بدلا من حقيقتها فرض عين. وإذن فالمقابلة بين حكم الراشدين وحكم الدولة الأموية فيه مبالغة تفسد استراتيجية الإصلاح لأنها أفسدت الرؤية السياسية من الأساس وهي إذن من الأوهام التي تجعل عهد الراشدين عهد ملائكة وعهد الدولة الأموية عهد شياطين. وجوهرها في الحقيقة هو تعميم الأكاذيب الشيعية التي صدقها \"الاخوان\" (مثل السيد قطب) وقبلهم مسلمو الهند (مثل المودودي). لكن ابن خلدون كان له من الحكمة والنفاذ الذهني ليدرك أن ذلك لا معنى له وحتى يخلص الفكر السياسي الإسلامي منه وضع نظرية \"عدم\" التأثيم السياسي. ففي فصل البيعة من الباب الثالث عالج ابن خلدون قضية الحروب الأهلية الخمسة التي وقعت بعد الفتنة الكبرى وحاول أن يحرر الفكر السياسي الإسلامي من توهم ان السياسة ابو يعرب المرزوقي 21 الأسماء والبيان
-- خاضعة لمنطق عدم التناقض والثالث المرفوع بحيث يتلاقى فيها الحق والباطل كما في نظرية المعرفة التي كانت سائدة في عصره :لها منطق متعدد القيم. ولا يحررها من الاستبداد والفساد إلا هذا الحل الخلدوني .فكل القضايا السياسية تخضع لمنطق الاجتهاد المتعدد الذي يتجاوز منطق أرسطو ذي القيمتين إلى منطق الاجتهاد ذي القيم المتجاوزة لقيمتي منطق أرسطو والذي يثاب فيه صاحبه ما صدقت نيته وقصده سواء اصاب أو لم يصب. وابن خلدون يعتبر الصواب وعدمه غير محددي الجهة بل ويذهب حتى إلى نفيهما في السياسة التي هي مقاربات نحو حل لمسألة مصلحية عامة وليست بحثا عن الحقيقة والباطل. وقد سمى هذا الحل الابستمولوجي بـ\"عدم التأثيم\" في الاجتهاد السياسي حتى يقلب صفحة الحروب بين الصحابة .فاعتبر الحسين من حيث الدوافع الدينية يبدو على حق. لكنه على خطا من حيث الاجتهاد السياسي بمعنى أن خياره السياسي لم يكن الحل المناسب للظرفية السياسية. فلا يمكن للمعارض أن يخرج على الدولة إذا كان خروجه سببا في ضرر أكبر من الضرر الذي يريد علاجه :الحرب الاهلية التي تسبب فيها بدعوى استرداد حق ليس له أساس لأن الرسول لم يوص آل البيت على حكم الأمة بل أوصى الأمة على آل البيت لحمايتهم بعد فقدانهم سند الرسول (تحريف وصية الغدير). والحل الذي يعتبر سياسيا مناسبا للظرفية هو الحل الأموي الذي له أساس حتى في الشريعة الإسلامية. ابو يعرب المرزوقي 22 الأسماء والبيان
-- فمبدأ \"الضرورات تبيح المحظورات\" مبدأ قرآني أصيل ليس خاصا بالمحرمات العقدية كما في الاكل والشرب فحسب بل وكذلك في ما هو أهم منها وهو المحرمات السياسية مثل ما يسمى في الفلسفة السياسية أعني الفتن وضرورة اللجوء إلى \"حالة الطوارئ\" لحسمها. كانت الامة في حروب أهلية انتهت بأبشعها وهو القضاء التام على بني أمية وتهديم دولتهم -بين ام المؤمنين وعلي وبين معاوية وعلي وبين ابن معاوية وابن علي وبين عبد الملك وابن الزبير -وكان لا بد من حالة طوارئ تعطل مؤقتا الدستور القرآني حتى تخرج الأمة من الحروب :وهذا علاج حضاري لمشكل حضاري بايولوجي لأن الحرب الأهلية علتها فقدان مبدأ عدم التأثيم. فما كانت الأمة تدخل في حروب لو كانت تعلم أن السياسة -كما بين ابن خلدون -لا تخضع لمنطق الثالث المرفوع وأن المقابلة ليست بين الحق والباطل بل بين اجتهادات في تصورهما. ومن ثم فالواجب يقتضي أن يحصل حوار يوصل إلى حلول مؤسسية تنظم الاجتهادات لاختيار الأصوب لحل المعضلات المطروحة لتجنب \"حب التأله\" أصل الاستبداد والفساد في غياب العلاج السياسي المؤسسي. ولست أعجب من ذلك لأن الأمة كانت تبحث عن حلول للتوفيق بين المعاني القرآنية التي كانت شديدة التقدم على العصر وكان من العسير ترجمتها المؤسسية. فهي معان غير مسبوقة ومن ثم فهي لم تكن يسيرة التحقيق :جمعت بين مفهومين فلسفيين أساسيين. فالآية 38من الشورى حددت طبيعة الحكم ثم أسلوب إدارته فجعلت الطبيعة أمر الجماعة وجعلت الأسلوب إدارة الشورى فرض عين. ابو يعرب المرزوقي 23 الأسماء والبيان
-- والدليل أن الإسلام السياسي متعثر إلى الآن لأنه ما يزال دون هذه المعاني القرآنية ودون فهم ابن خلدون حول الداء الطبيعي (حب التأله) وعلاجه السياسي. وعندما أسمع بعض الإسلاميين يفاخر بأن المسلمين كان فيهم من يقول لعمر والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف أفهم علة التخلف الحالي .فقد افهم هذه الرؤية في ذلك العهد. لكن الفخر به اليوم دليل عدم فهم علته وضرره خاصة .تقويم الحكام يقتضي دائما الحرب الاهلية والشعب المسلح. فالحكمة السياسية هي إبداع المؤسسات التي تجعل تقويم الحكام هو بدوره ثمرة عمل مؤسسي وليس مبادرات فردية .وعمل المؤسسات يجعل التغيير مؤسسيا وليس صداما بالقتال. ومن أمثلة ذلك أن الخليفة عثمان كان يعتقد أنه عين خليفة وأن حكمه هبة إليه عليه أن يحافظ عليها طيلة حياته .وهو ما يعني أن مؤسسة الخلافة ما زالت بدائية ولم تتطور بحيث تصبح مدة حكم الخليفة محددة مثلا وأسلوب حكمه قابلا للتقييم فيكون عزله ممكنا ومن جنس تعيينه فلا تكون البيعة مطلقة. وما يعنيني ليس المفاضلة بين الراشدين وغير الراشدين -وهي مفاضلة خاطئة تخرج مرحلة من تاريخ الأمة من سنن التاريخ وابن خلدون يرفض ذلك بل وحتى مرحلة حكم الرسول نفسها فهو يطبق عليها مبدأ الحاجة إلى العصبية أصلا للشوكة لأن الشرعية وحدها لا تكفي لوجود الدولة فضلا عن بقائها ونجاحها في القيام بمهامها .ما يعنيني إذن هو طبيعة العلاج السياسي لنفس المشكل. ابو يعرب المرزوقي 24 الأسماء والبيان
