Important Announcement
PubHTML5 Scheduled Server Maintenance on (GMT) Sunday, June 26th, 2:00 am - 8:00 am.
PubHTML5 site will be inoperative during the times indicated!

Home Explore ثورة الإسلام، مفارقاتها وحقيقتها الكونية – أبو يعرب المرزوقي

ثورة الإسلام، مفارقاتها وحقيقتها الكونية – أبو يعرب المرزوقي

Published by أبو يعرب المرزوقي, 2017-07-03 15:33:30

Description: ثورة الإسلام، مفارقاتها وحقيقتها الكونية – أبو يعرب المرزوقي

Search

Read the Text Version

‫أبو يعرب المرزوقي‬ ‫الأسماء والبيان‬



‫المحتويات‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬‫‪11‬‬‫‪17‬‬‫‪24‬‬‫‪30‬‬‫‪36‬‬

‫سؤال محير سلبا وإيجابا‪-1:‬ما الذي حصل لتعطيل ثورة الإسلام حتى فقدت الأمة دورها الكوني؟‬ ‫‪-2‬فيم تتمثل ثورة الإسلام التي تعطلت ففقدت الدور؟‬‫وكيف يمكنني شرح ذلك للشباب الذي يمثل أمل الاستئناف لأنه تمكن من الجمع بين الحلم باستعادة‬ ‫مجد الامة والقدرات التي حصلها من الثقافة الحديثة؟‬‫وما أسميه ثورة الإسلام حددته عديد المرات‪ .‬بل أستطيع القول إن جل عملي مداره هذا التحديد‪.‬‬ ‫لكن غرابته تجعله يبقى من جنس التحليق خارج السرب‪.‬‬‫وإذا كان لي أن أشكر الله على ما يعتبره الكثير حرمانا‪ ،‬فهو هذا الاستثناء من السرب الذي جعلني‬ ‫أستفيد من البقاء على هامش نجومية النخب الزائفة‪.‬‬‫من الله علي بالاستغناء عن المشي في ظل أحد‪ ،‬حزبا أو منظمة أو أميرا أو دولة‪ .‬بل بقيت سيد‬ ‫نفسي وكأني من صعاليك العرب وذلك من فضل الله علي أحمده‪.‬‬‫أبدا بثورة الإسلام وأثني بما حال دونها والوصول إلى غايتها التي هي شرط الاستئناف المنتظر أولا‬ ‫لأنها وعد لا يتخلف ولأن قطافها بشروط حان‪.‬‬‫القصد بالوعد ايماني بأن مفهوم الشهادة على العالمين يعني وعد بمهمة كونية وبأوان القطاف تحقق‬ ‫الشروط المادية والروحية المتدرج للدور الكوني‪.‬‬‫فبالقياس إلى ما كانت عليه أمة محمد في بداية النشأة الأولى وما تحقق إلى بداية الاستئناف‪،‬‬ ‫لوجدنا حصيلة الأربعة عشر قرنا الماضية انجازا عظيما لشروطه‪.‬‬‫وشروطه بخلاف المحقرين من الحصيلة ليس كميا فحسب‪-‬خمس الإنسانية منتشر في المعمورة كلها‪-‬‬ ‫بل هو كيفي‪ :‬فما من أنشطة الإنسان وإلا للإسلام فيه ثورة‪.‬‬ ‫‪40 1‬‬

‫وسأحصي هذه الثورات بأسلوب برقي‪ ،‬معتمدا معيار تصنيف الأنشطة الإنسانية الأساسية‪ ،‬وهو في‬ ‫آن معيار تصنيف النخب القائدة لهذه الأنشطة في كل جماعة‪.‬‬‫وترد ثورة الإسلام بفروعها الخمسة‪-‬بمعيار الأنشطة الإنسانية في التاريخ‪-‬التخليص في كلمتين‪:‬‬ ‫الرسالة الخاتمة أو حقيقة هذه الأنشطة مقومة للاستخلاف‪.‬‬‫فما الختم في السياسة والعلم والاقتصاد والفن والرؤى ختما جعلها تكون ممثلة لمضمون رسالة الإسلام‬ ‫الجامعة للأسلوبين الديني والفلسفي في آن؟‬‫الجواب عن هذا السؤال هو علة تعريف الزمان التاريخي بخمسية الأبعاد بدل ثالوثيتها‪ :‬فالرسالة‬ ‫الخاتمة هي حدث الماضي وحديثه‪ ،‬وحديث المستقبل وحدثه‪.‬‬‫وهي خلال فعلها الدائم حاضر دائم ومن حوله قبله حدث الماضي وحديثه وحديث المستقبل وحدثه‪،‬‬ ‫ومن ثم فهي خاتمة‪ .‬أي إنها نهائية مع صيرورة لا تتوقف‪.‬‬‫ما معنى جمع أسلوبي الفكر الديني والفلسفي الفلسفي في آن؟ إنها تعتمد أسلوب التحليل الفلسفي‬ ‫تحديدا وتدليلا‪ ،‬وأسلوب التأويل الديني ترميزا وتمثيلا‪.‬‬‫والأول سميته الطرد المنطقي ومنهج الفكر الفلسفي‪ ،‬والثاني السرد التاريخي ومنهج الفكر الديني‪:‬‬ ‫الجمع بين البنية المنطقية والصيرورة التاريخية‪.‬‬‫ولهما قبلتان كالإسلام نفسه‪ :‬أولى تلتفت إلى ماضي الإنسانية حدثه وحديثه لتفكيكهما النقدي‬ ‫تحريرا لها من تحريف الأديان ومن جاهلية الأخلاق‪.‬‬‫والقبلة الثانية تلتفت إلى المستقبل بحصيلة النقد التفكيكي لاستئناف تاريخ الإنسانية من رمز‬ ‫التوحيد‪ ،‬أي بيت الله التي بناها نبي التوحيد المطلق‪.‬‬‫فيكون محمد إبراهيم الثاني مؤسس الحنفية المحدثة التي هي الدين عند الله‪ ،‬أو الإسلام المصحح‬ ‫لما شاب الفطرة من تحريف وجاهلية‪ :‬الرسالة الخاتمة‪.‬‬‫وقبل بيان الختم في السياسة والعلم والاقتصاد والفن والرؤى‪ ،‬فلأعلل معنى الجمع بين البنية‬ ‫والمنطق من جهة أولى‪ ،‬والتاريخ والصيرورة من جهة ثانية‪.‬‬ ‫‪40 2‬‬

‫وهذا التعليل هو بيان لدلالة مفارقات الإسلام الذي ليس هو دينا ككل الأديان‪ ،‬بل هو الديني فيها‬ ‫جميعا وهو في آن تفسير لعجز هيجل عن فهم منزلته بينها‪.‬‬‫وقد بينت في تقديمي لترجمة دروسه في فلسفة التاريخ بجزئيها حيرته امام منزلة الإسلام‪ :‬فهو‬ ‫يذكره في أصنافها الإحدى عشر دون أن يجعله أحد الأصناف‪.‬‬‫وفي الحقيقة‪ ،‬فقد اضطر فكر الغرب الحديث بعد التخلص من تعصب الكنيسة إلى اعتبار الإسلام‬ ‫دينا طبيعيا وعقلانيا وليس دينا منزلا وقائلا بالمعجزات‪.‬‬‫وهيجل نفسه لما اراد أن يصنف \"روحانية\" الإسلام اعتبرها \"تنوير الشرق\" وأقرب إلى‬ ‫\"إيديولوجية\" الثورة الفرنسية منه للأديان التوراتية والانجيلية‪.‬‬‫والتعصب الكنسي اعتبر الإسلام تحريفا للدين بمعيار النموذج الانجيلي عكسا لموقف الإسلام الذي‬ ‫اعتبر التوراة والإنجيل تحريفا للإسلام الفطري‪.‬‬‫وليس تبادل التهم هو ما يعنينا‪ ،‬بل ما يفيده من أن رؤية الإسلام لمفهوم التحريف بالقياس إلى‬ ‫الفطرة هو الذي يؤسس لما سميناه الجمع بين الأسلوبين‪.‬‬‫وهو ما جعل فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر يعتبرون الإسلام دينا عقلانيا وطبيعيا‬ ‫بالمقارنة مع تخاريف المسيحية التي تركز نقدهم عليها‪.‬‬‫لكن ينبغي لكل مسلم أن يعترف بأن هذه الصورة المثلى للإسلام والتي يراها الأعمى في القرآن إذا‬ ‫كان ذا بصيرة‪ ،‬أضاعها المفسرون بالعلوم الزائفة‪.‬‬‫فالتفسير بالأثر أفسد جل معاني القرآن بالإسرائيليات والخضوع للموجود والتخلي عن المنشود‬ ‫والتفسير \"بالعقل\" أفسدها بـ\"الهلنستيات\" وبنفس الخضوع‪.‬‬‫وبصورة أوضح‪ ،‬فالتحريف الديني والتحريف الفلسفي الذين كانا مسيطرين على الشرق‪ ،‬واللذين‬ ‫اراد القرآن تحرير البشرية منهما‪ ،‬عادا فسيطرا على التفسير‪.‬‬‫والتفسير هو العلم الرئيس أو الارشيتاكتونيكي لذلك كان مصدر مصفوفة العلوم الزائفة التي‬ ‫سيطرت على ثورة الإسلام‪ ،‬فردمتها في متردم الانحطاط‪.‬‬ ‫‪40 3‬‬

‫ولولا ما في الإسلام من حيوية روحية لا تغلب‪ ،‬لكانت الرسالة وثوراتها قد ضاعت ولما تمكنت دولة‬ ‫الإسلام وعقيدته من الانتشار والعنفوان الجارف‪.‬‬‫مفارقات الإسلام كلها ترد إلى هذا الجمع بين الأسلوبين‪ ،‬ومن ثم إلى عسر مقارنته بالأديان الأخرى‬ ‫بما فيها ما يعتبره منها اسرته‪ :‬الإبراهيمية‪.‬‬‫ذلك أنه لا يعتبر إبراهيميا فيها إلا ما أبقاه منها بعد تفكيكها ونقدها ليحررها من التحريف‬ ‫والجاهلية بمنطق التصديق والهيمنة لإظهار الديني فيها‪.‬‬‫والديني هو بالذات الجمع بين الديني والفلسفي‪ ،‬أو بين حدي الإنسان من حيث هو المخاطب‬ ‫بالرسالة مستعمرا في الأرض بالعقل‪ ،‬ومستخلفا فيها بالأخلاق‪.‬‬‫الديني وغايته الاستخلاف في الأرض‪ ،‬والفلسفي وغايته الاستعمار في الأرض‪ ،‬هما قطبا الإسلام‬ ‫نزولا من الله إلى الإنسان وصعودا من الإنسان إلى الله‪.‬‬‫وهذا هو قلب المعادلة الوجودية أو الوصل بين القطبين الله والإنسان مباشرة أو بتوسط الطبيعة‬ ‫والتاريخ وذلك هو مضمون فصلت ‪ 53‬أساس المعادلة‪.‬‬‫جوهر كل فروع الثورة الإسلامية هو المعادلة‪ :‬الله الطبيعة التاريخ والإنسان والوصل بين القطبين‬ ‫الله والإنسان مباشرة أو بتوسط الطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫والوصل هو التراسل بين الله والإنسان‪ :‬فالنازل من الله رسالتان‪ ،‬القرآن والوجود الطبيعي‪.‬‬ ‫والصاعد من الإنسان رسالتان الفلسفة والوجود التاريخي‪.‬‬‫فالدين يكون خاتما إذا كان في آن فلسفة صاعدة من الإنسان إلى الله‪ .‬والفلسفة تكون خاتمة إذا‬ ‫كانت قراءة للنازل من الله إلى الإنسان نصه ووجوده‪.‬‬‫فالقرآن قراءة فلسفية للنازل من الله إلى الإنسان حديثا وحدثا‪ ،‬وهو بذلك صاعد من الإنسان‬ ‫إلى الله حدثا وحديثا حوارا دائما بين الله وخليفته‪.‬‬‫لذلك فهو بالجوهر دين كوني‪ :‬والكونية فيه ذات صيغتين‪ :‬لكل أمة رسول بلسانها والرسالة الخاتمة‬ ‫لجميع الأمم بلسان قابل للترجمة لأنه نصي ودرامي‪.‬‬ ‫‪40 4‬‬

‫فالقرآن ليس مكتوبا بالعربية وحدها قد لا تغني ترجمته‪ ،‬بل هي مشاهد شبه سينمائية يفهمها‬ ‫الإنسان من حيث هو إنسان لمثول الأحداث في مشاهد درامية‪.‬‬‫وهذا يغري الجاهل بأساليب القرآن فيظنه تشبيهيا في حين أنه درامي يعرض الأفكار في شكل‬ ‫شخوص كما في المسرح والسينما حية تغني عن تملك العربية‪.‬‬‫القرآن نص‪ .‬وهو في آن سيناريو لدراما مسرحية وسينمائية تجعل مضمون القول فعلا فيراه المتلقي‬ ‫في مشاهد قابلة للترجمة الفعلية المغنية عن اللسانية‪.‬‬‫لذلك فهو يقال بكل الألسن دون خوف من خيانة الترجمة‪ .‬ذلك أن حضور الحدث في المشهد يغني‬ ‫عن الحديث إلا بالنسبة للمختص الذي يريد شرح الحدث‪.‬‬‫وتلك هي علة قول بعض المجتهدين ‪-‬مع تفضيلهم المحافظة على لسان القرآن‪-‬أن ترجمته جائزة‬ ‫وأن الشعائر ممكنة بأي لغة بل وحتى المعنى دون المبنى‪.‬‬‫حيوية القرآن‪ :‬لغته ثابتة ومنتشرة بين المؤمنين غير العرب‪ ،‬ربما أكثر منها بين العرب الذين صاروا‬ ‫أميين دون أن تموت موت لغة الكتابين الآخرين‪.‬‬‫بقيت خمسة فصول لثورة الإسلام في الأنشطة‪-1:‬الإرادة أو السياسة ‪-2‬المعرفة أو العلم ‪-3‬القدرة‬ ‫أو الاقتصاد ‪ -4‬الحياة أو الفن ‪-5‬الوجود أو الرؤى وفصل خاتم‪.‬‬‫وحينئذ سيرى الشباب أن الكاريكاتورين التأصيلي والتحديثي ليس منهم من هو مؤهل للكلام في‬ ‫ثورة الإسلام لأنهم يتصورونه مثل غيره من الأديان‪.‬‬ ‫الإسلام ليس دينا بين الأديان‪ ،‬بل هو الديني في الأديان والفلسفي في الفلسفات‪ .‬أي شروط‬ ‫الاستخلاف الخلقية وشروط الاستعمار المعرفية بأسلوبيهما‪.‬‬ ‫‪40 5‬‬