-- ففي ما يسمى بعهد الراشدين لم توجد بعد المؤسسات التي تمكن من تطبيق الشورى 38 تطبيقا مؤسسيا يجعل الأمر أمر الأمة ويجعل ممارسته ممارسة الشورى لعلاج القضية الاقتصادية الاجتماعية جوهر السياسة. وفي ما يسمى بالملك العضوض عولج الأمر بما كان موجودا في الاقليم قبل الإسلام وحاول العلماء تبريره بحيل شرعية .وما كان موجودا نوعان من التنظيم السياسي-1 :الأول مزيج من النظام الفارسي والبيزنطي وهما متقاربان بنيويا لما لهما من صلة بمزيج يوناني مسيحي والاول بمزيج يوناني زرادشتي. وهما المؤثران في الأموية. لكن ما حد من تأثيرهما عند السنة غاب عند الشيعة. فالأمويون لم يجعلوا ما أخذوه من أنظمة العصر مسيطرا بل غلبوا عادات القبلية العربية مع عدم التصادم مع شكليات الفقه ومن ثم فهم لم يعتبروه جزءا من العقيدة بل هو مجرد اجتهادات لتنظيم الصالح العام بلغة ابن خلدون. أما الشيعة فما أخذوه عن فارس وبيزنطة اعتبروه من العقيدة فكان تحريف رؤية الإسلام عندهم أخطر من تحريف السنة لها :لأنه أعاد ما نفاه القرآن نفيا صريحا أعني سلطة الوساطة الروحية وسلطة الوصاية السياسية أو الحكم بالحق الإلهي. وها نحن الآن أمام فيروس الاستبداد السياسي والفكري إما كأمر واقع عند السنة لأنه ليس من العقيدة أو كأمر واجب عند الشيعة لأنه من العقيدة. وعنهما ينتج حتما الفساد لأن الفساد ملازم للاستبدادين. وعلة التلازم هي أن المستبد لا يحتاج للحجة والمنطق لأنه يعوض ما لهما من فاعلية في تكوين القوى السياسية بشراء الضمائر وهو أصل كل فساد فصاحب المال يشتري صاحب الفكر فتضيع اخلاق الأمة وتصبح كل القيم بضاعة أو خدمة للبيع والشراء. ابو يعرب المرزوقي 25 الأسماء والبيان
-- وبهذا المعنى فالعلاج الذي يقدمه ابن خلدون هو علاج حضاري لداء طبيعي. فالداء هو حب التأله عند الحاكم سياسيا وعند العارف فكريا. وهو يضرب مثال التصوف وعباقرة الابداع في الشعر والأدب والدراية السياسية للوزراء والمستشارين .والعلاج هو السياسة ببعديها أي التربية التي لا تعتمد عنف الوساطة الروحية ليكون الإنسان حرا فيتكون لديه الوازع الذاتي والحكم الذي لا يعتمد عنف الوصي السياسي ليكون الإنسان حرا فيتكون الوازع الأجنبي الشرعي أي قوة القانون وليس قانون القوة. فيكون العلاج الخلدوني مبنيا على نوعي المؤسسات التي تكون الإنسان من حيث هو إنسان ذو وزع ذاتي أو الضمير الخلقي والديني ومن حيث هو مواطن ذو وزع خارجي أو أجنبي هو القانون والشوكة الشرعية أو ما يسمى الآن بالعنف الشرعي للدولة. إنهما العلاج الحضاري الذي لم نوفق فيه ضد فيروس الاستبداد. وهنا نكتشف علة العجز عن التصدي. إنه ما أشرت إليه من تبعية بنيوية لما يسمى بالدول العربية انتحالا للاسم في غياب المسمى. فلا يمكن لمحميات فاقدة لشرطي الرعاية والحماية أن تكون دولا ذات سيادة بحيث تستطيع أن تصلح شأنها فتصبح قادرة على علاج فيروس الاستبداد لأن الحكام مفروضين فرضا. فالحامي لم يعد يكتفي بفرض إرادته في ما يتعلق بمصالحه المباشرة بل يريد تأبيدها بالتدخل في الخيارات التربوية والروحية ليصنع الإنسان المسلم كما يريد لتأبيد التبعية. ابو يعرب المرزوقي 26 الأسماء والبيان
-- كيف يمكن أن تصلح أمر مصر وليبيا والسعودية وسوريا والعراق وتونس إلخ ...ولا أحد من حكامها يمكن أن يكون باختيار شعبها؟ بل أكثر من ذلك صار جل حكام العرب مزدوجي الجنسية صراحة أو ضمنا .ففي المغرب الكبير فرنسي في المشرق امريكي أو انجليزي وفي الغالب من عملاء مخابرات بلد الجنسية الثانية؟ فإذا أضفت التدخل في التربية وفي القيم الاسرية والأخلاق العامة تبين أن الاستبداد والفساد مضاعف :فهو داخلي بيد الحكام والمربين وهو خارجي بيد من يعينهم ويفرض عليهم استراتيجية تؤبدهما. وما كان ذلك يكون كذلك لولا سايكس بيكو .يعجب الكثير من هذا الكلام. لكن فلنحاول فهم الفرق بين حركة النهوض قبل سقوط الخلافة العثمانية وبعدها. فحركة النهوض لم تنتظر غزوة نابليون-وهم من أكاذيب مثقفينا الذين جعلوا النهوض رهن الغزو وحتى يثبتوا خرافة مصر أم الدنيا وهي ليست حتى أم نفسها -بل هي بدأت منذ أن حاول ابن خلدون وقبله أعلام الحركة النقدية لانحرافات علوم الملة -وخاصة الغزالي وابن تيمية. ألم يكن فكر النهضة منذئذ محاولة لفهم سر اتجاه حضارة الأمة نحو الانحطاط المتزايد في تاريخ الملة خاصة؟ والثلاثة الذين أعنيهم كانوا معاصرين للحروب الصليبية (الغزالي) والمغولية (ابن تيمية) والاستردادية (ابن خلدون). وهل كنت أخصص القسم الثاني من رسالة الدكتوراة للأخيرين والماجستير للأول لو لم يكن همي فهم محاولات النهوض بدارا؟ ألم يكن ابن خلدون خاصة قد لاحظ الانحطاط في ضفة المتوسط الجنوبية والتقدم في الشمالية؟ ابو يعرب المرزوقي 27 الأسماء والبيان
-- وهذه الملاحظة الخلدونية وحدها كافية لبيان أن السعي إلى الاستئناف قد بدأ منذئذ. وهو بدأ محاولة لفهم علل الانحطاط وكان التشخيص هو بالذات اعتبار العلاج السياسي لفيروس الاستبداد والفساد هو الغائب وحصره ابن خلدون في مسألتين :إصلاح التربية والحكم حتى يكون الإنسان حرا وكريما وليس عالة على غيره. وهل بالصدفة أن الإصلاح العقدي ضد نكوص الأمة إلى وثنية الوساطة الروحية (القبور وهي من آثار التشيع والجاهلية) وضد نكوصها وثنية الوصاية السياسية (الاستبداد والفساد) أن كانت المرجعية قبل سايكس بيكو وسقوط الخلافة في الاصلاح الاول ابن تيمية وفي الاصلاح الثاني ابن خلدون؟ فابن تيمية وابن خلدون كانا يتكلمان على أمة لم تكن بعد قد تفتتت إلى الدرجة التي صارت عليها بعد سايكس بيكو وسقوط الخلافة .فما حل بالأمة بعدهما هو ما جعل هذا العلاج العقدي والسياسي مستحيلين بعد أن كانا ممكنين وكانت النخب تعمل عليه في كل أنحاء دار الإسلام من اندونيسيا إلى المغرب. سايكس بيكو كان استراتيجية لنشر الفيروس بإضعاف المناعة المادية والحصانة الروحية. وإضعافهما يتألف من خمسة خطط استراتيجية هي سر تقوية الفيروس بإضعافهما. وسأكتفي بذكر هذه الخطط بسرعة لأني تكلمت عليها كثيرا في غير موضع: .1تفتيت الجغرافيا الإسلامية وتثبيته بحدود حديدية لمنع التعاون بين المسلمين أي شرط القوة المادية. .2تفتيت التاريخ الإسلامي لاستعادة تاريخ ما قبل الإسلام تمتنيا للتفتيت الجغرافي ومنعا للوحدة التاريخية شرط القوة الروحية. .3ما يؤدي إلى امتناع التنمية العلمية والتقنية بالتفتيت التاريخي وقتل التراث .4وما يؤدي إلى امتناع التنمية الاقتصادية بالتفتيت الجغرافي وقتل الثروة. ابو يعرب المرزوقي 28 الأسماء والبيان
-- فإذا تم ذلك: .5تصبح الحرب مركزة على العامل الأصلي في قوة الأمة أي مناعتها المادية وحصانتها الروحية .والاصل هو المرجعية الإسلامية التي توحد الجغرافيا والتاريخ فتبقي على عامل الصمود على الاقل في القلوب والوجدان .والمعلوم أن العدو لا يمكن أن يعتبر نفسه قد انتصر ما لم يقض عليه :لذلك يركزون حاليا على محاربة الإسلام بعملائهم. وها أنا قد حددت فيروس الاستبداد والفساد ما مصدره وبينت مصدر العقبات التي حالت دون العلاج السياسي للداء الذي تعاني منه الامة. وهو فيروس داخلي يغذيه فيروس خارجي :فالعالم الغربي يعاني من عقدة تاريخية إزاء الإسلام والمسلمين وهو لم يتحرر منها وما يزال خوفه من الإسلام وحضارته جنيس ما عاشه في القرون الوسطى :لذلك فالغرب يكره العرب والاتراك خاصة ويتحالف مع الباطنية التي تحاربهما من الداخل. وكانت استراتيجيته الأحدث هي فكرة التفتيت التي وصفت. فصار الفيروس داخليا وجعل المسلمين يعيشون حربا أهلية دائمة في كل شعب وفي كل قطر وأصلها فتنة من طبيعة مختلفة هي فتنة \"الصدام الحضاري الداخلي\" بين ثقافة الإسلام الاصيلة وثقافة الغرب المستوردة. وأداة هذه الاستراتيجية هي فيروس الاستبداد والفساد وهو طبيعي في كل الجماعات لكن علاجه السياسي صار مستحيلا لأن الأنظمة كلها توابع. وعلاجه السياسي حددته الآية 38من الشورى إذ اعتبرت السياسي أمر الجماعة واعتبرت أسلوب ممارسته الشورى التي هي فرض عين واعتبرت أهم مشاكل العلاج ابو يعرب المرزوقي 29 الأسماء والبيان
-- السياسي هي القضية الاقتصادية الاجتماعية (الانفاق من الرزق) .وكل ذلك يجري تحت مبدأ الاستجابة للرب الذي استخلف الإنسان واستعمره في الأرض. وهذا الحل لم يقدمه القرآن لشعب دون شعب بل للإنسانية كلها لأنه الحل الكوني ضد فيروس \"حب التأله\". فكيف يمنع ذلك على المسلمين؟ الاستراتيجية تمثلت في علاجين: .1تفتيت الاحياز الذي أشرت إليه يترتب عليه التبعية البنيوية إذ الفتات يصبح عاجزا عن شروط السيادة. .2تكليف من فقدوا المناعة الروحية بالتربية والحكم لضرب من لم يفقدوهما. ومن هنا الحلف بين النخب المستلبة فكريا وسياسيا بالمهمة .الفيروس موجود عند المستلبين والعلاج ليس ضد الفيروس بل ضد من بقي سليما منه أعني من يسمونهم توابع الإسلام السياسي أي من يرفضون تفتيت الجغرافيا وتشتيت التاريخ طلبا لشروط التنمية العلمية والتقنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي جعلوها مستحيلة بسايكس بيكو ويريدون مضاعفتها. ابو يعرب المرزوقي 30 الأسماء والبيان
-- وعدت دون التزام حاسم بأن اتكلم في مسألتين أخريين مستغلا مناسبة كورونا وعلاقة بالتفاعل بين الطبيعي والحضاري وحوامل العدوى ومسرعاتها وخاصة علاجها العلمي والروحي في الحضارات المتساوقة في المكان والمتوالية في الزمان خلال تاريخ الإنسان. وسيكونان متعلقين بالدمار الناتج عن عدوى الأفكار الموجه للحصانة الروحية. فقد مرت أمتنا بمرحلتين خطيرتين بما يمكن أن أسميه عدوى الأفكار التي تستهدف الحصانة الروحية بخلاف الفيروسات البايولوجية التي تستهدف المناعة العضوية :أولاهما تمثلها الباطنية أصل الفتنة الكبرى والثانية تمثلها الماركسية أصل ما يقبل التسمية بالفتنة الصغرى. وقد اجتمعتا حاليا في الحرب على الأمة .وكلتاهما تقبل التعريف بأمرين يبدوان متناقضين. لكنهما في الحقيقة من طبيعة واحدة رغم ما يبدو من تناقض في موقهما من المسألة السياسية ومن نظرية المعرفة والقيمة أصلا للاستبداد والفساد المطلقين. ولا يعني ذلك أن الاستبداد والفساد مقصورا على ما نتج عنهم وليس له من مصدر غيرهما إذ قد بينا أنه كما عرفه ابن خلدون يعود إلى \"فيروس\" سماه \"حب التأله\" الملازم للإنسان وهو \"فيروس\" روحي إن صح التعبير يظهر خاصة عند الإنسان الطاغية سياسيا (الحكام) والإنسان المتجبر معرفيا (المفكرون). ويعتبر علاجه ممكنا بفرعي السياسة أي بالتربية المحررة من وساطة الاستبداد الروحي وبالحكم المحرر من وصاية الاستبداد المادي. وما تتميز به الباطنية والماركسية هو التأسيس الفلسفي والمبدئي للاستبداد الروحي والمادي وما يلازمهما بالضرورة من فساد روحي ومادي باعتباره علاجا للمسألة الروحية الدينية في الباطنية وللمسألة المادية الاقتصادية في الماركسية. كلتا المدرستين تؤسس مبدئيا حلها على سلطة وساطة \"في النظر والعقد\" وسلطة وصاية \"في العمل والشرع\". سأشرع منذ الغد (من )20.03.16في البحث في كورونا الباطنية أولا (الفصل الرابع) ثم كورونا الماركسية ثانيا (الفصل الخامس) لأبين كيف أن المدرسة النقدية العربية (الغزالي وابن ابو يعرب المرزوقي 31 الأسماء والبيان