‫نبدأ إذن بالمجال الأشمل في الأعيان (السياسة) ونختم بالمجال الاشمل في الأذهان (الرؤى) والأمل‬ ‫غاية عبارة الإرادة‪ ،‬والثاني غاية عبارة الوجود‪.‬‬‫وبينهما نجد المجالات الثلاث الأخرى أي العلم (غاية عبارة النظر) والقدرة (غاية عبارة العمل)‬ ‫والحياة (غاية عبارة الذوق)‪ :‬تلك هي مجالات الحضارة الخمسة‪.‬‬‫وقد حددها القرآن الكريم بترتيب آخر في سورة يوسف وعين مجالي تجليها أي الرؤيا (الاحلام)‬ ‫والفعل(التاريخ)‪ :‬الذوق والرزق والعلم والحكم وبرهان الرب‪.‬‬‫وجعلها ابن خلدون في ترتيب آخر موضوع إبداعه العلمي وثورته التي تجاوزت الفلسفة العملية‬ ‫اليونانية‪ :‬فأسس علوم الإنسان تأسيس أرسطو لعلوم الطبيعة‪.‬‬‫هذا الفصل اخصصه إذن لثورة الإسلام السياسية‪ .‬لا تصدقوا أعداءه الذين يزعمون أنه ليس فيه‬ ‫نظرية دولة ولا نظرية حكم وما فيه غير مناسب لعصرنا‪.‬‬‫سأبين‪-‬ولست الأول فقبلي الغزالي وابن تيمية وابن خلدون‪ -‬وما أنا إلا قارئ لما اغفله اصحاب‬ ‫الكاريكاتورين لإبداعهم في مجالات الأنشطة الخمسة‪.‬‬‫وحتى من كان صادق القصد وبريء النية في الكلام على السياسة في الإسلام بما يقرب من منطق‬ ‫أعدائه‪ ،‬فإنه يمكن أن يعذر لأنه ينخدع بعلماء السلاطين‪.‬‬‫فهؤلاء مستعدون لتبرير حتى أفعال الشياطين حتى يرضى عنهما طواغيت السياسة في بلاد الإسلام‪،‬‬ ‫فيحللون ويحرمون بأمرهم رغم العلم بجهلهم وعمالتهم‪.‬‬‫ويكفيني تأليبا للخصوم‪ ،‬لذلك فلن أطيل في هذا الكلام وأمر إلى المقصود بثورة الإسلام في السياسة‬ ‫باعتبارها تعبيرا عن الإرادة شرعيا كان أو غير شرعي‪.‬‬‫فحتى السياسي غير الشرعي يدعي أنه يعبر عن إرادة الجماعة التي يستعبدها ويستغلها ويتربب‬ ‫عليها مع تربب حاميه عليه كحال العبد إذ يتسيد على قومه‪.‬‬ ‫‪40 6‬‬

‫علي أذن قبل التقدم في البحث‪ ،‬أن أشرح أمرين‪ :‬ما علاقة السياسة بالإرادة الفردية والجماعية؟‬ ‫ولماذا يكذب غير الشرعي فيدعي تمثيل إرادة الجماعة؟‬‫المعلوم أني صنفت النخب بمعيار الصفة الغالبة على أفرادها‪ :‬الصفات خمس‪ ،‬وهي الإرادة والعلم‬ ‫والقدرة والحياة والوجود‪ .‬وعلم الكلام يعتبرها ذاتية لله‪.‬‬‫لكن الإنسان‪-‬كخليفة‪ -‬له قبس منها وهو متناه وناقص‪ .‬في حين أنها من حيث كونها ذاتية لله لا‬ ‫متناهية وتامة‪ .‬مثلا‪ :‬حياتنا مائتة‪ .‬الله حي قيوم‪.‬‬‫وقس عليها بقية الصفات‪ :‬علمنا نسبي وناقص‪ .‬قدرتنا نسبية وناقصة‪ .‬إرادتنا نسبية وناقصة‪.‬‬ ‫ووجودنا آفل وفان‪ ،‬ولا يوجد إنسان مهما جهل لا يعلم أنه مائت‪.‬‬‫ولما كنت سأعرض ما اعتبره جوهر فلسفة السياسة القرآنية‪ ،‬فإن كل تغريدة ستكون من درر القرآن‬ ‫الكريم كما أفهمها باجتهادي‪ ،‬دون أن ادعي الإحاطة بها‪.‬‬‫كلنا يعلم أن ابن تيمية قد اعتمد في كلامه على السياسة الشرعية بعض آيات من النساء تتلق‬ ‫بأمرين‪:‬‬ ‫‪ .1‬الحكم أمانة بيد الحاكم الذي هو خادم الأمة‬‫‪ .2‬ثم ان وظيفته تحقيق العدل بشرطين‪ :‬الأول الفصل في نزاعات الحقوق والمنازل بصورة كونية‬ ‫في الداخل والخارج (وحدة قيمية للقانون الوطني والدولي)‬‫وذلك هو الشرط الأول في العيش المشترك الذي يعتمد على التبادل بالتعاوض العادل والتواصي‬ ‫بالصبر‪ ،‬ويعتمد على التواصل بالتصادق والتواصي بالحق‪.‬‬‫لكن محاولته ينقصها تحديد المؤسسات التي تحقق ذلك‪ ،‬رغم أنها تمثل الأسس القيمية والخلقية لكل‬ ‫دولة تحقق وظيفتيها‪ :‬حماية الجماعة ورعايتها‪.‬‬‫وتعلمون أن الغزالي قبله في حوار متخيل بين سني وباطني في فضائح الباطنية‪ ،‬ب ّين أمرين كذلك‪:‬‬ ‫الشرعية أساسها الاختيار الحر لا الوصية والحق الإلهي‪.‬‬ ‫‪40 7‬‬

‫لكن الشرعية لا تكفي‪ ،‬وأن للشوكة شروطا أخرى وهي غير الغلبة‪ ،‬لأنها مشروطة بالشرعية‪.‬‬ ‫ولذلك سماها المهابة وقاسها على دور الفاروق في حسم الخلاف‪.‬‬‫وأخيرا‪ ،‬فإن الذي وصل إلى الجمع بين الغزالي وابن تيمية هو طبعا علامة الإسلام بلا منازع‪ :‬ابن‬ ‫خلدون رغم تركيزه دور الشوكة أكثر من الشرعية‪.‬‬‫لكني وبكل تواضع‪ ،‬اعتبر أنه لا بد من تجاوز محاولاتهم إلى ما تعذر عليهم الوصول إليه بسبب‬ ‫حالة الطوارئ والعلوم الزائفة اللذين سيطرا لقرون‪.‬‬‫وآمل أن يكون عملي محققا لقفل المخمس‪ :‬فالقرآن الكريم هو المصدر‪ .‬وثالوث فلاسفة النقد العرب‬ ‫هم المرجع‪ .‬أما أنا فمجرد قارئ يفضح أعداء الإسلام‪.‬‬‫وأول شيء أبدأ به هو أن الدولة لا تعتمد على ثلاث سلط‪ ،‬بل على خمس في الإسلام‪ :‬الثلاث‬ ‫التقليدية‪ ،‬مع السلطتين الأصليتين‪ ،‬إرادة الجماعة أصلا ورقابة‪.‬‬‫فالثلاث التقليدية‪-‬التشريع والقضاء والتنفيذ‪-‬ليست إلا لإدارة الشأن العام‪ ،‬لكن الدستور يعطي‬ ‫شرعية أعلى لسلطتين تعملان دائما‪ :‬الاختيار والمراقبة‪.‬‬‫وهاتان السلطتان كان لهما رمزان يمثلانهما‪ :‬هيئة الترشيح والانتخاب‪ ،‬أو أهل الحل والعقد‬ ‫لإضفاء الشرعية‪ .‬والحسبة على احترام الدستور للمراقبة‪.‬‬‫صحيح أن هاتين السلطتين ضعفتا بسبب الانحطاط‪ .‬لكنهما ليستا الوحيدتين اللتين ضعفتا وكادتا‬ ‫تندثران‪ :‬فالطواغيت حصروا الثلاث في استبداد نزواتهم‪.‬‬‫وحتى يفهم الجميع قصدي‪ ،‬فأنا لست بصدد وصف الأمر الواقع‪ ،‬بل ما يوجد في الدستور القرآني‬ ‫وفي ممارسة الراشدين على الأقل‪ .‬ويوجد رمز جامع هو المسجد‪.‬‬‫فالمراقبة الدائمة لإدارة الشأن العام تعتبر نصف الدين كما تبين خطبة الجمعة التي تنقسم إلى‬ ‫جزئين‪ :‬تعبدي لله‪ ،‬ومعاملاتي لمناقشة تطبيق شريعته‪.‬‬‫وأهل الحل والعقد للترشيح ولإدارة الانتخاب أو البيعة‪-‬لجنة مستقلة للانتخابات‪ -‬ليست مؤسسة‬ ‫موسمية‪ ،‬بل هي دائمة الفعل ومحلها المسجد حيث يلتقون‪.‬‬ ‫‪40 8‬‬

‫وطبيعي ألا يفهم العلماني اليعقوبي أو الماركسي هذه الشرعية القائمة دائما وغير الظرفية‪ .‬فمن‬ ‫لا يرى أزمة السياسة الحالية‪ ،‬لن يفهم ثورة الإسلام‪.‬‬‫لا يفهمون أن فلاسفة السياسة في الغرب بدأوا يدركون أزمة السياسة لديهم ويحاولون العودة إلى‬ ‫شروط الديموقراطية المباشرة وأساس ممارستها الخلقي‪.‬‬‫ورغم الاختلاف بين الأمر الواقع في سياسة المسلمين‪ ،‬فإنه لم يكن مطلق المعارضة مع الامر الواجب‬ ‫ولو شكليا‪ :‬فما ذكرته بقي على الأقل شكليا‪.‬‬‫ويكفي القاء نظرة على مصنفات الأحكام السلطانية‪ ،‬وخاصة على التقسيم النهائي في عهد ابن‬ ‫خلدون لمؤسسات الدولة بين الخلافة والسلطنة‪ :‬في المقدمة‪.‬‬‫لكن الأهم من ذلك هو المفهوم الثوري للدولة‪ :‬فهي ليست مقصورة على الحكم بالمعنى التقليدي‪ ،‬بل‬ ‫هي تشمل الحماية والرعاية‪ .‬وقد بينهما ابن خلدون‪.‬‬‫فهو أولا بين أمرين ثوريين هما شرط العدل في نظره‪ .‬وكلتاهما ثورة في النظرية الاقتصادية‪ :‬أولا‬ ‫تعريف القيمة ومعايير العدل‪ ،‬وثانيا منع تأميم الاقتصاد‪.‬‬‫فأما الثورة الأولى فتتمثل في‪-1:‬قيم البضائع والخدمات تقدر بالعمل الضروري لإنتجاها‪-2.‬عدل‬ ‫التعاوض شرطه استقلال صك العملة المكاييل والموازين‪.‬‬‫وإذن فالسياسة ليست حكما فحسب‪ ،‬بل هي أيضا سياسة اقتصادية وعدل اجتماعي ومن هنا تحريم‬ ‫السخرة والاحتكار وتدخل الدولة في الاسعار والأسواق‪.‬‬‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فهو أول من وضع مبدأ ثوري يتمثل في وصل مالية الدولة بالسياسة الجبائية التي‬ ‫تكون الأجدى كلما قل الضغط الجبائي بخلاف بادئ الراي‪.‬‬‫وكل هذه المبادئ ليست من اختراعه‪ ،‬بل هو يستوحيها من القرآن الكريم بصريح قوله‪ .‬إذ هو دائما‬ ‫يردف النظرية السند القرآني كما بين صاحب بدائع السلك‪.‬‬‫ففي كتابه بدائع السلك في طبائع الملك‪ ،‬بيّن العالم الأندلسي المهاجر للقدس كيف أن المقدمة تتألف‬ ‫من عشرين قاعدة عقلية مناظرة لمثلها بمرجع نقلي‪.‬‬ ‫‪40 9‬‬

‫لن أنسب لنفسي أكثر مما أسهمت به في إعادة صوغ التقسيم الخلدوني لوظائف الدولة وتصنيفها‬ ‫المنطقي على أن أعترف بأنه هو المصدر الحقيقي للمضمون‪.‬‬‫فوظائف الدولة جنسان‪ .‬لكل منهما خمسة أصناف‪ :‬الحماية الداخلية وهي القضاء والأمن أو‬ ‫الداخلية والحماية الخارجية وهي الدبلوماسية والدفاع‪ .‬لها أصل‪.‬‬‫فأصل هذه الوظائف الاربع أصل معرفي هو الاستعلام والإعلام السياسيين‪ .‬أي إنها لا تعمل من دون‬ ‫معلومات حول الداخل والخارج تمكن الدولة من تحقيقها‪.‬‬‫أما وظيفة الرعاية‪ ،‬فهي مؤلفة من رعاية التكوين اي التربية النظامية في المدرسة والتربية‬ ‫المجتمعية ورعاية التموين أي الثقافة والاقتصاد‪.‬‬‫والأصل معرفي كذلك‪ .‬وهو البحث العلمي والإعلام العلمي‪ ،‬وهما اساس إبداع شروط الرعاية‬ ‫والحماية في آن لأنهما شرط السلطان على الطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫والأهم من ذلك كله هو اكتشاف مفهوم الحصانة وشرط السيادة في كل جماعة مؤلفة من مواطنين‬ ‫أحرار‪ :‬وهو مفهوم ديني وفلسفي يؤسس لمادة العمران وصورته‪.‬‬‫فالحصانة روحية ومادية‪ :‬والدين وعلومه يحقق الروحية للاستخلاف والفلسفة وعلومها تحقق المادية‬ ‫للاستعمار‪ .‬ولا فصل بينهما أوبين السياسة والدين‪.‬‬ ‫فمن لا يعتقد بعد ذلك أن للإسلام نظرية ثورية في الدولة والسياسة وعلاقتها بالدين وعلومه‬ ‫وبالفلسفة وعلومها‪ ،‬إما غبي أو دني‪ .‬وتلك حال أعدائه‪.‬‬ ‫‪40 10‬‬