-- تيمية وابن خلدون) حاولت في الماضي تحرير فكر الأمة الأولى ولم تفلح لأنها بقيت سيدة الموقف وأن فيروس الباطنية تضاعفت في عصرنا بالماركسية لتقاسما النخب الإسلامية عامة والعربية خاصة ولا بد من العلاج. وهو ما اعتبره مهمتي الأولى في استكمال جهد المدرسة النقدية. فواضح لمن يحسن التأويل أن للداءين علاقة مباشرة بنظرية ابن خلدون في \"حب التأله\" فالرجل بلغ الذروة في التشخيص الذي شرع فيه الغزالي بنقد الفلسفة القديمة وعمقه ابن تيمية في الثورة التي ادخلها على فلسفة النظر وأتمها هو في فلسفة العمل. فحب التأله في الباطنية كما وصفه ابن خلدون مضاعف لأنه يتأسس على نظرية الأيمة المعصومين في النظر والعقد (معرفة الغيب للقطب الصوفي) وفي العمل والشرع (للإمام الحاكم). ان حب التأله الماركسي لم يكن بوسع أبن خلدون الكلام عليه .وهو حب تأله أوضح من الذي مثلته الباطني لأنه غني عن التقية التي تستعمل الدين بمعناه الفولتيري. فالباطني ملحد في الحقيقة لكنه يستعمل التقية. أما الماركسية فهي لا تخفي نفي الأديان ونفي وجود الرب. ومع ذلك فهي تعوص الأديان بالإيديولوجيا الماركسية .وتعوض الله بتأليه الطبيعة والإنسان. وتعوض الكنيسة بالحزب .واللاهوتيين بالنومكلاتورا .وتعوض الحكم بالحق الإلهي بدكتاتورية البروليتاريا. والحزب الشيوعي كنسية معلمنة .ودكتاتورية البروليتاريا حكم بالحق الإلهي معلن. وقد جمعت النخب العربية التي تدعي الحداثة بين العلمانية الماركسية والعلمانية الفرنسية. والمشترك الأساسي والأعمق بين الباطنية والماركسية هو علاقتهما المتينة بما يسمى بوحدة الوجود سواء كانت تدعي روحانية عند الباطنية ورمزها علاقتها بالتصوف المتفلسف -وهذه أيضا عرضها ابن خلدون يا له من رجل -أو طبعانية عند الماركسية ورمزها علاقتها بالفلسفة المتصوفة أو وحدة الوجود الطبعانية عند سبينوزا. ابو يعرب المرزوقي 32 الأسماء والبيان
-- والمعلوم أن هيجل حاول تعديل وحدة الوجود الطبعانية عند سبينوزا بما أراد أضافته إليها من \"تذويب\" يجعل الجوهر ذاتا أي روحا -Geist-يتصالح مع الطبيعة فيحل فيها وفي الإنسان وبذلك يتحد نوعا وحدة الوجود أو حب التأله بالمعنى الخلدوني الذي يعتبر ذلك اصلا للاستبداد ومن ثم أصلا لفساد \"معاني الانسانية\" الذي ينسبه ابن خلدون إلى الاستبداد في التربية وفي الحكم وهما بعدا السياسة التي تترتب على فيروس حب التأله. وفيروس حب التأله طبيعي في الإنسان لكنه مناف لحقيقته التي يعرفه بها ابن خلدون فيعتبره \"رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له\". وبيان هذه العلاقة يغير بصورة جذرية أوهام الحداثيين العرب الذين يجهلون علاقة ما يسمونه حداثة بما بين الفلسفة والتصوف والدين والسياسة من روابط تنفي ما يتوهمونه من قطيعة بين العصور الوسطى والحداثة. فهيجل وماركس في دعواهما تجاوز فلسفة كنط نكصا إلى الثيولوجيا ووحدة الوجود اللتين سادتا في القرون الوسطى. وقد خصص ابن خلدون لهذه العلاقات وقبله ابن تيمية والغزالي محاولات نقدية بينوا فيها ما نحن بصدده أعني ما بين الباطنية والوساطة الروحية والوصاية السياسية من علاقات وطيدة ومن اليسير بيان أن نفس هذه العلاقات هي المسيطرة على الهيجلية والماركسية سيطرة يقدرها من يطلع على دروس هيجل في فلسفة الدين. وقد نقلتها إل العربية كاملة مباشرة عن أصلها الألماني حتى يتبين لأنصاف المثقفين أن الهيجلية ليست فلسفة بل علمنة للمسيحية وأن الماركسية ليست فلسفة بل علمنة لليهودية. فيتبين أن أدعياء الحداثة-وخاصة من يجهل منهم هذه المعطيات ومن لم يفهم أن ما حاول الإسلام علاجه من تحريف للمسيحية واليهودية هو عينه ما أعاده هيجل وماركس بصوغه فلسفيا عن طريق وحدة الوجود سواء كانت روحانية بالمعنى الهيجلي أو طبعانية بالمعنى الماركسي كما يتبين من محاولة هيجل تعديلها في نصها السبينوزي-ضاربون في القدامة إلى الأذقان .فنفي ما وراء عالم الشهادة- مشترك بين هيجل وماركس اللين يردان التاريخ الإنساني إلى التاريخ الطبيعي. ابو يعرب المرزوقي 33 الأسماء والبيان
-- وكل القائلين بوحدة الوجود قائلون بالتأله حتى وإن أعطوه دلالة إيجابية بدعوى التمض للعبادة. ونفي ما وراء العالم أو ادعاء أن الحكم النهائي هو التاريخ (هيجل) هو القسورة التي يحبس البشر عندما يتحولون إلى حمر مستنفرة دائما .والكثير من القائلين بوحدة الوجود لا يخفون القول بفتوة ابليس معتبرين عصيانه الأمر عبادة. وهم يؤمنون بالفتوة التي هي عين مفهوم \"حب التأله\" في التحليل الخلدوني وهو يعتبره جوهر الاستبداد وملازمه الفساد المرادف لفساد معاني الإنسانية حتى قال إن الحكام يطبقون على أنفسهم دليل التمانع .ومعنى ذلك أن الحكام يتأله لما يستبد بالأمر وينفي الشريك في الحكم مثل الله. هذا تمهيد للكلام على العدوى الفكرية القديمة التي سيطرت على فكرنا الماضي -الباطنية وهي ما اعتبره أصل الفتنة الكبرى وعلة تحريف علوم الملة كلها .وقد عجز القدامى على علاجها رغم مساهمة المدرسة النقدية. فبقيت علوم الملة كلها دون القدرة على تحرير حصانتنا الروحية والإنسانية من الوساطة والوصاية .ثم تضاعفت بالماركسية المسيطرة على فكرنا الحديث بنفس المعنى ولكن هذه المرة بإلحاد ماركسي صريح. فالباطنية هي علة الفتنة الكبرى التي أرادت أن تعيد الوساطة والوصاية بالنظام الثيوقراطي وحصر الوجود في عالم الشهادة مع استعمال الدين بمعناه عند فولتير تقية لحكم العامة .والماركسية هي علة الفتنة الصغرى التي علمنتهما بالنظام الانثروبوقراطي مع استعمال الإنسانية تقية عند المافيات. وهما يشتركان في البنية العميقة التي هي النظام الأبيسيوقراطي أو نظام دين العجل بمعدنه (المال) وبخواره (الايديولوجيا). والآن أبدأ الكلام على الباطنية وكيف أفسدت كل محاولات الأمة في سعيها لبناء المؤسسات التي يقتضيها فهم نظرية النظر والعقد لعلاج المهمة الأداتية التي لا بد منها لتحقيق مهمة الاستعمار في ابو يعرب المرزوقي 34 الأسماء والبيان
-- الأرض كما حددها القرآن ونظرية العمل والشرع لعلاج المهمة الأداتية التي لا بد منها لتحقيق مهمة الاستخلاف فيها كما حددها القرآن الكريم :فحرفت المؤسستين عامة بإعادة الوساطة في التربية والوصاية في الحكم رغم أن القرآن صريح في الغائهما. فالقرآن بوصفه رسالة تذكير ليس هو إلا تذكيرا بما رسم في ما فطره الله عليه من قدرة على النظر والعقد ليعالج علاقته بالطبيعة مصدر حياته بالعمل على علم بقوانينها بفضل البحث العلمي الذي يدعو إليه القرآن وحدد مجال البحث العلمي. فمجاله قراءة آيات الله التي يرينها في الآفاق وفي الأنفس لتبين حقيقة القرآن (فصلت )53من حيث هو رسالة تذكير بمهمتي الإنسان في عالم الشهادة لاختبار أهليته للاستخلاف أي الاستعمار في الارض (تعميرها بعمل على علم بقوانينها) والاستخلاف فيها (تنظيمها على علم بسننها). لكن ما حصل في علوم الملة هو العكس تماما .فالقرآن يقول إن تبين حقيقته يكون برؤية آيات الله في الآفاق (الطبيعة والتاريخ) وفي الأنفس (ما في كيان الإنسان من عضوي ومتجاوز للعضوي) وعلوم الملة جعلته تأويلا لنصه بردها إلى ما ظنوه علما فرضته مدرسة الاعتزال التي هي بداية التنظير الباطني في الإسلام ودكتاتورية الدولة في عهد المأمون :وهما نوعا حب التأله تأله معرفي وتأله سياسي. ومن بقاياه في عصرنا ما يسمى بالإعجاز العلمي. فهو بديل عقيم من البحث العلمي الذي يوجه إليه القرآن باعتباره شرط الاستعمار في الأرض. لكن أصحاب الاعجاز العلمي يتصورون القرآن صندوق آلات جاهزة ويكتفون بتأويل النصوص بديلا من البحث في العلمي في الطبيعة وفي التاريخ وفي كيان الإنسان الطبيعي والتاريخي. لكن تأويلهم بعدي دائما أي إنهم ينتظرون ما يكتشفه العلماء الباحثون بحق في الآفاق وفي الانفس ثم يزعمون أنهم يجدونه بمجرد تأويل الآيات النصية وتلك هي خرافة الاعجاز العلمي في القرآن. وهو دجل وكذب محض يحط من منزلة القرآن. ابو يعرب المرزوقي 35 الأسماء والبيان
-- والغريب أن القائلين بهذه الكذبة يتوهمون أنهم بهذا الدجل المفضوح يرفعون من شأن القرآن ولا يدرون أنهم يلغون أهم مميز له أعني كونه سرمديا فوق المكان والزمان. فلو كان ما فيه علوما لصار القرآن تاريخيا ولصدق حكم العلمانيين بأنه لم يعد صالحا لأن ما فيه من علوم مزعومة تجاوزها التاريخ .فيكون القرآن قد فقد صلوحيته في الحاضر ناهيك عنه في المستقبل لأنه لا يوجد علم سرمدي بل كل علم تاريخي. يزعمون تمجيد القرآن فإذا بهم يبحثون عن حجج تؤيد ما يقوله الملحدون :وهذا هو عين الحمق. وقد حذرت آل عمران 7من تأويل المتشابه. والمتشابه هو كل ما لا يفهم مباشرة مما يتعلق بعالم الشهادة .فالفهم المباشر لما هو من عالم الشهادة هو المحكم .وكل ما عداه متشابه .فما لا يفهم مباشرة حدده القرآن بكونه ما يتكلم في الغيب كذات الله وصفاته والبعث والحساب في الآخرة. فإذا بهم يعكسون فيدعون أن الراسخين في العلم قادرون على التأويل ويعطفون تأويلهم على تأويل الله ذي العلم المحيط يجعلون \"و\" الآية عطفية بدلا من كونها استئنافية. وتأويل المتشابه أي ما لا يفهم مباشرة لكونه متعلقا بالغيب وليس بعالم الشهادة يعتبره القرآن دليل زيغ القلوب وابتغاء الفتنة .والفتنة الكبرى كان ممثلوها أكثر الناس استعمالا للتأويل. وكله تحكمي كما بين الغزالي في فضائح الباطنية وسخر منه بقلب كل تأويلاتهم إلى نقائضها. الباطنيون جمعوا بين التأويل التحكمي ورد معاني القرآن إلى ما يعتبرونه علما عقليا نهائيا. ولهذه العلة فإن أصل كل تخريفهم وخاصة المعتزلة منهم هو القول بالمطابقة بين علم الإنسان والوجود في نظرية المعرفة وفي نظرية القيمة. وإذن فالباطنية وكل علوم الملة التي أصابها فيروسها تقول بالإعجاز العلمي بواسطة التأويل التحكمي للآيات النصية .وهذه الظاهرة التي هي عدوى أصابت علوم الملة لما صارت تعتقد أن الفلسفة علم وأن معرفتها عقلية وهي مطابقة لما يسمونه واقعا أثبته العلم لكأن علم الإنسان صار محيطا حتى إن كل التأويلات التي يتصوروها علمية وعميقة لم تتجاوز التصور العامي للفلك والطبيعة والتاريخ وعلم النفس. ابو يعرب المرزوقي 36 الأسماء والبيان
-- والعلة بديهية. فهم يعتقدون أن الفكر الإنساني مرآة عاكسة لما يعتبرونه حقيقة الوجود عكسا أمينا بحيث إن العقل صار عندهم حديدا والوجود شفافا فيحصل التطابق بين علمنا والوجود وبين إرادتنا والمنشود. وهو المبدأ الذي نفاه ابن تيمية وابن خلدون معتبرانه الوهم الاكبر في علوم الملة وعدوى عامة لما يعتقد علما عقليا. وكلاهما ينفي المطابقة بين العلم والموجود وبين الإرادة والمنشود لأن ذلك يتنافى مع تاريخية العلم ومع وجود الغيب. وإذن فأول مشكل هو نظرية المعرفة التي تقول بالمطابقة بين ما ندركه من الوجود وحقيقته. فعلم الإنسان ليس محيطا مثل علم الله. وتوهم الإحاطة العلمية والقدرة العملية هما المعنى الأول للتأله وهو علة الاستبداد المعرفي والقيمي .ذلك أن الأمر هو نفسه في نظرية القيمة. فالقول بالتحسين والتقبيح العقليين يعني أن تقييم الإنسان مطلق ومغن عما يتعالى عليه .وهذان التألهان هما جوهر الفكر الاعتزالي. وفي الحقيقة فالاعتزال هو خوارج السنة في النظر وما يترتب عليه في العمل مثلما أن خوارج الشيعة كانوا في العمل وما يترتب عليه في النظر .وكلاهما من المفعول الجانبي للباطنية. ومثلما أن هؤلاء هم أول من أطلق رؤيته العملية ومارس الاغتيال المادي في المساجد أي في مراكز التربية فكذلك فأولئك هم أول من أطلق رؤيته النظرية ومارس الاغتيال في الديوان أي في مراكز الحكم :بداية ظهور مفعول فيروس الباطنية قبل أن تصبح مليشيات ودول يقال للحاكم فيها (ابن هاني في مدحه لمن يسمى نفسه المعز لدين الله الفاطمي)\" :فاحكم فأنت الواحد القهار\". وتلكما هما كلتا العقيدتين الاعتزاليتين اللتين هما الشكل العلني والصريح لبداية الفكر الباطني والمذهب السائد في الفكر الشيعي والخارجي رغم أنه الفكر الخرافي الأشد في كل شيء .والأمر طبيعي :فهم يستعملون ما يسمونه \"عقلا\" لتأسيس ما يلغيه أي ما يسمونه علما لدنيا. ابو يعرب المرزوقي 37 الأسماء والبيان