‫الفصل الثالث يكاد ينحصر في أهم موضوعات رسالتي في الدكتوراه بنظامها الفرنسي القديم‪ .‬وهي‬ ‫مؤلفة من جزئين‪ :‬اساسي منزلة الكلي‪ ،‬وتكميلي إصلاح العقل‪.‬‬‫ومدار الجزئين المسألة المعرفية والعلم النظري والعملي‪ .‬لذلك كان دور ابن تيمية وابن خلدون‬ ‫محور الجزء التكميلي بالمقارنة مع أفلاطون وأرسطو‪.‬‬‫بعبارة وجيزة‪ :‬مداره ما حدث في تاريخ العقل الإنساني خلال الحقبة الاسلامية من ثورة مكنت من‬ ‫تجاوز كيفي للفكر اليوناني‪ .‬وهذا موضوع الفصل الثالث‪.‬‬‫وهو في آن ولكن بصورة غير صريحة‪ ،‬لأني قمت بعمل أكاديمي دون قصد الدفاع ضد ما قاله هيجل‬ ‫بأن الحقبة الإسلامية لم تضف شيئا للإبداع الفلسفي‪.‬‬‫لم أرد في الرسالة أن أدخل في نزاع يعسر أن يتقبله الرأي العام الأكاديمي بين العرب‪ :‬من يكون‬ ‫أبو يعرب حتى يسفه هيجل في رؤيته لتطور الفلسفة؟‬‫ورغم \"غرامي\" بهيجل في شبابي‪ ،‬تبين لي في بداية الكهولة أن الرجل‪-‬والامر ليس متعلقا بالتشكيك‬ ‫في أمانته‪-‬يجهل الحضارة الإسلامية وتطورها الفلسفي‪.‬‬‫وفضلا عن \"من أبو يعرب حتى يجادل هيجل\" تأتي إشكالية‪ :‬كيف له اقحام ابن تيمية حتى لو سلمنا‬ ‫له بقابلية إقحام ابن خلدون في رسالة فلسفية حول الكلي؟‬‫لا أنوي الكلام في ذلك‪ ،‬إذ هو سيزيد متهمي بالتعسير كثيرا من الحجج وخاصة بعد أن أصبحت‬ ‫الجرأة من أرباع المثقفين تتكلم على \"تهافتي\" الفلسفي‪.‬‬‫ومع ذلك ومهما فعلت‪ ،‬لن أستطيع تجنب التعقيد والعسر الذي لا ذنب لي فيه إلا لدى من كما أسلفت‬ ‫يتصور طلب الحقيقة يصح عليها قول الجاحظ عن المعاني‪.‬‬‫لا شيء في نظرية العلم النظري والعملي مرمي على حافة الطرق‪ .‬بل هي تعالج أهم مغلقات الفكر‬ ‫الإنساني بشكليه الأرقيين‪ :‬الرياضيات والفلسفيات‪.‬‬ ‫‪40 11‬‬

‫وذلك هو المعنى الأسمى للشعر‪ :‬إنه رياضي بأشكاله الموسيقية والرسمية‪ ،‬وفلسفي بحقائقه‬ ‫المضمونية وجودا ووجدانا‪ .‬ومن لا يحدس ذلك فلا يدخلن علينا‪.‬‬‫وإذن فاختياري ابن خلدون وخاصة ابن تيمية يكاد يفيد بأني كنت محاميا غير ذكي للدفاع عن‬ ‫قضية تبدو خاسرة من البداية‪ :‬بيان تجاوز فلسفة يونان؟‬‫أو بعبارة لم أذكرها في الرسالة‪ :‬بيان خطأ هيجل‪ .‬إذ قال إن المرحلة الإسلامية لم تضف شيئا يستحق‬ ‫الذكر في تاريخ الفلسفة‪ .‬تحديان‪ :‬هيجل وابن تيمية‪.‬‬‫\"الأذكياء\" من كاريكاتور الحداثة كانوا يتصورون أن أفضل طريقة للدلالة على دور الفلسفة‬ ‫العربية هي التباهي بما ينسبونه لابن رشد‪ .‬وهذه محسومة‪.‬‬‫ففي رسالة تشبه الماجستير أعددتها في باريس‪ ،‬خرجت بنتيجة هي أن المبدع ليس الشارح الأكبر‬ ‫صاحب تهافت التهافت‪ ،‬بل الإمام الاكبر صاحب التهافت‪.‬‬‫وكدت أعد \"منبوذ\" \"فلاسفة\" العرب \"انتوشابل\" بالمعنى الهندي‪ ،‬لولا أن فضحت هذيانهم المعتمد‬ ‫على بلوخ‪ :‬ابن رشد واليسار الأرسطي قياسا على الهيجلي‪.‬‬‫ما يهمني هنا‪ :‬ما الثورة الفلسفية التي تجاوزت اليونان عند ابن تيمية في فلسفة النظر‪ ،‬وعند ابن‬ ‫خلدون في فلسفة العمل‪ ،‬ونواتهما عند حجة الإسلام؟‬‫اقدمت على هذه المغامرة لأني قبلها بعشر سنوات أثبت في رسالة الحلقة الثالثة (نظيرة البي ايتش‬ ‫دي) دور الرياضيات ومنزلتها في فلسفة ارسطو‪.‬‬‫ولا معنى للكلام على تجاوز اليونان دون شرطين‪ :‬التمكن من علومها أكاديميا‪ ،‬والقدرة على بيان‬ ‫استحالة فهم طفرة الحداثة من دون فلسفتنا النقدية‪.‬‬‫وكان يكفيني لغايتي فأثبت خياري‪ ،‬رغم عسره‪ ،‬دليل نجاح في المغامرة أن ابين أن ابن تيمية في‬ ‫النظر وابن خلدون في العمل تجاوزا رمزي فلسفة يونان‪.‬‬‫وهذا ما سأبينه بإيجاز في هذه المحاولة‪ ،‬علاج مسألتين اثنتين لا غير‪ .‬ما التغير الذي أحدثاه‪-1:‬في‬ ‫نظرية المعرفة و‪-2‬وفي نظرية الوجود للتجاوز؟‬ ‫‪40 12‬‬

‫هل تحقق تغير كيفي في الابستمولوجيا وفي الأنطولوجيا؟ أم إن هذين بقيا كما كانا عند اليونان‪،‬‬ ‫فيصح ما قاله هيجل عن صفرية المرحلة الإسلامية؟‬‫وقبل ذلك‪ ،‬هل يمكن وصل الفهم الجديد في الفلسفة والعلم الطبيعي (ديكارت وجاليلي) مباشرة‬ ‫بالفلسفة اليونانية دون الكثير من الاصطناع لتاريخهما؟‬‫رؤية ديكارت للفن المؤسس للفلسفة لا يقبل التسمية بالميتافيزيقا بالمعنى الأرسطي والأفلاطوني‪.‬‬ ‫جوابي ينفي ذلك‪ ،‬بل هو أولى باسم المتاأخلاق‪.‬‬‫فديكارت يقول صراحة أن إثبات وجود الله أيسر من اثبات وجود العالم‪ .‬لذلك فهو يؤسس نظامه‬ ‫العلمي كله على الضمانة الإلهية وليس على قوانين الطبيعة‪.‬‬‫وديكارت على عبقريته لم يكن خالي الذهن بضرورة هذا الاصطناع لتحريف تاريخ الفلسفة والعلم‬ ‫لأنه أعلن عن ضرورة تخليص للرياضيات من مفهوم الجبر‪.‬‬‫وجاليلي كذلك رغم عبقريته لم يكن أول من قال إن الطبيعة تتكلم لغة رياضية‪ .‬فالرياضيات لم‬ ‫تكن لغة عند اليونان حتى وإن استعملوها لهذا الغرض‪.‬‬‫اعتبار الرياضيات لغة العلم تفيد أمرين‪-1:‬بنية الطبيعة رياضية ‪-2‬اكتشاف البنية بحاجة إلى‬ ‫التجريبية وليس معطى كحال العبارة اللغوية عن المعاني‪.‬‬‫وهذان المعنيان من بديهيات الفهم القرآني للعالم ولمعرفته الإنسانية عن طريق الصوغ الرياضي‬ ‫والعقلي لمعطيات لا ننفذ إليها إلا بالتجربة الحسية‪.‬‬‫بعبارة وجيزة لا يكفي فيها المنهج الجدلي سواء كان أفلاطونيا أو أرسطيا‪ ،‬لأن من يتحقق فيه شرط‬ ‫التناسق المنطقي ليس بالضرورة ما تؤيده التجربة‪.‬‬‫ولا يمكن الوصول إلى هذه القناعة من دون ثورة حققها الفكر المجانس لفكر ابن تيمية في نقد‬ ‫المعرفة المستندة إلى الجدل والمنطق المجردين دون تجريب‪.‬‬‫والتجريب المقصود ليس الملح التي تأتي من استعراض سطحيات الملاحظة لبعض الظاهرات الحاصلة‪،‬‬ ‫بل هو التجربة القصدية لامتحان الفرضيات العلمية‪.‬‬ ‫‪40 13‬‬

‫وهي مثل محاولات ابن الهيثم في المناظر مجودي تطبيق الرياضيات على معطيات التجربة القصدية‬ ‫في الفلك ومسح الارض والجبر على الفرائض مثلا‪.‬‬‫صحيح أن التواصل بين الحقبتين موجود‪ .‬لكن التغير النوعي هو الغالب‪ :‬وهو التجريب القصدي‬ ‫لامتحان فرضيات علمية بدل تجميع عموميات في جدل كلامي منطقي‪.‬‬‫فكان المنطلق التساؤل عن دور المنطق في المعرفة العلمية لتجاوز الجدل الكلامي نحو علم يتألف من‬ ‫مقدرات ذهنية مطبقة على معطيات تجريبية‪ :‬ابن تيمية‪.‬‬‫ثم إن ديكارت يعتبر القوانين الرياضية والمنطقية ليس لها بذاتها أدنى ضرورة‪ ،‬بل هي خيارات أو‬ ‫تشريعات إلهية غيرها ممكن عقلا رأينا العلاقة‪.‬‬‫وهذا مما لا يمكن تصوره في الفكر الفلسفي والعلمي اليوناني‪ .‬وأقصى ما يمكن افتراضه أنه رؤية‬ ‫دينية لكن صوغها الفلسفي كان غزاليا‪ :‬تنسيب السببية‪.‬‬‫وقوله بالعناية المستمرة‪ ،‬وحتى بالخلق المستمر‪ ،‬بخلاف لايبنتس (العالم ساعة عدلت مرة واحدة‬ ‫وغنية عن عناية مستمرة) كان الأكازايناليسم الأشعري‪.‬‬‫وما يعنيني هو تحول هذه الأفكار على مبادئ فلسفية وليست مجرد عقائد دينية‪ :‬وهذا هو ما اعتبره‬ ‫تحولا فلسفيا كيفيا لم يصغ صراحة قبل الغزالي‪.‬‬‫أعمال الغزالي الفلسفية الرئيسية ترجمت إلى اللاتينية قبل اعمال ابن رشد لاعتماد رجال الدين‬ ‫المسيحيين عليها في الرد على الرشدية اللاتينية‪.‬‬‫ترجم منطقه ومقاصده وتهافته فضلا عن أثر الفكر الصوفي المتفلسف في الأفلاطونية المحدثة‬ ‫اللاتينية وهي الطريق إلى الافلاطونية بديلا من الأرسطية‪.‬‬‫وكان لمن سماه ابن تيمية \"غزالي اليهود\" أعني ابن ميمون وكتابه دليل الحائرين دورا في نشر فكر‬ ‫الغزالي (القرن ‪ )12‬وردوده على الفلاسفة‪.‬‬‫فالصوغ الفلسفي لبعض المبادئ التي يدين بها إلى الدين إسلامية‪ .‬ففكر حضارته صار المعيار‬ ‫والنموذج رغم تأخره زمانيا عن الدينين المنزلين الآخرين‪.‬‬ ‫‪40 14‬‬

‫دور ابن تيمية في ثورة النظر ودور ابن خلدون في فلسفة العمل تشتركان في القفزة النوعية‬ ‫ابستمولوجيا (نظرية العلم) وأنطولوجيا (نظرية الوجود)‪.‬‬‫لكن ينبغي الاعتراف بأنه ليس لدينا من يثبت نقليا ‪-‬أي النصوص المحددة‪-‬أنهما أثرتا فعليا فيما‬ ‫يماثلها في الغرب الحديث بعد النهضة الغربية‪.‬‬‫لكني مع ذلك أملك بعض العلامات والمؤشرات التي تبين أن تأثير الثقافة الفلسفية العربية من غير‬ ‫تيار الفلاسفة المعروفين قد كان لها وجود مؤثر‪.‬‬‫وكان هذا التأثير منتسبا إلى ما له صلة بالثورة الدينية في المسيحية ذات علاقة بمدخلي الفكر‬ ‫الإسلامي إليها بتوسط الأندلس بداية والبلقان غاية‪.‬‬‫هذا فضلا عن الصلة المباشرة بفضل الحضور الصليبي في الشرق‪ .‬فالثابت أن السوسيانسم له صلة‬ ‫بالاعتزال والأشعرية وبفكرهما الإبستمولوجي والأنطولوجي‪.‬‬‫والمهم أن فكرا غير فلسفي بالمعنى المدرسي لكنه فلسفي بمعنى ثوري‪ ،‬تجاوز الفكر اليوناني كما سأبين‬ ‫هنا مثل نقلة نوعية في التحرر من جمود نظرته‪.‬‬‫وهذا الفكر غير التقليدي حاضر عند ابن تيمية في النظر وابن خلدون في العمل‪ ،‬بصورة ناضجة‬ ‫ونسقية في مجالي نظرية المعرفة ونظرية الوجود‪ .‬فما هو؟‬‫خصصت عديد الفصول للأمر وخصصت جزاء كاملا ذيلت به ترجمة المثالية الألمانية لبيان دور‬ ‫المدرسة النقدية‪ .‬فلأوجز ذلك فيما بقي من هذا الفصل الثالث‪.‬‬‫فابن تيمية غير نظرية المعرفة بأن بين أنها اجتهادية وليس مبنية على المطابقة لأن كل تصور وراءه‬ ‫تصور أدق وأفضل إلى غير غاية ولا علم إلا بالشاهد‪.‬‬‫وما عداه علم مقدرات ذهنية أو معتقدات‪ .‬وهما الوحيدان اللذان يمكن القول بأن العلم الكلي‬ ‫فيهما ممكن‪ .‬أما علم الشاهد فهو تجريبي وتقريبي دائما‪.‬‬‫والعلة هي أن الوجود لا يحيط به الإدراك لما فيه من الغيب المحجوب‪ .‬فيكون العلم أحد أدوات‬ ‫الإنسان الاجتهادية‪ ،‬وهو نسبي للغرض منه‪ :‬براجماتي‪.‬‬ ‫‪40 15‬‬

‫والعلم الكلي مقصور على المقدرات الذهنية لأنها ليست علما للموجود‪ ،‬بل هي إيجاد لمقدر وعلم به‬ ‫من حيث هو مقدر ذهني يستعمل نموذجا لعلم الموجود‪.‬‬‫فلكأنه بنية منظومة من الخانات الخاوية تملأ بمضمون تجريبي عند التطبيق فتكون صوغا فرضيا‬ ‫للموضوع الموجود في الأعيان دون مطابقة مطلقة معه‪.‬‬‫والحصيلة أن الرياضيات والمنطق من حيث هما خانات خاوية‪ ،‬علمان أداتان في علوم الطبيعة‬ ‫والتاريخ لكن هذين النوعين من العلوم إحصائيان دائما‪.‬‬‫فلا تناهي التقارب بين النموذج الصوري والمضمون المادي للمعرفة يجعل المطابقة التامة ممتنعة‪ ،‬ومن‬ ‫ثم فكل علم اجتهادي بالجوهر ولا إطلاق فيه‪.‬‬‫وكل هذه المبادئ يقول بها ابن خلدون ويصوغها في عبارة وجيزة وحيدة هي أن الوجود أوسع من‬ ‫الإدراك ومن ثم فهو لا يحيط به أبدا‪ :‬نفي للمتافيزيقا‪.‬‬‫لكن الأهم في ثورة ابن خلدون الذي كان تأسيسه لعلوم الإنسان مجانسا لتأسيس أرسطو لعلوم‬ ‫الطبيعة هو أنه وضع أساسين لهذا التأسيس شرطهما تجاوزه‪.‬‬‫فأرسطو ينفي إمكانية علم التاريخ لأنه علم الفردي والجزئي‪ ،‬في حين أنه لا علم إلا للكلي‪.‬‬ ‫والحقيقة الفلسفية عند أرسطو لا تاريخية بالجوهر والفعل‪.‬‬‫والتأسيس الخلدوني لعلوم الإنسان له شرطان‪-1:‬التاريخ قابل للعلم بوصفه علم تمحيص الخبر عن‬ ‫العمران والاجتماع ‪-2‬الحقيقة الفلسفية تاريخية أيضا‪.‬‬‫فالتاريخ بما هو نقد للخبر عن العمران والاجتماع‪ ،‬علم فلسفي‪ .‬والفلسفة بما هي تراكم الخبرة‪،‬‬ ‫علم تاريخي نقدي لتاريخية الخبر عن الطبيعة والتاريخ‪.‬‬‫العلم في الحالتين سواء كان موضوعه الطبائع أو الشرائع نقد للخبر عن الخبرة الحاصلة للإنسان‬ ‫عنهما خلال تعامله معهما في استعماره للأرض والكون‪.‬‬ ‫تلك هي الثورة في مجال النشاط المعرفي أو العلم‪ ،‬سواء كان الموضوع طبيعيا أو تاريخيا بوصفه‬ ‫منتسبا إلى الوصل في المعادلة الوجودية التي حددنا‪.‬‬ ‫‪40 16‬‬

‫سأترك قلب مخمس الأنشطة‪ ،‬أعني القدرة التي تتعين في الإنتاج المادي أو الاقتصاد لأعود إليه‬ ‫بعد أن أدرس النشاطين المواليين كما درست المتقدمين‪.‬‬‫سأدرس الوجود أو الرؤى الدينية والفلسفية المناظرة في الأعيان للإرادة أو السياسة في الأذهان‪.‬‬ ‫وكذلك الحياة أو الفنون الناظرة للعقل والعلوم‪.‬‬‫فالعقل والعلوم هما أداة الإنسان لكشف أسرار الوجود الطبيعي والتاريخي في الأعيان (الآفاق)‪.‬‬ ‫والحياة والفنون هما أداته لكشف أسرارهما في الأذهان‪.‬‬‫فما بين ما في الأعيان من الكيان وفي الأذهان من الوجدان هما مقوما كل إنسان بوصفه مستعمرا في‬ ‫الأرض ومستخلفا فيها‪ .‬فهو من الطبيعة والتاريخ وفوقهما‪.‬‬‫وكيانه البدني هو المعبد الأسمى الذي بناه الرب في الرمزية القرآنية‪ .‬إنها مرآته ذات وجهين‪ :‬في‬ ‫أحدهما ينعكس ما في الأعيان‪ ،‬وفي الثاني ما في الأذهان‪.‬‬‫وهذه المرآة التي لها وجها جانوس‪ ،‬تمثل مادة الإنسان الطبيعية المتشكلة بصورته الثقافية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فهي لا تقوم إلا بالإنتاجين المادي والرمزي‪.‬‬‫والإنتاج الرمزي شرط إمكان للإنتاج المادي (السياسة والعلوم والفنون والرؤى)‪ .‬والإنتاج المادي‬ ‫شرط حصول للإنتاج الرمزي‪ :‬علاقة العمران بالاجتماع‪.‬‬‫قدمت الإرادة والعقل وسأقدم الأخيرين الحياة والوجود لتكون القدرة موضوع الفصل الأخير‪،‬‬ ‫حصيلة معقدة لما قدمت وأخرت‪ :‬تلك هي منزلة القدرة في القرآن‪.‬‬‫وفي ذلك جواب عن حيرتين‪ :‬فاعلية الإسلام‪ ،‬وتتعلق بحيويته والفاتحة‪ .‬وتاريخية وكونية الإسلام‬ ‫وتتعلق بشمول البشرية والكون كله مجالا لتمدد دولته‪.‬‬‫والظاهرتان أدركهما هيجل وظنهما دالين على ميزتين‪-1:‬عبادة المجرد وغير المتعين ‪-2‬الوحدة‬ ‫العضوية بين الديني والسياسي‪ .‬وابن خلدون يوافقه عليهما‪.‬‬ ‫‪40 17‬‬

‫ولو عاش هيجل إلى يومنا‪ ،‬لما أول الخاصيتين التأويل السلبي الذي مال إليه أثرا خافتا لتعصب‬ ‫الكنسية الوسيطة‪ ،‬ولفهم أنهما عين مستقبل الإنسانية‪.‬‬‫فالإنسانية بالعولمة المادية مجال واحد يمتد إلى الكون كله وليس مقصورا على المعمورة فضلا عن‬ ‫الدول المتلاصقة‪ .‬وتحتاج لعولمة خلقية وروحية‪.‬‬‫هيجل القائل بموت الإله ونهاية التاريخ محكمة الرب الأسمى تعريضا بيوم الدين ونفيا لما وراء‬ ‫العالم‪ ،‬كذبه التاريخ وكذب زعمه أن الإسلام خرج منه‪.‬‬‫فالله لم يمت والتاريخ ليس الحكم النهائي واليوم الآخر شرط العدل والإسلام عاد إلى تاريخ عودة‬ ‫لعلها ستكون أحسن خلف لأفضل سلف في نشأته الأولى‪.‬‬‫ومن تناظر الوظيفة بين العقل والوجدان رغم اختلاف الميدان‪ ،‬استمددنا تحويرا في خطة الكلام‬ ‫على ثورة الإسلام لنعود من المجال الخامس إلى الرابع‪.‬‬‫الخامس الوجود أو الرؤى وصيغها الدينية والفلسفية يناظر الأول أو الإرادة وتعينها السياسي‬ ‫وصيغها الدينية والفلسفية في كل حضارة بلغت الكونية‪.‬‬‫والثاني العقل أو العلوم وتعيناتها الابستمولوجية والتكنولوجية يناظر الرابع الحياة أو الفنون‬ ‫وتعيناتها الذوقية والسلوكية في أي حضارة ذات كونية‪.‬‬‫وبذلك تتحدد نظرية القدرة التي هي فاعلية القيم بوجهيها المادي والروحي‪ :‬فالإنتاج المادي ليس‬ ‫هو كفاعلية وسلوك إلا ثمرات الأربع مؤشرها الأدق‪.‬‬‫ففيه تظهر كل فضائل الإنسان وعيوبه وكل أخياره وشروره‪ .‬وفيه يعسر تحرير الإنسان من‬ ‫الحيوان الذي يسيطر عليه لعلاقة ذلك بقيامه المادي والرمزي‪.‬‬‫وأفضل رموز تعبر عن هذا الدور الخطير للقدرة المتعينة في الاقتصاد رمزان قرآنيان‪ :‬روحي‬ ‫وقانوني‪ .‬فروحيا عبادة العجل‪ ،‬وجنائيا عقوبة المس بالملكية‪.‬‬‫وإذن‪ ،‬فتغييري خطة العرض قصده بيان جوهر فلسفة القرآن المحددة للعلاقة بين عالمي الشهادة‬ ‫والغيب أو بين الدنيا والآخرة من خلال عمق هذه العلاقة‪.‬‬ ‫‪40 18‬‬

‫فلسفة الاقتصاد بوصفها ثمرة فلسفة السياسية والعلم والفن والرؤى وعلامة صلاحها أو طلاحها هي‬ ‫مميز المرجعية القرآنية الأساسي في معاني الإنسانية‪.‬‬‫وهي اليوم أفضل علامة على الانحطاط الذي يعاني منه المسلمون بسبب عدم فهمها أو بسبب عدم‬ ‫العمل بها أو لعله بسببهما معا‪ .‬وهو قصور غير مفهوم‪.‬‬‫وإذن فسنعود من آخر مجال إلى المجال قبل الأخير حتى نجمع بين الأول والثاني والرابع والخامس‬ ‫فنتمكن من تحليل الثالث الذي هو قلب المعادلة كلها‪.‬‬‫بيان الثورة في الوجود أو الرؤى الدينية والفلسفية هو إذن موضوع هذا الفصل الرابع وهو أعسر‬ ‫حتى من فصل الإرادة أو الأنظمة السياسية والدولة‪.‬‬‫فالإرادة أو الانظمة السياسية والدولة هي صورة كيان الجماعة المادي‪ ،‬والوجود أو الأنظمة‬ ‫الروحية والمرجعية هي صورة كيان الجماعة الروحي‪ :‬وجها القيام‪.‬‬‫وحتى نيسر توضيح العلاقة‪ ،‬فكيان الجماعة بوجهيه يجانس كيان الفرد بوجهيه‪ :‬الوجه الأول هو‬ ‫البدن والوجه الثانية هو الروح‪ .‬ووحدة الوجهين هي الأمة‪.‬‬‫والقارئ يستطيع أن يتابع التحليل إذا انطلق من هذه التعريفات المستمدة من فلسفة القرآن أو من‬ ‫بيان نسقه العميق الذي عينت فصلت ‪ 53‬الطريق إليه‪.‬‬‫فالقرآن قد يبدو لمن يقرأه قراءة عوراء يبدو نصا فوضويا يغلب عليه التكرار السطحي بين‬ ‫مشاهده وتحليلاته فلا يرى نظامه الخفي للأنصاف التيمية‪.‬‬‫لكن فصلت ‪ 53‬دلتنا على المنهج الذي يمكننا من الغوص في أعماقه‪ ،‬غوصنا في علم الطبيعة التي‬ ‫تبدو لعين الغافلين فوضوية ويغلب على سطحها التكرار‪.‬‬‫فالآية تدلنا على أن حقيقة القرآن‪-‬أي طبيعته العميقة‪-‬يرينها الله في آيات الآفاق والأنفس وليس‬ ‫في نصه‪ :‬النظر في قوانين الآفاق وسنن الأنفس‪.‬‬‫لكن جل البحوث ابتذلت حكمة القرآن فزيفت معانيه بانتهاج اسلوب القراءات المذهبية التي تجتزئ‬ ‫القرآن ففتته ولم تنفذ لنظاميه الشكلي والمضموني‪.‬‬ ‫‪40 19‬‬