-- وهو كذب صريح لا علاقة له بالعلم .فلا علم إلا بما جهزنا به حسيا وعقليا بما في ذلك علم الرسل لأنهم مجتهدون وليس عالمين بالغيب. فحتى الرسل فإنهم لا يعلمون الغيب إذا لم نخلط بين الغيب والغائب .فالغائب يعلمه الرسل لصفاء أذهانهم ولما ميزهم الله به من قدرة على التحليل والفهم. لكنه ليس الغيب الذي لا يعلمه إلا الله بوصف علمه محيطا وإرادته مطلقة لأنه هو الخالق في الطبيعة والآمر في التاريخ .ومن ثم فالوحي لا يتضمن علما بالغيب وإن تضمن بالغائب. ولو يتضمن الغيب لما كان رسالة تذكير بما يعلمه الإنسان ما يستثني الغيب لوجود الأمر الصريح بضرورة الإيمان به فرض عين. وهذا يلغي نهائيا الوساطة الروحية (فلا الأيمة ولا المتصوفة يعلمون الغيب) والوصاية السياسة (لا سلطة للأمة لغير الامة نفسها وقيم القرآن وتفسيرها النبوي أو السنة) وكل دعوى تتجاوز ذلك منافية للشورى 38التي تجعل الامر أمر الأمة وتجعل تسييره يكون بالشورى فرض عين على كل مستجيب لربه. وإذن فالتربية والحكم كلاهما اجتهاد في النظر والعقد وجهاد في العمل والشرع كلف به الإنسان وعلى عمله فيهما يحاسب يوم الدين. فلو كانا موجودين في القرآن لما بقي معنى للحساب على جهد يغني عنه شرح الألفاظ. وحتى أواصل الكلام بما يبدو استعارة من مفهوم الفيروس خارج مجال الحياة والبايولوجيا والطب العضوي فلا بد من التوكيد على أن الفيروس يمكن أن يكون متعلقا بالفكر والطب الروحي .ويمكن أن يكون ما يحصل في الإعلامية مساعدا على فهم ذلك :فالفيروس يصيب \"السوفت وار\" والفكر \"سوفت وار\" الإنسان .ما يصيب الإنسان من فيروسات لا يقتصر على بدنه بل يمكن أن يصيب روحه. والقرآن يقدم حماية الروح على حماية البدن وحتى أفلاطون فإنه كان يقول بنفس التقديم. وأذهب إلى ما هو أبعد من مجرد المقارنة بين البدني والروحي. فالفيروس الذي يصيب \"السوفت وار\" الإنساني أي الفكر أخطر ألف مرة من الفيروس الذي يصيب كيان الإنسان العضوي .فهذا سرعان ما يتجلى مفعوله في حين أن ذاك مفعوله دبيب من جنس ابو يعرب المرزوقي 38 الأسماء والبيان
-- لامتناهي الصغر الذي لا يتجلى أثره إلا بعد أن يسبق السيف العذل .ولذلك فعلاجه أعسر من علاجه .ويمكن القول إن الحصانة الروحية أعسر تحقيقا من المناعة العضوية. وإذا كان البدن يحتاج إلى تقوية مناعته العضوية فإن الفكر أحوج إلى تقوية حصانته الروحية. ومن ينكر أن الشعوب تغزى ثقافيا بصورة أخطر من الغزو المادي لأن هذا قابل للرجع لكن ذاك إذا حصل بات علاجه شبه مستحيل فهو جاهل بالاستراتيجيا التي تستعملها الشعوب في تنافسها وحروبها النفسية والفكرية. ولعل ابرز مثال على ذلك أن الاحتلال الإيراني لا يكتفي بالأرض بل يضرب الأرواح بالتشييع والباطنية بدأت بإيران نفسها :فقد كان شعبها سنيا قبل الدولة الصفوية .وهي تعمم ذلك في العراق وسوريا واليمن ولهم جرا... ويكفي أن نتابع ما يحدث في العراق .فالبلد كان شبه علماني حتى إن الشيعة فيه كانت أكثر سكانه تمركسا وتبعثا. وإذا هم الآن سرعان ما عادوا إلى الخرافات الشيعية في أقل من عقدين فصاروا لا يعيشون إلى بالمناحات والمنادب والاستعمال لهذيان أكثر رجال الدين دجلا وجهلا في تاريخ البشرية لكثرة كلامهم على معجزات الأيمة التي لا يصدقها حتى الأطفال الرضع. وقد رأيت المصريين وفي سوريا في مدافن التشيع -زينب والحسين مثلا-في أوضاع لا يمكن أن يقرها مسلم حتى لو كان عاميا لأنها وثنية خالصة .والعراق صار جبانة وعبادة أوثان لغالبية الشيعة. كل الشعوب الحرة تعتبر الحصانة الروحية احوج للرعاية من المناعة العضوية بسبب خفاء التأثير وجل خدمات الاستعلام والأعلام متعلقة بأفعال الفكر وبثمراته للسيطرة على الإنسان فردا وجماعة. واستعمال الفيروسات الفكرية التي تصيب \"السوفت وار\" الإنساني أقوى سلاح تستعمله أمريكا في حروبها وهي على صنفين :تثمين النموذج الأمريكي وترذيل النماذج المنافسة. ابو يعرب المرزوقي 39 الأسماء والبيان
-- فما أسقط الاتحاد السوفياتي ليس التفوق التسليحي مثلا ولا حتى التفوق الاقتصادي الأمريكي وإن كان لهما سهم بل خاصة ما يسمى بـ\"الحلم الأمريكي\" الذي ابعد الشعوب عن الولاء للأنظمة السوفياتية. وهو أهم سلاح صنعته هوليوود .هوليوود مصنع للفيروسات الفكرية والروحية. وأفسد أشكال الفيروسات الفكرية عندنا هي من جنس \"صوت العرب\" :تهديم ذاتي بنموذج فاشل وكاذب إذ جل بلاد العرب أفلست بسبب هذه الأكاذيب التي عوضت العمل المنتج والعلم المبدع بالدولة الحاضنة وتقاسم الغالبية الفقر والجهل حتى تعيث الأقلية فسادا في الأرض وسفكا للدماء.. الإعلام العربي عامة وخاصة المصري والسعودي والإماراتي -والبقية لا تشذ إلا بقلة الموارد- مصنع الفيروسات التي تؤدي إلى \"استحمار المواطن\" ليصدق ما لا يصدقه حتى \"بوسعدية\" وهو أقرب ما يكون لمرجعيات الشيعة التي جعلت شعبها عامة ورعاع يصدقون أي شيء حتى يتفرغ الاخبث من نخبها لمص دمهم ودم الشعوب من حولها فسادا في الارض وسفكا للدماء. وأعلم أن دجالي العقلانية سيتهموني بما يسمونه نظرية المؤامرة-لكأن ما تفعله الشعوب المتنافسة بعضها بالبعض خفي فيسمى مؤامرة وهو بمرأى ومسمع الجميع لو قلت إن امتنا أصيبت بحرب فيروسية للسوفت وار الإنسان من أخبث أربعة شعوب على الإطلاق في تاريخ البشرية :إيران وروسيا وإسرائيل وأمريكا. ولا يختلف الثانيان عن الأولين إلا بكونهما يقدمان العالم اللطيف على العامل العنيف في لعبة الحرب على الحصانة الروحية. ذلك أن إسرائيل وأمريكا اكتشفا أقوى حامل لفيروس الحرب على الحصانة الروحية :إنه استغلال حمق القيادات العربية التي هي مجرد دمى منذ سايكس بيكو الأولى وخداع لاورنس. وهم يستعملونهما الآن في مشروع سايكس بيكو الثانية .