‫ولهذه العلة‪ ،‬فأفضل مدخل لهذا الموضوع هو البدء بعلاج هذه المذهبة للنص القرآني الذي جعل‬ ‫كل مذهب يبحث عن تأسيس إيديولوجيته بانتخاب ما يناسبها‪.‬‬‫ذلك أن القرآن الكريم لا يفيد بما هو رسالة خاتمة بآياته بعد تفتيت وحدته ‪-‬حتى باعتبار التنجيم‪-‬‬ ‫بل بنظامه الكامل أو بوحدته البنيوية التامة‪.‬‬‫وهذا ما قصده ابن رشد ومن بعده ابن تيمية بالقول إن القرآن يفسر نفسه أو أنه لا يمكن أن يقرأ‬ ‫قراءة مذهبية تنتخب ما يناسب إيديولوجية أصحابها‪.‬‬‫وبهذا المعنى‪ ،‬فكل المذاهب لمجرد هذا الموقف الانتخابي والتجزيء إيديولوجية وكلها تكفيرية‪،‬‬ ‫ولعل أقلها تكفيرا هو من يتهم بكونه أكثرها تكفيرا‪.‬‬‫فالمذهب الحنبلي‪ ،‬وخاصة المحدث أي التيمية‪ ،‬والذي صار يختصر في الوهابية ‪-‬وشتان بين الأول‬ ‫والثاني‪-‬هو الوحيد الذي يحاول قراءة القرآن كوحدة بنيوية‪.‬‬‫ولعله هذا النهج هو العنصر المهم الوحيد الذي كان فيه ابن تيمية تلميذ ابن رشد رغم علم قرائي‬ ‫أني لست من المعجبين بابن رشد إلا في هذه المسألة‪.‬‬‫وهي مسالة منهجية وليست مضمونية‪ :‬فابن رشد هنا يطبق المنهج الفلسفي الذي لا يفصل الجزء‬ ‫عن الكل فلا يحول القرآن إلى تجريدة من الحكم الشعبية‪.‬‬‫وكم أمقت عياط الدعاة الجدد وزياطهم وتباكيهم المنافق الذي هو دعوة للتمويل الخفي المهدم‬ ‫للإسلام‪ :‬جعل القرآن حكم شعبية مبتذلة لتخويف العامة‪.‬‬‫ولست غافلا عن كون هذا الكلام سيضاعف عدة الخصوم وعديدهم‪ :‬لكني لا أبالي‪ .‬ذلك أن طلب‬ ‫الفهم المستقل له كلفة‪ .‬وأنا أحمد الله وأشكره مستعد لها‪.‬‬‫فما تحملته وأمامي مقبل العمر لن يخيفني وأنا في مدبره‪ .‬والنتيجة كما يعلم الكثير ممن لهم دراية‬ ‫بأعمالي‪ ،‬ليست مما يمكن أن يكون مصدرا للندم‪.‬‬‫فما الرؤى التي تواصل تحريف القرآن الباطني الذي يدعي التفلسف والخطابي في الدعوات؟‬ ‫فلأصنفها نسقيا‪ ،‬لأمر إلى تحديد الثوري في رؤية الإسلام‪.‬‬ ‫‪40 20‬‬

‫فقديمهم الذي تجدد حدده الغزالي في فضائح الباطنية‪ :‬حلف عقدي متفلسف ومتصوف ب ّين حقيقته‬ ‫العميقة ويتمثل في رؤية فولتيرية للدين بمعنى حديث‪.‬‬‫بيّن الغزالي أن الباطنية لا تعتبر القرآن إ ّلا مجدر ظاهر حقيقته هي معتقداتهم المزعومة فلسفية‬ ‫والتي تستعمل الإسلام أداة سياسية لحكم الجاهلين‪.‬‬‫إنها الباطنية او أساسها كذبة الأئمة المعصومين الذين يدركون باطن النص ويستعملونه لضرب الفهم‬ ‫السني الذي وضع مناهج تحرر من تأويله التحكمي‪.‬‬‫ورفض المناهج العلمية التي تحرر من التأويل التحكمي يؤسس إرهاب الباطنية الرمز ويسنده إرهاب‬ ‫القرمطية والحشاشية المادي‪ .‬وقد عادا من جديد‪.‬‬‫استغلت الصليبية الأولى والمغولية الشرقية هذين المدخلين لضرب السنة سابقا والصليبية الثانية‬ ‫والمغولية الغربية الحديثتين تستغلهما لنفس الغاية‪.‬‬‫لكن الاستغلال الحالي أضاف عاملين آخرين لم يكن لهما وجود في الماضي‪ :‬الأنظمة العميلة الممولة‬ ‫لهما ومليشيات السيف والقلم العربية في خدمتهما‪.‬‬‫وإذن فالإسلام منذ نشأته الأولى إلى اليوم‪ ،‬ما يزال في مقاومة لبقايا ما تقدم عليه من فنيات‬ ‫استعباد الإنسان في الإمبراطوريتين وما تأخر عن ظهوره‪.‬‬‫ومجرد صموده وازدياد عنفوانه وانتشاره من علامات انتصاره الحتمي‪ ،‬لأن أعداءه كلما تكاثروا‬ ‫في الداخل والخارج كلما تبين غثاؤهم وقلة حيلتهم ضده‪.‬‬‫وكان ينبغي أن أضيف عاملا يبدو جديدا أعني دور إسرائيل والمليشيات العربية التي تخدمها بالقلم‬ ‫والمال‪ .‬لكن الجدة هي في التعين المادي للدور‪.‬‬‫فدور بني إسرائيل وميلشياتها العربية بالقلم والمال ليس جديدا إلافي الظاهر‪ :‬كان التغلغل اليهودي‬ ‫ملازما لحضارة الإسلام ملازمته لكل حضارة سادت‪.‬‬‫ولفهم هذه الملازمة فلنعلم أن الفيروسات تستمد معاشها وقوتها من قوة الكائنات التي تعيش فيها‬ ‫وتتطفل عليها‪ :‬من مصر الفرعونية إلى أمريكا حاليا‪.‬‬ ‫‪40 21‬‬

‫وهنا سأفتح قوسين يتعلقان بهذه الظاهرة وبأثر عدم فهمي إياها بسبب السذاجة القومية في شبابي‪.‬‬ ‫كنت أعجب من حضور بني إسرائيل الطاغي في القرآن‪.‬‬‫لم أفهم في شبابي أنه حضور مقابل تماما لحضورهم في الحضارة الغربية الحالية‪ .‬فهذا دليل سطوتهم‬ ‫وذاك دليل تحرير الإنسانية من سطوتهم الرمزية‪.‬‬‫تميز أفاضلهم فتسميهم مسلمين‪-‬الانبياء‪-‬وتجعل عداوة الباقي منهم رمز التحريف فتقلب فاعلية‬ ‫الفيروس ليهدم نفسه بدلا من أن يمتص دمك في غياب وعيك‪.‬‬‫وبذلك يكون القرآن قد وجد حلا لعلاج التطفل الفيروسي في الحضارة‪ .‬فكان أول محاولة ناجحة‬ ‫في تعطيل السلطان الرمزي الذي كان شبه مقصور عليهم‪.‬‬‫لذلك فحضور بني إسرائيل في القرآن هو حضور \"المثال الضديد\" مما ينبغي أن يكون عليه الوجود‬ ‫الإنساني المتحرر من عبادة العجل وما يسميه ابن خلدون بالخرج‪.‬‬‫وهما ما به يسيطر بنو إسرائيل على أي حضارة سادت في المعلوم من التاريخ من مصر الفرعونية إلى‬ ‫بابل إلى روسيا إلى ألمانيا إلى أمريكا حاليا‪.‬‬‫فاطمأنت نفسي لحضور بني إسرائيل في القرآن وتخلصت من القومية لأني أدركت كونية القرآن‪:‬‬ ‫فهو لا يعادي لعلة عنصرية بل يقاوم الشر لعلة خلقية‪.‬‬‫وهذه أولى ثوراته الوجودية‪ :‬فهو رسالة كونية بمنطق النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬وبمنهج التصديق‬ ‫والهيمنة‪ :‬يطلب الحقيقة ويصادق من يطلبها من أي قوم‪.‬‬‫فإذا ميز أفاضل قوم عرفوا بعبادة العجل وبالخرج فذلك أكبر دليل على الكونية المطلقة التي لا‬ ‫تستثني أحدا ممن يطلب الحقيقة وخاصة بين من يعاديها‪.‬‬‫فيم تتمثل ثورة الرؤى المتفرعة عن النساء ‪ 1‬والحجرات ‪ 13‬علتي كونية رسالة تخاطب جميع‬ ‫الأحرار (المكلفين) دون تمييز عرقي أو طبقي أو جنسي؟‬‫الجواب المفصل هو كل ما ورد في كلامنا على الإرادة والعقل وكل ما سيرد في الحياة والقدرة لأنه‬ ‫هو حصيلة جملتها المتعالية عليها‪ .‬ولنوجزها بسرعة‪.‬‬ ‫‪40 22‬‬

‫فالنساء ‪ 1‬ثورة كونية تؤسس لباقي فروعها في المرجعية الإسلامية‪ :‬التمييز بين رحمين كوني وجزئي‪،‬‬ ‫وبين مفهومين للكائن الأسمى الرب والله مع الوصل‪.‬‬‫فالخطاب موجه إلى الناس وليس إلى المسلمين كأمة من بين الأمم‪ ،‬لأن الرسالة الخاتمة موجهة‬ ‫للإنسان من حيث هو إنسان حر أي قابل للتكليف بالخلافة‪.‬‬‫وهي تعلمهم أنهم كلهم أخوة‪ :‬من نفس واحدة‪ .‬وهو الرحم الكلي ويناظره مفهوم الربوبية لأن‬ ‫الأخوة الإنسانية ليست اختيارية‪ ،‬بل هي مقوم وجودي أصيل‪.‬‬‫والرحم الكوني والمربوبية المضطرة رغم كونها من مقومات الكيان في الأخوة الإنسانية‪ ،‬تأثيرها في‬ ‫التاريخ الفعلي يبقى دون الرحم الجزئي والآلهية‪.‬‬‫فجمع القرآن بينهما ووضع نظاما روحيا(الرؤى) ونظاما ماديا (السياسات) يمكن من جعل الرحم‬ ‫الجزئي والمألوهية يرتفع فيطابق الرحم الكلي والمربوبية‪.‬‬‫وتلك هي ثورته الكبرى‪ :‬فالبشر اخوة‪ ،‬وتعدد الأديان وتعايشها شرط التسابق في الخيرات لأن‬ ‫الغاية هي الوصول إلى الإسلام الذي هو الدين عند الله‪.‬‬‫فيتلو عن النساء ‪ 1‬حتما النتيجة المكملة‪ :‬الحجرات ‪ .13‬الخطاب للناس‪ .‬دون تمييز عرقي أو طبقي‬ ‫أو ديني أو جنسي‪ :‬منزلة الإنسان تحددها التقوى لا غير‪.‬‬‫وشرط هذا الحصر أن تكون غاية الخلق عبادة الله دون سواه (شرط الحرية من الأوثان كلها)‬ ‫وشرط الشرط أن يكون التعدد هادفا للتعارف معرفة ومعروفا‪.‬‬‫والمعرفة علم وعقل‪ .‬والمعروف أخلاق ووجدان‪ .‬وبذلك نجد أن الثورة المرجعية مبنية على العلم‬ ‫والأخلاق وهما شرط التعايش السلمي بين البشر الأحرار‪.‬‬ ‫ثورة الإسلام المرجعية أو الرؤيوية التي تتمثل في مستوى الصورة الروحية في الأذهان ما يناظر‬ ‫الصورة المادية في الأعيان أي ثورة الإسلام السياسية‪.‬‬ ‫‪40 23‬‬

‫المجال الذي يبدو الكلام عليه شبه مستحيل هو التعبير عن الحياة أو الفنون والذوق لفرط ما قيل‬ ‫ضده من فقهاء الانحطاط البعيدين عن ثورة الإسلام فيه‪.‬‬‫كيف يمكنني أن ادعي أن للإسلام ثورة ذوقية وفنية وجمالية وكل الفنون تقريبا يحرمها فقهاء‬ ‫الانحطاط‪ ،‬حتى صار الفن من صناعة الأقليات غير المسلمة؟‬‫وطبعا ما كان لي أن أصل إلى أعماق ثورة الإسلام في التعبير الذوقي عن الحياة من دون تنزيله في‬ ‫نظام القرآن ككل لتحديد نظرية الذوق القرآنية‪.‬‬‫وقد كتبت في ذلك كتاب \"الشعر المطلق والإعجاز القرآني\" لأبين علاقة نظرية الذوق بنظريتي‬ ‫العلمين الأسميين‪ :‬جوهر الرياضي شكلا وجوهر الأخلاقي مضمونا‪.‬‬‫لكني فيه لم أهتم ببيان مصدر هذا التحديد القرآني لأن همي كان تحقيق وعد لم يف به ابن سينا‬ ‫جاء في شرحه لكتاب الشعر الأرسطي‪ :‬الشعر المطلق‪.‬‬‫نظرية الذوق القرآنية هي الشعر المطلق غاية للتعبير بالشكل الرياضي والمضمون الوجداني في‬ ‫علاج الشأن الإنساني بالعلم الرياضي والحرية الوجدانية‪.‬‬‫لكني هنا أريد أن أبين ذلك بالاستناد إلى سورة الشعراء في علاقتها بسورة هود‪ .‬وللاسمين علاقة‬ ‫بالذوق الفني والمعنى الخلقي الأسميين إذ ينحرفان‪.‬‬‫والانحراف ب ّين فيما آلا إليه في ظاهر الوجود الذي لا يغوص إلى حقيقة الثورة القرآنية‪ .‬فالشعراء‬ ‫قد يحرفون الابداع الذوقي وشرطه الخلقي‪ :‬الصدق‪.‬‬‫و\"هاد\" ومشتقاتها الوظيفية والأسمية قد يحرفون الدين فيصبح ذا دلالة \"فولتيرية\" أساسه النفاق‬ ‫والتقية‪ .‬وهود والشعراء تشتركان في تحديد التحريف‪.‬‬ ‫‪40 24‬‬

‫وهما تحددانه بوصفه تخليا عن ثمرة الحرية والتكليف والعبارة الذوقية عنهما في الأذهان برمز‬ ‫\"تنزل الشياطين\" وفي الأعيان بمجالات الفعل الخمسة‪.‬‬‫ومجالات الأفعال الخمسة رمزها أزواج متناظرة‪ -1:‬موسى ونوح ‪-2‬وهود وشعيب ‪-3‬وصالح ولوط‬ ‫‪-4‬إبراهيم ومحمد ‪-5‬لتحديد دور العقل والوجدان في حفظ الكيان‪.‬‬‫ولن يستطيع متابعة الاستدلال من ليس له علم بدروس شللر في التربية الجمالية وفي علاقة الإبداع‬ ‫عامة بالحرية الابداع الرمزي والمادي في التاريخ‪.‬‬‫بعبارة وجيزة ثورة القرآن الذوقية جعلت الإبداع مشروطا بالصدق والابداع الفعلي في ترقية‬ ‫الإنسان نحو شروط التحرر مما يحول دون الاستخلاف‪.‬‬‫وبعبارة أوجز‪ ،‬هو دحض لنظرية العرب في الشعر‪ :‬أجمل الشعر أكذبه‪ .‬فهذا المعيار يوهم الناس‬ ‫بأن الشعر يتكلم في الخيال المخالف للواقع‪ :‬خطأ مضاعف‪.‬‬‫فأصحاب هذه النظرية السخيفة يحرفون معنى الخيال ومعنى الواقع‪ .‬ظنهم أن الواقع هو الأمر‬ ‫الواقع‪ ،‬وأن الخيال هو ما يخالف المثال العقلي والوجداني‪.‬‬‫يحرفون مدلول الابداع متصورينه صناعة السكارى اللفظية بدل كونه عصارة العلم الرياضي‬ ‫والوجدان الروحي تعبيرين عن الخلق الرمزي والقيمي التاريخي‪.‬‬‫نظرية الذوق القرآنية في أسمى الفنون‪ ،‬قلبت المعايير العربية السطحية‪ :‬أعذب الشعر ليس أكذبه‬ ‫بل أصدقه‪ .‬إنه ليس خيال بل إبداع مثال الواقع الخفي‪.‬‬‫ومثال الواقع الخفي كما تبين سورة يوسف بوضوح إبداع يتجلى في شكل رؤيا أولا تصبح تاريخا ثانيا‪،‬‬ ‫وذلك في مجال الحب والرزق والعلم والسلطة والدين‪.‬‬‫وهذا الابداع الذوقي يكون رياضيا بشكله الموسيقي ووجدانيا بمضمونه الروحي‪ .‬ثرثرات الذين‬ ‫يهيمون في الحانات (بدل الفيافي) فتزل الشياطين وليس فنا‪.‬‬‫وجلافة فقهاء الانحطاط ظنهم خلطهم بين الفن وأساليب التكدي عند شعراء الانحطاط الذين‬ ‫اعتبرهم ابن خلدون سبب ابتعاد الأشراف عن تعاطي الشعر‪.‬‬ ‫‪40 25‬‬

‫واليوم أكثر من تسع وتسعين في المائة من شعراء العرب كداؤون لأنهم لا يصبرون عن التخدير‬ ‫الذاتي ثم يزينون كديتهم بمساحيق ثورية لا تنطلي إلا على السذج‪.‬‬‫فليس أفسد منهم بل إن جلهم‪ ،‬خدم لمخابرات بلدانهم أو لمخابرات أسياد حكامهم وحماتهم يفسدون‬ ‫الذوق لجهلهم بمقومي كيان الشعر وقيمه العلمية والخلقية‪.‬‬‫لست غافلا بأن أدعياء النقد سيتصوروني أخلط بين الشعر والوعظ‪ .‬وهذا دليل على أنهم هم الذين‬ ‫يخلطون بين الشعر والوعظ المضاد أو ما يتصورونه ثورية‪.‬‬‫الإبداع الرمزي والفعلي بمعزل عن الوعظ والوعظ المضاد لأنهما يسهمان في الخلق الوجودي علما‬ ‫ووجدانا‪ .‬ولهذه العلة وصلت بين سورتي الشعراء وهود‪.‬‬‫وقد أقبل الاعتراض على علاجي مثل هذه القضايا المعقدة وشديدة الدقة في وسائل الاتصال‬ ‫الاجتماعي‪ .‬لكن ذلك من مقتضيات المرحلة‪ :‬التواصل مع الشباب‪.‬‬‫فهم نهبة لهذين الكاريكاتورين من الذوق ونظريته القرآنية التي يشوهها مدعي التأصيل ومدعي‬ ‫التحديث ليس جهلا بها فحسب‪ ،‬بل بحقيقة الشعر ايضا‪.‬‬‫ولا يمكنني الكلام على ثورة الإسلام في مجالات الأفعال الإنسانية الخمسة ثم أهمل الكلام في نظرية‬ ‫الذوق الجمالي من حيث عبارة الحياة الأسمى‪.‬‬‫وما يكاد يقتلني ضحكا طرق إلقاء الشعراء المحدثين لشعرهم ظنا أن \"تعويج\" أشداقهم وزعاقهم‬ ‫وبصاقهم يعوج رياضيات الشعر الموسيقية‪ .‬وهيهات هيهات‪.‬‬‫وهم بذلك لا يختلفون عن عياط الوعاظ الجدد أو الدعاة \"المعد\" وزياطهم‪ :‬كلاهما يجعل ما يبيعه‬ ‫للعامة وللمتحكمين فيهم من بضاعة مجرد ظاهرة صوتية‪.‬‬‫لما أسمع النواح وكاريكاتور الذاتيات المباح عند الرهطين وما يصبهما من صياح ونباح‪ ،‬أفهم من‬ ‫الممول ومن المستهدف بهذا التحريف للشعر والدعوة‪.‬‬‫هما في الحقيقة دعويان ودعوتان‪ :‬تشتركان في التحريف بهدف التخدير وضرب البندير لمن يدفع‬ ‫أكثير للسكير ومنافقي أدعياء النطق باسم النذير والبشير‪.‬‬ ‫‪40 26‬‬

‫لا فرق عندي بين تحريف الدين تحريف الشعر‪ :‬كلاهما ناطق بتنزل الشياطين أو بما يفسد عقل‬ ‫الإنسان ووجدانه بدلا من بنائهما المبدع رياضيا وروحيا‪.‬‬‫فمن دون التناغم الروحي لا يمكن للأناغيم الموسيقية أن تؤثر‪ :‬والقرآن الكريم مؤثر بهما لأنه‬ ‫يخاطب مثال الواقع بصادق الخطاب لطالب الصواب‪.‬‬‫أعلم أن أشباه النقاد سيرون في كلامي أخلاقوية وهي حجتهم المتبذلة بدعوى أن الفن بمعزل عن‬ ‫الأخلاق‪ .‬دعوى حق يراد بها باطل‪ .‬فالذوق أصل لا فرع‪.‬‬‫والأصل أسمى من الفرع‪ .‬لكنه يصبح أدنى إذا نفى فضائل فروعه لأنها هي ما به يكون أصلا‬ ‫لفروعه‪ :‬وأعني الحرية شرط الإبداع والكرامة شرط تعبيريته‪.‬‬‫وكلاهما يتجلى في سلوك أدعيائه‪ :‬هل بالصدفة انحياز كل من يسمون أنفسهم فنانين ودعاة‬ ‫للاستبداد والفساد سواء كان قبليا أو عسكريا؟ أليس لكديتهم؟‬‫فالمقاتل المرتزق لا يمثل الشجاعة والفروسية والشاعر والداعية المرتزق لا يمثلان الإبداع والدين‬ ‫بل يمثلان تحريفهما فضلا عن الجهل بمقوميهما‪.‬‬‫وما يتنافى مع الارتزاق هو الصدق وابداع مثال الوجود بالشكل الرياضي تعبيرا عن العلم‬ ‫وبالمضمون الوجداني تعبيرا عن الخلق‪ :‬تعالي جوهر الأصل‪.‬‬‫ولو كانوا دارين بنظرية الشعر الارسطية وبقيمها الأفلاطونية لعلموا أن مجرد انحصار ما يسمونه‬ ‫شعرا في التعبير عن أحوال نفوسهم يخرجه من الشعرية‪.‬‬‫ولو عملوا أن غياب البعد الرياضي (الموسيقى) والخلقي (الوجدان الكوني) لا يلغيه من الشعر‬ ‫فحسب‪ ،‬بل من التعبير عن مثال الواقع الخفي أساس كل إبداع‪.‬‬‫فالشعر هو قمة ما يطلبه الدين والفلسفة لأنه غاية ما يمكن أن يتحقق فيه مفهوم الإنسان الذي‬ ‫هو الإبداع المحقق للاستعمار والاستخلاف في الأرض‪.‬‬‫وهذا الإبداع مشاركة في الخلق‪ .‬خلق مثال الواقع لأن الواقع ليس ما يجري في الأحداث بل ما يجعلها‬ ‫ذات وقع في الكيان والوجدان‪ :‬إنه جوهر الحضارة‪.‬‬ ‫‪40 27‬‬

‫لكنهم بالتحريف جعلوه عين الدعارة أي تنزل الشياطين بلغة القرآن فهو بمصطلح ابن خلدون‬ ‫\"يفسد معاني الإنسانية\" بالتربية التحريفية (أفلاطون)‪.‬‬‫فمن يتجاهل رأي أكبر شعراء يونان القائل إن الكلام على أحوال النفس دليل الاستثناء من‬ ‫الشاعرية ورأي شللر أن الإبداع والاخلاق شرطهما الحرية‪.‬‬‫فهل رأيتم حرا مرتزق؟ أغلب أبواق الدعوة والشعر أبواق لتحريف الدين والإبداع وخدمة‬ ‫شياطين الإنس الذين أفقدوا الإنسان العربي حريته وكرامته‪.‬‬‫ويكفي أن ترى من كانوا يدعون قيادة ثورة التجديد فإذا بالأحداث بينت أنهم عبيد الطائفية‬ ‫والعنصرية وخدمة الحرب الاستعمارية على شعبهم وأمتهم‪.‬‬‫وحتى هذه الرذائل فهي عندهم ليست معتقدات صادقة‪ ،‬بل هي أدوات ترشحهم عند أعداء الإسلام‬ ‫لعلهم يناولون جائزة نوبل بدون نبل ولا شرف ولا كرامة‪.‬‬‫ولست بحاجة لذكر الأسماء لعلتين‪ -1:‬لأن التعريف بالوصف يغني عن الأسماء و‪ -2‬لان هذه‬ ‫الصفات بلغت من العموم ما جعلها تصدق على جلهم أو كلهم‪.‬‬‫لم يبق إلا أن أبين العلاقة بين سورتي الشعراء وهود فيما يتعلق بتطبيق الوظيفة الابداعية في‬ ‫الأزواج الخمسة الذين يمثلون الأفعال في كل حضارة‪.‬‬‫سأفترض أن القراء مطلعون على السورتين ووحدة الأزواج فيهما‪-1 :‬موسى ونوح ‪-2‬هود وشعيب‬ ‫‪-3‬صالح ولوط ‪-4‬ابراهيم ومحمد ‪-5‬مبدأ وحدة الزوجين فيها‪.‬‬‫فمبدأ وحدة الزوجين فيها جميعا هو عين المرجعية الواحدة في ابراهيم الأول مؤسس الحنيفية‬ ‫الأولى وابراهيم الثاني الذي أسس الحنيفية المحدثة‪.‬‬‫ابراهيم مؤسس الوحدانية لأنه يرمز لتحرير البشرية من داءين‪ :‬بتخليصها من عبادة الطبيعة‬ ‫الأسمى (الأفلاك) ومن التضحية بالكائن الأسمى (ذبح ابنه)‪.‬‬‫ومحمد مجدد الحنيفية الأولى ومؤسس الحنيفية الثانية بجعل هذين الثورتين جوهر سياسته فأعاد‬ ‫عبادة الله وحده وحرر الإنسان نهائيا من التضحية به‪.‬‬ ‫‪40 28‬‬

‫لكن هذين الثورتين اللتين كانتا في الحنيفية المحدثة الأولى (ابراهيم) مجرد مبادئ عامة أصبحتا‬ ‫ذاتي مضمون سياسي خلقي ترمز اليه بقية الأزواج‪.‬‬‫فموسى ونوح‪ :‬تحرير بالشرع من سلطان الطبيعة ومن الفرعونية‪ .‬ثورة علمية وقانونية‪ .‬العلمية‬ ‫إعادة بناء الطبيعة نفسها (استنبات زوجين أثنين منها)‪.‬‬‫والقانونية يرمز إليها ألواح موسى التي تضيف إلى الثورة العلمية (نوح بإعادة الطبيعة صناعيا)‬ ‫الثورة السياسية والقانونية ضد العبودة بالحقوق‪.‬‬‫ويأتي دور الزوجين المواليين‪ :‬هود وشعيب‪ .‬رسالتهما في السياسة الاقتصادية وشروط التبادل‬ ‫والتعاوض العادلين ورمزها منع التطفيف كيلا واكتيالا‪.‬‬‫والزوج الأخير أعني صالح ولوط‪ :‬رسالتهما تدور حول سر الحياة أي الماء والجنس‪ .‬فمن لم يفهم‬ ‫ذلك فهو إما غبي أو من جنس محرفي الدين والشعر‪.‬‬‫فالدين هو التعين الفعلي للأخلاق أي للصدق (النفاق نفي له) وللجمع بين القول والفعل (التقية‬ ‫نفي له وهي أكبر مقت عند الله)‪ :‬والتحريف نقيضهما‪.‬‬ ‫وحقيقة الشعر تعين فعلي لإبداع مثال الواقع الخفي وبه يكون الإنسان أهلا للاستخلاف‪ :‬الحرية‬ ‫والكرامة وشرطهما الصدق والتطابق بين القول والفعل‪.‬‬ ‫‪40 29‬‬