ولعل أبرز ممثلها ما برز منها بعد الثورة مثل السيسي في مصر وبشار في سوريا وصاحب المنشار في السعودية وحفتر في ليبيا ورئيسنا في تونس وهلم جرا :فهؤلاء هم السهم الحاملة للفيروسات التي يصنعها كل من يستهدف الأمة. ابو يعرب المرزوقي 40 الأسماء والبيان
-- وإذا عدت إلى الفيروس الباطني الذي يمثله عامة ما يسمى بالتصوف المتفلسف -وهو غير التصوف الزهدي الذي لا يدعي أصحابه غير المجاهدتين السنيتين أي مجاهدة التقوى ومجاهدة الاستقامة (راجع ابن خلدون :شفاء السائل) -فإن أوضح أكاذيبهم التي تزعم فلسفية كتاب الكرماني في راحة العقل وهو كتاب في رد الألوهية الى العدم المحض ولا تختلف عنه رسائل اخوان الصفا .وقد خصصت للأخيرة تحليلا معمقا في القيم الأول من رسالة الدكتوراه (النظام الفرنسي القديم). وهل بالصدفة أن أحيا الـأمريكان والأنظمة العربية التابعة لهم كل حركات التصوف التي تجعل الحكام ظل الله في الارض فيجتمع نوعا الاستبداد والفساد لحكم العباد بجعل الطغاة بديلا من رب العباد؟ وكل من له دراية بالمرحة المنحطة من فكر اليونان المتأخر يعلم أن ما يظن عمقا في تصوف ابن عربي هو من سقط المتاع فيه. والأدهى أنه يدعي أنه تلقى ذلك وحيا في مكة وأنه خاتم الولاية واللبنة الذهبية التي تأتي فوق الرسول الخاتم بوصفه لبنة فضية .ومرة أخرى فإن ابن خلدون خصص فصلا بين فيه أن التصوف الذي يدعي التفلسف مصدره باطنية التشيع العراقي وتأليه الأيمة وجعل العامة عبيدا لهم بدل عبادة رب العباد. فمن أفشل الثورة المصرية هو العسكر في الظاهر .لكن الحقيقة أعمق من ذلك .فأكثر من نصف الشعب المصري مع العبودية لأنه مستبعد من دجالي التصوف والتشيع ومن جامية السلفية التي توظفها الاستعلامات والداخلية ثم حقد نصاراها وعلمانييها على الاسلام. لذلك فالحرب ظاهرها على الاخوان وباطنها على الإسلام .وهذا الامر ليس مقصورا على مصر بل هو شامل لجل بلاد الإسلام. آليت على نفسي أن أبحث في هذه الأعماق التي تفسر تاريخنا ماضيه وحاضره والثورة هدفها أن تعالج أدواء الامة فتحررها من هذه الفيروسات الروحية التي هي أخطر من الفيروسات العضوية. وقد اخترت فرصة الكورونا لأتكلم في المسألة وبيان وجه الشبه بين المناعة العضوية والحصانة الروحية :والنصر بيد الله وبعونه. ابو يعرب المرزوقي 41 الأسماء والبيان
-- وحصيلة ما نتج عن فيروس الباطنية التي صارت الآن حلفا بين المافية الصفوية والمافية الروسية وما نتج عن فيروس العلمانية التي صارت الآن حلفا بين المافية الصهيونية والمافية الأمريكية في بلاد العرب ناهيك عنهما في غيرها فإن عدد الضحايا لا يقل عن ضحيا أي فيروس بايولوجي .وكله بتمويل الأنظمة العربية العميلة. وهو ليس بتمويلها فحسب بل إن منطلق الحملات هو عين القواعد التي يحتمي بها حكام العرب من شعوبهم والدافع لذلك هو التنافس بين الأنظمة العربية .فحكام مصر والسعودية أرادوا كما أرادت إيران الحرب على العراق تقريبا كما يفعلون الآن للحرب على تركيا أو حتى على قطر على صغر حجمها وقوتها. ويمكن القول إن نفس الداء كان بين نظام القذافي ونظام تونس وكذلك بين نظام المغرب ونظام الجزائر وبين البعث العراقي والبعث السوري وهلم جرا من الحروب الاهلية التي تعود كلها إلى فيروس الباطنية بتقية القومية وفيروس الماركسية بدعوى الاشتراكية أو بالدولة الحاضنة مؤبدة الفقر والتخلف. ولو كان الأمر متعلقا بالتنافس من أجل تحقيق شروط التنمية العلمية والتقنية أو بشروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكان تنافسا حميدا لأنه كان سيحقق عكس ما يجري لأن نوعي الشروط يقتضيان حجم الأحياز الـخمسة أي توحيد الجغرافيا والتاريخ للزيادة في الثروة والتراث وتوطيد وحدة المرجعية. فما بين ألمانيا وفرنسا مثلا من الحروب ما لا يحصى ولا يعد ناهيك عن كون الاخيرتين كانتا عالميتين ومع ذلك فنخبهما فهمت أن العصر هو عصر العماليق في مجال التنمية العلمية والتقنية وفي مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية فقررا أن يكونا نواة الوحدة الأوروبية التي تنوي استرداد قوة روما. واسترداد قوة روما يعني رمزيا استرداد عدوة قرطاج أو حتى استرداد قوة حملات الاسترداد التي لم يحمينا منها غير اسطول الخلافة يعني محاولة السيطرة على الضفتين الشرقية والغربية وما بينهما أي الضفة الجنوبية من الأبيض المتوسط من جديد .وهو ما يفهمنا سعيهم لتعطيل تركيا لما حاولت حماية حقها وحق ليبيا منه .فكان أعدى أعدائها عرب الخيانة والعمالة لعدم الوعي. ابو يعرب المرزوقي 42 الأسماء والبيان
-- فمن يقرأ الحاضر يفهم الماضي ومن يتدبر الماضي يفهم الحاضر في حرب الفيروسات التي تستهدف حصانة الامة الروحية. ابو يعرب المرزوقي 43 الأسماء والبيان