‫والآن إلى غاية المحاولة للكلام على الثورة الإسلامية أعني الكلام على قلب معادلة الأفعال الخمسة‬ ‫أعني القدرة أي انتاج القيم المادية‪ :‬الاقتصاد‪.‬‬‫وقبل الخوض في أعسر فصول المحاولة سأبدأ بملحة البطل الذي تنسب إليه هو الصديق والمرحوم‬ ‫عبد الوهاب المسيري ولعله من أواخر رجال مصر الكبار‪.‬‬‫يقال إنه قد قال إنه عجز عن فهم ما أكتب‪ .‬وقد يكون قالها لكنه بذهنية المفكر المصري الذي يعبر‬ ‫عن المحبة النكتة‪ .‬فقد برهن على محبته قبل أن أراه‪.‬‬‫كنت في ماليزيا لما شعرت بذلك‪ .‬فهو أوحى لمسؤولي مكتبة الإسكندرية بدعوتي معقبا على فيلسوف‬ ‫الاعتزال في محاضرته على الوسطية وتدخل لحل مشكلتين‪.‬‬‫الأولى دبلوماسية‪ ،‬إذ أن سفير مصرفي كوالالمبور عمل كل ما يستطيع لمنع الزيارة بحجة أن الوقت لا‬ ‫يكفي للحصول على التأشيرة‪ ،‬فحلها لما علم بالأمر‪.‬‬‫والثاني اراد جماعة المكتبة أن يقتصدوا في كلفة سفرتي فبعثوا بطاقة درجة اقتصادية‪ .‬لكن بعد‬ ‫المسافة وسني جعلاني اعتذر‪ ،‬فحلها كذلك بمساعيه المؤثرة‪.‬‬‫كل ذلك أعلمني به من أصبح صديقا مشتركا بينه وبيني ولما التقينا في ندوة كبيرة كان موضوعها‬ ‫الانحياز في القاهرة التي صارت لسوء الحظ مقهورة‪.‬‬‫لماذا هذه القصة؟ ملحة واعتذار للشباب وتشجيع على الصبر‪ .‬فالفصل بحق صعب‪ ،‬وقد يوطد خرافة‬ ‫أرباع المثقفين الدرد وفاقدي القدرة على الصبر للفهم‪.‬‬‫لماذا قلب المعادلة ‪-‬القدرة أو انتاج القيم المادية أو الاقتصاد‪-‬هو أصعب فصول المحاولة؟ لأن القدرة‬ ‫بالجوهر هي القدرة على الخير وعلى الشر في آن‪.‬‬‫فلا خير ولا شر في أي جماعة إلا وأصله وفصله من انتاج القيم المادية وتوظيفها‪ .‬فهي توظف في‬ ‫الشر أو توظف في الخير في الأفعال الأربعة الأخرى‪.‬‬ ‫‪40 30‬‬

‫القيم المادية قلب المعادلة‪ .‬فمن دونها يستحيل تحقيق ما قبلها (الإرادة السياسة والعقل العلمي)‬ ‫وما بعدها (ذوق الحياة الفن وحدس الوجود الرؤى)‪.‬‬‫وكنت قد بينت في مواضع كثيرة أن رمز هذه الفاعلية في الخير أو في الشر تتعين في رمزها الذي‬ ‫سميته رمز الفعل أو العملة‪ .‬وغاية شرها عبادة العجل‪.‬‬‫لكن ما مصدر عسر فهم هذا الدور العجيب لإنتاج القيم المادية الذي يتعين في رمز الفاعلية \"العملة\"‬ ‫وقد أبدع في وصفه حد كبار فلاسفة الألمان‪.‬‬‫جيورج زمل كتابه الشهير فلسفة المال‪ Philosophie des Geldes-‬ليصف فاعلية المال وتأثير‬ ‫في السلوك الإنساني ولا أحتاج لبيان منزلتها في الإسلام‪.‬‬‫العسر الأكبر مصدره هذا الدور في الفكرين الفلسفي والديني ولعله هو المشترك الاساسي بينهما‬ ‫على الأقل في الإسلام ضبطا شرعيا للخير وللشر في آن‪.‬‬‫صحيح أني أشرت في بحوثي السابقة إلى أن رمز الفعل العملة‪-‬له نظير هو فعل الرمز‪-‬الكلمة‪-‬‬ ‫وصحيح أن تأثيرهما متماثل لكن الغلبة للأول في كل تحد فعلي‪.‬‬‫فمليشيات القلم تثبت ذلك الغلبة‪ :‬فهم جميعا أبواق مأجورة من قبل مافيات المال والحكم‪ .‬وهو في‬ ‫الأنظمة القبلية والعسكرية جزية مفروضة على الشعوب‪.‬‬‫الكلمة أو فعل الرمز مخدر يحتاجه صاحب العملة أو رمز الفعل ليحقن به الشعوب إيديولوجيا لتكون‬ ‫في خدمة خدمهم أي حكام الأنظمة القبلية والعسكرية‪.‬‬‫والحكام في هذه الحالة خدم المافيات الداخلية والمافيات الخارجية والسيد المتحكم في مليشيات العملة‬ ‫والكلمة هو الحامي للمستبدين علينا والفاسدين‪.‬‬‫وهذا هو الشر الأكبر‪ .‬ويقابله الخير الأكبر عندما يكون المال والكلمة في خدمة الإنسان الحر‬ ‫صاحب السيادة وسيد حكامه المؤمنين بسيادة الأمة‪.‬‬‫عندئذ يكون انتاج القيم المادية (رمز الفعل أو العملة) وانتاج القيم الرمزية (فعل الرمز أو‬ ‫الكلمة) في خدمة ما قبل القلب وما بعده في المعادلة‪.‬‬ ‫‪40 31‬‬

‫هذا من حيث التوظيف في الخير أو في الشر‪ .‬والعلاقة أعقد ذلك أن الأفعال الأربعة الأخرى‬ ‫المتقدمين عليه والمتأخرين عنه هي شرط إمكان القلب ووجوده‪.‬‬‫فالشعوب التي ليس فيها سياسة رشيدة وعلم مبدع وذوق راق ورؤى عميقة تكون دائما عاجزة عن‬ ‫إنتاج القيم المادية والرمزية وعن حماية ذاتها ورعايتها‪.‬‬‫أي إنها بلغة ابن خلدون تكون عالة على غيرها حتى لو أمدتها الطبيعة بثروة طبيعية‪ .‬فهذه الثروة‬ ‫مهما عظمت ناضبة ولا ثروة بحق إلا بالعلم والعمل‪.‬‬‫ما وظيفة الفعلين المتقدمين والمتأخرين عن القلب؟ المتقدمان‪ :‬السياسة شرط سداد والعلم شرط‬ ‫قدرة وهما علة فاعلية للثروة الدائمة في أي جماعة‪.‬‬‫والمتأخران عن القلب‪ :‬أي الذوق الجمالي والرؤية الوجودية علة غائية أي إن القدرة تكون مدفوعة‬ ‫فاعليا بالسياسة والعلم وغائيا بالذوق والرؤية‪.‬‬‫وهذا هو ما يغيب عن بال حكام العرب في الأنظمة القبلية والعسكرية والغبي من النخب التي تطبل‬ ‫لاستبدادهم وفسادهم ولقتلهم صاحبة البيض الذهبي‪.‬‬‫فمن دون سياسة رشيدة وعقل مبدع للعلم يمتنع إبداع القيم المادية (الاقتصاد) والرمزية‬ ‫(الثقافة)علة فاعلة لثروة الأمة‪ :‬بل هما يصبحان مصدر الشر‪.‬‬‫ومن دون ذوق جمالي ورؤية وجودية يموت الدافع الغائي في الجماعة ويصبح أصحاب الفعلين مصدر‬ ‫كل الشرور‪ :‬دعم الفنانين والدعاة للسيسي وبشار مثلا‪.‬‬‫والظاهرة لا تقف عند السيسي وبشار‪ .‬فغالبية الحكام وميليشياتهم النخبوية وأجهزتهم القمعية‬ ‫وظيفتهم الأساسية قتل العلتين الفاعلية والغائية‪.‬‬‫وإذن فالإرادة السياسية والعقل العلمي يمثلان العلة الفاعلة للثروة المادية والرمزية‪ .‬فالفاعلية‬ ‫السياسية تتعلق بأنظمة التبادل والتواصل الحرين‪.‬‬‫وتلك هي وظيفة الحماية بالمعنيين القضائي والأمني داخليا والدبلوماسي والدفاعي خارجيا‪ ،‬وتلك‬ ‫هي شروط التعاون والتعاون بحماية الحقوق والمنازل‪.‬‬ ‫‪40 32‬‬

‫وبذلك تكون السياسة المتعينة في الحكم والمعارضة والمراقبة الشعبية جهازا فاعلا في خدمة الرعاية‬ ‫التي لا تكون من دون ثروة‪ :‬سيادة القانون والوطن‪.‬‬‫أما العلم فدوره علة فاعلية لكنها من جنس ثان‪ :‬فهو اساس السلطان على الطبيعة وعلى التاريخ‪.‬‬ ‫فعلوم الطبيعة والإنسان شارطة لإبداع الثروة بالتراث‪.‬‬‫الأولى شرط استخراج الثروة من الطبيعة‪ .‬والثانية لحسن التصرف فيها بالعدل‪ .‬وما يجعل التنافس‬ ‫عليها إلى مصدر خير وتنمية بدل أن يكون مصدر شر وتخلف‪.‬‬‫لذلك فكل الجماعات الواعية فهمت أن البحث العلمي هو اساس التنمية والثروة أي إن الإنتاج‬ ‫الرمزي هو الأساس في الإنتاج المادي شرط إمكان وشرط نمو‪.‬‬‫ومثلما أن الفعلين المتقدمين على القلب يؤديان وظيفة العلة الفاعلة‪ ،‬فإن الفعلين المتأخرين عنه‬ ‫يؤديان وظيفة العلة الغائية بصورتين متكاملتين‪.‬‬‫فالوجود أو الرؤى علة غائية تفعل بالنموذج المثالي الذي تعتبره غاية حياة الإنسان وجاذبية سعيه‬ ‫في الوجودين الدنيوي والأخروي‪ :‬مشترك ديني فلسفي‪.‬‬‫والحياة بتعبيرها الذوقي الجمالي ذات فاعلية غائية كذلك لكنها ليست بغائية نهائية بل بغائية‬ ‫مساوقة أو مصاحبة للحياة كلها‪ :‬الأنس بالعشير خلدونيا‪.‬‬‫وهي مفهوم السعادة التي تعني الاستمتاع بالحياة أو بلغة القرآن النصيب من الدنيا‪ .‬وأهمها المال‬ ‫والبنون والجنس والخيل المطهمة وكل رموز المتعة‪.‬‬‫وبعبارة أوجز لو قارنا العملين المتقدمين على القلب المتأخرين عنه لوجدنا الأولين لشروط الاستعمار‬ ‫في الأرض والثانيين لشروط الاستخلاف‪.‬‬‫فتكون السياسة والعلم شرطين لنجاح الاستعمار في الأرض خاصة‪ ،‬والوجود والفن والرؤى شرطين‬ ‫لنجاح الاستخلاف فيها‪ :‬ومجموعهما عين كيان الإنسان‪.‬‬‫وكلما كان الإنسان متخلفا‪ ،‬رد كيانه لتعينه المادي لأن ينكص إلى ما فيه من حيواني فيصبح جوهر‬ ‫وجوده معبوده هواه وهمه دنياه‪ ،‬فيكون أذل مخلق وأحقره‪.‬‬ ‫‪40 33‬‬

‫وتلك هي العبودية أو عبادة العجل التي جعلت بني إسرائيل ينحطون في غياب موسى عليه السلام‬ ‫فيصنعون من الذهب المسروق ربا يخور لحياة ناكصين تبور‪.‬‬‫وما للفساد والاستبداد الذي يسيطر على أنظمة القبيلة والعسكر وميليشياتهما وأجهزتهما من علة‬ ‫إلا هذا النكوص لعبادة العجل‪ :‬أكل أنعام ولهيث كلاب‪.‬‬‫وهذا هو ما يسميه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية ورمزه النفسي الخلقي الكسل (عدم العمل)‬ ‫والكذب (عدم الصدق) والجبن وقبول العبودية‪ :‬تلك حالهم‪.‬‬‫لذلك فهم قد جعلوا دار الإسلام مزقا لتكون محميات يوليهم عليها سادتهم فلم يكفهم استعمار الأرض‬ ‫واستغلال الثروة يريدون قتل المرجعية والتراث‪.‬‬‫وإذن فالمجال المركزي من الأنشطة الخمسة قلبها المتعلق بالقدرة الشارطة لما تقدم عليها منها وما‬ ‫تأخر والمشروطة بها هو مصدر الخير والشر في آن‪.‬‬‫ففيم تتمثل ثورة الإسلام في هذا المجال الأوسط بين السياسي والعلمي قبله والفني والرؤيوي بعده؟‬ ‫أولا بيان شروط خيريتها لتحقيقها وشريتها لتجنبها‪.‬‬‫وهي بصورة لم تبلغ درجة النسق النظري من أهم موضوعات الفقه لأن \"الملكية\" والالتزامات‬ ‫التعاقدية من أهم مواد تشريعاته وممارساته القضائية‪.‬‬‫وأتم محاولة فلسفية مثلت نقلة نوعية من التشريع بمقتضى الأحكام السلطانية إلى التشريع‬ ‫بمقتضى طبائع الأشياء هي من إنجاز ابن خلدون دون منازع‪.‬‬‫وهي بداية جدية لوضع نظرية في الاقتصاد الإسلامي الذي أسس للجمع بين فضائل الفاعلية‬ ‫الاقتصادية الجامعة بين محفزات الإنتاج والتوزيع العادل‪.‬‬‫فالملكية والتعاوض العادل خلال التبادل مع أهم مشجعات الإنتاج بالتعاون والتعاوض العادل والحد‬ ‫من تدخل الدولة واستقلال العملة مبادئ صريحة‪.‬‬‫ومنها اقتصاد الدولة وقواعد ماليتها وقواعد الجباية ومنع الاحتكار والسخرة ومنع دور الجاه ومنع‬ ‫الدولة من التدخل في الأسواق والاقطاع عطاء وأخذا‪.‬‬ ‫‪40 34‬‬