-- كتبت خمسة فصول حول الفيروسات وميزت بين نوعيها :الطبيعي الذي يصيب الأبدان والمناعة العضوية والحضاري الذي يصيب الأذهان والحصانة الروحية .ثم تكلمت على تفاعلهما لأن الإنسان لا يقاوم أيا منهما ولا يصمد أمامه إلا بهما معا. فالمناعة العضوية تحتاج لسند الحصانة الروحية كما يعلم ذلك كل من له دراية بعلم نفس الأفراد والجماعات ودور الثانية في مقاومة الحروب النفسية بمعنويات الحصانة الروحية. ولما كانت مقاومة الفيروسات الطبيعية لا تختلف عن الحروب بين البشر فإنها تحتاج إلى معنويات قوية هي ثمرة الحصانة الروحية. فلا يمكن لأي مريض أن يعافى إذا فقد المعنويات التي تمكنه من المقاومة. مشكل تونس اليوم أنها أصيبت بالفيروسين .فيروس الأبدان وهو يشمل العالم كله متقدمه ومتخلفه وليس خاصا بها. والمعلوم أن تونس لا تستطيع إلا القيام بما يحد من انتشاره بمحاولة السيطرة على محفزات العدوى. أما علاجه فكما هو بين من حال وضع البحث العلمي عندنا سيأتي من المجتمعات ذات النخب العلمية المبدعة والاستراتيجيات التربوية الناجعة والمتحررة من الخلط بين الحداثة وقشورها كما هي الحال عند \"حداثيي\" العرب الذين يأخذون كل شيء بالمقلوب فيعتبرون النتائج ممكنة دون مقدماتها أو المشروط دون الشرط. ابو يعرب المرزوقي 44 الأسماء والبيان
-- وإذن فعلاج فيروس الأبدان لن يأتي من أي بلد إسلامي عامة ولا من أي بلد عربي خاصة. وليس هنا محل الكلام على علل ذلك. وقد خصصت للأمر محاولات سابقة. وآمل أن يفهم الحمقى من النخب العربية وخاصة التي تدعي الحداثة القشرية أن استحالة ذلك هي ثمرة تفتيت الأحياز كلها. فتفتيت جغرافية المسلمين وتشتيت تاريخهم جعلا كل قطر محمية للمستعمر السابق ضمن حدود حديدية تحول دونه والتعاون على تحقيق شروط التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي يبقى شرطها الأساسي والأول التنمية العلمية والتقنية. وهذه التربية التي تعتبر العلوم وتطبيقاتها شرط شروط الحرية والكرامة في كل الأمم الواعية .فالحرية شرطها تنظيم علاقة البشر بعضهم بالبعض في التبادل والتواصل والكرامة شرطها تنظيم علاقة البشر بالطبيعة حتى لا يصبح سد الحاجات موضوع حرب بسبب الندرة. ولعل تونس أبرز مثال على فقداننا شروط هذين الأمرين .فدخلها القومي الخام فضلا عن ميزانيتها حتى لو خصصته كله للبحث العلمي لن يكون كافيا لتحقيق التنميتين حتى لو افترضنا صلاح النخب فرضا جدليا خالص لأنه معدوم. وتلك هي علة كونها متسولة في الرعاية وفي الحماية :هي محمية فرنسية وليست دولة فضلا عن استبداد مافياتها وفساد نخبها عامة والسياسية والنقابية خاصة :فجلها أدوات تستعملها المافيات لنهب البلاد واذلال العباد .وقد كان عندنا مقيم عام واحد فتضاعف لأن سفير إيران صار مثل سفير فرنسا له سلطان مطلق على راس الدولة. ابو يعرب المرزوقي 45 الأسماء والبيان
-- ويبقى مع ذلك أمل استيراد علاج الفيروسات الطبيعية لما يكتشفها غيرنا إذ إن ألمانيا وأمريكا خاصة سيصلان إليه قريبا .لكن الفيروسات الحضارية التي اصابت النخب العربية خاصة والإسلامية عامة والتي هي الباطنية والماركسية وخاصة إذا اجتمعا فليس لنا أمل في علاج لها قابل للتوريد. تونس اليوم في وضع قد يجعلها مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن .لأن الفيروسين اجتمعا عليها كما هو بين من مشروع الرئيس الذي يجمع بين باطنيته وماركسية رفيقه مع فاشية حزب البراميل ويعقوبية حزب فرنسا والبسكلات وبقايا يسارية الصبابين الذين يستعملون الاتحاد للتخريب النسقي. فإذا لم يفهم المخلصون من أبناء تونس وبناتها هذا الخطر الداهم فإن الخروج من أزمة فيروس الأبدان الذي يصيب المناعة الطبيعية لن يكون نهاية أزمتها بل لعله لن يحصل إلا وقد تردت أوضاعها إلى مستوى تصبح فيها مقاومة فيروس الأذهان الذي هو الحصانة الروحية شبه مستحيلة. وآمل أن يكون ما قد يترتب على فيروس الأبدان الذي يهاجم المناعة الطبيعية موحدا للشعب التونسي فيحسم في مقاومة فيروس الأذهان الذي يهاجم الحصانة الروحية ليصلح ما وقع فيه من خطأ انتخاب رئيس لا يبل ولا يعل وليس له من دور غير التخريب والتحريض على قلب النظام. فهو مجرد أداة لأعداء مناعة تونس وحصانتها لأن المشروع هو لبننتها لتكون قاعدة تتمكن بها فرنسا وإيران من غزو المغرب الكبير كله كما غزت إيران وروسيا الهلال كله بدأ بلبنان. ابو يعرب المرزوقي 46 الأسماء والبيان
-- ولعل الخير الوحيد لأزمة كورونا أنها جعلت الشعب يدرك خطأه الجسيم إذ تبين أن الرئيس الذي اختاره لم يكتف بإفساد دور الرئاسة بل أفسد دور الحكومة ويريد أن يخرب دور مجلس النواب وقد يفسد أداتي فعل الدولة في مثل هذه الحالات أعني الامن والدفاع. وهو قد يفسدهما بإحدى الطريقتين التاليتين: .1إما بتخريب عملهما .2أو بإيصال البلد إلى ما لا تحمد عقباه من شبه حرب أهلية .فيحقق ما كان الكثير من النخب الفاسدة ينتظره ودعوا إليه عديد المرات أي \"البيان رقم .\"1 فالكثير منهم يدعو الجيش للتدخل في السياسة وقد يجدون في حجة فرض الأمن عندما يندفع ما يعده الرئيس وجماعته من مليشيات أو تنسيقيات على الطريقة الشيعية في الهلال وعلى الطريقة القذافية في ليبيا ما يجعل الشعب نفسه يصبح ميالا لهذا الحل. وحينها لن تخسر تونس ثمرات ثورتها فحسب بل ستخسر حتى من ندين به للمرحوم بورقيبة من تكوين جيش وأمن جمهوريين لا يتدخلان في السياسة التي بقيت مدنية حتى في عهد ابن علي على فساده وطغيان مافياته. ومعنى ذلك أن الوضع السياسي قد يصبح أفسد حتى مما آل إليه في أواخر عهد ابن علي. ذلك أن فوضى المليشيات كما نراها في العراق أو في سوريا لن تترك أي إمكانية لحفظ النظام. وفي بلد ليس له ثروات مثل العراق أو ليبيا فإن \"الناس ستأكل بعضها أكلا\". ابو يعرب المرزوقي 47 الأسماء والبيان
Search