‫لكن أهم مبادئ وضعها ابن خلدون مستمدا إياها من فهمه لثورة الإسلام الاقتصادية‪ ،‬تمثلت في‬ ‫تقدير القيمة بكمية العمل المنتج للبضاعة أو الخدمة‪.‬‬‫وثاني أهم مبدأ هو القول باستقلال العملة عن السلطة التنفيذية (السلطان) وضمنها إلى السلطة‬ ‫الرمزية(الخليفة) ومعها المكاييل والموازين ومراقبتها‪.‬‬‫وثالث مبدأ هو منع الاحتكار وفرض حرية السوق بمنع تدخل الدولة فيه وخاصة المشاركة في التجارة‬ ‫وتحديد الأسعار بقوة الدولة أو إثقال الجباية‪.‬‬‫وقد وصل إلى جعلها من جنس الزكاة من حيث النسب‪ ،‬حتى لا يفقد المنتجون والتجار الأمل الذي‬ ‫يجعلهم يعلمون بجد لأن ثمرة عمله لا تؤخذ منهم بالغصب‪.‬‬‫وهو طبعا يقول بان انتاج الثروة هو المشكل الأول للجماعة ويعتبر عدل التوزيع من مجال الاقتصاد‬ ‫الاجتماعي الديني أو تضامن الجماعة الخلقي الديني‪.‬‬‫وهو تابع لوظيفة الرعاية التي تكمل وظيفة الحماية‪ :‬فالاقتصاد بحاجة إلى حماية شروط الإنتاج‬ ‫وهي تقنية (شروط التعاوض) وقضائية (عدل التعاوض)‪.‬‬‫وهو بحاجة إلى الرعاية بتوفير شروط التكوين والتموين ومنع ما يحول التنافس الضروري على‬ ‫تنمية الرزق إلى مصدر تنازع بدلا من أن يكون مصدر تعاون‬ ‫فيتحقق المعنى العميق للاقتصاد السياسي الذي هو في الحقيقة التدبير السياسي لشروط الإنتاج‬ ‫والتوزيع الماديين بصورة تجعله لحمة توحيد وازدهار‪.‬‬ ‫‪40 35‬‬

‫بينت ثورات الإسلام في الأفعال الخمسة‪ ،‬أي في الإرادة والسياسة وفي العقل والعلم وفي القدرة‬ ‫والاقتصاد وفي الحياة والذوق وفي الوجود والرؤى‪ :‬فلم؟‬‫لم أفعل من موقف دفاعي ضد اعداء المسلمين أو بدافع عقدي ضد اديان منافسة‪ .‬فلست أنطلق‬ ‫بدوافع سلبية تحركني بالإضافة إلى ما يحاك ضدنا وضد ديننا‪.‬‬‫فدافعاي إيجابيان‪-1 :‬علمي نظري وهو إظهار ما اعتبره حقيقة يجهلها المسلمون أكثر من أعدائهم‬ ‫و‪ -2‬خلقي عملي وهو الاسهام في تخليص الشباب من العقد‪.‬‬‫فلا يكفي أن ينتسب الإنسان إلى الإسلام وحضارته وهو جاهل بفضائلها التي بها حررت الإنسانية‬ ‫كلها من داءين يحولان دون حريته الروحية والسياسية‪.‬‬‫ولا معنى للاستئناف المنفعل الذي يتحول إلى مرض المعقدين أو ضغينة المحتقرين لأنفسهم الذين‬ ‫يدفعهم حب الانتقام كذراعي الاستعمار في الإقليم‪.‬‬‫فأحدهما ‪-‬إيران‪-‬يريد استرداد مجد سياسي أفقده إياه الإسلام بعقد أعمته عما أمده به الإسلام‬ ‫ليتحرر من عبادة العباد‪ ،‬فيصل إلى عبادة رب العباد‪.‬‬‫والثاني‪-‬إسرائيل‪-‬وبنفس الضغينة دافع فعله ضد الإسلام القيم الكونية والموجبة‪ ،‬بل الانتقام من‬ ‫سلطان روحي كان يعتبره حكرا على شعب الله المختار‪.‬‬‫مشكلهم مع المسلمين والإسلام أنه حرر البشرية من احتكار القوة السياسية والقوة الروحية‪ ،‬وجعل‬ ‫ذلك تراثا إنسانيا كونيا شرطه أخوة البشر وتساويهم‪.‬‬‫ولست أخاف من شيء أكثر من أن يصبح شبابنا في وضع من تحركه الضغائن فيفقد المشاعر الموجبة‬ ‫التي هي جوهر الرسالة الخاتمة‪ :‬النساء ‪ 1‬والحجرات ‪.13‬‬‫فكيف لبيان الثورة الإسلامية في الأفعال الخمسة أن يجعل الأمة قادرة بهاتين الغايتين العلمية‬ ‫النظرية والخلقية العملية على الاستئناف السوي؟‬ ‫‪40 36‬‬

‫كل من يصل هذه الفصول السبعة حول ثورة الإسلام في الأفعال الخمسة بما سبق الكلام عليه في‬ ‫مسألة درس التراث يدرك عسر المهمة ونبلها في آن‪.‬‬‫ذلك أن عسرها الذي قد يحول دون علاجها قد يغلي رؤية نبلها خاصة وكلا صنفي المثقفين العرب‬ ‫النافذين باسم التأصيل والتحديث يمثلان أكبر العوائق‪.‬‬‫فنخب التأصيل يخلطون بين ثورة الإسلام ونكوص المسلمين للجاهلية فيحاربون الإسلام بسبب الغفلة‬ ‫والحمية الجاهلية‪ :‬يشوهونه بدعوى إحيائه قشوره‪.‬‬‫ونخب التحديث بنفس التشويه لقيم الحداثة التي يشوهونها‪ ،‬إذ يقدمون أنفسهم ممثلين للحداثة‬ ‫فيحاربونها بمعاملة شعوبهم معاملة الاستعمار لأنديجان‪.‬‬‫فيكون كلا النوعين من النخب التي لها موقف كاريكاتوري من الإسلام والحداثة في حرب أهلية‬ ‫دونكيخوتية تحول دون الاجتهاد والجهاد المبدعين للحضارة‪.‬‬‫فثورة الإسلام لم تحرر البشرية بقشوره التي هي الفهم الكاريكاتوري لمرجعيتيه (القرآن والسنة)‬ ‫بل بلبه الذي هو تربية الإنسان وحكمه بالحريتين‪.‬‬‫فبالحرية الروحية أبدع الإسلام المسلم المريد والعاقل والقادر والحي وصاحب الرؤية الوجودية‬ ‫التي تجعل الأحرار لا يعبدون إلا الله‪ :‬قيم فقدناها‪.‬‬‫وفقدها هو ما سماه ابن خلدون \"فساد معاني الإنسانية\" بسبب فساد النظام السياسي بوجهيه تربية‬ ‫(الأخلاق والعلم) وحكما (القانون والعمل)‪:‬فصرنا عالة‪.‬‬‫وما لم نحرر الأمة من \"فساد معاني الإنسانية\" بالإصلاح السياسي بوجهي نظامه التربوي والحكمي‪،‬‬ ‫لن يتحقق التحرر الروحي لأفرادها‪ :‬فيمتنع الاستئناف‪.‬‬‫لكن غايتي تتجاوز مجرد الاستئناف لأنه قد يكون استئنافا سلبيا هدفه الانتقام من الآخرين تماما‬ ‫كما يفعل ذراعا الاستعمار‪ :‬أريده استئنافا موجبا‪.‬‬‫فالإسلام ليس دينا من بين الأديان‪ ،‬بل الدين في كل الأديان (الستة‪ :‬الحج ‪ )17‬بمعنى أنه يوحد‬ ‫البشرية انطلاقا من انثروبولوجية ذات بعدين متكاملين‪.‬‬ ‫‪40 37‬‬

‫فالبشرية واحدة من حيث هي مستعمرة في الأرض (أمهم المرضعة واحدة)‪ ،‬والبشرية مستخلفة‬ ‫فيها (مطيتهم لما يتعالى عليها)‪ :‬خلقت لتعبد الله وحده‪.‬‬‫وعبادة الله هي غاية العلم والعمل على علم‪ ،‬أي الاجتهاد والجهاد في مدلولهما الذي حددته سورة‬ ‫العصر شرطا في الاستثناء من خسر الاخلاد إلى الأرض‪.‬‬‫فالحرية الروحية هي التي تتعين في إيمان الفرد وعمله الصالح‪ ،‬والحرية السياسية تتعين في تواصي‬ ‫الجماعة بالحق وبالصبر‪ :‬مستويا الاستخلاف الموجب‪.‬‬‫لذلك فينبغي أن يكون الإسلام كما كان‪ :‬قائلا بضرورة التعدد الديني شرط التسابق في الخيرات‬ ‫وبضرورة منهج التصديق والهيمنة علامة وحدة الحقيقة‪.‬‬‫وكان ينبغي أن يكون نهجه المصدق للصادق والمهيمن على غيره نقدا تفكيكيا للتجارب الروحية‬ ‫والسياسية السابقة ومشروعا بديلا لتحقيق قيم الاستخلاف‪.‬‬‫وهذا التحقيق هو ما به يعرف الإسلام الإنسان تعريفا إنشائيا في آل عمران ‪104‬وخبريا فيها ‪110‬‬ ‫فيجعل حقيقته قابليته لتحقيقهما‪ :‬وتلك هي الخيرية‪.‬‬‫فتكون حقيقة الإنسان قابليته للتكليف وهو معنى الإرادة الحرة والمسؤولة المجهزة بعقل يفهم‪،‬‬ ‫وقدرة تنجز وحياة تذوق ورؤية تختار الشرعة والمنهاج‪.‬‬‫كان لا بد إذن من إطلاع الشباب عن ثورة الإسلام في مجالات أنشطة الإنسان من حيث هو ذو إرادة‬‫وعقل وقدرة وحياة ووجود ثورته التي من حقه أن يفخر بها‪ .‬وألا يكون فخره بها واعتزازه بداع‬‫عقدي فحسب‪ ،‬بل وكذلك لأن التحليل العقلي يثبت أنها فعلا ثورة تحرر وتحرير يخاطب الإنسانية‬ ‫كلها دون عنصرية‪.‬‬‫فليس لأي دين من الدينين المنزلين أو الدينين الطبيعيين أي ما كان ذا تأثير في عصر نزول القرآن‬ ‫بذي كونية حقيقية لأنها جميعا قومية بل وعنصرية‪.‬‬‫وحتى استثناء المسيحية من هذين الوصفين فهو متأخر بعد رسائل بولس‪ .‬فالمسيح نفسه قال في‬ ‫الانجيل ردا على سيدة إنه إنما بعث لنعاج إسرائيل الضالة‪.‬‬ ‫‪40 38‬‬

‫أما القرآن فهو للإنسانية كلها‪ ،‬بل ولكل الموجودات وخاصة المكلف منها ويكفي بخصوص الإنسانية‬ ‫الآيتان الأولى من النساء والثالثة عشرة من الحجرات‪.‬‬‫وثورته الروحية المتعلقة بحرية الإرادة في النشاط الخامس أو الوجود والرؤى هي التي تؤسس‬ ‫ثورته السياسية في النشاط الأول أو السياسة‪ :‬الشورى ‪.38‬‬‫فعندما تفهم الشورى ‪ 38‬في ضوء النساء ‪ 1‬والحجرات ‪13‬تكون قراءتها مفيدة أن من الاستجابة‬ ‫للرب أو الإيمان الصادق له خمسة أركان وردت في الآية‪.‬‬‫وأولها رمز العلاقة المباشرة بالله (الصلاة) ثم أن يكون الأمر أمر الجماعة وأن تكون رعايته‬ ‫بالشورى بينها وأن يكون ذلك لإنفاق الرزق في وجوهه‪.‬‬‫وأصل هذه الأركان هو الاستجابة إلى الرب وهي فروعه‪ .‬فيكون الإسلام كدين خاتم نظاما تربويا‬ ‫رمزه الصلاة‪ ،‬وسياسيا رمزه رعاية شورية للأمر والرزق‪.‬‬‫وقد بينت أن تحليل \"أمرهم شورى بينهم\" يثبت أنها تضمر أن الأمر أمر الجماعة وأن الجماعة ترعاه‬ ‫بالشورى‪ .‬وهي مفهومات ثورية من اليسير بيانها‪.‬‬‫فيكفي أن نترجم \"أمر الجماعة\" بمصطلح الفلسفة السياسية اللاتيني لكي نجد \"راس‪+‬بوبليكا\" أي‬ ‫إن طبيعة النظام جمهورية‪ .‬فراس تعني أمروبوبلكيا جمهور‪.‬‬‫وإذا ترجمنا \"شورى بينهم\" بالمصطلح السياسي اليوناني كان المعنى \"ديموقراطية\" أي حكم الشعب‪.‬‬ ‫فتكون طبيعة النظام جمهوري وأسلوبه ديموقراطي‪.‬‬‫وانطلاقا من الحرية الروحية (النشاط الخامس) وتطبيقا في السياسة (النشاط الأول) نستنتج‬ ‫باقي فروع الثورة بنفس التناظر بين العاملين الرابع والثاني‪.‬‬‫فالنشاط الرابع أو الإبداع الرمزي يؤسس للإبداع العلمي لأن الفنون الجميلة من حيث هي عبارة‬ ‫الذوق تكون جمالية منطلقا للمعرفية‪ :‬الفن والعلم‪.‬‬‫وبذلك نصل إلى ما به انتهت الآية ‪ 38‬من الشورى‪ :‬الانفاق من الرزق أي قلب الأنشطة وأوسطها‬ ‫رمز القدرة أو الانتاج المادي والاقتصاد‪ :‬وبه يكون الخير‪.‬‬ ‫‪40 39‬‬

‫وهو لا يكون به إلا بتجنب ما يمكن أن ينتج عنه من شر‪ :‬فهو مجال التنافس الذي ينقلب بيسر إلى‬ ‫التنازع فالتقاتل من أجل الرزق وخاصة من أجل احتكاره‪.‬‬‫بإدراك هذه الحقيقة نفهم لماذا كان القانون الجنائي الإسلامي شديد التشدد في مجال حماية الملكية‬ ‫ورعايتها حتى إن الحقوق كلها هي رهن حمياتها‪.‬‬‫ولإتمام هذا المعنى وفهمه كما ينبغي فليقرأ الإنسان البقرة ‪ 177‬التي تعرف مفهوم البر وتحدد‬ ‫فيم يتمثل فيتحرر من انحطاط حصر الدين في العبادات‪.‬‬ ‫فأساسيات السياسة والاقتصاد بل كل فروع الثورة الإسلامية فيها بوصفها رؤية للديني في الأديان‪:‬‬ ‫الاستعمار في الأرض علما وعملا بقيم الاستخلاف‪.‬‬ ‫‪40 40‬‬



‫‪02 01‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬‫تصميم الأسماء والبيان – المدير التنفيذي‪ :‬محمد مراس المرزوقي‬


Like this book? You can publish your book online for free in a few minutes!
Create your own flipbook